الحدائق الناضرة - ج ١٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

من ظلال المسجد». ورواه الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب (١) بسند فيه احمد بن هلال المذموم. وزاد في آخر الخبر : «لكثرة الناس».

وهو على رواية الشيخ (قدس‌سره) ظاهر الدلالة على ما هو المذكور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من التخصيص بالضرورة ، وعلى تقدير رواية الكافي ينبغي تقييده بذلك أيضا للأخبار الكثيرة الدالة على التخصيص بخلف المقام ، ولا سيما مرسلة صفوان المذكورة.

الثالث ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه لو نسي ركعتي الطواف وجب عليه الرجوع ، إلا ان يشق عليه فيقضيهما حيث ذكر. وفي الدروس بعد تعذر الرجوع الى المقام فحيث شاء من الحرم ، فان تعذر فحيث أمكن من البقاع. ونقل عن المبسوط وجوب الاستنابة ، قال : وتبعه الفاضل.

والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة ما رواه في الكافي عن ابي الصباح الكناني (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي ان يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) في طواف الحج والعمرة. فقال : ان كان بالبلد صلى ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) ، فان الله (عزوجل) يقول (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (٣) وان كان قد ارتحل فلا آمره ان يرجع».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن رئاب عن ابي بصير (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي ان يصلي

__________________

(١) ج ٥ ص ١٤٠ ، والوسائل الباب ٧٥ من الطواف.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٧٤ من الطواف.

(٣) سورة البقرة ، الآية ١٢٥.

١٤١

ركعتي طواف الفريضة خلف المقام ـ وقد قال الله (تعالى) (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (١) ـ حتى ارتحل. فقال : ان كان ارتحل فاني لا أشق عليه ولا آمره ان يرجع ولكن يصلي حيث يذكر».

وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فلم يذكر حتى ارتحل من مكة. قال : فليصلهما حيث ذكر ، وان ذكرهما وهو بالبلد فلا يبرح حتى يقضيهما».

قال في الفقيه (٣) : وفي رواية عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام): «ان كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه». وطريقه الى عمر المذكور صحيح (٤).

وما رواه في الكافي والتهذيب عن عبيد بن زرارة في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «في رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ، ثم طاف طواف النساء ولم يصل الركعتين ، حتى ذكر بالأبطح ، فصلى اربع ركعات؟ قال : يرجع فيصلي عند المقام أربعا».

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٢٥.

(٢) الوسائل الباب ٧٤ من الطواف.

(٣) ج ٢ ص ٢٥٤ ، والوسائل الباب ٧٤ من الطواف.

(٤) جامع الرواة ج ٢ ص ٥٣٨ ، وشرح مشيخة الفقيه ص ٨.

(٥) الكافي ج ٤ ص ٤٢٥ ، والتهذيب ج ٥ ص ١٣٨ ، والوسائل الباب ٧٤ من الطواف الرقم ٦ و ٧.

١٤٢

وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سئل عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ، وطاف بعد ذلك طواف النساء ولم يصل ايضا لذلك الطواف ، حتى ذكر وهو بالأبطح. قال : يرجع الى مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فيصلي».

وما رواه في التهذيب (٢) عن احمد بن عمر الحلال في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى اتى منى. قال : يرجع الى مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فيصليهما».

ورواه في الفقيه (٣) بسنده عن احمد بن عمر مثله ، ثم قال : وقد رويت رخصة في ان يصليهما بمنى ، رواها ابن مسكان عن عمر بن البراءة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ..

وما رواه في الكافي (٤) عن هشام بن المثنى وحنان قالا : «طفنا بالبيت طواف النساء ونسينا الركعتين ، فلما صرنا بمنى ذكرناهما ، فأتينا أبا عبد الله (عليه‌السلام) فسألناه ، فقال : صلياهما بمنى».

وعن هشام بن المثنى (٥) قال : «نسيت ركعتي الطواف خلف مقام

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٢٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ١٣٨ ، والوسائل الباب ٧٤ من الطواف.

(٢) ج ٥ ص ١٤٠ ، والوسائل الباب ٧٤ من الطواف.

(٣) ج ٢ ص ٢٥٤ ، والوسائل الباب ٧٤ من الطواف.

(٤) ج ٤ ص ٤٢٦ ، والوسائل الباب ٧٤ من الطواف.

