الحدائق الناضرة - ج ١٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

المناسك. وان كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها ، فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل. الحديث». وفي قوله : «ان كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر» ما يشير الى تفسير محل الهدي في الآية بأنه هذا المكان في الحج ومكة في العمرة.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أحصر الرجل بعث بهديه ، فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة. الحديث». وسيأتي قريبا (٢) (ان شاء الله تعالى).

وما رواه في الكافي (٣) عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه. الحديث».

وما رواه في الكافي (٤) عن رفاعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت : رجل ساق الهدي ثم أحصر؟ قال : يبعث بهديه. قلت : هل يستمتع من قابل؟ قال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) وعن رفاعة في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) انهما قالا : «القارن يحصر وقد قال واشترط : فحلني حيث حبستني؟

قال : يبعث بهديه. قلت : هل يتمتع في قابل؟ قال : «لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من الإحصار والصد.

(٢) ص ٥٥.

(٣) ج ٤ ص ٣٧٠ و ٣٧١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٣٤ و ٤٢٣ بطريقين ، والوسائل الباب ٥ من الإحصار والصد.

(٤) ج ٤ ص ٣٧١ ، والوسائل الباب ٤ من الإحصار والصد.

(٥) الوسائل الباب ٤ من الإحصار والصد.

٤١

وما رواه في التهذيب (١) في الموثق عن زرعة قال : «سألته عن رجل أحصر في الحج. قال : فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ، ومحله ان يبلغ الهدي محله ، ومحله منى يوم النحر إذا كان في الحج ، وإذا كان في عمرة نحر بمكة. وإنما عليه ان يعدهم لذلك يوما ، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفي ، وان اختلفوا في الميعاد لم يضره ان شاء الله تعالى». وفيه إشارة الى ما قدمنا ذكره من معنى بلوغ الهدي محله.

إلا ان بإزاء هذه الاخبار ما يدل على خلافها ، ومنها قوله (عليه‌السلام) في تتمة صحيحة معاوية بن عمار المذكورة صدر هذه الروايات بعد ما ذكر ما قدمناه منها : «وان كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع رجع الى اهله ونحر بدنة. الى آخره» وقد تقدم بكماله في صدر هذا المقصد (٢) وذكر فيه حديث الحسين (عليه‌السلام) وانه لما بلغ عليا (عليه‌السلام) خبره فاتى اليه حلق رأسه ونحر بدنة عنه ورجع به الى المدينة.

ومنها : ما رواه الصدوق في الصحيح عن رفاعة بن موسى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «خرج الحسين (عليه‌السلام) معتمرا ـ وقد ساق بدنة ـ حتى انتهى الى السقيا ، فبرسم ، فحلق شعر رأسه ونحوها مكانه ثم اقبل حتى جاء فضرب الباب ، فقال علي (عليه‌السلام) : ابني ورب الكعبة ، افتحوا له الباب. وكانوا قد حموه الماء ، فأكب عليه فشرب ثم اعتمر بعد».

__________________

(١) ج ٥ ص ٤٢٣ ، والوسائل الباب ٢ من الإحصار والصد.

(٢) ص ٥ و ٦.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٣٠٥ ، والوسائل الباب ٦ من الإحصار والصد.

٤٢

ومنها : ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال «في المحصور ولم يسق الهدي؟ قال : ينسك ويرجع ، فان لم يجد ثمن هدي صام».

ومنها : مرسلة الفقيه (٢) عن الصادق (عليه‌السلام) «المحصور والمضطر ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه».

ويمكن الجمع بين هذه الاخبار بالتخيير كما ذهب اليه ابن الجنيد.

ويحتمل ايضا حمل الأخبار الأخيرة على عدم إمكان البعث ، فيجوز له ذلك في مكان الحصر. ولعل في مرسلة الصدوق ما يشير الى ذلك.

ويحتمل ايضا حمل اخبار البعث على السياق الواجب والنحر في محل الحصر على ما لم يكن كذلك.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من الاشكال. والاحتياط في الوقوف على القول المشهور.

واما ما نقل عن سلار من التفصيل بين الحج الواجب والمندوب فيدل عليه ما رواه شيخنا المفيد في المقنعة (٣) مرسلا قال : قال (عليه‌السلام): المحصور بالمرض ان كان ساق هديا اقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ثم يحل ، ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل. هذا إذا كان حجة الإسلام ، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه وقد أحل من ما كان أحرم منه ، فان شاء حج من قابل وان شاء لا يجب عليه الحج. والمصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه بمكانه ويقصر

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من الإحصار والصد رقم ٢ و ١.

(٢) ج ٢ ص ٣٠٥ ، والوسائل الباب ٦ من الإحصار والصد.

