الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

جملة أخبار المسألة التي قدمناها عارية عنه.

وتمام القول في المسألة يتوقف على بيان أمور :

الأول ـ المشهور بين الأصحاب استحباب الجهر بالتلبية ، وبذلك صرح ابن إدريس ، فقال : والجهر بها على الرجال مندوب على الأظهر من أقوال أصحابنا. وقال بعضهم : الجهر بها واجب. ونقل في المختلف عن علي بن بابويه انه قال : ثم يلبى سرا بالتلبية الأربعة المفروضة. أقول : وهذه عين عبارة كتاب الفقه المتقدمة ، إلا انه لم يذكر تمامها وإنما ذكر ما يتعلق بالمسألة المذكورة. وقال الشيخ في التهذيب : الإجهار بالتلبية واجب مع القدرة والإمكان. وقال في الخلاف : التلبية فريضة ، ورفع الصوت بها سنة.

أقول : لا يخفى ان الاخبار بالنسبة الى هذه المسألة ما بين مطلق وبين مصرح بالجهر ، ولم أقف على ما يتضمن الأسرار إلا في عبارة كتاب الفقه المتقدمة.

ففي صحيحة حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) وجماعة من أصحابنا ممن روى عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (١) انهما قالا : «لما أحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أتاه جبرئيل (عليه‌السلام) فقال له : مر أصحابك بالعج والثج ـ فالعج رفع الصوت والثج نحر البدن ـ قالا : فقال جابر بن عبد الله : فما مشى الروحاء حتى بحت أصواتنا». والخبر المذكور مروي بطرق عديدة (٢). والظاهر ان

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٩٢ ، والوسائل الباب ٣٧ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣٧ من الإحرام.

٦١

تفسير العج والثج من بعض الرواة. ويحتمل ان يكون منهما (عليهما‌السلام).

وفي صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة في المسألة الاولى (١) : «ان كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وان كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء».

وأنت خبير بان حمل الاخبار مطلقها على مقيدها يقتضي وجوب الإجهار.

والعلامة في المختلف لما اختار الاستحباب قال : لنا ـ الأصل عدم الوجوب. ثم قال : ويدل على الأرجحية ما رواه حريز بن عبد الله. وساق الرواية المتقدمة. ثم قال : احتج الموجبون بان الأمر ورد بالجهر ، والأمر للوجوب. والجواب : المنع من الكبرى. انتهى. ولا يخفى ما فيه مع تصريحه في كتبه الأصولية بان الأمر حقيقة في الوجوب ، ولا سيما أوامر الله (عزوجل) كما هو ظاهر حديث حريز. وهذا موجب للخروج عن حكم الأصل ، كما لا يخفى.

وظاهر الأصحاب ان هذا الحكم مختص بالحج من ميقات ذي الحليفة كما هو مورد الروايتين المذكورتين ، وكذا بالإحرام بالحج من مكة فإنه يرفع صورته بالتلبية إذا أشرف على الأبطح ، كما تضمنته صحيحة معاوية بن عمار (٢) وفيها : «فأحرم بالحج ، ثم امض وعليك السكينة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٦٧ ، والفروع ج ٤ ص ٤٥٤ ، والوسائل الباب ٥٢ من الإحرام ، والباب ١ من إحرام الحج. والحديث ينتهي بقوله : «حتى تأتي منى» فكلمة «. الحديث» ربما تكون زيادة من الناسخ.

٦٢

والوقار ، فإذا انتهيت الى الرقطاء دون الردم فلب ، وإذا انتهيت الى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى. الحديث».

ومقتضاه تأخير التلبية عن موضع الإحرام الى أن ينتهي إلى الرقطاء دون الردم ، فيلبي ثم يرفع صوته بها إذا أشرف على الأبطح.

وإطلاقها يدل على عدم الفرق بين الراكب والماشي ، إلا ان الشيخ في التهذيب ذكر ان الماشي يلبي من موضع إحرامه الذي يصلي فيه والراكب يلبى عند الرقطاء أو عند شعب الدب ، ولا يجهر بالتلبية إلا عند الاشراف على الأبطح.

واستدل على ذلك برواية عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ثم صل ركعتين خلف المقام ، ثم أهل بالحج ، فان كنت ماشيا فلب عند المقام ، وان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك». وهي ـ كما ترى ـ غير دالة على ما ادعاه.

وبالجملة فالظاهر هو جواز التلبية من المسجد للماشي والراكب ، وان كان الأفضل تأخير التلبية إلى الموضع المذكور في صحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة ، والرفع بها الى الموضع الآخر.

