الحدائق الناضرة - ج ١٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

علي بن يقطين. ثم ساق الرواية كما ذكرنا ، ثم أردفها برواية علي ابن أبي حمزة بطريق الشيخ ، ثم قال : وهذه البدنة عقوبة محضة لا جبران لان النسك باطل من أصله فلا يتعلق به الجبران. قال في الدروس : وفي وجوب هذه البدنة على العالم نظر ، من الأولوية. وفيه منع ، لاختصاص الجاهل بالتقصير في التعلم المناسب لزيادة العقوبة. مع انه يكفي في منع الأولوية عدم ثبوت تعليل الأصل كما بيناه مرارا. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما ذكره المحقق الأردبيلي (طاب ثراه) ـ من الطعن في الخبرين بما دل على معذورية الجاهل ، ولا سيما في إيجاب الكفارة ـ جيد لا ريب فيه ، لاستفاضة الأخبار بمعذورية الجاهل ، ولا سيما في باب الحج (١). ومن الاخبار الصريحة في سقوط الكفارة ـ وهي ما أشار إليه المحقق المذكور في كلامه من الاخبار الصحيحة الدالة على انه لا كفارة في أحكام الحج على الجاهل إلا في الصيد خاصة ـ صحيحة معاوية بن عمار (٢) وفيها «وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد». وفي صحيحته أو حسنته (٣) وقال : «اعلم انه ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت جاهل به وأنت محرم في حجك ولا في عمرتك إلا الصيد ، فان عليك فيه الفداء بجهالة

__________________

(١) يرجع في ذلك الى ج ١ ص ٧٨ الى ٨٢ ، ويرجع الى ج ١٥ ص ١٣٥ و ١٣٦ و ٣٥٥ الى ٣٥٨ و ٤٣١ و ٤٣٦ و ٤٣٧ من الحدائق.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد وتوابعها الرقم ١.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٣٨٢ و ٣٨٣ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد وتوابعها الرقم ٤.

١٦١

كان أو بعمد». وفي موثقة له ايضا (١) «وليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك إلا الصيد ، فان عليك الفداء بجهل كان أو عمد». وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) وكل شي‌ء أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو محرم ، أو أتيت في الحل وأنت محرم ، فليس عليك شي‌ء إلا الصيد ، فان عليك فداءه. الى آخره. ويعضد ذلك عموم صحيحة عبد الصمد بن بشير (٣) المذكورة في كلامه وغيرها. إلا انه ربما أمكن تطرق المناقشة الى ذلك بحمل الأخبار المذكورة على الأفعال ، بمعنى ان كل ما فعله جهلا فهو معذور فيه إلا الصيد. فلا تدخل فيه التروك كترك الطواف ونحوه ، كما هو المتبادر من لفظ الإتيان. والظاهر بعده ، لتصريح الروايات بمعذورية الجاهل في جملة من التروك ايضا ، كترك الإحرام ، وترك الوقوف بالمشعر مع الوقوف بعرفة ، بل الظاهر ان المراد من الإتيان في هذه الاخبار ما هو أعم من فعل ما لا يجوز له أو ترك ما يجب عليه.

وبذلك يظهر لك ما في كلام السيد (طاب ثراه) في هذا الباب وجموده على كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم). وأعجب من ذلك مبالغته في تخصيص الكفارة بالجاهل ، والمنع من الأولوية من حيث تقصير الجاهل بالتعلم المناسب لزيادة العقوبة ، مع انه لا ريب ان

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٠ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد وتوابعها الرقم ٥.

(٢) ص ٢٩.

(٣) الوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام ، وتقدمت في ج ١٥ ص ٧٧ و ٧٨ من الحدائق.

١٦٢

تقصير العالم أشد لتعمده المخالفة في ما علم وجوبه ، ومن المعلوم عند كافة العقلاء ان مخالفة العالم العامد أشد من مخالفة الجاهل ، فهو أولى بالعقوبة والمؤاخذة ، فكيف عكس القضية في هذا التحرير ، ما هذا إلا عجب عجيب من هذا الفاضل التحرير. على انه قد صرح في غير موضع من ما تقدم في شرحه بإلحاق جاهل الحكم بجاهل الأصل ، لاشتراكهما في العلة الموجبة للمعذورية التي هي عدم توجه الخطاب له ، للزوم تكليف الغافل ، وهو من ما منعت منه الأدلة العقلية والنقلية.

واما طعن المحقق المذكور في رواية علي بن أبي حمزة (١) بالضعف وعدم الصحة فهو عندنا لا يوصل الى مراد فلا يتم به الإيراد. وعدم التصريح بالمسؤول وان وقع في رواية الشيخ إلا انه مصرح به في رواية الصدوق ، وان عبر فيها بالسهو عوض الجهل.