(٥) الكافي ج ٤ ص ٤٢٦ ، والوسائل الباب ٧٤ من الطواف.

١٤٣

إبراهيم (عليه‌السلام) حتى انتهيت إلى منى ، فرجعت الى مكة فصليتهما ، فذكرنا ذلك لأبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال : ألا صلاهما حيث ذكر». أقول : الظاهر ان قوله : «فذكرنا ذلك.» من كلام ابن ابي عمير ، وهو الراوي عن هشام المذكور. ورواه في التهذيب (١) ايضا عن هشام بن المثنى مثله.

وروى في التهذيب (٢) في الموثق عن حنان بن سدير قال : «زرت فنسيت ركعتي الطواف ، فأتيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ وهو بقرن الثعالب ـ فسألته ، فقال : صل في مكانك». أقول : قرن الثعالب هو قرن المنازل الذي هو ميقات أهل الطائف.

وعن عمر بن يزيد في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «انه سأله عن رجل نسي ان يصلي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) حتى اتى منى. قال : يصليهما بمنى».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) قال : «سألته عن رجل نسي ان يصلي الركعتين. قال : يصلى عنه».

وعن ابن مسكان (٥) عن من سأله عن رجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج. قال : يوكل. قال ابن مسكان : وفي حديث آخر : ان كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع وليصلهما ، فان الله (عزوجل) يقول (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (٦).

__________________

(١) ج ٥ ص ١٣٩.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٧٤ من الطواف.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ١٤٠ ، والوسائل الباب ٧٤ من الطواف.

(٦) سورة البقرة ، الآية ١٢٥.

١٤٤

قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر : هكذا في النسخ التي رأيناها ، ولعله سقط من الكلام شي‌ء بأن يكون «ان كان جاوز» متعلقا ب «يوكل» والساقط «وان لم يجاوز ميقات أهل أرضه» أو «وإلا». انتهى. وهو جيد.

أقول : والمستفاد من أكثر هذه الاخبار هو جواز الصلاة حيث ذكر متى شق عليه الرجوع ، كما هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ، والمستفاد ـ من صحيحة عمر بن يزيد المتقدم نقلها عن كتاب من لا يحضره الفقيه ، وصحيحة محمد بن مسلم ، ورواية ابن مسكان ـ انه يوكل من يصلي عنه. والظاهر انها المستند لمن قال بوجوب الاستنابة. إلا ان المنقول عن الشيخ هو وجوب الاستنابة إذا شق عليه الرجوع كما نقله في المدارك. وظاهر صحيحة عمر بن يزيد هو التخيير بين الرجوع والاستنابة في موضع يمكن فيه الرجوع. وهي لا تنطبق على مذهبه. والروايتان الأخيرتان مطلقتان لا تصريح فيهما بالاستنابة مع تعذر الرجوع ، فلعل إطلاقهما محمول على صحيحة عمر ابن يزيد المذكورة. وبذلك يعظم الإشكال في المسألة بناء على كلام الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم). وربما يؤيد التخيير في مقام إمكان الرجوع روايات منى ، حيث ان بعضها تضمن الرجوع الى المقام وبعضها الصلاة في منى ، فيجمع بينهما بالتخيير بين الأمرين ، ويكون ذلك مؤيدا لما دلت عليه صحيحة عمر بن يزيد المذكورة.

وبالجملة فإن الوجه الذي تجتمع عليه هذه الروايات هو ان من لم يمكنه الرجوع فإنه يصلي حيث ذكر ، ومن امكنه تخير بين الرجوع والاستنابة. والحكم الأول لا اشكال فيه بالنسبة الى الاخبار ، واما

١٤٥

الثاني فالتقريب فيه حمل إطلاق روايتي محمد بن مسلم وابن مسكان على صحيحة عمر بن يزيد ، وحمل روايات منى على التخيير. وبه يزول الإشكال في هذا المجال وان لم يقل به أحد من علمائنا الأبدال.

والشيخ (قدس‌سره) قد جمع في التهذيب (١) بين روايات منى بحمل الصلاة في منى على ما إذا شق عليه العود. وفيه ان رواية هشام ابن المثنى الثانية صريحة في انه عاد إلى مكة وصلاهما في المقام ، ومع ذلك لما أخبر الإمام (عليه‌السلام) قال : «ألا صلاهما حيث ذكر» فكيف يتم ما ذكره؟.