(٣) ص ٧١ ، والوسائل الباب ١ من الإحصار والصد.

٤٣

من شعر رأسه ويحل ، وليس عليه اجتناب النساء ، سواء كانت حجته فريضة أو سنة. انتهى.

الثاني ـ قد عرفت سابقا انه على تقدير وجوب البعث فإنه يجب عليه البقاء على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ، والمراد ببلوغه محله يعني : حضور الوقت الذي وأعد أصحابه للذبح أو النحر في المكان المعين ، كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار وموثقة زرعة ، فإذا حضر ذلك الوقت أحل من كل شي‌ء إلا من النساء ، حتى يحج من القابل ان كان الحج واجبا ، أو يطاف عنه ان كان الحج مستحبا.

هكذا ذكره الأصحاب ، بل قال في المنتهى : انه قول علمائنا. مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. والروايات قاصرة عن هذه التفصيل.

اما انه لا تحل له النساء بمجرد الذبح أو النحر في عام الحصر فلا اشكال فيه ، لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر المقصد (١) : «والمصدود تحل له النساء والمحصور لا تحل له النساء». وقوله في صحيحته الثانية (٢) المتضمنة لحصر الحسين (عليه‌السلام). «أرأيت حين بري‌ء من وجعه قبل ان يخرج إلى العمرة حلت له النساء؟ قال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة».

واما انه تحل له بعد الطواف فهو صريح صحيحة معاوية المذكورة ثانيا. ومثلها قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٣) في المحصور كما تقدم نقل عبارته : ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، فإذا بلغ الهدي محله أحل وانصرف الى منزله ، وعليه الحج من قابل ولا يقرب النساء حتى يحج من قابل.

__________________

(١) ص ٤.

(٢) ص ٥ و ٦.

(٣) ص ٢٩.

٤٤

وإطلاق هذه الاخبار شامل لما لو كان الحج واجبا أو مستحبا بمعنى ان توقف الإحلال على الحج ثانيا والإتيان بطواف النساء أعم من ان يكون الحج واجبا أو مندوبا.

ولم نقف على دليل يدل على ما ذكروه من الاستنابة في طواف النساء متى كان الحج مندوبا ، بل هذه روايات المسألة كما سمعت. والعلامة بعد ذكر هذا الحكم في المنتهى لم يستدل عليه بشي‌ء سوى ما يفهم من كلامه وإسناده ذلك الى علمائنا ، المؤذن بدعوى الإجماع عليه كما قدمنا ذكره.

ونقل عن جمع من المتأخرين الاستدلال عليه بان الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه ، والبقاء على تحريم النساء ضرر عظيم ، فاكتفى في الحل بالاستنابة في طواف النساء.

وفيه : ما عرفت من ان إطلاق الروايات المتقدمة دال على انه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ـ كما في صحيحة معاوية بن عمار ـ أو حتى يحج من قابل ، كما في عبارة كتاب الفقه. واللازم اما العمل بإطلاق هذه الاخبار ، فلا يتحلل إلا بالإتيان به واجبا كان الحج أو مستحبا. وفيه : ما تقدم من الإشكال الذي ذكره جمع من المتأخرين. واما حمل هذه الاخبار على الحج الواجب خاصة والقول بالسقوط في المستحب ، وعدم وجوب الإتيان بطواف النساء لا بنفسه ولا بالاستنابة. ولعله الأقرب. وتؤيده المرسلة التي تقدم نقلها عن شيخنا المفيد في المقنعة. ويؤيده قوله في كتاب الفقه : «حتى يحج من قابل» بعد قوله أولا : «وعليه الحج من قابل» فإنه ظاهر في كون الحج واجبا مستقرا.

وقد ألحق شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بالمستحب الواجب الغير

٤٥

المستقر ، فيجوز النيابة فيه دون العود له ، قال : لما في تركه من الضرر العظيم ، مع كونه من الأفعال القابلة للنيابة. ونقل عن العلامة في القواعد الجزم به. ثم قال : وقيل يبقى على إحرامه الى ان يطوف لهن ، لإطلاق النص.

وألحق العلامة في القواعد بالحج المندوب الحج الواجب مع العجز عنه. وحكاه في الدروس بلفظ «قيل» فقال : قيل : أو مع عجزه في الواجب. وهو مؤذن بتمريضه. قال في المدارك : والقول بالجواز غير بعيد ، دفعا للحرج والضرر اللازم من البقاء على التحريم.

وأنت خبير بما في هذه الإلحاقات بعد ما عرفت من عدم الدليل على الملحق به.

