الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

الدهن حين تريد ان تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل».

وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه وثقة الإسلام في الكافي عن علي بن أبي حمزة (١) قال : «سألته عن الرجل يدهن بدهن فيه طيب وهو يريد ان يحرم. فقال : لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر تبقى رائحته في رأسك بعد ما تحرم ، وادهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم قبل الغسل وبعده ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل».

وما رواه في الكافي في الحسن عن الحسين بن ابي العلاء (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل المحرم يدهن بعد الغسل. قال : نعم. فادهنا عنده بسليخة بان. وذكر ان أباه كان يدهن بعد ما يغتسل للإحرام ، وانه يدهن بالدهن ما لم يكن غالية أو دهنا فيه مسك أو عنبر».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «الرجل يدهن بأي دهن شاة ـ إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس ـ قبل ان يغتسل للإحرام. قال : ولا تجمر ثوبا لإحرامك».

أقول : وهذه الاخبار كما تدل على تحريم الاستعمال قبل الإحرام إذا كانت تبقى رائحته إلى وقت الإحرام تدل على التحريم في الإحرام

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٢٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٠٢ ، والوسائل الباب ٢٩ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٠ من تروك الإحرام.

٥٠١

بطريق أولى ، فإن التحريم أولا على الوجه المذكور انما ينشأ من التحريم ثانيا كما هو ظاهر.

ويدل على ذلك ايضا ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «وسألته عن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب والمحرم لا يعلم ، ما عليه؟ قال : يغسله ايضا وليحذر».

وبه يظهر ضعف القولين المتقدمين.

واما القسم الثاني فلا خلاف في جواز اكله والادهان به عند الضرورة.

وانما الخلاف في الادهان به اختيارا ، فالمشهور التحريم ، ونقل الجواز في الدروس عن الشيخ المفيد ، ونقله الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا عن الشيخ المفيد وابن ابى عقيل وسلار وابي الصلاح.

والأظهر الأول ، ويدل عليه ما تقدم في صحيحة الحلبي ، ورواية علي بن أبي حمزة ، لقوله (عليه‌السلام) : فيهما بعد ان رخص له في الادهان إذا أراد الإحرام : «فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تمس شيئا من الطيب وأنت محرم ، ولا من الدهن. الحديث».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٥ و ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٢٢ من تروك الإحرام ، والباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٨ و ٢٩ من تروك الإحرام.

٥٠٢

وقال في آخره : «يكره للمحرم الأدهان الطيبة ، إلا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به».

وعنه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ولا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك».

أقول : المراد بمسها يعني : الادهان بها ، لان جواز مسها بالأكل من ما لا خلاف ولا اشكال فيه. ولفظ الكراهة في الخبر الأول بمعنى التحريم ، كما هو شائع في الاخبار بتقريب الأخبار المتقدمة.

احتج من ذهب الى الجواز بالأصل والاخبار : ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم ـ وكذا الصدوق في الصحيح عنه ـ عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «سألته عن محرم تشققت يداه. قال : فقال : يدهنهما بزيت أو بسمن أو إهالة».

وما رواه الكليني في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان خرج بالرجل منكم الخراج أو الدمل فليربطه وليتداو بزيت أو سمن».

وأجيب عن الأصل بما تقدم من الروايات. واما الخبران المذكوران وما في معناهما فان موردهما جواز الادهان عند الضرورة ، وهو ليس من محل النزاع في شي‌ء ، بل هو من ما لا خلاف فيه. وبذلك يظهر

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام رقم ٩.

(٢) الوسائل الباب ٣١ و ٦٩ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٥٩ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٠٤ ، والوسائل الباب ٣١ و ٧٠ من تروك الإحرام.

٥٠٣

ان المعتمد هو القول الأول.

ثم ان ظاهر جملة من الأصحاب ان وجوب الكفارة انما هو في الادهان بالدهن المطيب ، قال ابن إدريس : تجب به الكفارة سواء كان مختارا أو مضطرا. وقال في غير المطيب : لا تجب به كفارة بل الإثم ، فليستغفر الله. وقوى في المختلف وجوب الكفارة في المطيب دون غيره ، قال : واما أكل غير المطيب فإنه سائغ مطلقا.

