الحدائق الناضرة - ج ١٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

وعن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية واعتد بسبعة. وان بدأ بالمروة فليطرح وليبدأ بالصفا».

ومثلهما صحيحة هشام بن سالم المتقدمة (٢) في أول هذا المطلب. واما الثاني فتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «ان في كتاب علي (عليه‌السلام) : إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستا. وكذا إذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستا».

أقول : والظاهر ان هذه الرواية هي التي أشار إليها في الفقيه ، وظاهره ـ بناء على قاعدته المذكورة في صدر كتابه ـ القول بالتخيير كما هو المذكور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث لم يتعرض للطعن في إحدى الروايتين.

الا ان صحيحة محمد بن مسلم المذكورة لا تخلو من اشكال (أما أولا) فلأن السعي ليس مثل الطواف والصلاة عبادة برأسها تقع مستحبة وواجبة ليكون الثاني نافلة ، فإنا لم نقف في غير هذا الخبر على ما يدل على وقوعه مستحبا ، قال في المدارك : ولا يشرع استحباب السعي إلا هنا ، ولا يشرع ابتداء مطلقا. و (اما ثانيا) فمع تسليم وقوعه مستحبا فان اللازم من الطواف ثمانية كون الابتداء بالثامن من المروة فكيف يجوز ان يعتد به

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ و ١٠ من السعي.

(٢) ص ٢٦٨.

(٣) الوسائل الباب ٣٤ من الطواف والباب ١٣ من السعي.

٢٨١

ويبنى عليه سعيا مستأنفا ، مع اتفاق الاخبار وكلمة الأصحاب على وجوب الابتداء في السعي من الصفا وانه لو بدأ من المروة وجب عليه الإعادة عامدا كان أو ساهيا كما تقدم.

وبالجملة فالظاهر بناء على ما ذكرناه هو العمل بالأخبار الأولة من طرح الزائد والاعتداد بالسبعة الأولة ، واما العمل بهذا الخبر فمشكل كما عرفت والعجب من السيد السند (قدس‌سره) في المدارك حيث لم يتنبه لذلك وجمد على موافقة الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب.

ثم ان الظاهر من رواية جميل ان الجاهل كالناسي في هذا الحكم ، لظهورها في جهلهم بالحكم يومئذ.

تنبيهات

الأول ـ قالوا : لو تيقن عدد الأشواط وشك في ما به بدأ ، فإن كان في المزدوج على الصفا فقد صح سعيه لأنه بدأ به ، وان كان على المروة أعاد وينعكس الحكم بانعكاس الفرض. والمراد بانعكاس الفرض والحكم انه ان كان في الفرد على الصفا أعاد لأنه يقتضي ابتداءه بالمروة ، وان كان على المروة صح سعيه لأنه يقتضي ابتداءه بالصفا والظاهر ان الشك هنا انما هو باعتبار الدخول في أول الأمر والا فبعد ظهور كون العدد زوجا وهو على الصفا يحصل العلم بالابتداء بالصفا. وكذا في صورة العكس.

الثاني ـ قال في المنتهى : لو لم يحصر عدد طوافه اعاده ، لأنه غير متيقن لعدد فلا يأمن الزيادة والنقصان. والمراد انه إذا شك على وجه لا يحصل

٢٨٢

له عدد يبنى عليه فلا ريب في وجوب الإعادة.

ويدل على ذلك قوله في صحيحة سعيد بن يسار الآتية في الباب ان شاء الله تعالى (١) قال : «وان لم يكن حفظ انه سعى ستة فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط».

