الحدائق الناضرة - ج ١٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

ومنها : ان يكون حال الطواف ذاكرا لله (عزوجل) داعيا سيما بالمأثور ، ماشيا على سكينة ووقار ، مقتصدا في مشيه ، وقيل يرمل في ثلاث ويمشي أربعا ومن الاخبار الواردة بذلك ما رواه في الكافي (١) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «طف بالبيت سبعة أشواط ، وتقول في الطواف : اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشى به على طلل الماء كما يمشى به على جدد الأرض ، وأسألك باسمك الذي يهتز له عرشك ، وأسألك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك ، وأسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك ، وأسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأتممت عليه نعمتك ، ان تفعل بي كذا وكذا : ما أحببت من الدعاء. وكلما انتهيت الى باب الكعبة فصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). وتقول في ما بين الركن اليماني والحجر الأسود (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ) (٢). وقل في الطواف : اللهم إني إليك فقير واني خائف مستجير فلا تغير جسمي ولا تبدل اسمي».

أقول : طلل الماء بالفتح اي ظهره والجمع اطلال ، وجدد الأرض بالجيم والمهملتين قيل وجهها ، وقال في كتاب مجمع البحرين : الجدد بالتحريك : المستوي من الأرض ، ومنه أسألك باسمك الذي يمشى به على طلل الماء كما يمشي به على جدد الأرض. واما قوله : «الذي غفرت به لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما تقدم من ذنبه وما تأخر» فهو إشارة الى الآية الواردة في

__________________

(١) ج ٤ ص ٤٠٦ ، والوسائل الباب ٢٠ من الطواف.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٠٠.

١٢١

سورة الفتح (١) وقد ورد في تفسيرها ما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب عيون الاخبار (٢) عن الرضا (عليه‌السلام): انه سأله المأمون عن هذه الآية ، فقال (عليه‌السلام) : انه لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما ، فلما جاءهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم ، وقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ... الى قولهم إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) (٣). فلما فتح الله على نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مكة قال له : يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ» عند مشركي أهل مكة بدعائك الى توحيد الله (تعالى) في ما تقدم وما تأخر.

وروى في الكافي (٤) في الصحيح الى عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : دخلت الطواف فلم يفتح لي شي‌ء من الدعاء إلا الصلاة على محمد وآل محمد. وسعيت فكان ذلك. فقال : ما اعطى أحد ممن سأل أفضل من ما أعطيت». وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «يستحب ان تقول بين الركن والحجر : اللهم (آتِنا فِي

__________________

(١) الرقم ٢.

(٢) ج ١ ص ٢٠٢.

(٣) سورة (ص) الآية ٥ و ٦ و ٧.

(٤) ج ٤ ص ٤٠٧ ، والوسائل الباب ٢١ من الطواف.

(٥) الكافي ج ٤ ص ٤٠٨ ، والوسائل الباب ٢٠ من الطواف.

١٢٢

الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ) (١). وقال : ان ملكا يقول : آمين».

وعن أيوب أخي أديم عن الشيخ يعني : موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : قال لي : «كان ابي إذا استقبل الميزاب قال : اللهم أعتق رقبتي من النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس ، وأدخلني الجنة برحمتك».

وعن ابي مريم (٣) قال : «كنت مع ابي جعفر (عليه‌السلام) أطوف فكان لا يمر في طواف من طوافه بالركن اليماني إلا استلمه ثم يقول : اللهم تب علي حتى أتوب ، واعصمني حتى لا أعود».

وعن عمرو بن عاصم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «كان علي بن الحسين (عليه‌السلام) إذا بلغ الحجر قبل ان يبلغ الميزاب يرفع رأسه ثم يقول : اللهم أدخلني الجنة برحمتك ـ وهو ينظر الى الميزاب ـ وأجرني برحمتك من النار ، وعافني من السقم. وأوسع علي من الرزق الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس وشر فسقة العرب والعجم».

وعن عمر بن أذينة في الصحيح (٥) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لما انتهى الى ظهر الكعبة حين يجوز الحجر : يا ذا المن والطول والجود والكرم ان عملي ضعيف فضاعفه لي وتقبله مني انك أنت السميع العليم».

