الحدائق الناضرة - ج ١٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : من لم يصم الثلاثة الأيام في الحج حتى يهل الهلال فقال : عليه دم يهريقه ، وليس عليه صيام».

وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن عمران الحلبي (١) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع الذي لا يجد الهدي حتى يقدم اهله ، قال : يبعث بدم». وهو محمول على ما إذا قدم اهله بعد انقضاء ذي الحجة الذي هو زمان للصوم ـ كما تقدم ـ ولم يصمها في الطريق.

ونقل في المختلف عن الشيخ في النهاية والمبسوط أنه قال : «ومن لم يصم الثلاثة الأيام بمكة ولا في الطريق ورجع إلى بلده وكان متمكنا من الهدي بعث به ، فإنه أفضل من الصوم» ثم قال بعد نقل ذلك عنه : «وهذا يؤذن بجواز الصوم ، وليس بجيد ، لأنه إن كان قد خرج ذو الحجة تعين الهدي وكذا إذا لم يخرج ، لأن من وجد الهدي قبل شروعه في الصوم وجب عليه الهدي» انتهى.

أقول : ويمكن أن يستدل للشيخ (رحمه‌الله تعالى) بإطلاق هذا الخبر ، إلا أنه معارض بما ذكره العلامة ، فإنه مقتضى الأخبار الواردة في المقام.

السابع :

لو صام الثلاثة في وقتها المتقدم ذكره ثم وجد الهدي فالمشهور بين الأصحاب أن الصوم يكون مجزئا وإن كان الأفضل ذبح الهدي ، قاله

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

١٤١

الشيخ (رحمه‌الله) وتبعه الأكثر.

والمستند فيه الجمع بين ما رواه في الكافي عن حماد بن عثمان (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هديا يوم خرج من منى ، فقال : أجزأه صيامه». وبين ما رواه في الكافي والتهذيب عن عقبة بن خالد (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل تمتع وليس معه ما يشتري به هديا ، فلما أن صام ثلاثة أيام في الحج أيسر ، أيشتري هديا فينحره أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله؟ قال : يشتري هديا فينحره ، ويكون صيامه الذي صام نافلة له».

وحاصل هذا الجمع ان له الخيار بين المضي على ما صامه ثم إتمامه بعد الرجوع أو الانتقال إلى الهدي ، والثاني أفضل.

واستقرب العلامة في القواعد وجوب الهدي إذا وجده في وقت الذبح ، واستدل ولده في الشرح بأنه مأمور بالذبح في وقت وقد وجده فيه فيجب.

ويأتي على هذا القول أن بدلية الصوم مع تقديمه إنما يتم مع عدم وجود الهدي في الوقت المعين للذبح الذي هو يوم النحر وأيام التشريق كما تقدم لا مطلقا.

أقول : لا يخفى أن هذا القول لا يتم إلا بطرح رواية حماد بن عثمان المذكورة وردها ، وهو مشكل ، على أن ظاهر إطلاق الاخبار المتقدمة في استحباب صوم الثلاثة بدل الهدي قبل يوم التروية بيوم ويومان بعده يعطى البدلية مطلقا كما لا يخفى ، وهو مؤكد لما دلت عليه رواية حماد المذكورة

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٤٢

غاية الأمر أنه لما ورد في معارضة هذه الرواية رواية عقبة بن خالد فلا بد من وجه يجمع به بينهما ، وقد عرفت ما جمع به الشيخ (رحمه‌الله) ومن تبعه من الحمل على الاستحباب.

ثم إن مقتضى ما قدمنا نقله عن الأصحاب تخصيص الحكم المذكور بما إذا صام الثلاثة ، أما لو شرع فيها ثم وجد الهدي قبل أن يتمها فإنه ينتقل حكمها إلى وجوب الهدي.

والظاهر أن وجهه هو ان وقت الذبح عندهم مستمر إلى آخر الشهر كما تقدم ، والرواية التي دلت على الاكتفاء بالصيام موردها صوم ثلاثة ، فاقتصروا في الخروج عن ذلك الأصل على مورد الرواية.

وذهب ابن إدريس والعلامة في جملة من كتبه إلى سقوط وجوب الهدي بمجرد التلبس بالصوم ، واحتج عليه في المنتهى بقوله تعالى (١) «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ» إذ مقتضاه وجوب الصوم على غير الواجد ، فالانتقال عنه إلى الهدي يحتاج إلى دليل ، ثم قال : «لا يقال : هذا يقتضي عدم إجزاء الهدي وإن لم يدخل في الصوم ، لأنا نقول : لو خلينا والظاهر لحكمنا بذلك ، لكن الوفاق وقع على خلافه وبقي ما عداه على الأصل» انتهى.