قيل : ويستثني من ذلك ما لو شك بين الإكمال والزيادة على وجه لا ينافي البدأة بالصفا ـ كما لو شك بين السبعة والتسعة وهو على المروة ـ فإنه لا يعيد لتحقق الإكمال ، وأصالة عدم الزيادة. ولو كان على الصفا أعاد

الثالث ـ قال في المنتهى : ويجب ان يطوف بينهما سبعة أشواط ويلصق عقبه بالصفا ويبدأ به ان لم يصعد عليه ، ويمشي إلى المروة ويلصق أصابعه بها ثم يبتدئ بها ويلصق عقبه بها ، ويرجع الى الصفا ويلصق أصابعه بها هكذا سبعا ، فلو نقص ولو خطوة واحدة وجب عليه الإتيان بها ، فان رجع الى بلده وجب عليه العود مع المكنة وإكمال السعي ، لأن الموالاة لا تجب فيه. ولا نعلم فيه خلافا. ونحوه في التذكرة أيضا.

أقول : ما ذكره ـ من وجوب إلصاق العقب والأصابع في كل شوط بكل من الصفا والمروة ـ لا ريب انه الأحوط ، وفهم الوجوب من الأدلة لا يخلو من خفاء سيما مع جواز السعي على الإبل والدواب كما أشرنا إليه آنفا. وما ذكره من انه لو نقص عن السبعة وجب عليه الإتمام فلا ريب فيه. ويدل عليه قوله (عليه‌السلام) في صحيحة سعيد بن يسار (٢) المشار إليها آنفا : «فان كان يحفظ انه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ١٥٣ والوسائل الباب ١٤ من السعي.

٢٨٣

شوطا». ونحوها رواية عبد الله بن مسكان الآتية ان شاء الله تعالى (١) وفي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : فان سعى الرجل أقل من سبعة أشواط ثم رجع الى أهله ، فعليه ان يرجع فيسعى تمامه وليس عليه شي‌ء ، وان كان لم يعلم ما نقص فعليه ان يسعى سبعا».

واما ما ذكره من عدم وجوب الموالاة فيه فقد تقدم في كلام الدروس ما يدل على قول الشيخ المفيد وسلار وأبي الصلاح بوجوب الموالاة فيه. وسيأتي ما ينبه عليه ايضا ان شاء الله تعالى.

المسألة الثالثة ـ لو كان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتم سعيه فأحل وواقع النساء ثم ذكر ما نقص ، كان عليه إتمام ما نقص بلا خلاف ولا اشكال وعليه بقرة. وكذا لو قلم أظفاره أو قص شعره ، والأصل في هذه المسألة

ما رواه الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب عن عبد الله بن مسكان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة فذكر بعد ما أحل وواقع النساء انه انما طاف ستة أشواط. فقال : عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا

__________________

(١ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ١٥٣ والوسائل الباب ١٤ من السعي.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٥٣ الرقم ٥٠٣ والوافي باب (ترك السعي والسهو فيه) ولم يروه في الوسائل في الباب ١٤ من السعي ولا في غيره والظاهر ان ذلك لاعتبار كونه من كلام الشيخ على خلاف صاحب الوافي حيث اعتبره من تتمة الحديث الى قوله : «فعليه ان يسعى سبعا».

٢٨٤

آخر». ورواه الصدوق (قدس‌سره) مرسلا (١).

وعن سعيد بن يسار في الصحيح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع الى منزله وهو يرى انه قد فرغ منه ، وقلم أظافيره وأحل ، ثم ذكر انه سعى ستة أشواط؟ فقال لي : يحفظ انه سعى ستة أشواط؟ فإن كان يحفظ انه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا وليرق دما. فقلت : دم ما ذا؟ قال : بقرة. قال : وان لم يكن حفظ انه سعى ستة ، فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط ، ثم ليرق دم بقرة».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٣) : وان سعيت ستة أشواط وقصرت ، ثم ذكرت بعد ذلك انك سعيت ستة أشواط ، فعليك ان تسعى شوطا آخر وان جامعت أهلك وقصرت سعيت شوطا آخر وعليك دم بقرة.

وقال في المسالك بعد نقل رواية سعيد المذكورة : وفي معناها رواية معاوية ابن عمار عنه (عليه‌السلام) وزاد «قصر» (٤) ولم أقف بعد التتبع على رواية معاوية بن عمار بهذا المعنى (٥) ولا نقلها ناقل غيره (قدس‌سره).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من السعي.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٥٣ والوسائل الباب ١٤ من السعي.

