الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

من خلل ، ولصاحب المنتقى (قدس‌سره) هنا كلام حسن يحسن ذكره ، قال (عطر الله ـ تعالى ـ مرقده) بعد ذكر الصحيحة المذكورة : قلت : كذا في النسخ التي تحضرني للتهذيب ، وما رأيت للحديث ذكرا في الكتب الفقهية ، سوى ان العلامة في المنتهى وبعض المتأخرين عنه ذكروا منه تفسير الفسوق ، وربما أشعر ذلك بتقدم وقوع الخلل فيه ، وإلا لذكروا منه حكم الفسوق في الكفارة أيضا. ولكنهم اقتصروا في هذا الحكم على ما في حديث الحلبي وابن مسلم محتجين به وحده ، ولو رأوا لهذا الحديث افادة للحكم مخالفة لذلك أو موافقة لتعرضوا له كما هي عادتهم ، لا سيما العلامة في المنتهى ، فإنه يستقصي كثيرا في ذكر الاخبار. وكان يختلج بخاطري أن كلمتي : «يتصدق به» تصحيف «يستغفر ربه» فيوافق ما في حديث الحلبي وابن مسلم وفي الاخبار من نحو هذا التصحيف كثير فلا يستبعد. ولكني راجعت كتاب قرب الاسناد لمحمد بن عبد الله الحميري ، فإنه متضمن لرواية كتاب علي بن جعفر ، إلا ان الموجود من نسخته سقيم جدا باعتراف كاتبها الشيخ محمد بن إدريس العجلي (رحمه‌الله تعالى) فالتعويل على ما فيه مشكل. وعلى كل حال فالذي رأيته فيه يوافق ما في التهذيب من الأمر بالتصدق ، وينافي ما في الخبر الآخر وينفي قضية التصحيف ، وفيه زيادة يستقيم بها المعنى ويتم بها الكلام. إلا ان المخالفة معها لما في ذلك الخبر وغيره من ما يأتي أكثر وأشكل. وهذه صورة ما فيه (١) «وكفارة الجدال والفسوق شي‌ء يتصدق به». والعجب من عدم تعرض الشيخ لهذا الاختلاف في الاستبصار. ولعل ما في قرب الاسناد من

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع رقم ١٦.

٤٦١

تصرف النساخ بعد وقوع نوع من الاختلال في أصل كتاب علي بن جعفر. مع ان في طريق الحميري لرواية الكتاب جهالة. وربما يحمل إطلاق التصدق فيه بالنسبة إلى كفارة الجدال على التقييد الوارد في غيره وان بعد. انتهى.

أقول : والعجب منه (قدس‌سره) انه تكلم في هذا الخبر بما عرفت ، من حيث ظهوره في مخالفة رواية الحلبي ومحمد بن مسلم ، وتأويله بوقوع التصحيف فيه على وجه يرجع إليها ، مع ان صحيحة سليمان بن خالد المصرحة بوجوب البقرة صريحة المخالفة ، وهو قد ذكرها في كتابه ، ولم يتعرض للجمع بينها وبين رواية الحلبي ومحمد بن مسلم بل نقلها ومضى في نقله. والاشكال فيها أعظم.

الثاني ـ في الجدال ، وهو قول : «لا والله وبلى والله» كما تقدم في جملة من الاخبار المتقدمة. وظاهر المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) حصره في هذا القول. وقيل : يتعدى الى كل ما يسمى يمينا. واختاره الشهيد في الدروس. والظاهر ان مستنده ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار من قوله (عليه‌السلام): «واعلم ان الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل ، فعليه دم يهريقه ، ويتصدق به ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل وعليه دم يهريقه ، ويتصدق به». ونحوها رواية أبي بصير الآتية ان شاء الله (تعالى). وفيه انه لا منافاة بين الحصر في اللفظ المذكور وبين هذا الإطلاق ، لإمكان حمل الإطلاق عليه والجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد ، كما هي القاعدة المتفق عليها عندهم.