__________________

(١) اقتباس من الآية ٢٠٠ في سورة البقرة.

(٢ و ٤ و ٥) الكافي ج ٤ ص ٤٠٧ ، والوسائل الباب ٢٠ من الطواف.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٤٠٩ ، والوسائل الباب ٢٠ من الطواف.

١٢٣

وروى في كتاب عيون اخبار الرضا (عليه‌السلام) (١) بسنده عن سعد بن سعد عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) قال : «كنت معه في الطواف فلما صرنا بحذاء الركن اليماني أقام (عليه‌السلام) فرفع يديه ثم قال : يا الله يا ولي العافية وخالق العافية ورازق العافية والمنعم بالعافية والمنان بالعافية والمتفضل بالعافية علي وعلى جميع خلقك ، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ، صل على محمد وآل محمد وارزقنا العافية ودوام العافية وتمام العافية وشكر العافية في الدنيا والآخرة ، يا ارحم الراحمين».

وروى الشيخ عن محمد بن فضيل عن ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) (٢) قال : «وطواف الفريضة لا ينبغي ان يتكلم فيه إلا بالدعاء وذكر الله وقراءة القرآن. قال : والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه ويحدثه بالشي‌ء من أمر الآخرة والدنيا لا بأس به».

ومقتضى هذه الرواية عدم كراهة الكلام في طواف النافلة بالمباح.

وروى الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن علي بن يقطين (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الكلام في الطواف ، وإنشاد الشعر ، والضحك ، في الفريضة أو غير الفريضة ، أيستقيم ذلك؟ قال : لا بأس به. والشعر ما كان لا بأس به منه». وهو محمول على الجواز وان كره في الفريضة.

وروى في الكافي (٤) في الصحيح أو الحسن عن حماد بن عيسى عن من

__________________

(١) ج ٢ ص ١٦ ، والوسائل الباب ٢٠ من الطواف.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ١٢٧ ، والوسائل الباب ٥٤ من الطواف.

(٤) ج ٤ ص ٤١٢ ، والوسائل الباب ٥ من الطواف.

١٢٤

أخبره عن العبد الصالح (عليه‌السلام) قال : «دخلت عليه وانا أريد أن أسأله عن مسائل كثيرة. الى ان قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه ، حافيا ، يقارب بين خطاه ، ويغض بصره ، ويستلم الحجر في كل طواف ، من غير ان يؤذي أحدا ، ولا يقطع ذكر الله (عزوجل) عن لسانه ، إلا كتب الله (عزوجل) له بكل خطوة سبعين ألف حسنة ، ومحا عنه سبعين ألف سيئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وأعتق عنه سبعين ألف رقبة ، ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم ، وشفع في سبعين من أهل بيته ، وقضيت له سبعون ألف حاجة ان شاء فعاجلة ، وان شاء فآجلة».

واما الاقتصاد في المشي ـ وهو التوسط بين الإسراع والبطء ، من غير فرق بين اوله وآخره ، ولا بين طواف القدوم وغيره ، وهو قول أكثر الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ـ

فيدل عليه ما رواه الشيخ (قدس‌سره) عن عبد الرحمن ابن سيابة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الطواف فقلت : أسرع وأكثر أو أمشي وأبطئ؟ قال : مشي بين المشيين».

وروى الصدوق عن سعيد الأعرج (٢) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المسرع والمبطئ في الطواف. فقال : كل واسع ما لم يؤذ أحدا».

واما القول بالرمل في الثلاثة الأول والمشي في الأربعة الباقية فهو

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٠٩. والوسائل الباب ٢٩ من الطواف.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٥٥ ، والوسائل الباب ٢٩ من الطواف.

١٢٥

منسوب الى الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط وتبعه المتأخرون عنه ، لكنه قيده بطواف القدوم ، والمنقول في كلامهم الإطلاق. وهو غير جيد.

