الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

وروى الشيخ هذه الرواية في التهذيب (١) وفيها : قال : «عليه في كل ظفر قيمة مد من طعام حتى يبلغ. الحديث».

وما رواه الشيخ عن الحلبي (٢) : «انه سأله عن محرم قلم أظافيره. قال : عليه مد في كل إصبع ، فإن هو قلم أظافيره عشرتها فان عليه دم شاة».

قال في المدارك : وبمضمون هاتين الروايتين أفتى الأصحاب إلا من شذ. ويؤيدهما صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام). ثم نقل الصحيحة المذكورة في صدر الروايات ، ثم نقل قول ابن الجنيد وقول ابي الصلاح المتقدمين ، ثم قال : ولم نقف لهذين القولين على مستند.

أقول : ظاهر كلامه هنا يؤذن باختيار القول المذكور مع ان الروايتين المنقولتين في كلامه من قسم الضعيف باصطلاحه ، لأن الأولى عن ابي بصير وهو مشترك ، كما طعن به في غير موضع من شرحه ، وفي طريق الثانية. محمد بن سنان كما صرح به في الشرح ، وقد تقدم له في غير موضع الطعن في مثل ذلك ، وان اجمع الأصحاب على المذكور فضلا عن شهرته ، فكيف غض النظر هنا عن ذلك؟ ومقتضى قاعدته رد الروايتين المذكورتين والرجوع الى حكم الأصل كما اعتمده في غير موضع ، ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح ـ الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح ـ أوجب لهم انحلال الزمام واختلال النظام وعدم الوقوف على قاعدة في مقام.

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٢ ، والوسائل الباب ١٢ من بقية كفارات الإحرام.

٥٤١

ومنها : ما رواه في الكافي في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قلم المحرم أظفار يديه ورجليه في مكان واحد فعليه دم واحد ، وان كانتا متفرقتين فعليه دمان».

وهذا الخبر ايضا من ما يدل على القول المشهور بالنسبة إلى اتحاد الشاة وتعددها.

ومنها : صحيحة زرارة المتقدمة في صدر الروايات ، بحمل الدم فيها على مجموع الأظافير كما هو ظاهرها. وهو ايضا ظاهر موثقة ابن عمار المتقدمة المتضمنة لمن نسي ان يقلم أظفاره حتى أفتاه رجل ، فان ظاهرها مجموع الأظفار أو أظفار يديه العشرة.

ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في المحرم ينسى فيقلم ظفرا من أظافيره؟ فقال : يتصدق بكف من الطعام. قلت : فاثنين؟ قال : كفين. قلت : فثلاثة؟ قال : ثلاثة أكف ، كل ظفر كف ، حتى تصير خمسة ، فإذا قلم خمسة فعليه دم واحد ، خمسة كان أو عشرة أو ما كان».

وهذه الرواية حملها جملة من الأصحاب على الاستحباب ، لما دل على عدم الكفارة في صورة النسيان من صحيحة زرارة المتقدمة في صدر الروايات وغيرها.

ومنها : روايتا إسحاق بن عمار المتقدمتان بنقل صاحب الكافي وصاحب التهذيب ، فان ظاهرهما قلم أظفار يديه ورجليه أو أظفار يديه ، ووجوب

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٦٠ ، والوسائل الباب ١٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٢ ، والوسائل الباب ١٢ من بقية كفارات الإحرام.

٥٤٢

الشاة في ذلك ظاهر ، فتكون هاتان الروايتان من جملة روايات القول المشهور.

ومنها : ما رواه في الكافي عن حريز في الصحيح أو الحسن عن من أخبره عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) : «في محرم قلم ظفرا؟ قال : يتصدق بكف من طعام. قلت : ظفرين؟ قال : كفين. قلت : ثلاثة؟ قال : ثلاثة أكف. قلت : أربعة؟ قال : أربعة أكف. قلت : خمسة؟ قال : عليه دم يهريقه. فان قص عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلا دم يهريقه».

قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر : ينبغي حمل الدم في الخمسة على الاستحباب ، لما يأتي من انه لا يلزمه الدم حتى يبلغ عشرة.