وهل الجدال مجموع هذين اللفظين اعني : «لا والله وبلى والله»؟

٤٦٢

قولان ، قال في المدارك : أظهرهما الثاني ، وهو خيرة المنتهى. ولعل وجه الأظهرية أن مجموع هذين اللفظين يتضمن نفيا وإثباتا ، وهو من ما لا يكاد يقع في مقام واحد ، بل المتبادر الشائع إنما هو استعمال «بلى والله» في مقام الإثبات و «لا والله» في مقام النفي ، فيكون أيهما اتى به في مقامه جدالا. وبه يظهر ان في ما علقه بعض مشايخنا على هذا الموضع من الكتاب ـ من ان في هذه الأظهرية تأملا ، وقد بسطنا الكلام في بعض رسائلنا ـ لا اعرف له وجها. وكان الواجب ان يبين لنا في هذا المقام ما بسطه في بعض رسائله ولو بالإشارة الى ذلك.

والذي وصل الي من روايات المسألة زيادة على ما تقدم أخبار :

أحدها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم والحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في قول الله (عزوجل): (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٢). الى ان قال : فقالا له : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله (عزوجل) له حدا ، يستغفر الله ، ويلبى. فقالا له : فمن ابتلى بالجدال فما عليه؟ فقال : إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه : شاة ، وعلى المخطئ بقرة». وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي نحوه (٣).

وثانيها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢١٢ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام ، والباب ٢ و ١ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

(٣) الوسائل الباب ٢ و ١ من تروك الإحرام.

٤٦٣

(عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الجدال في الحج. فقال : من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم. فقيل له : الذي يجادل وهو صادق؟ قال : عليه شاة ، والكاذب عليه بقرة».

وثالثها ـ ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «إذا حلف ثلاث ايمان متتابعات صادقا فقد جادل ، وعليه دم. وإذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل وعليه دم».

ورابعها ـ ما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن ابي بصير (٣) قال : «سألته عن المحرم يريد ان يعمل العمل ، فيقول له صاحبه : والله لا تعمله. فيقول : والله لا عملنه ، فيخالفه مرارا ، أيلزمه ما يلزم صاحب الجدال؟ قال : لا ، انما أراد بهذا إكرام أخيه ، إنما ذلك ما كان لله فيه معصية».

وخامسها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ان الرجل إذا حلف ثلاثة ايمان في مقام ولاء وهو محرم ، فقد جادل ، وعليه حد الجدال : دم يهريقه ، ويتصدق به».

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٣٨ ، والوسائل الباب ١ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٣٨ ، والفقيه ج ٤ ص ٢١٤ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٥ ، والوسائل الباب ١ من بقية كفارات الإحرام.

٤٦٤

وسادسها ـ ما رواه عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا حلف الرجل ثلاثة ايمان وهو صادق ، وهو محرم ، فعليه دم يهريقه ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل ، فعليه دم يهريقه».

وسابعها ـ ما رواه عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمدا ، فعليه جزور».

وثامنها ـ عن يونس بن يعقوب في الموثق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يقول : لا والله وبلى والله ، وهو صادق ، عليه شي‌ء؟ قال : لا».

وتاسعها ـ عن معاوية بن عمار في الصحيح (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يقول : لا لعمري ، وهو محرم قال : ليس بالجدال ، انما الجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله. واما قوله : لاها ، فإنما طلب الاسم. وقوله : يا هناه ، فلا بأس به واما قوله : لا بل شانيك ، فإنه من قول الجاهلية».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور بين الأصحاب ان الجدال كاذبا في المرة منه شاة ، والمرتين بقرة ، والثلاث بدنة ، وصادقا في الثلاث منه شاة ، ولا شي‌ء في ما دونها. وانطباق الروايات المذكورة على ما ذكروه من هذا التفصيل مشكل.

واستدل العلامة في المنتهى على ذلك بالنسبة إلى الجدال كذبا بالرواية

__________________

(١ و ٢ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٥ ، والوسائل الباب ١ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٦ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.

٤٦٥

السادسة والثانية والسابعة ، قال (عطر الله مرقده) بعد ذكر التفصيل الذي نقلناه عنهم ، واختلاف المراتب في الكفارة بإزاء اختلافها في الذنب : ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : إذا حلف ثلاثة ايمان وهو صادق. ثم ساق الرواية السادسة ، ثم الرواية الثانية ، ثم السابعة. وجعل هذه الروايات الثلاث مستندا للاحكام الثلاثة في الجدال كذبا ، واستدل على وجوب الشاة في المرة الواحدة بالرواية السادسة ، واستدل على وجوب البقرة في المرتين كذبا بالرواية الثانية ، وعلى وجوب البدنة في الثلاث بالرواية السابعة.