(٣) ص ٢٨.

(٤) هذا نهاية كلام صاحب المسالك.

(٥) من المحتمل ان مراد صاحب المسالك برواية معاوية بن عمار هي التي تقدمت في كلام المصنف وقدمنا انها محل الخلاف بين الوافي والوسائل في انها من كلام الشيخ أو من تتمة الحديث ، مع اعتبار الباقي الذي لم يحكه في الوافي جزء من الحديث ايضا لا من كلام الشيخ. راجع التهذيب ج ٥ ص ١٥٣ الرقم ٥٠٣.

٢٨٥

وجملة من المتأخرين قد طعنوا في هذين الخبرين المنقولين في كلامهم بمخالفة الأصول والقواعد المقررة من وجوه : أحدها ـ وجوب الكفارة على الناسي ، وهو في غير الصيد مخالف لغيرهما من النصوص والفتاوى. وثانيها ـ وجوب البقرة في تقليم الأظفار ، والواجب شاة في مجموعها. وثالثها ـ وجوب البقرة بالجماع ، والواجب به مع العمد بدنة ، ولا شي‌ء مع النسيان. ورابعها ـ مساواة الجماع في الكفارة بقلم الأظفار ، والحال انهما مفترقان في الحكم في غير هذه المسألة. ولأجل هذه المخالفات نقل عن بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) حمل الخبرين على الاستحباب. وبعضهم فرق بين الظان والناسي ، فأسقط الكفارة عن الناسي وجعل مورد هذه المسألة الظن كما صرح به في الرواية الأولى. وأكثر الأصحاب تلقوهما بالقبول مطلقا ، وهو الحق الحقيق بالاتباع. فان رد الرواية سيما إذا كانت صحيحة السند بهذه الأشياء مجرد استبعاد ، ولا سيما ما يدعونه من عدم الكفارة على الناسي فإنه على إطلاقه محل المنع ، فان ذلك سيما في باب الحج انما ورد بالنسبة إلى الجاهل ولكنهم ألحقوا الناسي به. والمفهوم من بعض اخبار وجوب الإعادة بالصلاة في النجاسة ناسيا ان وجوب الإعادة عليه انما وقع عقوبة لتقصيره في نسيانه وعدم تذكره (١).

قال في المسالك بعد ذكر نحو ذلك : ويمكن توجيه هذه الاخبار بان الناسي وان كان معذورا لكن هنا قد قصر حيث لم يلحظ النقص ، فان من قطع السعي على ستة أشواط يكون قد ختم بالصفا ، وهو واضح الفساد

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من النجاسات.

٢٨٦

فلم يعذر بخلاف الناسي غيره فإنه معذور. لكن يبقى ان المصنف فرض المسألة في من فعل ذلك قبل إتمام السعي من غير تقييد بالستة ، فيشمل ما لو قطع السعي في المروة على خمسة وهو محل العذر. والمسألة موضع اشكال وان كان ما اختاره المصنف من العمل بظاهر الروايات اولى. انتهى

قال في المدارك بعد نقل ذلك عن جده (قدس‌سره) : وما ذكره من التوجيه جيد بالنسبة إلى الخبرين المتضمنين للحكمين ، إذ به يرتفع بعض المخالفات. لكن قد عرفت ان الرواية الأولى ضعيفة ، والرواية الثانية انما تدل على وجوب البقرة بالقلم قبل إكمال السعي إذا قطعه على ستة أشواط في عمرة التمتع ، فيمكن القول بوجوبها أخذا بظاهر الأمر ، ويمكن حملها على الاستحباب كما اختاره الشيخ في أحد قوليه وابن إدريس نظرا الى ما ذكر من المخالفة. والمسألة محل تردد. انتهى.