أقول : لم أقف بعد التتبع على ما يدل على الكفارة في الادهان إلا على ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) : «في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج. قال : ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وان كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه».

وبهذا استدل الشيخ في التهذيب على ما نقله عنه في المدارك ، وعليها جمد في المدارك ، إذ ليس غيرها في البين.

ولا يخفى ما في الاستدلال بها : اما (أولا) : فلان الظاهر ان ضمير «قال» إنما يرجع الى معاوية بن عمار ، فتكون مقطوعة لا مضمرة كما ذكره في المدارك.

واما (ثانيا) : فلاشتمالها على وجوب الكفارة على الجاهل ، مع اتفاق الاخبار والأصحاب على ان الجاهل لا كفارة عليه إلا في الصيد خاصة كما تقدم.

واما (ثالثا) : فلقصورها عن الدلالة على تمام المدعى ، فان موردها حال الضرورة. إلا ان يستعان بعدم القائل بالفصل ، كما

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

٥٠٤

هو أحد أصولهم. وفيه ما لا يخفى. أو يقال بالأولوية في غير الضرورة. وفيه منع.

وبالجملة فالاحتياط يقتضي المصير الى ما ذكروه. ولعل اتفاقهم أولا وآخرا باعتضاده بهذه الرواية كاف في الحكم المذكور.

المقام الثاني ـ في قتل هوام الجسد ، جمع هامة : الدابة. والقول بتحريم قتل هوام الجسد ـ من القمل والبراغيث وغيرهما ، سواء كان على الثوب أو الجسد ـ هو المشهور بين الأصحاب. ونقل عن الشيخ وابن حمزة : أنهما جوزا قتل ذلك على البدن ، قال الشيخ : فإن القى القمل عن جسمه فدى ، والاولى ان لا يعرض له ما لم يؤذه. ومنع في النهاية من قتل المحرم البق والبرغوث وشبههما في الحرم ، فان كان محلا في الحرم فلا بأس. وأوجب المرتضى في قتل القملة أو الرمي بها كفا من طعام.

والذي وقفت عليه من الاخبار في المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عيسى (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها. قال : يطعم مكانها طعاما».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها. قال : يطعم مكانها طعاما».

وعن الحسين بن ابي العلاء في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمدا ، وان فعل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما : قبضة بيده».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.

٥٠٥

وما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح (١) قال : «سألته عن المحرم هل يحك رأسه ، أو يغسل بالماء؟ فقال : يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة. الحديث».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم يلقي عنه الدواب كلها إلا القملة ، فإنها من جسده ، فإذا أراد ان يحول قملة من مكان الى مكان فلا يضره».

وما رواه في الكافي عن الحسين بن ابي العلاء (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا يرمي المحرم القملة من ثوبه ولا من جسده متعمدا ، فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما. قلت : كم؟ قال : كفا واحدا».

وعن أبان في الصحيح عن ابي الجارود (٤) قال : «سأل رجل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل قتل قملة وهو محرم. قال : بئس ما صنع. قال : فما فداؤها؟ قال : لا فداء لها».

وما رواه الشيخ عن معاوية في الصحيح والكليني عنه في الحسن (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال : لا شي‌ء عليه في القملة ، ولا ينبغي ان يتعمد قتلها».

وعن صفوان في الصحيح عن مرة مولى خالد (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يلقي القملة. فقال : ألقوها ،

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٠ ، والوسائل الباب ٧٣ و ٧٨ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٧٨ من تروك الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٧٨ من تروك الإحرام ، والباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.

٥٠٦

أبعدها الله ، غير محمودة ولا مفقودة».

وروى زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن المحرم ، يقتل البقة والبرغوث إذا رءاه؟ قال : نعم».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر احمد ابن محمد بن ابي نصر عن جميل (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يقتل البقة والبراغيث إذا آذاه؟ قال : نعم».

وما رواه في الكافي عن ابي الجارود (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : حككت رأسي وانا محرم ، فوقعت قملة؟ قال : لا بأس. قلت : اي شي‌ء تجعل علي فيها؟ قال : وما اجعل عليك في قملة؟ ليس عليك فيها شي‌ء».

