الحدائق الناضرة - ج ١٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

والخبران الآخران وان دلا بإطلاقهما على الإرسال إلا انه يجب حمل هذا الإطلاق على التفصيل المذكور في الخبرين الآخرين جمعا بين الاخبار ويعضده انك قد عرفت في صدر المسألة وكذا في كلام المحقق الشيخ حسن ان المستند للتفصيل المذكور في طواف الحج والعمرة انما هو هذه الاخبار الواردة في طواف النساء ، بإجراء الحكم في الفردين الآخرين بطريق الأولوية.

ومن اخبار المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع الى أهله. قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت ويطوف ، فان مات فليقض عنه وليه ، فاما ما دام حيا فلا يصلح ان يقضي عنه. وان نسي رمى الجمار فليسا بسواء ، الرمي سنة والطواف فريضة». وهو ظاهر ـ كما ترى ـ في عدم جواز القضاء ، عنه ما دام حيا ، وجواز القضاء في الرمي مع الحياة لكون الطواف فريضة مذكورة في القرآن (٢) ، فأي صراحة أصرح من ذلك. نعم يجب تقييده بالإمكان ، جمعا بينه وبين الاخبار المتقدمة.

ومن اخبار المسألة ما رواه ابن إدريس في آخر كتابه من كتاب نوادر البزنطي عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله. قال : يرسل

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٥٣ و ٢٥٥ و ٤٨٩ ، والوسائل الباب ٥٨ من الطواف.

(٢) وهو قوله تعالى في سورة الحج الآية ٢٧ «وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ».

(٣) الوسائل الباب ٥٨ من الطواف.

١٨١

فيطاف عنه ، وان مات قبل ان يطاف عنه طاف عنه وليه». وهو مثل ذينك الخبرين المطلقين ، فيجب تقييد إطلاقه.

وبالجملة فهذه الاخبار بين ما دل على جواز الاستنابة على الإطلاق وبين ما دل على وجوب الحج بنفسه على الإطلاق ، وبين ما دل على التفصيل. والقاعدة في مثل ذلك حمل المطلق على المقيد. وهذا بحمد الله سبحانه واضح لا سترة عليه.

بقي من اخبار المسألة ما رواه عمار الساباطي في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «عن الرجل نسي أن يطوف طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال : عليه بدنة ينحرها بين الصفا والمروة». والظاهر حملها على المواقعة مطلقا أو مع الذكر ، على الخلاف المشار اليه آنفا.

الرابع ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في انه متى وجب قضاء طواف العمرة أو طواف الحج فهل يجب إعادة السعي بعده أيضا أم لا؟ قولان ، فذهب الشيخ (قدس‌سره) في الخلاف ـ على ما نقل عنه ـ الى الوجوب ، واستقربه الشهيد (قدس‌سره) في الدروس ، فقال : إذا وجب قضاء طواف العمرة أو طواف الحج فالأقرب وجوب قضاء السعي أيضا ، كما قاله الشيخ في الخلاف. ونقل بعض الفضلاء عن الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد (قدس‌سره) انه لم يذكر الأكثر قضاء السعي لو قضى الطواف. وفي الخلاف : يقضي السعي بعده.

وقال بعض فضلاء متأخري المتأخرين : ويمكن الاستدلال على قضاء

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٨٩ ، والوسائل الباب ٥٨ من الطواف.

١٨٢

السعي معه بما رواه الكليني والشيخ عنه عن منصور بن حازم (١) ـ في القوي عندي صحيح عند جماعة حسن عند بعضهم ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل ان يطوف بالبيت. فقال : يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا والمروة فيطوف بينهما».

وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم (٢) بإسناد فيه اشتراك قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة. قال : يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي. قلت : ان ذلك قد فاته؟ قال : عليه دم ، ألا ترى انك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان تعيد على شمالك».

أقول : المفهوم من مجموع هذين الخبرين انه متى اتى بالطواف والسعي معا إلا انه لم يرتب بينهما ، فان كان حاضرا وجب عليه الإعادة بما يحصل معه الترتيب ، فان فاته ذلك ولم يمكن استدراكه في عامه فان عليه دما ، لإخلاله بالترتيب. وظاهره صحة ما اتى به حيث لم يوجب عليه الإعادة ، وهذا بخلاف محل البحث من نسيان الطواف بالكلية وعدم حضوره لاستدراكه.

وبالجملة فإنه لم يظهر لي دليل على وجوب السعي ، والأصل العدم. هذا مع ما عرفت في وجوب قضاء الطواف من أصله من إمكان تطرق المناقشة ، لعدم الدليل الواضح سوى الإجماع ان تم. والاحتياط لا يخفى.