وأنت خبير بان ما ذكره في المرة الواحدة مسلم ، لدلالة الرواية المذكورة عليه ، وان غفل في وصفه لها بالصحة. ولهذا اعترضه في المدارك بضعف الرواية وقصورها بسبب ذلك عن الدلالة. وفيه : انه وان كان كذلك بناء على اصطلاحه ، إلا ان هذا الحكم قد دلت عليه أيضا صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث ، فلا مجال للمنازعة فيه.

نعم يبقى الكلام في الحكمين الأخيرين ، فإن الروايتين المذكورتين لا دلالة فيهما على المدعى بوجه ، اما الرواية الثانية ـ وهي صحيحة محمد بن مسلم ـ فان ظاهرها انحصار الجدال الموجب للكفارة في ما زاد على المرتين ، وانه لا يتحقق الجدال إلا به ، وانه مع الزيادة على المرتين فعلى الصادق شاة وعلى الكاذب بقرة. ونحوها في الدلالة على هذا المعنى صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم ، وهي الاولى. ولهذا مال في المدارك الى العمل بهما ، فقال : وينبغي العمل بمضمون هاتين

٤٦٦

الروايتين ، لصحة سندهما ، ووضوح دلالتهما. واما الرواية التي استدل بها على الحكم الثاني ـ وهي الرواية السابعة ـ فظاهرها وجوب الجزور في تعمد الكذب في الجدال مطلقا مرة كان أو أزيد.

واما بالنسبة إلى الجدال صادقا فاستدلوا على وجوب الشاة في الثلاث بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث. ومثلها أيضا الرواية الثالثة والخامسة والسادسة. وينبغي حمل مطلقها على مقيدها ليتم الاستدلال بها. إلا ان مقتضى ذلك وجوب التقييد بالتتابع والتوالي بمعنى كونها في مقام واحد ، وكلام الأصحاب أعم من ذلك. نعم نقل التقييد عن ابن ابي عقيل ، فإنه قال. ومن حلف ثلاث ايمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل ، وعليه دم.

أقول : والظاهر عندي ان المستند في هذا التفصيل الذي اشتهر بين الأصحاب انما هو كتاب الفقه الرضوي ، فإنه صريح الدلالة واضح المقالة في الاستدلال ، لا تعتريه شبهة الشك ولا الاحتمال في هذا المجال حيث قال (عليه‌السلام) (١) : واتق في إحرامك الكذب ، واليمين الكاذبة والصادقة ، وهو الجدال الذي نهى الله (تعالى) عنه. والجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله. فان جادلت مرة أو مرتين وأنت صادق فلا شي‌ء عليك ، وان جادلت ثلاثا وأنت صادق فعليك دم شاة ، وان جادلت مرة وأنت كاذب فعليك دم شاة ، وان جادلت مرتين كاذبا فعليك دم بقرة ، وان جادلت ثلاثا وأنت كاذب فعليك بدنة. انتهى.

والظاهر ان هذه العبارة هي مستند المتقدمين في الحكم المذكور دون هذه الاخبار المختلفة المضطربة ، ولكن لما لم يصل ذلك الى

__________________

(١) ص ٢٧.

٤٦٧

المتأخرين تكلفوا الاستدلال عليه بهذه الروايات. وقد عرفت ما في ذلك

والصدوق في الفقيه (١) قد نقل هذه العبارة بعينها عن أبيه في رسالته اليه ، فقال : وقال ابي (رضي‌الله‌عنه) في رسالته الي : اتق في إحرامك الكذب ، واليمين الكاذبة والصادقة ، وهو الجدال. والجدال قول الرجل : لا والله. الى آخر ما قدمناه كلمة كلمة وحرفا حرفا. وهو ظاهر في تأييد ما قدمناه من اعتماد الشيخ المذكور على الكتاب زيادة على الاخبار الواصلة اليه ، وشدة وثوقه به زيادة عليها ، وما ذاك إلا لمزيد علمه وقطعه بثبوت الكتاب عنه (عليه‌السلام) بحيث لا تعتريه فيه الشكوك والأوهام.