أقول : ظاهر كلامه (قدس‌سره) في المدارك تخصيص وجوب البقرة في صحيحة سعيد بالقيود المذكورة اقتصارا في ما خالف القواعد المذكورة على موضع النص. وفيه ان آخر الرواية ـ وان كان لم ينقله ـ صريح أيضا في وجوب البقرة في ما لو لم يحفظ سعيه وجامع والحال هذه. وهو يشعر بان وجوب هذه الكفارة انما هو من حيث الإحلال قبل الإتيان بالسعي الواجب مطلقا ، كما هو المفروض في صدر المسألة وبه صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) ايضا. وعلى هذا فلا خصوصية لذكر الستة الا من حيث اتفاق وقوعها في السؤال.

واما ما نقله عن ابن إدريس من انه حمل هذين الخبرين على الاستحباب فالذي وقفت عليه في كتاب السرائر لا يشعر بشي‌ء من ذلك ، فإنه لم يتعرض

٢٨٧

للخبرين المذكورين وانما قال ما هذا لفظه : ومتى سعى الإنسان أقل من سبع مرات ناسيا وانصرف ثم ذكر انه نقص منه شيئا رجع فتمم ما نقص منه ، وان لم يعلم كم نقص منه وجب عليه إعادة السعي ، وان كان قد واقع اهله قبل إتمامه السعي وجب عليه دم بقرة. وكذلك ان قصر أو قلم أظفاره كان عليه دم بقرة وإتمام ما نقص إذا فعل ذلك عامدا. انتهى. وظاهره تخصيص وجوب البقرة في الصورة المذكورة بما إذا جامع أو قلم عامدا ، وليس فيه تعرض لذكر من فعل ذلك ظانا الإتمام أو ساهيا كما هو محل المسألة. على ان كلامه (قدس‌سره) لا يخلو من نظر ، فإنه ان استند في ما ذكره الى الروايتين المذكورتين فموردهما ـ كما عرفت ـ انما هو من ظن الإتمام ، والمتبادر من العامد خلافه ، وليس غيرهما في الباب الا ما قدمنا في مسألة جماع المحرم بعد الموقفين وقبل طواف النساء من النصوص الدالة على وجوب البدنة في الصورة المذكورة (١) وفي بعضها بدنة أو بقرة أو شاة باعتبار حال المكلف من سعته وفقره وتوسطه بينهما. ونحوها الأخبار الواردة في من جامع بعد السعي وقبل التقصير (٢) وستأتي في البحث الآتي ان شاء الله تعالى. والقول بوجوب البقرة هنا من ما لا اعرف له وجها ولا عليه دليلا. الا ان ابن فهد في المهذب نقل عن ابن إدريس في المسألة قولين مثل الشيخ ، حيث قال بعد ذكر القول المشهور : هذا قول المفيد واحد قولي الشيخ والقول الآخر للشيخ في باب الكفارات من النهاية من انه لا دم عليه للأصل ، ولابن إدريس مثل القولين. أقول :

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ و ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الوسائل الباب ٥ من كفارات الاستمتاع.

٢٨٨

لعله في موضع آخر من سرائره أو في غيره. وظاهره ان القول الثاني يوافق المشهور.

وبالجملة فالواجب العمل بالروايتين المذكورتين وعدم الالتفات الى هذه الاستبعادات.

والى ما ذكرناه مال الشيخ ابن فهد في المهذب حيث قال ـ بعد ذكر نحو ما ذكرناه من الإشكالات التي طعنوا بها على الروايات ـ ما صورته : والحق ترك الاعتراض واتباع النقل عن أهل البيت (عليهم‌السلام) لأن قوانين الشرع لا يضبطها العقل. انتهى. وهو جيد. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو دخل عليه وقت الفريضة في السعي قطعه وصلى ثم بنى ، وكذا لو قطعه لحاجة له أو لغيره. بل قال في التذكرة : لا اعرف فيه خلافا. وكذا في المنتهى. مع انه في المختلف نقل عن الشيخ المفيد وسلار وابي الصلاح انهم جعلوا ذلك كالطواف في اعتبار مجاوزة النصف. وهو مؤذن باشتراطهم الموالاة فيه.

