الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

سرا في الميقات ثم الإعلان بها إذا استوت به الأرض ان كان في غير طريق المدينة ، وإلا فإذا بلغ البيداء عند الميل ان كان في طريق المدينة.

ويحكى عن بعض الأصحاب انه جعل التلبية مقارنة لشد الإزار.

وكلام أكثر الأصحاب خال عن اشتراط المقارنة. بل يحكى عن كثير منهم التصريح بعدم الاشتراط.

أقول : والمستفاد من الاخبار على وجه لا يقبل المدافعة والإنكار هو جواز التأخير ، ومنها صحيحة معاوية بن عمار ، وقد تقدمت في صدر المقام الأول من هذا المقصد (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس ان يصلي الرجل في مسجد الشجرة ويقول الذي يريد ان يقوله ولا يلبي ، ثم يخرج فيصيب من الصيد وغيره ، فليس عليه فيه شي‌ء».

وما رواه الصدوق عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا صليت في مسجد الشجرة فقل ـ وأنت قاعد في دبر الصلاة

__________________

(١) ص ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٣٥ و ٤٦ من الإحرام. وظاهر الفقيه ج ٢ ـ

٤١

قبل ان تقوم ـ ما يقول المحرم ، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء ، فإذا استوت بك البيداء فلب. وان أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام ، وأفضل ذلك ان تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي قبل ان تصير الى الأبطح».

وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه صلى ركعتين وعقد في مسجد الشجرة ثم خرج ، فاتي بخبيص فيه زعفران فأكل ـ قبل ان يلبي ـ منه».

وعن هشام بن الحكم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان أحرمت من غمرة أو بريد البعث صليت وقلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك ، وان شئت لبيت من موضعك ، والفضل ان تمشي قليلا ثم تلبي».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) : «في الرجل يقع على اهله بعد ما يعقد الإحرام ولم يلب؟ قال : ليس عليه شي‌ء».

وعن منصور بن حازم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش».

__________________

ص ٢٠٧ ان الحديث ينتهي بقوله (ع) : «فلب» وان ما بعده من كلام الصدوق. ويظهر ذلك ايضا من الوافي باب (وقت التلبية وكيفيتها).

(١) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٨ ، والوسائل الباب ٣٥ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.

٤٢

وعن عبد الله بن سنان (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء».

وما رواه الصدوق عن حفص بن البختري في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على اهله قبل ان يلبى؟ قال : ليس عليه شي‌ء».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة ، واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك ، فإذا استوت بك الأرض ـ راكبا كنت أو ماشيا ـ فلب. الحديث».

وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت له : إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أيلبى حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة؟ قال : اي ذلك شاء صنع».

قال الكليني (قدس‌سره) (٥) : وهذا عندي من الأمر المتوسع ، إلا ان الفضل فيه ان يظهر التلبية حيث أظهر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على طرف البيداء. ولا يجوز لأحد ان يجوز ميل البيداء إلا وقد أظهر التلبية. وأول البيداء أول ميل يلقاك عن يسار الطريق. انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام. وقد تقدمت في الصفحة ٤١ برقم (٢).

(٢) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٣٥ من الإحرام.

(٥) فروع الكافي ج ٤ ص ٢٣٤.

٤٣

وروى الشيخ عن زرارة في القوى (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : متى ألبي بالحج؟ قال : إذا خرجت إلى منى. ثم قال : إذا جعلت شعب الدب على يمينك والعقبة على يسارك فلب للحج».

ويدل عليه أيضا جملة من الاخبار (٢) زيادة على ما ذكرناه.

وهذه الاخبار كلها مع صحتها واستفاضتها صريحة في جواز التأخير وبذلك يظهر ضعف القول بوجوب المقارنة. على ان ما حملوه عليه ـ من وجوب المقارنة في نية الصلاة ـ لا دليل عليه ، كما تقدم تحقيقه في محله.

بقي الكلام هنا في شيئين أحدهما ـ ظاهر الروايات المتقدمة الدالة على الإحرام من مسجد الشجرة وجوب تأخير التلبية عن موضع عقد الإحرام في المسجد ، لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (٣) في صدر البحث : «ثم قم فامش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ـ ماشيا كنت أو راكبا ـ فلب». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحته الثانية أو حسنته المذكورة هنا : «واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء». وقوله (عليه‌السلام) في رواية الصدوق عن الفضلاء الأربعة المتقدمين : «ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء ، فإذا استوت بك البيداء فلب». وقوله (عليه‌السلام) في رواية منصور بن حازم : «إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء». ويعضد ذلك ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة وقوله (عليه‌السلام)

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٤ و ٣٤ و ٣٥ من الإحرام.