أقول : وعلى ذلك حمله الشيخ وجملة من الأصحاب. والظاهر عندي حمل الخبر المذكور على التقية ، لأن وجوب الشاة في الخمسة مذهب أبي حنيفة واتباعه (٢) قال في التذكرة : قال أبو حنيفة : ان قلم خمس أصابع من يد واحدة لزمه الدم ، ولو قلم من كل يد أربعة أظفار لم يجب عليه دم بل الصدقة ، وكذا لو قلم يدا واحدة إلا بعض الظفر لم يجب الدم. وبالجملة فالدم عنده انما يجب بتقليم أظفار يد واحدة كاملة. انتهى. هذا. مع ما عرفت في الجمع بين الاخبار بالاستحباب ـ وان اشتهر بين الأصحاب ـ من عدم الدليل عليه من سنة أو كتاب. مع ما فيه من الإشكالات التي تقدم إيضاحها في غير باب.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٦٠ ، والوسائل الباب ١٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) المغني ج ٣ ص ٦٤٤ طبع مطبعة العاصمة.

٥٤٣

ولعل هذا الخبر هو مستند ابن الجنيد في ما ذكره من وجوب دم الشاة في خمسة أظافير ، وان لم يدل على تمام ما ذكره من التفصيل. وكيف كان فهو بالإعراض عنه حقيق ، لما عرفت. واما بقية الأقوال المذكورة فلا اعرف لها مستندا.

ومن ذلك يظهر قوة القول المشهور وانه هو المؤيد بالاخبار والنصوص المنصور.

بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها :

الاولى ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) انه لو أفتاه مفت بتقليم ظفره فأدماه لزم المفتي شاة.

واستدلوا عليه برواية إسحاق الصيرفي (١) قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) : ان رجلا أحرم ، فقلم أظفاره ، وكانت له إصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه؟ قال : على الذي افتى شاة».

واستدل عليه في المنتهى ـ زيادة على هذه الرواية ـ بموثقة إسحاق ابن عمار المتقدم نقلها عن صاحب الكافي (٢) : «في الرجل الذي ينسى ان يقلم أظفاره عند إحرامه ، فأفتاه رجل بان يقلمها ويعيد إحرامه ، ففعل ذلك؟ قال : عليه دم يهريقه».

ورده في المدارك والذخيرة بأن الرواية الأولى ضعيفة فلا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٣ ، والوسائل الباب ١٣ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) ص ٥٣٨ رقم (٤).

٥٤٤

أقول : فيه (أولا) : ما عرفت في غير مقام من ان هذا الطعن لا يرد على المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم.

و (ثانيا) : انه كيف صار ضعف السند هنا موجبا لرمي الرواية والتمسك بالأصل؟ وهو في أصل المسألة انما تمسك بخبرين ضعيفين وخرج بهما عن حكم الأصل ـ كما نبهنا عليه ثمة ـ ووافق الأصحاب في ما أفتوا به من التفصيل المتقدم ، مع انه ليس في الاخبار الصحيحة ما يدل عليه ، وان كان في بعضها الإشارة في الجملة اليه ، وهو انما اعتمد على خبرين ضعيفين ، فان كان المعتمد على كلام الأصحاب وشهرة الحكم بينهم فهو مشترك بين المسألتين ، وان كان على الخبر وان ضعف فكذلك. وبالجملة فالمناقضة في كلامه ظاهرة.

ثم ان ما استدل به العلامة في المنتهى ـ من الحديث الثاني ـ الظاهر انه لا دلالة فيه ، إذ الظاهر ان رجوع الضمير في قوله : «عليه دم يهريقه» إنما هو للذي قلم أظفاره ـ كما أشرنا إليه آنفا ، فيكون كفارة لما فعله من تقليم أظافيره ـ لا إلى المفتي. على ان وجوب الكفارة على المفتي في كلامهم ـ وكذا في الخبر الذي هو مستند المسألة ـ إنما هو مع ترتب الإدماء على تلك الفتوى ، وهذه الرواية خالية من ذلك. والمعتمد في الاستدلال انما هو الرواية الاولى. والطعن بضعف السند عندنا لا تعويل عليه ، وعند الأصحاب مدفوع بالجبر بالشهرة ، فإنه لا مخالف في الحكم ولا راد لروايته غير هؤلاء المتصلفين الذين لو تم لهم هذا الضابط لبطلت أحكام الدين.