والأصح القول المشهور ، للأخبار الدالة عليه ، ومنها ـ ما رواه الشيخ والصدوق (قدس‌سرهما) في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت الصلاة ، أيخفف ، أو يقطع ويصلي ثم يعود ، أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ؟ قال : لا بل يصلي ثم يعود ، أو ليس

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٣٨ والفقيه ج ٢ ص ٢٥٨ والتهذيب ج ٥ ص ١٥٦ والوسائل الباب ١٨ من السعي.

٢٨٩

عليهما مسجد؟».

وما رواه في الموثق عن الحسن بن علي بن فضال (١) قال : «سأل محمد بن علي أبا الحسن (عليه‌السلام) فقال له : سعيت شوطا واحدا ثم طلع الفجر؟ فقال : صل ثم عد فأتم سعيك».

وعن محمد بن الفضيل (٢) «انه سأل محمد بن علي الرضا (عليه‌السلام) فقال له : «سعيت شوطا ثم طلع الفجر قال صل ثم عد فأتم سعيك.».

وعن صفوان في الصحيح عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ، ثم يلقاه الصديق له فيدعوه إلى الحاجة أو الى الطعام. قال : ان أجابه فلا بأس».

وزاد في الفقيه (٤) : «ولكن يقضى حق الله أحب الي من ان يقضى حق صاحبه».

أقول : في هذه الزيادة إشكال لما تقدم في اخبار قطع الطواف لحاجة أخيه المسلم (٥) من الدلالة الصريحة على أفضلية السعي في حاجة أخيه على الطواف. ويمكن الجمع بحمل تلك الأخبار على حاجة يضر فوتها بالطواف وهذا الخبر على ما لا يفوت بالتأخير. واما الحمل على ان أفضلية الإتمام

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٨ من السعي.

(٣) الوسائل الباب ١٩ من السعي.

(٤) ج ٢ ص ٢٥٨ والتهذيب ج ٥ ص ٤٧٢ و ٤٧٣ والوسائل الباب ١٩ من السعي.

(٥) الوسائل الباب ٤١ و ٤٢ من الطواف.

٢٩٠

مخصوص بالسعي فبعيد ، لما علم من الأخبار من فضل الطواف على السعي فإذا جاز القطع في الطواف فبالأولى في السعي.

قال في المدارك : ولم يتعرض الأكثر لجواز قطعه اختيارا في غير هاتين الصورتين ، لكن مقتضى الإجماع المنقول على عدم وجوب الموالاة فيه الجواز مطلقا ولا ريب ان الاحتياط يقتضي عدم قطعه في غير المواضع المنصوصة.

أقول : لا ريب ان العبادات توقيفية يجب الوقوف في أحكامها زيادة ونقصانا وصحة وبطلانا على ما رسمه الشارع. وعدم الموالاة في السعي إنما استفيدت من هذه الأخبار الواردة بجواز قطعه في هذه الموارد ، وهو لا يقتضي جواز القطع مطلقا. على ان ما ذكروه من وجوب الموالاة في الطواف قد عرفت ما فيه وان أكثر الأخبار المتقدمة ترده وتنافيه. وبالجملة فالواجب الوقوف على موارد النصوص وما دلت عليه بالعموم والخصوص.

المسألة الخامسة ـ قد تقدم انه لو ذكر في أثناء السعي نقصانا من طوافه فإنه يرجع ويتم طوافه ثم يبنى على ما سعى ويتم سعيه. والمشهور عندهم التفصيل بتجاوز النصف في طوافه فيعمل كما ذكرناه أو قبله فيعيدهما معا.

اما لو ذكر في أثناء السعي انه لم يصل ركعتي الطواف قطع السعي واتى بهما ثم أتم سعيه من حيث قطع.

ويدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسى ان يصلي الركعتين حتى يسعى بين الصفا والمروة خمسة أشواط أو أقل من ذلك. قال : ينصرف

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٤٣ والوسائل الباب ٧٧ من الطواف.

٢٩١

حتى يصلي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتم سعيه».

وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال «في رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ثم ذكر. قال : يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلي الركعتين ثم يعود الى مكانه».

وبإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٢) «انه رخص له ان يتم طوافه ثم يرجع فيركع خلف المقام».

قال الصدوق (٣) (قدس‌سره): بأي الخبرين أخذ جاز.

وروى الكليني (قدس‌سره) في الصحيح أو الحسن عن حماد بن عيسى عن من ذكره عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «في رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة. قال : يعلم ذلك الموضع ثم يعود فيصلي الركعتين ثم يعود الى مكانه».

المسألة السادسة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في وجوب ترتب السعي على الطواف ، فلو قدمه عليه وجب إعادتهما لوقوعهما على خلاف الترتيب الشرعي ، ويجب إرجاع كل منهما الى محله.

ويدل على ذلك الأخبار المتقدمة (٥) في صدر البحث الدالة على انه بعد الفراغ من الطواف وركعتيه يبادر الى الخروج الى الصفا والمروة.

واما ما يدل على الابطال مع الإخلال بالترتيب فمنه ما رواه الشيخ (قده)

__________________

(١ و ٢ و ٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٥٣ والوسائل الباب ٧٧ من الطواف.

(٤) الوسائل الباب ٧٧ من الطواف.

(٥) ص ٢٦٠ و ٢٦١.

٢٩٢

في الصحيح عن منصور بن حازم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة. قال : يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي. قلت : ان ذلك قد فاته؟ قال : عليه دم ، الا ترى انك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان تعيد على شمالك».

وما رواه في الكافي عن منصور بن حازم في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل ان يطوف بالبيت. قال : يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا والمروة فيطوف بينهما».

وعن إسحاق بن عمار في الموثق (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): رجل طاف بالكعبة. الى ان قال : قلت : فإنه بدأ بالصفا والمروة قبل ان يبدأ بالبيت؟ فقال يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا والمروة. الحديث». وقد تقدم بتمامه (٤).

وكما لا يجوز تقديم السعي على الطواف كذلك لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي في الحج والعمرة المفردة.

ويدل عليه زيادة على الروايات الدالة على ترتيب المناسك وان مرتبة طواف النساء التأخر عن السعي (٥) خصوص ما رواه في الكافي (٦) عن احمد بن محمد عن من ذكره قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام):

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٦٣ من الطواف.

(٤) ص ٢١٣ و ٢٢٣.

(٥) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٦) الوسائل الباب ٦٥ من الطواف.

٢٩٣

جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعى. قال : لا يكون السعي الا من قبل طواف النساء. فقلت : أفعليه شي‌ء؟ فقال : لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء».

واما ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي (عليه‌السلام) ـ (١) قال : «سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل ان يسعى بين الصفا والمروة قال : لا يضره يطوف بين الصفا والمروة ، وقد فرغ من حجه».

فقد حمله الشيخ (قدس‌سره) على الناسي ، ولهذا صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من قدم طواف النساء على السعي ساهيا لم تجب عليه الإعادة. قال في المنتهى : ولا يجوز تقديم طواف النساء على السعي فلو فعل ذلك متعمدا كان عليه اعادة طواف النساء ، وان كان ناسيا لم يكن عليه شي‌ء. ثم استدل بمرسلة أحمد بن محمد المذكورة ، ثم نقل موثقة سماعة ، ونقل جواب الشيخ (قدس‌سره) عنهما بما ذكرناه.

وبالجملة فالظاهر ان الحكم لا خلاف ولا اشكال فيه. والله العالم.

المسألة السابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) انه لا يجوز تأخير السعي عن الطواف الى الغد. وقال المحقق (قدس‌سره) : يجوز تأخيره إلى الغد ولا يجوز عن الغد.

والأظهر القول المشهور ، ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة عن عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يقدم

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٥ من الطواف.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٤٢١ والفقيه ج ٢ ص ٢٥٢ والتهذيب ج ٥ ص ١٢٨ و ١٢٩ الوسائل الباب ٦٠ من الطواف.