أقول : وما بعد ما بين هذا القول الذي استدل عليه هنا بالآية وبين ما قدمنا نقله عنه في القواعد ، والمسألة عندي لا تخلو من الاشكال ، حيث إن ما تقدم نقله عن الشيخ والجماعة من الجمع بين الخبرين بالاستحباب فيه ما عرفت في غير مقام مما تقدم ، وعندي أن أحد الخبرين إنما خرج مخرج

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٦.

١٤٣

التقية ، والعامة هنا مثل أصحابنا على أقوال ثلاثة :

فمنهم من ذهب إلى ما تقدم نقله عن الشيخ ، ونقله في المنتهى عن حماد والثوري.

ومنهم من ذهب إلى ما نقل عن ابن إدريس ، ونقله في المنتهى عن الحسن وقتادة ومالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين.

ومنهم من ذهب إلى ما نقل عن العلامة في القواعد ، ونقله في المنتهى عن أبي حنيفة ، قال : «وقال : «وقال أبو حنيفة : يجب عليه الانتقال إلى الهدي ، وكذلك إذا وجد الهدي بعد أن صام الثلاثة قبل يوم النفر ، وإن وجده بعد أن مضت أيام النحر أجزأه الصوم وإن لم يتحلل ، لأنه قد مضى زمان التحلل».

ولا يخفى على العارف بالسير أن ما عدا مذهب أبي حنيفة من المذاهب المذكورة لا شيوع له ولا صيت في تلك الأوقات ، وإنما ظهر هذا الصيت للمذاهب الثلاثة المنضمة إليه في الأعصار المتأخرة ، وليسوا في تلك الأوقات إلا كغيرهم من سائر المجتهدين.

وأما مذهب أبي حنيفة فهو شائع ذائع ، وله مريدية يجادلون على مذهبه ، وجميع حكام الجور في وقته وبعده أيضا في زمن تلامذته من أبي يوسف ونحوه لا يصدرون إلا عن أحكامه.

وبهذا التقريب يقرب حمل رواية عقبة بن خالد (١) على التقية ، فإنها ظاهرة في وجوب الهدي بعد صوم الثلاثة في وقتها المستحب.

وحينئذ يكون العمل على رواية حماد بن عثمان (٢) المعتضدة بإطلاق

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

١٤٤

الأخبار المستفيضة (١) المتقدمة ، كما قدمنا الإشارة إليه ، والاحتياط بالإتيان بالهدي في وقته مما لا ينبغي تركه ثم إكمال العشرة ، والله العالم.

الثامن :

لو لم يصم الثلاثة في وقتها الموظف الذي تقدم في الاخبار فإن تمكن من صيام يوم الحصبة وما بعده صامها ، وإن تمكن من التأخير إلى بعد أيام التشريق أخر صيامها إلى بعد تمام أيام التشريق فإنه الأفضل ، وإلا صام يوم الحصبة ويومين بعده ، وإن لم يقم عليه جماله صامها في الطريق أو في منزله إن لم يخرج ذو الحجة.

ويدل على الحكم الأول من أن الأفضل بعد أيام التشريق ، ومع عدم إمكانه فيوم الحصبة وما بعده ما تقدم في صحيحة رفاعة (٢) من قوله : «فإنه قدم يوم التروية ، قال : يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق ، قلت : لم يقم عليه جماله ، قال : يصوم يوم الحصبة وبعده يومين».

وأما ما يدل على الثاني من الصوم في الطريق فما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) عن عبد صالح (عليه‌السلام) قال : «سألته عن المتمتع ليس له أضحية وفاته الصوم حتى يخرج ، وليس له مقام ، قال : يصوم ثلاثة أيام في الطريق إن شاء ، وإن شاء صام في أهله».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الذبح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

١٤٥

وعن معاوية بن عمار (١) في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة ، وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله ، وإن كان له مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام».

قوله (عليه‌السلام) : «وإن كان له مقام» أي بمكة بعد الرجوع من منى.