(٣) ص ٢٩.

٤٤

فيها : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء».

إلا انه قد روى ثقة الإسلام في القوي عن عبد الله بن سنان (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج ان يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال : نعم ، انما لبى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على البيداء لان الناس لم يعرفوا التلبية فأحب أن يعلمهم كيف التلبية».

وظاهر كلام ثقة الإسلام المتقدم حمل الروايات الدالة على التأخير على الأفضلية.

والشيخ فرق بين الراكب والماشي ، فجمع بين الاخبار بحمل رواية عبد الله بن سنان المذكورة على الماشي وحمل الروايات المتقدمة على الراكب قال بعد ذكرها : والوجه في هذه الرواية ان من كان ماشيا يستحب له ان يلبى من المسجد ، وان كان راكبا فلا يلبي إلا من البيداء.

واستدل على ذلك بصحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وان كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء».

ورد بان حمل الروايات المتضمنة للأمر بتأخير التلبية إلى البيداء من غير تفصيل على الراكب بعيد جدا.

أقول : ويعضده الأمر بالتلبية للماشي والراكب ـ بعد الخروج عن موضع عقد الإحرام وان تستوي به الأرض ـ في صحيحة معاوية بن

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٥ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.

٤٥

عمار ، وقوله (عليه‌السلام) في رواية الصدوق عن الفضلاء الأربعة (١) «ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء. فلب».

قال في الوافي! ويشبه ان يكون الفرق صدر عن تقية. وظاهره حمل صحيحة عمر بن يزيد على التقية (٢) وهو غير بعيد.

وبالجملة فالاحتياط في الوقوف على الروايات المتقدمة الدالة على التأخير إلى البيداء راكبا كان أو ماشيا. بل لا يبعد المصير اليه لولا ذهاب جملة من فضلاء قدماء الأصحاب إلى التخيير ، كما سمعت من كلام ثقة الإسلام (قدس الله روحه).

فإنه قد روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن وهب (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التهيؤ للإحرام. فقال : في مسجد الشجرة ، فقد صلى فيه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل ، فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبيك اللهم لبيك. الحديث».

أقول : وهذا الخبر ظاهر في ان الإحرام عبارة عن التلبية ، كما قدمنا الكلام فيه في مسألة ناسي الإحرام. والمراد بالتهيؤ للإحرام في الخبر هو الصلاة والدعاء عقيبها بما تقدم ، بعد الغسل ولبس ثوبي

__________________

(١) ص ٤١.

(٢) لم نقف بعد التتبع في كتب العامة على التفرقة بين الراكب والماشي بذلك. وقال العيني الحنفي في عمدة القارئ ج ٤ ص ٥١٩ : اختلف العلماء في الموضع الذي أحرم منه النبي (ص) فقال قوم : أهل من مسجد ذي الحليفة وقال آخرون : حين اطل على البيداء ، وقال آخرون : من البيداء.

(٣) الوسائل الباب ٣٤ من الإحرام.

٤٦

الإحرام. وقوله : «وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل» يعني : يلبون ويعقدون بالتلبية. فنهاهم عن ذلك حتى يبلغوا البيداء ، وأمرهم بالإحرام في محاملهم ، يعني : التلبية ، كما يشير اليه قوله : «تقول» يعني : تحرم بهذا القول.

والخبر ظاهر في تعيين تأخير التلبية إلى البيداء ، ومعتضد بالأخبار المتقدمة. والظاهر ان هذا حكم مختص بالإحرام من مسجد الشجرة ، فلا تنافيه الأخبار الدالة على التخيير وأفضلية التأخير في غير هذا الميقات وجملة من الأصحاب استندوا في التخيير في هذا الميقات الى التخيير الوارد في غيره من المواقيت. وفيه ما عرفت.

