الحدائق الناضرة - ج ١٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

مع إيجاب الهدى : انه قد تعين نحر هذا الهدي أو ذبحه بسبب غير الإحصار ، فلا يكون مجزئا عن هدي الإحصار ، لأن مع تعدد السبب يتعدد المسبب. ومع عدم إيجابه : قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (١).

وقال في المدارك بعد نقل قول الصدوقين ومن تبعهما : ولم نقف لهم في ذلك على مستند سوى ما ذكروه من ان اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات. وهو استدلال ضعيف ، لأن هذا الاختلاف إنما يتم في الأسباب الحقيقية دون المعرفات الشرعية كما بيناه غير مرة. والأصح ما اختاره المصنف والأكثر من الاكتفاء بهدي السياق ، لصدق الامتثال بذبحه ، وأصالة البراءة من وجوب الزائد عنه.

أقول : لا يخفى ان عبارة الشيخ علي بن بابويه المذكورة مأخوذة من الفقه الرضوي على العادة الجارية التي قد عرفتها في غير موضع ، حيث قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (٢) : فإذا قرن الرجل الحج والعمرة وأحصر بعث هديا مع هديه ، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، فإذا بلغ محله أحل وانصرف الى منزله ، وعليه الحج من قابل. ولا يقرب النساء حتى يحج من قابل. وان صد رجل عن الحج. الى آخر العبارة المتقدمة في صدر المطلب نقلا عن الشيخ علي بن بابويه ايضا.

ومن ذلك يعلم ان مستند الشيخ المذكور وابنه في كتاب من لا يحضره الفقيه انما هو الكتاب المذكور ، فلا يحتاج الى ما تكلفه العلامة

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٥.

(٢) ص ٢٩.

٢١

في المختلف من الاستدلال بتعدد الأسباب ، ولا يرد ما أورده في المدارك عليه ، حيث ان المعتمد انما هو كلامه (عليه‌السلام) ، ولكنهم (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) معذورون ، لعدم ظهور الكتاب المذكور عندهم ووصوله إليهم ، فوقعوا في ما ذكروا وتكلفوا ما تكلفوا.

هذا ما يدل على قول الصدوقين في المسألة المذكورة.

واما ما يدل على ما هو المشهور بينهم فلم أقف لهم فيه على دليل إلا ما تقدم نقله عن صاحب المدارك من صدق الامتثال بذبحه ، وأصالة البراءة من الزائد. وغاية ما استدل به في المنتهى هو ان الآية دلت على وجوب ما استيسر من الهدي ، وهو صادق على هدي السياق. ولا يخفى ما في هذه الأدلة من تطرق المناقشات إليها.

والأظهر الاستدلال على ذلك بما رواه في الكافي (١) عن رفاعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «قلت : رجل ساق الهدي ثم أحصر؟ قال : يبعث بهديه. قلت : هل يستمتع من قابل؟ فقال : لا ، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن رفاعة أيضا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) ومحمد بن مسلم في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) انهما قالا : «القارن يحصر وقد قال واشترط : فحلني حيث حبستني. قال : يبعث بهديه. قلنا : هل يتمتع في قابل؟ قال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».

فإنه لا يخفى ان المتبادر من «هديه» في الروايتين هو هدي السياق

__________________

(١) ج ٤ ص ٣٧١ ، والوسائل الباب ٤ و ٧ من الإحصار والصد.

(٢) الوسائل الباب ٤ من الإحصار والصد.

٢٢

والإضافة كاللام العهدية في إفادة العهد كما صرحوا به في محله ، فالمعنى هديه الذي ساقه. وبذلك يعظم الإشكال في المسألة.

بقي الكلام في ان مورد الاخبار في المسألة انما هو المحصر ، وانه يبعث هديا مع هدي السياق كما في كتاب الفقه ، أو هدي السياق كما هو ظاهر الاخبار التي ذكرناها ، والأصحاب لم يفرقوا في هذا الحكم بين المحصر والمصدود. ولا يخلو من اشكال. والحاقة بالمحصور في الحكم المذكور يتوقف على الدليل ، وليس إلا هذه الاخبار المذكورة.

السابعة ـ المعروف من مذهب الأصحاب انه لو لم يكن مع المصدود أو المحصور هدي وعجز عن ثمنه بقي على إحرامه ولم يتحلل ، لان النص الدال على التحلل انما تعلق بالهدي ، ولم يثبت له بدل ، ومتى انتفت البدلية وجب البقاء على الإحرام الى ان يحصل المحلل الشرعي. وبه صرح الشيخ وابن البراج وأبو الصلاح وابن حمزة وسلار وعامة المتأخرين. قال ابن الجنيد : ومن لم يكن عليه ولا معه هدي أحل إذا صد ، ولم يكن عليه دم. وظاهره انه يتحلل بمجرد النية.

