الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

وعليه تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام (عطر الله ـ تعالى ـ مرقده) في الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يشد على بطنه العمامة؟ قال : لا. ثم قال : ان كان ابي يقول : يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها ، فإنها من تمام حجه».

وعن يعقوب بن شعيب في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يصر الدراهم في ثوبه؟ قال : نعم. ويلبس المنطقة والهميان».

وما رواه الصدوق (نور الله مرقده) في الموثق عن يونس بن يعقوب (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يشد الهميان في وسطه؟ فقال : نعم ، وما خيره بعد نفقته».

وعن ابي بصير عنه (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «كان ابي يشد على بطنه نفقته يستوثق بها ، فإنها تمام حجه».

وما تضمنه صحيح ابي بصير ـ من النهي عن شد المحرم العمامة على بطنه ـ لعله محمول على الكراهة ، لما رواه الصدوق في الصحيح عن عمران الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «المحرم يشد على بطنه العمامة ، وان شاء يعصبها على موضع الإزار ، ولا يرفعها الى صدره».

ويمكن حمل البطن في صحيحة أبي بصير على الصدر ، جمعا بين الخبرين ، فان ظاهر هذه الصحيحة تحريم الشد على الصدر. وباب

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٧ من تروك الإحرام. وارجع الى الاستدراكات.

(٥) الوسائل الباب ٧٢ من تروك الإحرام.

٤٤١

التجوز في الكلام واسع ، وارتكاب مثل هذا التجوز في طريق الجمع شائع.

الثالث ـ قد صرح العلامة في المنتهى والتذكرة وغيره بأنه لا يجوز للمحرم لبس الخفين ، ولا ما يستر ظهر القدم ، اختيارا ، ويجوز اضطرارا وهو من ما لا خلاف فيه بينهم ، كما ذكره العلامة في الكتابين المذكورين ، قال : ولا نعلم فيه خلافا.

أقول : ويدل عليه ما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) : «في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال : نعم ، ولكن يشق ظهر القدم».

وما رواه في الكافي في الموثق عن حمران عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار ، ويلبس الخفين إذا لم يكن معه نعل».

وصحيحة الحلبي (٣) وفيها : «واي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله ان يلبس الخفين إذا اضطر الى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطر الى لبسهما».

وفي صحيحة زرارة (٤) : «أنه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يلبس الخفين والجوربين؟ قال : إذا اضطر إليهما».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥١ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٥١ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٤٧ ، والفقيه ج ٢ ص ٢١٧ ، والوسائل الباب ٥١ من تروك الإحرام رقم ٤. والراوي هو رفاعة.

٤٤٢

وفي صحيحة معاوية بن عمار (١) : «ولا تلبس سراويل إلا ان لا يكون لك إزار ، ولا خفين إلا ان لا يكون لك نعلان».

وهذه الروايات كلها إنما دلت على الخفين والجوربين ، واما ما يستر ظهر القدم من غير ان يدخل تحت اللباس فلا دليل عليه. والظاهر ان مرادهم ليس مجرد ستر القدم ، بل المراد لبس ما يوجب ستر القدم وعلى هذا فيحمل ذكر الخفين والجوربين على التمثيل دون الاختصاص.

والظاهر المتبادر من هذه الروايات هو اختصاص التحريم بما يلزم منه ستر ظهر القدم كلا دون بعضه ، بل احتمل في المدارك اختصاصه بساتر الجميع إذا كان له ساق كما في الخف والجورب.

بقي الكلام في انه متى اضطر الى لبسه فهل يجب شقه أم لا؟ فقال الشيخ واتباعه بالوجوب ، لرواية محمد بن مسلم المتقدمة ، ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في رجل هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين؟ قال : له ان يلبس الخفين إذا اضطر الى ذلك ، وليشقه من ظهر القدم. الحديث».

وقال ابن إدريس وجمع من الأصحاب ـ منهم المحقق ـ : لا يجب شق الخفين ، للأصل ، وإطلاق الأمر بلبس الخفين مع عدم النعلين في الاخبار المتقدمة ، ولو كان الشق واجبا لذكر في مقام البيان. وفيه ان غاية هذه الاخبار ان تكون مطلقة في ذلك ، وهي لا تنافي الأخبار المقيدة ، لأن المقيد يحكم على المطلق ، كما هو القاعدة المسلمة بينهم.

