الحدائق الناضرة - ج ١٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

بهذه ، الصورة ، وعليها اقتصر في الوافي (١) ورواها أيضا في موضع آخر (٢) عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه ، فآذاه رأسه قبل ان ينحر هديه ، فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه ، أو يصوم ، أو يتصدق على ستة مساكين. والصوم ثلاثة أيام. والصدقة نصف صاع لكل مسكين». والظاهر ان لفظ حلق الرأس سقط من هذه الرواية. ولعله لذلك اقتصر في الوافي على نقل الرواية بالنحو الأول.

وكيف كان فالظاهر ان وجوب الشاة أو بدلها إنما هو من حيث كفارة الحلق لا للتحلل بل التحلل موقوف على حلول وقت المواعدة.

تذنيب

قال الشيخ في النهاية : ومن أراد ان يبعث بهدي تطوعا فليبعثه ويواعد أصحابه يوما بعينه ، ثم ليجتنب جميع ما يجتنبه المحرم من الثياب والنساء والطيب وغيره. الا انه لا يلبي. فإن فعل شيئا من ما يحرم عليه كانت عليه الكفارة كما تجب على المحرم سواء. فإذا كان اليوم الذي واعدهم أحل. وان بعث الهدي من أفق من الآفاق يواعدهم يوما بعينه بإشعاره وتقليده ، فإذا كان ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم الى ان يبلغ الهدي محله ، ثم انه أحل من كل شي‌ء أحرم منه. انتهى.

قال ابن إدريس بعد نقل ذلك : قال محمد بن إدريس : هذا غير

__________________

(١) باب (المحصور والمصدود).

(٢) ج ٥ ص ٣٣٤ ، والوسائل الباب ٥ من الإحصار والصد رقم ٢.

٦١

واضح ، وهذه اخبار آحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها ، وهذه أمور شرعية يحتاج مثبتها ومدعيها إلى أدلة شرعية ، ولا دلالة من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، وأصحابنا لا يوردون هذا في كتبهم ولا يودعونه في تصانيفهم ، وإنما أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا ، لان الكتاب المذكور كتاب خبر لا كتاب بحث ونظر وكثيرا ما يورد فيه أشياء غير معمول عليها. والأصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية.

وقال العلامة في المختلف بعد نقل كلام ابن إدريس ـ ونعم ما قال ـ : وهذا الإنكار من ابن إدريس خطأ ، فإن الشيخ قد ذكره في غير كتاب النهاية ، وابن البراج ايضا ذكره ، والصدوق ـ وهو شيخ الجماعة وكبيرهم ـ قد روى في كتاب من لا يحضره الفقيه (١) في الصحيح عن معاوية بن عمار. ثم ساق الرواية كما سيأتي ان شاء الله (تعالى) ونقل عنه أيضا المرسلة الآتية ، وساق جملة من روايات المسألة الآتية ان شاء الله (تعالى) ، وقال بعدها : وهذه الاخبار متظاهرة مشهورة صحيحة السند ، عمل بها أكثر العلماء ، فكيف يجعل ذلك شاذا من غير دليل؟ وهل هذا إلا جهل منه بمواقع الأدلة ومدارك أحكام الشرع؟ انتهى.

أقول : وها أنا أسوق إليك ما وقفت عليه من الاخبار في المسألة :

فمنها : صحيحة معاوية بن عمار المشار إليها آنفا المروية في من لا يحضره الفقيه (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يبعث بالهدي تطوعا وليس بواجب. فقال : يواعد أصحابه يوما فيقلدونه ، فإذا

__________________

(١ و ٢) ج ٢ ص ٣٠٦ ، والوسائل الباب ٩ من الإحصار والصد.

٦٢

كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنبه المحرم الى يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه. فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حين صده المشركون يوم الحديبية نحر وأحل ، ورجع الى المدينة».

وصحيحة الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل بعث بهديه مع قوم سياق ، وواعدهم يوما يقلدون فيه هديهم ويحرمون. فقال : يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم فيه حتى يبلغ الهدي محله. قلت : أرأيت ان اختلفوا في الميعاد وابطأوا في المسير عليه ، وهو يحتاج ان يحل هو في اليوم الذي واعدهم فيه؟ قال : ليس عليه جناح ان يحل في اليوم الذي واعدهم فيه».

