الحدائق الناضرة - ج ١٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

في صدر البحث من رواية أبي بصير وقوله (عليه‌السلام) فيها : «ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات. الى آخره».

وما رواه في الكافي عن يونس بن يعقوب في الموثق (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) من اي المسجد أحرم يوم التروية؟ فقال : من اي المسجد شئت».

واما تعيين الأفضل منه فقال الشيخ (قدس‌سره) : أفضل المواضع التي يحرم منها المسجد ، وفي المسجد عند المقام. وهو قول ابن إدريس ، والظاهر من كلام ابن بابويه والمفيد والعلامة في المختلف ، وبه صرح في الدروس ايضا فقال : والأقرب ان فعله في المقام أفضل من الحجر تحت الميزاب. وقال في المنتهى : يحرم من مكة ، والأفضل ان يكون من تحت الميزاب ويجوز ان يحرم من اي موضع شاء من مكة ، ولا نعلم فيه خلافا. انتهى. وظاهر كلام ابي الصلاح يشعر بأن أفضله تحت الميزاب أو عند المقام

واستند الأولون الى ما تقدم من رواية عمر بن يزيد المتقدمة (٢) في صدر البحث من قوله (عليه‌السلام): «ثم صل ركعتين خلف المقام ، ثم أهل بالحج». ويدل عليه ايضا ما تقدم نقله عن كتاب الفقه الرضوي. وبه قال الشيخ علي بن بابويه كما تقدم نقل عبارته.

ويدل على قول ابي الصلاح صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (٣) ثمة أيضا وقوله (عليه‌السلام): «ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٤٥٥ والتهذيب ج ٥ ص ١٦٦ و ١٦٧ والوسائل الباب ٢١ من المواقيت.

(٢) ص ٣٤٨.

(٣) ص ٣٤٧.

٣٦١

ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك. الى آخره».

وقال في المختلف في الجواب عن هذه الرواية : والجواب : التخيير لا ينافي أولوية أحد الأمرين المخير فيهما بأمر آخر غير أمر التخيير كما في خصال الكفارة. انتهى.

أقول : فيه انه مسلم لو دلت الرواية المذكورة على الأولوية ، ومجرد الذكر لا يدل على الأولوية ، لأنه أحد فردي المخير والأولوية أمر آخر وراء مجرد ذكره كما لا يخفى.

واما ما ذكره في المنتهى ومثله غيره ايضا من أفضليته تحت الميزاب بالخصوص فلم أقف له على دليل ، والموجود في الاخبار كما عرفت انما هو التخيير أو كونه في المقام.

السادسة ـ قال في المختلف : قال شيخنا المفيد : إذا كان يوم التروية فليأخذ من شاربه وليقلم أظفاره ويغتسل ويلبس ثوبيه ، ثم يأتي المسجد الحرام حافيا وعليه السكينة والوقار ، فليطف أسبوعا ان شاء ، ثم ليصل ركعتين لطوافه عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) ثم ليقعد حتى تزول الشمس فإذا زالت فليصل ست ركعات. وقال ابن الجنيد : من أحل من متعته أحرم يوم التروية للحج قبل خروجه إلى منى عقيب طواف أسبوع بالبيت وركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) أو غيره. وقال أبو الصلاح : ويطوف أسبوعا ثم يصلي ركعتي الطواف ثم يخرج بعدهما. ولم يذكر الشيخ هذا الطواف ولا السيد المرتضى ولا ابن إدريس ولا ابن بابويه. والشيخ عول على الحديث ، فإنه لم يذكر فيه الطواف ، والمفيد عول على انه قادم على

٣٦٢

المسجد ، فاستحب له التحية ، والطواف أفضل من الصلاة. ولا نزاع بينهما حينئذ. بقي ان يقال : ان قصد المفيد استحباب هذا الطواف للإحرام فهو ممنوع ، فان المجاور يستحب له الصلاة أكثر من الطواف إذا جاور ثلاث سنين. انتهى.