الخامس ـ لو عاد لاستدراك طواف الحج أو طواف العمرة أو النساء

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ١٢٩ ، والوسائل الباب ٦٣ من الطواف.

١٨٣

بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكة ، فهل يكتفى بذلك أو يتعين عليه الإحرام ثم يقضي الفائت قبل الإتيان بأفعال العمرة أو بعده؟ اشكال ، لخلو الحكم من النص. وربما رجح الأول نظرا الى الأصل ، وان من نسي الطواف يصدق عليه انه محرم في الجملة والإحرام لا يقع إلا من محل. إلا انه لا يخلو من شوب الاشكال.

السادس ـ قال في المختلف : طواف النساء واجب إجماعا ، فإن أخل به حرمت عليه النساء حتى يطوف ، أو يستنيب فيه فيطاف عنه وقال ابن بابويه (قدس‌سره) في الرسالة : ومتى لم يطف الرجل طواف النساء لم تحل له النساء حتى يطوف. وكذلك المرأة لا يجوز لها ان تجامع حتى تطوف طواف النساء. إلا ان يكونا طافا طواف الوداع فهو طواف النساء. وفي هذا الكلام بحثان : الأول حكمه على المرأة بتحريم الرجل لو أخلت به. وفيه منع ، فان حمله على الرجل فقياس ، وان استند الى دليل فلا بد منه ، ولم نقف عليه. الثاني ـ استغناؤه بطواف الوداع عنه. وفيه إشكال ، فإن طواف الوداع عندنا مستحب ، فكيف يجزئ عن الواجب؟ وان استند إلى رواية إسحاق ابن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «لولا ما من الله به على الناس من طواف الوداع لرجعوا الى منازلهم ولا ينبغي لهم ان

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥١٣ ، والتهذيب ج ٥ ص ٢٥٣ باختلاف في اللفظ ، والوسائل الباب ٢ من الطواف الرقم ٢ و ٣. والحديث في الوسائل عن التهذيب ينتهي بقوله «واجب» فيكون قوله «يعني.» جزء من الحديث وفي الوافي باب (طواف النساء) اختتم الحديث بكلمة «نساءهم» وعليه قد اعتبر «يعني.» من كلام الشيخ.

١٨٤

يمسوا نساءهم ، يعني : لا تحل لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا آخر بعد ما يسعى بين الصفا والمروة. وذلك على النساء والرجال واجب». قلنا : ان في إسحاق بن عمار قولا ، ومع ذلك فهي معارضة بغيرها من الروايات. وابن الجنيد سمى طواف النساء طواف الوداع ، وأوجبه. انتهى.

أقول : لا يخفى عليك ان مستند الشيخ علي بن بابويه في ما ذكره انما هو كتاب الفقه الرضوي حسبما قدمنا بيانه في غير موضع ، وهذه العبارة عين عبارته (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (١) ولكن الجماعة لم يصل إليهم الكتاب فاعترضوا عليه بمثل ما هو مذكور هنا وغيره.

والى هذه الرواية أشار ابنه في من لا يحضره الفقيه (٢) ايضا ، حيث قال بعد رواية معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال : يأمر من يقضي عنه ان لم يحج ، فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت». وروى في من نسي طواف النساء. انه ان كان طاف طواف الوداع فهو طواف النساء.

وظاهر جملة من الأصحاب ـ منهم : شيخنا الشهيد في الدروس ـ ـ حمل الناس في رواية إسحاق بن عمار المذكورة على العامة. والظاهر ان الوجه فيه من حيث ان العامة لا يرون وجوبه (٣) وكان برجوعهم

__________________

(١) ص ٣٠ الى قوله : «حتى تطوف طواف النساء».

(٢) ج ٢ ص ٢٤٥ و ٢٤٦ ، والوسائل الباب ٥٨ من الطواف الرقم ٨ و ٩.

(٣) ارجع الى المغني ج ٣ ص ٣٩٣ الى ٣٩٨ وص ٤١٦ و ٤١٧ طبع مطبعة العاصمة.

١٨٥

بدون الإتيان به تحرم عليهم النساء ، فوسع الله بكرمه عليهم وجعل طواف الوداع لهم (١) قائما مقامه في تحليل النساء لهم. إلا انه لما ورد في أخبارنا ـ كما عرفت من كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه ـ ثبوت ذلك للناسي أيضا ، فالواجب حمل خبر إسحاق على ذلك ، فيكون من نسي طواف النساء منا فإنه تحل له النساء بطواف الوداع ، وان وجب عليه التدارك. ولا بعد في ذلك بعد قيام الدليل عليه وان لم يكن مشهورا عندهم.