وصحيحة هارون بن خارجة (٢) قال : «ان أبا مراد بعث ببدنة وأمر الذي بعث بها معه ان يقلد ويشعر في يوم كذا وكذا ، فقلت له : انه لا ينبغي لك ان تلبس الثياب. فبعثني الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) وهو بالحيرة ، فقلت له : ان أبا مراد فعل كذا وكذا ، وانه لا يستطيع ان يدع الثياب لمكان ابي جعفر. فقال : مره فليلبس الثياب ولينحر بقرة يوم النحر عن لبسه الثياب».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان ابن عباس وعليا (عليه‌السلام) كانا يبعثان بهديهما من المدينة

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٢٤ ، والوسائل الباب ٩ من الإحصار والصد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٢٥ ، والوسائل الباب ١٠ من الإحصار والصد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٤٢٤ ، والوسائل الباب ٩ من الإحصار والصد والراوي في نسخ الحدائق «عبد الله بن مسكان» وفي كتب الحديث «عبد الله ابن سنان» كما أوردناه.

٦٣

ثم يتجردان ، وان بعثا بهما من أفق من الآفاق وأعدا أصحابهما بتقليدهما وإشعارهما يوما معلوما ، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم ويجتنبان كل ما يجتنب المحرم ، إلا انه لا يلبي إلا من كان حاجا أو معتمرا».

ورواية أبي الصباح الكناني (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل بعث بهدي مع قوم ، وواعدهم يوما يقلدون فيه هديهم ويحرمون فيه. فقال : يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم حتى يبلغ الهدي محله. فقلت : أرأيت إن أخلفوا في ميعادهم وابطأوا في السير ، عليه جناح في اليوم الذي واعدهم؟ قال : لا ، ويحل في اليوم الذي واعدهم». ورواه الشيخ في التهذيب (٢) في الصحيح عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام). الحديث كما قدمناه».

ورواية سلمة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «ان عليا (عليه‌السلام) كان يبعث بهديه ثم يمسك عن ما يمسك عنه المحرم ، غير انه لا يلبي ، ويواعدهم يوم ينحر بدنة فيحل».

وروى في من لا يحضره الفقيه (٤) مرسلا قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) : ما يمنع أحدكم ان يحج كل سنة؟ فقيل له : لا يبلغ ذلك أموالنا. فقال : اما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٣٩ ، والوسائل الباب ٩ من الإحصار والصد.

(٢) ج ٥ ص ٤٢٤ ، والوسائل الباب ٩ من الإحصار والصد.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٥٤٠ ، والوسائل الباب ٩ من الإحصار والصد.

(٤) ج ٢ ص ٣٠٦ ، والوسائل الباب ٩ من الإحصار والصد.

٦٤

يبعث معه بثمن أضحية ، ويأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت ، ويذبح عنه فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيأ واتى المسجد ، فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس».

أقول : والكلام في هذه الاخبار يقع في مواضع الأول ـ لا يخفى ان هذه الروايات قد رواها المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في أصولهم المشهورة ، فما بين ما اشتركوا في روايته ، وما بين ما انفرد كل منهم ببعض منها ، وهو دليل واضح على صحتها عندهم والعمل بها. وبذلك يظهر ان كلام ابن إدريس وطعنه فيها من ما لا ينبغي ان يصغى اليه ، وهل الطعن فيها مع رواية أساطين الطائفة المحقة لها ووجودها في الأصول المأثورة عنهم (عليهم‌السلام) إلا طعن في اخبار الشريعة كملا؟

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك : واعلم ان هذه العبارة قد وردت في النصوص الصحيحة المتكثرة ، وذكرها أكثر الأصحاب في كتبهم ، وأفتوا بمضمونها ، وإثبات الأحكام الشرعية يحصل بدون ذلك. وحينئذ فلا يلتفت الى إنكار ابن إدريس لها ، زاعما ان مستندها اخبار آحاد لا تكفي في تأسيس مثل ذلك ، فان ذلك منه في حين المنع. انتهى.

الثاني ـ ظاهر الاخبار المذكورة المطابقة لما ادعاه الشيخ من وجوب اجتناب ما يحرم على المحرم في مدة المواعدة ، والتكفير لو تلبس بشي‌ء من المحرمات ، وظاهر جملة من أصحابنا ـ منهم : شيخنا الشهيد الثاني ـ ان محرمات الإحرام في المدة المضروبة مكروهة لا محرمة.

قال في المسالك : يكره له بعد النية ملابسة تروك المحرم كراهة شديدة ، وفي رواية أبي الصباح عن الصادق (عليه‌السلام) «يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم حتى يبلغ الهدي محله»

٦٥

والظاهر انه أراد به تأكد الكراهة. انتهى.