أقول : قد ذكر هذا الطواف ايضا الصدوق في من لا يحضره الفقيه في باب سياق مناسك الحج (١) فقال : فإذا كان يوم التروية فاغتسل ، والبس ثوبيك ، وادخل المسجد الحرام حافيا وعليك السكينة والوقار ، فطف بالبيت أسبوعا تطوعا. الى ان قال : واقعد حتى تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس فصل ست ركعات قبل الفريضة ، ثم صل الفريضة ، واعقد الإحرام في دبر الظهر وان شئت في دبر العصر. وحينئذ فما نقله (قدس‌سره) عن ابن بابويه من انه لم يذكر هذا الطواف ليس في محله الا ان يريد به أباه الشيخ علي بن الحسين ، وهو خلاف المعروف من هذه العبارة في كلامهم ثم ان ظاهر الشيخ المفيد تقديم مستحبات الإحرام المذكورة على الزوال وقال أبو الصلاح : فإذا زالت الشمس من يوم التروية ، فليغتسل ، ويلبس ثوبي إحرامه ، ويأتي المسجد الحرام حافيا وعليه السكينة والوقار ، فيطوف بالبيت أسبوعا ، ثم يصلي ركعتي الطواف ، ثم يحرم بعدهما. وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث صريحة الدلالة في ما ذكره شيخنا المفيد.

ثم إن ظاهر كلام ابي الصلاح المذكور ان الإحرام عقيب ركعتي الطواف ، وهو ظاهر عبارة ابن الجنيد المتقدمة. وظاهر كلام الشيخ المفيد

__________________

(١) ج ٢ ص ٣٢٠.

٣٦٣

انه عقيب ست ركعات الإحرام. ونقل في المختلف عن الشيخين انهما جعلاه عقيب ست ركعات وأقله ركعتان. ومال في المختلف الى ان الأفضل عقيب فريضة الظهرين ، وهو الذي صرح به الشيخ علي بن بابويه في ما قدمنا من عبارته ، وهو الذي ذكره في كتاب الفقه الرضوي ، ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة. وما تقدم في رواية أبي بصير من الإحرام عقيب الست ركعات ، ورواية عمر بن يزيد من الإهلال عقيب الركعتين يمكن حملهما على غير وقت الفريضة ، فإنهما مطلقتان لا تصريح فيهما بكون الإحرام في وقت مخصوص. واما ما ذكره الشيخ المفيد من الإحرام عقيب الست ركعات أو الركعتين فهو مبني على ما نقل عنه آنفا من تأخير صلاة الظهرين إلى منى. وقد تقدم الكلام فيه.

السابعة ـ قال الشيخ : ان كان ماشيا لبى من موضعه الذي صلى فيه وان كان راكبا إذا نهض به بعيره ، فإذا انتهى الى الردم فأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية. وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) : ثم ليلب حين ينهض به بعيره ويستوي قائما ، وان كان ماشيا فليلب عند الحجر الأسود ، فإذا انتهى الى الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح فليرفع صوته بالتلبية حتى يأتي منى. وقال الشيخ علي بن بابويه : فإذا خرجت إلى الأبطح فارفع صوتك بالتلبية. وقال ابن الجنيد : ويلبى ان شاء من المسجد أو من حيث يخرج من منزله بمكة ، وان شاء ان يؤخر اجهاره بالتلبية الى أن ينتهي إلى الأبطح خارج مكة فعل. وهو يدل على أولوية الإجهار عند الإحرام. وقال ابن إدريس : فإن كان ماشيا جهر بالتلبية من موضعه الذي عقد الإحرام فيه ، وان كان راكبا لبى إذا نهض به بعيره

٣٦٤

فإذا انتهى الى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية. وقال أبو الصلاح : ثم يلبى مستسرا فإذا نهض به بعيره أعلن بالتلبية ، وان كان ماشيا فليجهر بها من عند الحجر الأسود ، فإذا انتهى الى الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح فليرفع صوته بالتلبية حتى يأتي منى.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار ما تقدم من صحيحة معاوية ابن عمار ، وظاهرها ان مبدأ التلبية إذا انتهى الى الروحاء دون الردم فإذا انتهى الى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بها.