ثم انه قد اختلف كلامهم أيضا في كيفية ذلك ، فقال الشيخ في

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٦٩ و ٧٠ ، والوسائل الباب ٣٥ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٦ ، والوسائل الباب ٥١ من تروك الإحرام.

٤٤٣

للبسوط : يشق ظهر قدميهما. وقال في الخلاف : انه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين. وقال ابن الجنيد : ولا يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين حتى يقطعهما إلى أسفل الكعبين. وقال ابن حمزة : انه يشق ظاهر القدمين ، وان قطع الساقين كان أفضل. والذي دل عليه الخبران المتقدمان شق ظهر القدم خاصة. نعم ورد القطع الى الكعبين في روايات العامة حيث رووا عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) انه قال : «فان لم يجد نعلين فليلبس خفين ، وليقطعهما حتى يكونا الى الكعبين». ولا يبعد ان يكون من ذكر القطع من أصحابنا إنما تبع فيه العامة ، حيث انه لا مستند له في أخبارنا ، أو لعله وصل إليهم ولم يصل إلينا.

والظاهر اختصاص الحكم المذكور بالرجل ، لانه مورد الروايات دون المرأة. واستظهره شيخنا الشهيد في الدروس.

الرابع ـ قد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه لا يجوز للمرأة المحرمة لبس القفازين ، ولا الحلي الذي لم تجر عادتها بلبسه قبل الإحرام.

ويدل على الأول ما رواه في الكافي في الصحيح عن عيص بن القاسم (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين. وكره النقاب. الحديث».

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٥١. وارجع الى الاستدراكات.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٤ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام ، والباب ٤٨ من تروك الإحرام.

٤٤٤

وعن النضر بن سويد عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المرأة المحرمة أي شي‌ء تلبس من الثياب؟ قال : تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس ، ولا تلبس القفازين ولا حليا تتزين به لزوجها ، ولا تكتحل إلا من علة ، ولا تمس طيبا ، ولا تلبس حليا ولا فرندا. ولا بأس بالعلم في الثوب».

والقفاز كرمان : شي‌ء يعمل لليدين يحشى بقطن ، تلبسهما المرأة للبرد ، ويكون لهما أزرار تزر على الساعدين.

وعن أبي عيينة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : ما يحل للمرأة ان تلبس من الثياب وهي محرمة؟ قال : الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير».

وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن يحيى ابن ابي العلاء عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) : «انه كره للمحرمة البرقع والقفازين».

أقول : والمراد بالكراهة هنا التحريم كما هو شائع في الاخبار. واما الثاني فتحريمه هو المشهور بين الأصحاب ، بل لا نعلم فيه مخالفا إلا ما يظهر من المحقق في الشرائع حيث جعله الاولى. هذا في ما لم يقصد به الزينة ، واما مع ذلك فلا خلاف في تحريمه.

وتدل عليه رواية النضر بن سويد المتقدمة ، وصحيحة محمد بن مسلم المروية في التهذيب وفي من لا يحضره الفقيه عن ابي عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٣ من الإحرام ، والباب ٤٩ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٥ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢١٩ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.

٤٤٥

(عليه‌السلام) (١) قال : «المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة». والمراد بالمشهور ، يعني : الظاهر الذي تحصل به الزينة.

واما تحريم ما لم تعتد لبسه قبل الإحرام ـ كما هو المشهور ـ فلم أقف في الاخبار على ما يدل عليه صريحا ولا ظاهرا ، وغاية ما استدل به في المدارك على ذلك مفهوم قوله (عليه‌السلام) في صحيحة حريز (٢) : «إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم ينزع عنها». فان مفهومه يدل على النزع لو أحدثته للإحرام.

والذي وقفت عليه من روايات المسألة زيادة على ما ذكرنا ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المرأة يكون عليها الحلي ، والخلخال ، والمسكة ، والقرطان من الذهب والورق ، تحرم فيه وهو عليها ، وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها ، انتزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال : تحرم فيه وتلبسه ، من غير ان تظهره للرجال في مركبها ومسيرها».

