الحدائق الناضرة - ج ١٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول : الغسل من الجنابة ، ويوم الجمعة. الى ان قال : ويوم تزور البيت ، وحين تدخل الكعبة».

وروى الشيخ عن سماعة في الموثق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل الجمعة. فقال : واجب في السفر والحضر. ثم عد (عليه‌السلام) جملة من الأغسال ، الى ان قال : وغسل المحرم واجب ، وغسل يوم عرفة واجب ، وغسل الزيارة واجب ، إلا من علة ، وغسل دخول البيت واجب ، وغسل دخول الحرم ، يستحب ان لا يدخله إلا بغسل».

أقول : والمستفاد من جملة ما ذكرناه من الاخبار انه يستحب هنا ثلاثة أغسال : أحدها لدخول الحرم ، والثاني لدخول مكة ، والثالث لدخول المسجد لزيارة البيت. وبذلك صرح الأصحاب أيضا.

ومنه يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك في هذا المقام ، حيث قال ـ بعد نقل رواية أبان بن تغلب وصحيحة ذريح وحسنة معاوية بن عمار وحسنة الحلبي ورواية عجلان ـ ما لفظه : فهذه جملة ما وصل إلينا من الروايات في هذه المسألة ، ومقتضاها استحباب غسل واحد ، اما قبل دخول الحرم أو بعده ، من بئر ميمون الحضرمي الذي في الأبطح أو من فخ وهو على فرسخ من مكة للقادم من المدينة ، أو من المحل الذي ينزل فيه بمكة ، على سبيل التخيير. وغاية ما يستفاد منها ان إيقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل. فما ذكره المصنف وغيره ـ من استحباب غسل لدخول مكة وآخر لدخول المسجد ـ غير واضح. وأشكل منه حكم العلامة وجمع من المتأخرين باستحباب ثلاثة أغسال ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من الأغسال المسنونة.

(٢) الوسائل الباب ١ من الأغسال المسنونة.

٨١

بزيادة غسل آخر لدخول الحرم. وكذا الإشكال في قول المصنف : «فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله» إذ مقتضى الروايات التخيير بين الغسل قبل الدخول وبعده لا اعتبار العذر في تأخيره عن الدخول كما هو واضح. انتهى.

أقول : الظاهر ان منشأ الشبهة عنده (قدس‌سره) من صحيحة ذريح وحسنة معاوية بن عمار ، وإلا فلا ريب ان رواية أبان بن تغلب وكذا رواية ابي عبيدة ظاهرة الدلالة في استحباب الغسل لدخول الحرم ، وحسنة الحلبي ورواية عجلان ظاهرتا الدلالة أيضا في استحباب الغسل لدخول مكة وان كانت الأولى أظهر ، وصحيحة معاوية بن عمار الأخيرة وكذا موثقة سماعة ظاهرة الدلالة أيضا في استحباب الغسل لدخول المسجد ، وهو المعبر عنه بغسل الزيارة اي زيارة البيت ، كما صرح به في الرواية الأولى منهما. وقد اشتملت موثقة سماعة على عد غسل الزيارة على حدة وغسل دخول الحرم على حدة ، وأكده بقوله : «يستحب ان لا يدخله إلا بغسل». ومن ذلك قوله (عليه‌السلام) في رواية محمد ابن مسلم (١) في عد جملة من الأغسال : «وحين تدخل الحرم ، وإذا أردت دخول البيت». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان (٢) في عد الأغسال أيضا : «وحين يحرم وعند دخول مكة والمدينة ودخول الكعبة ، وغسل الزيارة». وقوله (عليه‌السلام) في حسنة محمد بن مسلم (٣) : «الغسل في سبعة عشر موطنا. وساق الكلام الى ان قال : وإذا دخلت الحرمين ، ويوم تحرم ، ويوم الزيارة ، ويوم تدخل البيت. الى آخره». فأي أدلة أصرح بالتعدد من هذه الروايات. وهذه الروايات بانضمام ما تقدم هي معتمد الأصحاب في ما ذكروه من

__________________

(١ و ٢ و ٣.) الوسائل الباب ١ من الأغسال المسنونة.