قال في المدارك : ولم أقف على رواية تدل عليه من طريق الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم). نعم قال العلامة في المنتهى : ان العامة كافة متفقون على استحباب ذلك (١) ورووا ان السبب فيه انه لما قدم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مكة فقال المشركون : انه يقدم عليكم قوم نهكتهم الحمى ولقوا منها شرا. فأمرهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يرملوا الأشواط الثلاثة وان يمشوا بين الركنين ، فلما رأوهم قالوا : ما نراهم إلا كالغزلان (٢). ولا ريب في ضعف هذا القول ، لعدم ثبوت هذا النقل ، ولو ثبت لما كان فيه دلالة على الاستحباب مطلقا. انتهى.

أقول : اما قوله ـ : انه لم يقف على رواية تدل عليه ـ فهو ظاهر ، حيث ان نظرهم مقصور على مراجعة الكتب الأربعة المشهورة ، وإلا فالرواية بذلك موجودة :

كما رواه الصدوق في كتاب علل الشرائع والأحكام (٣) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن احمد بن ابي عبد الله عن ابن فضال عن ثعلبة عن زرارة أو محمد الطيار قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الطواف ، أيرمل فيه الرجل؟ فقال : ان رسول الله (صلى الله عليه

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٣٣٦ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) تيسير الوصول ج ١ ص ٢٧٦ و ٢٧٧ طبع مطبعة الحلبي سنة ١٣٥٢ ، والمغني ج ٣ ص ٣٣٦ و ٣٣٧ طبع مطبعة العاصمة.

(٣) ص ٤١٢ طبع النجف الأشرف ، والوسائل الباب ٢٩ من الطواف.

١٢٦

وآله) لما ان قدم مكة ـ وكان بينه وبين المشركين الكتاب الذي قد علمتم ـ أمر الناس ان يتجلدوا ، وقال : أخرجوا أعضادكم. واخرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عضديه ثم رمل بالبيت ليريهم انهم لم يصبهم جهد ، فمن أجل ذلك يرمل الناس ، واني لا مشي مشيا ، وقد كان علي بن الحسين (عليه‌السلام) يمشي مشيا».

وبهذا الاسناد عن ثعلبة عن يعقوب الأحمر (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لما كان غزاة الحديبية وادع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أهل مكة ثلاث سنين ثم دخل فقضى نسكه ، فمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بنفر من أصحابه جلوس في فناء الكعبة فقال : هو ذا قومكم على رؤوس الجبال لا يرونكم فيروا فيكم ضعفا قال : فقاموا فشدوا أزرهم وشدوا أيديهم على أوساطهم ثم رملوا».

واما قوله (قدس‌سره) ـ : ولو ثبت لما كان فيه دلالة على الاستحباب مطلقا ـ فهو جيد ، لان ما ذكرناه من الروايتين انما تدلان على كونه في خصوص ذلك اليوم لإظهار التجلد والقوة لمشركي قريش. والمفهوم من الخبر الأول ان العامة اتخذوا ذلك سنة على الإطلاق بسبب هذه القضية ، وانهم (عليهم‌السلام) كانوا يمشون مشيا. وهو ظاهر في فصر الرمل على ذلك اليوم للغرض المشار اليه. ولا تخصيص فيه بالثلاثة الأول. فما ذكره الشيخ (قدس‌سره) ومن تبعه من الأصحاب ـ من الاستحباب مطلقا أو في طواف القدوم ـ لا مستند له.

__________________

(١) العلل ص ٤١٢ طبع النجف الأشرف ، والوسائل الباب ٢٩ من الطواف.

١٢٧

ويؤكد ذلك وان دل على تخصيص الرمل بالثلاثة ما رواه احمد ابن محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه (١) قال : «سئل ابن عباس فقيل له : ان قوما يروون ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر بالرمل حول الكعبة؟ فقال : كذبوا وصدقوا. فقلت : وكيف ذلك؟ فقال : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دخل مكة في عمرة القضاء وأهلها مشركون ، فبلغهم ان أصحاب محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مجهودون فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : رحم الله امرأ أراهم من نفسه جلدا ، فأمرهم فحسروا عن أعضادهم ورملوا بالبيت ثلاثة أشواط ، ورسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ناقته وعبد الله بن رواحة آخذ بزمامها ، والمشركون بحيال الميزاب ينظرون إليهم. ثم حج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد ذلك فلم يرمل ولم يأمرهم بذلك. فصدقوا في ذلك وكذبوا في هذا».