وما تقدم من رواية أبي بصير ، وفيها : انه يلبي من المسجد الحرام.

وما تقدم من رواية عمر بن يزيد ، وفيها : التفصيل بأنه ان كان ماشيا فمن المقام وهو المكان الذي صلى فيه صلاة الإحرام ، وان كان راكبا فإذا نهض به بعيره.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : متى ألبي بالحج؟ قال : إذا خرجت إلى منى. ثم قال : إذا جعلت شعب الدب على يمينك والعقبة على يسارك فلب بالحج». وما رواه الصدوق في الصحيح عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «وان أهللت من المسجد الحرام للحج ، فإن شئت لبيت خلف

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٤٥٥ والتهذيب ج ٥ ص ١٦٧ والوسائل الباب ٤٦ من الإحرام. وفي الخطية والمطبوعة «قلت لأبي عبد الله (ع)».

(٢) الوسائل الباب ٤٦ من الإحرام.

٣٦٥

المقام ، وأفضل ذلك ان تمضي حتى تأتي الرقطاء فتلبي قبل ان تصير الى الأبطح».

أقول : وبهذه الصحيحة الأخيرة يجمع بين الاخبار المتقدمة ، بأن يقال انه يتخير بين التلبية من المسجد وبين تأخيرها إلى هذه المواضع المذكورة في الاخبار وهو الأفضل. واما الجهر بها فهو إذا أشرف على الأبطح. وما دلت عليه رواية عمر بن يزيد من التفصيل بين الراكب والماشي يحمل على انه إذا اختار التلبية من المسجد وان كان خلاف الأفضل فليعمل بهذا التفصيل.

الثامنة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا طواف بالبيت بعد إحرام الحج. وظاهر الحسن بن ابي عقيل استحبابه في الصورة المذكورة ، حيث قال : إذا اغتسل يوم التروية وأحرم بالحج طاف بالبيت سبعة أشواط وخرج منها متوجها الى منى ، ولا يسعى بين الصفا والمروة حتى يزور البيت فيسعى بعد طواف الزيارة. قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : ولم يذكر باقي أصحابنا هذا الطواف ، فان قصد بذلك ما ذكره الشيخ المفيد وابن الجنيد فذلك قبل الإحرام. انتهى. أقول : أشار بما ذكره الشيخ المفيد وابن الجنيد الى ما قدمنا نقله عنهما في المسألة السادسة.

هذا. والمفهوم من كلام الشيخ وغيره من الأصحاب كراهة هذا الطواف ، بل يفهم من كلام الشيخ تحريمه ، حيث قال في النهاية والمبسوط : إذا أحرم بالحج لم يجز له ان يطوف بالبيت الى ان يرجع من منى ، فان سها فطاف بالبيت لم ينتقض إحرامه غير انه يعقده بتجديد التلبية. واختاره ابن حمزة وقال ابن إدريس : لا ينبغي ان يطوف بالبيت الى ان يرجع من منى ،

٣٦٦

فان سها فطاف بالبيت لم ينتقض إحرامه سواء جدد التلبية أو لم يجدد. وإحرامه منعقد فلا حاجة الى انعقاد المنعقد. وقال في التهذيب : لا يجوز لمن أحرم بالحج ان يطوف بالبيت تطوعا الى ان يعود من منى ، فان فعل ذلك ناسيا فلا شي‌ء عليه. وقال في المنتهى : ولا يسن له الطواف بعد إحرامه. وقال في الدروس : ولا طواف بعد إحرام الحج. واستحسنه الحسن.

أقول : والأظهر ما هو المشهور من كراهته ، لما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام وقد أزمع بالحج ، يطوف بالبيت؟ قال : نعم ما لم يحرم».

وعن صفوان بن يحيى في الصحيح عن عبد الحميد بن سعيد عن أبي الحسن الأول (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل أحرم يوم التروية من عند المقام بالحج ، ثم طاف بالبيت بعد إحرامه ، وهو لا يرى ان ذلك لا ينبغي ، أينقض طوافه بالبيت إحرامه. فقال : لا ولكن يمضى على إحرامه».