ومن ما يدل على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «وان أهللت من المسجد

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٤٦ من الإحرام. وقد ذكرنا في التعليقة ٤ ص ٤١ و ٤٢ ما يتعلق بالمورد ، فراجع.

٦٣

الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام ، وأفضل ذلك ان تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي قبل ان تصير الى الأبطح».

ثم انه ينبغي ان يعلم ان استحباب الجهر بالتلبية أو وجوبه على القول به انما هو للرجال خاصة دون النساء :

لما رواه الشيخ عن فضالة بن أيوب عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان الله وضع عن النساء أربعا : الجهر بالتلبية ، والسعي بين الصفا والمروة ، ودخول الكعبة ، والاستلام».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ليس على النساء جهر بالتلبية».

الثاني ـ المشهور ان إحرام الأخرس ان يحرك بالتلبية لسانه ، ويعقد بها قلبه. وأضاف في المنتهى والدروس : الإشارة باليد. ونقل عن ابن الجنيد انه يلبى عنه غيره ، وعبارته التي نقلها عنه في المختلف هكذا : والأخرس يجزئه تحريك لسانه مع عقده إياها بقلبه. ثم قال : ويلبي عن الصبي والأخرس وعن المغمى عليه. قال في المختلف : وهذا الكلام يشعر بعدم وجوب التلبية عليه وانه تجزئه النيابة.

أقول : والذي وقفت عليه من ما يتعلق بهذه المسألة من الاخبار رواية السكوني عن جعفر (عليه‌السلام) (٣) «ان عليا (عليه‌السلام) قال : تلبية الأخرس وتشهده وقراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٨ من الإحرام.

(٣) فروع الكافي ج ٣ ص ٣١٥ وج ٤ ص ٣٣٥ ، والوسائل الباب ٥٩ من القراءة في الصلاة ، والباب ٣٩ من الإحرام.

٦٤

ويمكن ان يستدل لما ذكره ابن الجنيد بما رواه في الكافي عن زرارة (١) : «ان رجلا قدم حاجا لا يحسن ان يلبى ، فاستفتي له أبو عبد الله (عليه‌السلام) فأمر ان يلبى عنه».

ولا ريب ان طريق الاحتياط الجمع بين الأمرين ، ليحصل يقين براءة الذمة من التكليف المعلوم ثبوته.

والظاهر ان مراد الأصحاب بعقد القلب بها ـ يعني : تصورها إجمالا ـ الكناية عن النية والقصد إلى التلبية.

الثالث ـ قال العلامة في المختلف : لا خلاف عندنا في وجوب التلبيات الأربع ، ولكن الخلاف في انها ركن أم لا ، فللشيخ قولان : أحدهما انها ليست ركنا ، ذهب إليه في المبسوط والجمل ، وقال في النهاية : «من ترك التلبية متعمدا فلا حج له» فجعلها ركنا. وبالأول قال السيد المرتضى وابن حمزة وابن البراج ، وبالثاني قال سلار وابن إدريس وأبو الصلاح. والأقرب الأول ، لنا. انه مع الإخلال بالتلبية لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف. ولانه ذكر واجب في عبادة افتتحت به فكان ركنا ، كالتكبير في الصلاة. ولما رواه معاوية ابن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة ـ يعني : التلبيات والاشعار والتقليد ـ فقد أحرم». وتعليق الحكم على الوصف يقتضي عدمه عند عدمه. والإخلال بالإحرام عمدا مبطل إجماعا. احتج الآخرون بأن الأصل صحة الحج. والجواب : المنع لانه لم يأت بالمأمور به على وجهه. انتهى.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٥٠٤ ، والوسائل الباب ٣٩ من الإحرام ، والباب ١١ من الحلق والتقصير.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

٦٥

أقول : المراد بالركن عند الأصحاب (رضوان الله عليهم) في باب الحج هو ما يكون تركه مبطلا عمدا لا سهوا ، وبالواجب ما يكون تركه عمدا موجبا للإثم دون الابطال. واستثنى من الركن على هذا التعريف الوقوفان ، فان تركهما مبطل وان كان سهوا.

ثم ان استدلال العلامة (قدس‌سره) هنا على الابطال بغير الرواية لا يخلو من نظر : اما الدليل الأول فإنه جار في الواجب ، وهو لا يقول به. واما الثاني فإنه محض قياس على تكبيرة الإحرام كما لا يخفى.