قال في المختلف : قال الشيخ : إذا لم يجد المحصر الهدي ولا يقدر على ثمنه لا يجوز له ان يتحلل حتى يهدي ، ولا يجوز له ان ينتقل الى بدل من الصوم أو الإطعام ، لأنه لا دليل على ذلك. وقال ابن الجنيد : إذا لم يكن للهدي مستطيعا أحل ، لأنه ممن لم يتيسر له الهدي. وكلا القولين محتمل. انتهى.

وقد تقدم مذهب ابن إدريس وتخصيصه الهدي بالمحصور دون المصدود اختيارا.

أقول : وقد وقفت في المسألة على بعض الاخبار التي لم يتعرض لنقلها

٢٣

أحد من أصحابنا :

منها : ما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن معاوية ابن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «في المحصور ولم يسق الهدي؟ قال : ينسك ويرجع. قيل : فان لم يجد هديا؟ قال : يصوم».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «في المحصور ولم يسق الهدي؟ قال : ينسك ويرجع ، فان لم يجد ثمن هدي صام».

إلا ان مورد الأخبار المذكورة المحصر ، وإلحاق المصدود به من غير دليل مشكل. والواجب الوقوف في الحكم بها على موردها ، وان لم يقل بذلك أحد منهم. والظاهر ان ذلك من حيث عدم الوقوف على الروايات المذكورة ، كما يشعر به كلام الشيخ المتقدم ، وإلا فإطراحها ـ مع صراحتها ولا معارض لها ـ ليس من قواعدهم سيما مع صحتها.

وحينئذ فيختص البقاء على الإحرام بالمصدود خاصة ، لحصول البدل في هدي المحصور فينتقل اليه. وحيث قلنا ببقاء المصدود مع العجز عن الهدي على إحرامه فليستمر عليه الى ان يتحقق الفوات ، فيتحلل حينئذ بعمرة إن أمكن ، وإلا بقي على إحرامه الى ان يجد الهدي أو يقدر على العمرة ، لأن التحلل منحصر فيهما كما لا يخفى.

الثامنة ـ يتحقق الصد في إحرام العمرة بالمنع عن مكة ، وفي إحرام الحج بالمنع عن الموقفين أو أحدهما مع فوات الآخر ، ولا يتحقق بالمنع

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من الإحصار والصد.

٢٤

من مناسك منى ، وفي تحققه بالمنع عن مكة بعد الموقفين والتحلل أو قبله اشكال.

وتفصيل هذه الجملة انه لا خلاف في تحقق الصد بالمنع عن الموقفين في الحج ، وكذا عن أحدهما إذا كان من ما يفوت بفواته الحج ، كما سيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ في تحرير اقسامه الثمانية في موضعه اللائق به.

واما إذا أدرك الموقفين أو ما به يدرك ثم صد ، فان كان عن مناسك منى خاصة ، فإن له ان يستنيب في الرمي والذبح ـ كما في المريض ـ ثم يحلق ويتحلل. اما لو لم يمكن الاستنابة فإشكال ، لاحتمال البقاء على إحرامه تمسكا بالأصل ، وجواز التحلل لصدق الصد ، فيتناوله عموم ما دل على جواز التحلل مع الصد. ولعله الأقرب. وكذا الوجهان لو كان المنع عن مكة ومنى. وجزم العلامة في المنتهى والتذكرة بالجواز ، نظرا الى ان الصد يفيد التحلل من الجميع فمن بعضه اولى. وهو قريب.

ولو صد عن مكة خاصة بعد التحلل في منى فقد صرح جماعة ـ منهم : الشهيد في الدروس ـ بعدم تحقق الصد ، فيبقى على إحرامه بالنسبة إلى الطيب والنساء والصيد الى ان يأتي ببقية الأفعال.

ونقل ذلك عن المحقق الشيخ علي في حواشي القواعد ، قال : لان المحلل من الإحرام إما الهدي للمصدود والمحصور أو الإتيان بأفعال يوم النحر والطوافين والسعي ، فإذا شرع في الثاني واتى بمناسك منى يوم النحر تعين عليه الإكمال ، لعدم الدليل على جواز التحلل بالهدي ، وحينئذ فيبقى على إحرامه الى أن يأتي بباقي المناسك. انتهى.

والحق ان الاشكال المتقدم جار هنا أيضا ، فإنه من المحتمل قريبا

٢٥

ـ بل لعله الأقرب ـ ان النصوص الدالة على التحلل بالهدي في صورة الصد شاملة بعمومها لهذه الصورة ، ومتى صدق عليه انه مصدود وجب اجراء حكم المصدود عليه من التحلل بالهدي ونحوه.

بقي الكلام في انه ينبغي ان يقيد ذلك بعدم خروج ذي الحجة وإلا اتجه التحلل البتة ، لما في بقائه على ذلك الى العام القابل من الحرج المنفي بالآية والرواية (١).