وما رواه الشيخ عن الحلبي (٤) قال : «حككت رأسي وانا محرم فوقع منه قملات ، فأردت ردهن فنهاني ، وقال : تصدق بكف من طعام».

وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يحك رأسه فتسقط منه القملة والثنتان؟ قال : لا شي‌ء عليه ، ولا يعود. قلت : كيف يحك رأسه؟ قال : بأظافيره ما لم يدم ، ولا يقطع الشعر».

أقول : وهذه الاخبار كلها مع اختلافها انما وردت في القملة خاصة ، فالقول بالتعميم لا يخلو من اشكال ، سيما مع دلالة رواية زرارة المذكورة هنا على جواز قتل البرغوث. وقد تقدم ذكر الخلاف في جواز

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٩ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٧٨ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.

٥٠٧

قتل البرغوث في المسألة التاسعة من مسائل الفصل الأول في صيد البر (١).

والشيخ ـ بناء على ما هو المشهور ـ أجاب عن الروايات الأخيرة (أولا) : بالحمل على الرخصة. و (ثانيا) : بالحمل على من يتأذى بها فيقتل ويكفر. قال : وقوله : «لا شي‌ء عليه» يعني : من العقاب أو لا شي‌ء معين.

وأنت خبير بما فيه ، إلا ان الاحتياط يقتضيه. والمسألة لا تخلو من نوع اشكال ، فان الروايات الأخيرة وان كانت على خلاف ما هو المشهور بين الأصحاب ، إلا انها مخالفة لمذهب العامة ، والروايات الأولى موافقة لهم (٢) إلا ان الحكم بها بين أصحابنا مشهور ، والقائل بخلافها نادر. والله العالم.

تنبيه

المشهور بين الأصحاب انه يجوز إلقاء القراد والحلم عن نفسه وبعيره والحلم بفتح الحاء واللام جمع حلمة بالفتح ايضا ، وهي القراد العظيم كما نقل عن الصحاح. وقيل : إنها الصغيرة من القردان أو الضخمة ضدان.

واستدلوا على ذلك بالأصل ، وبما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أرأيت ان وجدت على قرادا أو حلمة أطرحهما؟ قال : نعم. وصغار لهما ،

__________________

(١) ص ١٥٩.

(٢) ارجع الى الصفحة ٢٤٧ الى ٢٥٠.

(٣) الوسائل الباب ٧٩ من تروك الإحرام.

٥٠٨

انهما رقيا في غير مرقاهما». وهذا الخبر ـ كما ترى ـ مختص بالإنسان ولا تعرض فيه للبعير.

وقال الشيخ في التهذيب : ولا بأس ان يلقى المحرم القراد عن بعيره ولا يلقي الحلمة. واستدل عليه بما رواه عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان القى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقى الحلمة».

أقول : ويدل على ما ذكره (قدس‌سره) زيادة على الرواية المذكورة ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير بمنزلة القملة من جسدك ، فلا تلقها ، والق القراد».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن المحرم ، يقرد البعير؟ قال : نعم ، ولا ينزع الحلمة».

وما رواه في التهذيب عن عمر بن يزيد (٤) قال : «لا بأس ان تنزع القراد عن بعيرك ، ولا ترم الحلمة».

وما رواه في التهذيب ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن معاوية ابن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «ان القى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقى الحلمة».

وما رواه الصدوق عن ابي بصير (٦) قال : «سألته عن المحرم

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٨٠ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٨٠ من تروك الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٨٠ من تروك الإحرام. وقد تقدم نقله عن التهذيب برقم (١).

٥٠٩

ينزع الحلمة عن البعير؟ فقال : لا ، هي بمنزلة القملة من جسدك».

وعن حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ان القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير».

وبذلك يظهر ان ما ذكره الشيخ من التفصيل هو الأظهر. وعليه يحمل إطلاق ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سعيد (٢) قال : «سأل أبو عبد الرحمن أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يعالج دبر الجمل. قال : فقال : يلقي عنه الدواب ، ولا يدميه».