وبالجملة فالذي يقرب عندي من اخبار المسألة هو وجوب طواف النساء ـ وعدم حل النساء إلا بالإتيان به ـ على من وجب عليه الحج في العام الثاني ، واما من لم يجب عليه فالتمسك بأصالة البراءة أقوى دليل في المقام. وتؤيده مرسلة المقنعة المتقدمة ، وان كان ما ذهبوا اليه هو الأحوط في الدين وتحصل به البراءة بيقين.

قال في الدروس : ولو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له ، إذ لا طواف لأجل النساء فيها.

قال في المدارك ـ بعد ان نقل عن المحقق الشيخ علي انه قواه وعن جده انه مال اليه ـ ما لفظه : وهو غير واضح ، إذ ليس في ما وصل إلينا من الروايات تعرض لذكر طواف النساء ، وانما المستفاد من صحيحة معاوية بن عمار (١) توقف حل النساء في المحصور على

__________________

(١) تقدمت ص ٥ و ٦.

٤٦

الطواف والسعي وهو متناول للحج والعمرتين. ومن هنا يظهر ان ما ذكره المحقق الشيخ علي ايضا ـ من ان الاخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا بطوافهن ـ غير جيد. انتهى.

أقول : قال في المسالك : وتوقف تحريم النساء على طوافهن يتم مع وجوب طواف النساء في النسك ، فلو كان عمرة التمتع فالذي ينبغي الإحلال من النساء أيضا ، إذ ليس فيها طواف النساء. واختاره في الدروس. ولكن الأخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا بطوافهن من غير تفصيل. انتهى. وكلامه ـ كما ترى ـ يؤذن بالتردد لا بالميل الى ذلك القول كما نقله عنه سبطه.

واما المحقق الشيخ علي (قدس‌سره) فإنه قال : وفي الدروس : لو كانت عمرة التمتع أحل من النساء أيضا ، إذ ليس فيها طواف النساء. وهو قوي متين. لكن الأخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا بطوافهن من غير تفصيل. ويمكن ان يحتج لذلك بأن عمرة التمتع دخلت في الحج فالشروع فيها شروع فيه ، فيتوقف انقطاع الارتباط به على طواف النساء. وفيه نظر ، لان الارتباط لا يقتضي منع إحرامه الذي هو فيه من النساء بعد التقصير الى ان يطوف لهن. انتهى. وهو ـ كما ترى ـ كسابقه يؤذن بالتردد لا التقوية كما ذكره.

وحاصل كلامهما ان عدم طواف النساء في صورة الحصر عن عمرة التمتع قوي ، بالنظر الى ان عمرة التمتع ليس فيها طواف النساء ، إلا انه بالنظر الى إطلاق الاخبار لا يتم ذلك. ويؤيد ما قلناه استدلال المحقق المذكور بما ذكره للقول المذكور ثم رده. ومنه يظهر ان النقل عنهما بما ذكره لا يخلو من مسامحة. نعم كلام الشهيد في الدروس ظاهر في الجزم به. ثم ما نقله

٤٧

عن الشيخ علي (قدس‌سره) من ان الاخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا بطوافهن مذكور ايضا ـ كما عرفت ـ في كلام جده ، فلا وجه لتخصيصه الشيخ علي بذلك.

وكيف كان فان ما ذكراه من ان الاخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا بطوافهن ، ان أريد به في باب المحصور فليس في الباب ما يتعلق بذلك إلا صحيحة معاوية بن عمار المذكورة (١) وظاهرها انما هو التوقف على الطواف والسعي ، وليس فيها تعرض لطواف النساء بخصوصه. والظاهر ان هذه العبارة خرجت مخرج التجوز ، بمعنى انه لا تحل له النساء حتى يأتي بأفعال العمرة من الطواف والسعي ونحوهما ، فان سياق الخبر في اعتمار الحسين (عليه‌السلام) والظاهر انها عمرة مفردة. وان أريد الأخبار الدالة على وجوب طواف النساء على الحاج والمعتمر مطلقا (٢) وان هذه الصورة تدخل تحت إطلاق تلك الاخبار ، فهو ايضا غير متجه ، لأن الأخبار هناك غير مطلقة بل جملة من الاخبار دلت على وجوب طواف النساء في الحج ولا خلاف فيه ، واختلفت في العمرة المفردة ، وان كان المشهور وجوبه فيها كما سيأتي بيانه في موضعه. واما عمرة التمتع فالأخبار مستفيضة بعدم وجوب طواف النساء فيها (٣) والأصحاب إلا من شذ على ذلك. وبالجملة فكلامهما (عطر الله مرقديهما) لا يخلو من غفلة.