ولا يتحقق الصد بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار والمبيت إجماعا ، على ما نقله جمع من الأصحاب ، بل يحكم بصحة حجه ، ويستنيب في الرمي إن أمكن ، وإلا قضاه في القابل.

واما لو كان الصد في عمرة التمتع فلا ريب في انه يتحقق بالمنع من دخول مكة ، وبالمنع بعد الدخول من الإتيان بالأفعال.

قال في المسالك : وفي تحققه بالمنع من السعي بعد الطواف خاصة وجهان ، من إطلاق النص ، وعدم مدخلية السعي (٢) في التحلل ، وعدم التصريح بذلك في النصوص والفتوى. ثم قال : والوجهان آتيان في عمرة الافراد مع زيادة إشكال في ما لو صد بعد التقصير عن طواف النساء ، فيمكن ان لا يتحقق حينئذ الصد بل يبقى على إحرامه بالنسبة إليهن. ثم قال : وأكثر هذه الفروع لم يتعرض لها الجماعة بنفي ولا إثبات ، فينبغي تحقيق الحال فيها.

وظاهر المدارك وقوع الإشكال أيضا في طواف العمرة ، حيث قال :

__________________

(١) ارجع الى الحدائق ج ١ ص ١٥١.

(٢) هكذا وردت العبارة المحكية عن المسالك في نسخ الحدائق. والوارد في المسالك في شرح قول المحقق : «ويتحقق الصد بالمنع من الموقفين.» هكذا : «وعدم مدخلية الطواف في التحلل». وهو الصحيح.

٢٦

ومن منع من الطواف خاصة استناب فيه مع الإمكان ، ومع التعذر يبقى على إحرامه الى ان يقدر عليه أو على الاستنابة. ويحتمل قويا جواز التحلل مع خوف الفوات ، للعموم ، ونفي الحرج اللازم من بقائه على الإحرام. وكذا الكلام في السعي وطواف النساء في المفردة. انتهى.

أقول : لا يخفى ـ على من اعطى التأمل حقه في روايات الحصر والصد الواردة في هذا الباب ـ ان المستفاد منها على وجه لا يكاد يداخله الارتياب انما هو حصول أحد الأمرين بعد الإحرام وقبل التلبس بشي‌ء من أفعال الحج أو العمرة ، وقرائن ألفاظها ومقتضى أحوالها شاهدة بما قلناه لمن تأملها بعين الإنصاف ، فكثير من ما ذكر هنا من هذه الفروع لا يخلو من الاشكال ، سيما مع ما عرفت من ان الصد المذكور في الاخبار له أحكام تترتب عليه ، من وجوب الهدي ، ووجوب الحج من قابل متى كان الحج واجبا ، وحل النساء له ، ونحو ذلك. والله العالم.

التاسعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأنه إذا حبس بدين ، فان كان قادرا عليه لم يتحلل ، لانه بالقدرة على ذلك يكون متمكنا من السير فلا يتحقق الصد في حقه ، اما لو عجز فإنه يتحلل. وعلله في المنتهى يتحقق الصد الذي هو المنع ، لعجزه من الوصول بإعساره.

واستشكل بعض المتأخرين هذا الحكم بان المصدود ليس هو الممنوع مطلقا بل الممنوع بالعدو ، وطالب الحق لا تتحقق عداوته.

وأجيب عنه بان العاجز عن أداء الحق لا يجوز حبسه ، فيكون الحابس ظالما. وبالمنع من اختصاص الصد بالمنع من العدو لأنهم عدوا من أسبابه فناء النفقة وفوات الوقت ونحو ذلك.

٢٧

قال في المدارك بعد نقل ذلك : وفيهما معا نظر. ثم قال : وكيف كان فالأجود ما أطلقه المصنف وغيره من جواز التحلل مع العجز ، لان المصدود هو الممنوع لغة ، إلا ان مقتضى الروايات اختصاصه بما إذا كان المنع بغير المرض ، وذكر العدو في بعض الاخبار انما وقع على سبيل التمثيل لا لحصر الحكم فيه. انتهى.

أقول : لا يخفى ان صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في أول المقصد (١) قد دلت على ان المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي رده المشركون كما ردوا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ومرسلة الصدوق المتقدمة (٢) عن الصادق (عليه‌السلام) قد دلت على ان المحصور والمضطر ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه ، ورواية الفضل بن يونس الآتية (٣) عن ابي الحسن الأول (عليه‌السلام) قد دلت على ان الرجل الذي أخذه سلطان فحبسه ظالما له يوم عرفة ، قال : هذا مصدود عن الحج. ويحصل من مجموع هذه الروايات وضم بعضها الى بعض ان المصدود هو الممنوع بعد وكان أو بظالم أو بقلة نفقة أو خوف في طريقه. وبه يظهر قوة ما استجوده في المدارك وضعف تنظره في ما نقله من الوجهين المتقدمين.