٨٢

التعدد ، ولكنه (قدس‌سره) ظن انحصار الأدلة في تلك الاخبار ، كما يشعر به قوله بعد ذكر الروايات المشار إليها : فهذه جملة ما وصل إلينا من الروايات في هذه المسألة. والأصحاب (رضوان الله عليهم) بسبب وضوح الحكم بما ذكروه من هذه الروايات تأولوا صحيحة ذريح ورواية عجلان ـ حيث ان ظاهرهما المخالفة لما دلت عليه هذه الاخبار ـ بالعذر كما ذكره المحقق ، أو الرخصة كما ذكره بعضهم ايضا. وهو جيد كما ذكرناه.

بقي الكلام في انه لو لم يحدث بين الأغسال فالظاهر الاكتفاء بغسل واحد ، فان الغرض من الغسل في هذه المواضع دخوله لها على طهارة بالغسل ، وهو حاصل بما ذكرناه.

البحث الثاني ـ في الطواف ، وهو ركن يبطل الحج بتركه عمدا ، ويجب قضاؤه لو تركه سهوا.

وله مقدمات وكيفية وأحكام ، فالكلام فيه يقع في مقامات ثلاثة :

الأول ـ في مقدماته ، وفيها الواجب والمستحب ، ونشير الى كل من افرادهما حين ذكره.

فمنها الطهارة ، وقد نقل إجماع علمائنا كافة على وجوب الطهارة واشتراطها في الطواف الواجب ، نقله العلامة في المنتهى.

وعليه تدل جملة من الاخبار : منها : ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان تقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف ، فان فيه

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من الوضوء ، والباب ٣٨ من الطواف ، والباب ١٥ من السعي.

٨٣

صلاة. والوضوء أفضل».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر وهو في الطواف. قال : يقطع طوافه ولا يعتد بشي‌ء من ما طاف» وزاد في الكافي «وسألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء. قال : يقطع طوافه ولا يعتد به».

وما رواه في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يطوف على غير وضوء ، أيعتد بذلك الطواف؟ قال : لا».

وعن أبي حمزة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) «انه سئل أينسك المناسك وهو على غير وضوء؟ فقال : نعم ، إلا الطواف بالبيت ، فان فيه صلاة».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن رفاعة (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أشهد شيئا من المناسك وانا على غير وضوء؟ قال : نعم ، إلا الطواف بالبيت ، فان فيه صلاة».

وما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن محمد بن مسلم في الصحيح (٥) قال : «سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور. قال : يتوضأ ويعيد طوافه ،

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٢٠ ، والتهذيب ج ٥ ص ١١٧ و ٤٧٠ ، والوسائل الباب ٣٨ من الطواف.

(٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٣٨ من الطواف.

(٤) الوسائل الباب ١٥ من السعي.

٨٤

وان كان تطوعا توضأ وصلى ركعتين».

ويستفاد من هذه الرواية صحة الطواف المستحب بغير وضوء. وهو أحد القولين في المسألة وأظهرهما.

ويدل عليه أيضا موثقة عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له : رجل طاف على غير وضوء؟ فقال : ان كان تطوعا فليتوضأ وليصل».

وموثقته الأخرى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له : اني أطوف طواف النافلة وانا على غير وضوء؟ فقال : توضأ وصل وان كنت متعمدا».

وصحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «في رجل طاف تطوعا وصلى ركعتين وهو على غير وضوء؟ فقال : يعيد الركعتين ولا يعيد الطواف».

وروى في الفقيه عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس بأن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ ويصلي ، فان طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ وليصل. ومن طاف تطوعا وصلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ولا يعد الطواف».

ونقل في المختلف عن ابي الصلاح انه قال : لا يصح طواف فرض ولا نفل لمحدث. ونقل عنه في المختلف انه احتج بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٥) : «الطواف بالبيت صلاة». وموثقة أبي حمزة المتقدمة.

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ١١٧ ، والوسائل الباب ٣٨ من الطواف.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٥ ص ١١٧ ، والوسائل الباب ٣٨ من الطواف.

(٤) الوسائل الباب ٣٨ من الطواف.

(٥) سنن البيهقي ج ٥ ص ٨٧ ، وكنز العمال ج ٣ ص ١٠.

٨٥

أقول : ومثل هذه الرواية في الدلالة على ما ادعاه رواية زرارة المتقدمة.