واما ما اعتل به في المختلف ـ من ان طواف الوداع مستحب ولا يجزئ عن الواجب ـ فهو على إطلاقه ممنوع ، فان صيام يوم الشك مستحب من شعبان ويجزئ عن شهر رمضان لو ظهر كونه منه. والله العالم.

وسيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ مزيد تحقيق في هذا المقام في أحكام منى في ما يتعلق بطواف النساء من التحليل. وقد تقدم أيضا في المسألة الثانية من المسائل الملحقة بالمطلب الأول من المقدمة الرابعة من الاخبار ما يدل على توقف حل النساء على الرجال على طواف النساء.

المسألة الثالثة ـ المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) انه تحرم الزيادة على السبعة في الواجب وتكره في المندوب. وظاهرهم تحريم الزيادة ولو خطوة ، كما صرح به جملة منهم.

واحتجوا على التحريم في الفريضة بأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يفعله فلا يجوز فعله ، لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) : «خذوا عني مناسككم». وبأنها فريضة ذات عدد فلا تجوز الزيادة عليها كالصلاة.

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٣٩٨ وص ٤١٠ الى ٤١٧ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) تيسير الوصول ج ١ ص ٢٩٦ طبع مطبعة الحلبي.

١٨٦

وما رواه الشيخ عن ابي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض. قال : يعيد حتى يستتمه». ورواه الكليني (قدس‌سره) في الكافي (٢) بلفظ «يثبته» عوض قوله : «يستتمه».

وعن عبد الله بن محمد عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها ، فعليك الإعادة. وكذلك السعي».

أقول : وتؤيده الأخبار الصحيحة الدالة على وجوب الإعادة بالشك في عدد الطواف المفروض (٤) كما سيأتي (ان شاء الله تعالى) ، فلو لم تكن الزيادة مبطلة لكان المناسب البناء على الأقل دون الإعادة من رأس ، سيما مع بناء الشريعة على السهولة في التكليف (٥) إذ غاية ما يلزم الزيادة ، وهي غير مضرة كما هو المفروض. ويؤيده أيضا لزوم القران لو لم نقل بالإبطال ، لأنه على تقدير القول بالصحة لو زاد واحدا أضاف إليه ستة ، كما دلت عليه اخبار من طاف ثمانية من البناء على ذلك الشوط وزيادة ستة عليه ليكون طوافا آخر (٦) فيلزم القران في الطواف

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١١١ ، والوسائل الباب ٣٤ من الطواف.

(٢) ج ٤ ص ٤١٧.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ١٥١ ، والاستبصار ج ٢ ص ٢١٧ و ٢٣٩ ، والوسائل الباب ٣٤ من الطواف ، والباب ١٢ من السعي.

(٤) الوسائل الباب ٣٣ من الطواف.

(٥) ارجع الى الحدائق ج ١ ص ١٥١ وج ٩ ص ٢٩٦.

(٦) الوسائل الباب ٣٤ من الطواف.

١٨٧

عمدا. وسيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ ان الأظهر تحريمه في الفريضة عمدا.

قال في المدارك بعد نقل هذه الأدلة التي نقلناها عنهم : وفي جميع هذه الأدلة نظر ، اما الأول فلان عدم فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما زاد على السبع لا يقتضي تحريم فعله مطلقا ، ولا كونه مبطلا للطواف لخروجه عن الواجب ، غاية الأمر ان إيقاعه على وجه العبادة يكون تشريعا. واما الثاني فقياس محض. واما الرواية الأولى فيتوجه عليها (أولا) الطعن في السند باشتراك راويها بين الثقة والضعيف. و (ثانيا) إجمال المتن ، إذ يحتمل ان يكون المراد بالإعادة إتمام طواف آخر ، كما يشعر به قوله : «حتى يستتمه». وفي الكافي (١) نقل الرواية بعينها إلا ان فيها موضع قوله : «حتى يستتمه» «حتى يثبته» وهو أوفق بالإعادة من قوله : «حتى يستتمه». ومع ذلك فإنما يدل على تحريم زيادة الشوط لا مطلق الزيادة. واما الرواية الثانية فقاصرة من حيث السند باشتراك الراوي أيضا ، فلا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل. وقد ظهر بذلك انه ليس على تحريم زيادة ما دون الشوط دليل يعتد به. ومع ذلك فإنما يتوجه التحريم إذا وقعت الزيادة بقصد الطواف ، اما لو تجاوز الحجر الأسود بنية ان ما زاد على الشوط لا يكون جزء من الطواف فلا محذور فيه. انتهى.