قال في القاموس : «والصدر : أعلى مقام كل شي‌ء ـ إلى أن قال ـ : والرجوع كالصدور ، والاسم بالتحريك ، ومنه طواف الصدر ـ إلى أن قال ـ : والصدر بالتحريك : اليوم الرابع من أيام النحر» انتهى.

ومرجعه إلى احتمالات ثلاثة كلها قائمة في الخبر : أحدها أن يكون مصدرا بمعنى الرجوع ، فتكون دالة ساكنة ، وأن يكون اسم مصدر منه ، فتكون دالة مفتوحة ، وأن يراد به اليوم الرابع من أيام النحر ، وهو ثالث أيام التشريق ، فيكون مفتوح الدال أيضا.

وما رواه الشيخ في الموثق عن الحسن بن الجهم (٢) قال : «سألته عن رجل فاته صوم الثلاثة الأيام في الحج ، قال : من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج ما لم يكن عمدا تاركا فإنه يصوم بمكة ما لم يخرج منها ، فان أبى جماله

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤ وذكر ذيله في الباب ـ ٥٠ ـ منها ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٢ من كتاب الصوم.

١٤٦

أن يقيم عليه فليصم في الطريق».

وعن يونس (١) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل متمتع لم يكن معه هدي ، قال : يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قال : فقلت له : إذا دخل يوم التروية وهو لا ينبغي أن يصوم بمنى أيام التشريق ، قال : فإذا رجع إلى مكة صام ، قلت : فإنه أعجله أصحابه وأبوا أن يقيموا بمكة ، قال : فليصم في الطريق ، قال : فقلت : يصوم في السفر ، قال : هو ذا يصوم في يوم عرفة ، وأهل عرفة في السفر».

وأما ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «الصوم الثلاثة الأيام إن صامها فأخرها يوم عرفة ، فان لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في أهله ، ولا يصومها في السفر». فقد أجاب عنه الشيخ ، فقال : «يعنى لا يصومها في السفر معتقدا أنه لا يسعه غير ذلك ، بل يعتقد أنه مخير في صومها في السفر وفي اهله». ولا يخفى ما فيه من التكلف والبعد.

وقال في كتاب المنتقى بعد نقل الخبر : «قلت : ينبغي أن يكون هذا الحديث محمولا على رجحان تأخير الصوم إلى أن يصل إلى أهله مع فوات فعله على وجه يكون آخره عرفة ، وإن جاز أن يصومه في الطريق جمعا بين الخبر وبين ما سبق ، وللشيخ في تأويله كلام ركيك ذكره في الكتابين» انتهى.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٣ ـ من كتاب الصوم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٠.

١٤٧

أقول : ظاهر الخبر كما ترى أن المرتبة الثانية مع عدم الإتيان بها في الوقت الموظف الذي تقدم في الاخبار هو التأخير إلى أن يصومها في أهله ، مع استفاضة الروايات المتقدمة بالأمر بصوم يوم الحصبة وما بعده إن لم يتمكن من التأخير إلى ما بعد أيام التشريق ، وأن الصوم في الطريق إنما هو بعد هذه المراتب. وبذلك يظهر لك ما في حمل صاحب المنتقى أيضا.

وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي حمل الخبر المذكور على التقية مستندا إلى ما تشعر به صحيحة رفاعة المتقدمة ، ولعله الأقرب.

وكيف كان فالرواية المذكورة معارضة بجملة من الاخبار الصحيحة الصريحة المستفيضة المتفق على العمل بها ، فلا تبلغ حجة في مقابلتها ، والله العالم.

المسألة الثالثة :

لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في وجوب الفصل بين الثلاثة والسبعة ، لأنهم أوجبوا صوم الثلاثة في الحج والسبعة في البلد ، كما هو صريح الآية الشريفة (١) وعليه دلت الأخبار المتكاثرة.

منها صحيحة حماد بن عيسى (٢) المتقدمة في روايات صدر المسألة ، ومرسلة الفقيه (٣) ورواية كتاب الفقه الرضوي (٤) المتقدمتان ثمة ، وما

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٢.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

١٤٨

تقدم في الأمر الثاني من صحيحة ابن سنان (١) وصحيحة ابن مسكان (٢) وصحيحة معاوية بن عمار (٣) المتقدمة أيضا في الأمر الثامن.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل تمتع ولم يجد هديا ، قال : يصوم ثلاثة أيام بمكة وسبعة إذا رجع».