والجواب عن الرواية الأولى بعدم ثبوتها ، لأنا لم نقف عليها في شي‌ء من كتب الاخبار وان تناقلوها بهذا اللفظ في كتب الفروع من غير سند ، وما هذا شأنه فلا اعتماد عليه. ومع تسليمه فالتشبيه لا يقتضي المساواة من كل وجه. وعن الروايتين انه يجب تقييد إطلاقهما بما ذكرناه من الاخبار ، كما هو القاعدة المعول عليها.

وهل يستباح بالتيمم مع عدم الماء أم لا؟ قال في المدارك : المعروف من مذهب الأصحاب استباحة الطواف بالطهارة الترابية كما يستباح بالمائية. ويدل عليه عموم قوله (عليه‌السلام) في صحيحة جميل (١) : «ان الله (تعالى) جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». وفي صحيحة محمد بن مسلم (٢) : «هو بمنزلة الماء». وذهب فخر المحققين الى ان التيمم لا يبيح للجنب الدخول في المسجدين ولا اللبث في ما عداهما من المساجد. ومقتضاه عدم استباحة الطواف به ايضا. وهو ضعيف. وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الطهارة. انتهى. وهو جيد. إلا انه مناف لما قدمه في كتاب الطهارة ، لقوله ثمة في مسألة التيمم للخروج من المسجدين ، حيث قال : فانا لم نقف على ما يقتضي اشتراط عدم الماء في جواز التيمم لغير الصلاة.

ومنها إزالة النجاسة عن الثوب والبدن ، وهو واجب على الأشهر وبه صرح الشيخ (رحمه‌الله تعالى) فقال : لا يجوز ان يطوف وفي

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من الماء المطلق ، والباب ٢٣ و ٢٤ من التيمم.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ و ٢٣ من التيمم ، والراوي هو حماد بن عثمان.

٨٦

ثوبه شي‌ء من النجاسة. وبه قال ابن زهرة وابن إدريس والمحقق والعلامة وغيرهم.

وظاهر كلامهم انه لا فرق بين كون النجاسة من ما يعفى عنها أم لا ، بل صرح الشيخ بذلك على ما نقله في المختلف ، فقال : لا فرق بين الدم وغيره ، سواء كان الدم دون الدرهم أو أزيد. وبهذا التعميم صرح ابن إدريس أيضا. وهو ظاهر المحقق في الشرائع والعلامة في المنتهى. وقال ابن الجنيد : لو طاف في ثوب إحرامه وقد اصابه دم لا تحل له الصلاة فيه كره ذلك له ، ويجزئه إذا نزعه عند صلاته. وجعل ابن حمزة الطواف في الثوب النجس مكروها ، وكذا إذا أصاب بدنه نجاسة. ونقل في المدارك عن بعض الأصحاب انه ذهب الى العفو هنا عن ما يعفى عنه في الصلاة.

ويدل على القول المشهور ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف. قال : ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه».

وما رواه الصدوق في الفقيه (٢) في الموثق عن يونس بن يعقوب ايضا قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رأيت في ثوبي شيئا من دم وانا أطرف. قال : فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد فابن على طوافك».

إلا ان بإزائهما صحيحة البزنطي عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٢٦ ، والوسائل الباب ٥٢ من الطواف.

(٢) ج ٢ ص ٢٤٦ ، والوسائل الباب ٥٢ من الطواف.

٨٧

(عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له : رجل في ثوبه دم من ما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه؟ فقال : أجزأه الطواف فيه ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر».

قال في المدارك ـ بعد ذكر رواية يونس بن يعقوب والطعن فيها بضعف السند ثم ذكر مرسلة البزنطي ـ ما لفظه : ولا يضر إرسالها ، لأنها مطابقة لمقتضى الأصل وسالمة عن ما يصلح للمعارضة. ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب اليه ابن الجنيد وابن حمزة. إلا ان الاولى اجتناب ما لم يعف عنه في الصلاة. والأحوط اجتناب الجميع كما ذكره ابن إدريس.

أقول : فيه أولا : ما عرفت في غير مقام من ان الطعن في السند لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم ولا من لا يرى العمل به من غيرهم.