٢٩٤

مكة حاجا وقد اشتد عليه الحر فيطوف بالكعبة ويؤخر السعي الى ان يبرد. فقال : لا بأس به وربما فعلته» وزاد في التهذيب قال : «وربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل» وقال في من لا يحضره الفقيه : وفي حديث آخر «يؤخره إلى الليل».

وما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : لا».

وما رواه في الكافي عن العلاء بن رزين في الصحيح (٢) قال : «سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا ، أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : لا». ورواه الصدوق (قدس‌سره) بإسناده عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) مثله (٣).

واما ما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن محمد بن مسلم (٤) قال : «سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة؟ قال : نعم». فيجب حمل إطلاقه على ما تقدم في الأخبار من التأخير ساعة أو ساعتين أو للاستراحة إلى الليل.

واما ما ذهب اليه المحقق فلم نقف له على مستند. الا ان شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في الدروس قال بعد نقل ذلك عن المحقق : وهو مروي. ولعل الرواية وصلت اليه ولم تصل إلينا.

__________________

(١) لم نقف على هذه الرواية في كتب الحديث في مظانها.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٦٠ من الطواف.

٢٩٥

البحث الرابع

في التقصير وفيه مسائل :

الأولى ـ لا خلاف في انه يجب على المعتمر المتمتع بعد السعى التقصير وبه يحل من كل شي‌ء إلا الصيد لكونه في الحرم ، فلو خرج من الحرم حل له.

ومن ما يدل على ذلك ما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع ، فقصر من شعرك من جوانبه ولحيتك ، وخذ من شاربك ، وقلم أظفارك ، وأبق منها لحجك ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي‌ء يحل منه المحرم وأحرمت منه ، فطف بالبيت تطوعا ما شئت».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : قال : «وسمعته يقول : طواف المتمتع ان يطوف بالكعبة ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ويقصر من شعره ، فإذا فعل ذلك فقد أحل».

وعن عمر بن يزيد عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ثم ائت منزلك فقصر من شعرك. وحل لك كل شي‌ء».

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٣٨ و ٤٣٩ والتهذيب عن الكليني ج ٥ ص ١٥٧ والوسائل الباب ١ من التقصير.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ١٥٧ والوسائل الباب ١ من التقصير.

٢٩٦

وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن إسماعيل (١) : قال «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) أحل من عمرته وأخذ من أطراف شعره كله على المشط ثم أشار الى شاربه فأخذ منه الحجام ، ثم أشار الى أطراف لحيته. فأخذ منه ثم قام».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن وفي من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن جميل بن دراج وحفص بن البختري وغيرهما عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في محرم يقصر من بعض ولا يقصر من بعض؟ قال يجزئه».

وعن الحسين بن أسلم (٣) قال : «لما أراد أبو جعفر ـ يعني : ابن الرضا (عليهما‌السلام) ـ ان يقصر من شعره للعمرة أراد الحجام أن يأخذ من جوانب الرأس ، فقال له : ابدأ بالناصية. فبدأ بها».

والمعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجزئ مسمى التقصير.

قال في المنتهى : وادنى التقصير ان يقص شيئا من شعره ولو كان يسيرا ، وأقله ثلاث شعرات لأن الامتثال يحصل به فيكون مجزئا. ولما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن متمتع قرض أظفاره وأخذ من

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٠ من التقصير.

(٢) الوسائل الباب ٣ من التقصير.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٤٣٩ والفقيه ج ٢ ص ٢٣٧ الرقم ٦ والتهذيب ج ٥ ص ١٥٨ والوسائل الباب ٢ من التقصير.

٢٩٧

شعره بمشقص. قال : لا بأس». هذا اختيار علمائنا. ثم نقل اختلاف العامة (١).

وقال في الكتاب المذكور : لو قص الشعر بأي شي‌ء كان أجزأه. وكذا لو نتفه أو ازاله بالنورة ، لأن القصد الإزالة ، والأمر ورد مطلقا ، فيجزئ كل ما يتناوله الإطلاق. ولو قص من أظفاره أجزأ ، لأنه نوع من التقصير فيتناوله المطلق فيكون مجزئا. وكذا لو أخذ من شاربه أو حاجبيه أو لحيته أجزأه. انتهى.