أقول : وهذه الرواية أيضا دالة على ما قدمناه في الأمر الثامن من أن الأفضل بعد فوات الثلاثة المستحبة التأخير إلى بعد أيام التشريق ، كما تقدم في صحيحة رفاعة (٥) وخالف في هذا الحكم جملة من العامة ، فذهب بعضهم إلى أنه يصوم بعد الفراغ من أفعال الحج ، ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وأحمد ، وقيل : يصوم إذا كان سائرا في الطريق وبه قال مالك والشافعي في القول الثاني ، وهو خروج عن صريح القرآن العزيز.

وعلى هذا فلو أقام بمكة ولم يرجع إلى بلاده انتظر مدة وصوله إلى أهله ما لم يتجاوز عن شهر ثم صام ، فان زادت مدة وصوله على شهر اكتفى بمضي الشهر ومبدأ الشهر من انقضاء أيام التشريق.

ويدل على ذلك ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (٦) المذكورة في الأمر الثامن من قوله (عليه‌السلام): «وإن كان له مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام».

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

١٤٩

وروى الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (١) «في المقيم إذا صام الثلاثة الأيام ثم يجاور ينظر مقدم أهل بلده ، فإذا ظن أنهم قد دخلوا فليصم السبعة أيام».

وعن ابن مسكان عن أبي بصير (٢) قال : «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيام ، فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم سنة ، قال : فلينتظر مقدم أهل بلده ، فإذا ظن أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام» وفي أكثر النسخ «منهل أهل بلده» وربما وجد في بعضها «مستهل أهل بلده».

وروى في المقنعة مرسلا (٣) قال : «سئل (عليه‌السلام) عن المتمتع بالعمرة لا يجد الهدي فيصوم ثلاثة أيام ثم يجاور كيف يصنع في صيامه باقي الأيام؟ قال : ينتظر مقدار ما يصل إلى بلده من الزمان ثم يصوم باقي الأيام».

قال : «وسئل (عليه‌السلام) (٤) عن متمتع لم يجد الهدي فصام ثلاثة أيام ثم جاور مكة متى يصوم السبعة الأيام الأخر؟ فقال : إذا مضى من الزمان مقدار ما كان يدخل فيه إلى بلده صام السبعة الأيام».

وروى العياشي في تفسيره عن حذيفة بن منصور (٥) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن معه هدي صام قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، فان لم يصم هذه الثلاثة الأيام صام بمكة ، فإن عجلوا صام في الطريق ، وإذا قام بمكة بقدر مسيره إلى

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦.

١٥٠

منزله فشاء أن يصوم السبعة الأيام فعل».

وهل يجزئ مضي الشهر في الإقامة بمكة أو غيرها أم يختص بمكة؟ مورد النص الأول خاصة ، وبه صرح شيخنا في المسالك حيث قال : «وإنما يكفي الشهر إذا كانت إقامته بمكة ، وإلا تعين انتظار الوصول إلى أهله كيف كان اقتصارا على مورد النص ، وتمسكا بقوله تعالى (١) «وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ» حملا للرجوع على ما يكون حقيقة أو حكما ، ومبدأ الشهر من انقضاء أيام التشريق» انتهى.

قال في المدارك بعد نقله : «هذا كلامه (رحمه‌الله) ولا بأس به ، بل المستفاد من ظاهر الآية الشريفة (٢) اعتبار الرجوع حقيقة ، فالمسألة محل إشكال» انتهى.

أقول : يمكن تطرق المناقشة إلى ما ذكره شيخنا المشار إليه بأنه إن اقتصر في هذا الحكم على مورد النص ـ وهو الإقامة بمكة ـ فالواجب أيضا الاقتصار في الانتظار على مدة وصوله بلده على الإقامة في مكة ، كما وردت به النصوص المذكورة ، فلو أقام في غير مكة لم يكن الحكم فيه كذلك ، مع أن الظاهر أنه لا يقول به ، بل يوجب عليه الانتظار المدة المذكورة ، أقام بمكة أو غيرها. وحينئذ فلا يكون للإقامة في مكة مدخل في شي‌ء من الحكمين.

والظاهر أن ذكر مكة إنما خرج مخرج التمثيل من حيث استحباب المجاورة فيها وأرجحية المقام بها ، وإلا فلو فرضنا أنه انتقل إلى الطائف واقام بها فالحكم فيه كذلك في المسألتين المذكورتين.

__________________

(١ و ٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٦.