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (٤) عن عبد الله بن يحيى الكاهلي في الحسن عنه (عليه‌السلام) انه قال : «تلبس المرأة المحرمة الحلي كله إلا القرط المشهور والقلادة المشهورة».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٤٩ من تروك الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوافي باب (لباس المحرمة وحليها) والوسائل الباب ٤٩ من تروك الإحرام.

(٤) ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوسائل الباب ٤٩ من تروك الإحرام.

٤٤٦

وقال في من لا يحضره الفقيه (١) : «وسأله يعقوب بن شعيب عن المرأة تلبس الحلي. فقال : تلبس المسك والخلخالين».

وقال : وفي رواية حريز (٢) قال : «إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم تنزعه عنها».

وما رواه في التهذيب (٣) في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «وتلبس الخلخالين والمسك».

وعن عمار الساباطي في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «تلبس المحرمة الخاتم من الذهب».

أقول : والمستفاد من مجموع روايات المسألة وضم بعضها الى بعض هو انه يحرم عليها قصد الزينة ، سواء كان بما تعتاده قبل الإحرام أم لا ، وعليه تدل رواية النضر وصحيحة محمد بن مسلم المذكورتان. واليه يشير قوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «تحرم فيه وتلبسه ، من غير ان تظهره للرجال» من زوجها وغيره من أقاربها. فلا وجه لتخصيص الزوج ، كما وقع في عبارات جملة من الأصحاب. واما ما لم تقصد به الزينة فلا بأس بما اعتادته قبل الإحرام بشرط ان لا تظهره ، وفي غير المعتاد تردد ، والأحوط تحريمه.

والظاهر انه لا فدية في لبس القفازين ولا الحلي المحرم سوى

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوسائل الباب ٤٩ من تروك الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٠ ، والوافي باب (لباس المحرمة وحليها) والوسائل الباب ٤٩ من تروك الإحرام.

(٣) ج ٥ ص ٧٤ و ٧٥ ، والوسائل الباب ٣٣ من الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٧٦ ، والوسائل الباب ٤٦ و ٤٩ من تروك الإحرام.

٤٤٧

الاستغفار ، للأصل ، وعدم الدليل في الباب.

الخامس ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه يحرم على الرجل لبس الخاتم ان قصد به الزينة ، وان قصد به السنة فلا بأس.

ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن احمد بن ابي نصر عن نجيح عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس بلبس الخاتم للمحرم». قال في الكافي (٢) : وفي رواية أخرى : «لا يلبسه للزينة».

وما رواه في التهذيب (٣) في الصحيح عن محمد بن إسماعيل قال : «رأيت العبد الصالح (عليه‌السلام) وهو محرم ، وعليه خاتم ، وهو يطوف طواف الفريضة».

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (٤) عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته : أيلبس المحرم الخاتم؟ قال : لا يلبسه للزينة».

ويؤيده ما في رواية حريز (٥) قال : «لا تنظر في المرآة وأنت محرم لانه من الزينة.

ولا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، ان السواد زينة».

السادس ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في لبس السلاح للمحرم لغير ضرورة ، فقيل بالتحريم ، وهو المشهور ، والقول بالجواز نادر.

__________________

(١ و ٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٤٦ من تروك الإحرام.

(٣) ج ٥ ص ٧٣ ، والوسائل الباب ٤٦ من تروك الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٧٣ ، والوسائل الباب ٤٦ من تروك الإحرام.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٣٤ و ٣٣ من تروك الإحرام.

٤٤٨

ويدل على القول المشهور الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «ان المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة عليه».

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : أيحمل السلاح المحرم؟ فقال : إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح».

وفي من لا يحضره الفقيه (٣) عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «المحرم إذا خاف لبس السلاح».

وفي الكافي عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس بأن يحرم الرجل وعليه سلاحه إذا خاف العدو».