ثم ان ما ذكره الشيخ ـ من انه بعد الطواف سهوا يعقد إحرامه بتجديد التلبية ـ مبنى على ما تقدم في المقدمة الرابعة (٣) من ان من طاف بعد عقد إحرامه ولو في حج التمتع طوافا مستحبا فإنه يعقد إحرامه بالتلبية

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٤٥٥ والتهذيب ج ٥ ص ١٦٩ والوسائل الباب ٨٣ من الطواف.

(٢) الوسائل الباب ٨٣ من الطواف.

(٣) ج ١٤ ص ٣٨٤.

٣٦٧

لئلا يحل. وما ذكره ابن إدريس هنا مبنى على ما ذكره في تلك المسألة أيضا من ان المحرم لا يحل بمجرد الطواف بل بالنية. وقد تقدم تحقيق القول في المسألة في الموضع المذكور. الا ان ظاهر رواية عبد الحميد المذكورة من ما يدل على عدم بطلان الإحرام بالنسبة إلى حج التمتع. ويعضده ان جملة الروايات المتقدمة (١) الدالة على تجديد التلبية موردها القارن والمفرد خاصة. الا ان مورد هذه الرواية الجاهل أو الناسي.

التاسعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من نسي الإحرام بالحج الى ان يحصل بعرفات جدد الإحرام منها وليس عليه شي‌ء فان لم يذكر حتى يرجع الى بلده ، فان كان قد قضى مناسكه كلها فلا شي‌ء عليه ، قاله الشيخ (قدس‌سره) ومن تبعه من الأصحاب.

وقال ابن إدريس في السرائر ـ بعد نقل عبارة الشيخ في النهاية بهذا المضمون الذي ذكرناه ـ ما صورته : وقال الشيخ في المبسوط : أما النية فهي ركن في الأنواع الثلاثة من تركها فلا حج له عامدا أو ناسيا إذا كان من أهل النية. ثم قال بعد ذلك : وعلى هذا إذا فقد النية لكونه سكران هذا آخر كلامه. قال محمد بن إدريس : والذي يقتضيه أصول المذهب ما ذهب إليه في مبسوطه ، لقوله تعالى (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) (٢) وقول الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣)

__________________

(١) ج ١٤ ص ٣٨٥.

(٢) سورة الليل الآية ١٩ و ٢٠.

(٣) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات ، والباب ١ من النية في الصلاة ، والباب ٢ من وجوب الصوم.

٣٦٨

«الأعمال بالنيات» و «انما لامرئ ما نوى» (١). وهذا الخبر مجمع عليه وبهذا افتي وعليه اعمل فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد ان وجدت.

قال في المختلف بعد نقل ذلك : والأقرب عندي انه ان تمكن من الرجوع الى مكة للإحرام فيها وجب وان لم يتمكن أحرم من موضعه ولو من عرفات ، فان لم يذكر حتى أكمل مناسكه صح وأجزأه ، لنا : انه مع التمكن من الرجوع يكون قادرا على الإتيان به على وجهه ، فيجب عليه فعله ، ولا يجزئه الإحرام من غيره ، لأنه حينئذ يكون قد اتى بغير المأمور به فيبقى في عهدة التكليف. ومع النسيان يكون معذورا ، لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان». ولأن إلزام الإعادة مشقة عظيمة فيكون منفيا ، لقوله تعالى (٣) «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» وما رواه العمركي بن علي الخراساني في الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «سالته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله؟ قال : يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك. فقد تم إحرامه. فإن جهل ان يحرم يوم

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات ، والباب ١ من النية في الصلاة ، والباب ٢ من وجوب الصوم.

(٢) الوسائل الباب ٣٧ من قواطع الصلاة ، والباب ٣٠ من الخلل الواقع في الصلاة ، والباب ٥٦ من جهاد النفس. واللفظ في بعضها : «وضع عن أمتي.».

(٣) سورة الحج الآية ٧٨.

(٤) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت.