وقال الجعفي : الجدال فاحشة إذا كان كاذبا أو في معصية ، فإذا قاله مرتين فعليه شاة. وقال الحسن بن ابي عقيل : من حلف ثلاث ايمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل ، وعليه دم ، قال : وروى ان المحرمين إذا تجادلا ، فعلى المصيب منهما دم شاة ، وعلى المخطئ بدنة. وظاهر كلام الجعفي تخصيص الجدال المحرم على المحرم بهذين الفردين ، وانه إذا جادل مرتين بأحد هذين النوعين فعليه دم شاة. ومستنده غير ظاهر ، بل ظاهر جملة من الروايات المتقدمة رده. واما مذهب الحسن فهو لا يخلو من الإجمال بكون هذه الثلاث الموجبة الدم في الجدال صادقا أو كاذبا أو أعم منهما ، وهل المراد انحصار الجدال في هذا الفرد فلا كفارة في غيره أم هذا بعض افراده؟ وبالجملة فالإجمال فيه ظاهر. وقد عرفت دلالة جملة من الاخبار

__________________

(١) ج ٢ ص ٢١٢.

٤٦٨

على وجوب الشاة في الثلاث ولاء ، ولكنها مخصوصة بالجدال صادقا كما عرفت.

ثم انه بناء على التفصيل المشهور انما تجب البقرة في المرتين إذا لم يكفر عن الأولى بالشاة ، وكذا الثلاث بالبدنة إذا لم يكفر عن الثنتين بالبقرة. والضابط اعتبار ترتب الكفارة على العدد المذكور ، فعلى المرة الواحدة شاة ، وعلى الثنتين بقرة ، وعلى الثلاث بدنة. وفي الجدال صادقا لو زاد على الثلاث ولم يكفر فالظاهر شاة واحدة عن الجميع ، ومع تخلله فلكل ثلاث شاة.

ولو اضطر المحرم الى اليمين لإثبات حق أو نفى باطل فالظاهر انه لا كفارة ، كما ذكره جملة من الأصحاب ، عملا بالأخبار الدالة على جوازها والأمر بها.

هذا. وظاهر الحديث الرابع (١) ان الجدال المحرم انما هو ما كان على معصية الله (تعالى) قال في المنتهى بعد ذكر الخبر المذكور : وهذا الحديث يدل على ان مطلق الجدال لا يوجب عقوبة بل ما يتضمن الحلف على معصية الله (تعالى).

والظاهر حصول المعصية بذلك وان كان صادقا ما لم يكن الغرض المترتب عليه امرا دينيا ، مثل إكرام أخيه في الخبر المذكور (٢) فلا ينافي ما دل على وجوب الكفارة في الجدال صادقا ثلاثا.

وقد روى في الكافي (٣) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) انه قال لسدير : «يا سدير من حلف بالله كاذبا كفر ، ومن حلف بالله صادقا

__________________

(١) ص ٤٦٤.

(٢) ص ٤٦٤.

(٣) الفروع ج ٧ ص ٤٣٤ و ٤٣٥ ، والوسائل الباب ١ من كتاب الايمان.

٤٦٩

أثم ، ان الله ـ تعالى ـ يقول (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ)» (١).

الصنف التاسع والعاشر ـ تظليل الرجل سائرا ، وتغطية الرأس.

والكلام هنا يقع في مقامين الأول ـ التظليل ، المشهور ـ بل ادعى عليه في التذكرة والمنتهى إجماع علمائنا ـ انه يحرم على المحرم حالة السير الاستظلال ، فلا يجوز له الركوب في ما يوجب ذلك ، كالمحمل والهودج والكنيسة والعمارية وأشباه ذلك. ونقل عن ابن الجنيد انه قال : يستحب للمحرم ان لا يظلل على نفسه ، لأن السنة بذلك جرت فان لحقه عنت أو خاف من ذلك فقد روى عن أهل البيت (عليهم‌السلام) جوازه (٢). وروى ايضا : انه يفدي عن كل يوم بمد (٣). وروي : في ذلك اجمع دم (٤). وروى : الإحرام المتعة دم والإحرام الحج دم آخر (٥).