وعن أبيه عن جده عن أبيه (٢) قال : «رأيت علي بن الحسين (عليه‌السلام) يمشي ولا يرمل».

أقول : وبذلك ظهر ان الرمل له أصل بسبب هذه القضية ، وان العامة اتخذوا ذلك سنة لذلك ، والأمر عند أئمتنا (صلوات الله عليهم) ليس كذلك.

والرمل لغة : الهرولة على ما ذكره في القاموس ، ورملت رملا من باب طلب : هرولت ، والهرولة إسراع في المشي مع تقارب الخطى. وعرفه الشهيد (قدس‌سره) في الدروس بأنه الإسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعدو ، ويسمى الخبب. أقول : الظاهر

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٩ من الطواف.

١٢٨

ان قوله : «ويسمى الخبب» راجع الى الوثوب والعدو ، فلا يتوهم رجوعه الى الرمل. قال في المصباح المنير : وخب في الأمر خببا من باب طلب : أسرع الأخذ فيه. ومنه الخبب لضرب من العدو ، وهو خطو فسيح دون العنق.

ومن ما يدل على جواز الركوب اختيارا ما رواه في الكافي (١) في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : طاف رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ناقته العضباء وجعل يستلم الأركان بمحجنه ويقبل المحجن».

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (٢) في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : حدثني ابي ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) طاف على راحلته واستلم الحجر بمحجنه وسعى عليها بين الصفا والمروة». قال (٣) : وفي خبر آخر : «انه كان يقبل الحجر بالمحجن». ونحوه في رواية ابن عباس المذكورة.

ومنها : ان يلتزم المستجار في الشوط السابع ويبسط يديه على حائطه ويلصق به بطنه وخده ويدعو بالمأثور.

ويدل عليه ما رواه الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب (٤) في الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال فيه : «فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة ـ وهو المستجار دون الركن

__________________

(١) ج ٤ ص ٤٢٩ ، والوسائل الباب ٨١ من الطواف.

(٢ و ٣) ج ٢ ص ٢٥١ ، والوسائل الباب ٨١ من الطواف.

(٤) ج ٥ ص ١٠٤ ، والوسائل الباب ٢٦ من الطواف.

١٢٩

اليماني بقليل ـ في الشوط السابع ، فابسط يديك على الأرض ، وألصق خدك وبطنك بالبيت ، ثم قل : اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مكان العائذ بك من النار. ثم أقر لربك بما عملت من الذنوب ، فإنه ليس من عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفر له ان شاء الله (تعالى) ، فإن أبا عبد الله (عليه‌السلام) قال لغلمانه : أميطوا عني حتى أقر لربي بما عملت. ويقول : اللهم من قبلك الروح والفرج والعافية ، اللهم ان عملي ضعيف فضاعفه اللهم لي ، واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك. وتستجير بالله من النار وتختار لنفسك من الدعاء. ثم استقبل الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود واختم به ، فان لم تستطع فلا يضرك. وتقول : اللهم متعني بما رزقتني وبارك لي فيما آتيتني. ثم تأتي مقام إبراهيم (عليه‌السلام). الحديث». وقد تقدم.

وما رواه في الكافي (١) في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا كنت في الطواف السابع فات المتعوذ ـ وهو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب ـ فقل : اللهم البيت بيتك والعبد عبدك ، وهذا مقام العائذ بك من النار ، اللهم من قبلك الروح والفرج. ثم استلم الركن اليماني ، ثم ائت الحجر فاختم به».

ولو نسي الالتزام حتى تجاوز المستجار الى الركن لم يرجع ، لما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن علي بن يقطين عن ابي الحسن

__________________

(١) ج ٤ ص ٤١٠ ، والوسائل الباب ٢٦ من الطواف.