أقول : والتصريح بالتحريم كما وقع في رواية أبي الصباح المروية بطريق آخر في الصحيح عن الحلبي (١) فكذا في صحيحة الحلبي (٢) ، وصرح بالتكفير على لبس المخيط المؤذن بالتحريم في صحيحة هارون بن خارجة (٣) مع اتفاق الروايات الباقية عدا المرسلة الأخيرة (٤) في انه يجتنب ما يجتنبه المحرم الى يوم النحر. ولا وجه لاطراح هذه الاخبار كملا والخروج عن ظاهرها إلا مجرد الاستبعاد الذي ذكره ابن إدريس في المسألة المتقدمة وهو من ردت عليه قيمة الهدي ، وانه يرسل هديا في العام القابل ، ويمسك عن المحرمات وقت الإرسال. وهم قد ردوه سابقا ، وإلا فما الموجب لتأويلها بما ذكره؟

ومن أجل ذلك اعترضه سبطه في المدارك ايضا ، فقال بعد نقل ذلك عنه : ويشكل بان مقتضى روايتي الحلبي وابي الصباح الكناني التحريم ، ولا معارض لهما يقتضي حملهما على الكراهة.

أقول : وظاهر المحقق في الشرائع أيضا يشعر بذلك حيث صرح باستحباب الكفارة لو اتى بما يحرم على المحرم. بل يشعر بنوع توقف في أصل الحكم حيث نسبه الى الرواية ، فقال : وروى ان باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقت ذبحه أو نحره ، ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم فإذا كان وقت المواعدة أحل ، لكن هذا لا يلبي. ولو اتى بما يحرم على المحرم كفر استحبابا. انتهى.

والظاهر ان منشأ جميع ذلك هو الاستبعاد الذي ذكره ابن إدريس في تلك المسألة ورد لأجله أخبار هذه المسألة. وهو مردود بأن الأحكام

__________________

(١ و ٤) ص ٦٤.

(٢ و ٣) ٦٣.

٦٦

الشرعية أمور متلقاة من الشارع ، فمتى ثبت الحكم عنه ولا معارض له فالخروج عنه بمجرد التشهي غير جيد. واستفاضة الاخبار في باب الإحرام ودخول الحرم بتحريم تلك الأشياء لا يقتضي التخصيص بهما وانه لا يحرم في صورة غيرهما ، بل كما ثبت ذلك الحكم بالاخبار ثبت هذا ، وان كان ذلك أشد اشتهارا ، لاعتضاده بالكتاب (١) والإجماع من الخاصة والعامة (٢). على ان نظير هذه المسألة غير عزيز في الاخبار وفي كلامهم ، فان الآيات (٣) والروايات (٤) قد استفاضت واتفقت على ان ما يخلفه الميت من الأموال فهو للورثة إلا مع الوصية أو الدين ، مع انه قد ورد في الحبوة بعض الاخبار (٥) التي هي أقل من هذه الاخبار ، فخصصوا بها إطلاقات الكتاب والسنة ، واستثنوا تلك الأشياء المذكورة فيها وجعلوها للولد الأكبر. ومثله في قولهم بانعقاد الإحرام قبل الميقات بنذره ، مع استفاضة الروايات بأن الإحرام لا يكون إلا من الميقات (٦) ، وقولهم بان النذر لا ينعقد إلا إذا

__________________

(١) يرجع في ذلك الى كنز العرفان في فقه القرآن ج ١ ص ٣٢١ الى ٣٣٦ طبع طهران.

(٢) يرجع في ذلك الى المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٣ ص ٢٦٧ الى ص ٣٢٠ وص ٤٤١ الى ص ٤٦٩ طبع مطبعة العاصمة.

(٣) يرجع في ذلك الى كنز العرفان في فقه القرآن ج ٢ ص ٣٢٣ الى ٣٣٧ طبع طهران.

(٤) الوسائل الباب ١٣ من الدين ، والباب ٢٨ من الوصايا ، وكتاب الفرائض والمواريث.

(٥) الوسائل الباب ٣ من ميراث الأبوين والأولاد.

(٦) الوسائل الباب ١ و ٩ و ١١ من المواقيت في الحج.

٦٧

كان مشروعا قبل ذلك ، فخرجوا عن جميع ذلك بحديث أو حديثين ضعيفين (١) كما تقدم ، الى غير ذلك من ما يقف عليه المتتبع.