واما قوله مشيرا إلى صحيحة على بن يقطين (٢) : «على انه ليس فيها انه طواف الحج أو العمرة. الى آخره» ففيه ان الظاهر هنا هو طواف الحج خاصة ، لقوله : «ان كان على وجه الجهالة في الحج» وقد عرفت ان طواف النساء كما تقدم بيانه خارج عن الحج ، والمفروض هنا ان المتروك من اجزاء الحج. وأيضا فإن طواف الفريضة انما يطلق غالبا على طواف الحج كما لا يخفى على من راجع الاخبار وكلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الباب. وبذلك يخرج ايضا طواف العمرة ، وهو أظهر من ان يحتاج الى بيان ، ولا مجال لاحتمال العمرة هنا وبالجملة فالروايتان ظاهرتا الدلالة على وجوب الإعادة على الجاهل ووجوب البدنة ، ولا مجال للمناقشة في ذلك إلا بارتكاب التمحلات

__________________

(١ و ٢) ص ١٥٨.

١٦٣

البعيدة والتأويلات غير السديدة. إلا انهما معارضتان بالأخبار المستفيضة الدالة على معذورية الجاهل (١) ولا سيما في باب الحج ، كما عرفت من ورود النصوص بالمعذورية وصحة فعله ـ وان تضمن الإخلال بواجب ـ في جملة من الأحكام المتقدمة والآتية ان شاء الله تعالى. مضافا الى الأدلة المطلقة. والمسألة لذلك محل اشكال. ولا يبعد حمل الخبرين المذكورين على التقية وان لم يعلم القائل به الآن من العامة (٢) وربما كان في رواية هذا الحكم عن الكاظم (عليه‌السلام) الذي كانت التقية في أيامه أشد ما يؤيد ذلك. وارتكاب تخصيص تلك الأخبار المتكاثرة مع ما هي عليه من الصراحة في العموم والنص الظاهر لا يخلو من بعد.

وقد تلخص من الكلام في هذا المقام ان التارك للطواف عمدا لا دليل على القول ببطلان حجه ووجوب الإعادة عليه إلا الإجماع ، وما يدعى من الأولوية المفهومة من اخبار الجاهل. واما وجوب البدنة عليه فليس إلا مفهوم الأولوية المذكورة ، وقد عرفت ان ثبوت ذلك في الأصل محل إشكال ففي الفرع أشكل. مضافا الى ما أشار إليه في المدارك من ان ذلك فرع وجود التعليل في الأصل. واما وجوب الإعادة والبدنة على الجاهل فهو ظاهر الخبرين ، وقد عرفت ما فيه ، وان كان الاحتياط يقتضيه. والله العالم.

__________________

(١) يرجع في ذلك الى ج ١ ص ٧٨ الى ٨٢ ، ويرجع الى ج ١٥ ص ١٣٥ و ١٣٦ و ٣٥٥ الى ٣٥٨ و ٤٣١ و ٤٣٦ و ٤٣٧ من الحدائق.

(٢) حكى ابن قدامة في المغني ج ٣ ص ٤١٦ طبع مطبعة العاصمة قولا بوجوب اعادة الحج على من ترك طواف الزيارة ورجع الى بلده.

١٦٤

فائدتان

الاولى ـ المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ان تمام ذي الحجة وقت الطواف والسعي وانه يصح الإتيان بهما في تلك المدة ، وان اثم بالتأخير. وعلى هذا فلا يتحقق ترك الطواف الموجب لبطلان الحج إلا بخروج الشهر. واما في عمرة التمتع فبضيق الوقت عن التلبس بالحج ولما يفعله ، بمعنى انه لو اتى به فاته الموقفان واما في العمرة المجامعة لحج الافراد وحج القران فبخروج السنة بناء على وجوب إيقاعها فيها. وسيأتي الكلام فيه في محله ان شاء الله (تعالى). واما في المجردة فإشكال ، إذ يحتمل وجوب الإتيان بالطواف فيها مطلقا لعدم التوقيت ، والبطلان بالخروج من مكة بنية الاعراض عن فعله.