ودلالة هذه الاخبار على التحريم وان كان بالمفهوم إلا انه مفهوم شرط ، وهو حجة عند محققي الأصوليين وعندي ، للأخبار المتقدمة في مقدمات الكتاب. إلا انه ربما يقال : ان المفهوم إنما يعتبر إذا لم يظهر للتعليق وجه سوى نفى الحكم عن ما عدا محل الشرط ، وهنا ليس كذلك. ولا يبعد ان يكون التعليق باعتبار عدم الاحتياج الى لبس السلاح عند انتفاء الخوف لا تحريمه. ويؤيده ان مقتضى الرواية الأولى لزوم الكفارة بلبس السلاح مع انتفاء الخوف. ولا قائل به. ويمكن حملها على ما لا يجوز للمحرم لبسه كالدرع ، ومعه يسقط الاحتجاج بها رأسا. ومن أجل هذه الوجوه مال في المدارك الى القول بالكراهة وفاقا للمصنف. وفيه نظر ، فان الظاهر ان ما ذكره من

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٨٧ ، والوسائل الباب ٥٤ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٤ من تروك الإحرام.

٤٤٩

الفائدة في التعليق بعيد جدا ، فان عدم الاحتياج الى لبس السلاح عند انتفاء الخوف أمر ظاهر لا يحتاج الى تنبيه عليه ليكون هو الغرض من التعليق. وعدم القول بمضمون الرواية الدالة على الكفارة مع صحتها وصراحتها لا يوجب طرحها ولا تأويلها ، بل الواجب العمل بها مع عدم وجود المعارض لها. وبالجملة فالظاهر هو المشهور. والله العالم.

الصنف الخامس والسادس ـ الاكتحال بالسواد ، وما فيه طيب. وكذا النظر في المرآة.

فاما الأول فالمشهور فيه القول بالتحريم ، وهو قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، والشيخ المفيد ، وسلار ، وابن إدريس ، وغيرهم. وقال في الخلاف : انه مكروه. وقال أبو جعفر بن بابويه في المقنع : ولا بأس ان يكتحل بالكحل كله إلا كحلا أسود للزينة. وقال ابن الجنيد : ولا تكتحل المرأة بالإثمد.

والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بالمسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة».

وعن حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : قال : «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، ان السواد زينة».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن حريز في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تنظر في المرآة وأنت

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٣ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٣٤ و ٣٣ من تروك الإحرام.

٤٥٠

محرم ، لانه من الزينة. ولا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، ان السواد زينة».

وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الكحل للمحرم. قال : اما بالسواد فلا ولكن بالصبر والحضض».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عنه ـ يعني : أبا عبد الله (عليه‌السلام) (٢) ـ قال : «تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود للزينة».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس ان تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأما للزينة فلا».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : يكتحل المحرم ان هو رمد بكحل ليس فيه زعفران».

وما رواه ثقة الإسلام عن معاوية في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «المحرم لا يكتحل إلا من وجع. وقال : لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأما للزينة فلا».

وعن ابان عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا طيب».

وما رواه في التهذيب عن هارون بن حمزة الغنوي عن ابي عبد الله

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٣ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٢ ، والوسائل الباب ٣٣ من تروك الإحرام.

٤٥١

(عليه‌السلام) (١) قال : «لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران وليكتحل بكحل فارسي». قال في القاموس : كحل فارس : الانزروت وكحل خولان : الحضض.

أقول : وهذه الاخبار ما بين ما هو ظاهر في المنع من حيث قصد الزينة به ـ كما ذكره الصدوق في المقنع ـ وما بين ما هو ظاهر في المنع مطلقا ، معللا في بعضها بلزوم حصول الزينة منه وان لم يقصدها كما هو القول المشهور. ويشير الى ما قلناه ما في صحيحتي حريز من قوله (عليه‌السلام) : «ان السواد زينة» فعلل التحريم بما يحصل منه الزينة وان لم يقصده المكتحل ، واما إذا قصدها فلا إشكال في التحريم. ولا تنافي بين هذه الاخبار. وحينئذ فتخصيص الصدوق التحريم بقصد الزينة ليس في محله ، لان فيه طرحا لهذه الأخبار الباقية. وبذلك يظهر قوة القول المشهور.

واما ما ذكره في الخلاف فيحتمل ان يكون مستنده قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الثانية : «لا بأس ان تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه» وقوله (عليه‌السلام) في صحيحته أو حسنته التي بعدها «لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه» والجواب : حمل الكحل هنا على سائر الأكحال غير السواد ، جمعا. ويشير اليه قوله بعد هذه العبارة : «فأما للزينة فلا» يعني : الكحل الأسود الذي تحصل منه الزينة ويكتحل به للزينة.