وبالجملة فالظاهر هو قول الشيخ المتقدم لاعتضاده بالنصوص المذكورة

الثالث ـ ان الظاهر ان ما اشتملت عليه مرسلة الصدوق ، وهي الأخيرة من الروايات المتقدمة ، من إرسال ثمن أضحية وأمر الرسول بذبحها ، وان يطوف عنه أسبوعا ، ثم يأتي يوم عرفة المسجد بعد ان يلبس ثيابه ـ والظاهر ان المراد الثياب الحسنة المأمور بها في الجمعة والعيدين ـ ويشتغل بالدعاء ، صورة أخرى غير ما اشتملت عليه الاخبار المتقدمة ، لعدم تضمنها المواعدة لإشعار الهدي ، والاجتناب عن ما يجتنبه المحرم.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك إدراجها في تلك الأخبار المتقدمة ، وتقييد إطلاقها بما في تلك الاخبار وحملها عليها ، فقال بعد ذكر المرسلة المذكورة : وحاصل هذه العبارة ـ على ما اجتمع من الاخبار ـ ان من أراد ذلك وهو في أفق من الآفاق ، يبعث هديا أو ثمنه مع بعض أصحابه ، ويواعده يوما لإشعاره أو تقليده ، فإذا حضر ذلك الوقت اجتنب ما يجتنبه المحرم ، فيكون ذلك بمنزلة إحرامه ، لكن لا يلبي ، فإذا كان يوم عرفة اشتغل بالدعاء من الزوال الى الغروب استحبابا ، كما يفعله من حضرها ، ويبقى على إحرامه إلى يوم النحر. ثم قال تفريعا على ما ذكره : أكثر الأخبار وردت ببعث الهدي ، وتبعها المصنف وغيره من أصحاب الفتاوى ، ولا شك انه أفضل ، لكنه غير متعين ، فيجوز بعث الثمن خصوصا في من لا يقدر على بعث

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من المواقيت في الحج.

٦٨

بدنة ، فان باقي الأنعام لا يصلح للبعث إلا من قرب. وقد ورد بعث الثمن في الخبر الذي ذكرناه (١) وذكره الصدوق في الفقيه (٢). انتهى.

والظاهر بعده ، وان ما اشتملت عليه المرسلة المذكورة صورة أخرى خارجة عن مورد تلك الاخبار ، وتقييدها بتلك الاخبار ـ مع اتفاقها كلها على نوع واحد وتعدد القيود فيها ـ تعسف محض. والى ما ذكرناه مال سبطه السيد السند (قدس‌سره) في المدارك.

الرابع ـ ظاهر الاخبار المتقدمة انه لا فرق في يوم المواعدة لاسعار الهدي أو تقليده بين اليوم الذي يحرمون فيه أو قبله أو بعده ، وان اشتمل بعضها على انه واعدهم يوم يقلدون فيه هديهم ويحرمون ، فإنما هو حكاية حال من حيث الاتفاق على المواعدة بذلك الوقت لا من حيث تعينه ، ولا بين كونه بعد تلبسهم بالحج أو قبله ، ولا بين كون الزمان الذي بينه وبين يوم النحر طويلا أو قصيرا ، كل ذلك لإطلاق النصوص. وبنحو ذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.

الا ان الظاهر انه لا بد ان يكون قبل الزوال يوم عرفة ليكون شريكا بالتشبه في إحرامه بالمعرفين لهم في ذلك الموقف ، ولو كان بعده فإشكال.

واستظهر في المسالك الاجزاء ، قال : ويمكن استفادته من قوله (عليه‌السلام) في الخبر السالف (٣) : «فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه». فان الثياب عرفا شاملة للمخيط. ويمكن ان يريد بها ثياب الإحرام. وهو الاولى.

__________________

(١ و ٣) تقدم ص ٦٤ و ٦٥.

(٢) ج ٢ ص ٣٠٦ ، والوسائل الباب ٩ من الإحصار والصد الرقم ٦.

٦٩

أقول : وهذا انما يتجه بناء على ما قدمنا نقله من ضم تلك المرسلة إلى الروايات المتقدمة وتقييدها بها ، وجعل ما اشتمل عليه الجميع حكما في المسألة. وقد أشرنا إلى بعده. ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ حمل مطلق الروايات على مقيدها ، وتخصيص يوم المواعدة بالميقات ، وهو اليوم الذي يعقدون فيه الإحرام بالتقليد ، وانه يشاركهم في الإحرام من ذلك الوقت.

وبالجملة فالظاهر ان الغرض من هذا الفعل هو مشاركة هذا المرسل للحاج في أفعال الحج التي أولها الإحرام من الميقات. والله العالم.

الخامس ـ قال شيخنا في المسالك : المراد بالهدي هنا المجزئ في الحج ، فيتخير من النعم الثلاثة ، ويشترط فيه شرائطها السابقة من السن والسلامة من العيوب والسمن وغيرها ، وأفضله البدنة ، وقد صرح بها في بعض الاخبار (١) ، وبعث البعيد منبه عليه ايضا. انتهى. وهو جيد.