الثانية ـ إذا بطل الحج بترك الركن كالطواف ونحوه ، فهل يحصل التحلل بذلك ، أو يبقى على إحرامه الى ان يأتي بالفعل الفائت في محله ، ويكون إطلاق اسم البطلان مجازا ، كما قاله الشهيد (قدس‌سره) في الحج الفاسد بناء على ان الفرض الأول ، أو يتحلل بأفعال العمرة؟ احتمالات ، ونقل عن المحقق الشيخ علي (قدس‌سره) في حواشي القواعد انه جزم بالأخير ، وقال : انه على هذا لا يكاد يتحقق معنى الترك المقتضى للبطلان في العمرة المفردة ، لأنها هي المحللة من الإحرام عند بطلان نسك آخر غيرها ، فلو بطلت احتيج في التحلل من إحرامها إلى أفعال العمرة. وهو معلوم البطلان. واعترضه في المدارك بأنه غير واضح

١٦٥

المأخذ ، فان التحلل بأفعال العمرة انما يثبت مع فوات الحج لا مع بطلان النسك مطلقا. قال : والمسألة قوية الإشكال ، من حيث استصحاب حكم الإحرام الى ان يعلم حصول المحلل ، وانما يعلم بالإتيان بأفعال العمرة ، ومن أصالة عدم توقفه على ذلك مع خلو الأخبار الواردة في مقام البيان منه. ولعل المصير الى ما ذكره (رحمه‌الله) أحوط. انتهى.

أقول : والمسألة لخلوها من النص محل توقف واشكال. والله العالم. المسألة الثانية ـ قد عرفت في سابق هذه المسألة انهم صرحوا بان تارك الطواف نسيانا يجب عليه قضاؤه ولو بعد المناسك ، وان تعذر العود استناب.

وقال في المدارك بعد ان ذكر ان هذا مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا اعلم فيه مخالفا : ولم أقف لهم في هذا التفصيل على مستند ، والذي وقفت عليه في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال : يبعث بهدي ، ان كان تركه في حج بعث به في حج ، وان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ، ووكل من يطوف عنه ما تركه من طوافه». وإطلاق الرواية يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتى قدم بلاده مطلقا ، وانه لا فرق في ذلك بين طواف العمرة وطواف الحج وطواف النساء. الى ان قال بعد البحث في المسألة : وقد ظهر من ذلك ان الأظهر وجوب الإتيان بالطواف المنسي ، وجواز

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٢٨ ، والوسائل الباب ٥٨ من الطواف.

١٦٦

الاستنابة فيه إذا شق العود أو مطلقا ، كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر. انتهى.

أقول : اما ما ذكره (قدس‌سره) ـ من ان التفصيل المذكور مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا يعلم فيه مخالفا ـ ففيه انه قد نقل في البحث بعد هذا الكلام بيسير خلاف الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب وانه قال : ومن نسي طواف الحج حتى يرجع الى أهله فإن عليه بدنة ، وان عليه اعادة الحج. وهو المستفاد من كلامه في الاستبصار أيضا. وهو صريح ـ كما ترى ـ في ذهاب الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب الى ان حكم الناسي هنا حكم العامد والجاهل في المسألة المتقدمة ، من بطلان الحج ، ووجوب الإعادة ، والكفارة. ولهذا حمل صحيحة علي بن جعفر المذكورة في التهذيب (١) على طواف النساء ، قال : لأن الاستنابة لا تجوز في طواف الحج ، كما سيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ ذكره في المقام. والى ما ذكره الشيخ هنا مال المحقق الشيخ حسن في المنتقى ، وادعى انه مذهب الشيخين ، كما سيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ نقل كلامه في ذلك ، فكيف يتم ما ذكره من اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على هذا التفصيل في طواف الحج متى كان تركه نسيانا؟

واما ما ذكره من العمل بإطلاق صحيحة علي بن جعفر ـ في ان من نسي طواف الحج أو العمرة أو طواف النساء فله الاستنابة فيه وان امكنه العود ـ فان فيه ان الروايات قد تكاثرت بهذا التفصيل في الناسي لطواف النساء ، وانه لا يجوز له الاستنابة إلا مع تعذر الرجوع. وإذا ثبت ذلك في طواف النساء ففي طواف الحج والعمرة بطريق اولى ، لما عرفت من ان طواف النساء خارج عن الحج وطواف الحج من جملة أجزائه ،

__________________

(١) ج ٥ ص ١٢٨ ، والوسائل الباب ٥٨ من الطواف.

١٦٧

فهو اولى بوجوب الرجوع اليه مع الإمكان ، وكذا طواف العمرة.

ومن الاخبار الدالة على وجوب الرجوع في طواف النساء مع الإمكان ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل نسي طواف النساء حتى دخل اهله؟ قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت. وقال : يأمر من يقضي عنه ان لم يحج ، فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره».

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (٢) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال : يأمر بأن يقضى عنه ان لم يحج ، فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت».

وما رواه في التهذيب (٣) في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله. قال : يرسل فيطاف عنه ، فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليطف عنه وليه». وهو محمول على ما إذا لم يقدر على الرجوع كما ذكره الشيخ (قدس‌سره).

