الحدائق الناضرة - ج ١٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

وإياك والوجيف الذي يصنعه الناس ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : ايها الناس ان الحج ليس بوجيف الخيل ولا إيضاع الإبل ، ولكن اتقوا الله ، وسيروا سيرا جميلا ، ولا توطئوا ضعيفا ، ولا توطئوا مسلما ، وتوأدوا ، واقتصدوا في السير ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يكف ناقته حتى يصيب رأسها مقدم الرجل ، ويقول : ايها الناس عليكم بالدعة. فسنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تتبع. قال معاوية بن عمار : وسمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : اللهم أعتقني من النار. يكررها حتى أفاض الناس ، فقلت : الا تفيض؟ فقد أفاض الناس قال : اني أخاف الزحام ، وأخاف ان أشرك في عنت انسان».

قال في الوافي (١) : «من حيث أفاض الناس» اي من عرفات ، وروى في مجمع البيان (٢) عن الباقر (عليه‌السلام) انه قال : «كانت قريش وحلفاؤهم من الحمس لا يقفون مع الناس بعرفة ولا يفيضون منها ويقولون نحن أهل حرم الله فلا نخرج من الحرم ، فيقفون بالمشعر ويفيضون منه ، فأمرهم الله ان يقفوا بعرفات ويفيضوا منها». وفي تفسير العياشي عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) «يعني بالناس إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومن بعدهم ممن أفاض من عرفات». والكثيب : التل من الرمل «وإياك والوجيف» في التهذيب (٤) هكذا : «وإياك والوضف الذي يصنعه كثير من الناس ،

__________________

(١) باب (الإفاضة من عرفات).

(٢) ج ١ ص ٢٩٦ طبع صيدا.

(٣) الوسائل الباب ١٩ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(٤) ج ٥ ص ١٨٧.

٤٢١

فإنه بلغنا ان الحج ليس بوضف الخيل ولا إيضاع الإبل» وكل من الوجيف بالجيم والوضف بالواو والضاد المعجمة والإيضاع بمعنى الإسراع. والتؤدة التأني. وليست لفظة «وتوأدوا» في التهذيب (١) وفي بعض نسخ الكافي : «لا تؤذوا» من الإيذاء. والدعة قريب من التؤدة في المعنى. والعنت : المشقة والانكسار والهلاك (٢).

وروى في الكافي عن هارون بن خارجة (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في آخر كلامه حين أفاض : اللهم إني أعوذ بك ان أظلم أو أظلم أو اقطع رحما أو أوذي جارا».

ومنها استحباب تأخير المغرب والعشاء إلى المزدلفة ولو الى ربع الليل بل الى ثلث الليل ، وهو إجماع علماء الإسلام كافة (٤).

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال : «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا وان ذهب ثلث الليل».

وعن سماعة في الموثق (٦) قال : «سألته عن الجمع بين المغرب والعشاء الآخرة بجمع. فقال : لا تصلهما حتى تنتهي إلى جمع وان مضى من الليل ما مضى ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمعهما بأذان واحد وإقامتين

__________________

(١) ج ٥ ص ١٨٧.

(٢) انتهى كلام صاحب الوافي.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٤٦٧ والوسائل الباب ١ من الوقوف بالمشعر.

(٤) المغني ج ٣ ص ٤٣٧ و ٤٣٨ و ٤٣٩ طبع مطبعة المنار.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٥ من الوقوف بالمشعر.

٤٢٢

كما جمع بين الظهر والعصر بعرفات».

وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا ، فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ،. وانزل بطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر». وتجوز الصلاة قبله.

وقال الشيخ في النهاية : لا تصل المغرب والعشاء الآخرة الا بالمزدلفة وان ذهب من الليل ربعه أو ثلثه ، فان عاقه عائق عن المجي‌ء إلى المزدلفة الى ان يذهب من الليل أكثر من الثلث جاز له ان يصلي المغرب في الطريق ولا يجوز ذلك مع الاختيار. وهذا الكلام بظاهره موهم لتحريم الصلاة قبل المشعر.

ونحوه كلام ابن أبي عقيل ، حيث قال بعد ان حكى صفة سيرة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : وأوجب بسنته على أمته ان لا يصلي أحد منهم المغرب والعشاء بعد منصرفهم من عرفات حتى يأتوا المشعر الحرام.