الثاني ـ انه قد تقدم في اخبار المواقيت انه لا يجوز لأحد قاصد النسك ان يتجاوزها إلا محرما ، مع ان هذه الاخبار دلت على تجاوزها الى البيداء ـ وهو على ميل من مسجد الشجرة كما عرفت ـ بغير إحرام ـ لأن الإحرام ـ كما عرفت ـ انما يحصل بالتلبية ، وهي قد دلت على تأخير التلبية إلى البيداء. ومن هنا صرح العلامة (قدس‌سره) في ما قدمنا نقله عنه من المنتهى انه يحرم سرا بعد الصلاة في المسجد ، قاصدا بذلك حمل روايات تأخير التلبية إلى البيداء على تأخير الإجهار بها لا تأخيرها ولو سرا. إلا ان حمل الروايات على ما ذكره بعيد جدا ، ولا سيما صحيحة معاوية بن وهب المذكورة. ولا يحضرني الآن وجه في الخروج عن هذا الإشكال. إلا ان تحمل الأخبار الدالة على النهي عن تجاوز تلك المواقيت إلا محرما على ما هو أعم من الإحرام والتهيؤ له ، فإن إطلاق الإحرام على الصلاة له والدعاء بعدها ـ بعد الغسل ولبس ثوبي الإحرام ونحو ذلك ـ غير بعيد ، بل هو أقرب المجازات ، وان كان

٤٧

ترتب الكفارات انما يحصل بعد التلبية.

المسألة الثانية ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو كان قارنا تخير في عقد إحرامه بالتلبية وان شاء قلد أو أشعر. ونقل عن المرتضى وابن إدريس (رضى الله عنهما) انه لا ينعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلا بالتلبية ، لأن انعقاد الإحرام بالتلبية مجمع عليه ، ولا دليل على انعقاده بهما. وهو ضعيف مردود بالأخبار الصحيحة الصريحة ، وان كان كلامهما (روح الله روحيهما) جيدا على أصلهما الغير الأصيل من عدم الاعتماد على اخبار الآحاد.

والذي يدل على القول المشهور روايات : منها ـ صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم».

وصحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «من أشعر بدنته فقد أحرم وان لم يتكلم بقليل ولا كثير».

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «تقلدها نعلا خلقا قد صليت فيها. والأشعار والتقليد بمنزلة التلبية».

وفي حديث طويل برواية الشيخ (٤) عن صفوان في الصحيح ـ عن معاوية بن عمار وغير معاوية ممن روى صفوان عنه الأحاديث المتقدمة المذكورة ، وقال ـ يعني : صفوان ـ هي عندنا مستفيضة ـ عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام). الى ان قال : «لانه قد يوجب الإحرام

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

(٤) الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

٤٨

أشياء ثلاثة : الاشعار والتلبية والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي ـ بإسنادين ، أحدهما صحيح عندي حسن على المشهور بإبراهيم ـ عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في قول الله عزوجل (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) (٢) والفرض : التلبية والاشعار والتقليد ، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج. ولا يفرض الحج إلا في هذه الشهور. الحديث».

وعن جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا كانت البدن كثيرة قام في ما بين ثنتين ثم أشعر اليمنى ثم اليسرى.

ولا يشعر ابدا حتى يتهيأ للإحرام ، لأنه إذا أشعر وقلد وجلل وجب عليه الإحرام. وهي بمنزلة التلبية».

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الأشعار ـ على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ ان يشق سنام البعير من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بدم إشعاره. والاخبار لا تساعد على ما ذكروه من اللطخ ، وانما اشتملت على شق سنامها من الجانب الأيمن :

ففي صحيحة الحلبي المتقدمة في المقدمة الرابعة في أنواع الحج في مسألة القارن (٤) : «والاشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها».

وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٥) قال : «سألت

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أقسام الحج.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

(٤) ج ١٤ ص ٣٧٠ ، والوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

٤٩

أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البدنة كيف يشعرها؟ قال : يشعرها وهي باركة ، وينحرها وهي قائمة ، ويشعرها من جانبها الأيمن ، ثم يحرم إذا قلدت وأشعرت».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (١) قال : «البدنة يشعرها من جانبها الأيمن ، ثم يقلدها بنعل قد صلى فيها».

وروى ثقة الإسلام في الموثق عن يونس بن يعقوب (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني قد اشتريت بدنة فكيف اصنع بها؟ فقال : انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة ، فأفض عليك من الماء ، والبس ثوبيك ، ثم أنخها مستقبل القبلة ، ثم ادخل المسجد فصل ، ثم افرض بعد صلاتك ، ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ثم قل : بسم الله ، اللهم منك ولك ، اللهم فتقبل مني. ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبه».