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) : «في رجل نسي طواف النساء حتى اتى الكوفة. قال : لا تحل له النساء حتى

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من الطواف الرقم ٦.

(٢) ج ٢ ص ٢٤٥ ، والوسائل الباب ٥٨ من الطواف.

(٣) ج ٥ ص ٢٥٥ و ٢٥٦ و ٤٨٨ ، والوسائل الباب ٥٨ من الطواف.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٢٥٦ ، والوسائل الباب ٥٨ من الطواف.

١٦٨

يطوف بالبيت. قلت : فان لم يقدر؟ قال : يأمر من يطوف عنه».

الى غير ذلك من الاخبار الآتية ان شاء الله تعالى في تلك المسألة.

وبما ذكرنا ايضا صرح المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى كما سيأتي ان شاء الله (تعالى) نقل كلامه في المقام.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الشيخ (قدس‌سره) في كتابي الأخبار حمل الطواف في صحيحة علي بن جعفر المذكورة على طواف النساء ، جمعا بينها وبين صحيحة علي بن يقطين ، ورواية علي بن أبي حمزة المتقدمتين في سابق هذه المسألة ، قال (قدس‌سره) في التهذيب (١) : ومن نسي طواف الحج حتى رجع الى أهله فإن عليه بدنة وعليه اعادة الحج ، روى ذلك محمد بن احمد بن يحيى ، ثم نقل رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة ، ثم صحيحة علي بن يقطين ، ثم قال : والذي رواه علي بن جعفر عن أخيه. ثم ساق صحيحة علي بن جعفر المذكورة ، الى ان قال : فمحمول على طواف النساء ، لان من ترك طواف النساء ناسيا جاز له ان يستنيب غيره مقامه في طوافه ، ولا يجوز له ذلك في طواف الحج فلا تنافي بين الخبرين ، يدل على ما ذكرناه ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن رجل عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل نسي طواف النساء حتى دخل اهله؟ قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت. وقال : يأمر من يقضي عنه ان لم يحج.».

واعترضه جملة من أفاضل المتأخرين بأنه لا تنافي بين هذه الاخبار

__________________

(١) ج ٥ ص ١٢٧.

(٢) الوسائل الباب ٥٨ من الطواف الرقم ٦.

١٦٩

لتحتاج الى الجمع بما ذكره ، فان مورد الخبرين الأولين الجاهل بوجوب الطواف ، ومورد الخبر الثالث الناسي ، والخبر الذي استدل به على تأويله المذكور غاية ما يدل عليه جواز الاستنابة في طواف النساء ، ولا دلالة فيه على المنع من الاستنابة في طواف الحج كما ادعاه.

بقي الإشكال في دلالة الأخبار المذكورة على التفرقة بين الجاهل والناسي في هذا الحكم ، وجعل الجاهل في حكم العامة دون الناسي. وقد عرفت ما فيه في المسألة المتقدمة.

واما ما في الوافي تبعا للمدارك ـ من انه لا بعد في ان يكون حكم الجاهل حكم العامد ، لتمكنه من التعلم بخلاف الناسي ـ ففيه زيادة على ما عرفت آنفا ان الروايات الصحيحة الصريحة قد تكاثرت بالدلالة على صحة صلاة الجاهل بالنجاسة (١) واستفاضت وتكاثرت بوجوب الإعادة على الناسي (٢) معللا في بعضها بأن إيجاب الإعادة عليه عقوبة لتفريطه بعد الذكر في عدم إزالة النجاسة (٣). وهو ظاهر ـ كما ترى ـ في ان الجاهل أعذر من الناسي. مضافا الى الأدلة الصحيحة الصريحة المستفيضة في معذورية الجاهل (٤) فكيف يتم الحكم هنا بان الجاهل كالعامد كما ذكروه ، وان الناسي أعذر منه؟ أقول : وقد تصدى المحقق الشيخ حسن (قدس‌سره) في المنتقى الى تصحيح كلام الشيخ (قدس‌سره) في هذا المقام ، حيث قال أولا

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ و ٤١ من النجاسات.

(٢) الوسائل الباب ٤٢ من النجاسات.

(٣) الوسائل الباب ٤٢ من النجاسات الرقم ٥.

(٤) يرجع في ذلك الى ج ١ ص ٧٨ الى ٨٢ من الحدائق.