أقول : ومن ما يدل على ذلك وانه لا يتوقف على الآلة المعهودة بل يكفى كيف اتفق ما تقدم في صحيحة جميل وحفص بن البختري.

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : جعلت فداك اني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم اقصر؟ قال : عليك بدنة. قال : قلت : اني لما أردت ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت ، فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها. فقال : رحمها الله كانت أفقه منك عليك بدنة ، وليس عليها شي‌ء».

ورواه الصدوق (قدس‌سره) بإسناده عن حماد بن عثمان (٣) قال : قال رجل لأبي عبد الله (عليه‌السلام). وذكر مثله.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «تقصر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الأنملة». ورواه الكليني في الصحيح الى ابن أبي عمير مثله (٥).

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٣٩٣ طبع عام ١٣٦٨.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣ من التقصير.

٢٩٨

وما رواه الشيخ (قدس‌سره) عن محمد الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة متمتعة عاجلها زوجها قبل ان تقصر فلما تخوفت ان يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منها بأسنانها وقرضت بأظافيرها هل عليها شي‌ء؟ قال : لا ليس كل أحد يجد المقاريض».

ومن ذلك يعلم ان ما اشتمل عليه صحيح معاوية بن عمار وصحيح محمد بن إسماعيل من الأخذ من تلك المواضع المتعددة فمحمول على الفضل والاستحباب. وبذلك صرح أيضا الأصحاب (رضوان الله عليهم).

الثانية ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يلزم التقصير في العمرة ولا يجوز حلق الرأس ، ولو حلقه فعليه دم. ذهب اليه الشيخ في النهاية والمبسوط وابن البراج وابن إدريس والمحقق والعلامة والشيخ الشهيد وغيرهم ، قال في الدروس : والأصح تحريمه ولو بعد التقصير.

وذهب الشيخ في الخلاف إلى انه يجوز الحلق ، والتقصير أفضل ، قال في المختلف بعد نقل قول الخلاف : وكان يذهب إليه والدي (رحمه‌الله).

والأصح القول المشهور ، ويدل عليه ما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «وليس في المتعة إلا التقصير».

وعن أبي بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المتمتع أراد ان يقصر فحلق رأسه. قال : عليه دم يهريقه ، فإذا كان يوم

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من التقصير.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٤ من التقصير.

٢٩٩

النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد ان يحلق».

وروى الصدوق (قدس‌سره) في الصحيح عن جميل بن دراج (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن متمتع حلق رأسه بمكة قال ان كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وان تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي‌ء ، وان تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه».

أقول : قوله : «وان تعمد بعد الثلاثين يوما» أي بعد دخول الثلاثين يوما ، وهو عبارة عن دخول ذي القعدة ، وهو الذي يوفر فيه الشعر. وقد تقدم الكلام في ذلك مع صاحب المدارك.

وبالجملة فإن ما ذهب إليه في الخلاف لا اعرف له وجها بعد ورود الأمر بالتقصير وعدم ورود ما ينافيه ، والعبادات مبنية على التوقيف من الشارع فالقول به من غير دليل ضعيف البتة.

وأضعف منه ما يظهر من العلامة في المنتهى حيث ان ظاهره فيه اختيار القول بالتحريم ووجوب التقصير ، ومع ذلك صرح بأنه لو حلق اجزاء وسقط الدم وكيف يجزئه ما لم يقم عليه دليل بل الدليل على خلافه واضح السبيل ، حيث ان الشارع رتب على فعله الدم.

وأوجب الشهيد في الدروس ان يكون التقصير بمكة ، قال : ولا يجب كونه على المروة للرواية الدالة على جوازه في غيرها (٢) نعم يستحب عليها

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من التقصير.

(٢) من المحتمل ان يريد بذلك رواية عمر بن يزيد المتقدمة ص ٢٩٦ حيث قال فيها : «ثم ائت منزلك فقصر.».

٣٠٠