وعن عبد الرحمن بن ابي عبد الله وزرارة (٣) قالا : «سألنا أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البدن كيف تشعر؟ ومتى يحرم صاحبها؟ ومن اي جانب تشعر؟ ومعقولة تنحر أو باركة؟ فقال : تشعر معقولة ، وتشعر من الجانب الأيمن».

وعن معاوية بن عمار في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «البدن تشعر من الجانب الأيمن ، ويقوم الرجل في الجانب الأيسر ، ثم يقلدها بنعل خلق قد صلى فيها».

وروى الصدوق عن ابي الصباح الكناني (٥) قال : «سألت

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

(٥) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٩ ، والوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

٥٠

أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البدن كيف تشعر؟ قال : تشعر وهي باركة من شق سنامها الأيمن ، وتنحر وهي قائمة من قبل الأيمن». الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

وينبغي التنبيه على فوائد

الأولى : ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ودلت عليه الاخبار المتقدمة ـ من استحباب الاشعار من الجانب الأيمن من سنام البدنة ـ مخصوص بغير البدن الكثيرة ، فإنه يدخل بينها ويشعرها يمينا وشمالا.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز بن عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها ، دخل الرجل بين كل بدنتين ، فيشعر هذه من الشق الأيمن ويشعر هذه من الشق الأيسر ، ولا يشعرها ابدا حتى يتهيأ للإحرام ، فإنه إذا أشعرها وقلدها وجب عليه الإحرام. وهو بمنزلة التلبية». ونحوها رواية جميل المتقدمة.

الثانية : قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الإشعار مختص بالإبل ، والتقليد مشترك بينها وبين البقر والغنم.

وعلل بضعف البقر والغنم عن الاشعار. وبما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «كان الناس يقلدون الغنم والبقر ، وإنما تركه الناس حديثا ، ويقلدون بخيط أو يسير».

أقول : وهذه الرواية ـ كما ترى ـ لا صراحة فيها بل ولا ظاهرية في ما ادعوه ان لم تكن بالدلالة على خلافه أشبه ، إذ غاية ما تدل عليه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

٥١

نقله (عليه‌السلام) عن الناس انهم كان يفعلون ذلك. وهذا اللفظ إنما يطلق غالبا على المخالفين. ومع تسليم إرادة الشيعة فلا دلالة فيه ايضا. ومن المقرر في كلامهم ان الدليل الواضح والحجة الشرعية انما هي قول الامام (عليه‌السلام) الذي هو عبارة عن امره ونهيه ونحوهما ، أو فعله ، أو تقريره ، واما مجرد حكاية ذلك عن الناس ـ أي أناس كانوا ـ فلا دليل فيه. إلا ان الظاهر ان الحكم المذكور متفق عليه بينهم لا اعلم فيه مخالفا.

والأظهر الاستدلال عليه بما رواه العياشي في تفسيره (١) عن عبد الله بن فرقد عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «الهدي من الإبل والبقر والغنم ، ولا يجب حتى يعلق عليه ، يعني : إذا قلده فقد وجب. وقال : وما استيسر من الهدي : شاة». والظاهر ان قوله «يعني : إذا قلده» من كلام الراوي تفسيرا لقوله : «حتى يعلق عليه».

الثالثة ـ قد ذكروا (رضوان الله عليهم) ايضا ان التقليد الذي هو أحد الثلاثة الموجبة للإحرام ، اما ان يكون بان يعلق في عنق هديه نعلا قد صلى فيها ـ وهذا هو الذي اشتملت عليه الاخبار الكثيرة المتقدمة وغيرها ـ أو بان يربط في عنقه خيطا أو سيرا. ولم نجده إلا في رواية زرارة المذكورة ، وظاهرها اختصاص ذلك بالغنم والبقر ، فان التقليد المذكور في روايات الإبل إنما هو بالنعل. ولم يرد في شي‌ء منها على كثرتها ذكر الخيط والسير ، وإنما ذكر في هذه الرواية المشتملة على تقليد الغنم والبقر. والوقوف على ظاهر الاخبار يقتضي اختصاص النعل بالإبل ، والخيط والسير بالبقر والغنم.