١٧٠

بعد نقل تأويل الشيخ لخبر علي بن جعفر : ويرد على ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) ان الخبر الذي اوله مفروض في نسيان الطواف والخبران الآخران وردا في حكم الجهل ، فأي تناف يدعو الى الجمع ويحوج الى الخروج عن ظاهر اللفظ؟ مع كونه متناولا بعمومه المستفاد من ترك الاستفصال لطوافي العمرة والحج وطواف النساء. وقد اتفق في الاستبصار جعل عنوان الباب نسيان طواف الحج وإيراد هذه الاخبار الثلاثة فيه ، مع ان تأويله لحديث علي بن جعفر يخرجه عن مضمون العنوان ، وليس في غيره تعرض للنسيان ، فيخلو الباب من حديث يطابق عنوانه. وفي التهذيب أورد الثلاثة في الاحتجاج لما حكاه من كلام المقنعة في حكم من نسي طواف الحج وان عليه بدنة ويعيد الحج. وفي ذلك من القصور والغرابة ما لا يخفى. والجواب ان مبنى نظر الشيخ (قدس‌سره) في هذا المقام على ان الجهل والنسيان فيه سواء ، وتقريب القول في ذلك ان وجوب اعادة الحج على الجاهل يقتضي مثله في الناسي ، اما بمفهوم الموافقة ، لشهادة الاعتبار بان التقصير في مثل هذا النسيان أقوى منه في الجهل ، أو لأن اعذار كل منهما على خلاف الأصل ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في العهدة ، ولا يصار إلى الأعذار إلا عن دليل واضح. وقد جاء الخبران على وفق مقتضى الأصل في صورة الجهل ، فتزداد الحاجة في العمل بخلافه في صورة النسيان الى وضوح الدليل ، والتتبع والاستقراء يشهدان بانحصار دليله في حديث علي ابن جعفر ، وجهة العموم فيه ضعيفة ، واحتمال العهد الخارجي ليس بذلك البعيد عنه ، وفي ذكر مواقعة النساء نوع إيماء إليه ، فأين الدليل الواضح الصالح لان يعول عليه في إثبات هذا الحكم المخالف

١٧١

للأصل والظاهر المحوج إلى التفرقة بين الأشباه والنظائر؟ والوجه في إيثار ذكر النسيان ـ والاعراض عن التعرض للجهل بعد ما علم من كونه مورد النص ـ زيادة الاهتمام ببيان الاختلاف بين طواف الحج وطواف النساء في هذا الحكم ودفع توهم الاشتراك فيه. واتفق ذلك في كلام المفيد (قدس‌سره) فاقتفى الشيخ (قدس‌سره) أثره. وليس الالتفات الى ما حررناه ببعيد عن نظر المفيد (قدس‌سره) ولخفائه التبس الأمر على كثير من المتأخرين فاستشكلوا كلام الشيخ (قدس‌سره) واختاروا العمل بظاهر خبر علي ابن جعفر. إلا ان جماعة منهم تأولوا حكم الهدي فيه بالحمل على حصول المواقعة بعد الذكر لئلا ينافي القواعد المقررة في حكم الناسي وان الكفارة لا تجب عليه في غير الصيد. ويضعف بان عموم النص هناك قابل للتخصيص بهذا فلا حاجة الى التكلف في دفع التنافي بالحمل على ما قالوه. وسيجي‌ء في مشهوري أخبار السعي ما يساعد على هذا التخصيص. ولبعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) فيه كلام يناسب ما ذكرناه في توجيه كون التقصير في وقوع مثل هذا النسيان أقوى منه في الجهل. وفي الدروس : وروى علي بن جعفر ان ناسي الطواف يبعث بهدي ويأمر من يطوف عنه (١). وحمله الشيخ (قدس‌سره) على طواف النساء. والظاهر ان الهدي ندب. وإذ قد أوضحنا الحال من الجانبين بما لا مزيد عليه فلينظر الناظر في أرجحهما وليصر اليه. والذي يقوى في نفسي مختار الشيخين. والعجب من ذهاب بعض المتأخرين إلى الاكتفاء بالاستنابة في استدراك الطواف وان أمكن العود ، أخذا بظاهر حديث علي بن جعفر ، مع وضوح دلالة الأخبار السالفة في نسيان

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من الطواف الرقم ١.

١٧٢

طواف النساء على اشتراط الاستنابة بعدم القدرة على المباشرة ، وإذا ثبت ذلك في طواف النساء فغيره اولى بالحكم ، كما لا يخفى على من أمعن النظر. انتهى كلامه (زيد مقامه).

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) ـ من حمل كلام الشيخ (قدس‌سره) على انه مبنى على ان الجهل والنسيان هنا سواء ـ غير بعيد ، وان كان وقوع أمثال هذا الاستدلال الناشئ عن الاستعجال وعدم التدبر في ما يورده من المقال من الشيخ (قدس‌سره) غير عزيز ، كما لا يخفى على من له انس بطريقته في التهذيب.