ويمكن المناقشة أيضا في الرواية المذكورة ونحوها بأن غاية ما يدل عليه مفهوم الشرط هو عدم الإحرام ، والخصم لا ينكر ذلك ، والمدعى بطلان الحج ، لأنه قائل بصحة الحج مع ترك الإحرام عمدا ، فإلزامه بما دلت عليه الرواية من بطلان الإحرام لا معنى له. وانما المنافي لما ذكره ما يدل على بطلان الحج بذلك. فالواجب هو الإتيان بدليل يدل على بطلان الحج بترك الإحرام متعمدا. ودعوى الإجماع ـ بقوله : «والإخلال بالإحرام عمدا مبطل إجماعا» ـ ينافي ما نقله عن الجماعة المتقدمين القائلين بأنه واجب وليس بركن. والواجب ـ كما عرفت ـ عندهم هو ما لا يبطل الحج بتركه ولو عمدا وانما غايته الإثم. وسيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ مزيد تحقيق للمسألة.

الرابع ـ قال ابن الأثير في النهاية : «لبيك اللهم لبيك» هو من التلبية ، وهي إجابة المنادي ، أي إجابتي لك يا رب. وهو مأخوذ من «لب بالمكان وألب» إذا أقام به ، و «ألب على كذا» إذا لم يفارقه ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير ، أي إجابة بعد اجابة وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر ، كأنك قلت : «ألب إلبابا

٦٦

بعد الباب». والتلبية من «لبيك» كالتهليل من «لا إله إلا الله» وقيل : معناه : اتجاهي وقصدي يا رب إليك ، من قولهم : «داري تلب دارك» اي تواجهها. وقيل : معناه : إخلاصي لك ، من قولهم : «حسب لباب» إذا كان خالصا محضا. ومنه لب الطعام ولبابه. وقال في القاموس نحو ذلك. وعن الجوهري انه كان حقه ان يقال : «لبالك» وثنى على معنى التأكيد ، اي إلبابا لك بعد الباب ، واقامة بعد اقامة. وقيل : أي إجابة لك يا رب بعد اجابة. وفي كتاب المصباح المنير : أصل «لبيك» لبين لك ، فحذفت النون للإضافة ، قال : وعن يونس انه غير مثنى بل اسم مفرد يتصل بالضمير بمنزلة «على» و «لدى» إذا اتصل به الضمير. وأنكره سيبويه وقال : لو كان مثل «على» و «لدى» لثبتت الياء مع الضمير وبقيت الالف مع الظاهر. وحكى من كلامهم «لبى زيد» بالياء مع الإضافة إلى الظاهر ، فثبوت الياء مع الإضافة إلى الظاهر يدل على انه ليس مثل «على» و «لدى» انتهى قال في المجمع : ولبأت بالحج تلبية. أصله «لبيت» بغير همز قال الجوهري : قال الفراء : ربما خرجت بهم فصاحتهم الى ان يهمزوا ما ليس بمهموز.

ثم انه قد صرح بعضهم بأنه يجوز فتح الهمزة وكسرها من قوله : «ان الحمد والنعمة. الى آخره» وحكى العلامة في المنتهى عن بعض أهل العربية انه من قال «ان» بفتحها فقد خص ، ومن قال بالكسر فقد عم. ووجهه ظاهر ، فان الكسر يقتضي تعميم التلبية وإنشاء الحمد مطلقا ، والفتح يقتضي تخصيص التلبية ، أي لبيك بسبب ان الحمد لك.

٦٧

الخامس ـ روى الصدوق في كتاب العلل (١) في الصحيح عن عبيد الله ابن علي الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته : لم جعلت التلبية؟ فقال : ان الله (عزوجل) اوحى الى إبراهيم (عليه‌السلام) (وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً) (٢) فنادى فأجيب من كل فج يلبون».

وروى في كتاب من لا يحضره الفقيه (٣) حديثا طويلا يتضمن مناجاة الله (عزوجل) لموسى (عليه‌السلام) قال في آخره : فقال الله (عزوجل) : يا موسى اما علمت ان فضل امة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على جميع الأمم كفضله على جميع الخلق. فقال موسى (عليه‌السلام) : يا رب ليتني كنت أراهم. فأوحى الله (جل جلاله) اليه يا موسى انك لن تراهم فليس هذا أو ان ظهورهم ، ولكن سوف تراهم في جنات عدن والفردوس بحضرة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في نعيمها يتقلبون وفي خيراتها يتنعمون ، أفتحب أن أسمعك كلامهم؟ فقال : نعم يا إلهي. قال الله (عزوجل) : قم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل. ففعل ذلك موسى (عليه‌السلام) فنادى ربنا (عزوجل) : يا امة محمد. فأجابوه كلهم ـ وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ـ : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك» قال : فجعل الله (عزوجل) تلك الإجابة شعار الحج.