ونحو ذلك كلام الشيخ في الخلاف ، وقريب منه في الاستبصار حيث ذهب الى انه لا تجوز صلاة المغرب بعرفات ليلة النحر.

وحمل العلامة في المختلف كلام الشيخ في النهاية على إرادة الكراهة ، قال : والظاهر ان قصد الشيخ الكراهية ، وكثيرا ما يطلق على المكروه انه لا يجوز. وهو جيد.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٨٨ والفروع ج ٤ ص ٤٦٨ والوسائل الباب ٦ و ٧ من الوقوف بالمشعر. وفي المخطوطة والمطبوعة : «وان ذهب ثلث الليل» بعد كلمة «جمعا» ولعله من سهو الناسخ.

٤٢٣

ومما يدل على جواز الصلاة قبل المشعر ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «عثر محمل أبي بين عرفة والمزدلفة ، فنزل وصلى المغرب ، وصلى العشاء بالمزدلفة».

وعن محمد بن سماعة بن مهران (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): الرجل يصلي المغرب والعتمة في الموقف فقال : قد فعله رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلاهما في الشعب».

أقول : لو لا ان ظاهر الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) الاتفاق على جواز التقديم ـ بل ظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه ، حيث قال : لو ترك الجمع فصلى المغرب في وقتها والعشاء في وقتها صحت صلاته ولا اثم عليه ، ذهب إليه علماؤنا ـ لأمكن العمل بظاهر الأخبار المتقدمة ، وحمل النهي على ظاهره من التحريم وحمل الأخبار الأخيرة على العذر ، كما هو ظاهر المنتهى ، حيث انه خص الأخبار الثلاثة الأخيرة بصورة العذر ، حيث قال في جملة الفروع : السادس ـ لو عاقه في الطريق عائق وخاف ان يذهب أكثر الليل صلى في الطريق لئلا يفوت الوقت ، رواه الشيخ عن محمد بن سماعة بن مهران. ثم ساق الروايات الثلاث. ونحو ذلك ظاهر كلام الشهيد (قدس‌سره) في الدروس حيث قال : وتأخير العشاءين الى جمع إجماعا ، وأوجب الحسن تأخيرهما إلى المشعر في ظاهر كلامه ، وله

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من الوقوف بالمشعر.

٤٢٤

التأخير وان ذهب ثلث الليل ، رواه محمد بن مسلم. ولو منع صلى بعرفة أو الطريق. والظاهر ان قوله : «ولو منع» إشارة إلى تلك الأخبار الدالة على الصلاة بعرفة والطريق بحملها على المانع. وحينئذ فإذا كانت هذه الروايات موردها العذر كما حملت عليه لم يبق للنهي الموجب للتحريم في تلك الروايات معارض الا ما يدعى من الإجماع المتقدم ذكره.

وبذلك يظهر ان تأويل تلك العبارات الدالة على التحريم ليس في محله بل القول بالتحريم لا يخلو من قرب.

ويؤيده ما رواه أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال عن حمدويه وإبراهيم ابني نصير عن الحسن بن موسى الخشاب عن جعفر بن محمد بن حكيم عن إبراهيم بن عبد الحميد عن عيسى بن أبي منصور وأبي أسامة ويعقوب الأحمر جميعا (١) قالوا : «كنا جلوسا عند أبي عبد الله (عليه‌السلام) فدخل زرارة بن أعين فقال : ان الحكم بن عتيبة يروى عن أبيك انه قال : تصلى المغرب دون المزدلفة. فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) بأيمان ثلاثة : ما قال هذا أبي قط ، كذب الحكم بن عتيبة على أبي (عليه‌السلام)». وعن محمد بن مسعود (٢) قال : كتب إلينا الفضل يذكر عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد. ثم ذكر نحوه.

والتقريب فيه ان الظاهر أن مراد الحكم بما نقله هو جواز صلاة المغرب قبل المزدلفة ، فأنكره (عليه‌السلام) وحلف ان أباه (عليه‌السلام) لم يقل ذلك. واما الحمل على ان المراد ان وظيفة صلاة المغرب والأفضل

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥ من الوقوف بالمشعر.