والظاهر من هذه الروايات ان الحلم غير القراد ، حيث انه (عليه‌السلام) جعل الحلمة منه بمنزلة القملة من الإنسان ، بمعنى انها تخلق من وسخه فكأنها من جسمه ، وان القراد ليس منه بل هو من الدواب الخارجة التي تأتي اليه. ومقتضى ما ذكره أهل اللغة ان الحلمة نوع من القراد أما الصغيرة منه أو الضخمة ، وهو لا يلائم ما دلت عليه هذه الاخبار. ولم أر من تنبه لذلك من المحدثين.

ثم ان الظاهر من هذه الاخبار انه لا كفارة في إلقاء الحلم عن البعير ، حيث لم يتعرض في شي‌ء منها لوجوب الكفارة لو فعل ، وانما غاية ما تدل عليه الإثم بذلك.

إلا انه قد روى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) : «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول في المحرم ينزع عن بعيره القردان والحلم : ان عليه الفدية».

والرواية ـ مع ضعف سندها وكون رواتها من العامة ـ قد تضمنت

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٨٠ من تروك الإحرام.

٥١٠

وجوب الفدية في نزع القردان مع ان الروايات المتقدمة قد اشتركت في الدلالة على جواز النزع. وحينئذ فالعمل على هذه الرواية ـ والأمر كما عرفت ـ مشكل.

الصنف الثالث عشر والرابع عشر ـ ازالة الشعر ، وإخراج الدم.

والبحث في ذلك يقع في فصلين الأول ـ في إزالة الشعر.

وتحقيق الكلام فيه يتوقف على بسطه في مسائل :

الأولى ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في انه يحرم على المحرم ازالة الشعر من رأسه ولحيته وسائر بدنه ، بحلق أو نتف أو غيرهما ، مع الاختيار. ونقل عليه في التذكرة والمنتهى إجماع العلماء.

ويدل عليه بالنسبة إلى الحلق قوله (عزوجل) (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (١).

ويدل عليه وعلى غيره الأخبار الكثيرة ، ومنها ـ صحيحة زرارة (٢) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من حلق رأسه ، أو نتف إبطه ـ ناسيا أو ساهيا أو جاهلا ـ فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمد أفعليه دم».

وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة بن أعين (٣) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من نتف إبطه ، أو قلم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٩ ، والوسائل الباب ١٠ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٨ من بقية كفارات الإحرام.

٥١١

لا ينبغي له اكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا ، فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة».

وروى الصدوق في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر. واحتجم الحسن بن علي عليهما‌السلام. وهو محرم». قوله : «واحتجم الحسن بن علي عليهما‌السلام ...» يحتمل ان يكون من الخبر ومن كلام الصدوق. ونحوه ما رواه الشيخ عن حريز في الصحيح مثله (٢).

وقد تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (٣) ـ وهي آخر الروايات المتقدمة في مسألة قتل هو أم الجسد ـ انه يحك رأسه بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر.

وعن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس بحك الرأس واللحية ما لم يلق الشعر ، وبحك الجسد ما لم يدمه».

الى غير ذلك من الاخبار الآتية في المقام ان شاء الله (تعالى).

الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف في جوازه مع الضرورة وان وجبت الفدية.

ويدل على الجواز الأصل ، ونفي الحرج (٥) وقوله (عزوجل)

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٢ ، والوسائل الباب ٦٢ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٦٢ من تروك الإحرام.

(٣) ص ٥٠٧ رقم (٥).

(٤) الوسائل الباب ٧٣ من تروك الإحرام.

(٥) ارجع الى الجزء الأول ص ١٥١.

٥١٢

(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (١).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «مر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على كعب بن عجرة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه ، فقال : أتؤذيك هوامك؟ قال : نعم. قال : فأنزلت هذه الآية (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٣) فأمره رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بحلق رأسه ، وجعل عليه الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان ، والنسك : شاة. قال : وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام): وكل شي‌ء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكل شي‌ء في القرآن «فمن لم يجد فعليه كذا» فالأول بالخيار».

قوله (عليه‌السلام) : «فالأول بالخيار» يعني : فالأول هو المختار وما بعده انما هو عوض عنه مع عدم إمكانه.