وصاحب الفقيه (٢) حمل روايات عدم الرجوع على الرخصة ، وفي الاستبصار (٣) نحو ذلك.

واما رواية ابن مسكان وصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة ابن يزيد فلم أقف لهم على الجواب عنها إلا ما ذكره في المدارك من الطعن في رواية ابن مسكان واطراح صحيحة عمر بن يزيد ، ولم يتعرض لصحيحة محمد بن مسلم ولم ينقلها في المقام. وهو محض مجازفة لا تخفى على ذوي الأفهام.

وبالجملة فإني لا اعرف وجها تجتمع عليه هذه الاخبار سوى ما ذكرت.

واما ما ذكره في الدروس ـ من إيجاب العود الى الحرم عند تعذر العود الى المقام ـ فلم نقف له على دليل في الاخبار.

والظاهر إلحاق حكم الجاهل بالناسي ، لما رواه الصدوق (قدس

__________________

(١) ج ٥ ص ١٣٧ الى ١٤٠.

(٢) ج ٢ ص ٢٥٣ و ٢٥٤.

(٣) ج ٢ ص ٢٣٥ و ٢٣٦.

١٤٦

سره) في الصحيح عن جميل بن دراج عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) بمنزلة الناسي».

ولا يخفى ان ما نقلناه من الاخبار انما يتعلق بحكم الناسي والجاهل ، واما التارك لهما عمدا فلم أقف على خبر يتضمن الحكم فيه وكذا الأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يتعرضوا لذكره إلا ما صرح به في المسالك ، حيث قال بعد ذكر ذلك : والذي يقتضيه الأصل انه يجب عليه العود مع الإمكان ، ومع التعذر يصليهما حيث أمكن. وقال سبطه في المدارك بعد ان نقل عنه ذلك : ولا ريب ان مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان ، وانما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذر أو بقائهما في الذمة الى ان يحصل التمكن من الإتيان بهما في محلهما. وكذا الإشكال في صحة الأفعال المتأخرة عنهما ، من صدق الإتيان بها ، ومن عدم وقوعها على الوجه المأمور به. انتهى. وهو جيد.

الرابع ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو مات ولم يأت بهما وجب قضاؤهما على وليه.

والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «من نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه ان يقضي ، أو يقضي عنه وليه ، أو رجل من المسلمين». ولم أقف على سواها.

وهي مع عدم التصريح فيها بالموت كما هو موضع المسألة قد دلت

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧٤ من الطواف.

١٤٧

على التخيير بين الولي وغيره من المسلمين. والذي يظهر من الرواية هو كونها من عداد صحيحة محمد بن مسلم ورواية ابن مسكان المتقدمين في الدلالة على ان من نسي ركعتي الطواف فإنه يصلى عنه ، غاية الأمر ان هذه تضمنت قضاء الولي مخيرا بينه وبين غيره. وذكر الولي فيها لا يستلزم الموت كما هو ظاهر ما فهموه من الخبر ، بل ربما كان في التخيير بين قضائه وقضاء الأجنبي إشارة إلى الحياة كما لا يخفى. وبالجملة فإن الرواية قاصرة عن إفادة المدعى.

وقال في المسالك بعد قول المصنف : «ولو مات قضاهما الولي» هذا ان تركهما الميت خاصة ، ولو ترك معهما الطواف ففي وجوبهما حينئذ عليه ويستنيب في الطواف أم يستنيب عليهما معا من ماله وجهان ، ولعل وجوبهما عليه مطلقا أقوى ، لعموم قضاء ما فاته من الصلوات الواجبة (١). اما الطواف فلا يجب عليه قضاؤه عنه قطعا وان كان بحكم الصلاة.

واعترضه سبطه في المدارك بان ما ذهب اليه من وجوب قضاء الركعتين مطلقا متجه ، اما قطعه بعدم وجوب قضاء الطواف فمنظور فيه ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل نسي طواف النساء حتى دخل اهله؟ فقال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت. وقال : يأمر من يقضي عنه ان لم يحج فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره». وهذه الرواية

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ٦ من قضاء الصلوات.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٢٨ ، والوسائل الباب ٥٨ من الطواف. والشيخ يرويه عن الكليني.