الثانية ـ صرح الشهيد في الدروس بأنه لا يشترط إحرام المفتي ولا كونه من أهل الاجتهاد. واعتبر الشهيد الثاني صلاحيته للإفتاء

٥٤٥

بزعم المستفتي ليتحقق كونه مفتيا. قال في المدارك : وهو حسن.

أقول : الظاهر هو الأول ، عملا بإطلاق النص ، فان ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني ـ وان استحسنه سبطه ـ تقييد للنص من غير دليل. وكثيرا ما يقع في الاخبار الاخبار عن إفتاء من لم يكن من أهل الفتوى ، وقد وقع الإنكار على بعضهم بقولهم (عليهم‌السلام) (١) : «فأين باب الرد إلينا». وقوله (عليه‌السلام) (٢) : «اما انه شر عليكم ان تقولوا بشي‌ء ما لم تسمعوه منا». ونحو ذلك.

قال في المدارك : ولو تعدد المفتي ففي تعدد الكفارة أو الاكتفاء بكفارة موزعة على الجميع ، أوجه ، ثالثها الفرق بين ان يقع الإفتاء دفعة وعلى التعاقب ، ولزوم الكفارة للأول خاصة في الثاني والتعدد في الأول ، واختاره في الدروس. والكلام في هذه الفروع قليل الفائدة ، لضعف الأصل المبني عليه. انتهى.

أقول : هذا الضعف الذي حكم به في المستند ليس إلا عنده ، واما مثل الشهيد وغيره فإنهم حاكمون بصحة هذه الاخبار ، كما هو صريح كلامه في مقدمات كتاب الذكرى من ما قدمنا نقله عنه في المقدمة الثانية من مقدمات الكتاب ، لان اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على العمل بها موجب لصحتها وجبر ضعف سندها.

الثالثة ـ قال في المدارك : وانما يجب الدم والدمان بتقليم أصابع اليدين والرجلين إذا لم يتخلل التكفير عن السابق قبل البلوغ

__________________

(١) محاسن البرقي ص ٢١٣. واللفظ هكذا : فأين باب الرد إذا؟.

(٢) أصول الكافي ج ٢ ص ٤٠١ و ٤٠٢ ، والوسائل الباب ٧ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضي به.

٥٤٦

الى حد يوجب الشاة ، وإلا تعدد المد خاصة بحسب تعدد الأصابع.

قال في الذخيرة بعد نقل هذا الكلام : وللتأمل فيه مجال.

أقول : لعل وجه التأمل عنده هو ان وجوب الشاة ترتب على تقليم العشرة ، وهو أعم من ان يكون قد اعطى عن كل ظفر مدا من ما تقدم على هذه المرتبة أم لا.

وفيه : انه وان احتمل إلا ان الظاهر ان التكفير عن الفعل يجعله في حكم العدم. من قبيل الاستغفار ، فان المستغفر عن الذنب كمن لا ذنب له (١) وحينئذ فتسقط هذه المراتب المتقدمة على العاشر بسبب التكفير بالمد عنها كلا أو بعضا وتكون في حكم العدم ، فلا بد في حصول العشرة التي تترتب عليها الشاة من خلوها كملا عن التكفير لتكون الشاة كفارة للجميع وإلا لزم وجوب كفارتين إحداهما المد لكل واحد ، والشاة للجميع ، والأمر ليس كذلك. وبالجملة فالظاهر أن تأمله لا يخلو من تأمل.

الرابعة ـ قال في المدارك : ولو كفر بشاة لليدين أو الرجلين ثم أكمل الباقي في المجلس وجب شاة أخرى. انتهى. ووجهه ظاهر ، لانه بعد ان كفر عن العشرة الأولى بالشاة لو لم يكفر عن العشرة الثانية للزم بقاؤها بلا كفارة ، إذ الأولى قد تقدمت على تقليمها فلا تصلح لأن تكون كفارة عنها.

ثم قال على اثر الكلام المتقدم : والظاهر ان بعض الظفر كالكل ، ولو قصه في دفعات مع اتحاد المجلس لم تتعدد الفدية ، وفي التعدد مع الاختلاف وجهان. انتهى. وما ذكره من ان بعض الظفر كالكل قد صرح به العلامة في المنتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٨٦ من جهاد النفس وما يناسبه.