بقي هنا شي‌ء ، وهو ان ما ذكره من التخيير بين الأنعام الثلاثة وان تم من حيث صدق الهدي على كل منهما ، إلا ان الإرسال من الآفاق انما يتم في البدن خاصة دون غيرها من البقر والغنم ، لضعفها عن الوصول كما لا يخفى ، فلو خص الهدي في الاخبار وكلام الأصحاب بالبدن لكان جيدا. والقول ـ بأنه يمكن السياق من الأماكن القريبة ويتم سياق البقر والغنم ـ فيه : انه وان أمكن ذلك إلا ان ظواهر الأخبار المتقدمة ان السياق انما هو من الأماكن البعيدة. والله العالم.

السادس ـ قال في المسالك : يفتقر اجتنابه لما يجتنبه المحرم الى

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من الإحصار والصد.

٧٠

النية كغيره من العبادات ، فينوي اجتناب كذا وكذا من تروك الإحرام أو ما يجتنبه المحرم لندبه قربة الى الله تعالى ، ويلبس ثوبي الإحرام إلى وقت المواعدة بالذبح. ويمكن الاجتزاء باجتناب تروك الإحرام من غير ان يلبس ثوبيه ، لان ذلك هو مدلول النصوص. وتظهر الفائدة في ما لو اقتصر على ستر العورة وجلس في بيته عاريا ، ونحو ذلك. اما الثياب المخيطة فلا بد من نزعها. وكذلك كشف الرأس ، ونحوه.

أقول : الظاهر من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان (١) في حكاية حال علي (عليه‌السلام) وابن عباس : «يبعثان بهديهما من المدينة ثم يتجردان». هو لبس ثوبي الإحرام في ذلك الوقت إذ لا يمكن حمله على ما فرضه من ستر العورة والجلوس في بيته ، بل المراد انما هو نزع المخيط ولبس ثوبي الإحرام ، كما وقع التعبير بذلك في بعض روايات الإحرام (٢) ويؤيده قوله في تتمة الرواية : «ويجتنبان كل ما يجتنب المحرم إلا انه لا يلبي» وكذا قوله في رواية سلمة «غير انه لا يلبي» فإن تخصيص هذا الفرد بالاستثناء ـ من ما يجب على المحرم فعلا وتركا ـ يشعر بان ما عداه من لبس ثوبي الإحرام وغيره لا بد منه. وبالجملة فالظاهر ان استثناء لبس ثوبي الإحرام غير ظاهر. ويؤيده ان الغرض من ذلك التشبه بالحاج كما يشير اليه قوله (عليه‌السلام) في المرسلة التي أدرجها في اخبار المسألة : «ما يمنع أحدكم ان يحج كل سنة».

السابع ـ قال في المسالك : وقت ذبح هذا الهدي يوم النحر على

__________________

(١) ص ٦٣ و ٦٤.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أقسام الحج الرقم ١٥.

٧١

ما ورد في رواية معاوية بن عمار (١) وباقي الأخبار مطلقة ، وانما فيها انه يحل في اليوم الذي واعدهم. ويمكن حمل المطلق على المقيد ، والتخيير مع أفضلية يوم النحر.

أقول : فيه أولا : انه مع تسليم وجود ما ذكره في الروايات فلا معنى لما جمع به بينهما ، فان مقتضى رواية معاوية بن عمار انه يجب عليه الاجتناب إلى يوم النحر ، ومقتضى روايات يوم الوعد انه يجب عليه الاجتناب الى يوم الوعد ، فطريق حمل المطلق على المقيدان يحمل يوم الوعد على ان يكون يوم النحر. وهو ظاهر. اما إذا حمل يوم الوعد على ما هو أعم وأخذ على عمومه ، فلو فرض انه واعدهم قبل يوم النحر أو بعده فكيف يتخير؟ فإنه ان كان النحر أو الذبح سائغا وجائزا قبل يوم النحر أو بعده فالواجب الوقوف على يوم الوعد والا فلا معنى للمواعدة.

وثانيا : ان ما ذكره (قدس‌سره) ـ من ان ما عدا رواية معاوية ابن عمار مطلقة ، وان فيها انه يحل في اليوم الذي واعدهم ـ ليس كذلك بل يوم المواعدة في تلك الروايات انما هو بالنسبة إلى مبدإ الاجتناب وهو يوم إشعار الهدي أو تقليده لا يوم نحره أو ذبحه. والموجود في صحيحة معاوية بن عمار وكذا صحيحة عبد الله بن سنان هو ان غاية الاجتناب الى يوم النحر ، وفي صحيحة الحلبي ورواية أبي الصباح «حتى يبلغ الهدى محله» وهذا الإطلاق يجب حمله على يوم النحر ، لما علم من ان محل الهدي في الحج منى يوم النحر ، وفي رواية سلمة «ويواعدهم يوم ينحر بدنة» وهذا الإطلاق أيضا يحمل على ان ذلك اليوم

__________________

(١) ص ٦٢ و ٦٣.

