الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم. قال : لا بأس به ، ولا يغسله ، فإنه طهور».

وعن يعقوب بن شعيب في الصحيح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة. قال : لا يضره ، ولا يغسله».

وما رواه الكليني عن ابن ابي عمير في الصحيح عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سئل عن خلوق الكعبة للمحرم أيغسل منه الثوب؟ قال : لا هو طهور. ثم قال : ان بثوبي منه لطخا».

وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٤) في الموثق عن سماعة «انه سأله ـ يعني : الصادق (عليه‌السلام) ـ عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة وهو محرم. فقال : لا بأس به ، وهو طهور ، فلا تتقه ان يصيبك».

قال في الذخيرة : ويمكن المناقشة بأن الظاهر من التعليل ان غرض السائل توهم احتمال النجاسة بسبب كثرة ملاقاة العامة والخاصة ومن لا يتوقى النجاسة ، فلا يدل على جواز الشم. لكن فهم الأصحاب واتفاقهم يكفي مؤنة هذه المناقشة.

أقول : لا ريب في ان هذه المناقشة من الاحتمالات الواهية التي

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٥ ص ٦٩ ، والوسائل الباب ٢١ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٤٢ ، والوسائل الباب ٢١ من تروك الإحرام.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢١٧ ، والوسائل الباب ٢١ من تروك الإحرام.

٤٢١

هي لبيت العنكبوت ـ وانه لا ضعف البيوت ـ مضاهية ، فإن هؤلاء الأجلاء السائلين في هذه الروايات لا يخفى عليهم الحكم بأصالة الطهارة في كل شي‌ء حتى يسألوا عن ذلك في هذه المادة المخصوصة ، سيما مع قول الامام (عليه‌السلام) في صحيحة ابن ابي عمير : «ان بثوبي منه لطخا» فإنه يبعد عدم شمه مع كونه بثوبه دائما.

ويعضد ما ذكرناه ما تقدم في صحيحة هشام بن الحكم (١) من قوله (عليه‌السلام): «لا بأس بالريح الطيبة في ما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، ولا يمسك على أنفه». فإنه إذا جاز الشم للرائحة الطيبة بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، فريح خلوق الكعبة أولى بالجواز.

والخلوق كصبور : ضرب من الطيب ، كما ذكره في الصحاح والقاموس ، وفي النهاية الأثيرية : الخلوق : طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ، وتغلب عليه الحمرة والصفرة.

بقي الكلام في ما لو طيبت الكعبة بغير الخلوق المذكور ، وبالجواز صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم : الشيخ والعلامة. وقال في الدروس : قال الشيخ : لو دخل الكعبة وهي تجمر أو تطيب لم يكره له الشم. وبمثل ذلك صرح العلامة في التذكرة. وظاهر المدارك الميل اليه. واستدل عليه بفحوى صحيحة هشام بن الحكم بالتقريب الذي قدمناه. وهو غير بعيد ، وان نسبه في الذخيرة إلى انه ضعيف. والاحتياط في العدم.

المسألة الرابعة ـ لو اضطر المحرم الى مس الطيب ، أو أكل ما فيه

__________________

(١) ص ٤١٥.

٤٢٢

طيب ، قبض على انفه وجوبا ، لان الاضطرار إلى أحدهما لا يبيح الآخر مع حرمة الجميع ، فيقتصر على محل الضرورة ، إلا ان يعسر ويشق القبض على الأنف ، فإنه يجوز له الشم ايضا.

اما جواز الأكل فدليل إباحته ان الضرورات تبيح المحظورات (١) ، كما هو مسلم بينهم في جميع الأحكام.

واما وجوب الإمساك مع الإمكان فتدل عليه روايات : منها ـ صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم يمسك على انفه من الريح الطيبة ، ولا يمسك على انفه من الريح الخبيثة». ونحوها جملة من الاخبار المتقدمة في المسألة الثانية.

واما عدم الوجوب مع المشقة والحرج بذلك ، فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر (٣) وكانت عرضت له ريح في وجهه من علة اصابته وهو محرم ، قال : «فقلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ان الطبيب الذي يعالجني وصف لي سعوطا فيه مسك؟ فقال : استعط به».

وعن إسماعيل في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن السعوط للمحرم وفيه طيب. فقال : لا بأس». وهو محمول على الضرورة كما تقدم في سابقه. وعلى ذلك حمله الشيخ (رحمه‌الله).

__________________

(١) تقدم دليل ذلك ص ١٦٤.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٤ ، والوسائل الباب ٢٤ من تروك الإحرام.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٨ ، والوسائل الباب ١٩ من تروك الإحرام.