نعم لقائل أن يقول في الانتصار لما ذكره شيخنا في الدروس بان ظاهر

__________________

(١) ص ٥ و ٦.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج ، والباب ١٠ من كفارات الاستمتاع والباب ٢ و ٨٢ من الطواف.

(٣) الوسائل الباب ٨٢ من الطواف.

٤٨

سياق صحيحة معاوية المتضمنة لتلك العبارة انما هو اعتماد الحسين (عليه‌السلام) عمرة مفردة ، فلا عموم فيها لما ادعاه في المدارك من دخول الحج وعمرة التمتع ، غاية الأمر ان وجوب طواف النساء لما كان متفقا عليه في الحج نصا (١) وفتوى فلا بد من اجراء الحكم فيه من أدلة خارجة لا من هذه الرواية ، وعمرة التمتع لما لم يكن فيها طواف النساء ـ كما استفاضت به الاخبار (٢) ـ بقيت خارجة من الحكم ، وإثباته فيها في هذه الصورة يحتاج الى دليل ، وليس إلا صحيحة معاوية المذكورة (٣) وظاهرها الاختصاص بالعمرة المفردة كما ذكرنا ، وسياق الخبر حكاية حاله (عليه‌السلام) فلا عموم فيه كما هو ظاهر. وبذلك يندفع الإشكال في المقام. والله العالم.

الثالث ـ لو ظهر ان هديه الذي بعثه لم يذبح وقد تحلل في يوم الوعد ، لم يبطل تحلله. وكذا لو لم يبعث هديا وأرسل دراهم يشترى بها هدي وواعد بناء على ذلك ، فتحلل في يوم الوعد ، ثم ردت عليه الدراهم ، فان تحلله صحيح أيضا ، لأن التحلل في الموضعين وقع باذن الشارع كما سيظهر لك ، فلا يتعقبه مؤاخذة ولا بطلان. نعم الواجب عليه بعد العلم بذلك بعث الهدي من قابل ، والإمساك عن ما يجب على المحرم الإمساك عنه الى يوم الوعد.

ويدل على ما ذكرناه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة وقوله (عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج ، والباب ١٠ من كفارات الاستمتاع والباب ٢ و ٨٢ من الطواف.

(٢) الوسائل الباب ٨٢ من الطواف.

(٣) ص ٥ و ٦.

٤٩

السلام) في آخرها على رواية الشيخ في التهذيب كما تقدم (١) : «وان ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحل ، لم يكن عليه شي‌ء ، ولكن يبعث من قابل ويمسك ايضا».

وقوله (عليه‌السلام) في موثقة زرارة المتقدمة (٢) بعد قول زرارة : «قلت : أرأيت ان ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء؟ قال : «فليعد وليس عليه شي‌ء ، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث».

والمستفاد من الروايتين المذكورتين وجوب الإمساك إذا بعث هديه في القابل أو قيمة يشترى بها. وهو المشهور بين الأصحاب.

وقال ابن إدريس : لا يجب عليه الإمساك عن ما يمسك عنه المحرم لانه ليس بمحرم.

واستوجهه العلامة في المختلف ، وقال : ان الأقرب عندي حمل الرواية على الاستحباب ، جمعا بين النقل وما قاله ابن إدريس. وأشار بالرواية إلى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة حيث لم ينقل سواها.

واعترضه في المدارك بان ما ذكره ابن إدريس لا يصلح معارضا للنقل.

وفيه : ان الظاهر ان مراد شيخنا المذكور ان ما ذكره ابن إدريس هو الأوفق بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية ، حيث ان الأصل في الأشياء الإباحة ، والاخبار الدالة على تحريم تلك الأشياء إنما دلت بالإحرام أو في الحرم ، ومتى لم يكن محرما ولا في الحرم فلا يحرم عليه شي‌ء. وهذا جيد على قواعد ابن إدريس. إلا ان الجواب عنه انه

__________________

(١) ص ٥ و ٦.

(٢) ص ٤.

٥٠

بعد ان دل النص الصحيح على ذلك فلا مجال للتوقف فيه. والعلامة (رحمه‌الله) انما لحظ ذلك لا مجرد قول ابن إدريس. وباعتبار ما ذكرناه يكون من قبيل تعارض الدليلين ، وهو في غير موضع قد جمع بينهما في مثل ذلك بالاستحباب ، وتكلمنا عليه بإمكان الجمع بتخصيص الإطلاق كما هنا ، وهو اولى من الجمع بالاستحباب. وما ذكره العلامة من توجيه كلام ابن إدريس ليس مخصوصا به بل هو ظاهر جماعة من الأصحاب ، كما ذكره في المسالك ، بل ظاهره في المسالك الميل اليه. وهو من ما يؤذن بقوة قوله عندهم ، وليس إلا باعتبار ما وجهناه به.