٧٢

الذي حصلت فيه المواعدة هو يوم النحر. فلا منافاة بين هذه الروايات بوجه.

بقي الكلام في قوله في صحيحة الحلبي (١) بعد ان ذكر (عليه‌السلام) ان غاية الاجتناب بلوغ الهدي محله : «قلت : أرأيت ان اختلفوا في الميعاد وابطأوا في المسير عليه ، وهو يحتاج ان يحل هو في اليوم الذي وأعدهم فيه؟ قال : ليس عليه جناح ان يحل في اليوم الذي وأعدهم فيه» ومثلها رواية أبي الصباح الكناني. والظاهر ان المعنى فيهما. انه لو فرض انهم ابطأوا في السير ولم يدركوا الحج ، فلم يتفق ذبح هديه في يوم النحر ، وهو قد أحل في يوم النحر ، وهو يوم بلوغ الهدي محله ، فأجاب (عليه‌السلام) بأنه لا شي‌ء عليه. حسبما تقدم في المحصور الذي كان الحج فيه واجبا ، ففي هذه الصورة بطريق اولى لو لم يكن نص في الباب. لا ان المراد ما ربما يتوهم من ان المراد المواعدة بيوم غير يوم النحر. والله العالم.

الثامن ـ قال في المسالك أيضا : أكثر الأخبار اقتصر فيها على هذه المواعدة والاجتناب ، ولكن زاد في الرواية المتقدمة : «أنه يأمر نائبه ان يطوف عنه أسبوعا وانه يتهيأ للدعاء يوم عرفة الى الغروب» وهو حسن. والزيادة غير المنافية مقبولة. ولو ترك ذلك أمكن تأدي الوظيفة ، كما لو ترك التقليد الذي تضمنته تلك الروايات.

أقول أشار (قدس‌سره) بالرواية المتقدمة إلى مرسلة الفقيه. وهذا الكلام بناء منه على ما قدمنا نقله عنه من جعله هذه الرواية من جملة روايات هذا الحكم ، وقد قدمنا ان الظاهر بعده ، بل ما اشتملت

__________________

(١) ص ٦٣.

٧٣

عليه هذه المرسلة صورة أخرى. واما ما ذكره ـ من تأدي الوظيفة المذكورة في هذه المرسلة بترك الطواف والدعاء يوم عرفة الذي تضمنته الرواية ـ فهو بعيد. نعم تتأدى به الوظيفة المذكورة في تلك الاخبار حيث اتى بما هو مذكور في اخبارها. واما قوله ـ : كما لو ترك التقليد الذي تضمنته تلك الروايات ـ ففيه ان تلك الروايات لم تتفق على التقليد وان كان أكثرها قد تضمن ذلك ، والسنة حاصلة بالتقليد كما تقدم في عبارة الشيخ. وظاهر صحيحة عبد الله بن سنان ورواية سلمة في إرسال علي (عليه‌السلام) هديه من المدينة عدم التقليد وانه يتجرد. والظاهر ان هاتين الروايتين هي مستنده في ما ذكره من الصورة الأولى ، لكنه (قدس‌سره) ذكر المواعدة أيضا في هذه الصورة ، والروايتان خاليتان من ذلك ، بل ظاهرهما انه يمسك من حين الإرسال كما هو ظاهر رواية سلمة ، ويتجرد من حين البعث كما في صحيحة عبد الله بن سنان. ويؤيده ايضا ان المواعدة هنا لا معنى لها ، لان ذلك انما يستقيم إذا توقف إحرامه على التقليد أو الإشعار فيواعد يوما يقلدون فيه ويحرم في ذلك اليوم. وربما أشعرت الروايتان ولا سيما الاولى باختصاص هذه الصورة بمثل المدينة ، لقرب موضع الإحرام منها ، وانه يلبس ثوبي الإحرام من حين البعث منها ، ويتشبه بالمحرم من ذلك الوقت. ويعضده ما تقدم في بعض روايات الإحرام (١) من الأمر بالغسل في المدينة ، ولبس ثوبي الإحرام فيها ، ثم الخروج الى الميقات. فكما ان ذلك جائز في الحج الحقيقي فهو في التشبه به اولى. ويؤيده ما دل عليه الخبر الأول من تخصيص المواعدة بما إذا

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من الإحرام الرقم ١.