٤٢٥

ان تصلى قبل المزدلفة فبعيد جدا ، لاتفاق الخاصة والعامة (١) على ان الأفضل التأخير إلى المشعر وان السنة ذلك ، بل الظاهر ان المعنى انما هو الأول ، فيكون الخبر مؤيدا لما ذكرناه. والله العالم. ومنها

الجمع بين الفرضين بأذان واحد وإقامتين وعدم الفصل بالنافلة ، وقد تقدم ما يدل عليه في موثقة سماعة وصحيح الحلبي.

ويدل عليه ايضا ما رواه الكليني في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ، ولا تصل بينهما شيئا. وقال : هكذا صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

وروى الكليني في الصحيح عن ابن مسكان عن عنبسة بن مصعب (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة؟ فقال : صلها بعد العشاء الآخرة أربع ركعات».

وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن عنبسة بن مصعب (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : إذا صليت المغرب بجمع أصلي الركعات بعد المغرب وقال : لا ، صل المغرب والعشاء ثم صل الركعات بعد».

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٤١٨ طبع عام ١٣٦٨.

(٢) الوسائل الباب ٦ من الوقوف بالمشعر والحديث للشيخ في التهذيب ج ٥ ص ١٩٠ و ٤٨٠.

(٣) الوسائل الباب ٦ من الوقوف بالمشعر.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ١٩٠ والوسائل الباب ٦ من الوقوف بالمشعر.

٤٢٦

وقد تقدم (١) ما يدل على ذلك أيضا في صدر المقصد من مرسلة الصدوق ورواية العلل.

وفي الصحيح عن ابان بن تغلب (٢) قال : «صليت خلف أبي عبد الله (عليه‌السلام) المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع في ما بينهما. ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات».

وهو محمول على بيان الجواز ، ومن ثم استدل به بعض الأصحاب على امتداد وقت نافلة المغرب بامتداد الفريضة ، كما تقدم في كتاب الصلاة.

قال في المنتهى : لو صلى بينهما شيئا من النوافل لم يكن مأثوما ، لأن الجمع مستحب فلا يترتب على تركه اثم. ثم استدل بصحيحة ابان المذكورة.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ وعليه دلت الأخبار المتقدمة في كيفية الجمع ـ هو ان يكون بأذان واحد وإقامتين ، ونقل عن الشيخ في الخلاف انه قال : يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة بالمزدلفة بأذان واحد واقامة واحدة مثل صلاة واحدة (٣)

__________________

(١) ص ٤١٩.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٩٠ والوسائل الباب ٦ من الوقوف بالمشعر.

(٣) هكذا وردت العبارة في النسخة المطبوعة وما وقفنا عليه من المخطوطة وفي الخلاف ج ١ ص ١٧٢ م ١٥٩ هكذا : «يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة بالمزدلفة بأذان واحد وإقامتين وقال أبو حنيفة : يجمع بينهما بأذان واحد واقامة واحدة مثل صلاة واحدة. وبعد نقل قول مالك والشافعي قال : دليلنا إجماع الفرقة وحديث جابر.» ولا يخفى ان العبارة

٤٢٧

واحتج بإجماع الفرقة وحديث جابر (١) قال : «جمع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا». قال في المختلف والجواب : ان الإجماع على ما قلناه ، وكذا حديث جابر. وهذا الاستدلال من الشيخ انما هو على قول من يكرر الأذان اما من يكرر الإقامة فلا.

ومنها ان يكون متطهرا ، ونقل في الدروس عن الصدوق (رحمه‌الله) استحباب الغسل للوقوف ايضا.

ويدل على استحباب الوقوف على طهر قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الآتية (٢) : «أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت قريبا من الجبل وان شئت حيث شئت. الحديث».

واما الغسل فلم أقف على ما يدل عليه.

ومنها استحباب النزول ببطن الوادي عن يمين الطريق والدعاء. رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي ومعاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين. وانزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر. ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر

__________________

في نسخ الحدائق مطابقة لعبارة المختلف ج ٢ ص ١٢٩.

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٦ و ٧ و ٨.