ثم انه قال في المدارك : واعلم انه ليس في الرواية ولا في كلام من وقفت على كلامه من الأصحاب تعيين لوقت الإمساك صريحا ، وان ظهر من بعضها انه من حين البعث. وهو مشكل. ولعل المراد انه يمسك من حين إحرام المبعوث معه الهدي. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ظاهر موثقة زرارة (١) وجوب الإمساك إذا بعث. ثم انه اي إشكال في القول بوجوب الإمساك من حين البعث حتى انه يرتكب التخصيص بحين إحرام المبعوث معه الهدي؟ واي دليل دل على ذلك حتى يفر اليه من هذا الاشكال. بل الإشكال في ما ذكره أعظم ، حيث انه لا دليل عليه بالمرة ولا قائل به بالكلية والقول بوجوب الإمساك من حين البعث هو ظاهر الأصحاب والاخبار اما موثقة زرارة (٢) فهي ظاهرة في ذلك. واما صحيحة معاوية بن عمار (٣)

__________________

(١ و ٢) تقدمت ص ٤.

(٣) تقدمت ص ٥ و ٦.

٥١

فان قوله : «يبعث من قابل ويمسك أيضا» ـ يعني : من قابل ـ فهو ظاهر في كون وقت الإمساك ووقت البعث واحدا.

بقي هنا شي‌ء وهو ان ظاهر موثقة زرارة أنه بالمواعدة وإتيان وقت الوعد يحل حتى من النساء. وهو مشكل ، حيث ان ظاهر الأصحاب ان الحل من النساء متوقف على الطواف كما تقدم ، بنفسه ان كان الحج واجبا ، لوجوب المضي عليه ، أو نائبه ان كان مستحبا. وهو ظاهر الاخبار المتقدمة أيضا.

قال في الوافي بعد نقل الخبر المذكور : لعل المراد بإتيانه النساء إتيانه إياهن بعد الطواف والسعي (١).

أقول : لا يخفى ما فيه ، فان سياق الخبر ان المحصور يبعث بهديه ويواعدهم يوما ، فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه ، فقال له الراوي :

أرأيت ان ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء؟ قال : فليعد وليس عليه شي‌ء ، وليمسك الآن عن النساء. هذا صورة الخبر ، فكيف يتم إن إتيانه بعد الطواف والسعي وهو في مكانه؟ مع ان التكليف بالطواف بنفسه أو بنائبه انما هو في العام القابل كما في الاخبار وكلام الأصحاب. اللهم إلا ان يحمل إتيانه النساء على الخطأ والجهل بتوهم حلهن له بالمواعدة كما في سائر محرمات الإحرام ويكون قوله (عليه‌السلام) : «ليس عليه شي‌ء» يعنى من حيث الجهل ، فإنه معذور ، كما في غير موضع من أحكام الحج ، وانه بعد العلم بذلك فليمسك الآن عن النساء إذا بعث.

قال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد ـ بعد نقل

__________________

(١) لم نجد هذه العبارة في الوافي.

٥٢

الخلاف بين المشهور وابن إدريس ، واحتجاج ابن إدريس بالأصل ، وانه ليس بمحرم ولا في حرم ، فكيف يمنع من الصيد ونحوه؟ والجواب عن ذلك بأنه لا استبعاد بعد وجود النص ، ويضمحل الأصل به. ويؤيده ما يدل على بعث الهدى من الآفاق والإمساك كما سيجي‌ء ـ : على انه قد يقال : وجوب الإمساك عن الصيد ونحوه غير معلوم ، وانما دل الدليل على وجوب الإمساك عن النساء ، ولا استبعاد في ذلك ، كما إذا قصر المحصر لا تحل له النساء حتى يطوف ، فان معنى قولهم : «لا يبطل إحلاله» انه لا تجب عليه الكفارة بالتحلل بل لما وقع التحلل باعتقاد انه محل فلا شي‌ء عليه. ولا ينافيه ان يكون باقيا على إحرامه الى ان يبعث في القابل. ولكن يلزم كونه باقيا على الإحرام من حين العلم لا من حين البعث ، ولا شك انه أحوط. بل الظاهر ان ذلك هو الواجب ، لان المحلل ما حصل في نفس الأمر ، وكفاية زعمه غير ظاهر بعد العلم بفساد زعمه وظنه. فتأمل. انتهى.