والمعتمد الأول ، للأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة (٦) قال : «قلت لأبي الحسن الأول (عليه‌السلام) : أظلل وانا محرم؟ قال : لا. قلت : أفأظلل وأكفر؟ قال : لا. قلت : فان مرضت؟ قال : ظلل وكفر. ثم قال : اما علمت ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها».

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٢٣.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ و ٦٧ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٧ من بقية كفارات الإحرام.

(٦) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

٤٧٠

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يركب في القبة؟ فقال : ما يعجبني ذلك إلا ان يكون مريضا».

وفي الصحيح عن إسماعيل بن عبد الخالق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال : لا ، إلا ان يكون شيخا كبيرا أو قال : ذا علة».

وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن المحرم ، يظلل على نفسه؟ فقال : أمن علة؟ فقلت : يؤذيه حر الشمس وهو محرم. فقال : هي علة يظلل ويفدى».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن منصور عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الظلال للمحرم. فقال : لا يظلل إلا من علة أو مرض».

وما رواه في الكافي (٥) عن عثمان قال : «قلت لأبي الحسن الأول (عليه‌السلام) : ان علي بن شهاب يشكو رأسه ، والبرد شديد ، ويريد ان يحرم؟ فقال : ان كان كما زعم فليظلل. واما أنت فاضح لمن أحرمت له».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن سعيد الأعرج (٦) : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يستتر من الشمس بعود أو بيده؟

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٥١ ، والوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٦) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٧ ، والوسائل الباب ٦٧ من تروك الإحرام.

٤٧١

فقال : لا ، إلا من علة».

وما رواه في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن المغيرة قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الظلال للمحرم. فقال اضح لمن أحرمت له. قلت : اني محرور ، وان الحر يشتد علي؟ فقال : اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المحرمين».

وما رواه في الكافي (٢) عن قاسم الصيقل قال : «ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظلال من ابي جعفر (عليه‌السلام) كان يأمر بقلع القبة والحاجبين إذا أحرم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألته عن المحرم ، يركب القبة؟ فقال : لا. قلت : فالمرأة المحرمة؟ قال : نعم».

وما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه (٤) في الصحيح عن علي بن مهزيار عن بكر بن صالح قال : «كتبت الى ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) : ان عمتي معي وهي زميلتي ، ويشتد عليها الحر إذا أحرمت ، فترى أن أظلل عليها وعلي؟ فكتب : ظلل عليها وحدها».

وما رواه في التهذيب (٥) في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه‌السلام) قال : «سألته عن المحرم ، يظلل عليه

__________________

(١ و ٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٠ ، والوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣١٢ ، والوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٤) ج ٢ ص ٢٢٦ ، والوسائل الباب ٦٨ من تروك الإحرام.

(٥) ج ٥ ص ٣٠٩ ، والوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

٤٧٢

وهو محرم؟ قال : لا ، إلا مريض أو من به علة ، والذي لا يطيق الشمس».

وعن هشام بن سالم في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يركب في الكنيسة؟ فقال : لا. وهو للنساء جائز».

وما رواه في الكافي عن جعفر الخطيب ـ والتهذيب عن جعفر المذكور ـ عن محمد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل (٢) قال : «قال لي محمد : إلا أسرك يا ابن مثنى؟ فقلت : بلى. وقمت اليه. قال : دخل هذا الفاسق (٣) آنفا فجلس قبالة أبي الحسن (عليه‌السلام) ثم اقبل عليه فقال له : يا أبا الحسن ما تقول في المحرم ، أيستظل على المحمل؟ فقال له : لا. قال : فيستظل في الخباء؟ فقال له : نعم. فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك ، فقال : يا أبا الحسن فما فرق بين هذا وهذا؟ فقال : يا أبا يوسف ان الدين ليس بقياس كقياسكم ، أنتم تلعبون بالدين ، انا صنعنا كما صنع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقلنا كما قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يركب راحلته فلا يستظل عليها ، وتؤذيه الشمس فيستر جسده بعضه ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، وإذا نزل استظل بالخباء وبالبيت وبالجدار».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣١٢ ، والوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٠ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٠٩ ، والوسائل الباب ٦٦ من تروك الإحرام.