(٢) الوسائل الباب ١١ من الوقوف بالمشعر.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٤٦٨ والوسائل الباب ٦ و ٧ و ٨ و ١٠ من الوقوف بالمشعر. وفي كتب الحديث ورد ذكر الحلبي متأخرا عن معاوية بن عمار.

٤٢٨

الحرام ويطأه برجله ،. ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة ، وتقول : اللهم هذه جمع ، اللهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير ، اللهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي. ثم أطلب إليك ان تعرفني ما عرفت أولياءك في منزلي هذا وان تقيني جوامع الشر. وان استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل ، فإنه بلغنا ان أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين لهم دوي كدوي النحل ، يقول الله (جل ثناؤه) أنا ربكم وأنتم عبادي أديتم حقي وحق علي ان استجيب لكم. فيحط تلك الليلة عن من أراد ان يحط عنه ذنوبه ، ويغفر لمن أراد ان يغفر له».

ومنها استحباب أن يطأ الصرورة المشعر برجله. ويدل عليه قوله (عليه‌السلام) في رواية معاوية المتقدمة (١) : «ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام ويطأه برجله».

وعن ابان بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام وان يدخل البيت».

وروى الصدوق عن سليمان بن مهران عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) في حديث قال : «قلت : كيف صار الصرورة وطء المشعر عليه واجبا؟ فقال : ليستوجب بذلك وطء بحبوحة الجنة».

أقول : قال الشيخ رحمه‌الله تعالى : المشعر الحرام جبل هناك يسمى قزح.

قال العلامة في المنتهى بعد نقل ذلك عن الشيخ (رحمه‌الله) : ويستحب

__________________

(١) وهي رواية معاوية والحلبي المتقدمة الآن.

(٢) الوسائل الباب ٧ من الوقوف بالمشعر.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ١٥٤ والوسائل الباب ٣ و ٧ من الوقوف بالمشعر.

٤٢٩

الصعود عليه وذكر الله تعالى عنده ، قال الله تعالى (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) (١) وروي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) انه أردف الفضل بن العباس ووقف على قزح ، وقال : هذا قزح ، وهو الموقف ، وجمع كلها موقف. وروى الجمهور في حديث جعفر بن محمد الصادق (عليه‌السلام) عن أبيه عن جابر (٣) : ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ركب القصوى حتى اتى المشعر الحرام فرقي عليه واستقبل القبلة ، فحمد الله وهلله وكبره ووحده ، ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا. قال ابن بابويه : يستحب للصرورة أن يطأ المشعر برجله أو يطأه ببعيره ، وروى الشيخ عن ابان بن عثمان ثم ساق الرواية المتقدمة. إلى هنا كلام المنتهى.

وظاهره اختيار ما ذهب اليه الشيخ من ان المشعر عبارة عن الجبل المذكور ولذا أيده بالروايات المذكورة.

ومما يؤكد ذلك ما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب العلل (٤) عن عبد الحميد ابن أبي الديلم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سمي الأبطح أبطح لأن آدم (عليه‌السلام) أمر أن ينبطح في بطحاء فانبطح حتى انفجر الصبح ثم أمر ان يصعد جبل جمع وامره إذا طلعت الشمس ان يعترف بذنبه ، ففعل ذلك فأرسل الله تعالى نارا من السماء فقبضت قربان آدم».

وبذلك يظهر لك ايضا ما في كلام الدروس ، حيث انه فسره بالمسجد

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٩٧.

(٢) سنن البيهقي ج ٥ ص ١٢٢ وفيه : «وأردف أسامة».

(٣) سنن البيهقي ج ٥ ص ٦ و ٧ و ٨.

(٤) ص ٤٤٤ طبع النجف الأشرف والوسائل الباب ٤ من الوقوف بالمشعر.

٤٣٠

وفاقا لصاحب القاموس ، كما يظهر من قوله : «وعليه بناء اليوم».

قال في المدارك : واختلف كلام الأصحاب في تفسير المشعر ، فقال الشيخ : انه جبل هناك يسمى قزح ، وفسره ابن الجنيد بما قرب من المنارة ، قال في الدروس : والظاهر انه المسجد الموجود الآن. والذي نص عليه أهل اللغة ان المشعر هو المزدلفة وعليه دلت صحيحة معاوية بن عمار المتضمنة لتحديد المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر (١) لكن مقتضى قوله (ع) في رواية الحلبي المتقدمة (٢) : «انزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر». ان المشعر أخص من المزدلفة.