قال العلامة في المنتهى : ولا فرق بين الحصر العام وهو ان يصده المشركون ويصدوا أصحابه وبين الحصر الخاص في حق شخص واحد ، مثل ان يحبسه ظالم بغير حق أو يأخذه اللصوص وحده ، لعموم النص ، ووجود المعنى المقتضى لجواز التحلل في الصورتين. وكما انه لا فرق بينهما في جواز التحلل فلا فرق بينهما في وجوب القضاء وعدم وجوبه فكل موضع حكمنا فيه بوجوب القضاء في الصد العام فهو ثابت في

__________________

(١) ص ٤.

(٢) ص ٩.

(٣) ص ٣٠.

٢٨

الصد الخاص ، وما لا يجب فيه هناك فهو لا يجب فيه هنا. انتهى. وهو جيد ، لما عرفت.

العاشرة ـ اعلم ان جملة من المتقدمين ومتقدمي المتأخرين صرحوا بالمسألة التي قدمنا ذكرها ، من انه لو حبس بدين فان كان قادرا على أدائه لم يكن مصدودا ومع العجز يكون مصدودا. ثم قالوا : وكذا لو حبس ظلما. ومن جملة المصرحين بذلك المحقق في الشرائع.

وشراح كلامهم في هذا المقام قد اضطربوا في هذا التشبيه وان المشبه به ما هو؟ وقد أطال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في توجيه ذلك. ولنقتصر على نقل ما ذكره سبطه في المدارك ، فإنه ملخص ما ذكره جده (رحمه‌الله).

قال (قدس‌سره) ـ بعد قول المصنف : «وكذا لو حبس ظلما» : يمكن ان يكون المشبه به المشار اليه ب «ذا» ثبوت التحلل مع العجز والمراد انه يجوز تحلل المحبوس ظلما. وهو بإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين ان يكون المطلوب منه قليلا أو كثيرا ، ولا بين القادر على دفع المطلوب منه وغيره. ويمكن ان يكون مجموع حكم المحبوس بدين بتفصيله ، بمعنى ان المحبوس ظلما على مال ان كان قادرا عليه لم يتحلل وان كان عاجزا تحلل. إلا ان المتبادر من العبارة هو الأول وهو الذي صرح به العلامة في جملة من كتبه. وأورد عليه ان الممنوع بالعدو إذا طلب منه مال يجب بذله مع المكنة كما صرح به المصنف وغيره ، فلم لا يجب البذل على المحبوس ظلما إذا كان حبسه يندفع بالمال وكان قادرا عليه؟ وأجيب عن ذلك بالفرق بين المسألتين ، فإن الحبس ليس بخصوص المنع من الحج ولهذا لا يندفع الحبس لو اعرض عن الحج ، بخلاف منع العدو فإنه للمنع من المسير حتى لو اعرض عن

٢٩

الحج خلى سبيله. وحينئذ فيجب بذل المال في الثاني لأنه بسبب الحج دون الأول. وهذا الفرق ليس بشي‌ء ، لأن بذل المال للعدو المانع من المسير إنما وجب لتوقف الواجب عليه ، وهذا بعينه آت في صورة الحبس إذا كان يندفع بالمال. وبالجملة فالمتجه تساوي المسألتين في وجوب بذل المال المقدور ، لتوقف الواجب عليه سواء كان ذلك قبل التلبس بالإحرام أو بعده. انتهى.

أقول : الظاهر ان الأصل في هذا الحكم الذي ذكره المتقدمون إنما هو ما رواه الكليني في الكافي والشيخ في التهذيب في الموثق عن الفضل بن يونس عن ابي الحسن الأول (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل ان يعرف ، فبعث به الى مكة فحبسه ، فلما كان يوم النحر خلى سبيله ، كيف يصنع؟ قال : يلحق فيقف بجمع ، ثم ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح ويحلق ، ولا شي‌ء عليه. قلت : فان خلى عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال : هذا مصدود عن الحج ، ان كان دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج ، فليطف بالبيت أسبوعا ، ثم يسعى أسبوعا ، ويحلق رأسه ، ويذبح شاة ، وان كان دخل مكة مفردا للحج فليس عليه ذبح ولا حلق». وفي الكافي «ولا شي‌ء عليه» بين قوله : «فليس عليه ذبح» وقوله : «ولا حلق».

والى هذا الفرد أشار العلامة في ما قدمنا نقله عنه في آخر المقالة السابقة. وبه يظهر ان المشبه به في كلامهم إنما هو المحبوس بالدين

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣٧١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٤٦٥ ، والوسائل الباب ٣ من الإحصار.