(٣) وهو أبو يوسف القاضي تلميذ أبي حنيفة.

٤٧٣

وما رواه في الكافي عن محمد بن الفضيل (١) قال : «كنا في دهليز يحيى بن خالد بمكة ، وكان هناك أبو الحسن موسى (عليه‌السلام) وأبو يوسف ، فقام إليه أبو يوسف وتربع بين يديه ، فقال : يا أبا الحسن ـ جعلت فداك ـ المحرم يظلل؟ قال : لا. قال : فيستظل بالجدار والمحمل ويدخل البيت والخباء؟ قال : نعم. فضحك أبو يوسف شبه المستهزئ ، فقال له أبو الحسن : يا أبا يوسف ان الدين ليس بالقياس كقياسك وقياس أصحابك ، ان الله أمر في كتابه بالطلاق وأكد فيه : بشهادة شاهدين ، ولم يرض بهما إلا عدلين (٢) ، وأمر في كتابه بالتزويج وأهمله بلا شهود ، فأتيتم بشاهدين في ما أبطل الله (٣) ، وأبطلتم الشاهدين في ما أكد الله (تعالى) (٤) ، وأجزتم طلاق المجنون والسكران (٥) ، حج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأحرم ولم

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٢ ، والوسائل الباب ٦٦ من تروك الإحرام.

(٢) في قوله تعالى في سورة الطلاق الآية ٢ «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ».

(٣) الأشباه والنظائر للسيوطي ص ٣٥٣ ، والميزان للشعراني ج ٢ ص ٩٦ ، وفيه : ان الشافعي وأبا حنيفة واحمد لا يصححون النكاح إلا بشهادة ومالك لا يعتبرها ولكن يعتبر الإشاعة وترك التراضي بالكتمان.

(٤) يظهر من الأشباه والنظائر للسيوطي ـ حيث عد موارد الشهادة ولم يذكر الطلاق ـ ان من المسلم عندهم عدم اعتبار الشهادة فيه.

(٥) ذكر ابن قدامة في المغني ج ٧ ص ١١٤ : ان في وقوع طلاق السكران روايتين ، وذكر الخلاف في ذلك ، فمنهم من اجازه ، لإطلاق قوله (ص) : «كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه» ومنهم من أبطله. وعلله أحمد بأنه زائل العقل فأشبه المجنون والنائم. ولم يذكر في الفقه على المذاهب الأربعة خلاف في عدم صحة طلاق المجنون. وارجع الى الاستدراكات.

٤٧٤

يظلل ، ودخل البيت والخباء واستظل بالمحمل والجدار ، ففعلنا كما فعل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). فسكت».

وما رواه الصدوق في الفقيه (١) عن الحسين بن مسلم عن ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) «انه سئل : ما فرق بين الفسطاط وبين ظل المحمل؟ فقال : لا ينبغي ان يستظل في المحمل ، والفرق بينهما ان المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي الصيام ولا تقضي الصلاة. قال : صدقت جعلت فداك». قال في الفقيه : معنى هذا الحديث : ان السنة لا تقاس.

وما رواه الصدوق في كتاب عيون اخبار الرضا (عليه‌السلام) (٢) في الموثق عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال : «قال أبو يوسف للمهدي ـ وعنده موسى بن جعفر (عليه‌السلام) ـ : أتأذن لي ان أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شي‌ء؟ فقال له : نعم. فقال لموسى بن جعفر (عليه‌السلام) : أسألك؟ قال : نعم. قال : ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال : لا يصلح. قال : فيضرب الخباء في الأرض ويدخل البيت؟ قال : نعم. قال : فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن (عليه‌السلام) : ما تقول في الطامث ، أتقضي الصلاة؟ قال : لا. قال : فتقضي الصوم؟ قال : نعم. قال : ولم؟ قال : هكذا جاء. فقال أبو الحسن (عليه‌السلام) : وهكذا جاء هذا. فقال المهدي لأبي يوسف : ما أراك صنعت شيئا. قال : رماني بحجر دامغ». ورواه الطبرسي

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٢٥ ، والوسائل الباب ٦٦ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٦٦ من تروك الإحرام.