__________________

(١) ج ١ ص ٨٨ ، ومستدرك الوسائل الباب ٦ و ٨ من الذبح.

٥٢

الرابعة : قال المحقق في الشرائع ـ بعد ان ذكر ان القارن بالخيار ان شاء عقد إحرامه بالتلبية وان شاء قلد أو أشعر ـ : وبأيهما بدأ كان الآخر مستحبا. قال في المسالك : المراد انه ان بدأ بالتلبية كان الإشعار أو التقليد مستحبا ، وان بدأ بأحدهما كانت التلبية مستحبة. ففي إطلاق أن البدأة بأحد الثلاثة توجب استحباب الآخر إجمال. انتهى. وقال سبطه السيد في المدارك بعد نقل كلامه : ولم أقف على رواية تتضمن ذلك صريحا. ولعل إطلاق الأمر بكل من الثلاثة كاف في ذلك.

أقول : لا يخفى عليك ان بعض الاخبار المتقدمة في بيان معنى الاشعار ـ مثل صحيحة معاوية بن عمار المنقولة وحسنته ـ قد اشتملت على تعليق النعل بعد الاشعار.

ونحوهما رواية الفضيل بن يسار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل أحرم من الوقت ومضى ، ثم انه اشترى بدنة بعد ذلك بيوم أو يومين ، فأشعرها وقلدها وساقها؟ فقال : ان كان ابتاعها قبل ان يدخل الحرم فلا بأس. قلت : فإنه اشتراها قبل ان ينتهي إلى الوقت الذي يحرم منه فأشعرها وقلدها ، أيجب عليه حين فعل ذلك ما يجب على المحرم؟ قال : لا ، ولكن إذا انتهى الى الوقت فليحرم ثم يشعرها ويقلدها ، فان تقليده الأول ليس بشي‌ء».

ورواية السكوني عن جعفر (عليه‌السلام) (٢) «انه سئل ما بال البدنة تقلد النعل وتشعر؟ فقال : اما النعل فتعرف انها بدنة ويعرفها صاحبها

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج ، والباب ٣٤ من الذبح.

٥٣

بنعله. واما الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها فلا يستطيع الشيطان ان يتسنمها».

وموثقة يونس بن يعقوب (١) قد اشتملت على التلبية بعد الاشعار ، والروايتان الأوليان ظاهرتان في استحباب التقليد بعد الاشعار ، وروايتا الفضيل والسكوني شاملتان بإطلاقهما لاستحباب الاشعار بعد التقليد ، والرواية الخامسة ظاهرة في استحباب التلبية بعد الاشعار. واما ما يدل على استحباب الاشعار والتقليد بعد التلبية فيظهر ايضا من صدر رواية الفضيل ، حيث انه (عليه‌السلام) حكم بصحة الاشعار والتقليد ، وانه يكون بذلك قارنا متى فعل ذلك قبل دخول الحرم. وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضلين المتقدمين (قدس الله روحيهما).

المسألة الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كيفية التلبيات الأربع بعد الاتفاق على ان الواجب هو اربع منها لا غير :

قال الشيخ في النهاية والمبسوط : التلبيات الأربع فريضة ، وهي : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك» وبه قال أبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ونقله في المدارك عن أكثر المتأخرين.

وقال الشيخ في الاقتصاد : ثم يلبي فرضا واجبا فيقول : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك ، ان الحمد والنعمة والملك لك (٢) لا شريك لك لبيك».

__________________

(١) ص ٥٠.

(٢) هذا القول يختلف عن القول الأول في تقديم كلمة «لك» وتأخيرها ، لأنها في القول الأول مقدمة على كلمة «والملك» وفي هذا

٥٤

وقال المفيد : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» (١) وكذا قال علي بن بابويه في رسالته ، وابنه أبو جعفر في مقنعة وهدايته ، وهو قول ابن ابي عقيل وابن الجنيد وسلار.

وقال السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) : «لبيك اللهم لبيك ، لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك».

هذا ما نقله في المختلف من الأقوال في المسألة.