وثانيا : ان مرسلة البزنطي أيضا ضعيفة بالإرسال. وقوله : «ولا يضر إرسالها» مجازفة ظاهرة ، وخروج عن قاعدة اصطلاحه ، فإنه ان كان الخبر الضعيف بأي جهة كانت يصلح للحجية فلا معنى لرده الخبر الأول ، وإلا فلا معنى لاحتجاجه هنا على العمل به بمطابقته للأصل ، بل العمل انما هو على الأصل السالم من المعارض بزعمه.

وثالثا : انه لا وجه لحكمه بالكراهة كما ذكره ابن الجنيد وابن حمزة ، لأن الكراهة أيضا حكم شرعي يتوقف إثباته على الدليل الواضح ومقتضى كلامه اطراح رواية يونس بن يعقوب ورميها من البين ، حيث طعن فيها بأنها مشتملة على عدة من المجاهيل وان راويها فطحي ،

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٢٦ ، والوسائل الباب ٥٢ من الطواف.

٨٨

وحينئذ فتكون عنده في حكم العدم ، وقد صرح بالاعتماد على مرسلة البزنطي كما سمعت من كلامه ، واللازم من ذلك هو الجواز من غير كراهة. ولكنه وأمثاله جروا على هذه القاعدة الغير المربوطة والكلية الغير المضبوطة ، من حمل الأخبار الضعيفة متى رموها بالضعف على الاستحباب أو الكراهة تفاديا من طرحها بالكلية. وهو غلط محض ، فان الاستحباب والكراهة أيضا حكمان شرعيان كالوجوب والتحريم لا يجوز القول بهما إلا بالدليل الصحيح الصريح ، كما قدمنا تحقيق ذلك في ما تقدم.

إذا عرفت ذلك فالمسألة عندي باعتبار تعارض خبري يونس مع المرسلة المذكورة لا تخلو من توقف ، فان الجمع بين الخبرين المذكورين لا يخلو من اشكال ، فإنه وان أمكن حمل رواية يونس على الاستحباب كما صرح به بعض الأصحاب ، مع ما فيه من ما تقدم ، إلا انه يمكن ايضا العمل بها وحمل مرسلة البزنطي على الجاهل بالحكم أو الأصل ، وفي المختلف حملها على الجاهل. وبالجملة فالاحتياط عندي واجب في المسألة

ومنها إذا كان ذكرا ان يكون مختونا ، وهو مقطوع به في كلام الأصحاب ، وموضع وفاق كما يظهر من المنتهى.

ويدل عليه من الاخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «الأغلف لا يطوف بالبيت ، ولا بأس ان تطوف المرأة».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان عن إبراهيم بن ميمون عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يسلم فيريد ان يحج

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٣ من مقدمات الطواف.

٨٩

وقد حضر الحج ، أيحج أم يختتن؟ قال : لا يحج حتى يختتن». ورواه الشيخ والصدوق ايضا (١).

وعن حريز في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس ان تطوف المرأة غير المخفوضة ، فأما الرجل فلا يطوف إلا وهو مختتن».

ورواه الشيخ والصدوق أيضا في الصحيح (٣). وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد في الموثق عن حنان بن سدير (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن نصراني أسلم وحضر الحج ولم يكن اختتن ، أيحج قبل ان يختتن؟ قال : لا ولكن يبدأ بالسنة».

ونقل عن ابن إدريس انه توقف في هذا الحكم. وهو ضعيف وان كان جيدا على أصوله الغير الاصيلة.

وجزم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بان الختان انما يعتبر مع الإمكان ، ولو تعذر ولو بضيق الوقت سقط. وقال سبطه في المدارك بعد نقل ذلك : ويحتمل قويا اشتراطه مطلقا كما في الطهارة بالنسبة إلى الصلاة.

أقول : مرجع كلام شيخنا في المسالك الى ان الختان من شروط الصحة كالطهارة وتسر العورة ونحوهما بالنسبة إلى الصلاة ، وقد تقرر ان شروط الصحة انما تجب مع الإمكان ، ولهذا تجب الصلاة عاريا مع تعذر ستر العورة ، وفي النجاسة مع تعذر الإزالة ، ونحو ذلك. ومرجع كلام السيد إلى انه مثل الطهارة التي لا تجب الصلاة إلا بها وتسقط بدونها مع تعذرها ، لأنها وان كانت من شروط الصحة أيضا إلا ان

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٣ من مقدمات الطواف.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من مقدمات الطواف ، والباب ٣٩ من الطواف.