١٥١

وأما ما ذكره سبطه من الاشكال بالنظر إلى لزوم الخروج عن ظاهر الآية الشريفة (١) فالظاهر أنه ليس في محله ، فان النصوص كما عرفت قد تكاثرت بهذا الحكم ، فيجب تقييد إطلاق الآية به ، وتقييد إطلاق القرآن العزيز بالاخبار غير عزيز في الأحكام الشرعية ولو بخبر واحد ، فكيف مثل هذه الاخبار على كثرتها وصحة بعضها ، مثل أخبار الحبوة (٢) وميراث الزوجة (٣) وتوريث الزوجة بعد الخروج من العدة في المريض ضمن السنة (٤) ونحو ذلك.

وينبغي التنبيه على فوائد يتم بها تحقيق المسألة المذكورة.

الاولى :

قد تضمن جملة من الاخبار جواز تأخير صوم الثلاثة إلى الرجوع إلى أهله.

كصحيحة معاوية بن عمار (٥) المتقدمة ، حيث قال : «فان فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله».

__________________

(١) سورة البقرة : ـ الآية ـ ١٩٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد من كتاب الفرائض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ من كتاب الفرائض.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ من كتاب الفرائض.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

١٥٢

وفي صحيحة ابن مسكان (١) المتقدمة في الأمر الثاني من المسألة السابقة «فان لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى اهله».

وفي مرسلة الفقيه (٢) «فان فاته صوم هذه الثلاثة الأيام حتى يخرج وليس له مقام صام الثلاثة في الطريق إن شاء ، وإن شاء صام العشر في أهله».

ويظهر من هذه الاخبار أن التأخير إلى وصول الأهل لا يكون إلا عن عذر مانع من صيامها في مكة أو قبل ذلك.

ثم الظاهر من الاخبار عدم وجوب الفصل هنا بين الثلاثة والسبعة ، بل نبه على ذلك في مرسلة الفقيه (٣) حيث قال بعد ذكر ما قدمناه هنا : «ويفصل بين الثلاثة والسبعة بيوم ، وإن شاء صامها متتابعة».

بل ظاهر العلامة في المنتهى عدم وجوب الفصل أيضا وإن كان في مكة بعد مضي المدة التي يمكن الوصول فيها إلى أهله أو الشهر ، قال (قدس‌سره) : «إنما يلزمه التفريق بين الثلاثة والسبعة إذا كان بمكة ، لأنه يجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فلا يمكن الجمع بينهما ولو اقام فكذلك يجب عليه التفريق ، لأنه يلزمه أن يصبر شهرا أو قدر وصول الناس إلى وطنه ، أما لو لم يصم الثلاثة الأيام إلا بعد وصول الناس إلى وطنه أو مضي شهر فإنه لا يجب عليه التفريق بين الثلاثة والسبعة ، وكذا لو وصل إلى اهله ولم يكن قد صام بمكة ثلاثة أيام ، فإنه يجوز له

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٢.

١٥٣

الجمع بين الثلاثة والسبعة ، ولا يجب عليه التفريق» انتهى.

الثانية :

المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه لا يشترط الموالاة في السبعة ، بل قال العلامة في التذكرة والمنتهى : «إنه لا يعرف فيه خلافا».

ويدل عليه إطلاق الآية (١) وتقييدها يحتاج إلى دليل ، وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما‌السلام) : إني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيام حتى نزعت بي حاجة إلى بغداد قال : صمها ببغداد ، قلت : أفرقها ، قال : نعم».

ونقل في المختلف في كتاب الصوم عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح وجوب التتابع في هذه السبعة ، قال (قدس‌سره) : «المشهور ان السبعة في بدل الهدي لا يجب فيه التتابع ، وقال ابن أبي عقيل : وسبعة متتابعات إذا رجع إلى اهله ، وذهب أبو الصلاح إلى وجوب التتابع في السبعة ، لنا : الأصل براءة الذمة ، وعدم شغلها بوجوب التتابع ، احتج بأن الأمر للفور ، وما رواه علي بن جعفر في الحسن (٣) عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال : يصوم الثلاثة الأيام لا يفرق بينها والسبعة لا يفرق بينها ولا يجمع بين السبعة والثلاثة جميعا».

والجواب المنع من

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٦.

(٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٢.

١٥٤

كون الأمر للفور ومن كون الخبر للوجوب ، ولو قيل به كان قويا ، للحديث» انتهى.