٤٢٣

وقال الصدوق (١) : وان اضطر المحرم الى سعوط فيه مسك من ريح يعرض له في وجهه وعلة تصيبه ، فلا بأس بأن يستعط به ، فقد سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ذلك فقال : استعط به.

ولو استهلك الطيب في المأكول أو الممسوس بحيث زالت أوصافه من ريحه وطعمه ولونه ، فالظاهر انه لا يحرم مباشرته واكله. وبذلك صرح العلامة في التذكرة.

ويعضده ما رواه عمران الحلبي في الصحيح (٢) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يكون به الجرح فيتداوى بدواء فيه زعفران قال : ان كان الغالب على الدواء فلا ، وأنت كان الأدوية الغالبة عليه فلا بأس».

والظاهر ان الاعتبار بالرائحة خاصة دون سائر الأوصاف ، للنهى عن التلذذ بالرائحة الطيبة.

بقي الكلام في ان ظاهر هذه الرواية ينافي ما تقدم من روايات إسماعيل بن جابر ، ويمكن الجمع اما بتخصيص إطلاق تلك الروايات بما دلت عليه هذه الرواية من التفصيل ـ والظاهر بعده ـ أو حمل هذه الرواية على عدم الضرورة التامة. ولعله الأقرب.

واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) ـ : «في

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٤ ، والوسائل الباب ١٩ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٢٢ ، والوسائل الباب ٦٩ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٤ ، والوسائل الباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

٤٢٤

محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج؟ قال : ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وان كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه» ـ.

ففيه ـ مع كونه مقطوعا ـ انه معارض بالأخبار الدالة على العفو عن الجاهل ، وانه لا كفارة عليه في شي‌ء من محرمات الإحرام إلا الصيد ، والاخبار المتقدمة الدالة في خصوص هذه المسألة على الجواز مع الضرورة من غير ذكر كفارة فيه.

واما ما رواه في الكافي عن ابان عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) ـ قال : «إذا اشتكى المحرم فليتداو وبما يحل له ان يأكله وهو محرم».

وما رواه فيه عن الكناني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا اشتكى المحرم فليتداو بما يأكل وهو محرم» ـ.

فيجب حمله على ما يحصل البرء به. واما لو لم يحصل إلا بما لا يجوز له اكله اختيارا حال الإحرام ، فله اكله والتداوي به للضرورة ، كما عليه اتفاق الأصحاب في هذا الموضع وغيره.

المسألة الخامسة ـ قال في التذكرة : لو لصق الطيب ببدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية بأن كان ناسيا أو ألقته الريح ، وجب عليه المبادرة إلى غسله أو تنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته. ويأمر غيره بإزالة ذلك عنه ، ولو باشره بنفسه فالأقرب انه لا يضره لانه قصد الإزالة. انتهى. وظاهره التردد في الإزالة بنفسه وان كان الأقرب ذلك عنده.

ونقل عن الشيخ انه قطع بجواز الإزالة باليد.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٩ ، والوسائل الباب ٦٩ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٨ ، والوسائل الباب ٦٩ من تروك الإحرام.

٤٢٥

أقول : وهو الذي دلت عليه الاخبار ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) : «في محرم اصابه طيب؟ فقال : لا بأس ان يمسحه بيده أو يغسله».

وما رواه الكليني عنه في الصحيح أو الحسن عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في المحرم يصيب ثوبه الطيب؟ قال : لا بأس بأن يغسله بيد نفسه».

وما رواه الصدوق عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال : «لا بأس ان يغسل الرجل الخلوق عن ثوبه وهو محرم».

وما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن المحرم يمس الطيب وهو نائم لا يعلم به. قال : يغسله ، وليس عليه شي‌ء. وعن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب والمحرم لا يعلم ما عليه. قال : يغسله ايضا وليحذر».

وإطلاق هذه الاخبار دال على جواز غسله له بنفسه وان استلزم شم الرائحة في تلك الحال. وكأنه من حيث وجوب التكليف بالإزالة يغتفر له الشم في تلك الحال.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٩ ، والوسائل الباب ٢٢ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٤ ، والوسائل الباب ٢٢ من تروك الإحرام.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٤ ، والوسائل الباب ٢٢ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٢٢ من تروك الإحرام ، والباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

٤٢٦

فوائد

الاولى ـ لو انقطعت رائحة الطيب من الثوب ، لطول الزمان ، أو صبغ بغيره بحيث لا تظهر رائحته لا مع الرطوبة ولا مع اليبوسة ، فالظاهر جواز استعماله.

الثانية ـ قال في التذكرة : لو أصاب ثوبه طيب وجب عليه غسله أو نزعه ، فلو كان معه من الماء ما لا يكفيه لغسل الطيب وطهارته ، غسل به الطيب ، لان للوضوء بدلا.