أقول : وفيه : ان ظاهره موافقة ابن إدريس في عدم تحريم الصيد ونحوه من محرمات الإحرام إلا النساء. ولعله اعتمد في ذلك على موثقة زرارة المتقدمة ، حيث نقلها سابقا في كلامه ، إلا انها غير صريحة بل ولا ظاهرة في ذلك وان أوهمته في بادي الرأي. والظاهر من كلام الأصحاب وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة هو تحريم جميع محرمات الإحرام عليه من حين البعث لا خصوص النساء. وبالجملة فإنا نقول : ان هذا المحرم بعد إحرامه قد حرم عليه جميع محرمات الإحرام ، ولما أحصر واذن له الشارع ببعث الهدي أو ثمنه ، وانه يعدهم بوقت ، وجوز له الإحلال في ذلك الوقت إلا من النساء ، ثم قصر وأحل في وقت الوعد باذن الشارع

٥٣

له في ذلك لا باعتبار زعمه وظنه كما ذكره (قدس‌سره) فقد وقع إحلاله في محله ، ولا يتعقبه نقص ولا كفارة. وقوله (قدس‌سره) ـ : ولا ينافيه ان يكون باقيا على إحرامه الى ان يبعث في القابل ـ ممنوع فإنه بناء على كون التحلل انما وقع في الظاهر باعتبار ظنه وزعمه باعتقاده الذبح عنه ، وهو غلط منه ، بل التحلل عندنا انما استند إلى أمر الشارع له بذلك وتجويزه ، كما دل عليه الخبران المتقدمان. ويؤيده أيضا قوله (عليه‌السلام) في موثقة زرعة (١) : «وانما عليه ان يعدهم لذلك يوما ، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى ، وان اختلفوا في الميعاد لم يضره ان شاء الله تعالى». وحينئذ إذا كان إحلاله مستندا إلى اذن الشارع فهو محل ظاهرا وواقعا ، غاية الأمر ان الشارع أوجب عليه لتدارك ما فات ان يرسل الهدي وان يجتنب ما يجتنبه المحرم وقت الإرسال ، كما في الآفاقي الآتي ذكره ان شاء الله تعالى. وهذا غاية ما يفهم من اخبار المسألة. وبذلك يظهر ان ما ذكره ـ من ان الأحوط بل الظاهر انه الواجب كونه باقيا على الإحرام من حين العلم ـ غير جيد ، بل مجرد وهم نشأ من بنائه تجويز الإحلال على زعمه وظنه التحلل بالمواعدة وانهم وفوا بوعده ، وقد انكشف خلف الوعد فكان باقيا على إحرامه. وقد عرفت ما فيه ، وان تجويز الإحلال إنما استند إلى أمر الشارع واذنه. وليت شعري كيف الجمع ، بين حكمه أولا بأن وجوب الإمساك عن الصيد ونحوه غير معلوم وإنما دل الدليل على وجوب الإمساك عن النساء ، وبين قوله ان يكون باقيا على إحرامه من حين العلم بفساد المواعدة وانهم لم يذبحوا عنه ، لظهور بقائه على

__________________

(١) تقدمت ص ٤٢.

٥٤

الإحرام الأول؟ ما هو إلا عجب عجيب من هذا المحقق الأريب ، وبالجملة فإني لا اعرف لكلامه (رحمه‌الله تعالى) هنا وجه صحة. والله العالم.

الرابع ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو وجد المحصور من نفسه خفة ـ بعد ان بعث هديه ـ وامكنه المسير إلى مكة فالواجب عليه اللحوق بأصحابه ، لأنه محرم بأحد النسكين فيجب عليه الإتيان به وإتمامه ، للآية (١) والفرض انه متمكن. ثم انه ان أدرك أحد الموقفين الموجب لصحة الحج فقد أدرك الحج وليس عليه الحج من قابل ، وان لم يدرك ما يوجب صحة الحج فقد فاته الحج وكان عليه الحج من قابل ان كان واجبا ، ويتحلل بعمرة. وسيأتي ان شاء الله (تعالى) تفصيل ما به يدرك الحج في محله.

ويدل على أصل الحكم ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أحصر الرجل بعث بهديه ، فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة فليعض ان ظن انه يدرك الناس ، فان قدم مكة قبل ان ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك ولينحر هديه ولا شي‌ء عليه ، وان قدم مكة وقد نحر هديه فان عليه الحج من قابل أو العمرة. قلت : فان مات وهو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة؟ قال : يحج عنه ان كانت حجة الإسلام ويعتمر ، انما هو شي‌ء عليه». قوله : «ان ظن انه يدرك الناس»

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٥.

(٢) الوسائل الباب ٣ من الإحصار والصد.

٥٥

في الكافي (١) ، وفي التهذيب (٢) «ان ظن انه يدرك هديه قبل ان ينحر».

قال في الوافي (٣) : قوله : «من قابل» قيد للحج خاصة دون العمرة ، وانما الحج من قابل إذا نحر هديه وفات وقت مناسكه. وقوله : «أو العمرة» يعني : إذا كان إحرامه للعمرة. انتهى.