أقول : اما ما نقله عن أهل اللغة من ان المشعر هو المزدلفة ففيه انك قد عرفت من ما قدمناه من عبارة القاموس انه جعله عبارة عن الموضع الذي عليه بناء اليوم ، ومن عبارة المصباح انه عبارة عن الجبل الذي ذكره الشيخ (رحمه‌الله) واما عبارة الصحاح فلم يتعرض فيها لذلك. واما ما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار فهو تحديد للمكان الذي يجب الوقوف فيه. ولا ريب أن المشعر يطلق على مجموع هذا المحدود باعتبار كونه أحد المشاعر التي هي عبارة عن مواضع العبادة مجازا ، واما التسمية الحقيقية فهي مخصوصة للجبل أو المكان الذي عليه المسجد الآن. والظاهر هو الأول لما عرفت. وأيضا فإن الأخبار الدالة على استحباب وطء الصرورة المشعر لا تلائم هذا القول الذي توهمه من الوادي المتسع ، ونحوها رواية الحلبي التي أشار إليها.

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من الوقوف بالمشعر.

(٢) وهي رواية معاوية والحلبي المتقدمة ص ٤٢٨.

٤٣١

المقام الثاني في الكيفية

وفيه مسائل الأولى ـ يجب بعد النية الوقوف بالمشعر ، وحده كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (١) من انه من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر. وهذا التحديد مجمع عليه بين الأصحاب كما ذكره في المنتهى.

ويدل عليه زيادة على الصحيحة المذكورة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٢) «انه قال للحكم بن عيينة : ما حد المزدلفة؟ فسكت : فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : حدها ما بين المأزمين إلى الجبل الى حياض محسر».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال : «ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة».

وفي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «حد المزدلفة من وادي محسر إلى المأزمين». ونحوها موثقة إسحاق ابن عمار (٥).

ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى المأزمين ، لما رواه الكليني (رحمه‌الله) في الموثق عن سماعة (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : إذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال : يرتفعون إلى المأزمين».

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٨ من الوقوف بالمشعر.

(٣) وهو حديث معاوية والحلبي المتقدم ص ٤٢٨.

(٦) الوسائل الباب ٩ من الوقوف بالمشعر.

٤٣٢

والأصحاب ذكروا الارتفاع الى الجبل ، واستدلوا بالرواية. وهو كما ترى ، فإن المأزمين أحد الحدود والجبل حد آخر ، كما تضمنته صحيحة زرارة المتقدمة (١)

وجوز الشهيدان وجماعة الارتفاع الى الجبل اختيارا. وفيه ان صحيحة زرارة المذكورة قد دلت على انه أحد حدود المشعر الخارجة عنه.

وهو ركن من أركان الحج من تركه عامدا بطل حجه.

ومن الاخبار في ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «الوقوف بالمشعر فريضة. الحديث».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع وليأت جمعا وليقف بها وان كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع».

وروى الشيخ عن عمران وعبيد الله ابني علي الحلبيين عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج».

وفي الموثق عن يونس بن يعقوب (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام):

رجل أفاض من عرفات فمر بالمشعر فلم يقف حتى انتهى الى منى فرمى

__________________

(١) ص ٤٣٢.

(٢) الوسائل الباب ١٩ من إحرام الحج والباب ٤ من الوقوف بالمشعر.

(٣) الوسائل ٤ و ٢١ من الوقوف بالمشعر.

(٤) الوسائل الباب ٢٣ و ٢٥ من الوقوف بالمشعر.

(٥) الوسائل الباب ٢١ من الوقوف بالمشعر.

٤٣٣

الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار. قال : يرجع الى المشعر فيقف به ثم يرجع فيرمي الجمرة».

ويدل على ذلك ما تقدم (١) في جملة من الاخبار التي في المسألة الثالثة من مسائل الفصل الثالث من المقصد الأول من ما يدل على ان من لم يدرك المشعر الا بعد طلوع الشمس أو بعد الزوال فقد فاته الحج ، وعليه ان يتحلل بعمرة مفردة.