واما ما ذكره في الذخيرة بعد نقل جملة من هذه الاخبار ـ :

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٠١ ، والوسائل الباب ٣٣ من تروك الإحرام.

٤٥٢

والجمع بين الاخبار يقتضي حمل ما دل على النهي عن الاكتحال بالسواد على ما كان للزينة. ثم ان قلنا بأن النهي في أخبارنا يدل على التحريم تعين المصير اليه ، وإلا كان المتجه قول الشيخ. ويؤيده إجماع الفرقة عليه. انتهى ـ ففيه ما عرفت من انه لا منافاة بين الاخبار المذكورة بالتقريب الذي ذكرناه ، إذ ما دل على التحريم مطلقا قد علل بلزوم الزينة منه وان لم تقصد ، كما عرفت من صحيحتي حريز ، فلا يصلح للتقييد بما ذكره. وعلى هذا فيصير قصد الزينة به مرتبة اخرى فوق هذه المرتبة وأبلغ في التحريم. واما قوله : «ثم ان قلنا. الى آخره» فهو من تشكيكاته الواهية التي للوساوس مضاهية ، كما أوضحناه في غير موضع من ما تقدم.

هذا كله في الرجل والمرأة مع الاختيار ، اما لو دعت الضرورة إليه فالظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في الجواز.

ويدل عليه ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار الاولى : «لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة» وصحيحة عبد الله بن سنان الدالة على انه إذا رمد يكتحل بكحل ليس فيه زعفران. وصحيحة معاوية أو حسنته الدالة على ان المحرم لا يكتحل إلا من وجع.

ويدل عليه ايضا ما رواه الكليني عن عبد الله بن يحيى الكاهلي في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سأله رجل ضرير البصر وانا حاضر ، فقال : اكتحل إذا أحرمت؟ قال : لا ، ولم تكتحل؟ قال : اني ضرير البصر فإذا أنا اكتحلت نفعني وإذا لم اكتحل ضرني. قال :

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٨ ، والوسائل الباب ٣٣ و ٧٠ من تروك الإحرام.

٤٥٣

فاكتحل. قال : فإني أجعل مع الكحل غيره؟ قال : ما هو؟ قال : آخذ خرقتين فأربعهما فاجعل على كل عين خرقة وأعصبهما بعصابة إلى قفاي ، فإذا فعلت ذلك نفعني وإذا تركته ضرني. قال : فاصنعه».

وروى الصدوق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس للمحرم ان يكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا كافور إذا اشتكى عينيه».

واما الثاني فإن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تحريمه حتى ان العلامة في التذكرة قال : أجمع علماؤنا على انه لا يجوز للمحرم ان يكتحل بكحل فيه طيب ، سواء كان رجلا أو امرأة. ونقل عن ابن البراج انه جعل ذلك مكروها. والظاهر ضعفه ، لما دل على تحريم استعمال الطيب مطلقا. وخصوص ما تقدم من الروايات ، مثل صحيحة معاوية بن عمار الثانية ، وصحيحة عبد الله بن سنان ، وصحيحة معاوية أو حسنته ، ومرسلة أبان ، ورواية الغنوي. وظاهر الاخبار المذكورة تقييد الطيب بأنه توجد رائحته ، فلو كان مسلوب الرائحة فالظاهر جوازه.

واما الثالث فالقول بالتحريم فيه هو المشهور ايضا ، وخالف الشيخ في الخلاف فذهب إلى انه مكروه. والأصح التحريم.

ويدل عليه ما تقدم في صحيحة حريز المتقدمة المروية في الكافي ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تنظر في المرآة وأنت محرم ، فإنها من الزينة».

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٢١ ، والوسائل الباب ٣٣ من تروك الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٢ ، والوسائل الباب ٣٤ من تروك الإحرام.

٤٥٤

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تنظر المرأة المحرمة في المرآة للزينة».

وهذان الخبران جاريان على ما قدمناه في الاخبار السابقة ، فإن الأول منهما دل على النهي عن النظر مطلقا ، معللا بترتب الزينة على النظر وان لم يقصدها الناظر ، والثاني دل على النظر لأجل الزينة. ولا منافاة بينهما ، بل أحدهما مؤكد للآخر. وبه يظهر ان الاخبار المتقدمة لا منافاة بينها لتحتاج الى الجمع بما ذكره ذلك الفاضل (رحمه‌الله تعالى).