أقول : الظاهر ان المناقشة هنا في التحريم من المناقشات الواهية التي لا يلتفت إليها ولا يعرج في مقام التحقيق عليها ، وان كان قد سبقه إليها شيخه المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد.

أما (أولا) فلان مرجع كلامه في رد الوجه الأول الى ان ما زاد على

__________________

(١) ج ٤ ص ٤١٧.

١٨٨

السبعة وان كان محرما إلا انه لا يقتضي بطلان الطواف ، لخروجه عن الواجب ، وانما غايته ان يكون إيقاعه على وجه العبادة تشريعا. وقد تكرر منه نظير هذا الكلام في مواضع من شرحه هذا. وفيه : انه لو تم ذلك للزم ان من زاد في الفريضة ركعة عامدا ـ بناء على استحباب التسليم ـ تكون صلاته صحيحة ، لخروج هذه الركعة عن الواجب ، وانما غايتها ان تكون تشريعا محرما والعبادة صحيحة. واتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) والاخبار على خلافه. وكذا من فرضه التقصير لو صلى تماما عامدا ، فإنه يكون قد ادى الواجب وصحت صلاته وان فعل محرما بزيادة الركعتين. والاخبار والأصحاب (رضوان الله عليهم) على خلافه. وبالجملة فإن الشارع إذا حد العبادة بحد معين وعدد معين ، فتعمد المكلف المخالفة زيادة أو نقصانا ، فإنه لا ريب في بطلان عبادته ، لخروجه عن مقتضى الأمر ، فلا يخرج عن العهدة ، فالتشريع هنا انما توجه إلى أصل العبادة لا الى تلك الزيادة ، لكون النية المتعلقة بتلك العبادة قد تعلقت بالمجموع لا بما دون الزيادة. والعبادات صحة وبطلانا تابعة للنيات ، كما تقدم في مبحث النية من كتاب الطهارة. ولا ريب ان هذه النية المتعلقة بالجميع غير مشروعة ولا صحيحة ، فيكون المنوي كذلك ، لأن النية اما شرط أو شطر وعلى اي منهما يبطل المشروط أو الكل. ولهذا لو نوى صلاة القصر وصلى بهذه النية ثم بعد الفراغ من التشهد ـ بناء على استحباب التسليم ـ زاد ركعتين سهوا أو عمدا ، فإنه لا يضر بصلاته الاولى بوجه كما هو الحق في المسألة. وبه صرح السيد المشار إليه في كتاب الصلاة في صلاة السفر عند ذكر هذه المسألة. نعم لو كانت النية أولا انما تعلقت بالطواف المأمور به شرعا ثم انه بعد إتمامه زاد

١٨٩

شوطا آخر ايضا ، فلا يبعد القول بصحة الطواف المتقدم وتوجه البطلان الى هذه الزيادة خاصة ، وان كان ظاهر كلام الأصحاب بطلان الطواف كلا كالصورة الاولى.

واما (ثانيا) فان قوله : «واما الثاني فقياس محض» ليس في محله ، فان حاصل الدليل المذكور ان الشارع قد أمر بهذه الفريضة المحصورة في هذا العدد المخصوص ، ولا ريب ان من تعمد الزيادة على العدد المذكور واتى بكيفية أخرى ، فقد فعل محرما ، وكان ما فعله باطلا. ومرجع هذا الوجه في التحقيق الى سابقه. والإتيان بالصلاة انما وقع على جهة التنظير لا لإتمام الاستدلال ، فان الدليل في حد ذاته تام كما حررناه وأشرنا إليه آنفا ، فلا يلزم ما ذكره من انه قياس. وحينئذ فتخرج رواية عبد الله بن محمد المذكورة (١) شاهدا على ذلك. وتعضدها الروايات ببطلان صلاة من زاد في الصلاة المكتوبة عمدا تماما أو قصرا (٢) وكذا من تعمد الزيادة في وضوئه ، لقوله (عليه‌السلام) في ما رواه الصدوق (قدس‌سره) مرسلا (٣) : «من تعدى في وضوءه كان كناقضه».

واما (ثالثا) فإن طعنه في سند الخبرين (أولا) لا يقوم حجة على المتقدمين ، كما تقدم بيانه في غير موضع ، بل ولا على من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح. و (ثانيا) انه قد اعترف في صدر كلامه بان

__________________

(١) ص ١٨٧.

(٢) الوسائل الباب ١٩ من الخلل الواقع في الصلاة ، والباب ١٧ من صلاة المسافر.

(٣) الوسائل الباب ٣١ من الوضوء.