٣٦٩

التروية بالحج حتى يرجع الى بلده ان كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه». وحجة ابن إدريس غير مناسبة لدعواه. انتهى. وهو جيد.

ويزيده بيانا ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن جميل ابن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) : «في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى؟ قال : تجزئه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه وان لم يهل».

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «سالته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات وجهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ما حاله؟ قال : إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه».

وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة بمزيد بسط في الكلام وبيان ما فيها من النقض والإبرام في المسألة الثالثة من المقام الثاني من المقدمة الخامسة في المواقيت (٣).

العاشرة ـ من المستحبات الدعاء بالمأثور عند الخروج إلى منى بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا توجهت إلى منى فقل : اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من المواقيت.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٧٦ والوسائل الباب ٢٠ من المواقيت.

(٣) ج ١٤ ص ٤٦٦.

(٤) الوسائل الباب ٦ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

٣٧٠

وإذا انتهيت إلى منى بما رواه أيضا في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) وقد تقدم في المسألة الثانية (١).

وعند التوجه الى عرفات بما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار ايضا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا غدوت الى عرفة فقل وأنت متوجه إليها : اللهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت أسألك أن تبارك لي في رحلتي وان تقضي لي حاجتي وان تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل مني. ثم تلبي وأنت غاد الى عرفات. الحديث».

ومن المستحبات ان لا يخرج الامام من منى الا بعد طلوع الشمس.

ويدل عليه صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «على الامام ان يصلي الظهر بمنى ثم يبيت فيها ويصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج الى عرفات».

وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «ان من السنة ان لا يخرج الامام من منى الى عرفة حتى تطلع الشمس».

__________________

(١) ص ٣٥٢.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٤٦١ و ٤٦٢ والتهذيب ج ٥ ص ١٧٩ والوسائل الباب ٨ و ٩ و ١٠ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٤٦٠ والفقيه ج ٢ ص ٢٨٠ والوسائل الباب ٤ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٤٦١ والتهذيب ج ٥ ص ١٧٨ وفيه : عن أبي إسحاق ، والوسائل الباب ٧ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

٣٧١

واما غيره فالأفضل له ان يفيض من منى بعد الفجر على المشهور ، وقال أبو الصلاح : لا يجوز له ان يفيض منها قبل الفجر مختارا ، وقال ابن البراج في أقسام التروك المفروضة : ولا يخرج أحد من منى الى عرفات الا بعد طلوع الفجر. وظاهرهما تحريم الخروج قبل الفجر اختيارا.

ولعلهما استندا الى ما رواه الشيخ عن عبد الحميد الطائي (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : إنا مشاة فكيف نصنع؟ فقال : أما أصحاب الرحال فكانوا يصلون الغداة بمنى ، واما أنتم فامضوا حيث تصلون في الطريق».

وقال في المدارك ـ بعد قول المصنف (ره) : «ويكره الخروج قبل الفجر إلا لضرورة» ـ : هذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ثم نقل قول أبي الصلاح وقال : وهو ضعيف ، ثم قال : ويمكن المناقشة في الكراهة أيضا ، لعدم الظفر بما يتضمن النهي عن ذلك. نعم لا ريب انه خلاف الأولى.

أقول : ومن روايات المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «في التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به.».

وما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) المتقدمة (٣) في المسألة الثانية من قوله (عليه‌السلام): «ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر».

والمفهوم من الاخبار المذكورة أن السنة في الخروج من منى بعد الفجر

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٤٦١ ، والتهذيب ج ٥ ص ١٧٩ ، والوسائل الباب ٧ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(٢) الوسائل الباب ٧ من إحرام الحج والوقوف بعرفة والباب ١٧ من الوقوف بالمشعر.

(٣) ص ٣٥٢.

٣٧٢

الا مع الضرورة ، ويلزم من ذلك مرجوحية الخروج قبل الفجر اختيارا ، وبه تثبت الكراهة التي ذكرها الأصحاب. وبذلك تندفع المناقشة التي ذكرها في المدارك. وثبوت الكراهة لا يتوقف على النهي صريحا كما يفهم من كلامه (قدس‌سره) بل تثبت بكون ذلك خلاف الأفضل ، للزوم المرجوحية التي هي مقتضى الكراهة.