وقال الصدوق في الفقيه (٤) : «مر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على كعب بن عجرة الأنصاري وهو محرم ، وقد أكل القمل رأسه وحاجبيه وعينيه ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما كنت ارى ان الأمر يبلغ ما أرى ، فأمره فنسك عنه نسكا ، وحلق رأسه ، لقول الله (تعالى) (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٥). فالصيام : ثلاثة أيام ، والصدقة : على ستة مساكين ، لكل مسكين صاع من تمر. وروى : مد من تمر. والنسك : شاة لا يطعم منها أحدا إلا المساكين».

__________________

(١ و ٣ و ٥) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٣ ، والوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) ج ٢ ص ٢٢٨ ، والوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام.

٥١٣

وما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال الله (تعالى) في كتابه (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٢) فمن عرض له أذى أو وجع ، فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا ، فالصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك : شاة يذبحها فيأكل ويطعم. وانما عليه واحد من ذلك».

الثالثة ـ لا خلاف في ان الفدية في إزالة الشعر ـ بأي الوجوه المتقدمة ، عمدا كان أو لضرورة ـ واجبة ، وان اختلفت مقاديرها ، قال في المنتهى : لا فرق بين شعر الرأس وبين شعر سائر البدن في وجوب الفدية ، وان اختلف مقاديرها على ما يأتي ، ذهب إليه علماؤنا.

ثم ان ظاهر عبارات جملة من الأصحاب ان التخيير بين الافراد الثلاثة مترتب على حلق الشعر مطلقا من الرأس أو البدن. وتأمل فيه بعض الأفاضل.

أقول : ظاهر رواية عمر بن يزيد العموم ، إلا ان موردها حالة الضرورة دون الاختيار.

بقي الكلام في الصدقة التي هي أحد أفراد الكفارة المخيرة ، وقد صرح جمع من الأصحاب بأنها على عشرة مساكين لكل مد. وقال الشيخ : من حلق رأسه لأذى فعليه دم شاة ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو يتصدق على ستة مساكين ، لكل مسكين مد من طعام. وقد روى عشرة مساكين. وهو الأحوط. ونحوه قال الشيخ المفيد ، إلا انه لم يذكر رواية العشرة ، بل جعل الإطعام لستة مساكين لكل مسكين

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٣ ، والوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

٥١٤

مد. وبه قال ابن إدريس. وقال ابن الجنيد : أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع. وهو الذي رواه الصدوق في المقنع. وبه قال ابن ابى عقيل. واختاره في المختلف.

والذي وقفت عليه من الاخبار في ذلك صحيحة حريز المتقدمة ، وكذا رواية عمر بن يزيد ، وصحيحة زرارة المتقدمة في صدر روايات المسألة الاولى.

وروى الشيخ عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أحصر الرجل فبعث يهديه ، فأذاه رأسه قبل ان ينحر هديه ، فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه ، أو يصوم ، أو يتصدق على ستة مساكين. والصوم : ثلاثة أيام ، والصدقة : نصف صاع لكل مسكين». ورواه الكليني في الكافي عن زرارة مثله (٢).

ومورد صحيحة حريز ورواية عمر بن يزيد ورواية زرارة ـ المشتمل كل منها على التخيير بين الافراد الثلاثة ـ انما هو الحلق للأذى ، وليس فيها ما يدل على حكم المتعمد من غير ضرورة. إلا ان يقال : انه إذا كان الحكم في الضرورة ذلك فالمتعمد بطريق اولى. وظاهر صحيحة زرارة المتقدمة في صدر المسألة الاولى وان كان يدل على المتعمد ، إلا انه أوجب فيها الشاة خاصة ، والحكم عندهم التخيير. قال في المدارك : ولو قيل به إذا كان الحلق لغير ضرورة لم يكن بعيدا. لكن قال في المنتهى : ان التخيير في هذه الكفارة لعذر أو غيره قول علمائنا اجمع.

ويدل على تعدى الحكم الى غير الحلق رواية عمر بن يزيد.

والظاهر ان مستند المشهور من التصدق على عشرة مساكين هو رواية عمر بن يزيد. لكنها قد اشتملت على انه يشبعهم من الطعام ،

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام.