٩٠

مقتضى الدليل فيها بخصوصها ذلك ، كما تقدم تحقيقه في كتاب الطهارة. والمسألة محل اشكال ، لقيام ما ذكره من الاحتمال ، فإن الأخبار بالنسبة إلى شروط الصلاة المذكورة قد صرحت بالوجوب مع عدمها ، ولم تصرح بذلك هنا بالنسبة إلى الختان ، كما انها لم تصرح بذلك بالنسبة إلى الطهارة في الصلاة ، فإلحاق هذا الشرط بالطهارة دون باقي الشروط المذكورة لا يخلو من قوة كما ذكره سبطه.

قال في المسالك بعد قول المصنف : «وان يكون مختونا ولا يعتبر في المرأة» : ومقتضى إخراج المرأة بعد اعتباره في مطلق الطائف استواء الرجل والصبي والخنثى في ذلك. وفائدته في الصبي مع عدم التكليف في حقه بالختان كونه شرطا في صحته ، كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة في حقه. وفي الدروس عكس العبارة فجعل الختان شرطا في الرجل المتمكن خاصة ، فيخرج منه الصبي والخنثى كما خرجت المرأة. والاخبار خالية من غير الرجل والمرأة. ولعل مختار الكتاب هو الأقوى.

وقال سبطه في المدارك : ومقتضى إخراج المرأة من هذا الحكم بعد اعتباره في مطلق الطائف استواء الرجل والصبي والخنثى في ذلك ، والرواية الأولى متناولة للجميع ، فما ذكره الشارح من ان الاخبار خالية من غير الرجل والمرأة غير واضح. انتهى.

أقول : أشار بالرواية الأولى إلى صحيحة معاوية بن عمار المشتملة على الأغلف الشامل بإطلاقه للافراد المذكورة. ولا يخفى ان الرجل في اللغة يطلق على البالغ وغيره ، ففي الصحاح هو الذكر من الناس. وفي القاموس : الرجل بالضم معروف ، وانما هو لمن شب واحتلم ،

٩١

أو هو رجل ساعة يولد. وحينئذ فيمكن حمل الرجل في هذه الاخبار على ما هو أعم ، فتكون دالة على دخول الصبي أيضا في الحكم المذكور. بقي الكلام في الخنثى ، ودخولها في صحيحة معاوية بن عمار باعتبار الأغلف لا يخلو من بعد ، لما عرفت في غير مقام من ان الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة دون الأفراد النادرة الوقوع ، بل لا يبعد اختصاص الاخبار بالرجل والمرأة كما ذكره شيخنا في المسالك عملا بما ذكرنا ، وإطلاق صحيحة معاوية يقيد بباقي الاخبار. وكون الرجل يطلق على ما يشمل الصبي وان صرح به في الصحاح (١) إلا ان عبارة القاموس تدل على بعده ، والعرف يساعده ، فإنه يطلق على البالغ ، قال في كتاب مجمع البحرين بعد نقل عبارتي الصحاح والقاموس : وفي كتب كثير من المحققين تقييده بالبالغ. وهو أقرب ، ويؤيده العرف.

ومنها ستر العورة ، وهو واجب في الفريضة وشرط في صحة الندب كما في الصلاة.

واستدل عليه العلامة في المنتهى بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) : «الطواف بالبيت صلاة». وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) : «لا يحج بعد العام مشرك ولا عريان».

ويظهر من العلامة في المختلف التوقف في ذلك ، حيث انه عزى.

__________________

(١) ارجع الى الاستدراكات.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٣٨ من الطواف ، وسنن البيهقي ج ٥ ص ٨٧.

(٣) الوسائل الباب ٥٣ من الطواف ، واللفظ : «. ولا يطوف بالبيت عريان».

٩٢

الاشتراط الى الشيخ وابن زهرة ، واحتج لهما بالرواية الاولى من روايتي المنتهى ، ثم قال : ولمانع ان يمنع ذلك ، وهذه الرواية غير مسندة من طرقنا فلا حجة فيها.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو جيد. والمسألة محل تردد ، والواجب التمسك بمقتضى الأصل الى ان يثبت دليل الاشتراط ، وان كان التأسي والاحتياط يقتضيه. انتهى.