١٤٨

وان كانت مخصوصة بطواف النساء لكن متى وجب قضاؤه وجب قضاء طواف العمرة والحج بطريق اولى. انتهى.

أقول : يمكن ان يقال : ان صلاة الطواف الواجب وان كانت واجبة لكن الظاهر ان وجوبها للطواف ، بمعنى أنها تابعة له ، فان اتى بالطواف الواجب اتى بها ، وان أخل به على وجه لا يمكن تداركه فلا تصح الصلاة وحدها بدونه بل يكون مؤاخذا بكل من الأمرين ، فإن ثبت قضاء الطواف وجب قضاء الصلاة أيضا ، وإلا فلا بل كان مؤاخذا بالأمرين. واما انه يجب قضاء الصلاة خاصة كما ذكره فلا اعرف له وجها وجيها. والروايات المتقدمة ـ في ترك الصلاة نسيانا أو جهلا ، والأمر بقضائها أو النيابة فيها ـ قد تضمنت الإتيان بالطواف. وهو من ما لا اشكال فيه. واما الاستناد الى عموم قضاء ما فاته من الصلوات الواجبة (١) فيمكن حملها على ما فاته من الصلوات الواجبة باستقلالها لا ما كان وجوبه مرتبا على غيره مع عدم الإتيان بذلك الغير. ولا يتوهم من هذا الكلام انا نمنع الوجوب بل انما نمنع الإتيان بالفعل والحكم بصحته مع عدم لإتيان بالطواف ، ونقول انه متى ترك الطواف فلا تصح منه الصلاة وحدها بل يجب عليه الطواف أولا ثم الصلاة. فتدبر. والله العالم.

الخامس ـ المفهوم من الاخبار وكلام الأصحاب ان وقت صلاة الطواف الفراغ من الطواف ، فلا تكره لو اتفقت في الأوقات التي يكره فيها ابتداء النوافل بل تصلى في كل وقت.

ومن الاخبار في ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ٦ من قضاء الصلوات.

١٤٩

محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس. قال : وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب».

وفي الصحيح أو الحسن عن رفاعة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر ، أيصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه؟ فقال : نعم ، اما بلغك قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف».

وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا فرغت من طوافك فات مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فصل ركعتين. الى ان قال : وهاتان الركعتان هما الفريضة ، ليس يكره لك ان تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلهما».

وفي الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٤) قال : «ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن والحسين (عليهما‌السلام) إلا الصلاة بعد العصر وبعد الغداة في طواف الفريضة».

وما رواه الشيخ (رحمه‌الله) عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن ركعتي طواف الفريضة. قال : لا تؤخرهما ساعة إذا طفت فصل».

واما ما رواه عن محمد بن مسلم في الصحيح (٦) ـ قال : «سألت أبا جعفر

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٧٦ من الطواف.

(٦) التهذيب ج ٥ ص ١٤١ ، والوسائل الباب ٧٦ من الطواف.

١٥٠

(عليه‌السلام) عن ركعتي طواف الفريضة. فقال : وقتهما إذا فرغت من طوافك ، وأكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ايضا (١) قال : «سئل أحدهما (عليهما‌السلام) عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر. قال : يطوف ويصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها».

فحمله الشيخ (قدس‌سره) على التقية ، قال : لانه موافق للعامة (٢). وأنت خبير بان ظاهر موثقة إسحاق بن عمار ان العامة لا يمنعون ذلك وانهم لم يأخذوا عن الحسن والحسين (عليهما‌السلام) إلا جواز الصلاة في هذين الوقتين. ويمكن الجمع بحمل الناس في الموثقة للذكورة على بعض العامة وان كان الأكثر على المنع (٣).

وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان هذا الحكم مخصوص بصلاة طواف الفريضة ، واما صلاة طواف النافلة فإنها تكون مكروهة في هذه الأوقات ، نص على ذلك الشيخ (قدس‌سره) وغيره.

واستدل عليه في الاستبصار (٤) بما رواه في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن صلاة طواف التطوع بعد العصر. فقال : لا. فذكرت له قول بعض آبائه (عليهم‌السلام) : ان الناس لم يأخذوا عن الحسن والحسين (عليهما‌السلام) إلا الصلاة بعد العصر بمكة ، فقال : نعم ولكن إذا رأيت الناس

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٤١ ، والوسائل الباب ٧٦ من الطواف.