١٩٠

هذا الحكم هو المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) ، وهو مؤذن بدعوى الاتفاق عليه. والأمر كذلك ، فإنه لم ينقل الخلاف فيه. وحينئذ فالخبران وان ضعف سندهما إلا انه مجبور بعمل الطائفة قديما وحديثا بهما. وهو في غير موضع من شرحه قد استدل بالأخبار الضعيفة بناء على ذلك ، كما لا يخفى على من راجعه ، وقد أشرنا إلى جملة من تلك المواضع في شرحنا على الكتاب. إلا انه (قدس‌سره) ـ كما قدمنا ذكره في غير مقام ـ ليس له قاعدة يقف عليها ولا ضابطة يرجع إليها.

واما (رابعا) فان ما احتمله ـ من حمل الإعادة في رواية أبي بصير (١) على إتمام طواف آخر ـ بعيد ، بل ربما يقطع ببطلانه ، لأن الإعادة انما هي فعل الشي‌ء بعد فعله أولا ، بمعنى ان الأول يصير في حكم العدم والإتيان بطواف آخر ـ بناء على ما ذكره ـ انما يكون ثانيا والطواف الأول بحاله. ولفظ «يستتمه» على رواية الشيخ لا منافرة فيه للإعادة المرادة في الخبر ، إذ المعنى ان ما اتى به غير تام ، يعني : غير صحيح. وكثيرا ما يعبر بالتمام والنقصان عن الصحة والبطلان. وكيف كان فإن الكلمة المذكورة في الكافي قاطعة لهذا الاحتمال كما اعترف به. على ان الظاهر عندي ـ كما سيأتي ـ ان شاء الله (تعالى) التنبيه عليه ـ ان رواية أبي بصير المذكورة هنا ليست من اخبار هذه المسألة وانما هي من اخبار مسألة من زاد شوطا ثامنا سهوا ، كما سيأتي بيانه في المسألة المذكورة ان شاء الله (تعالى).

وقد استند المحقق الأردبيلي في ما قدمنا نقله عنه إلى جملة من الاخبار الدالة على ان من طاف ثمانية أشواط فليضم إليها ستة ليكون

__________________

(١) ص ١٨٧.

١٩١

طوافين (١) بحملها على من تعمد الزيادة ، فجوز الزيادة في الطواف عمدا لهذه الاخبار. وسيأتي نقل كلامه (طاب ثراه) والكلام عليه في تلك المسألة ان شاء الله (تعالى).

نعم يبقى الشك في الزيادة مع النية وان لم تبلغ شوطا ، لظاهر إطلاق رواية عبد الله بن محمد وظاهر خبر ابي بصير (٢) الظاهر في كون استناد البطلان الى الطواف التام.

واما الزيادة لا بنية الطواف بل بنية عدمه فالحق فيه ما ذكره ، فان العبادات دائرة مدار النيات ، وإذا خلت هذه الزيادة عن نية العبادة بل نوى العدم فالظاهر انه لا ضرر في ذلك. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ اختلف الأصحاب في حكم القران في الطواف ، فذهب الشيخ الى التحريم في طواف الفريضة حيث قال : لا يجوز القران في طواف الفريضة. وقال ابن إدريس : انه مكروه شديد الكراهة ، وليس المراد بذلك الحظر ، فان المكروه إذا كان شديد الكراهة قيل فيه : لا يجوز. وظاهر جملة من الأصحاب هنا التوقف في الحكم ، فان المحقق في النافع عزى تحريمه وبطلان الطواف به في الفريضة إلى الشهرة. وفي المختلف بعد نقل قول الشيخ وابن إدريس أورد روايتي زرارة وعمر بن يزيد الآتيتين (٣) ان شاء الله (تعالى) وقال : انهما غير دالتين على التحريم. وظاهره في المدارك ايضا التردد في ذلك ، حيث ذكر ان المستفاد من صحيحة زرارة الآتية (٤) كراهة القرآن في الفريضة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من الطواف.

(٢) ص ١٨٧.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٦ من الطواف.

١٩٢

ثم احتمل حملها على التقية (١) لصحيحة أحمد بن محمد بن ابي نصر الآتية (٢). وقال العلامة في المنتهى : القران في طواف الفريضة لا يجوز عند أكثر علمائنا ، وكرهه ابن عمر والحسن البصري والزهري ومالك وأبو حنيفة ، وقال عطاء وطاوس وسعيد بن جبير واحمد وإسحاق : لا بأس به (٣).

أقول : والذي وقفت عليه من اخبار المسألة ما رواه الصدوق في الصحيح عن ابن مسكان عن زرارة (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : انما يكره ان يجمع الرجل بين الأسبوعين والطوافين في الفريضة ، فأما في النافلة فلا بأس».

وما رواه في الكافي (٥) عن عمر بن يزيد قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : انما يكره القران في الفريضة ، فاما النافلة فلا والله ما به بأس».