وبالجملة فإنه لا خلاف بينهم في ركنيته ، وان من تركه متعمدا فقد بطل حجة ، إلا ما يظهر من ابن الجنيد فإنه قال : يستحب ان لا ينام الحاج تلك الليلة وان يحيوها بالصلاة والدعاء والوقوف بالمشعر ، ومن لم يقف به جاهلا رجع ما بينه وبين زوال الشمس من يوم النحر حتى يقف به ، وان تعمد ترك الوقوف به فعليه بدنة.

قال العلامة في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وهذا الكلام يحتمل أمرين : أحدهما : ان من ترك الوقوف بالمشعر الذي حده ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر وجب عليه بدنة. والثاني : ان من ترك الوقوف على نفس المشعر الذي هو الجبل ـ فإنه يستحب الوقوف عليه عند أصحابنا ـ وجب عليه بدنة. وعلى الاحتمالين فيه خلاف لما ذكره علماؤنا ، فإن أحدا من علمائنا لم يقل بصحة الحج مع ترك الوقوف بالمشعر عمدا مختارا ، ولم يقل أحد منهم بوجوب الوقوف على نفس المشعر الذي هو الجبل وان تأكد استحباب الوقوف به. وحمل كلامه على الثاني أولى ، لدلالة سياق كلامه عليه. ويحتمل ثالث : وهو ان يكون قد دخل المشعر ثم

__________________

(١) ص ٤١٥ و ٤١٦.

٤٣٤

ارتحل متعمدا قبل ان يقف مع الناس مستخفا ، لما رواه علي بن رئاب عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «من أفاض من عرفات مع الناس ولم يلبث معهم بجمع ، ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة». انتهى. أقول : الظاهر رجحان المعنى الثالث الذي ذكره (رحمه‌الله).

ثم ان في كلامه (قدس‌سره) دلالة على ما رجحناه من ان المشعر اسم للجبل كما قدمنا نقله عن الشيخ (رحمه‌الله تعالى).

الثانية : لا يخفى ان الوقوف الركني عند الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) عبارة عن الكون بالمشعر والوقوف به مطلقا ، وظاهر انه أعم من الوقوف ليلة النحر أو يومه ، وكأنهم أرادوا به ما هو أعم من الاختياري والاضطراري بمعنييه الآتيين ، وان الوقوف الاختياري ما يكون بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، والاضطراري إلى زوال الشمس من يوم النحر. والحكمان الأخيران إجماعيان عندهم.

فاما ما يدل على انه بعد الفجر فهو ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت قريبا من الجبل ، وان شئت حيث شئت. الحديث».

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٨٣. وفي الفروع ج ٤ ص ٤٧٣ والتهذيب ج ٥ ص ٢٩٤ والوسائل الباب ٢٦ من الوقوف بالمشعر هكذا «عن علي بن رئاب عن حريز عن أبي عبد الله (عليه‌السلام)».

(٢) الوسائل الباب ١١ من الوقوف بالمشعر ،.

٤٣٥

واما ما يدل على امتداده الى طلوع الشمس فهو ما تقدم (١) في المسألة الثالثة من الفصل الثالث من المقصد الأول من الاخبار الدالة على ان من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ، ومن لم يدركه في ذلك الوقت فقد فاته الحج.

واما ما يدل على امتداد الاضطراري إلى الزوال فالأخبار المتقدمة ثمة أيضا (٢) الدالة على صحة حج من أدركه قبل الزوال.

قال في المنتهى : قد بينا ان وقت الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، هذا في حال الاختيار ، واما لو لم يتمكن من الوقوف بالمشعر الا بعد طلوع الشمس للضرورة جاز ، ويمتد الوقت الى زوال الشمس من يوم النحر. وقال المرتضى (رحمه‌الله تعالى) : وقت الوقوف الاضطراري بالمشعر يوم النحر ، فمن فاته الوقوف بعرفات وأدرك الوقوف بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحج.

أقول : وظاهره يؤذن بأن السيد قائل بامتداد الاضطراري إلى غروب الشمس من يوم النحر ، وهذا القول نقله ابن إدريس في السرائر عن السيد (رضى الله عنه) وأنكره في المختلف أشد الإنكار.