١٣٠

(عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن من نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني ، أيصلح ان يلتزم بين الركن اليماني وبين الحجر ، أو يدع ذلك؟ قال : يترك اللزوم ويمضي. الحديث».

وأطلق المحقق في النافع والعلامة في القواعد الرجوع والالتزام إذا جاوز المستجار ، وبعضهم قيده بعدم بلوغ الركن. واستحب في الدروس الرجوع ما لم يبلغ الركن. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو حسن.

أقول : لا يخفى ان ظاهر الخبر المذكور ان السؤال فيه انما تعلق بالالتزام بين الركن اليماني وبين الحجر بعد نسيانه الالتزام في محله ، فأجاب (عليه‌السلام) بأنه لا يلتزم في هذا المكان ، لفوات محل الالتزام المأمور به ، ومجرد سؤال السائل عن نسيان الالتزام حتى جاوز المستجار لا يدل على انه بعد تجاوز المستجار يرجع ، إذ هذا انما وقع في كلام السائل ، والغرض من سؤاله انما هو ما ذكرنا لا السؤال عن جواز الرجوع وعدمه. وبالجملة فإن القول بالرجوع مطلقا لا دليل عليه ، مع استلزامه الزيادة في الطواف. والقول بالرجوع ما لم يبلغ الركن لا يفهم من الرواية صريحا ولا ظاهرا وان أوهمه بادئ النظر في الخبر.

ومنها : ان يلتزم الأركان كلها وان تأكد الذي فيه الحجر والركن اليماني على المشهور ، بل أسنده العلامة (قدس‌سره) في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. وأوجب سلار استلام اليماني. ومنع ابن الجنيد من استلام الشامي.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٠٨ ، والوسائل الباب ٢٧ من الطواف.

١٣١

والأظهر القول المشهور ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب (١) في الصحيح عن إبراهيم بن ابي محمود قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام): استلم اليماني والشامي والغربي؟ قال : نعم».

وعن جميل بن صالح في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول : ما بال هذين الركنين يستلمان ولا يستلم هذان؟ فقلت : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) استلم هذين ولم يعرض لهذين ، فلا تعرض لهما إذ لم يعرض لهما رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). قال جميل : ورأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يستلم الأركان كلها».

قال في الاستبصار : يعني : ليس في استلامهما من الفضل والترغيب في الثواب ما في استلام الركن العراقي واليماني ، لا ان استلامهما محظور أو مكروه. ولأجل ما قلناه حكى جميل انه رأى أبا عبد الله (عليه‌السلام) يستلم الأركان كلها ، فلو لم يكن جائزا لما فعله (عليه‌السلام). انتهى. وهو جيد.

ومن الاخبار الدالة على تأكد الاستلام في الركن اليماني ما رواه في الكافي (٣) عن العلاء بن المقعد قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان ملكا موكلا بالركن اليماني منذ خلق الله السماوات والأرضين ليس له هجير إلا التأمين على دعائكم ، فلينظر عبد بما يدعو.

__________________

(١) ج ٥ ص ١٠٦ ، والوسائل الباب ٢٥ من الطواف.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٠٦ ، والوسائل الباب ٢٢ من الطواف.

(٣) ج ٤ ص ٤٠٨ ، والوسائل الباب ٢٣ من الطواف.

١٣٢

فقلت له : ما الهجير؟ فقال : كلام من كلام العرب ، اي ليس له عمل».

أقول : الهجير في اللغة ـ كسجيل ـ : الدأب والعادة والديدن وهو موافق لتفسيره (عليه‌السلام).

وعن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «الركن اليماني باب من أبواب الجنة لم يغلقه الله (تعالى) منذ فتحه».

وروى في الفقيه (٢) قال : «وقال الصادق (عليه‌السلام): الركن اليماني بابنا الذي ندخل منه الجنة. وقال (عليه‌السلام): فيه باب من أبواب الجنة لم يغلق منذ فتح».