(٢ و ٣) ارجع الى المغني ج ٢ ص ٩١ طبع مطبعة نشر الثقافة الإسلامية.

(٤) ج ٢ ص ٢٣٧ ، والوسائل الباب ٧٦ من الطواف.

١٥١

يقبلون على شي‌ء فاجتنبه. فقلت : ان هؤلاء يفعلون. فقال : لستم مثلهم».

أقول : الذي يظهر من هذا الخبر ان نهيه (عليه‌السلام) انما كان استصلاحا وتقية على السائل ونحوه. وحاصل الخبر ـ والله سبحانه وقائله اعلم ـ انه لما نهاه عن الصلاة في هذا الوقت احتج عليه بالحديث المذكور الدال على انهم يجوزون ذلك ، فقال له : نعم الأمر كما ذكرت ولكن عملهم بذلك لا يدفع الضرر عنكم ، لأنهم يعلمون ان هذا الحكم ـ وهو جواز الصلاة في هذه الأوقات المكروهة عندهم ـ من خصائص مذهبكم ، وهم إنما أخذوا عن الحسن والحسين (عليهما‌السلام) الجواز في صلاة الطواف خاصة ، فهم يؤاخذونكم لأجل ذلك بما لا يؤاخذون به بعضهم بعضا. وهذا معنى قوله (عليه‌السلام) : «لستم مثلهم» واما قوله : «ولكن إذا رأيت الناس.» فالظاهر ان المراد منه ان اجتماعهم على أمر من الأمور ينبغي ان يكون سببا في بعدكم عنه وتنحيكم له ، فإنهم ليسوا من الحنيفية على شي‌ء ، كما استفاضت به الاخبار (١) وهو إعطاء القاعدة كلية لا لخصوص هذا الموضع. وبالجملة فالظاهر ان النهي انما خرج مخرج التقية (٢).

ثم ان الشيخ (قدس‌سره) بعد ان أورد هذا الخبر في الاستبصار (٣) قال : فاما ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن علي بن يقطين ـ قال : «سألت أبا الحسن (عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ وغيره من صفات القاضي وما يجوز ان يقضي به.

(٢) ارجع الى المغني ج ٢ ص ٩١ طبع مطبعة نشر الثقافة الإسلامية.

(٣) ج ٢ ص ٢٣٧ ، والوسائل الباب ٧٦ من الطواف.

١٥٢

السلام) عن الذي يطوف بعد الغداة أو بعد العصر وهو في وقت الصلاة أيصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال : لا» ـ. فالوجه في هذا الخبر ما تضمنه من انه كان وقت صلاة فريضة فلم يجز له ان يصلي ركعتي الطواف إلا بعد ان يفرغ من الفريضة الحاضرة. انتهى.

أقول : والأظهر في معنى هذا الخبر ما ذكره في الوافي (١) قال : والاولى ان يحمل وقت الصلاة فيه على وقت صلاة الطواف ، يعني : له وقت يمكنه ان يصلي فيه صلاة الطواف قبل الطلوع أو الغروب وانما نهاه (عليه‌السلام) لمكان التقية (٢).

السادس ـ روى الشيخان ثقة الإسلام والصدوق (رحمهما‌الله) عن يحيى الأزرق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له : اني طفت أربعة أسابيع فأعييت ، أفأصلي ركعاتها وانا جالس؟ قال : لا. قلت : فكيف يصلي الرجل إذا اعتل ووجد فترة صلاة الليل جالسا وهذا لا يصلي؟ قال : فقال : يستقيم ان تطوف وأنت جالس؟ قلت : لا. قال : فصل وأنت قائم».

أقول : ظاهر هذا الخبر قد تضمن حكمين غريبين لم أر من تنبه لهما : أحدهما ـ عدم جواز صلاة ركعتي الطواف جالسا وان كان في طواف النافلة كما هو مورد الخبر. والظاهر حمله على التمكن من الصلاة قائما وان كان فيه نوع مشقة. ويصير الفرق بينه وبين صلاة النافلة

__________________

(١) باب (ركعتي الطواف).