وقال المحقق في الشرائع : وصورتها ان يقول : «لبيك اللهم لبيك

__________________

القول مؤخرة عنه ، كما ورد في المختلف ج ١ ص ٩٥. وقد اتفقت النسخة المطبوعة والمخطوطة على تقديم كلمة «لك» في هذا القول كما في القول الأول ، وعليه فلا يبقى فرق بين القولين بمقدار ما نقله المصنف (قدس‌سره) وان كان يفترق القول الثاني عن القول الأول بفقرة لم ينقلها (قدس‌سره) وهي قوله في آخرها : «بحجة وعمرة ـ أو حجة مفردة ـ تمامها عليك لبيك» وعليه تكون التلبيات خمسا.

(١) الكيفية المنقولة عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) تنتهي إلى هنا كما يظهر بمراجعة المقنعة ص ٦٢ ، والجواهر ج ١٨ ص ٢٢٨ و ٢٢٩ ، وكما يأتي من المصنف (قدس‌سره) ص ٥٩ ، حيث انه ـ بعد ان يذكر حديث الخصال المتضمن للتلبيات الأربع بالكيفية المذكورة ـ يقول : «أقول : ومن هذه الرواية يعلم مستند الشيخ المفيد وابني بابويه ومن تبعهم» فما ورد في المختلف ج ٢ ص ٩٥ ـ من ذكر كلمة «لبيك» في آخر الكيفية المنسوبة إلى الشيخ المفيد ، وورد أيضا في نسخ الحدائق المطبوعة والمخطوطة ـ الظاهر انه زيادة من قلم الناسخ.

٥٥

لبيك لا شريك لك لبيك» واختار هذا القول العلامة في المختلف واليه يميل كلامه في المنتهى ، واختاره جملة من المتأخرين ومتأخريهم : منهم ـ السيد السند في المدارك ، وجده في المسالك ، والفاضل الخراساني في الذخيرة.

واما الروايات الواردة في المسألة فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد ، فقم وامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ـ ماشيا كنت أو راكبا ـ فلب. والتلبية ان تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك له لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك داعيا الى دار السلام لبيك ، لبيك غفار الذنوب لبيك ، لبيك أهل التلبية لبيك ، لبيك

__________________

(١) هذا الحديث رواه الكليني في فروع الكافي ج ٤ ص ٣٣٥ ، وأول الحديث هكذا : التلبية : لبيك اللهم لبيك. الى آخر ما أورده المصنف (قدس‌سره) ورواه الشيخ عن الكليني بهذا اللفظ في التهذيب ج ٥ ص ٢٨٤. ورواه بطريق آخر أيضا في التهذيب ج ٥ ص ٩١ ، وأول الحديث هو قوله (عليه‌السلام) : «إذا فرغت من صلاتك. الى آخر ما أورده (قدس‌سره) في الكتاب مع الزيادة التي يذكرها بعد ذلك. وهو المقصود بقوله (قدس‌سره) : «ورواه الشيخ ايضا بطريق آخر صحيح» والطريق الأول للشيخ هو طريق الكليني ، إلا ان لفظ الحديث الوارد من هذا الطريق يبتدئ ببيان كيفية التلبية كما تقدم ، وقوله : «إذا فرغت. الى قوله : فلب» يختص بالطريق الآخر للشيخ. وبين اللفظين من الطريقين اختلاف بسيط غير ما ذكرناه يظهر بالمراجعة. وأورد الحديث في الوسائل في الباب ٤٠ من الإحرام.

٥٦

ذا الجلال والإكرام لبيك ، لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك ، لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك ، لبيك كشاف الكرب العظام لبيك ، لبيك عبدك وابن عبديك لبيك ، لبيك يا كريم لبيك. تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفا ، أو هبطت واديا ، أو لقيت راكبا ، أو استيقظت من منامك وبالأسحار. وأكثر ما استطعت منها. واجهر بها. وان تركت بعض التلبية فلا يضرك ، غير ان تمامها أفضل. واعلم انه لا بد من التلبيات الأربع التي في أول الكلام ، وهي الفريضة ، وهي التوحيد ، وبها لبى المرسلون. وأكثر من «ذي المعارج» فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) كان يكثر منها».

أقول : وبهذا الخبر استدل المحقق ومن تبعه وعليه اعتمدوا ، قال في المختلف : وهو أصح حديث رأيناه في هذا الباب.

أقول : ورواه الشيخ ايضا بطريق آخر صحيح (١) وزاد بعد قوله : «لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك» : «لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك ، لبيك إله الحق لبيك ، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبيك» ثم ساق الحديث الى قوله : «وهي الفريضة».