وقال في المدارك بعد نقل الخلاف في المسألة ، والطعن في سند رواية إسحاق بن عمار بالضعف ، ونقل رواية علي بن جعفر دليلا للقول الآخر ما صورته : «وهذه الرواية معتبرة الإسناد ، ليس في طريقها من قد يتوقف في شأنه إلا محمد بن أحمد العلوي ، وهو غير معلوم الحال ، لكن كثيرا ما يصف العلامة الروايات الواقع في طريقها بالصحة ، ولعل ذلك شهادة منه بتوثيقه» انتهى.

أقول : لا يخفى ما فيه من الوهن بناء على القول باصطلاحهم ، ولكن هذه عادتهم كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم أنهم إذا احتاجوا إلى العمل بالخبر الضعيف باصطلاحهم لضيق الخناق تستروا بمثل هذه الأعذار الواهية ، وليت شعري هل يخفى على مثله حال العلامة (رضوان الله تعالى عليه) من استعجاله ـ سيما في المختلف ـ ومنه وصفه هذه الرواية في هذا المقام بأنها حسنة ، وسندها على ما ترى ، فأي حسن أو صحة يمكن فيها والرجل المشار إليه في كتب الرجال المعدة لضبط أحوال الرجال غير مذكور فيها بمدح ولا قدح.

والشيخ ومن تبعه من الأصحاب قد جمعوا بين الخبرين بحمل رواية علي بن جعفر على الاستحباب ، ولا يبعد حمل رواية إسحاق بن عمار على التقية ، حيث إن العامة لا يرون التتابع حتى في الثلاثة ، كما نقله في المنتهى.

ولا ريب أن الاحتياط في التتابع كما دلت عليه رواية علي بن جعفر.

وأما ما دلت عليه من أنه لا يجمع بين السبعة والثلاثة فيجب تخصيصه

١٥٥

بما إذا كان في مكة على الوجه المتقدم دون وصوله إلى أهله كما عرفت آنفا.

الثالثة :

قد عرفت فيما تقدم دلالة جملة من الاخبار (١) على جواز صوم الثلاثة بعد الوصول إلى بلده ، فيصوم العشر كملا هناك ، وينبغي تقييده بأن يكون وصوله قبل خروج ذي الحجة ، لأنه مع خروج ذي الحجة ولمّا يصم الثلاثة يلزمه الدم كما تقدم ، ويجب تقييده أيضا بعدم وجود الهدي وإرساله على وجه يمكن ذبحه في ذي الحجة وإلا تربص به إلى العام القابل وسقط الصوم في الصورة المذكورة ، كما تقدم جميع ذلك في الأخبار (٢).

ويدل عليه زيادة على ما تقدم ما رواه في المقنع مرسلا (٣) قال : «وروى إذا لم يجد المتمتع الهدي حتى يقدم إلى اهله أنه يبعثه».

قال شيخنا الشهيد في الدروس : «لو رجع إلى بلده ولم يصم الثلاثة وتمكن من الهدي وجب بعثه لعامه إذا كان يدرك ذا الحجة وإلا ففي القابل ، وقال الشيخ : يتخير بين البعث وهو الأفضل وبين الصوم وأطلق» انتهى.

أقول : وقد تقدم في الأمر السادس من المسألة المتقدمة (٤) نقل كلام الشيخ المذكور ، وكلام العلامة عليه في ذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤ و ٧ و ١٠ و ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الذبح.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٤) راجع ص ١٤١.

١٥٦

الرابعة :

المشهور بين المتأخرين ومنهم ابن إدريس ومن بعده وجوب الصوم على الولي لو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم.

وقال الشيخ : «لو مات قبل أن يصوم شيئا مع تمكنه قضى الولي الثلاثة دون السبعة» وبه قال ابن حمزة.

وقال الصدوق في الفقيه بعد نقل صحيحة معاوية بن عمار (١) الآتية : «قال مصنف هذا الكتاب (رحمة الله عليه) : هذا على الاستحباب لا على الوجوب ، وهو إذا لم يصم الثلاثة في الحج أيضا» وظاهره الاستحباب حتى في الثلاثة.

والذي يدل على القول الأول صحيحة معاوية بن عمار (٢) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «من مات ولم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليه».