٣٠

العاجز عن أدائه فإنه يتحلل. وكذا المحبوس ظلما. واما ان حبسه لأجل المال أم لا ، ويمكن دفعه بالمال أم لا ، فهو غير مراد ولا ملحوظ كما عرفت من الرواية المذكورة. واما ما ذكروه من التوجيهات والإشكالات فتكلفات لا ضرورة لها مع ظهور المعنى وصحته.

وبنحو هذه الرواية صرح في كتاب الفقه الرضوي (١) حيث قال (عليه‌السلام): ولو ان جلا حبسه سلطان جائر بمكة وهو متمتع بالعمرة إلى الحج ثم أطلق عنه ليلة النحر ، فعليه ان يلحق الناس بجمع ثم ينصرف إلى منى فيذبح ويحلق ولا شي‌ء عليه ، وان خلى يوم النحر بعد الزوال فهو مصدود عن الحج ان كان دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج ، فليطف بالبيت أسبوعا ويسعى أسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة ، وان كان دخل مكة مفردا للحج ، فليس عليه ذبح ، ولا شي‌ء عليه.

وهذه العبارة قد نقلها في المختلف عن علي بن الحسين بن بابويه ، قال : ولو ان رجلا. الى قوله : وان كان مفردا للحج فليس عليه ذبح ، ولا شي‌ء عليه. ثم زاد : بل يطوف بالبيت ، ويصلي عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) ويسعى بين الصفا والمروة ، ويجعلها عمرة ، ويلحق بأهله. انتهى. ولا ادري هذه الزيادة هل سقطت من نسخة الكتاب التي عندي؟ فإنها كثيرة الغلط ، أو انها زيادة من علي بن الحسين على العبارة المذكورة لمزيد الإيضاح فيها.

ثم ان العلامة ـ بعد نقل ذلك عن علي بن الحسين (رحمه‌الله) ـ قال : وقد اشتمل هذا الكلام على حكمين : أحدهما ـ ان إدراك الحج

__________________

(١) ص ٢٩.

٣١

يحصل بإدراك جمع قبل الزوال ، وهو مفهوم من كلامه. وفيه نظر. الثاني ـ إيجاب الدم على المتمتع مع الفوات. وفيه نظر ، فإنه يتحلل بالعمرة. والأقرب انه لا دم عليه ، ولا فرق بينه وبين المفرد. انتهى.

أقول : قد عرفت ان هذه العبارة انما هي كلام الرضا (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور. ومثلها في الدلالة على الحكمين المذكورين موثقة الفضل بن يونس المذكورة. وسيجي‌ء (ان شاء الله تعالى) تحقيق كل من المسألتين المذكورتين في المحل اللائق به.

الحادية عشرة ـ قد تقدم ان المصدود يجوز له التحلل بذبح الهدي وان كان الأفضل له التأخير والانتظار لزوال المانع ، فلو صابر ولم يتحلل حتى فات الحج ، فان تمكن من دخول مكة بعد الفوات أو كان فيها ، فإنه يتحلل بالعمرة ، لإمكانها وانتفاء الصد عنها. ويسقط الهدي لحصول التحلل بالعمرة. وان لم يتمكن من دخول مكة ، تحلل من العمرة بالهدي ، وان استحب الصبر مع رجاء زوال العذر.

قال في المسالك : ولا فرق في ذلك بين رجاء زوال العذر قبل خروج الوقت مع المصابرة وعدمه ، بل يجوز الصبر الى ان يفوت الوقت مطلقا.

وقال في الدروس : وعلى هذا فلو صار الى بلده ولما يتحلل وتعذر العود في عامه لخوف الطريق فهو مصدود ، فله التحلل بالذبح والتقصير في بلده.

ويأتي تحقيق الكلام في المسألة (ان شاء الله تعالى) عند الكلام في مسألة من فاته الحج.

وكيف كان فان عليه القضاء بعد ذلك لو كان الحج واجبا مستقرا في ذمته ، فلا يجب قضاء المندوب بالأصل وان كان قد وجب

٣٢

بالشروع فيه ، ولا ما وجب في عامه ولم يتحقق التقصير في التأخير ، كما تقدم بيانه في محله.

بقي الكلام في ما إذا غلب على ظنه انكشاف العدو قبل الفوات ، فان ظاهر الجماعة جواز التحلل ، كما صرح به غير واحد منهم ، وظاهر المدارك المناقشة في الحكم المذكور ، مستندا الى ان ما وصل اليه من الروايات لا عموم فيه بحيث يتناول هذه الصورة ، ومع انتفاء العموم يشكل الحكم بالجواز ، قال : ويلوح من كلام الشارح في الروضة وموضع من الشرح : ان التحلل انما يسوغ إذا لم يرج المصدود زوال العذر قبل خروج الوقت. ولا ريب انه اولى. انتهى. أقول : فيه ما تقدم في المقالة الثانية.