ومنها ـ صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لما لبى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من الإحرام. وفي آخره هكذا : «وفي ادبار الصلوات».

٥٧

لبيك ذا المعارج لبيك. وكان (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكثر من «ذي المعارج» وكان يلبي كلما لقي راكبا ، أو علا اكمة ، أو هبط واديا ، ومن آخر الليل».

وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في المسألة الاولى (١) وفيها : «تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج».

وروى ثقة الإسلام في الكافي عن عبد الله بن سنان في الصحيح (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ذكر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الحج فكتب الى من بلغه كتابه ممن دخل في الإسلام : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يريد الحج ، يؤذنهم بذلك ليحج من أطاق الحج ، فاقبل الناس ، فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط ، وحلق العانة ، والغسل ، والتجرد في إزار ورداء ، أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء. وذكر انه حيث لبى قال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. الحديث».

وروى في الفقيه مرسلا (٣) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) جاء جبرئيل (عليه‌السلام) الى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال له : ان التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك».

وروى الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٨٤ ، والوسائل الباب ٤٠ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ٣٧ من الإحرام.

٥٨

(عليهما‌السلام) في حديث شرائع الدين (١) قال : «والتلبيات الأربع وهي : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك».

أقول : ومن هذه الرواية يعلم مستند الشيخ المفيد وابني بابويه ومن تبعهم. واما ما عدا هذين القولين فلم نقف له على دليل.

ومن اخبار المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أحرمت من مسجد الشجرة ، فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد ، تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك لبيك بحجة تمامها عليك. واجهر بها كلما ركبت ، وكلما نزلت ، وكلما هبطت واديا ، أو علوت اكمة ، أو لقيت راكبا ، وبالأسحار».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٣) : ثم تلبي سرا بالتلبية الأربعة وهي المفترضات ، تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. هذه الأربعة مفروضات وتقول : لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك تبدئ وتعيد والمعاد إليك لبيك ، لبيك داعيا الى دار السلام لبيك ، لبيك كشاف الكرب العظام لبيك ، لبيك يا كريم لبيك ، لبيك عبدك وابن عبدك بين يديك لبيك لبيك أتقرب إليك بمحمد وآل محمد لبيك. وأكثر من «ذي المعارج». انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من الإحرام.

(٣) ص ٢٧.

٥٩

أقول : والقول الفصل في هذه الاخبار انه لما دلت صحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة في صدر هذه الروايات على ان الفرض الواجب إنما هو التلبيات الأربع التي في صدر الكلام وانه لا يضر ترك غيرها فلا بد من تخصيص باقي الاخبار بها ، بحمل ما زاد على الأربع : «ان الحمد والنعمة لك. الى آخره» في هذه الاخبار على الاستحباب جمعا بين الاخبار. إلا انه يمكن ان يقال : ان هذه الزيادة حيث لم تكن مشتملة على تلبية فلا منافاة في دخولها تحت إطلاق العبارة المذكورة ويؤيده عبارة كتاب الفقه الرضوي التي هي معتمد الصدوقين في ما حكما به من دخول هذه الزيادة ، كما عرفته في غير موضع من ما تقدم ، فإنه ذكر التلبيات الأربع المفروضة بإضافة الزيادة المذكورة ، وأكد ذلك بقوله أخيرا : «هذه الأربعة مفروضات» ثم ذكر التلبيات المستحبة. لكن يمكن تأييد الاستحباب ايضا بخلو صحيحة عمر بن يزيد عن هذه الزيادة. وبالجملة فالاحتياط بهذه الزيادة متعين (١) فان الحكم عندي لا يخلو من اشتباه.

ثم ان من العجب العجاب اشتهار القول بما ذهب اليه الشيخ في النهاية والمبسوط بين أكثر متأخري الأصحاب حتى قال شيخنا الشهيد في الدروس : الرابع ـ التلبيات الأربع ، وأتمها : «لبيك اللهم لبيك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك» ويجزئ : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك» وان أضاف الى هذا : «ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» كان حسنا. انتهى. والحال انه لا مستند لهذا القول بالكلية ولا دليل عليه بالمرة ، وهذه

__________________

(١) أوردنا العبارة كما جاءت في النسخة المخطوطة.

٦٠