وعن ابي الفرج السندي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كنت أطوف معه بالبيت ، فقال : اي هذا أعظم حرمة؟ فقلت : جعلت فداك أنت اعلم بهذا مني. فأعاد علي ، فقلت له : داخل البيت. فقال : الركن اليماني على باب من أبواب الجنة مفتوح لشيعة آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مسدود عن غيرهم ، وما من مؤمن يدعو بدعاء عنده إلا صعد دعاؤه حتى يلصق بالعرش ما بينه وبين الله (تعالى) حجاب».

تتمة مهمة

يجب ان يعلم ان من لوازم الطواف صلاة ركعتين وجوبا ان كان

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٠٩ ، والوسائل الباب ٢٣ من الطواف.

(٢) ج ٢ ص ١٣٤ ، والوسائل الباب ٢٢ من الطواف.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٤٠٩ ، والوسائل الباب ٢٣ من الطواف.

١٣٣

واجبا واستحبابا ان كان مستحبا ، وهو المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم).

إلا ان الشيخ نقل في الخلاف عن بعض أصحابنا القول باستحبابهما في الطواف الواجب.

وهو ضعيف مردود بالآية والروايات ، لقوله (عزوجل) (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (١). والأمر للوجوب ـ بلا خلاف ـ في القرآن العزيز إلا مع قيام قرينة خلافه ، وانما الخلاف في أوامر السنة.

ولما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فصل ركعتين واجعله امامك ، واقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد : «قل هو الله أحد» وفي الثانية «قل يا ايها الكافرون» ثم تشهد واحمد الله (تعالى) وأثن عليه ، وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واسأله ان يتقبل منك. وهاتان الركعتان هما الفريضة ، ليس يكره لك ان تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلهما».

وروى الشيخ (قدس‌سره) في الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال : «ثم تأتي مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فتصلي ركعتين واجعله اماما. واقرأ فيهما

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٢٥.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٣٦ ، والوسائل الباب ٧١ و ٧٦ من الطواف. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ١٠٤ و ١٠٥ ، والوسائل الباب ٧١ من الطواف.

١٣٤

بسورة التوحيد : «قل هو الله أحد» وفي الركعة الثانية «قل يا ايها الكافرون» ثم تشهد واحمد الله (تعالى) وأثن عليه».

وروى في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس. قال : وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب».

وروى في التهذيب (٢) عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن ركعتي طواف الفريضة. قال : لا تؤخرهما ساعة إذا طفت فصل».

الى غير ذلك من الاخبار الآتية في المقام ان شاء الله (تعالى).

وتنقيح البحث في هذا المقام يتوقف على بيان أمور الأول ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان محل ركعتي طواف الفريضة خلف المقام ولا يجوز في غيره ، وركعتي طواف النافلة حيث شاء من المسجد. وقال الشيخ (قدس‌سره) في الخلاف : يستحب ان يصلي الركعتين خلف المقام ، فان لم يفعل وفعل في غيره أجزأه. كذا نقل عنه في المختلف ونقل عنه في المدارك ، قال : وقال الشيخ (قدس‌سره) في الخلاف : يستحب فعلهما خلف المقام فان لم يفعل وفعل في غيره أجزأ. وهو اما نقل بالمعنى أو في موضع آخر غير ما نقله العلامة (قدس‌سره). ونقل في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه انه قال : لا يجوز ان تصلي ركعتي طواف الحج والعمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة ، ولا بأس ان

__________________

(١) ج ٤ ص ٤٢٣ ، والوسائل الباب ٧٦ من الطواف.

(٢) ج ٥ ص ١٤١ ، والوسائل الباب ٧٦ من الطواف.

١٣٥

تصلي ركعتي طواف النساء وغيره حيث شئت من المسجد الحرام. قال : وكذا جوز ابنه في المقنع صلاة ركعتي طواف النساء في جميع المسجد الحرام. ونقل عن ابي الصلاح انه قال : يجب على كل من طاف بالبيت بعد فراغه من أسبوعه ان يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) ويجوز تأديتهما في غير المقام من المسجد الحرام.

ويدل على المشهور صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، ومثلها موثقته المذكورة أيضا.