قال في المختلف : نقل ابن إدريس عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في انتصاره ان وقت الوقوف بالمشعر جميع اليوم من يوم العيد ، من أدرك المشعر قبل غروب الشمس من يوم العيد فقد أدرك الحج. وهذا النقل غير سديد ، وكيف يخالف المرتضى جميع علمائنا ، فإنهم نصوا على

__________________

(١) ص ٤١٥ و ٤١٦.

(٢) ص ٤١٣ و ٤١٤.

٤٣٦

ان الوقت الاضطراري للمشعر الى زوال الشمس يوم النحر ، وانما حصل الوهم لابن إدريس باعتبار ان السيد (رحمه‌الله) ذكر مسألة أخرى عقيب هذه المسألة مؤكدة لمطلوبه ، وهي ان من فاته الوقوف بعرفة حتى أدرك المشعر يوم النحر فقد أدرك الحج خلافا للمخالفين كافة (١) ولم يفصل قبل طلوع الشمس أو بعد طلوعها ، فكيف بعد الزوال. ثم استدل السيد على مطلوبه بإجماع الفرقة ، ومعلوم ان أحدا من علمائنا لم يذكر ذلك. انتهى

وهو حسن الا انه مناف لنقله ذلك عنه في المنتهى ، كما هو ظاهر عبارته المتقدمة ، وكذا عبارته الآتية وقوله فيها : والى غروبها منه على قول السيد.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو أفاض قبل الفجر عامدا بعد ان كان به ليلا ولو كان قليلا ، لم يبطل حجه ، وجبره بشاة. وربما زاد بعضهم كون ذلك بعد الوقوف بعرفات. وقال ابن الجنيد : يجب عليه دم. قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وهو موافق لما قلناه ، فان الدم إذا أطلق حمل على أقل مراتبه. وعن ابن إدريس انه يبطل حجه ، وقول الشيخ في الخلاف يوهم ذلك ، حيث قال : فان دفع قبل طلوع الفجر مع الاختيار ولم يجزئه.

احتج الأصحاب على ما ذهبوا اليه بما رواه الشيخ في التهذيب عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في رجل وقف مع الناس

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٤٢٨ طبع مطبعة المنار.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٤٧٣ والتهذيب ج ٥ ص ١٩٣ عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) والوسائل الباب ١٦ من الوقوف بالمشعر.

٤٣٧

بجمع ثم أفاض قبل ان يفيض الناس. قال : ان كان جاهلا فلا شي‌ء عليه ، وان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة».

واعترض هذه الرواية في المدارك بأنها ضعيفة السند باشتمالها على سهل ابن زياد وهو عامي. وبأن راويها ـ وهو مسمع ـ غير موثق فيشكل التعويل على روايته. نعم روى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (١) هذه الرواية بطريق صحيح عن علي بن رئاب عن مسمع فينتفي الطعن الأول. انتهى أقول : لا يخفى عليك ما في طعنه على الرواية برواية مسمع لها ، فان حديث مسمع في الحسن عند الأصحاب ، فتكون الرواية حسنة. وقد تقدم قريبا عده رواية مسمع في الصحيح ، وتكلمنا عليه ثمة باضطراب كلامه فيه ، وهذا من جملة ذلك. وبالجملة فالرواية حسنة معتبرة لا يتوجه إليها طعن ، فالعمل بها متعين. وهو كثيرا ما يستدل بالحسان بل بالموثقات وان ضعفها في الموضع الذي لا يرتضيها ، كما لا يخفى على من تأمل كتابه وطريقه فيه ، وقد نبهنا على ذلك في غير موضع.

وقال ابن إدريس : ان من أفاض قبل طلوع الفجر عامدا مختارا بطل حجة ، لأن الوقوف بالمشعر من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ركن ، فيبطل بالإخلال به.

وأجاب عنه العلامة في المنتهى بالمنع من ذلك ، قال : فانا لا نسلم له ان الوقوف بعد طلوع الفجر ركن. نعم مطلق الوقوف ليلة النحر أو يومه ركن ، اما بعد طلوع الفجر فلا نسلم له ذلك. وكون الوقوف يجب ان يكون بعد طلوع الفجر لا يعطى كون الوقوف في هذا الوقت ركنا.