وعن علي بن أبي حمزة (٦) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل يطوف ، يقرن بين أسبوعين؟ فقال : ان شئت رويت لك عن أهل مكة. قال : فقلت : لا والله مالي في ذلك من حاجة جعلت فداك ، ولكن ارو لي ما أدين الله (عزوجل) به. فقال : لا تقرن بين أسبوعين ، كلما طفت أسبوعا فصل ركعتين ، واما انا فربما قرنت الثلاثة

__________________

(١ و ٣) المغني ج ٣ ص ٣٤٦ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) الوسائل الباب ٣٦ من الطواف.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢٥١ ، والوسائل الباب ٣٦ من الطواف.

(٥) ج ٤ ص ٤١٩ ، والوسائل الباب ٣٦ من الطواف.

(٦) الكافي ج ٤ ص ٤١٨ و ٤١٩ ، والوسائل الباب ٣٦ من الطواف.

١٩٣

والأربعة. فنظرت اليه ، فقال : اني مع هؤلاء» (١).

وما رواه الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب (٢) عن صفوان والبزنطي قالا : «سألناه عن قرآن الطواف أسبوعين والثلاثة. قال : لا إنما هو سبوع وركعتان. وقال : كان ابي يطوف مع محمد بن إبراهيم فيقرن ، وانما كان ذلك منه لحال التقية» (٣).

وما رواه في التهذيب (٤) في الصحيح عن صفوان عن احمد بن محمد ابن ابي نصر قال : «سأل رجل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل يطوف الأسباع جميعا فيقرن. فقال : لا إلا أسبوع وركعتان ، وإنما قرن أبو الحسن (عليه‌السلام) لانه كان يطوف مع محمد بن إبراهيم لحال التقية» (٥).

وما رواه الشيخ في التهذيب (٦) عن زرارة في الصحيح قال : «طفت مع ابي جعفر (عليه‌السلام) ثلاثة عشر أسبوعا قرنها جميعا وهو آخذ بيدي ، ثم خرج فتنحى ناحية فصلى ستا وعشرين ركعة وصليت معه».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (٧) قال : «ربما طفت مع ابي جعفر (عليه‌السلام) ـ وهو ممسك بيدي ـ الطوافين والثلاثة ، ثم ينصرف ويصلي الركعات ستا».

وروى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد (٨) بسنده

__________________

(١ و ٣ و ٥) المغني ج ٣ ص ٣٤٦ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) ج ٥ ص ١١٥ ، والوسائل الباب ٣٦ من الطواف.

(٤) ج ٥ ص ١١٦ ، والوسائل الباب ٣٦ من الطواف.

(٦) ج ٥ ص ٤٧٠ ، والوسائل الباب ٣٦ من الطواف.

(٧ و ٨) الوسائل الباب ٣٦ من الطواف.

١٩٤

عن علي بن جعفر «انه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يطوف السبوع وأسبوعين ، فلا يصلي ركعتين حتى يبدو له ان يطوف أسبوعا ، هل يصلح ذلك؟ قال : لا يصلح حتى يصلي ركعتي السبوع الأول ثم ليطف ما أحب».

ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (١).

وعنه عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يطوف الطوافين والثلاثة ولا يفرق بينهما بالصلاة حتى يصلي لها جميعا؟ قال : لا بأس ، غير انه يسلم في كل ركعتين».

وعنه عن علي بن جعفر (٣) قال : «رأيت أخي (عليه‌السلام) يطوف أسبوعين والثلاثة فيقرنها ، غير انه يقف في المستجار فيدعو في كل أسبوع ، ويأتي الحجر فيستلمه ، ثم يطوف».

وعنه عن علي بن جعفر (٤) قال : «رأيت أخي (عليه‌السلام) مرة طاف ومعه رجل من بني العباس ، فقرن ثلاثة أسابيع لم يقف فيها ، فلما فرغ من الثالث وفارقه العباسي ، وقف بين الباب والحجر قليلا ، ثم تقدم فوقف قليلا ، حتى فعل ذلك ثلاث مرات».

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) في حديث قال : «ولا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة».

أقول : ما ذكره في المدارك وكذا غيره ـ من الاستناد في كراهة القران في الفريضة إلى صحيحة زرارة الأولى ، حيث قال فيها : «إنما يكره ان يجمع الرجل بين الأسبوعين في الفريضة» ومثلها رواية عمر بن يزيد ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣٦ من الطواف.

١٩٥

مردود بان استعمال لفظ الكراهة في التحريم في الاخبار أكثر كثير ، وبذلك اعترف في المدارك في غير موضع.