(٢) ارجع الى المغني ج ٢ ص ٩١ طبع مطبعة نشر الثقافة الإسلامية.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٤٢٤ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٥٥ و ٢٥٦ ، والوسائل الباب ٧٩ من الطواف.

١٥٣

في غير الطواف انه يجوز صلاة النافلة جالسا من غير عذر وان كان القيام أفضل ، واما صلاة الطواف وان كان نافلة فلا يجوز صلاتها جالسا بل يجب القيام فيها وان اشتمل على نوع مشقة ، اما لو تعذر القيام أو اشتمل على مشقة لا تتحمل عادة فالظاهر القول بجواز صلاتها جالسا. وربما يشير اليه ما ورد في رواية إسحاق بن عمار (١) «في من اعتل عن إتمام طوافه : انه يطاف عنه ويصلي هو». فان الظاهر ان الصلاة هنا من حيث المرض المانع من إتمام الطواف انما هي من جلوس. وبالجملة فإن الأمر دائر بين ان يصلى هو من جلوس أو يصلى عنه ، والأوفق بالقواعد الشرعية هو الأول ، فإن النيابة انما تصح مع تعذر الإتيان بالفعل مطلقا.

وثانيهما ـ عدم جواز الطواف جالسا ، وهو أعم من ان يزحف على مقعدته زحفا على الأرض أو يمشي على قدميه وهو جالس ، كالممنوع من الانتصاب والقيام لتشنج أعضائه. ويعضده ان الاخبار قد دلت بالنسبة إلى المرض المانع من الطواف قائما ماشيا الشامل لهاتين الصورتين على الطواف به ، بان يحمل ان أمكن ، وإلا فإنه يطاف عنه (٢) ولم يتعرض في شي‌ء منها لاستثناء شي‌ء من هاتين الصورتين ولا غيرهما. والاخبار بإطلاقها شاملة لهما. والله العالم.

السابع ـ من المستحب في هاتين الركعتين ان يقرأ فيهما بالتوحيد والجحد.

وقد تكاثرت بذلك الاخبار ، ومنها : ما تقدم في صدر البحث في

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٥ من الطواف.

(٢) والوسائل الباب ٤٧ و ٤٩ من الطواف.

١٥٤

صحيحة معاوية بن عمار ، وموثقته المذكورة أيضا.

ومنها : صحيحة جميل بن دراج عن بعض أصحابه (١) قال : «قال أحدهما (عليهما‌السلام) : يصلي الرجل ركعتي الطواف طواف الفريضة والنافلة ب قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون».

ومثل ذلك رواية معاذ بن مسلم (٢). وقد تضمنت صحيحة معاوية بن عمار ان التوحيد في الركعة الاولى والجحد في الثانية ، وهو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ، وقال الشيخ (رحمه‌الله) في النهاية : انه يقرأ الجحد في الركعة الاولى والتوحيد في الثانية. ولم نقف على مستنده ، بل قد روى هو (قدس‌سره) ـ زيادة على صحيحة معاوية المذكورة هنا ـ في كتاب الصلاة من التهذيب (٣) مرسلا بعد ان نقل رواية معاذ بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) الدالة على استحباب قراءة التوحيد والجحد في سبعة مواضع ، وعد منها ركعتي الفجر وركعتي الطواف ، قال : وفي رواية أخرى : «يقرأ في هذا كله ب قل هو الله أحد وفي الركعة الثانية ب قل يا ايها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر ، فإنه يبدأ ب قل يا ايها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو الله أحد». إلا ان شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في الدروس ـ بعد ان ذكر قراءة التوحيد في الاولى والجحد في الثانية ـ قال : وروى العكس. وهذه الرواية لم تصل إلينا.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧١ من الطواف.

(٣) ج ٢ ص ٧٤ ، والوسائل الباب ١٥ من القراءة في الصلاة.

١٥٥

ويستحب ان يدعو بعدهما بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «تدعو بهذا الدعاء في دبر ركعتي طواف الفريضة ، تقول بعد التشهد : اللهم ارحمني بطواعيتي إياك وطواعيتي رسولك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اللهم جنبني أن أتعدى حدودك ، واجعلني ممن يحبك ويحب رسولك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وملائكتك وعبادك الصالحين».