٥٤٧

أقول : لا يخفى ان جملة من الأصحاب قد انهوا محرمات الإحرام إلى ثلاث وعشرين ، كشيخنا الشهيد في الدروس ، وهي في كتابنا لا تنقص عن ذلك ، لان منها ما أدرجناه في طي المباحث لقصر الكلام عليه ، مثل لبس المرأة الحلي ، ولبس القفازين ، ولبس الرجل الخاتم للزينة ولبس السلاح ، فان هذا جميعه قد الحقاه بالصنف الرابع في لبس الرجل المخيط. ونحو ذلك ايضا.

ختام به الإتمام وفيه مسائل :

الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه إذا اجتمعت أسباب مختلفة ـ كاللبس وتقليم الأظفار والطيب ـ تعددت الكفارة ، سواء كان ذلك في وقت واحد أو وقتين ، في مجلس واحد أو مجلسين ، تخلل التكفير أم لا.

واستدل عليه في المنتهى بان كل واحد منها سبب مستقل في وجوب الكفارة ، والحقيقة باقية عند الاجتماع ، فيجب وجود الأثر. وهو جيد. ويؤيده فحوى ما يدل على تكرر الكفارة بتكرر الصيد ، ولبس الأنواع المتعددة من الثياب.

ومع سبق التكفير فلا إشكال في التعدد ، وانما يحصل التردد مع عدمه ، لاحتمال التداخل. ولا ريب ان التعدد مطلقا أحوط.

الثانية ـ اختلف الأصحاب في ما لو تكرر منه الوطء فهل تتكرر الكفارة أم لا؟ فالمشهور الأول ، حتى ان السيد المرتضى (قدس‌سره) ادعى فيه في الانتصار الإجماع ، فقال : من ما انفردت به الإمامية القول بان الجماع إذا تكرر من المحرم تكررت الكفارة ، سواء كان

٥٤٨

ذلك في مجلس واحد أو في أماكن كثيرة ، وسواء كفر عن الأول أو لا ، للإجماع ، وحصول يقين البراءة. ثم اعترض على نفسه بان الجماع الأول أفسد الحج بخلاف الثاني. ثم أجاب بأن الحج وان كان قد فسد لكن حرمته باقية ، ولهذا وجب المضي فيه ، فجاز ان تتعلق به الكفارة. انتهى.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : هذا كلامه (قدس‌سره) وما ذكره من جواز تعلق الكفارة به جيد ، لكن دليل التعلق غير واضح ، لمنع الإجماع على ذلك ، وعدم استفادته من النص ، إذ أقصى ما تدل عليه الروايات ان من جامع قبل الوقوف بالمشعر يلزمه بدنة وإتمام الحج والحج من قابل (١) ومن المعلوم ان مجموع هذه الأحكام الثلاثة انما تترتب على الجماع الأول خاصة ، فإثبات بعضها في غيره يحتاج الى دليل. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من عدم الدليل على تعلق الكفارة بالجماع ثانيا جيد ، لكن قوله ـ : «وما ذكره من جواز تعلق الكفارة به جيد» ـ غير جيد ، فإنه إذا كان خاليا من الدليل ـ كما قرره ـ فبأي وجه يكون جيدا.

ونقل عن الشيخ في الخلاف انه قال : ان قلنا بما قاله الشافعي ـ من انه إذا كفر عن الأول لزمه الكفارة ، وان كان قبل ان يكفر فعليه كفارة واحدة (٢) ـ كان قويا.

ونقل في المختلف عن ابن حمزة قال ـ : ونعم ما قال ـ انه قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

(٢) المغني ج ٣ ص ٣٠٣ طبع مطبعة العاصمة.

٥٤٩

الجماع اما مفسد للحج أو لا ، فالأول لا تتكرر فيه الكفارة ، والثاني ان تكرر فعله في حالة واحدة لا تتكرر فيه الكفارة بتكرر الفعل ، وان تكرر في دفعات تكررت الكفارة.

قال في المدارك : وهو غير بعيد. بل لو قيل بعدم التكرر بذلك مطلقا ـ كما هو ظاهر اختيار الشيخ في الخلاف ـ لم يكن بعيدا. انتهى

أقول : ظاهر كلام الشيخ في الخلاف المتقدم انما هو التفصيل بين التكفير عن ما فعله أولا فتتكرر أو لا فلا ، لا مطلقا كما ذكره.