أقول : وفي هذا الخبر ما يؤيد ما قدمناه من دخول «ان الحمد.

__________________

(١) ص ٤١٦ ، والوسائل الباب ٣٦ من الإحرام.

(٢) سورة الحج ، الآية ٢٧.

(٣) ج ٢ ص ٢١١ و ٢١٢ ، والوسائل الباب ٤٠ من الإحرام.

٦٨

الى آخره» في التلبية الواجبة.

وفي آخر صحيحة معاوية بن عمار المتقدم ذكرها (١) : «وأول من لبى إبراهيم (عليه‌السلام) قال : ان الله (عزوجل) يدعوكم الى ان تحجوا بيته ، فأجابوه بالتلبية ، فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلا أجاب بالتلبية».

فائدة

روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٢) قال : «روى ان إبراهيم (عليه‌السلام) لما قضى مناسكه. ثم ساق الخبر الى ان قال : فلما هم ببنائه قعد على كل ركن ثم نادى : «هلم الى الحج» فلو ناداهم «هلموا الى الحج» لم يحج إلا من كان يومئذ إنسيا مخلوقا ، ولكنه نادى : «هلم الى الحج» فلبى الناس في أصلاب الرجال وأرحام النساء : «لبيك داعي الله لبيك داعي الله» فمن لبى مرة حج حجة ، ومن لبى عشرا حج عشر حجج ، ومن لم يلب لم يحج. الحديث».

قال المحقق الكاشاني في الوافي : بيان : «هلم الى الحج» نادى جنس الانس بلفظ المفرد ، ولذا عم نداوة الموجودين والمعدومين ، ولو نادى الافراد بلفظ الجمع لم يشمل المعدومين بل اختص بالموجودين ، وذلك لان حقيقة الإنسان موجودة بوجود فرد ما وتشمل جميع الافراد وجدت أو لم توجد. واما الفرد الخاص منه فلا يصير فردا خاصا

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من الإحرام.

(٢) ج ٢ ص ١٤٩ و ١٥٠ ، والباب ١ من وجوب الحج وشرائطه ، والباب ١١ من مقدمات الطواف وما يتبعها ، والوافي باب (حج إبراهيم وإسماعيل).

٦٩

جزئيا منه ما لم يوجد. وهذا من لطائف المعاني نطق به الامام لمن وفق لفهمه. انتهى.

وقال الفاضل المحدث السيد نعمة الله الجزائري : الوجه ان المقام ظاهرا يقتضي صيغة الجمع ، فالعدول عنه الى الافراد لا بد له من نكتة وعلة تناسبه ، وليست إلا إرادة استغراق جميع الافراد من شهد ومن غاب ، على ان أهل البلاغة ذكروا ان استغراق الفرد أشمل من استغراق الجمع ، ونص عليه العلامة الزمخشري في مواضع من الكشاف. انتهى.

وقال شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني في كتابه ازهار الرياض : سئلت عن هذا الخبر قديما فكتبت في الجواب : لعل مراده ـ والله اعلم بمراد أوليائه ـ ان الخطاب بصيغة الجمع يتناول الموجودين وتناوله لغيرهم انما هو بدليل من خارج من إجماع أو غيره ، كما تقرر في الأصول مستوفى ، والمخالف فيه الحنابلة خاصة ، وأطبق الكل على فساده ، وصيغة «هلموا» من هذا القبيل. فاما صيغة «هلم» فإنه يمكن ان يجعل من قبيل الخطاب العام ، كما تقرر في المعاني والبيان قد يترك الخطاب من المعين الى غير المعين قصدا للعموم وارادة كل من يصلح لذلك ، وجعلوا منه قوله تعالى (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا) (١) ونحوه ، فكأنه يصلح لغير الموجودين ايضا ، فيدخلون بعد اتصافهم بالوجود والكمال. وحينئذ فحاصله ان العدول من «هلموا» الى «هلم» لذلك فإن صيغة «هلم» تصلح للمذكر والمؤنث ، والمفرد والمثنى والجمع ، بالاعتبار المذكور ، ولغير الموجود بالتقريب السابق ، فيدخل بعد كماله ووجوده

__________________

(١) سورة الانعام ، الآية ٢٧.