ومن المستحبات ايضا ان لا يجوز وادي محسر الا بعد طلوع الشمس على المشهور.

لما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن والشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس».

ونقل عن الشيخ وابن البراج القول بالتحريم أخذا بظاهر النهي. ولا يخلو من قرب.

الفصل الثاني في الكيفية

وهي تشتمل على الواجب والندب ، والكلام فيها يقع في مواضع :

الموضع الأول ـ النية ، قال في المنتهى : وتجب فيه النية خلافا للجمهور (٢)

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من إحرام الحج والوقوف بعرفة ، والباب ١٥ من الوقوف بالمشعر. واللفظ في الثاني : «لا تجاوز.».

(٢) المغني ج ٣ ص ٤١٦ طبع عام ١٣٦٨.

٣٧٣

لنا : قوله تعالى (١) «وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» والوقوف عبادة. ولانه عمل فيفتقر إلى النية ، لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «الأعمال بالنيات». و «انما لكل امرئ ما نوى» (٣). الى غير ذلك من الأدلة الدالة على وجوب النية في العبادات ، ولان الواجب إيقاعه على وجه الطاعة ، وهو انما يتحقق بالنية ، ويجب فيها نية الوجوب والتقرب الى الله تعالى.

وقال في الدروس : واما واجبة فخمسة : النية مقارنة لما بعد الزوال فلا يجوز تأخيرها عنه ، فيأثم لو تعمده ويجزئ واستدامة حكمها الى الفراغ.

وقال في المسالك ـ بعد قول المصنف : «ويجب كونها بعد الزوال» ـ ما صورته : في أول أوقات تحققه ليقع الوقوف الواجب ـ وهو ما بين الزوال والغروب ـ بأسره بعد النية. ولو تأخرت عن ذلك اثم وأجزأ. ويعتبر فيها قصد الفعل وتعيين نوع الحج ، والوجه ، والقربة ، والاستدامة الحكمية. هذا هو المشهور. وفي اعتبار نية الوجه هنا بحث. انتهى.

وقال في المدارك : واعتبر الأصحاب في النية وقوعها عند تحقق الزوال ليقع الوقوف الواجب ـ وهو ما بين الزوال والغروب ـ بأسره بعد النية. وما وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة لا يعطى ذلك ، بل ربما ظهر

__________________

(١) سورة البينة الآية ٥.

(٢) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات ، والباب ١ من النية في الصلاة والباب ٢ من وجوب الصوم.

(٣) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات ، والباب ١ من النية في الصلاة ، والباب ٢ من وجوب الصوم. واللفظ : «انما لامرئ ما نوى».

٣٧٤

من بعضها خلافه ، كقول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الواردة في صفة حج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) : «انه انتهى الى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك فضربت قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها فلما زالت الشمس خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومعه فرسه وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد ، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ثم مضى الى الموقف فوقف به». وفي رواية أخرى لمعاوية بن عمار (٢) «ثم تلبي وأنت غاد الى عرفات ، فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباءك بنمرة ، وهي بطن عرفة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وانما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء ، فإنه يوم دعاء ومسألة. قال : وحد عرفة من بطن عرفة وثوية ونمرة إلى ذات المجاز ، وخلف الجبل موقف». وتشهد له

رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا ينبغي الوقوف تحت الأراك ، فأما النزول تحته حتى تزول الشمس وتنهض الى الموقف فلا بأس. ، والمسألة محل اشكال ، ولا ريب ان ما اعتبره الأصحاب أولى وأحوط. انتهى.

أقول : لا اشكال بحمد الملك المتعال بعد اتفاق الأخبار الواردة في

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٤٧ والتهذيب ج ٥ ص ٤٥٦ والوسائل الباب ٢ من أقسام الحج. وفي الفروع «قريش» بدل «فرسه».