وهو كذلك بناء على عطف العمرة ب «أو» ، واما على العطف بالواو ـ كما في بعض النسخ ، وكذلك نقله في الوسائل والمنتهى في ما حضرني من نسختهما ـ فالظاهر ان المراد عمرة التحلل. فان قيل : ان التحلل قد حصل بذبح الهدي عنه. قلنا : ظاهر كلام الأصحاب وإطلاق عباراتهم في هذا المقام يعطي وجوب التحلل بالعمرة وان تحقق الذبح عنه بعد وصوله.

قال في المدارك ـ بعد قول المصنف : ولو بعث هديه ثم زال العارض لحق بأصحابه ، فإن أدرك أحد الموقفين في وقته فقد أدرك الحج ، وإلا تحلل بعمرة ـ ما صورته : واعلم ان إطلاق العبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في وجوب التحلل بالعمرة مع الفوات بين ان يتبين وقوع الذبح عنه وعدمه. وبهذا التعميم صرح الشهيدان ، نظرا الى ان التحلل بالهدي انما يحصل مع عدم التمكن من العمرة أما معها فلا ، لعدم الدليل. ويحتمل عدم الاحتياج إلى العمرة إذا تبين وقوع الذبح عنه لحصول التحلل به. انتهى.

وبالجملة فإنه على تقدير نسخة الواو لا معنى للعمرة إلا عمرة التحلل وعلى تقديره تكون الرواية واضحة الدلالة على ما ذكره الأصحاب والمعنى حينئذ انه ينتقل إحرامه الذي دخل به للحج إلى العمرة المفردة

__________________

(١) ج ٤ ص ٣٧٠.

(٢) ج ٥ ص ٤٢٢.

(٣) باب (المحصور والمصدود).

٥٦

ويتحلل بها. وبذلك صرح الأصحاب أيضا.

قال العلامة في المنتهى : إذا فاته الحج جعل حجه عمرة مفردة ، فيطوف ويسعى ويحلق. قاله علماؤنا أجمع. ثم نقل خلاف العامة (١).

والعجب من السيد السند في المدارك حيث ذكر الحكم المذكور ولم يورد الرواية دليلا لذلك ، مع صحتها وصراحتها ، وتهالكه على ذكر الأدلة ، ولا سيما مع صحة أسانيدها. ولعله غفل عنها. والله العالم.

الخامس ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في ان حكم المعتمر في أحكام الحصر حكم الحاج ، فمتى أحصر فعل ما ذكر في أحكام الحج ، وكان عليه العمرة واجبة ان كانت عمرة الإسلام أو غيرها من الواجبات وان كانت نفلا كان الإعادة نفلا أيضا.

بقي الكلام في انه هل يشترط مضى الشهر هنا أم يقضي عند زوال العذر مطلقا؟ ظاهر الأصحاب ان الخلاف هنا كالخلاف في أصل المسألة في الزمان الذي يجب كونه بين العمرتين. قال في الدروس : المعتمر افرادا يقضي عمرته في زمان يصح فيه الاعتمار ثانيا ، فيبني على الخلاف. أقول : وسيأتي تحقيق الكلام فيه في محله ان شاء الله (تعالى).

قال في المدارك : ويمكن المناقشة فيه بعدم تحقق العمرة ، لتحلله منها ، فلا يعتبر في جواز الثانية تخلل الزمان الذي يجب كونه بين العمرتين. الا ان يقال باعتبار مضى الزمان بين الإحرامين. وهو جيد.

وكيف كان فإنما يجب قضاء العمرة مع استقرار وجوبها قبل ذلك أو مع التفريط ، كما تقدم في الحج. والله العالم.

السادس ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في المحصور

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٣٢٧ و ٣٢٨ طبع مطبعة العاصمة.

٥٧

إذا كان قارنا ثم تحلل ، فهل يجب عليه القضاء بمثل ما خرج منه فلا يجوز له التمتع أم لا؟ المشهور الأول ، وهو قول الشيخ ومن تبعه. وظاهر هذا القول عدم الفرق بين الواجب والندب ، وان كان الندب لا يجب قضاؤه ، الا انه ان قضاه قضاه كذلك. ومنع ابن إدريس من ذلك وجعل له ان يحرم بما شاء. وقال في المختلف : والأقرب ان نقول ان تعين عليه نوع وجب عليه الإتيان به وإلا تخير ، غير ان الأفضل الإتيان بمثل ما خرج منه. ونحوه في المنتهى.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة صحيحة رفاعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ومحمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) انهما قالا : «القارن يحصر ، وقد قال واشترط : فحلني حيث حبستني؟ قال : يبعث بهديه. قلنا : هل يتمتع في قابل؟ قال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».