ثم انه لو انكشف العدو قبل التحلل والوقت باق ، وجب عليه الإتمام ، لأنه محرم ولم يأت بالمناسك. ولروايتي الفضل بن يونس وكتاب الفقه. واما لو كان انكشافه بعد فوات الوقت ، فإنه يتحلل بعمرة مفردة ، كما في الروايتين المشار إليهما أيضا.

الثانية عشرة ـ قد تقدم انه لو أفسد المحرم حجه بالوطء قبل الموقفين أو أحدهما ، وجب عليه بدنة ، وإتمام حجه ، والقضاء من قابل ، فلو صد بعد الإفساد ، وجب عليه مع ذلك الهدي للتحلل ، ان أراد التحلل ولم يصابر ، فالصد أوجب الهدي ، والإفساد أوجب الثلاثة المذكورة ، إلا ان وجوب الإتمام سقط هنا بالصد.

ثم انه قد اختلف الأصحاب ـ كما تقدم ـ في انه هل الأولى هي الفريضة ، والثانية عقوبة ، أو الفريضة هي الثانية وإتمام الأولى عقوبة؟ وقد قدمنا ان المختار هو الأول.

٣٣

ثم انه قد تقدم ايضا ان وجوب القضاء على المصدود انما هو في صورة ما إذا كان الحج واجبا مستقرا في الذمة.

وعلى هذا ففي المسألة صور : الاولى ـ ان يقال ان حجة الإسلام هي الاولى والثانية عقوبة. وقد صرح جملة من الأصحاب بأن الواجب على تقدير هذا القول الإتيان بحجتين بعد الصد والتحلل مع وجوب الحج واستقراره ، وبيانه انه لا إشكال في وجوب الحج ثانيا بالإفساد ، سواء قلنا ان الاولى هي حجة الإسلام والثانية عقوبة أو بالعكس. وحينئذ فمتى قلنا بأن الأولى هي الفرض ـ وقد عرفت ان الحج الواجب المستقر متى صد عنه وتحلل منه وجب قضاؤه ـ وجب القضاء في هذه الصورة ، لأنها أحد جزئيات هذه الكلية. وعلى هذا فيجب عليه أولا حجة القضاء ثم حج العقوبة للإفساد السابق.

الثانية ـ ان الحج ليس بمستقر والواجب حج العقوبة خاصة ، ويسقط القضاء ، لان القضاء مراعى بفوته مع الاستقرار في الذمة ، كما تقدم تحقيقه في محله ، وهنا ليس كذلك كما هو المفروض.

الثالثة ـ ان يكون الحج مستحبا ، وهو وان وجب بالشروع فيه كما تقدم ، ووجب قضاؤه بالإفساد أيضا ، وإتمامه ، كما تقدم في محله ، إلا انه لا يجب قضاؤه بالصد عنه اتفاقا نصا وفتوى في ما اعلم. وحينئذ فمتى صد عنه وتحلل منه سقط أداء وقضاء وبقي حج الإفساد خاصة.

الرابعة ـ ان يقال : ان الاولى عقوبة والثانية حجة الإسلام. ولا ريب ولا اشكال ـ كما عرفت ـ في وجوب الحج ثانيا ، وهو على هذا القول يكون قضاء لحج الإسلام.

بقي الكلام في الحج الأول الذي أفسده وهو عقوبة على هذا القول

٣٤

هل يجب قضاؤه أم لا؟ قولان : قيل بالأول ، لأنه حج واجب قد صد عنه ، وكل حج واجب صد عنه يجب قضاؤه. وعلى هذا فيجب حجان. وقيل بالثاني ، لأن الصد والتحليل مسقط لوجوب الأولى ، والقضاء يتوقف على الدليل ، ولا دليل في المقام ، إذ المستفاد من اخبار القضاء إنما هو بالنسبة إلى حج الإسلام. ومن هنا يظهر منع كلية الكبرى. وحينئذ فالواجب هنا حج واحد لا غير.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ظاهر المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) المناقشة في الصورة الأولى ، حيث احتج ـ بعد ان قال أولا : ثم الظاهر عدم وجوب غير حج واجب واحد في الصور كلها ، سواء قلنا ان الإتمام عقوبة أو الحج من قابل عقوبة ـ بأنه بعد الصد عن الإتمام إذا تحلل عنه بالهدي أو بالعمرة لم يعلم وجوب القضاء لهذا الفاسد مطلقا ، سواء قلنا انه عقوبة أو الذي شرع فيه أولا ، إذ لا يعلم دليل عليه ، وانما الدليل في الحج الصحيح الذي صد عنه وتحلل عنه مع عدم وجوب شي‌ء آخر.

ومرجع كلامه (طاب ثراه) الى ان الدليل الدال على وجوب القضاء على المصدود مخصوص بالحج الصحيح ، ولا عموم فيه على وجه يتناول الحج الفاسد.