(٢) الفروع ج ٤ ص ٤٦١ و ٤٦٢ والتهذيب ج ٥ ص ١٧٩ والوسائل الباب ٨ و ٩ و ١٠ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

٣٧٥

هذا المجال على الحكم المذكور. وأولوية ما ذكره الأصحاب وأحوطيته مع عدم دليل عليه ـ بل دلالة الاخبار على خلافه ـ ممنوعة. على انه لم يتحقق الإجماع على ذلك ، وانما ذكر هذا الحكم جملة من المتأخرين بناء علي مزيد تدقيقهم في أمر النية التي لا اثر لها في الاخبار بالكلية. وبنحو هذه الاخبار عبر الشيخ في النهاية ، فقال : فإذا زالت الشمس اغتسل وصلى الظهر والعصر جميعا يجمع بينهما ثم يقف بالموقف ويدعو لنفسه ولوالديه. الى آخره. وبهذه العبارة عبر في المبسوط ايضا. وبنحو ذلك عبر ابن إدريس في السرائر فقال : فإذا زالت اغتسل وصلى الظهر والعصر جميعا ، يجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين لأجل البقعة ، ثم يقف بالموقف ويدعو. الى آخره. وقال في المقنعة : فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل ويقطع التلبية ويكثر من التهليل والتحميد والتكبير ، ثم يصلي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين. الى ان قال : ثم يأتي الموقف. وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه نحو ذلك أيضا في باب سياق مناسك الحج. وهذه العبارات جارية على نهج الاخبار لا تعرض فيها للنية فضلا عن مقارنتها لأول الزوال كما ذكره جملة من المتأخرين ، وهو من ما ينبهك على ما قدمنا تحقيقه وأوسعنا مضيقة من أن النية أمر جبلي وحكم طبيعي لا تنفك عنه أفعال العقلاء في عبادة ولا غيرها. واما ما ذكروه من المقارنة فلا وجه له ولا دليل عليه ، إذ النية عندنا مستصحبة لا ينفك عنها في حال من الأحوال ، وهو انما يتمشى على ما تخيلوه من النية بالمعنى الذي صاروا إليه الذي هو عبارة عن الحديث النفسي والتصوير الفكري بما يترجمه قول القائل : «افعل كذا لوجوبه قربة إلى الله تعالى» وهذا كما تقدم تحقيقه بمعزل عن

٣٧٦

النية الحقيقية.

بقي الكلام في ان وقت الوقوف الواجب من مبدأ الزوال كما ذكروه ، فيجب على هذا الكون في الموقف من ذلك الوقت ، والاخبار ـ كما ترى ـ لا تساعده ، والظاهر ان المراد من كونه من الزوال انه يقطع التلبية من ذلك الوقت كما تكاثرت به الاخبار ، ويشتغل بالوقوف ومقدماته من الغسل أولا ثم الصلاة الواجبة والخطبة واستماعها ـ كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار من انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعظ الناس ـ ثم الوقوف بعرفة.

هذا ما يستفاد من الاخبار وكلام متقدمي الأصحاب كما سمعت. وبذلك يظهر انه لا إشكال في هذا المجال بحمد الله المتعال وبركة الآل (عليهم صلوات ذي الجلال).

الموضع الثاني ـ وجوب الكون فيها الى الغروب ، فلا يجزئ الوقوف في حدودها ، وحدها ـ كما ذكره في الدروس والمسالك وغيرهما ـ نمرة بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء ، وثوية بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء المثناة من تحت ، وذو المجاز ، والأراك كسحاب ، وهو موضع بعرنة قرب نمرة ، قال في القاموس : وعرنة بضم العين وفتح الراء والنون. قال في الدروس : وحدها نمرة وثوية وذو المجاز والأراك ، ولا يجوز الوقوف بالحدود. وقال في المسالك بعد ذكر الأماكن الخمسة المتقدمة : وهذه الأماكن الخمسة حدود عرفة وهي راجعة إلى أربعة كما هو المعروف من الحدود ، لأن نمرة بطن عرنة كما روى في حديث معاوية بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (١) ولا يقدح ذلك في كون كل واحد منهما

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

٣٧٧

حدا فإن أحدهما ألصق من الآخر ، وغيرهما وان شاركهما باعتبار اتساعه في إمكان جعله كذلك لكن ليس لإجزائه أسماء خاصة بخلاف نمرة وعرنة. ونقل في الدروس عن الحسن وابن الجنيد والحلبي ان حدها من المأزمين إلى الموقف.