أقول : والذي يدل على ذلك ما رواه العياشي في تفسيره عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). ثم ساق الحديث في مضي علي (عليه‌السلام) بآيات «براءة» الى ان قال : ان عليا (عليه‌السلام) قال : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك».

وروى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن ابن عباس (٢) في حديث «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعث عليا (عليه‌السلام) ينادي : لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان.».

وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن محمد بن الفضيل عن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمرني عن الله (تعالى) ان لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام».

وروى العياشي في تفسيره عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) في حديث «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعث عليا (عليه‌السلام) بسورة «براءة» فوافى الموسم فبلغ عن الله (عزوجل)

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٣ من الطواف.

٩٣

وعن رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعرفة ، والمزدلفة ، ويوم النحر عند الجمار ، وفي أيام التشريق كلها ، ينادي «بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» ولا يطوفن بالبيت عريان».

وعن ابي العباس عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «فلما قدم علي (عليه‌السلام) مكة وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الأكبر. الى ان قال : وقال : ولا يطوفن بالبيت عريان ولا مشرك».

وعن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «خطب علي (عليه‌السلام) الناس واخترط سيفه وقال : لا يطوفن بالبيت عريان ولا يحجن بالبيت مشرك. الحديث».

وعن ابي الصباح الكناني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) نحوه (٣).

وعن حكيم بن الحسين عن علي بن الحسين (عليه‌السلام) (٤) في حديث «ان عليا (عليه‌السلام) نادى في الموقف : ألا لا يطوف بعد هذا العام عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك».

وروى أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن عاصم بن حميد عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام): ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمرني عن الله. الى آخر ما تقدم في حديث محمد بن الفضيل.

وهذه الاخبار على كثرتها لما لم تكن من اخبار الكتب الأربعة المشهورة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٣ من الطواف.

(٥) لم نجده فيه ، والموجود فيه هو الحديث رقم ٢.

٩٤

خفيت عليهم ، وظن جملة منهم خلو المسألة من المستند كما سمعت من كلام المختلف والمدارك.

ومنها استحباب الغسل لدخول مكة ، وقد تقدم. ومضغ الإذخر. ودخول المسجد. وقد تقدم نقل الأخبار الدالة على ذلك.

ومنها استحباب الدخول من باب بني شيبة ، واستدل عليه في المنتهى بأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دخل منه (١).

قال في المدارك : وعلل أيضا بأن (هبل) بضم الهاء وفتح الباء ـ وهو أعظم الأصنام ـ مدفون تحت عتبته فإذا دخل منه وطأه برجله.

أقول : الظاهر انه (قدس‌سره) لم يقف على الخبر الدال على ذلك حيث اقتصر على مجرد هذا النقل.

والذي وقفت عليه من ما يدل على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): ذكر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الحج ، وكتب الى من بلغه كتابه. ثم ساق الخبر في حكاية حجه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حجة الوداع. الى ان قال (عليه‌السلام) : فلما انتهى الى باب المسجد استقبل الكعبة ـ وذكر ابن سنان انه باب بني شيبة ـ فحمد الله واثنى عليه. الحديث».

وما رواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه وكتاب العلل (٣) بسنده الى سليمان بن مهران قال : «قلت لجعفر بن محمد (عليهما‌السلام):

__________________

(١) المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٣ ص ٣٣٢ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج الرقم ١٥.

(٣) الوسائل الباب ٣ من الوقوف بالمشعر ، والباب ٩ من مقدمات الطواف.

٩٥

كم حج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ فقال : عشرين حجة مستسرا في كل حجة يمر بالمأزمين فينزل فيبول. فقلت : له يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولم كان ينزل هناك فيبول؟ قال : لانه موضع عبد فيه الأصنام ، ومنه أخذ الحجر الذي نحت منه (هبل) الذي رمى به علي (عليه‌السلام) من ظهر الكعبة لما علا ظهر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، فأمر به فدفن عند باب بني شيبة ، فصار الدخول الى المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك. الحديث».