وما رواه الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب (١) في الصحيح عن صفوان عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ليس لأحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام ، لقول الله (عزوجل) (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (٢) فان صليتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة».

وعن ابي عبد الله الأبزاري (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي فصلى ركعتي طواف الفريضة في الحجر. قال يعيدهما خلف المقام ، لان الله (تعالى) يقول (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (٤) يعني بذلك : ركعتي طواف الفريضة».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن ابي محمود ، وقد تقدمت قريبا (٥).

__________________

(١) ج ٥ ص ١٣٧ و ٢٨٥ ، والوسائل الباب ٧٢ من الطواف.

(٢ و ٤) سورة البقرة ، الآية ١٢٥.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ١٣٨ ، والوسائل الباب ٧٢ من الطواف.

(٥) ص ١١٤ و ١١٥.

١٣٦

وهذه الروايات دالة بإطلاقها على وجوب صلاة الركعتين عند المقام في كل طواف واجب لحج كان أو عمرة أو طواف النساء.

والظاهر ان ما نقل عن الصدوقين (قدس‌سرهما) من استثناء طواف النساء فمستنده كتاب الفقه الرضوي ، حيث قال (عليه‌السلام) (١) : ـ بعد ذكر المواضع التي يستحب الصلاة فيها وترتيبها في الفضل ـ ما صورته : وما قرب من البيت فهو أفضل ، إلا انه لا يجوز ان تصلي ركعتي طواف الحج والعمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة. ولا بأس ان تصلي ركعتي طواف النساء وغيره حيث شئت من المسجد الحرام. وحينئذ فيمكن تخصيص إطلاق تلك الروايات بهذه الرواية ، إلا ان الأحوط الوقوف على إطلاق تلك الاخبار.

واما ما ذكره أبو الصلاح فلم أقف له على مستند ، مع ظهور الأخبار المذكورة في رده.

واما ما يدل على ان صلاة طواف النافلة حيث شاء من المسجد فهو ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (٢) عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «لا ينبغي ان تصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) واما التطوع فحيث شئت من المسجد».

وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كان ابي (عليه‌السلام) يقول : من طاف بهذا البيت أسبوعا وصلى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة ..».

__________________

(١) ص ٢٨.

(٢) ج ٤ ص ٤٢٥ ، والوسائل الباب ٧٣ من الطواف.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٤١١ و ٤١٢ ، والوسائل الباب ٤ و ٧٣ من الطواف.

١٣٧

وعن ابي بلال المكي (١) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) طاف بالبيت ثم صلى ما بين الباب والحجر الأسود ركعتين ، فقلت له : ما رأيت أحدا منكم صلى في هذا الموضع. فقال : هذا المكان الذي تيب على آدم فيه».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلي الركعتين خارجا من المسجد. قال : يصلي بمكة لا يخرج منها ، إلا ان ينسى فيصلي إذا رجع في المسجد أي ساعة أحب ركعتي ذلك الطواف». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (٣).

الثاني ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يصلي ركعتي الطواف الواجب في المقام ، ولو منعه زحام أو غيره صلى خلفه أو الى أحد جانبيه. وهذا الكلام بحسب ظاهره لا يخلو من الاشكال ولم أر من تنبه له ونبه عليه إلا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، حيث قال : الأصل في المقام انه العمود من الصخر الذي كان إبراهيم (عليه‌السلام) يقف عليه حين بنائه البيت ، واثر قدميه فيه الى الآن. (٤) ثم بعد ذلك بنوا حوله بناء ، وأطلقوا اسم المقام على ذلك البناء بسبب المجاورة حتى صار إطلاقه على البناء كأنه حقيقة عرفية. إذا تقرر ذلك فنقول : قد عرفت ان المقام بالمعنى الأول لا يصلح ظرفا مكانيا للصلاة على جهة الحقيقة ، لعدم إمكان الصلاة فيه وانما تصلح خلفه أو الى أحد جانبيه. واما المقام بالمعنى الثاني فيمكن الصلاة فيه

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٣ من أحكام المساجد ، والباب ٧٣ من الطواف.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٧٣ من الطواف.

(٤) لاحظ الاستدراكات.