أقول : والكل مروي وحدود وان كان من جهات متعددة.

روى الكليني والشيخ في الصحيح عن أبي بصير ـ وهو ليث المرادي بقرينة ابن مسكان عنه ـ عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «حد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف».

وروى في من لا يحضره الفقيه (٢) عن معاوية بن عمار وأبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «حد منى من العقبة إلى وادي محسر ، وحد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف. قال : وقال (عليه‌السلام): حد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة وذي المجاز ، وخلف الجبل موقف الى وراء الجبل». قال في الوافي (٣) : ولعل المراد بوراء الجبل ما خرج من سفحه. من خلفه.

وفي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(٢) ج ٢ ص ٢٨٠ والوسائل الباب ٦ و ١٠ من إحرام الحج والوقوف ، والوافي باب (حدود عرفات).

(٣) باب (حدود عرفات).

(٤) الفروع ج ٤ ص ٤٦١ و ٤٦٢ والتهذيب ج ٥ ص ١٧٩ والوسائل ب ٨ و ٩ و ١٠ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

٣٧٨

انتهيت الى عرفات فاضرب خباءك بنمرة ، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ـ الى ان قال ـ : وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف».

وروى في الكافي عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «عرفات كلها موقف ، وأفضل الموقف سفح الجبل».

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا وقفت بعرفات فادن من الهضاب والهضاب هي الجبال ، فإن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : ان أصحاب الأراك لا حج لهم ، يعني : الذين يقفون عند الأراك».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الموقف : ارتفعوا عن بطن عرنة. وقال : ان أصحاب الأراك لا حج لهم».

وروى في التهذيب عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ارتفعوا عن وادي عرنة بعرفات».

وعن سماعة في الموثق في حديث (٥) قال : «قلت : فإذا كانوا

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٤٦٣ والوسائل الباب ١١ من إحرام الحج والوقوف بعرفة ، راجع التعليق على هذا الحديث في الطبعة الحديثة من الوسائل.

(٢ و ٣) الفروع ج ٤ ص ٤٦٣ والتهذيب ج ٥ ص ٢٨٧ والوسائل الباب ١٩ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ١٨٠ والوسائل الباب ١١ و ١٠ من إحرام الحج والوقوف بعرفة ، والوافي باب (حدود عرفات).

٣٧٩

بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون؟ قال : يرتفعون الى الجبل ، وقف في ميسرة الجبل ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقف بعرفات ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون الى جانبها فنحاها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ففعلوا مثل ذلك. فقال : ايها الناس انه ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف ولكن هذا كله موقف. وأشار بيده الى الموقف وقال : هذا كله موقف. فتفرق الناس. وفعل مثل ذلك بالمزدلفة. وإذا رأيت خللا فتقدم فسده بنفسك وراحلتك ، فان الله يحب ان تسد تلك الخلال. وانتقل عن الهضاب واتق الأراك ونمرة ـ وهي بطن عرنة ـ وثوية وذا المجاز ، فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه».

أقول : وهذه الاخبار كلها ـ كما ترى ـ صريحة في عدم جواز الوقوف في حدودها.

واما انه يجب الوقوف فيها الى الغروب الذي هو عبارة عن زوال الحمرة المشرقية إلى ناحية المغرب على الأشهر الأظهر فيدل عليه مضافا الى اتفاق الأصحاب جملة من الاخبار.

ومنها : ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ان المشركين كانوا يفيضون قبل ان تغيب الشمس فخالفهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأفاض بعد غروب الشمس».

وما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب في الموثق (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : متى تفيض من عرفات؟ قال : إذا ذهبت

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٢ من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

٣٨٠