واما ما ذكره في توجيه هذا الحمل الذي ذكره بدقة نظره وحدة فكره فمن المقطوع به والمعلوم ان هذا لا يخطر للشيخ (قدس‌سره) ببال ولا يمر له بفكر ولا خيال ، واين الشيخ (قدس‌سره) وهذه التدقيقات مع كونه في الظواهر لا وقوف له ولا ثبات. على ان باب المناقشة في ما ذكره (قدس‌سره) غير مغلق ، ولو لا خوف الإطالة بما لا مزيد فائدة فيه مع وجوب الاشتغال بما هو الأهم لاوضحنا ما فيه ، وبالجملة فالتكلف فيه أمر ظاهر كما لا يخفى.

واما نسبته (قدس‌سره) العبارة التي في التهذيب وهو قوله : «ومن نسي طواف الحج حتى يرجع الى أهله. إلى آخرها» الى الشيخ المفيد في المقنعة ـ وان الشيخ (قدس‌سره) أوردها ، واستدل عليها بالأخبار الثلاثة ، حتى انه جعل هذا القول مذهب الشيخين ، وزيفه وشيده في البين ، وزعم ان ما ذكره من هذا التدقيق قد تفطن له الشيخ المفيد (قدس‌سره) وان خفي على المتأخرين ـ فهو غريب من مثله (قدس‌سره) من أرباب التحقيق وذوي الفضل والتدقيق ،

١٧٣

فإنه لا يخفى على من راجع كتاب المقنعة انه لا عين لهذا الكلام ونحوه فيها من ما يذكره الشيخ كذلك ولا اثر ، وإنما عادة الشيخ (قدس‌سره) بعد استيفاء كلام المقنعة والاستدلال عليه ان يذكر فروعا في الباب ويستدل عليها بمثل هذا ونحوه.

واما قوله : «والعجب من ذهاب بعض المتأخرين. الى آخره» فالظاهر انه اشارة الى ما قدمنا نقله عن المدارك وأوضحنا ما فيه. وهو مؤيد لما قلناه ومؤكد لما أوضحناه.

بقي الكلام في ان ما ذكره غير واحد منهم ـ من ان لفظ الفريضة في صحيحة علي بن جعفر شامل لطوافي الحج والعمرة وطواف النساء ، بتقريب عدم الاستفصال وان ظاهر الخبر المذكور الاستنابة مطلقا ـ يجب تقييده بما إذا تعذر العود بناء على المشهور ، والأمر بالهدي فيه يجب حمله عندهم على الندب كما في الدروس ، أو المواقعة بعد الذكر كما في المنتهى.

واما ما ذكره المحقق المتقدم ذكره ـ من العمل على ظاهر الخبر في وجوب الهدي مطلقا وتخصيص أخبار المعذورية بهذا الخبر ـ فهو لا يخلو من قرب ، حيث ان اخبار العذر انما وردت في الجاهل لا الناسي ، فيكون هذا الخبر لا معارض له. إلا انهم حيث حملوا الناسي على الجاهل في المقام احتاجوا إلى تأويل الخبر بأحد الوجهين المتقدمين. وفيه ما عرفت.

وكيف كان فقد تلخص ان المستند في أصل الحكم المذكور في المسألة ـ من وجوب الرجوع على الناسي ومع عدم الإمكان فالاستنابة ـ هو الاخبار الدالة على هذا التفصيل في نسيان طواف النساء كما تقدم ،

١٧٤

وانه إذا وجب ذلك في طواف النساء ففي غيره من طواف الحج والعمرة بطريق اولى ، بالتقريب الذي قدمنا ذكره. ولا أعرف للمسألة دليلا غير ذلك. واما صحيحة علي بن جعفر فيجب إرجاعها الى هذا التقريب ، بتقييد إطلاقها بما قدمنا ذكره ، وحمل البدنة فيها على أحد الوجهين المتقدمين. وبذلك تتلاءم الاخبار ويتم الاستدلال.

واما ما ذكره في المنتهى ـ من الاستدلال على هذا الحكم برواية على بن أبي حمزة وصحيحة على بن يقطين (١) فهو من عجيب الاستدلال فإنه قال بعد بيان وجوب طواف الحج وركنيته : إذا ثبت هذا ، فإن أخل به عامدا بطل حجه ، وان أخل به ناسيا وجب عليه ان يعود ويقضيه ، فان لم يتمكن استناب فيه. الى ان قال : ويدل على حكم الناسي ما رواه على بن أبي حمزة. ثم ساق الخبر ، ثم نقل صحيحة على بن يقطين ونسبها الى علي بن جعفر. وأنت خبير بما فيه ، فان مورد الروايتين الجاهل ، ولا يمكن ان يقال هنا بحمل النسيان على الجهل وان حكمهما واحد ، لانه (قدس‌سره) قد قدم ان حكم الجاهل هنا كالعامد في وجوب الإعادة والكفارة حسبما دل عليه الخبران المذكوران وهو المشهور كما تقدم ، وحكم الناسي عندهم هو ما ذكره هنا من التفصيل. وبالجملة فالظاهر ان كلامه هنا انما نشأ من الاستعجال وعدم التدبر في المقال ، كما يظهر من نسبة صحيحة علي بن يقطين الى علي بن جعفر والله العالم.