٧٠

بخلاف «هلموا». ومعنى «لم يحج يومئذ إلا من كان إنسيا مخلوقا» لم يحج إلا من كان مخلوقا من الانس ، لأنهم المقصودون بالخطاب المذكور دون غيرهم. هذا ما ظهر لي فتأمل. انتهى.

أقول : اما صحة إطلاق «هلم» على المذكر والمؤنث ، والمفرد والمثنى والجمع ، فهي لغة الحجاز ، وبها نزل القرآن العزيز ، كقوله تعالى : (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) (١) واما أهل نجد وهم بنو تميم فيلحقون بها الضمائر كغيرها من الصيغ فيقولون : «هلموا وهلمي وهلما» واما تناولها في الخبر للموجودين والمعدومين فقد نقل الشيخ فخر الدين بن طريح في كتاب مجمع البحرين ، قال : وقيل : لفظ «هلم» خطاب لمن يصلح ان يجيب وان لم يكن حاضرا ، ولفظ «هلموا» موضوع للموجودين الحاضرين ، ويفسره الحديث : «هلم الى الحج». ثم ساق الخبر. وبذلك يزول الاشكال ويستغنى عن هذه التكلفات البعيدة والتحملات الشديدة ، فإنه متى كان هذا اللفظ موضوعا في اللغة لذلك فلا اشكال ، ويخرج الخبر شاهدا عليه.

السادس ـ قد عرفت من ما حققناه آنفا ان الإحرام الموجب للكفارات ـ بفعل ما لا يجوز للمحرم فعله ـ إنما هو عبارة عن التلبية أو الإشعار أو التقليد ، فإن ايها فعل حرم عليه ما يحرم على المحرم وترتبت الكفارات على المخالفة. وعلى هذا فلو عقد نية الإحرام ولبس ثوبيه ولم يأت بشي‌ء من التلبية متى كان متمتعا أو مفردا ، ولا بها ولا بإشعار ولا تقليد متى كان قارنا ، وفعل ما لا يجوز للمحرم فعله ، فإنه

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ١٨.

٧١

لا يلزمه كفارة ، ولا يبطل ما فعله سابقا ، ولا يحتاج الى تجديد نية أخرى.

وعلى ذلك تدل الأخبار الكثيرة : منها ـ ما تقدم (١) من صحيحة معاوية بن عمار ، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، وصحيحته الثانية في المسألة الاولى.

ومنها ـ ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) «في رجل صلى الظهر في مسجد الشجرة ، وعقد الإحرام وأهل بالحج ، ثم مس طيبا أو صاد صيدا أو واقع اهله؟ قال : ليس عليه شي‌ء ما لم يلب».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن النضر بن سويد عن بعض أصحابنا (٣) قال : «كتبت الى ابي إبراهيم (عليه‌السلام) : رجل دخل مسجد الشجرة فصلى وأحرم ثم خرج من المسجد ، فبدا له قبل ان يلبي ان ينقض ذلك بمواقعة النساء ، إله ذلك؟ فكتب : نعم ، ولا بأس به». وبمضمونها رواية زياد بن مروان المروية في الكافي (٤).

وما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان عن عبد الله بن مسكان عن علي بن عبد العزيز (٥) قال : «اغتسل أبو عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) ص ٤١ و ٤٢.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٣٠ ، والتهذيب ج ٥ ص ٨٢ ، والوسائل الباب ١٤ من الإحرام ، والباب ١١ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤) الفروع ج ٤ ص ٣٣١. والوسائل الباب ١٤ من الإحرام ، والوافي باب (ما يجوز فعله بعد التهيؤ وقبل التلبية وما لا يجوز).

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٣٠ ، والوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

٧٢

للإحرام ، ثم دخل مسجد الشجرة فصلى ، ثم خرج الى الغلمان فقال : هاتوا ما عندكم من لحوم الصيد حتى نأكله».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل ان يلبي؟ قال : ليس عليه شي‌ء».