النصف السابع والثامن ـ الفسوق والجدال ، والبحث هنا يقع في موضعين :

الأول ـ في الفسوق ، وقد اجمع العلماء كافة على تحريمه في الحج وغيره. والأصل فيه بالنسبة إلى الحج قوله (عزوجل) (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٢) والحج يتحقق بالتلبس بإحرامه ، بل بإحرام عمرة التمتع ، لدخولها في الحج.

وقد اختلف الأصحاب في تفسير الفسوق ، فقال الشيخ : الفسوق هو الكذب. وكذا قال الشيخ علي بن بابويه ، وابنه في المقنع. وقال ابن الجنيد : انه الكذب والسباب. وكذا قال السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه). وقال ابن ابي عقيل : انه الكذب واللفظ القبيح وقال ابن البراج : انه الكذب على الله (تعالى) وعلى رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى الأئمة (عليهم‌السلام).

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٢ ، والوسائل الباب ٣٤ من تروك الإحرام.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

٤٥٥

والمشهور الأول ، وهو المعتمد. ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): إذا أحرمت فعليك بتقوى الله (تعالى) وذكر الله كثيرا ، وقلة الكلام إلا بخير ، فان من تمام الحج والعمرة ان يحفظ المرء لسانه إلا من خير ، كما قال الله (عزوجل) ، فان الله (تعالى) يقول (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٢) والرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب والسباب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله». وزاد في الكافي : «واعلم ان الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل ، فعليه دم يهريقه ويتصدق به ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل ، وعليه دم يهريقه ويتصدق به. وقال : اتق المفاخرة ، وعليك بورع يحجزك عن معاصي الله (تعالى) ، فان الله (عزوجل) يقول (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (٣) قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من التفث ان تتكلم في إحرامك بكلام قبيح ، فإذا دخلت مكة وطفت بالبيت وتكلمت بكلام طيب ، فكان ذلك كفارة لذلك. قال : وسألته عن الرجل يقول : لا لعمري وبلى لعمري. قال : ليس هذا من الجدال ، إنما الجدال : لا والله وبلى والله». ورواه الصدوق (٤)

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٢٧ و ٢٣٨ ، والتهذيب ج ٥ ص ٢٩٦ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام ، والباب ١ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

(٣) سورة الحج ، الآية ٢٧.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢١٤ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.

٤٥٦

من قوله (عليه‌السلام): «اتق المفاخرة» إلى قوله : «وكان ذلك كفارة لذلك».

وما رواه الشيخ في التهذيب (١) في الصحيح عن علي بن جعفر قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن الرفث والفسوق والجدال ما هو؟ وما على من فعله؟ فقال : الرفث : جماع النساء ، والفسوق : الكذب والمفاخرة ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله. الحديث».

وما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب معاني الاخبار (٢) عن زيد الشحام قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرفث والفسوق والجدال. قال : اما الرفث فالجماع ، واما الفسوق فهو الكذب ، ألا تسمع لقوله (تعالى) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ، أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) (٣) والجدال هو قول الرجل : لا والله وبلى والله ، وسباب الرجل الرجل».

وما رواه العياشي في تفسيره (٤) عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «في قول الله (عزوجل) (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٥)

__________________

(١) ج ٥ ص ٢٩٧ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.

(٢) ص ٢٩٤ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.

(٣) سورة الحجرات ، الآية ٦.

(٤) ج ١ ص ٩٥ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.

(٥) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

٤٥٧

فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله».

وفي كتاب الفقه الرضوي (١) : «والفسوق : الكذب ، فاستغفر الله منه ، وتصدق بكف طعيم». والظاهر ان هذه عبارة الشيخ علي بن بابويه (رحمه‌الله).