٥١٥

وهم انما قالوا بالمد خاصة. وأيضا فإنها قد اشتملت على ما لا يقول به أحد من الأصحاب ـ في ما اعلم ـ من انه يجوز له ان يأكل من فدائه وقد ورد ـ كما قدمنا نقله ايضا ـ ان الهدي الذي يكون جبرانا لما وقع في الحج أو العمرة من النقصان لا يؤكل منه. وقد تقدم في مرسلة الصدوق المذكورة في المقام (١) : «والنسك شاة لا يطعم منها أحدا إلا المساكين». قال في المنتهى : ولا يجوز ان يأكل منها شيئا ، لأنها كفارة فيجب دفعها الى المساكين كغيرها من الكفارات. انتهى.

وما دلت عليه صحيحة حريز من إطعام الستة هو مستند الشيخين ومن تبعهما ، إلا ان أكثرهم ذكر ان الصدقة مد ، ولم يذكر المدين إلا ابن الجنيد ، فتكون الرواية أشد انطباقا على مذهبه. ويعضدها أيضا رواية زرارة المتقدمة الواردة في حلق رأس المحصر ، فإنه جعل الصدقة على ستة مساكين ، وان يكون لكل مسكين نصف صاع. واما ما دلت عليه مرسلة الصدوق من الصاع فالظاهر انه متروك. ولعل لفظ : «نصف» سقط من قلم المصنف (قدس‌سره) أو من قبله.

وجمع الشيخ ـ بين صحيحة حريز وما دلت عليه من الستة والمدين ورواية عمر بن يزيد وما دلت عليه من العشرة والشبع لكل واحد ـ بالتخيير بين الأمرين. وهو جيد.

قال العلامة في المنتهى : والكفارة عندنا تتعلق بحلق جميع الرأس أو بعضه ، قليلا كان أو كثيرا ، لكن تختلف ، ففي حلق الرأس دم ، وكذا في ما يسمى حلق الرأس ، وفي حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان. قال في المدارك : وهو جيد. لكن ينبغي تعين الصدقة في ذلك بكف من طعام أو بكف من سويق ، كما سيجي‌ء بيانه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام رقم (٥).

٥١٦

الرابعة ـ قال في المنتهى : إذا نبت الشعر في عينه أو نزل شعر حاجبه فغطى عينه جاز له قطع النابت في عينه وقص المسترسل. والوجه انه لا فدية عليه ، لانه لو تركه لا ضر بعينه ومنعه من الأبصار ، كما لو صال الصيد عليه فقتله ، فإنه لا فدية عليه.

ثم قال (قدس‌سره) : لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعا ، للآية (١) والأحاديث السابقة. ثم ينظر ، فان كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدية عليه ، كما لو نبت في عينه أو نزل شعر حاجبه بحيث يمنعه من الأبصار ، لأن الشعر أضر به فكان له ازالة ضرره ، كالصيد إذا صال عليه ، وان كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكن من إزالة الأذى إلا بحلق الشعر ـ كالقمل ، والقروح برأسه ، والصداع من الحر بكثرة الشعر ـ وجبت الفدية ، لأنه قطع الشعر لازالة الضرر عنه ، فصار كما لو أكل الصيد للمخمصة. (لا يقال) : القمل من ضرر الشعر ، والحر سببه كثرة الشعر ، فكان الضرر منه أيضا (لأنا نقول) : ليس القمل من الشعر وانما لا يمكنه المقام إلا بالرأس ذي الشعر ، فهو محل لا سبب. وكذلك الحر من الزمان ، لان الشعر يوجد في البرد ولا يتأذى به. فقد ظهر ان الأذى في هذين النوعين ليسا من الشعر. انتهى.

واعترضه في المدارك بعد نقل الكلام الأخير بأنه غير واضح ، قال : والمتجه لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض ، أو الأذى الحاصل في الرأس مطلقا ، لإطلاق الآية الشريفة (٢) دون ما عدا ذلك ، لان الضرورة مسوغة لإزالته ، والفدية منتفية بالأصل.

__________________

(١ و ٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

٥١٧

أقول : لا ريب ان مورد الأخبار الموجبة لجواز الحلق مع الضرورة انما هو التضرر بالقمل أو بالصداع كما في روايات المحصر. وعليه يحمل إطلاق الآية (١) ويبقى ما عداه خارجا عن محل البحث. وبالجملة فالفدية انما هو في موضع رفع الأذى بأحد هذه الأشياء. واما ما يستلزم تركه الضرر الموجب للعمى ـ مثلا ـ أو عدم الأبصار ، أو نحو ذلك من الأمراض ، فالظاهر انه لا فدية فيه ، لعدم الدليل.