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٨٤ عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام).

٤٣٨

وقول ابن إدريس لا نعرف له موافقا فكان خارقا للإجماع. انتهى

أقول : فيه نظر أما أولا فلأنه قد صرح (قدس‌سره) ـ كما قدمنا نقله عنه ـ بان الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس في حال الاختيار. الى آخر ما تقدم ، وقال بعد هذا الكلام في مسألة أخرى : قد ظهر من جميع ما تقدم ان الوقت الاختياري بعرفات. الى ان قال : والوقت الاختياري للوقوف بالمشعر من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، والاضطراري من غروب الشمس ليلة النحر الى الزوال من يومه على قول الشيخ والى غروبها منه على قول السيد. وهذا الكلام منه في الموضعين ظاهر في ان الوقوف الذي هو شرط في صحة الحج متى كان مختارا عامدا هو الوقوف من بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، فان غيره من الوقتين الآخرين أعني ليلة النحر وما بعد طلوع الشمس انما هو وقت اضطراري لأصحاب الاعذار. ومثله كلام غيره من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم). ولا ريب ان من أفاض قبل الفجر عالما عامدا فقد تعمد ترك هذا الواجب الذي هو شرط في صحة الحج ، كما هو ظاهر كلامه ، سواء سماء ركنا أم لم يسمه وهذه التسمية لا مشاحة فيها ، حيث انها أمر اصطلاحي ، وانما الكلام بالنظر الى الأدلة ، والمفهوم منها ما ذكرناه من ان الوقوف الاختياري هو من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، والوقوفين الاضطراريين عبارة عن ما يكونان في ذينك الوقتين. ولا ريب انه متى أخل المكلف بهذا الواجب الذي دلت الاخبار على ان مدار صحة الحج على إدراكه ـ كما تقدم ـ فان الحكم بالصحة يحتاج الى دليل. نعم لما دلت حسنة مسمع المذكورة على الصحة في الصورة المذكورة وجب الحكم به. وبالجملة فإنا لو خلينا

٤٣٩

وقول ابن إدريس لكان القول بما ذهب إليه في غاية القوة والمتانة ، لما عرفت ، ولكن لما وردت الرواية المعتبرة بالصحة وجب القول بذلك وفاقا لجمهور الأصحاب.

واما ثانيا : فان عدم الموافق لابن إدريس في ما ذهب اليه لا يقدح في قوله إذا اقتضته الأدلة الشرعية ، كما عرفت لولا الرواية المذكورة. واما دعوى كونه خارقا للإجماع فغير ظاهرة ، فان عدم العلم بالموافق له لا يقتضي انعقاد الإجماع على خلافه.

أقول : ويخطر بالبال في معنى رواية مسمع المذكورة وجه تنطبق به على القواعد المذكورة ، ويصح به قول ابن إدريس ، ويبطل به ما اشتهر بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) من الحكم بصحة حج من تعمد الإفاضة قبل الفجر ، وبيانه ان السائل سأل عن رجل أفاض من جمع قبل الناس بعد ان وقف معهم. والمتبادر من هذا الوقوف هو الوقوف الشرعي المأمور به ، فكأنه وقف بعد الفجر ثم أفاض قبل طلوع الشمس ، لان المبيت بالمشعر ليلا لا يسمى وقوفا ، وعبائرهم متفقة على ان الوقوف المأمور به من بعد الفجر كما عرفت ، فيجب حمل الخبر عليه البتة. فأجاب (عليه‌السلام) بأنه إذا أفاض في هذا الوقت جاهلا فلا شي‌ء عليه ، لحصول الواجب من الوقوف الشرعي واغتفار ما بقي من الوقت بالجهل ، وان كانت إفاضته جهلا قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة. وليس في الرواية تصريح بكون إفاضته عمدا ، والقسمان في الخبر انما هما للجاهل خاصة. وحاصل المعنى بعد فرض الإفاضة في كلام السائل بعد الفجر وقبل طلوع الشمس هكذا : ان كان جاهلا فلا شي‌ء عليه في إفاضته في ذلك الوقت ، وان كانت إفاضته

٤٤٠