وبالجملة فالمسألة عندي ـ لعدم الدليل الواضح ـ محل توقف واشكال ، وان كان القول بما ذكره في الخلاف لا يخلو من قرب.

الثالثة ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في انه لو تكرر الحلق في وقت واحد ـ بمعنى انه حلق بعض رأسه ثم حلق بعضا آخر في وقت واحد ـ فلا تتكرر الكفارة ، لصدق الامتثال بالكفارة الواحدة وأصالة البراءة من الزائد ، إذ غاية ما يستفاد من الاخبار ان من حلق رأسه فعليه شاة. والأصحاب جعلوا حكم البعض في حكم الجميع لصدق حلق الرأس في الجملة.

اما لو كرر الحلق في وقتين فظاهرهم تكرر الكفارة ، لأن ما حلقه أولا سبب مستقل في تحقيق الكفارة وإيجابها ، وحلقه في الوقت الثاني صالح للسببية أيضا ، فيترتب على كل منهما مسببه. ويشكل بان ما تقدم من الدليل على الواحدة في الصورة الأولى جار بعينه في الثانية ، من ان الامتثال يحصل بالواحدة ، والأصل براءة الذمة من الزائد ، وان غاية ما يستفاد من الأدلة ترتب الكفارة على حلق الرأس كله للأذى وما عداه يستفاد حكمه بالفحوى أو الإجماع على تعلق الكفارة به في

٥٥٠

بعض الموارد ، وذلك لا يقتضي ثبوت الحكم المذكور كليا. وبالجملة فالمسألة محل اشكال ، لعدم وضوح الدليل القاطع لمادة القال والقيل.

الرابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تكرر الطيب أو اللبس في مجلس واحد أو مجالس متعددة ، فذهب الفاضلان الى ان مناط التعدد اختلاف المجلس ، فان تكرر في مجلس واحد فالكفارة واحدة ، وان تعدد المجلس تعددت الكفارة. والمنقول عن الشيخ وجمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انهم اعتبروا في التكرر اختلاف الوقت ، يعني : تراخي الزمان عادة. وذهب بعضهم الى التكرر مع اختلاف صنف الملبوس كالقميص والسراويل وان اتحد الوقت ، وبه جرم في المنتهى ، فقال : لو لبس قميصا وعمامة وخفين وسراويل وجب عليه لكل واحد فدية ، لأن الأصل عدم التداخل ، خلافا لا حمد (١). وربما ظهر من كلامه في موضع آخر من المنتهى تكرر الكفارة بتكرر اللبس مطلقا ، فإنه قال : لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد ، ولو كان في مرات متعددة وجب عليه لكل ثوب دم ، لان لبس كل ثوب يغاير لبس الثوب الآخر فيقتضي كل واحد منها مقتضاه.

والأظهر التكرر مع اختلاف صنف الملبوس ، كما ورد في صحيحة محمد بن مسلم وقد تقدمت (٢) ، وتقدم ما يمكن الجمع به بين كلامي العلامة المذكورين هنا في الصنف الرابع في لبس المخيط من أصناف محرمات الإحرام. واما الفرق بين اتحاد المجلس أو الوقت واختلافهما

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٤٤٨ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) ص ٤٣٦.

٥٥١

كما تقدم عن الفاضلين والشيخ ـ فلم أقف له على مستند. وبذلك اعترف أيضا في المدارك. والكلام في الطيب كالكلام في اللبس.

وبالجملة فالظاهر التعدد في صورة تعدد الأصناف ، وفي صورة اتحاد الصنف مع تخلل التكفير ، وفي ما عدا ذلك إشكال.

الخامسة ـ لا إشكال في سقوط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون إلا في الصيد ، فإن الكفارة تجب عليه مع العلم والجهل ، والنسيان والعمد ، وكذا الخطأ.

اما الحكم الأول فلا خلاف فيه ، وقد تقدمت جملة من الاخبار الدالة عليه (١).

واما الحكم الثاني فهو المشهور بين الأصحاب ، وحكى العلامة في المختلف عن ابن ابي عقيل انه نقل عن بعض الأصحاب قولا بسقوط الكفارة عن الناسي في الصيد. والمعتمد المشهور ، لما سبق من الاخبار في المسألة (٢).