٤٧٥

في الاحتجاج (١) نحوه.

وما رواه الحميري في قرب الاسناد (٢) في الصحيح عن البزنطي عن الرضا (عليه‌السلام) قال : «قال أبو حنيفة : أيش فرق ما بين ظلال المحرم والخباء؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ان السنة لا تقاس».

وما رواه الطبرسي في الاحتجاج (٣) قال : «سأل محمد بن الحسن (٤) أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) بمحضر من الرشيد وهم بمكة ، فقال له : أيجوز للمحرم ان يظلل عليه محمله؟ فقال له موسى (عليه‌السلام) : لا يجوز له ذلك مع الاختيار. فقال له محمد بن الحسن : أفيجوز ان يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له : نعم. فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك ، فقال له أبو الحسن (عليه‌السلام): أتعجب من سنة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتستهزئ بها؟ ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كشف ظلاله في إحرامه ومشى تحت الظلال وهو محرم ، ان أحكام الله (تعالى) يا محمد لا تقاس ، فمن قاس بعضها على بعض فقد ضل سواء السبيل. فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا». ورواه الشيخ المفيد في الإرشاد (٥) وذكر مثله.

واستدل في الذخيرة لابن الجنيد على الاستحباب بصحيحة الحلبي المتقدمة ، وهي الثانية من الروايات التي قدمناها ، لقوله فيها : «ما يعجبني» حيث قال بعد ذكر جملة وافرة من الاخبار الدالة على

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٦٦ من تروك الإحرام.

(٤) هو محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة.

٤٧٦

القول المشهور : وظاهر هذا الخبر الأفضلية. واستدل به بعضهم على التحريم. وهو بعيد. وأشار بذلك البعض الى صاحب المدارك. ثم قال : ومنها ـ ما رواه الشيخ عن علي بن جعفر في الصحيح (١) قال : «سألت أخي (عليه‌السلام) : أظلل وانا محرم؟ فقال : نعم ، وعليك الكفارة. قال : فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل». وعن جميل بن دراج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بالظلال للنساء ، وقد رخص فيه للرجال». ثم قال : ويمكن الجمع بين الاخبار بوجهين : أحدهما ـ حمل اخبار المنع على الأفضلية ، ويؤيده ان النهي وما في معناه غير واضح الدلالة على التحريم في اخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) كما ذكرناه كثيرا ، فهو حمل قريب ، بل ليس فيه عدول عن الظاهر. ويخدشه مخالفته المشهور ، وظاهر صحيحة هشام بن سالم ، فان قوله (عليه‌السلام) : «وهو للنساء جائز» بعد منعه عن المحرم يدل على تحريمه على الرجال والوجه فيه حمل الجواز على الإباحة ، فإن هذا الحمل غير بعيد في الاخبار كما لا يخفى على المتصفح. وثانيهما ـ حمل الأخبار المذكورة على التحريم ويحمل قوله : «ما يعجبني» على المعنى الشامل للتحريم وتحمل صحيحة علي بن جعفر على انه كان به علة يتضرر من الشمس. وفيه : ان الظاهر انه لو كان كذلك لذكر ذلك في مقام نقل الحكم المذكور ، أو ذكر الراوي عنه حيث ينقل عمله في هذا الباب. وتحمل

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد ، والباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

٤٧٧

صحيحة جميل على ان الترخيص مختص بحال الضرورة ، إذ ليس في الخبر ما يدل على عموم الترخيص. والمسألة عندي محل اشكال. انتهى.

أقول : لا يخفى ان هذا الفاضل قد ارتكب بما تفرد به من هذا القول شططا ، وازداد في جميع الأحكام غلطا ، وقد بينا في ما سبق ان في ارتكاب هذا القول خروجا عن الدين من حيث لا يشعر قائله ، فإنه متى كانت الأوامر الواردة في الاخبار وما في معناها لا تدل على الوجوب والنواهي وما في معناها لا تدل على التحريم ، فاللازم من ذلك اباحة المحرمات وسقوط الواجبات في جميع أبواب الفقه من عبادات ومعاملات ، إذ لا محرم ولا واجب بالكلية ، وبذلك يلزم العبث في بعثة الأنبياء والرسل وسقوط التكليف ، وهو كفر محض. نعوذ بالله من زلل الاقدام وزيغ الافهام.