ورواية رفاعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت : رجل ساق الهدي ثم أحصر؟ قال : يبعث بهديه. قلت : هل يستمتع من قابل؟ فقال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».

وبهذه الروايات أخذ الشيخ ومن تبعه من الأصحاب.

قال في المنتهى بعد نقل صحيحة محمد بن مسلم ورفاعة دليلا للشيخ : ونحن نقول بحمل هذه الرواية على الاستحباب ، أو على انه قد كان القران متعينا في حقه ، لانه إذا لم يكن واجبا لم يجب القضاء ، فعدم وجوب الكيفية أولى. انتهى. وهو جيد.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٢٣ ، والوسائل الباب ٤ من الإحصار والصد.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٣٧١ ، والوسائل الباب ٤ و ٧ من الإحصار والصد.

٥٨

قال في المدارك : والقول بوجوب الإتيان بما كان واجبا والتخيير في المندوب لابن إدريس وجماعة ، وقوته ظاهرة. انتهى.

أقول : لا يخفى ان مقتضى كلام العلامة في المختلف ان في المسألة أقوالا ثلاثة : أحدها ـ ما نقله عن الشيخ ، وهو المشهور كما قدمنا ذكره. الثاني ـ ما نقله عن ابن إدريس ، وهو ما ذكرناه من انه يحرم بما شاء. وكذلك نقله في المنتهى بهذه العبارة. الثالث ـ ما اختاره هو (قدس‌سره) في المنتهى والمختلف كما قدمنا ذكره عن المختلف. وقال في المنتهى بعد نقل قولي الشيخ وابن إدريس : والوجه عندي انه يأتي بما كان واجبا ، وان كان ندبا حج بما شاء من أنواعه ، وان كان الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل. وهو يرجع الى ما اختاره في المختلف.

والمحقق في الشرائع نقل قول الشيخ والقول الذي حكيناه عن العلامة فقال : والقارن إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل الا قارنا. وقيل : يأتي بما كان واجبا ، وان كان ندبا حج بما شاء من أنواعه ، وان كان الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل. هذه عبارته.

والسيد السند (قدس‌سره) نسب هذا القول الثاني لابن إدريس وجماعة ، كما سمعت من عبارته ، وهو وهم منه (قدس‌سره) فان قول ابن إدريس المحكي عنه في المختلف والمنتهى كما سمعت انما هو الإحرام بما شاء ، واين هو من هذا التفصيل الذي في العبارة؟ وانما هذا قول ثالث في المسألة غير قول ابن إدريس.

وهذه عبارة ابن إدريس في سرائره ننقلها لتكون على يقين من ما قلناه ، قال : قال شيخنا أبو جعفر في نهايته : والمحصور ان كان قد أحصر وقد أحرم بالحج قارنا فليس له ان يحج في المستقبل متمتعا ،

٥٩

بل يدخل بمثل ما خرج منه. قال محمد بن إدريس : وليس على ما قاله (رحمه‌الله) دليل من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، بل الأصل براءة الذمة. وبما شاء يحرم في المستقبل. انتهى. وبذلك يظهر لك ان ما ذكره في المدارك ناشى‌ء عن الغفلة وعدم مراجعة مذهب ابن إدريس في المسألة.

أقول : وكلام ابن إدريس جيد على أصوله الغير الاصيلة ، والا فالسنة قد دلت على ما ذكره الشيخ ، غير ان الشيخ لما كان من عادته في النهاية الإفتاء بمتون الاخبار غالبا ذكر فتواه بصورة الرواية ، والرواية على إطلاقها غير معمول عليها. وبعين ما تؤول به الرواية يؤول كلامه. والوجه فيه ما ذكره العلامة وغيره من ان الحج الأول ، ان كان واجبا فالقضاء قرانا واجب ، وان كان مستحبا فهو مخير ، وان كان الأفضل جعله قرانا. واما كلام ابن إدريس فهو ساقط رأي العين ، لانه مبني على اطراح الروايات من البين.

السابع ـ المحصور قبل بلوغ الهدي محله ، ان احتاج الى حلق رأسه لأذى ، ساغ له ذلك ، ووجب عليه الفداء. صرح به في المنتهى.

واستدل عليه برواية زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه ، وآذاه رأسه قبل ان ينحر فحلق رأسه ، فإنه يذبح في المكان الذي أحصر فيه ، أو يصوم ، أو يطعم ستة مساكين».

أقول : وهذه الرواية قد رواها الشيخ في موضع من التهذيب (٢)

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من الإحصار والصد رقم ١.

(٢) ج ٥ ص ٤٢٣.

٦٠