قالوا : ولو صال على المحرم صيد ولم يقدر على دفعه إلا بقتله جاز له قتله إجماعا. وهل تجب الكفارة بقتله؟ قولان ، قال في المدارك : والأصح انه لا يجب عليه الجزاء ، كما اختاره العلامة في المنتهى ، والشهيد في الدروس ، للأصل واباحة الفعل ، بل وجوبه عليه شرعا. ولا يعارض بأكل الصيد في حال الضرورة ، حيث وجبت به الكفارة مع تعينه شرعا ، لاختصاصه بالنص ، فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل الى ان يثبت المخرج عنه. والله العالم.

__________________

(١) ص ١٣٥ و ١٣٦ و ٣٥٥ الى ٣٥٨ و ٤٣١ و ٤٣٦ و ٤٣٧.

(٢) ص ٣١٩ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

٥٥٢

السادسة ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأن المحرم إذا أكل ما لا يحل للمحرم أكله ، أو لبس ما لا يجوز لبسه ، من ما لم يقدر فيه فدية مخصوصة ، فعليه شاة.

واستندوا في ذلك الى صحيحة زرارة بن أعين (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من نتف إبطه ، أو قلم ظفره أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له اكله ، وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا ، فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة».

وروى الشيخ عن الحسن بن هارون عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له : أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت؟ قال : إذا فرغت من مناسك وأردت الخروج من مكة فاشتر بدرهم تمرا ثم تصدق به ، يكون كفارة لما أكلت ولما دخل عليك في إحرامك من ما لا تعلم».

الفصل الثاني

في تروك الإحرام المكروهة

ومنها : الإحرام في الثياب السود على المشهور ، قال الشيخ في النهاية : لا يجوز الإحرام في الثياب السود. وقال ابن إدريس بعد ما نقل ذلك عنه : معناه انه مكروه شديد الكراهة لا انه محظور. وقال (رحمه‌الله) في المبسوط : فان كانت غير بيض كان جائزا ، إلا إذا كانت سودا ، فإنه لا يجوز الإحرام فيها ، أو تكون مصبوغة بصبغ فيه طيب مثل الزعفران والمسك وغيرهما. ولا يخفى ظهور هذه العبارة في التحريم

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣ من بقية كفارات الإحرام.

٥٥٣

ونقل القول بالتحريم في المختلف عن ابن حمزة أيضا ، ثم استقرب الكراهة كما هو المشهور.

والذي وقفت عليه من اخبار المسألة ما رواه الصدوق والكليني عن الحسين بن المختار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): يحرم الرجل في الثوب الأسود؟ قال : لا يحرم في الثوب الأسود ، ولا يكفن به الميت».

ومن ما يدل على الجواز عموما ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن ـ والصدوق في الصحيح ـ عن حماد عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه».

وخصوصا ما رواه في الكافي عن ابي بصير (٣) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الخميصة سداها إبريسم ولحمتها من غزل. قال : لا بأس بأن يحرم فيها ، إنما يكره الخالص منه». ورواه في الفقيه (٤).

والخميصة ـ على ما ذكره في الصحاح ـ بالمعجمة ثم المهملة : كساء اسود مربع له علمان ، فان لم يكن معلما فليس بخميصة. وفي النهاية : ثوب خز أو صوف معلم. وقيل : لا تسمى خميصة إلا ان تكون سوداء معلمة. وكانت من لباس الناس قديما.

ويمكن ان يكون الجواز هنا بلا كراهة من حيث كون الخميصة كساء ، وانه مستثنى في الصلاة ، لما ورد (٥) من انه يكره السواد إلا في

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من الكفن ، والباب ٢٦ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من الإحرام.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٩ من الإحرام رقم ١ و ٣.

(٥) الوسائل الباب ١٩ من لباس المصلي.

٥٥٤

ثلاثة : الخف والعمامة والكساء.

ومنها الثوب المعصفر. واستدل عليه بما رواه الشيخ عن ابان ابن تغلب (١) قال : «سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) أخي ـ وانا حاضر ـ عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ، ألبسه وانا محرم؟ فقال : نعم ليس العصفر من الطيب ، ولكن أكره ان تلبس ما يشهرك به الناس».