١٣٨

وفي أحد جانبيه وخلفه ، فقول المصنف : «يجب ان يصلى في المقام» ان أراد به المعنى الأول أشكل من جهة جعله ظرفا مكانيا ، ومن جهة قوله : «ولا يجوز في غيره» فإن الصلاة خلفه أو عن أحد جانبيه جائزة بل معينة. ومن جهة قوله : «فان منعه زحام صلى وراءه أو الى أحد جانبيه» فإن الصلاة في هذين جائزة مع الزحام وغيره. ولو حملت الصلاة فيه على الصلاة حوله مجازا تسمية له باسمه بسبب المجاورة كان المقصود بالذات من الكلام الصلاة خلفه أو الى أحد الجانبين مع الاختيار ، فيشكل شرطه بعد ذلك جواز الصلاة فيهما بالاضطرار. اللهم إلا ان يتكلف لقوله : «خلفه أو الى أحد جانبيه» بما زاد عن ما حوله من ما يقاربه عرفا ، وتصح الصلاة إليه اختيارا ، بان يجعل ذلك كله عبارة عن المقام مجازا ، وما خرج عن ذلك من المسجد الذي يناسب الخلف أو أحد الجانبين يكون محلا للصلاة مع الاضطرار والزحام. إلا ان هذا معنى بعيد وتكلف زائد. وان أراد المقام بالمعنى الثاني وهو البناء المحيط بالصخرة المخصوصة صح قوله : «ان يصلى في المقام» ولكن يشكل بالأمرين الآخرين ، فإن الصلاة في غيره أيضا جائزة اختيارا ، وهو ما جاوره من أحد جانبيه وخلفه من ما لا يخرج عن قرب الصخرة عرفا ، ولا يشترط فيه الزحام بل هو الواقع لجميع الناس في أكثر الاعصر. وفي إرادة البناء فساد آخر ، وهو ان المقام كيف أطلق يجب كون الصلاة خلفه أو عن أحد جانبيه ، ومتى أطلق على البناء وفرضت الصلاة الى أحد جانبيه صح من غير اعتبار ان يكون عن جانب الصخرة. وهذا لا يصح ، لان المعتبر في ذلك انما هو بالصخرة لا بالبناء ، فإنه هو مقام إبراهيم (عليه‌السلام) وموضع الشرف وموضع إطلاق الشارع. وايضا قوله

١٣٩

«حيث هو الآن» احتراز عن محله قديما كما تقدم ، والمقام المنقول هو الصخرة لا البناء كما لا يخفى. وهذا الإجمال أو القصور في المعنى مشترك بين أكثر عبارات الأصحاب (رضوان الله عليهم) وان تفاوتت في ذلك. ولقد كان الاولى ان يقول : يجب ان يصلى خلف المقام أو الى أحد جانبيه ، فان منعه زحام جاز التباعد عنه مع مراعاة الجانبين والوراء. انتهى كلامه (زيد مقامه). وهو جيد. وانما نقلناه بطوله لحسنه وجودة محصوله.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المستفاد من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو تخصيص الصلاة الى أحد الجانبين بالزحام ، وخيروا بينه وبين الخلف كما تقدم نقله عنهم. وظاهر كلام الشيخ (قدس‌سره) ـ على ما نقله في المنتهى ـ ترتب الصلاة في أحد الجانبين على عدم الإمكان خلفه. والمروي في الاخبار الكثيرة ـ كما تقدم شطر منها ـ هو الصلاة خلفه ، سيما مرسلة صفوان المتقدمة (١) وقوله (عليه‌السلام) فيها : «ليس لأحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام». وفي جملة من الاخبار الصلاة عند المقام ، والظاهر حمل إطلاقها على ما ذكر في غيرها من الخلف. وفيها إشارة إلى القرب وعدم التباعد بحيث تصدق العندية بذلك.

ولم أقف على رواية تدل على أحد الجانبين إلا ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحسين بن عثمان (٢) قال : «رأيت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا

__________________

(١) ص ١٣٦.

(٢) الوسائل الباب ٧٥ من الطواف.

١٤٠