وهو مشكل ، فانا لم نقف في روايات الصد على ما يوجب القضاء على المصدود حتى انه يختص ذلك بالصد عن الحج الصحيح دون الفاسد وانما المستند في ذلك الروايات الدالة على وجوب الحج على المستطيع مطلقا (١) والقضاء في كلام الأصحاب ليس مرادا به معناه المعروف ،

__________________

(١) الوسائل الأبواب المتفرقة من وجوب الحج وشرائطه.

٣٥

وهو الإتيان بالفعل في خارج وقته ، لان الحج لا وقت له وان وجب فورا بل المراد به مجرد الفعل. وحينئذ فإذا كانت الأدلة الدالة على وجوب الحج على المصدود الذي تحلل انما هي الأخبار الدالة على وجوب الحج على المستطيع مطلقا ـ حيث انه من جملة من يدخل تحت هذا الخطاب ـ فلا فرق في ذلك بين ما إذا كان الصد عن حج صحيح أو فاسد في تناول الخطاب ، فإنه لما علم تعلق الخطاب بكل منهما من حيث الاستطاعة واستقراره في الذمة ، فلا تبرأ الذمة إلا بالإتيان به من المكلف نفسه أو نائبه في حياته أو بعد موته. وهذا ـ بحمد الله تعالى ـ ظاهر لا سترة عليه.

هذا كله إذا تحلل قبل انكشاف العدو وضاق الوقت بعد انكشافه.

اما لو تحلل ثم انكشف العدو والوقت يسع الإتيان بالحج ، فإنه لا خلاف ولا إشكال في وجوب الإتيان بالحج.

قال في المنتهى : وهو حج يقضى لسنته ، وليس يتصور القضاء في العام الذي أفسد فيه في غير هذه المسألة. ولو ضاق الوقت قضى من قابل.

والظاهر ان مبنى كلامه (قدس‌سره) على ما هو المختار عنده من ان حج الإسلام هو الثاني والأول عقوبة ، فإنه بعد التحلل من ذلك الحج الفاسد سقطت العقوبة ، وحج العقوبة لا يقضى كما تقدم ، فيستأنف عند زوال العذر حج الإسلام. والقضاء هنا بمعنى الاستئناف والتدارك. ولا يجب عليه سواه ، لما عرفت من عدم وجوب قضاء حج العقوبة. فهو حج يقضى لسنته في هذه الصورة خاصة من حيث اتساع الوقت له ، لأنه في غير صورة الصد يجب عليه المضي في الفاسدة التي ذكرنا أن إتمامها عقوبة ، فيتأخر القضاء الى العام القابل. وفي صورة

٣٦

الصد مع القول بكون الأولى حجة الإسلام والثانية عقوبة لم يكن حجا يقضى لسنته ، لان الواقع بعد التحلل في السنة الأولى حج الإسلام ولا يصح وصفها بكونها قضاء ، لانه ليس محلها العام الثاني وقدمت هنا عليه ـ كما في الصورة الأولى ـ حتى يقال ، انه حج يقضى لسنته ، وانما محلها العام الأول.

ولهم في معنى هذه العبارة أعني قولهم : «حج يقضى لسنته» اختلاف ليس في التعرض له كثير فائدة ، والمعتمد عندهم ما ذكرناه.

واما لو لم يتحلل بالكلية بل صابر الى ان ينكشف العدو ، فان انكشف والوقت يسع الإتيان بالحج وجب المضي في الحج الفاسد وان كان مندوبا ، ووجب القضاء في القابل بالإفساد ، وان ضاق الوقت تحلل بعمرة ، ويلزمه بدنة للإفساد ، ولا شي‌ء عليه للفوات ، وعليه الحج من قابل سواء كان الحج واجبا أو ندبا. لأن التطوع يكون واجبا بالإفساد.

الثالثة عشرة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو لم يندفع العدو إلا بالقتال ، فإنه لا يجب عليه القتال ، سواء غلب على ظنه السلامة أو العطب.

واستدل عليه في المنتهى بان في التكليف به مشقة زائدة وخطرا عظيما ، لاشتماله على المخاطرة بالنفس والمال ، فكان منفيا بقوله (عزوجل) (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١) وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) : «لا ضرر ولا ضرار». وهو جيد متى بلغ الأمر الى ذلك

__________________

(١) سورة الحج ، الآية ٧٨.

(٢) الوسائل الباب ٥ من الشفعة ، والباب ١٢ من احياء الموات.

٣٧

والحكم بذلك مقطوع به في كلامهم.

نعم بقي الكلام في الجواز ، فقال الشيخ في المبسوط : إذا أحرموا فصدهم العدو ، فان كان مسلما كالأعراب والأكراد ، فالأولى ترك قتالهم وينصرفون إلا ان يدعوهم الإمام أو من نصبه الى قتالهم ، وان كان مشركا لم يجب على الحاج قتالهم ، لان قتال المشركين لا يجب إلا بإذن الإمام أو الدفع عن النفس أو الإسلام ، وليس هنا واحد منهما ، وإذا لم يجب فلا يجوز ايضا ، سواء كانوا قليلين أو كثيرين. انتهى. وهو ظاهر في عدم جواز قتال المشركين.