والشيخ بعد أن نقل هذه الرواية عن الكافي قال في آخرها : «يعني هذه الثلاثة الأيام» والظاهر أن هذا من كلامه بيانا لمذهبه في المسألة ، لخلو الرواية في الكافي والفقيه عن هذه الزيادة ، وكذلك رواه الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (٣) قال : «قال (عليه‌السلام) : من مات ولم يكن له هدي لمتعته صام عنه وليه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦.

١٥٧

واستدل الشيخ في التهذيب على عدم وجوب قضاء السبعة بما رواه عن الحلبي (١) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) أنه سل عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة ثم مات بعد أن رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيام أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال : ما أرى عليه قضاء».

وأجاب عنه العلامة في المنتهى بأن هذه الرواية لا حجة فيها ، لاحتمال أن يكون موته قبل أن يتمكن من الصيام ، ومع هذا الاحتمال لا يبقى فيها دلالة على المطلوب.

وهو جيد ، ويعضده ما تقدم في مرسلة الفقيه (٢) من قولهم (عليهم‌السلام) «وإذا مات قبل أن يرجع إلى اهله ويصوم السبعة فليس على وليه القضاء».

وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي الميل إلى عدم الوجوب استنادا إلى ما ورد في رواية الحلبي من أنه لا قضاء على الولي.

أقول : الظاهر عندي هو القول المشهور بين المتأخرين ، لعدم ظهور الرواية المخالفة في المخالفة.

وأما ما ذهب إليه الصدوق من الاستحباب وإن ظهر من صاحب الوافي موافقته فهو ضعيف ، إذ غاية ما تدل عليه الرواية مع تسليم دلالتها هو عدم الوجوب في السبعة ، فتبقى الثلاثة على ما دل عليه إطلاق صحيحة معاوية بن عمار ، والله العالم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

١٥٨

الخامسة :

لو تمكن من صيام السبعة وجب عليه صيامها ، ولا تجزئ عنه الصدقة ، لأن الصدقة بدل ، ولا يجزئ إلا مع عدم التمكن ، ولما رواه الشيخ عن عاصم بن حميد عن موسى بن القاسم عن بعض أصحابنا (١) عن أبي الحسن (عليه‌السلام) قال : «وكتب إليه أحمد بن القاسم في رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فلم يكن عنده ما يهدي به فصام ثلاثة أيام ، فلما قدم اهله لم يقدر على صوم السبعة الأيام وأراد أن يتصدق من الطعام ، فعلى من يتصدق؟ فكتب : لا بد من الصيام».

قال الشيخ : «قوله : «لم يقدر على الصوم» يعني لم يقدر عليه إلا بمشقة ، لأنه لو لم يكن قادرا عليه على كل حال لما قال (عليه‌السلام) : لا بد من الصيام».

أقول : بل الأقرب في معنى الخبر المذكور هو أنه لما كان صوم السبعة واجبا موسعا أمره بالتربص للصيام بعد البرء.

السادسة :

قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأن من مات وقد استقر الهدي في ذمته وجب إخراجه من أصل تركته ، لأنه حق مالي فيخرج من أصل التركة كالدين ، قالوا : ولو قصرت التركة عنه وعن

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٥٩

الدين وزعت التركة على الجميع بالحصص ، فان لم تف حصته بأقل هدي قال في المسالك : «يجب إخراج جزء من هدي مع الإمكان ، لعموم قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) : «إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم». ـ قال ـ ولو لم يمكن إخراج جزء ففي الصدقة به أو عوده ميراثا وجهان».

وقال سبطه في المدارك : «وإن لم يمكن فالأصح عوده ميراثا ، بل يحتمل قويا مع إمكان شراء الجزء أيضا ، وفي المسألة قول ضعيف بوجوب الصدقة به» انتهى.

أقول : لا يخفى أن المسألة خالية من النص ، ولكن متى قلنا بما ذكروه من هذه الفروع فيها فلا ريب أن القول بوجوب الصدقة متى لم يمكن إخراج جزء من هدي هو الأقوى واستضعافه ذلك في المدارك ضعيف.

وقد تقدم تحقيق الكلام في نظير هذه المسألة بما لا مزيد عليه في المسألة الحادية عشرة من المقصد الثالث في حج النيابة من المقدمة الثالثة (٢) وأوضحنا رجحان ما اخترناه هنا في المسألة المذكورة ونظائرها بالأخبار الواضحة والدلائل اللائحة.

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٤ ص ٣٢٦.

(٢) راجع ج ١٤ ص ٣٠٦ ـ ٣٠٩.

١٦٠