قال الشيخ (٢) بعد ذكر جملة من هذه الاخبار : المعنى في هذه الأحاديث ان من اغتسل للإحرام ، وصلى ، وقال ما أراد من القول بعد الصلاة ، لم يكن في الحقيقة محرما ، وإنما يكون قاعدا للحج والعمرة وانما يدخل في ان يكون محرما إذا لبى. ثم حكى عن موسى عن صفوان عن معاوية بن عمار وغيره ممن روى عنه صفوان هذه الاخبار ان الاخبار مستفيضة عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٣) : ان من صلى ، وقال الذي يريد ان يقول ، وفرض الحج أو العمرة على نفسه وتقدهما ، فله ان يفعل ما شاء ما لم يلب ، فإذا أتم عقد إحرامه بالتلبية أو الإشعار أو التقليد ، فقد حرم عليه الصيد وغيره ، ووجب عليه في فعله ما يجب على المحرم. انتهى ملخصا من كلامه الطويل الذيل.

قال في المدارك بعد ذكر بعض أخبار المسألة : وربما ظهر منها انه لا يجب استئناف نية الإحرام بعد ذلك بل يكفي الإتيان بالتلبية وعلى هذا فيكون المنوي عند عقد الإحرام اجتناب ما يجب على المحرم اجتنابه من حين التلبية. وصرح المرتضى في الانتصار بوجوب استئناف النية قبل التلبية والحال هذه. ويدل عليه ما رواه الكليني عن النضر بن

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٨٣.

٧٣

سويد عن بعض أصحابه. ثم ساق الرواية المتقدمة. ثم قال : لكن الرواية ضعيفة بالإرسال. ولا ريب أن استئناف النية أولى وأحوط. انتهى.

أقول : فيه أولا : ان النية التي أوجبوها في عقد الإحرام ـ كما قدمنا نقله عنهم في صدر المقصد ـ إنما هي عبارة عن القصد إلى أمور أربعة : ما يحرم به من حج أو عمرة ، ونوعه من تمتع أو أحد قسيميه ، وصفته من وجوب أو ندب ، وما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها. ولم يعتبروا فيها قصد ما يجب اجتنابه على المحرم ، وانما هذا أمر لازم لذلك ومترتب عليه متى أضاف التلبية الى ما فعله أولا. ومن ثم انه لا تحصل المنافاة للنية بما يفعله من هذه الأشياء المذكورة في الاخبار. وبذلك يظهر لك ما في قوله : «وعلى هذا فيكون المنوي. الى آخره».

وثانيا : اني لا اعرف لهذه الرواية وجه دلالة على ما ذكره من وجوب استئناف النية ، حتى انه يستدل بها للمرتضى على ما نقله عنه ، بل سبيلها سبيل الروايات المتقدمة.

وثالثا : اني لا اعرف وجها لهذه الأولوية والاحتياط الذي ذكره في استئناف النية ، مع ما عرفت من ما قدمناه من الاخبار المستفيضة المتفقة الدلالة على صحة الإحرام بذلك ، من غير تعرض ولو بالإشارة الى ما ذكره من استئناف النية.

واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد (١) ـ قال : «سمعت ابي يقول في

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام. وارجع الى الاستدراكات.

٧٤

رجل يلبس ثيابه ويتهيأ للإحرام ثم يواقع اهله قبل ان يهل بالإحرام قال : عليه دم». ـ فهو خبر شاذ لا يبلغ قوة في معارضة الأخبار المتقدمة. وقد حمله الشيخ على من لم يجهر بالتلبية وان كان قد لبى في ما بينه وبين نفسه. واحتمل في الاستبصار حمله على الاستحباب ايضا

الثالث ـ لبس ثوبي الإحرام للرجل ، ووجوبه اتفاقي بين الأصحاب قال في المنتهى : انا لا نعلم فيه خلافا.

وتدل عليه الاخبار : منها ـ قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية ابن عمار (١) : «إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق ، أو الى وقت من هذه المواقيت ـ وأنت تريد الإحرام ـ فانتف إبطيك. الى ان قال : واغتسل ، والبس ثوبيك. الحديث».

وفي صحيحة معاوية بن وهب (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ ونحن بالمدينة ـ عن التهيؤ للإحرام. فقال : اطل بالمدينة ، وتجهز بكل ما تريد ، وان شئت استمتعت بقميصك ، حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء ، وتلبس ثوبيك ، ان شاء الله».

وفي صحيحة هشام بن سالم (٣) قال : «أرسلنا الى ابي عبد الله

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٢٦ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٠٠ ، والوسائل الباب ٦ و ١٥ من الإحرام.

(٢) روى الشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٦٢ و ٦٤ هذه الرواية بطريقين ، واللفظ يختلف فيهما. وأوردهما في الوسائل في الباب ٧ من الإحرام برقم (١) و (٣).