وبنحو ما ذكره العلامة هنا صرح في الدروس ايضا. وهو جيد. ومناقشة السيد (قدس‌سره) ضعيفة.

الخامسة ـ قال في الدروس : الأقرب انه لا شي‌ء على الناسي والجاهل. وأوجب الفاضل الكفارة على الناسي في الحلق والقلم ، لأن الإتلاف يتساوى فيه العمد والخطأ كالمال. وهو بعيد ، لصحيح زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) : «من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه». ونقل الشيخ الإجماع على عدم وجوب الفدية على الناسي. والقياس عندنا باطل ، وخصوصا مع معارضة النص. انتهى. وهو جيد.

السادسة ـ لو مس لحيته أو رأسه فسقط منه شي‌ء فالواجب كف من طعام. والحكم من ما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، كما هو ظاهر المنتهى والتذكرة. ونقل عن ابن حمزة : التصدق بكفين. وقال الصدوق في المقنع : بكف أو كفين من طعام. وقال سلار : وان أسقط بفعله شيئا من شعره فعليه كف من طعام. ومن أسقط كثيرا من شعره فعليه دم شاة. وأطلق. ولم يذكر التفصيل بين الوضوء وغيره.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من بقية كفارات الإحرام.

٥١٨

وكذا قال السيد المرتضى. وقال ابن البراج : إذا مس رأسه أو لحيته لغير طهارة ، فسقط شي‌ء من شعرهما بذلك ، فعليه كف من طعام ، وان كان مسهما للطهارة لم يكن عليه شي‌ء. وقد ذكر انه ان سقط في حال وضوئه كان عليه كف من طعام ، وان كان كثيرا فدم شاة.

واما الروايات الواردة في المقام : فمنها ـ ما رواه الشيخ والصدوق عن معاوية بن عمار في الصحيح (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة والثنتان؟ قال : يطعم شيئا». قال الصدوق (٢) : وفي خبر آخر : «مدا من طعام أو كفين».

وعن هشام بن سالم في الصحيح (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته وهو محرم ، فسقط شي‌ء من الشعر ، فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق». ورواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن هشام مثله (٤) إلا انه قال : «بكف من كعك أو سويق».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «ان نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئا فعليه ان يطعم مسكينا في يده». وما رواه الشيخ عن منصور عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) : «في

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) الوافي باب (الحجامة وازالة الشعر والظفر للمحرم). ولكن في الوسائل الباب ١٦ من بقية كفارات الإحرام ينقله عن الصدوق والكليني فقط. ولم نجده في التهذيب.

٥١٩

المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة؟ قال : يطعم كفا من طعام أو كفين».

وعن الحسن بن هارون (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): اني أولع بلحيتي وانا محرم فتسقط الشعرات؟ قال : إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرا وتصدق به ، فإن تمرة خير من شعرة».

أقول : وقضية ضم هذه الاخبار مطلقها الى مقيدها الاكتفاء بالكف من الطعام أو السويق أو التمر ، والمد أفضل. واما ما ذكر من هذه الأقوال فلم أقف لها على دليل.

واما ما رواه الشيخ عن ليث المرادي (٢) ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يتناول لحيته وهو محرم يعبث بها ، فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطأ أو عمدا. فقال : لا يضره». ـ

فقد حمله الشيخ على نفي العقاب ، قال : لان من تصدق بكف من طعام لم يستضر بذلك. واحتمل بعض الحمل على الإنكار.

أقول : غاية الخبر ان يكون مطلقا بالنسبة إلى الكفارة ، فيجب تقييده. ولا ينافيه قوله : «ولا يضره» لإمكان الحمل على عدم إفساد الحج.

واما ما رواه الشيخ عن المفضل بن عمر (٣) ـ قال : «دخل النباجي على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال : ما تقول في محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان علي شي‌ء».ـ

فحمله الشيخ على صورة السهو وعدم التعمد. أقول :

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٦ من بقية كفارات الإحرام.

٥٢٠