٧٤

كان البعث من أفق من الآفاق ، يعني : الأماكن البعيدة عن الميقات فإنه يواعد يوما يقلد فيه الهدي ويحرم في ذلك اليوم. والله العالم.

الباب الثالث في العمرة

وهي لغة : الزيارة ، وشرعا عبارة عن زيارة البيت لأداء المناسك المخصوصة عنده. وهي على قسمين : عمرة مبتولة ، وعمرة تمتع. وحيث كانت العمرة المتمتع بها الى الحج مقدمة على الحج ، وهي أول المناسك في مكة بعد الإحرام ، حسن عقد هذا الباب لها بعد ذكر الإحرام وتوابعه. وذكر المفردة بعدها في هذا الباب وقع استطرادا.

وحينئذ فالكلام في هذا الباب يقع في مطلبين الأول ـ في عمرة التمتع وما تتوقف عليه من الدخول إلى مكة ، وفيه بحوث :

الأول ـ قد عرفت في ما تقدم انه يستحب لمن أراد التمتع ان يوفر شعر رأسه ، وما يتعلق بذلك من الأبحاث ، والإحرام وأحكامه وكيفيته ، والغسل له ، والمواقيت ، وجميع ما يتعلق بذلك ويترتب عليه فلا وجه لإعادته ، وانما يبقى الكلام في دخول الحرم ومكة وآدابه :

يستحب عند دخول الحرم الغسل لدخوله ، ومضغ شي‌ء من الإذخر :

روى الشيخ في التهذيب (١) عن ابان بن تغلب قال : «كنت مع ابي عبد الله (عليه‌السلام) مزاملة في ما بين مكة والمدينة ، فلما انتهى الى الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه ثم دخل الحرم حافيا ، فصنعت مثل ما صنع ، فقال : يا ابان من صنع مثل ما رأيتني صنعت

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من مقدمات الطواف. والشيخ يرويه عن الكليني.

٧٥

تواضعا لله ، محا الله عنه مائة ألف سيئة ، وكتب له مائة ألف حسنة وبنى الله (عزوجل) له مائة ألف درجة ، وقضى له مائة ألف حاجة».

وروى ثقة الإسلام في الكافي عن ابي عبيدة الحذاء (١) قال : «زاملت أبا جعفر (عليه‌السلام) في ما بين مكة والمدينة ، فلما انتهى الى الحرم اغتسل وأخذ نعليه بيديه ثم مشى في الحرم ساعة».

وروى في الكافي في الصحيح عن ذريح (٢) قال : «سألته عن الغسل في الحرم ، قبل دخوله أو بعد دخوله؟ قال : لا يضرك اي ذلك فعلت وان اغتسلت بمكة فلا بأس ، وان اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس». وهذا الخبر ظاهر في الرخصة في التقديم والتأخير.

وعن كلثوم بن عبد المؤمن الحراني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «أمر الله (تعالى) إبراهيم (عليه‌السلام) ان يحج ويحج بإسماعيل معه ، فحجا على جمل احمر وجاء معهما جبرئيل ، فلما بلغا الحرم قال له جبرئيل : يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل ان تدخلا الحرم ، فنزلا فاغتسلا. الحديث».

وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا انتهيت الى الحرم ـ ان شاء الله تعالى ـ فاغتسل حين تدخله ، وان تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أو من منزلك بمكة».

قوله (عليه‌السلام) : «وان تقدمت» الظاهر ان معناه : وان تقدمت بالدخول على الغسل ، بمعنى أخرت الغسل عن الدخول.

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١ من مقدمات الطواف.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٢ من مقدمات الطواف.

٧٦

وعن ابي بصير (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه. وكان يأمر أم فروة بذلك».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه».

قال صاحب الكافي (٣) (عطر الله تعالى مرقده) : سألت بعض أصحابنا عن هذا ، فقال : يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر.

ويستحب ايضا لمن دخل مكة ان يدخلها من أعلاها ويخرج من أسفلها إذا كان قادما من المدينة ومريد الرجوع لها :

وفي الكافي عن يونس بن يعقوب في الموثق (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : من أين ادخل مكة وقد جئت من المدينة؟ فقال : ادخل من أعلى مكة ، وإذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة».

ويستحب الغسل ايضا لدخول مكة اما من بئر ميمون أو من فخ ، وان يمشي حافيا على سكينة ووقار :

فروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٥) قال : «أمرنا أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان نغتسل من فخ قبل ان ندخل مكة».

وفي الحسن عن ابان عن عجلان (٦) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد ، فاغتسل ، واخلع نعليك ، وامش حافيا وعليك السكينة والوقار».

وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من مقدمات الطواف.

(٤) الوسائل الباب ٤ من مقدمات الطواف.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٥ من مقدمات الطواف.