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٢٨ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٠١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٦٣ وص ٣٠٣ ، والوسائل الباب ٨ من الإحرام ، والباب ٣٠ من تروك الإحرام.

٧٥

(عليه‌السلام) ـ ونحن جماعة بالمدينة ـ انا نريد ان نودعك ، فأرسل إلينا أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ان اغتسلوا بالمدينة ، فإني أخاف ان يعز عليكم الماء بذي الحليفة ، فاغتسلوا بالمدينة ، والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ، ثم تعالوا فرادى أو مثاني. الحديث».

الى غير ذلك من الاخبار.

والمستفاد من الروايات المذكورة ان اللبس قبل عقد الإحرام ، بل هو من جملة الأشياء التي يتهيأ بها للإحرام. قال العلامة في المنتهى : فإذا أراد الإحرام وجب عليه نزع ثيابه ولبس ثوبي الإحرام ، يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر. وقال ابن الجنيد : ولا ينعقد الإحرام بالميقات إلا بعد الغسل والتجرد.

وينبه عليه ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تلبس ـ وأنت تريد الإحرام ـ ثوبا تزره ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل إلا ان لا يكون لك إزار ، ولا الخفين إلا ان لا يكون لك نعلان».

بقي الكلام في انه هل اللبس من شرائط صحة الإحرام؟ حتى لو أحرم عاريا أو لابسا مخيطا لم ينعقد إحرامه ، أم ينعقد إحرامه وان أثم تنظر فيه الشهيد في الدروس ، ونسب الثاني إلى ظاهر الأصحاب ، حيث قال : وظاهر الأصحاب انعقاده ، حيث قالوا : لو أحرم وعليه قميص نزعه ولا يشقه ، ولو لبسه بعد الإحرام وجب شقه وإخراجه من تحته كما هو مروي. انتهى.

وأشار بالرواية الى ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٦٩ و ٧٠ ، والوسائل الباب ٣٥ من تروك الإحرام.

٧٦

وغير واحد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في رجل أحرم وعليه قميصه؟ فقال : ينزعه ولا يشقه. وان كان لبسه بعد ما أحرم شقه وأخرجه من ما يلي رجليه».

وقال السيد السند في المدارك : ولو أخل باللبس ابتداء فقد ذكر جمع من الأصحاب انه لا يبطل إحرامه وان اثم. وهو حسن. انتهى. أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار ـ زيادة على الصحيحة المذكورة ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان عن خالد بن محمد الأصم (٢) قال : «دخل رجل المسجد الحرام وهو محرم ، فدخل في الطواف وعليه قميص وكساء ، فاقبل الناس عليه يشقون قميصه وكان صلبا ، فرءاه أبو عبد الله (عليه‌السلام) وهم يعالجون قميصه يشقونه ، فقال : له : كيف صنعت؟ فقال : أحرمت هكذا في قميصي وكسائي. فقال : انزعه من رأسك ، ليس ينزع هذا من رجليه ، إنما جهل. فأتاه غير ذلك فسأله فقال : ما تقول في رجل أحرم في قميصه؟ قال : ينزعه من رأسه».

وما رواه الشيخ عن عبد الصمد بن بشير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «جاء رجل يلبي حتى دخل المسجد الحرام وهو يلبي وعليه قميصه ، فوثب إليه أناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا : شق قميصك وأخرجه من رجليك ، فان عليك بدنة ، وعليك الحج من قابل ، وحجك فاسد. فطلع أبو عبد الله (عليه‌السلام) فقام على باب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٧٢ ، والوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام ، والوافي باب (المحرم يلبس ما لا ينبغي له).

٧٧

المسجد ، فكبر واستقبل الكعبة ، فدنا الرجل من ابي عبد الله (عليه‌السلام) وهو ينتف شعره ويضرب وجهه ، فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) : اسكن يا عبد الله. فلما كلمه ـ وكان الرجل أعجميا ـ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما تقول؟ قال : كنت رجلا أعمل بيدي ، فاجتمعت لي نفقة ، فجئت أحج لم أسأل أحدا عن شي‌ء ، فأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وانزعه من قبل رجلي ، وان حجي فاسد ، وان علي بدنة. فقال له : متى لبست قميصك ، أبعد ما لبيت أم قبل؟ قال : قبل ان ألبي. قال : فأخرجه من رأسك ، فإنه ليس عليك بدنة ، وليس عليك الحج من قابل ، أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه. طف بالبيت سبعا ، وصل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) واسع بين الصفا والمروة ، وقصر من شعرك ، فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج ، واصنع كما يصنع الناس».