وروى الكليني في الصحيح الى عبد الله بن هلال (٢) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الثوب. الحديث نحوا منه». والصدوق عن الكاهلي (٣) نحوا منه.

وظاهره كراهة ما تحصل به الشهرة من أي الألوان كان.

ويؤيده ما رواه الشيخ عن عامر بن جذاعة (٤) : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن مصبغات الثياب تلبسها المرأة المحرمة فقال : لا بأس إلا المفدم المشهور». والمفدم بإسكان الفاء : المصبوغ بالحمرة صبغا مشبعا.

ومن ما يدل على الجواز بالمعصفر ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (٥) قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) : يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر؟ فقال : إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به».

ومن الاخبار الواردة في لباس المحرم ما رواه الشيخ عن ابي بصير

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٦٩ ، والوسائل الباب ٤٠ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٤٠ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٤٦ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوسائل الباب ٤٠ من تروك الإحرام. ولم نجده في التهذيب.

٥٥٥

في القوى (١) عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «سمعته وهو يقول : كان علي (عليه‌السلام) محرما ومعه بعض صبيانه وعليه ثوبان مصبوغان ، فمر به عمر بن الخطاب فقال : يا أبا الحسن ما هذان الثوبان المصبوغان؟ فقال له علي (عليه‌السلام) : ما نريد أحدا يعلمنا بالسنة ، انما هما ثوبان صبغا بالمشق ، يعني : الطين».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بأن يحرم الرجل في ثوب مصبوغ بمشق».

وروى الشيخ عن عمار بن موسى (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يلبس لحافا ظهارته حمراء وبطانته صفراء ، قد اتى له سنة أو سنتان ، قال : ما لم يكن له ريح فلا بأس. وكل ثوب يصبغ ويغسل يجوز الإحرام فيه ، فان لم يغسل فلا». أقول : يعني : إذا كان مصبوغا بما فيه طيب.

وعن سعيد بن يسار (٤) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الثوب المصبوغ بالزعفران ، اغسله وأحرم فيه؟ قال : لا بأس به».

وعن الحسين بن ابي العلاء في الحسن (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب ،

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٦٧ ، والوسائل الباب ٤٢ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٤٢ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٤٣ من تروك الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٦٧ ، والوسائل الباب ٤٣ من تروك الإحرام.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٤٢ ، والوسائل الباب ٤٣ من تروك الإحرام.

٥٥٦

أيحرم فيه؟ فقال : لا بأس به إذا ذهب ريحه ، ولو كان مصبوغا كله إذا ضرب الى البياض وغسل فلا بأس به».

وروى الكليني والصدوق عن خالد بن ابي العلاء الخفاف (١) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) وعليه برد أخضر وهو محرم».

ومنها الثياب الوسخة ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن العلاء ابن رزين (٢) قال : «سئل أحدهما (عليهما‌السلام) عن الثوب الوسخ ، أيحرم فيه المحرم؟ فقال : لا ، ولا أقول انه حرام ولكن يطهره أحب الي ، وطهره غسله».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ؟ قال : لا ، ولا أقول انه حرام ولكن تطهيره أحب الي ، وطهوره غسله. ولا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل وان توسخ ، إلا ان تصيبه جنابة أو شي‌ء فيغسله». ورواه الصدوق في الصحيح عن محمد ابن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) مثله (٤).

ويستفاد منه أيضا ـ زيادة على محل الاستدلال ـ كراهة غسل ثوب الإحرام وان توسخ ، إلا ان تصيبه نجاسة. ولم أقف على من عده من مكروهات الإحرام.

ومنها الثياب المعلمة. والعلم بالتحريك : علم الثوب من طراز

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٦٨ ، والوسائل الباب ٣٨ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٤١ ، والوسائل الباب ٣٨ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٣٨ من تروك الإحرام.

٥٥٧

وغيره ، وهو العلامة ، وجمعه اعلام ، مثل سبب وأسباب. كذا في مجمع البحرين. وفي المصباح المنير. وأعلمت الثوب : جعلت له علما من طراز وغيره ، وهي العلامة. وقد صرح جملة من الأصحاب بكراهة الإحرام فيه.