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن احمد بن إسحاق عن بكر بن محمد (٢) قال : «خرجت أطوف وانا الى جنب ابي عبد الله (عليه‌السلام) حتى فرغ من طوافه ، ثم قام فصلى ركعتين فسمعته يقول ساجدا : سجد وجهي لك تعبدا ورقا ، لا إله إلا أنت حقا حقا الأول قبل كل شي‌ء والآخر بعد كل شي‌ء ، وها انا ذا بين يديك ناصيتي بيدك ، فاغفر لي انه لا يغفر الذنب العظيم غيرك ، فاغفر لي فإني مقر بذنوبي على نفسي ، ولا يدفع الذنب العظيم غيرك. ثم رفع رأسه ووجهه من البكاء كأنما غمس في الماء».

المقام الثالث ـ في الأحكام ، وفيه مسائل الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان الطواف ركن ، من تركه عامدا بطل حجه ، ومن تركه ناسيا قضاه ولو بعد المناسك ، وان تعذر العود استناب. ومرادهم بالركن ما يبطل الحج بتركه عمدا لا سهوا.

والأركان في الحج عندهم ، النية ، والإحرام ، والوقوف بعرفة ، والوقوف بالمشعر ، وطواف الزيارة ، والسعي بين الصفا والمروة. واما الفرائض التي ليست بأركان ، فالتلبية ، وركعتا الطواف ، وطواف النساء ،

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧٨ من الطواف.

١٥٦

وركعتاه. وباقي أفعال الحج من المسنونات. وأركان فرائض العمرة : النية ، والإحرام ، وطواف الزيارة ، والسعي. واما ما ليس بركن من فرائضها ، فالتلبية ، وركعتا الطواف ، وطواف النساء ، وركعتاه. كذا ذكره أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان. وظاهره ان ما عدا هذه المذكورات التي هي الأركان والفرائض من المسنونات والمستحبات وهو خلاف ما عليه ظاهر أكثر الأصحاب.

وظاهرهم الاتفاق على ان طواف النساء ليس بركن بل من الفروض قال في الدروس : كل طواف واجب ركن إلا طواف النساء. وقال في المسالك انه ليس بركن إجماعا.

وقال في المدارك ـ بعد ان ذكر ان المراد بالركن هنا ما يبطل الحج بتركه عمدا خاصة ـ ما صورته : ولا ريب في ركنية طواف الحج والعمرة بهذا المعنى ، فإن الإخلال بهما أو بأحدهما يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى المكلف تحت العهدة ، إلا ان يقوم على الصحة دليل من خارج ، وهو منتف هنا. إلا ان ذلك بعينه آت في طواف النساء فان الحكم بصحة الحج مع تعمد الإخلال به يتوقف على الدليل. وربما أمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «وعليه. يعني المفرد ـ طواف بالبيت بعد الحج». فان المراد بهذا الطواف طواف النساء. وكونه بعد الحج يقتضي خروجه عن حقيقته فلا يكون فواته مؤثرا في بطلانه.

أقول. ومثل هذه الرواية بل أصرح منها ما رواه الشيخ (قدس

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٢ ، والوسائل الباب ٢ من أقسام الحج الرقم ٦.

١٥٧

سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في القارن : «لا يكون قران إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف بعد الحج وهو طواف النساء». ونحوه حسنة له ايضا (٢).

ثم استدل على ذلك بما رواه ابن بابويه في الصحيح عن أبي أيوب الخزاز (٣) قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) بمكة فدخل عليه رجل ، فقال : أصلحك الله ان معنا امرأة حائضا ، ولم تطف طواف النساء ، ويأبى الجمال ان يقيم عليها. قال : فأطرق ساعة وهو يقول : لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمالها. ثم رفع رأسه إليه فقال : تمضي فقد تم حجها».

أقول : ويمكن تطرق المناقشة في هذه الرواية بدعوى اختصاصها بحال الضرورة ، والمدعى أعم من ذلك. واستدل بعضهم على ركنية طواف الحج بما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن علي بن يقطين (٤) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل جهل ان يطوف بالبيت طواف الفريضة. فقال : ان كان على وجه الجهالة في الحج أعاد وعليه بدنة».

وعن حماد بن عيسى في الصحيح عن علي بن أبي حمزة (٥) قال : «سئل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى رجع الى أهله. قال :

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤١ ، والوسائل الباب ٢ من أقسام الحج الرقم ١.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٢٩٦ ، والوسائل الباب ٢ من أقسام الحج الرقم ١٢.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٤٥ ، والوسائل الباب ٥٩ و ٨٤ من الطواف.