والوجه الذي تجتمع عليه هذه الاخبار عندي هو القول بتحريم القران في الفريضة والجواز في النافلة ، وكذا في الفريضة في حال التقية أيضا ، فاما ما يدل على التحريم في الفريضة فصحيحة زرارة الاولى ، ورواية عمر بن يزيد ، ورواية السرائر ، ورواية علي بن أبي حمزة ، ورواية صفوان والبزنطي ، وصحيحة البزنطي. والنهي عن القران في الثلاثة الأخيرة وان كان مطلقا إلا انه يجب حمله على الفريضة ، لما دلت عليه باقي الاخبار من فعلهم (عليهم‌السلام) ذلك مكررا ، الظاهر كونه في النافلة.

ويعضد ما اخترناه من تحريم القران ما ذكره المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى ، حيث قال : قلت : يستفاد من حديث ابن ابي نصر ان المقتضى لوقوع القران هو ملاحظة التقية ، فيحمل كل ما تضمنه عليها. ويقرب ان يكون فعله في النافلة سائغا ، لكنه خلاف الاولى. ومراعاة حال التقية تدفع عنه المرجوحية. انتهى. وهو جيد.

واما قوله في رواية السرائر : «لا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة» فالظاهر ان المراد منه انه لا يجوز ان يقرن طواف النافلة بطواف الفريضة ، بل يجب ان يصلي ركعتي طواف الفريضة ثم يطوف النافلة ، وعلى ذلك تحمل رواية قرب الاسناد الاولى ، ومرجعه إلى انه متى أراد ان يطوف بعد طواف الفريضة طوافا مستحبا واحدا أو أكثر فلا يقون ذلك بطواف الفريضة بل يصلى لطواف الفريضة ركعتيه ثم يقرن ما شاء.

١٩٦

وعلى هذا تجتمع الاخبار على وجه واضح المنار. ويؤيده أوفقيته بالاحتياط والمشي على سوي الصراط.

المسألة الخامسة ـ قد تقدم انه لا يجوز الطواف في النجاسة على المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ، وحينئذ فلو طاف عالما بها بطل طوافه على القول المذكور. وهو موضع وفاق بين القائلين باشتراط طهارة الثوب والجسد في الطواف ، للنهي المقتضي للفساد في العبادة.

ولو كان جاهلا بها حتى فرغ فطوافه صحيح اتفاقا بين من قال بذلك لتحقق الامتثال بفعل المأمور به ، وعدم تناول النهي للجاهل. والحكم هنا عندهم مبني على إلحاق جاهل النجاسة في الطواف بجاهلها في الصلاة وإلا فالمسألة هنا عارية عن النصوص بالخصوص ، والأصل يقتضي الصحة والنهي لا يتوجه الى الجاهل كما عرفت ، فيجب الحكم بالصحة.

وفي جاهل الحكم اشكال ، والمعروف من مذهبهم عدم معذوريته كما عرفت في غير موضع ، إلا ان جملة من أفاضل متأخري المتأخرين ألحقوه بجاهل الأصل في مواضع تقدم التنبيه عليها ، للعلة المذكورة ثمة ، وهو عدم توجه الخطاب الى الجاهل. وهو الأقوى كما عرفت في مقدمات الكتاب.

وانما الكلام في الناسي ، والمشهور في الصلاة البطلان ووجوب الإعادة وعليه تدل أكثر الاخبار. والمسألة هنا عارية عن النص. واختار في المنتهى إلحاق الناسي بالجاهل ، فقال : ولو لم يذكر إلا بعد الفراغ نزعه أو غسله وصلى ركعتين. وهو ظاهر في حكمه بصحة طوافه. واستظهره في المدارك مستندا الى عدم تناول النهي له. وفيه ان إلحاق الناسي بالجاهل قياس مع الفارق ، فان الجاهل لم يتقدم له علم بالكلية بخلاف

١٩٧

الناسي ، فإنه قد علم وقصر في عدم إزالة النجاسة ، ولهذا تكاثرت الاخبار بوجوب إعادة الصلاة عليه لو صلى في النجاسة ناسيا ، معللا في بعضها بان ذلك عقوبة له لتقصيره في الإزالة (١) مع استفاضة الأخبار الصحيحة الصريحة في صحة صلاة الجاهل بها (٢) فكيف يتم إلحاق الناسي هنا بالجاهل؟

واما لو كان جاهلا بها فوجدها في الأثناء فقد صرحوا بوجوب الإزالة وإتمام الطواف. وظاهر كلامهم وجوب ذلك أعم من ان تتوقف الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف وعدمه ، ولا بين ان يقع العلم بعد إكمال أربعة أشواط أو قبل ذلك. قيل : والوجه فيه تحقق الامتثال بالفعل المتقدم ، وأصالة عدم وجوب الإعادة.