والعجب من قوله هنا : «والمسألة عندي محل اشكال» بل مسائل الفقه كلها عنده محل اشكال ، بناء على هذه القاعدة الخارجة عن جادة الاعتدال. وأعجب من ذلك انه كثيرا ما يتستر في الحكم بالاخبار ـ بناء على هذه القاعدة ـ باتفاق الأصحاب أو اشتهار الحكم بينهم ، فكيف خرج عنه؟ مع ان هذه الروايات التي استند إليها لا تبلغ قوة في معارضة ما قدمناه سندا ولا عددا ولا دلالة ، والجمع إنما هو فرع وقوع التعارض بناء على قواعدهم.

ثم انه مع الإغماض عن جميع ما ذكرناه لو فرضنا وجود روايات صريحة في الدلالة على الجواز لكان الواجب حملها على التقية ، كما هي القاعدة المنصوصة عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم). إلا ان الظاهر من العمل بقاعدته المذكورة هو اطراح تلك النصوص الواردة بطرق الترجيح كملا ، من العرض على الكتاب ، أو على مذهب

٤٧٨

العامة ، ونحوهما من القواعد المذكورة في مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها (١) ، لانه متى قيل بعدم الوجوب في شي‌ء من الأحكام وعدم التحريم وان الأحكام كلها على الإباحة ، فلا اختلاف إلا بالاستحباب والكراهة ، وهذا في التحقيق ليس باختلاف ، لاتفاق الاخبار من الطرفين على الجواز.

وبالجملة فإن كلامه في أمثال هذه المقامات باطل لا ينبغي ان يلتفت اليه ، وعاطل لا يعرج عليه ، ووجود الفساد أظهر من ان يخفى على أحد من ذوي السداد والرشاد.

وينبغي التنبيه هنا على فوائد :

الأولى ـ لا خلاف ولا إشكال في انه لو اضطر المحرم الى الظلال جاز له التظليل ، وقد تقدم ذلك في جملة من الاخبار السابقة.

ولا ينافي ذلك ما تقدم من صحيحة عبد الله بن المغيرة أو حسنته (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الظلال للمحرم. فقال : اضح لمن أحرمت له. قلت : اني محرور وان الحر يشتد علي؟ فقال : اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المحرمين». فالظاهر حمله على ما لم يبلغ المشقة والضرر بحيث يمكن تحمله.

نعم الخلاف هنا في موضعين : أحدهما ـ وجوب الفدية وعدمه ، والمشهور الوجوب ، وخالف فيه ابن الجنيد وذهب الى الاستحباب ، لما تقدم نقله عنه من عدم تحريم التظليل. وهو ضعيف.

وثانيهما ـ ما يجب من الفداء ، والمشهور انه شاة ، وعن ابن ابي عقيل

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من صفات القاضي وما يقضي به.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

٤٧٩

ان فديته صيام أو صدقة أو نسك ، كالحلق لأذى. وقال الصدوق : لا بأس بالتظليل ، ويتصدق عن كل يوم بمد. وقال أبو الصلاح الحلبي : على المختار لكل يوم شاة ، وعلى المضطر لجملة المدة شاة.

ويدل على المشهور صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (١) قال : «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس ، وانا اسمع ، فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى ، وقال : نحن إذا أردنا ذلك ظللنا وفدينا».

وصحيحة إبراهيم بن ابي محمود (٢) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) : المحرم يظلل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضر به؟ قال : نعم. قلت : كم الفداء؟ قال : شاة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار عن علي ابن محمد (٣) قال : «كتبت اليه : المحرم هل يظلل على نفسه إذا آذته الشمس أو المطر ، أو كان مريضا ، أم لا؟ فان ظلل هل يجب عليه الفداء أم لا؟ فكتب : يظلل على نفسه ، ويهريق دما ان شاء الله تعالى».

وفي الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (٤) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس. فقال : ارى ان يفديه بشاة يذبحها بمنى».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥١ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٢٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣١١ ، والوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣١١ ، والوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

٤٨٠