__________________

(١) تقدمتا ص ١٥٨.

١٧٥

تنبيهات

الأول ـ قد عرفت من ما تقدم ان الحكم في الناسي لطواف الحج وجوب الإعادة ان أمكن ، وإلا فالاستنابة.

وقد روى الشيخ والصدوق (قدس‌سرهما) في الصحيح عن هشام ابن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن من نسي زيارة البيت حتى رجع الى أهله. فقال : لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه».

وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في خلاف الحكم المذكور ، وحمله الشيخ (قدس‌سره) لذلك على طواف الوداع. وهو بعيد. ويمكن ان يحمل على عدم الضرر في إفساد الحج ، وان وجب عليه الرجوع مع الإمكان أو الاستنابة. وغايته انه مطلق بالنسبة إلى وجوب الرجوع أو الاستنابة فيجب تقييده بما دل على ذلك من صحيحة علي بن جعفر المتقدمة (٢) ونحوها بالتقريب المتقدم.

الثاني ـ لو نسي طواف الزيارة حتى رجع الى اهله وواقع اهله ، قال الشيخ (قدس‌سره) في النهاية والمبسوط : وجب عليه بدنة والرجوع الى مكة وقضاء الطواف.

أقول : اما الرجوع الى مكة وقضاء الطواف فقد تقدم الكلام فيه وانما الكلام هنا في وجوب الكفارة ، فظاهر كلام الشيخ (قدس‌سره)

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٨٢ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٤٥ ، والوسائل الباب ١٩ من العود إلى منى ، والباب ١ من زيارة البيت.

(٢) ص ١٦٦.

١٧٦

ـ كما ترى ـ هو الوجوب مطلقا ، وقال ابن إدريس : الأظهر عدم وجوب الكفارة ، لأنه في حكم الناسي. نعم يجب عليه الرجوع الى مكة وقضاء طواف الزيارة. والى هذا القول ذهب أكثر الأصحاب.

وقال في المختلف : وللشيخ (قدس‌سره) ان يحتج بما رواه معاوية ابن عمار في الحسن (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن متمتع وقع على اهله ولم يزر. قال : ينحر جزورا ، وقد خشيت ان يكون قد ثلم حجه ان كان عالما ، وان كان جاهلا فلا بأس عليه». ثم قال : لا يقال : قوله : «وان كان جاهلا فلا بأس عليه» ينافي وجوب الكفارة ، لأنا نقول : لا نسلم ذلك ، فان نفي البأس لا يستلزم نفي الكفارة. ولاحتمال ان يكون المقصود انه لا ينثلم حجه لنسيانه.

ثم قال : وروى عيص بن القاسم في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل واقع اهله حين ضحى قبل ان يزور البيت. قال : يهريق دما». ثم قال : والأقرب عندي وجوب البدنة ان جامع بعد الذكر. انتهى.

قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو احتجاج ضعيف ، لاختصاص الرواية الأولى بالعالم. ولان المتبادر من الرواية الثانية وقوع الوقاع قبل الزيارة لا قبل الإتيان بالطواف المنسي. والأجود الاستدلال بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده. الخبر». وقد تقدم في

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣٧٨ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢١ ، والوسائل الباب ٩ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الوسائل الباب ٩ من كفارات الاستمتاع.

١٧٧

صدر المسألة (١).