قال في المدارك : وهذا الباب غير معروف الآن ، لتوسعة المسجد ، لكن قيل انه بإزاء باب السلام ، فينبغي الدخول منه على الاستقامة الى ان يتجاوز الأساطين ليتحقق المرور به بناء على هذا القول.

ومنها استحباب الوقوف عند الباب ، والدخول اليه على سكينة ووقار وخشوع ، والسلام على النبي (ص) بالمأثور :

روى في الكافي (١) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيا على السكينة والوقار والخشوع. وقال : من دخله بخشوع غفر الله له ان شاء الله (تعالى). قلت : ما الخشوع؟ قال : السكينة لا تدخله بتكبر فإذا انتهيت الى باب المسجد فقم وقل : «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، بسم الله وبالله ومن الله وما شاء الله ، والسلام على أنبياء الله ورسله ، والسلام على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والسلام على إبراهيم ، والحمد لله رب العالمين» فإذا دخلت المسجد فارفع يديك واستقبل البيت ، وقل : اللهم إني أسألك في مقامي هذا

__________________

(١) ج ٤ ص ٤٠١ ، والوسائل الباب ٨ من مقدمات الطواف.

٩٦

في أول مناسكي ان تقبل توبتي وان تجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري ، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام ، اللهم اني اشهد ان هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا مباركا وهدى للعالمين ، اللهم اني عبد ك والبلد بلدك والبيت بيتك ، جئت أطلب رحمتك وأؤم طاعتك مطيعا لأمرك راضيا بقدرك ، أسألك مسألة المضطر إليك الخائف لعقوبتك ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك واستعملني بطاعتك ومرضاتك».

وروى الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب (١) والصدوق (قدس‌سره) في من لا يحضره الفقيه (٢) في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «تقول وأنت على باب المسجد : بسم الله وبالله ومن الله والى الله وما شاء الله وعلى ملة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وخير الأسماء لله والحمد لله ، والسلام على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) السلام على محمد بن عبد الله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على أنبياء الله ورسله ، السلام على إبراهيم خليل الرحمن ، السلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد ، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وعلى إبراهيم خليلك وعلى أنبيائك ورسلك وسلام عليهم وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين اللهم افتح لي أبواب رحمتك واستعملني في طاعتك ومرضاتك واحفظني بحفظ الإيمان أبدا ما أبقيتني ، جل ثناء وجهك ، والحمد لله الذي جعلني

__________________

(١) ج ٥ ص ١٠٠ ، والوسائل الباب ٨ من مقدمات الطواف.

(٢) نسبة الحديث المذكور الى الفقيه يحتمل ان يكون من اشتباه النساخ.

٩٧

من وفده وزواره وجعلني ممن يعمر مساجده وجعلني ممن يناجيه ، اللهم اني عبد ك وزائرك في بيتك ، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره ، وأنت خير مأتي وأكرم مزور ، فأسألك يا الله يا رحمان وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وبأنك واحد أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد ، وان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبدك ورسولك (صلواتك عليه وعلى أهل بيته) يا جواد يا ماجد يا جبار يا كريم ، أسألك أن تجعل تحفتك من زيارتي إياك ان تعطيني فكاك رقبتي من النار ، اللهم فك رقبتي من النار (تقولها ثلاثا) وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب وادرأ عني شر شياطين الجن والانس وشر فسقة العرب والعجم».

المقام الثاني ـ في كيفيته ، وهي تشتمل على الواجب والمندوب ، فالكلام هنا في فصلين :

الفصل الأول ـ في الواجب ، وهو أمور أحدها ـ النية ، وقد تقدم تحقيق القول فيها في كتاب الطهارة ، وفي كتاب الصلاة ، وكتاب الصوم. وقد بينا انه لا شي‌ء فيها وراء قصد الفعل لله تعالى.

قال في المدارك : واما التعرض للوجه ، وكون الحج إسلاميا أو غيره تمتعا أو أحد قسيميه ، فغير لازم ، كما هو ظاهر اختيار العلامة في المنتهى ، وان كان التعرض لذلك كله أحوط.