٧٧

السلام) (١) انه قال : «من دخلها بسكينة غفر له ذنبه. قلت : كيف يدخلها بسكينة؟ قال : يدخلها غير متكبر ولا متجبر».

وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يدخل مكة رجل بسكينة إلا غفر له. قلت : ما السكينة؟ قال : بتواضع».

وعن محمد الحلبي في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان الله (عزوجل) يقول في كتابه : طهر (بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ). فينبغي للعبد ان لا يدخل مكة إلا وهو طاهر قد غسل عرقه والأذى وتطهر». ورواه في التهذيب (٤).

والموجود في القرآن في سورة البقرة (٥) «أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ» وفي سورة الحج (٦) «وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» وما ذكر في الخبر لا يوافق شيئا من الموضعين.

وروى ايضا استحباب دخولها بالثياب الخلقة ، ولعله للبعد عن حصول الكبر :

فروى في كتاب المحاسن في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «انظروا إذا هبط الرجل منكم وادي مكة فالبسوا خلقان ثيابكم أو سمل ثيابكم ، فإنه لم يهبط وادي مكة أحد

__________________

(١ و ٢ و ٧) الوسائل الباب ٧ من مقدمات الطواف.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٤٠٠ ، والوسائل الباب ٥ من مقدمات الطواف.

(٤) ج ٥ ص ٩٨ ، والوسائل الباب ٥ من مقدمات الطواف. واللفظ «وطهرا.».

(٥) الآية ١١٩.

(٦) الآية ٢٧.

٧٨

ليس في قلبه من الكبر إلا غفر له».

والظاهر من استحباب الغسل للدخول ان يكون دخولها بعد الغسل على وجه لا ينتقض بشي‌ء من النواقض ، والمروي الانتقاض بالنوم ، وألحق الشهيدان به باقي النواقض.

ويدل على الانتقاض بالنوم

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام ، فيتوضأ قبل ان يدخل ، أيجزئه ذلك أو يعيد؟ قال :

لا يجزئه ، لانه إنما دخل بوضوء».

ورواية علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال :

قال لي : «ان اغتسلت بمكة ثم نمت قبل ان تطوف فأعد غسلك».

ويشير الى ما ذكره الشهيدان رحمهما‌الله (تعالى) من إلحاق غير النوم من الأحداث به قوله (عليه‌السلام) في الرواية : «إنما دخل بوضوء».

قال في الدروس في باب طواف الزيارة : بل غسل النهار ليومه والليلة لليلته ما لم يحدث فيعيده. وإنكار ابن إدريس إعادته مع الحدث ضعيف. وجعله الأظهر عدم الإعادة غريب. انتهى.

أقول : ويدل على ما ذكره زيادة على ما ذكرناه

ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن غسل الزيارة ، يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد؟ قال :

يجزئه ان لم يحدث ، فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله».

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من مقدمات الطواف.

(٢) الوسائل الباب ٦ من مقدمات الطواف.

(٣) الوسائل الباب ٣ من زيارة البيت.

٧٩

وروى في الكافي عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) مثله إلا انه قال. «يغتسل الرجل بالليل. الى ان قال في آخر الخبر : فليعد غسله بالليل».

ويعضده ايضا ظاهر موثقة الحلبي المتقدمة وقوله فيها : «فينبغي للعبد ان لا يدخل مكة. الى آخره».

وقد تقدم الكلام أيضا في هذا المقام في باب الغسل للإحرام.

ودخول مكة واجب على التمتع لأجل الإتيان بعمرة التمتع ، ثم يحرم للحج من مكة. واما المفرد والقارن فلا يجب عليهما ، لان الطواف والسعي انما يجب عليهما بعد الموقفين ونزول منى وقضاء بعض المناسك بها ، إلا انه يجوز لهما بل يستحب ، ويبقيان على إحرامهما حتى يخرجا الى عرفات ، ولهما الطواف بالبيت استحبابا قبل خروجهما الى عرفات ، إلا أنهما يعقدان بالتلبية. وقد تقدم البحث في ذلك في مقدمات الباب الأول.

وقد تقدم في باب الإحرام انه يقطع التلبية بعمرة التمتع عند مشاهدة بيوت مكة ، وقد تقدمت الأخبار الدالة على ذلك.

وقد تقدم ايضا انه لا يجوز لأحد دخول مكة إلا محرما إلا ما استثنى وقد تقدم تحقيق القول فيه.

ويستحب ايضا الغسل لدخول المسجد الحرام وان يكون دخوله على سكينة ووقار وخضوع وخشوع :

روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من زيارة البيت.

٨٠