والأظهر الاستدلال على ذلك بروايتي يونس بن يعقوب المتقدمين (٣) في مقدمات الطواف المتضمنتين لان من رأى الدم وهو في الطواف يخرج ويغسله ثم يعود في طوافه.

ويؤيدهما ما رواه الصدوق (قدس‌سره) في الصحيح عن حماد بن عثمان عن حبيب بن مظاهر (٤) قال : «ابتدأت في طواف الفريضة فطفت

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من النجاسات.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ و ٤١ من النجاسات.

(٣) ص ٨٧.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢٤٧ ، والوسائل الباب ٤١ من الطواف. والظاهر ان راوي الحديث غير حبيب الذي استشهد بكربلاء لرواية حماد عنه. وما في الوسائل من بيان ابي عبد الله بالحسين (ع) ليس في الفقيه والوافي باب (قطع الطواف).

١٩٨

شوطا واحدا ، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه ، فخرجت فغسلته ، ثم جئت فابتدأت الطواف. فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال : بئس ما صنعت كان ينبغي لك ان تبني على ما طفت. ثم قال : اما انه ليس عليك شي‌ء».

ونقل في المدارك عن الشهيدين انهما جزما بوجوب الاستئناف ان توقفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف ولما يكمل أربعة أشواط ، نظرا الى ثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف ، والحكم في المسألتين واحد. ثم قال : وهو مع تسليم الحكم في الأصل لا يخرج عن القياس.

أقول : ما ذكراه (قدس‌سرهما) محض اجتهاد في مقابلة النصوص المذكورة ، لإطلاق روايتي يونس بن يعقوب (١) وتصريح رواية حبيب ابن مظاهر بكون القطع وقع بعد طواف شوط ، ومع هذا أنكر عليه الامام (عليه‌السلام) الإعادة من رأس وجعل حكمه البناء على ما طاف.

وقال في المدارك : ولو قيل بوجوب الاستئناف مطلقا مع الإخلال بالموالاة ـ الواجبة بدليل التأسي وغيره ـ أمكن ، لقصور الروايتين المتضمنتين للبناء من حيث السند. والاحتياط يقتضي البناء والإكمال ثم الاستئناف مطلقا. انتهى. وهو في الضعف كسابقه.

واستناده في وجوب الموالاة إلى التأسي مردود بما صرح به هو وغيره من المحققين بان فعلهم (عليهم‌السلام) أعم من ذلك ، فلا يصلح دليلا للوجوب. وأشار بالروايتين إلى رواية يونس بن يعقوب المروية في التهذيب (٢) ورواية حبيب بن مظاهر. واما رواية يونس بن يعقوب

__________________

(١) تقدمتا ص ٨٧.

(٢) ج ٥ ص ١٢٦ ، والوسائل الباب ٥٢ من الطواف.

١٩٩

المروية في الفقيه (١) فلم يذكرها. ولا يخفى ان هذه الروايات لا معارض لها في الباب ، فردها وطرحها والحال كذلك لا يخلو من مجازفة ، بل جرأة على الأئمة الأطياب (عليهم‌السلام) سيما مع كون روايتي حبيب ويونس الأخرى من مرويات من لا يحضره الفقيه التي قد صرح في غير موضع من شرحه بالاعتماد عليها متى احتاج إليها ، لما ضمنه الصدوق (قدس‌سره) في صدر كتابه. ولكنه (قدس‌سره) لا يقف على قاعدة كما عرفت في غير موضع. والله العالم.

المسألة السادسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) انه لو زاد على السبعة سهوا ، أكملها أسبوعين ، وصلى الفريضة أولا وركعتي النافلة بعد السعي. وبه صرح الشيخ وعلي بن الحسين بن بابويه وابن البراج وغيرهم. وقال الصدوق (قدس‌سره) في المقنع : يجب عليه الإعادة ، قال : وروى : انه يضيف ستة يجعل واحدا فريضة والباقي سنة.

واحتج الأصحاب (رضوان الله عليهم) على ما ذهبوا اليه بما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه (٢) عن أبي أيوب في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة؟ قال : فليضم إليها ستا ثم يصلي اربع ركعات». قال : وفي خبر آخر : «ان الفريضة هي الطواف الثاني والركعتان الأوليان لطواف الفريضة ، والركعتان الأخريان والطواف الأول تطوع».

وما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٤٦ ، والوسائل الباب ٥٢ من الطواف.

(٢) ج ٢ ص ٢٤٨ ، والوسائل الباب ٣٤ من الطواف.

٢٠٠