أقول : ظاهر هذين الخبرين ان لبس الثوب قبل الإحرام والإحرام فيه انما كان عن جهل ، وانه معذور في ذلك لمكان الجهل. وصحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة وان كانت مطلقة إلا انه يمكن حمل إطلاقها على الخبرين. وحينئذ فيشكل الحكم بالصحة في من تعمد الإحرام في المخيط عالما بالحكم. إلا انه قد تقدم من الاخبار ما يدل على ان الإحرام إنما هو عبارة عن التلبية وأخويها ، فترك الثوبين لا يضربه ولا يبطله. نعم يكون الإحرام فيهما (١) تعمدا موجبا للإثم ، والظاهر سقوطه

__________________

(١) هكذا وردت العبارة في النسخة المطبوعة والمخطوطة ، والظاهر سقوط كلمة «ترك» من العبارة ، والصحيح هكذا : «نعم يكون ترك الإحرام فيهما تعمدا موجبا للإثم».

٧٨

بالجهل حينئذ هو المؤاخذة والمعاقبة على ذلك.

ثم انه من ما يدل على وجوب الشق والإخراج من الرجلين إذا كان اللبس بعد الإحرام ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا لبست قميصا وأنت محرم فشقه وأخرجه من تحت قدميك».

وما رواه في الكافي في الصحيح ـ أو الحسن على المشهور ـ عن معاوية بن عمار ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب وأعد غسلك. وان لبست قميصا فشقه وأخرجه من تحت قدميك».

وتحقيق القول في المقام يتوقف على بيان مسائل :

الأولى ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على انه يتزر بأحد الثوبين ، واما الآخر فهل يتردى به أو يتخير بين ان يتردى به أو يتوشح؟ قولان ، وبالأول صرح العلامة في المنتهى والتذكرة ، وبالثاني الشهيدان في الدروس والمسالك والروضة ، وقبلهما الشيخان في المقنعة والمبسوط. والتوشح تغطية أحد المنكبين والارتداء تغطيتهما معا. وبه صرح في المسالك والروضة. وذكر ابن حمزة في الوسيلة أنه لا بد في الإزار من كونه ساترا لما بين السرة والركبة ، وبذلك صرح في المسالك ايضا.

والذي صرح به أهل اللغة في معنى التوشح هو انه عبارة عن إدخال الثوب تحت اليد اليمنى وإلقاء طرفيه على المنكب الأيسر. قال في المغرب : توشح الرجل ، وهو ان يدخل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام.

٧٩

على منكبه الأيسر ، كما يفعل المحرم. وكذلك الرجل يتوشح بحمائل سيفه ، فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى فتكون اليمنى مكشوفة. وقال في كتاب المصباح المنير : وتوشح بثوبه ، وهو ان يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر ، كما يفعله المحرم.

والذي وقفت عليه من الاخبار في المقام صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في كيفية التلبيات الأربع (١) وفيها : «والتجرد في إزار ورداء ، أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء». وفي رواية محمد بن مسلم (٢) : «يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء». وفي صحيحة معاوية بن عمار (٣) : «ولا سراويل إلا ان يكون له إزار».

والمستفاد من هذه الاخبار ان الثوبين أحدهما إزار والآخر رداء ، ومن الظاهر ان الذي جرت به العادة في لبسهما هو شد الإزار من السرة ووضع الرداء على المنكبين ، والظاهر انه في حال الإحرام كذلك ايضا. فالقول بالتوشح بالرداء ـ كما ذكروه ـ لا اعرف له وجها. ومجرد ذكر أهل اللغة ـ في بيان التوشح انه كما يفعل المحرم ـ لا يصلح دليلا ، إذ لعله مخصوص بمذهب المخالفين المصرحين بذلك (٤) وقال في المدارك : ويعتبر في الإزار ستر ما بين السرة والركبة ، وفي الرداء كونه من ما يستر المنكبين. ويمكن الرجوع فيه الى العرف. ولا يعتبر في وضعه كيفية

__________________

(١) ص ٥٨ ، والوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢١٨ ، والوسائل الباب ٤٤ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٣٥ من تروك الإحرام رقم (١) واللفظ فيها بنحو الخطاب.

(٤) العناية في شرح الهداية على هامش فتح القدير ج ٢ ص ١٣٥ ، وحاشية البحر الرائق لمحمد عابدين الحنفي ج ٢ ص ٣٢٠.

٨٠