(٤ و ٥) التهذيب ج ٥ ص ١٢٧ و ١٢٨ ، والوسائل الباب ٥٦ من الطواف.

١٥٨

إذا كان على وجهه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة».

وروى الصدوق (رحمه‌الله) عن علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «انه سئل عن رجل سها ان يطوف بالبيت. الحديث». والتقريب فيها انه إذا وجب اعادة الحج على الجاهل فعلى العامد بطريق اولى.

وظاهر المحقق الأردبيلي المناقشة في هذا الحكم والطعن في هذه الاخبار حيث قال ـ بعد ان ذكر انه يمكن استفادته بطريق الاولى من رواية علي بن أبي حمزة وصحيحة علي بن يقطين ، ثم ساق الروايتين ، وطعن في رواية علي بن أبي حمزة بعدم الصحة لاشتراك علي بن أبي حمزة وعدم التصريح بالمسؤول ـ ما صورته : ويمكن حملها على الاستحباب. ويؤيده عدم شي‌ء من الكفارة على الجاهل والناسي إلا في قتل الصيد في اخبار صحيحة (٢) وكذا الأصل ، والشريعة السهلة السمحة (٣) فتأمل. والثانية ليست بصريحة في إعادة الحج ، بل الظاهر ان المراد هو اعادة الطواف المتروك ، وتطلق الإعادة على ما لم يفعل كثيرا ، لانه كان واجبا فكان فعله باطلا. على انه ليس فيها انه طواف الحج أو العمرة ، للنساء أو الزيارة. وانهما في الجاهل ، فلا يظهر حال العالم العامد. ونمنع الأولوية. على ان وجوب البدنة غير مذكور في أكثر كتب الأصحاب

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٥٦ ، والوسائل الباب ٥٦ من الطواف.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد وتوابعها ، وتقدمت في ج ١٥ ص ١٣٥ و ١٣٦ و ٣٥٥ الى ٣٥٨ و ٤٣١ و ٤٣٦ و ٤٣٧ من الحدائق.

(٣) الوسائل الباب ٤٨ من مقدمات النكاح وآدابه ، ونهج الفصاحة ص ٢١٩.

١٥٩

(رضوان الله عليهم) ، قال في الدروس : وفي وجوب البدنة على العامد نظر ، من الأولوية أي من الطريق الاولى ، ومن عدم النص ، واحتمال زيادة العقوبة. فما ظهر دليل على ركنية الطواف مطلقا غير الإجماع ان ثبت ، ولا على وجوب البدنة على العامد ، بل ولا على اعادة الحج على الجاهل. ويؤيده الأصل (١) ورفع القلم (٢) والناس في سعة (٣) وجميع ما تقدم في كون الجاهل معذورا ، كما في صحيحة عبد الصمد بن بشير (٤) من قوله (عليه‌السلام): «أيما رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه». فيمكن ان تسقط البدنة أيضا ، وتحمل الرواية على الاستحباب أو الدم الواجب للمتمتع. والعمل بها اولى. انتهى كلامه (زيد مقامه). وقال السيد السند في المدارك : والمراد بالعامد هنا العالم بالحكم كما يظهر من مقابلته بالناسي. وقد نص الشيخ وغيره على ان الجاهل كالعامد في هذا الحكم. وهو جيد. وأوجب الأكثر عليه مع الإعادة بدنة ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن

__________________

(١) يحتمل ان يريد به البراءة العقلية المستندة إلى حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان.

(٢) الظاهر انه يريد به حديث الرفع المعروف وهو قوله (ص) : «رفع عن أمتي.» أو «وضع عن أمتي» وقد ورد في الوسائل في الباب ٣٧ من قواطع الصلاة ، والباب ٣٠ من الخلل الواقع في الصلاة ، والباب ٥٦ من جهاد النفس.

(٣) في غوالي اللئالي المسلك الثالث من الباب الأول عنه (ص) «الناس في سعة ما لم يعلموا» ...

(٤) الوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام ، وتقدمت في ج ١٥ ص ٧٧ و ٧٨ من الحدائق.

١٦٠