وصرح جملة من الأصحاب ـ منهم : العلامة والشهيد ـ بالجواز لمشرك كان أو غيره ، مع ظن الظفر ، لانه نهى عن منكر فلا يتوقف على اذن الامام (عليه‌السلام).

قال في الدروس : ومنعه الشيخ التفاتا إلى اذن الامام في الجهاد. ويندفع بأنه نهى عن منكر. واستجوده في المدارك ، وأيده بأن لمانع ان يمنع توقف الجهاد على الاذن إذا كان لغير الدعوة الى الإسلام ، قال : فانا لم نقف في ذلك على دليل يعتد به.

وقال في المسالك ـ بعد نقل الجواز عن العلامة والشهيد ، واحتجاجهما بأنه نهى عن منكر ، فلا يتوقف على اذن الامام ـ ما صورته : ويشكل بمنع عدم توقف النهي المؤدي إلى القتال أو الجرح على اذن الامام ، وهما قد اعترفا به في بابه. وبان ذلك لو تم لم يتوقف الجواز على ظن الظفر ، بل متى جوزه كما هو الشرط فيه. وأيضا إلحاقه بباب النهي عن المنكر يفضي الى وجوبه لا الى جوازه بالمعنى الأخص ، وهم قد اتفقوا على عدم الوجوب مطلقا. انتهى.

٣٨

ونقل في المختلف عن ابن الجنيد انه قال : لو طمع المحرم في دفع من صده إذا كان ظالما له بقتال أو غيره كان ذلك مباحا له ، ولو اتى على نفس الذي صده ، سواء كان كافرا أو ذميا أو ظالما.

قال في المختلف بعد نقله ذلك : وقول ابن الجنيد لا بأس به. انتهى. ولا بأس به.

ولو توقف زوال العدو على دفع مال ، فقيل بعدم وجوب بذله ، وقيل بالوجوب إذا لم يجحف. وقد تقدم تحقيق المسألة في شرائط وجوب الحج.

المطلب الثاني ـ في الإحصار ، وهو ـ كما عرفت ـ المنع بالمرض من مكة أو من الموقفين. والكلام في ما يتحقق به الحصر جار على نحو ما تقدم في ما يتحقق به الصد.

والكلام في هذا المطلب يقع أيضا في مواضع :

الأول ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان تحلل المحصر يتوقف على الهدي ، وانما الخلاف في البعث وعدمه ، فالمشهور بينهم انه يجب بعث الهدي الى منى ان كان حاجا ، والى مكة ان كان معتمرا ، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، فإذا بلغ الهدي محله قصر وأحل من كل شي‌ء إلا النساء. قاله الشيخ وابنا بابويه وأبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس. وقال ابن الجنيد بالتخيير بين البعث وبين الذبح حيث أحصر فيه. وقال سلار : المحصور بالمرض اثنان : أحدهما في حجة الإسلام والآخر في حجة التطوع ، فالأول يجب بقاؤه على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ، ثم يحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا النساء ، فإنه لا يقربهن حتى يقضى مناسكه من قابل ، والثاني ينحر

٣٩

هديه وقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه. وعن الجعفي أنه يذبح مكان الإحصار ما لم يكن ساق.

ويدل على القول المشهور ظاهر الآية ، وهي قوله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (١).

قال في المدارك : وهي غير صريحة في ذلك ، لاحتمال ان يكون معناه : «حتى تنحروا هديكم حيث حبستم» كما هو المنقول من فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢).

وفيه : ان الظاهر من الاخبار ان المراد بمحل الهدي وبلوغه محله انما هو مكة أو منى ، كما سنشير اليه ان شاء الله تعالى.

ومن أظهر الاخبار في ذلك ما تقدم في حديث حج الوداع الطويل المتقدم في المقدمة الرابعة من الباب الأول (٣) من احتجاجه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على عدم الإحلال بسياق الهدي ، وانه لا يجوز لسائق الهدي الإحلال حتى يبلغ محله ، يعني : منى ، كما لا يخفى.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام!) (٤) قال : «سألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي. قال : يواعد أصحابه ميعادا ، ان كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر فإذا كان يوم النحر فليقص من رأسه ، ولا يجب عليه الحلق حتى يقضي

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٥.

(٢) وقد تقدم نقله ص ٩ و ١٠.

(٣) ج ١٤ ص ٣١٥ الى ٣١٩.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٤٢١ و ٤٢٢ ، والكافي ج ٤ ص ٣٦٩ ، والوسائل الباب ٢ من الإحصار والصد.

٤٠