أقول : لا يخفى ان ظاهر الخبر الأول مطلق لا تخصيص فيه بالعالم كما ذكره ، لأن السؤال وقع عن متمتع وقع على اهله ولم يزر. وهو أعم من ان يكون عالما أو جاهلا أو ناسيا. فأجاب (عليه‌السلام) بأنه ينحر جزورا. والعالم انما ذكره (عليه‌السلام) باعتبار انثلام الحج وعدمه ، وهو قرينة العموم الذي ذكرناه ، فان حاصل الجواب ان من فعل ذلك فعليه جزور ، إلا انه ان كان عالما فإنه يثلم حجه وان كان جاهلا فلا. والخبر الثاني أيضا كذلك ، فإنه شامل بإطلاقه لأن يكون جماعه عمدا أو جهلا أو نسيانا. ومبنى الاستدلال بهاتين الروايتين على ان من جامع بناء على انه قد طاف طواف الزيارة فعليه دم. وهو يرجع الى من جامع ناسيا للطواف ـ كما هو أصل المسألة ـ وان كان ذلك قبل الرجوع الى بلاده. وحينئذ فقوله ـ : «ولان المتبادر من الرواية الثانية وقوع الوقاع قبل الزيارة لا قبل الإتيان بالطواف المنسي» ـ من ما لا اعرف له وجها وجيها. وعلى هذا فيكون هذان الخبران مثل صحيحة علي بن جعفر المذكورة في كلامه ، وان كانت الصحيحة المذكورة أصرح ، لدلالتها على حكم الناسي صريحا ، ودلالة الروايتين المذكورتين انما هو من حيث الإطلاق.

وكيف كان فظاهر أصحاب القول المذكور حمل الروايات المذكورة على وقوع الجماع بعد الذكر لئلا تنافي القاعدة المقررة من عدم وجوب الكفارة على الجاهل والناسي ، ولما تقدم من ان من جامع ناسيا لإحرامه فلا كفارة عليه. واجراء هذا الحمل في صحيحة علي بن جعفر المشار

__________________

(١) ص ١٦٦.

١٧٨

إليها لا يخلو من تعسف ، لأنها تضمنت أنه نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء. فهي ظاهرة كالصريح في استمرار النسيان الى حال المواقعة. ولهذا قد تقدم في كلام المحقق الشيخ حسن تخصيص تلك الاخبار بها ، ووجوب الهدي المذكور فيها. وعبارة الشيخ المتقدمة في المقام وان كانت مطلقة إلا ان ظاهر الأصحاب انهم فهموا منها وجوب الكفارة مطلقا مع الذكر وعدمه. وقد عرفت ان صحيحة علي بن جعفر تدل عليه. والمسألة لا تخلو من الاشكال ، والاحتياط فيها مطلوب على كل حال. والله العالم.

الثالث ـ ظاهر كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل نسبه في الدروس إلى الأشهر انه لا يشترط في استنابة الناسي لطواف النساء تعذر العود بل يجوز له الاستنابة وان أمكن عوده ، لكن يشترط في جوازها ان لا يتفق عوده.

وبه صرح في المسالك حيث قال ـ بعد قول المصنف : «ولو نسي طواف النساء جاز ان يستنيب» ـ ما صورته : لا يشترط في جواز الاستنابة هنا تعذر العود بل يجوز وان أمكن ، لكن يشترط في جوازها ان لا يتفق عوده.

والى ذلك ايضا مال في المدارك فقال بعد ذكر عبارة الشرائع المتقدمة : إطلاق العبارة يقتضي انه لا يشترط في جواز الاستنابة هنا تعذر العود كما اعتبر في طواف الحج ، بل يجوز وان أمكن. وبهذا التعميم صرح العلامة في جملة من كتبه وغيره.

ويدل عليه روايات : منها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية

١٧٩

ابن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله. قال : يرسل فيطاف عنه ، فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليطف عنه وليه».

وقال الشيخ في التهذيب والعلامة في المنتهى : انما يجوز الاستنابة إذا تعذر عليه العود.

واستدل عليه بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في رجل نسي طواف النساء حتى اتى الكوفة؟ قال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت. قلت : فان لم يقدر؟ قال : يأمر من يطوف عنه». وهذه الرواية غير صريحة في المنع من الاستنابة إذا أمكن العود ، فكان القول بالجواز مطلقا أقوى. انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه من اخبار هذه المسألة هو روايات معاوية ابن عمار الأربع المذكورة في صدر هذه المسألة (٣) ومنها : هاتان الروايتان. ولا يخفى ان اثنتين من هذه الأربع دلتا على انه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت. وفي إحداهما «فان لم يقدر؟ قال : يأمر من يطوف عنه» وفي الثانية وهي المتقدمة ثمة (٤) : «قال يأمر من يقضي عنه ان لم يحج». ولا ريب ان تحريم النساء عليه في هذين الخبرين حتى يطوف بالبيت ظاهر بل صريح في وجوب الطواف عليه بنفسه ، غاية الأمر انه مع عدم القدرة ـ كما تضمنه أحد الخبرين ـ أو مع عدم حجه بنفسه ـ كما تضمنه الخبر الآخر ـ يجوز له الاستنابة

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من الطواف.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٢٥٦ ، والوسائل الباب ٥٨ من الطواف.

(٣ و ٤) ص ١٦٨.

١٨٠