أقول : قد تضمنت صحيحة معاوية بن عمار اضافة السباب الى الكذب في تفسير الفسوق ، وصحيحة علي بن جعفر اضافة المفاخرة واما باقي الروايات فإنما تضمنت تفسيره بالكذب خاصة. وفي المختلف حمل صحيحة علي بن جعفر على صحيحة معاوية بن عمار بإرجاع المفاخرة إلى السباب ، قال : وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) «والفسوق : الكذب والمفاخرة». وهي لا تنفك عن السباب ، إذ المفاخرة إنما تتم بذكر فضائل للمفتخر وسلبها عن خصمه ، أو بسلب رذائل عنه وإثباتها لخصمه. وهذا هو معنى السباب. انتهى. وحينئذ فيرجع الأمر إلى السباب خاصة. ويمكن ان تحمل الروايات المشتملة على هذه الزيادة على التقية ، فإن المنقول في التذكرة عن العامة تفسير الفسوق بالسباب ، قال : وروى العامة قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله): سباب المسلم فسوق (٣). فجعلوا الفسوق هو السباب ، لهذا الخبر. وهو غير دال. انتهى. على ان رواية معاني الأخبار قد تضمنت إدخال السباب في الجدال ايضا

__________________

(١) ص ٢٧.

(٢) تقدمت ص ٤٥٧.

(٣) مجمع الزوائد ج ٨ ص ٧٣ ، والفتح الكبير ج ٢ ص ١٥١.

٤٥٨

وبالجملة فإن الأخبار الباقية صريحة في تفسيره بالكذب خاصة ، والخبران المذكوران قد تعارضا في ما عدا الكذب وتساقطا ودفع كل واحد منهما الآخر ، فيؤخذ بالمتفق عليه منهما ويطرح المختلف فيه من كل من الجانبين.

بقي الكلام بالنسبة إلى الكفارة ، وظاهر الأصحاب انه لا كفارة في الفسوق سوى الاستغفار. قال في المنتهى : والفسوق هو الكذب على ما قلناه ، ولا شي‌ء فيه ، عملا بالأصل السالم عن معارضة نص يخالفه ، أو غيره من الأدلة.

ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم والحلبي جميعا (١) قالا له : «أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله (عزوجل) له حدا ، يستغفر الله ، ويلبي».

أقول : ونحو هذه الرواية ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث : «قلت : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله له حدا ، يستغفر الله (تعالى) ويلبي».

وقد تضمنت عبارة كتاب الفقه الرضوي بعد الاستغفار التصدق بكف من طعيم. والظاهر انه تصغير «طعام» إشارة الى قتله.

إلا انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي عن سليمان بن خالد في الصحيح (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : في

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢١٢ ، والوسائل الباب ٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٣٩ ، والوسائل الباب ١ و ٢ من بقية كفارات الإحرام.

٤٥٩

الجدال شاة ، وفي السباب والفسوق بقرة ، والرفث فساد الحج».

وظاهر الخبر وجوب البقرة في الفسوق.

ويؤيده عجز صحيحة علي بن جعفر التي تقدم صدرها ، حيث قال (عليه‌السلام) (١) بعد ما قدمناه منها : «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها ، وان لم يجد فشاة ، وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو محرم».

وظاهر المحدث الكاشاني الجمع بين الخبرين ، بحمل ما دل على مجرد الاستغفار على ما إذا لم يتضمن الكذب يمينا ، وما دل على البقرة على تكرر ذلك منه مرتين مع اليمين.

وفيه (أولا) : انه لا إشعار في شي‌ء من الروايات بهذا الحمل.

و (ثانيا) : ان اليمين غير معتبرة في معنى الفسوق ، بل انما هو عبارة عن الكذب مطلقا كما عرفت.

والأقرب حمل الرواية المتضمنة للبقرة على ما إذا انضاف الى الفسوق الذي هو عبارة عن الكذب خاصة السباب كما هو موردها ، وتخصيص الاستغفار بالفسوق الذي هو الكذب.

وجمع في الوسائل بين الخبرين بحمل خبر الاستغفار على غير المتعمد ـ قال : لما مر من عدم وجوب الكفارة على غير العامد إلا في الصيد ـ وخبر الكفارة على العامد. والظاهر بعده من خبري الاستغفار ، إذ الظاهر من لفظ الابتلاء انما ينصرف الى العامد ، والاستغفار إنما يناسب العامد ، إذ الجاهل والناسي لا يؤاخذان اتفاقا.

وصاحب الذخيرة حمل الكفارة هنا على الاستحباب ، كما هي الطريقة المعهودة في جميع الأبواب.

بقي الكلام في ان عجز صحيحة علي بن جعفر المذكورة لا يخلو

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٧ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

٤٦٠