والأصل في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا بأس ان يحرم الرجل في الثوب المعلم ، وتركه أحب الي إذا قدر على غيره».

قال في المدارك : وفي الدلالة نظر. والظاهر ان وجه النظر ان «أحب الي» افعل تفضيل ، وهو يقتضي كون الإحرام في الثوب المعلم محبوبا له (عليه‌السلام) فلا يكون مكروها.

ومن ما يدل على الجواز ما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن ليث المرادي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الثوب المعلم ، هل يحرم فيه الرجل؟ قال : نعم ، انما يكره الملحم». قال في الوافي : الملحم من الثياب ما سداه إبريسم ولحمته غير إبريسم

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي (٣) قال : «سألته ـ يعني : أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ عن الرجل يحرم في ثوب له علم. فقال : لا بأس به».

وظاهر خبر ليث المرادي المذكور كراهة الإحرام في الثوب الملحم. ومن ما يدل على جواز الإحرام فيه ما رواه الوزير السعيد علي

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٧١ ، والوسائل الباب ٣٩ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣٩ من تروك الإحرام.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢١٦ ، والوسائل الباب ٣٩ من تروك الإحرام.

٥٥٨

ابن عيسى الإربلي (قدس‌سره) في كتاب كشف الغمة نقلا من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري عن جعفر بن محمد بن يونس (١) قال : «كتب رجل الى الرضا (عليه‌السلام) يسأله عن مسائل ـ وأراد ان يسأله عن الثوب الملحم يلبسه المحرم ، ونسي ذلك ـ فجاء جواب المسائل ، وفيه : لا بأس بالإحرام في الثوب الملحم».

وروى سعيد بن هبة الله الراوندي في الخرائج والجرائح عن محمد ابن عيسى عن الحسن بن علي بن يحيى (٢) قال : «كتبت كتابا الى ابي الحسن (عليه‌السلام) ـ ونسيت ان اكتب إليه أسأله عن المحرم هل يلبس الثوب الملحم أم لا؟ ـ فجاء الجواب بكل ما سألته عنه ، وفي أسفل الكتاب : لا بأس بالملحم ان يلبسه المحرم».

ومنها النوم على الثياب الصفر. ويدل عليه ما رواه في الكافي عن المعلى بن خنيس عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كره ان ينام المحرم على فراش اصفر أو على مرفقة صفراء».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «يكره للمحرم ان ينام على الفراش الأصفر والمرفقة الصفراء». ورواه الصدوق بسنده عن ابي بصير مثله (٥).

قال في المدارك : وكراهة الأصفر يقتضي كراهة الأسود بطريق اولى ، لكن في الطريق ضعف. انتهى. وفي عبارات الأصحاب هنا الثياب المصبوغة بالعصفر أو السواد أو غيرهما من الألوان. ولذلك استدل في المدارك بهذين الخبرين من حيث مفهوم طريق الأولوية.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤١ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٨ من تروك الإحرام.

٥٥٩

ومنها : استعمال الحناء ، للزينة على المشهور. واستوجه العلامة في المختلف التحريم ، واختاره الشهيد الثاني وسبطه في المدارك. وحكم الشيخ في التهذيب بجوازه ، وبان اجتنابه أفضل. ولم يقيده بالزينة ولا عدمها.

واستدل على الكراهة بما رواه الشيخ عن ابي الصباح الكناني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم ، هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال : ما يعجبني ان تفعل ذلك».

وهذه الرواية قد استدل بها في المختلف لما اختاره من القول بالتحريم.

والحق انها من أدلة القول المشهور ، إذ الظاهر من قوله : «ما يعجبني» انما هو الكراهة. إلا ان موردها قبل الإحرام ، وهو غير موضع البحث.

نعم ربما يدل على ذلك ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الحناء. فقال : ان المحرم ليمسه ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس».

وأجاب العلامة في المختلف عن هذه الرواية بأنا نقول بموجبه ، لأنا نجوز استعماله وانما نمنع استعماله للزينة.

وهو جيد ، فان الظاهر ان الخبر انما خرج في مقام الرد على من زعم أو توهم انه من جملة أفراد الطيب الذي يحرم على المحرم مسه. ولذا

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٠ ، والوسائل الباب ٢٣ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من تروك الإحرام.

٥٦٠