أقول : لا اعرف لهذا الاحتياط وجها ولا معنى بعد معلومية جميع ذلك للمكلف سابقا ، وتعلق القصد به من أول الأمر ، واستمراره الى وقت الفعل ، كما تقدم تحقيقه. والإتيان بهذا التصوير الفكري والحديث النفسي عند الفعل ـ وهو المسمى عندهم بالنية ـ من ما لا أصل له ولا مستند بالكلية.

٩٨

وحكى الشهيد (قدس‌سره) في الدروس عن ظاهر بعض القدماء ان نية الإحرام كافية عن خصوصيات باقي الأفعال.

قال في المدارك : وكأن وجهه خلو الأخبار الواردة بتفاصيل أحكام الحج من ذكر النية في شي‌ء من أفعاله سوى الإحرام. وربما كان الوجه في تخصيص الإحرام بذلك توقف امتياز نوع الحج والعمرة عليه.

أقول : فيه : ما قدمنا ذكره في بحث نية الإحرام ، من ان ما اشتملت عليه النصوص ـ من قوله : «اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك» ونحوه ـ ليس من قبيل النية التي هي محل البحث حتى يسمى ذلك نية ويقال ان الاخبار اشتملت على نية الإحرام ، إذ النية إنما هي القصد البسيط الناشئ عن تصور الدواعي الباعثة على الفعل كما تقدم تحقيقه في المواضع المشار إليها. نعم هذا الكلام يتضمن الاخبار عن ذلك ، واين أحدهما من الآخر؟ وبذلك يظهر لك ما في هذا القول المنقول عن بعض القدماء ايضا من انه لا وجه له.

وبالجملة فإن كلامهم كله يدور على ان النية عبارة عن هذا الحديث النفسي والتصوير الفكري الذي يحدثه المكلف عند ارادة الفعل ويقارنه به. وقد عرفت سابقا ان النية ليست ذلك ، وإلا فأفعال المكلف المختلفة المتعددة لا يدخل بعضها تحت بعض ، بحيث يصدق عرفا على من قصد الإحرام خاصة ، الذي هو عبارة عن تجنب تلك الأشياء مع الإتيان بباقي شروطه ـ من غير ملاحظة شي‌ء آخر ـ انه نوى الحج أو العمرة أو نوعا مخصوصا من أنواع أحدهما. نعم يصدق ذلك في ما إذا قصد الإحرام لحج التمتع مثلا حج الإسلام أو نحو ذلك ، فان هذا القصد تعلق بالجميع لا بالإحرام خاصة ، واستمراره على هذا القصد كاف كما

٩٩

ذكرناه. ولا يلزم منه خلو كل فعل فعل من تلك الأفعال من القصد اليه على حدة ، إذ المراد ان ذلك القصد الأول مستمر الى حين إيقاع ذلك الفعل ، فهو لا يقع إلا بقصد. وبالجملة فمرجع الكل الى القصد الأصلي الناشئ من تصور الدواعي الباعثة لا الى هذا التصوير الفكري الذي يزعمونه. وبذلك يظهر لك ايضا ما في قوله في المدارك : «ويجب مقارنة النية لأول الطواف ، ولا يضر الفصل اليسير. واستدامتها حكما الى الفراغ» انتهى ، فإنه ـ كما ترى ـ ظاهر في ان النية عبارة عن هذا التصوير الفكري والحديث النفسي ، وقد انجر الأمر فيه الى ذكره باللفظ وتسمية هذا اللفظ نية. وهو أوهن من بيت العنكبوت ، وانه لا وهن البيوت.

وثانيها وثالثها ـ الابتداء بالحجر والختم به ، وهو موضع اتفاق بين العلماء.

والأصل فيه ما رواه الكليني (قدس‌سره) في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود». ورواه الصدوق (قدس‌سره) (٢) الى قوله : «من الحجر الأسود». ولم يذكر الانتهاء الى الحجر الأسود.

والسيد السند (قدس‌سره) في المدارك قد أسند الرواية بتمامها الى الشيخين المذكورين ، واستدل بها على الحكم المذكور ، وهي على رواية الصدوق (قدس‌سره) قاصرة عن إفادة المدعى بتمامه كما ذكرناه.

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤١٩ ، والوسائل الباب ٣١ من الطواف.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٤٩ ، والوسائل الباب ٣١ من الطواف.

١٠٠