قال في المدارك بعد ذكر نحو ذلك : ويحتمل وجوب الطهارة به ، لان وجوب الطهارة قطعي ووجوب الإزالة والحال هذه مشكوك فيه ، لاحتمال استثنائه للضرورة ، كما استثنى شمه في الكعبة والسعي. والاحتياط يقتضي تقديم الغسل على التيمم ، ليتحقق فقد الماء حالته. انتهى.

أقول : ومن المحتمل قريبا التفصيل في ذلك بين الوقت وخارجه فان كان في الوقت فالأظهر تقديم الوضوء ، لانه مخاطب به في تلك الحال ، والتيمم غير مشروع ، لانه واجد للماء ، ويسقط وجوب الإزالة للضرورة. وما ذكره في المدارك ـ من ان الاحتياط يقتضي تقديم الغسل ـ لا يتم في هذه الصورة ، لأنه بالتصرف بالماء في تلك الحال يصير من قبيل من دخل عليه الوقت واجدا للماء فتعمد إراقته وإتلافه ، ولا أقل من التأثيم والعقوبة عليه ان لم نقل ببطلان تيممه. وان كان قبل الوقت فلا يبعد وجوب الإزالة ، لأنه في هذه الحال غير مخاطب بالطهارة ، والخطاب بوجوب الإزالة متوجه اليه ليس له معارض.

٤٢٧

وكيف كان فالمسألة ـ لعدم النص الذي هو المعتمد عندنا في جميع الأحكام ـ لا تخلو من الإشكال.

الثالثة ـ قال في التذكرة : لو فرش فوق الثوب المطيب ثوبا يمنع الرائحة والمباشرة ، فلا فدية بالجلوس عليه والنوم. ولو كان الحائل ثياب نومه ، فالوجه المنع ، لانه كما منع من استعمال الطيب في بدنه منع من استعماله في ثوبه. انتهى. وبذلك صرح في المنتهى. وهو جيد.

واما قوله في الذخيرة ـ : ولو كان الحائل ثياب بدنه فوجهان. ثم نقل عن المنتهى المنع ، استنادا الى ما ذكره في التذكرة من التعليل ثم قال : وللتأمل فيه مجال ـ فلا اعرف له وجها. إلا ان يقول بجواز الطيب في ثوب المحرم ، وهو من ما وقع الإجماع نصا وفتوى على تحريمه. فأي مجال هنا للتأمل في ما ذكره والمفروض في المسألة تعدى الطيب الى ثيابه بالنوم على ذلك الثوب المطيب.

الرابعة ـ لو غسل الثوب حتى زال عنه الطيب جاز استعماله ، إجماعا نصا وفتوى.

ومن ذلك ما رواه الصدوق عن الحسين بن ابي العلاء عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «انه سأله عن الثوب للمحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل. فقال : لا بأس به إذا ذهب ريحه. ولو كان مصبوغا كله إذا ضرب الى البياض وغسل فلا بأس به».

وعن إسماعيل بن الفضل (٢) : «انه سأله عن المحرم يلبس الثوب

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢١٦ ، والوسائل الباب ٤٣ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٤٣ من تروك الإحرام.

٤٢٨

قد اصابه الطيب. فقال : إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه».

وروى الكليني عن حماد بن عثمان في الصحيح (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني جعلت ثوبي إحرامي مع أثواب قد جمرت فأجد من ريحها؟ قال : فانشرها في الريح حتى تذهب ريحها».

الخامسة ـ روى ثقة الإسلام في الكافي عن المعلى بن خنيس عن ابي عبد الله (٢) قال : «كره ان ينام المحرم على فراش اصفر ، أو على مرفقة صفراء».

وروى الشيخ في الصحيح عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «يكره للمحرم ان ينام على الفراش الأصفر ، والمرفقة الصفراء». ورواه الصدوق عن ابي بصير مثله (٤).

أقول : ان حملت الصفرة في هذين الخبرين على صفرة الطيب ، فلفظ الكراهة فيهما بمعنى التحريم ، كما هو شائع في الاخبار ، وان حملت على ما دون ذلك ، كانت الكراهة بالمعنى الأصولي المصطلح. ويرجح الأول قول ابي عبد الله (عليه‌السلام) في صحيحة منصور بن حازم (٥) «إذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت». وحديثه الآخر (٦) حيث : «سئل (عليه‌السلام) أيأكل شيئا فيه

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٦ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٥ ، والوسائل الباب ٢٨ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٦٨ ، والوسائل ٢٨ من تروك الإحرام.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢١٨ ، والوسائل الباب ٢٨ من تروك الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٦) الوسائل الباب ١٣ من الحلق والتقصير.

٤٢٩

صفرة؟ قال : لا حتى يطوف بالبيت». ويؤيده ان صاحب الكافي إنما أورد الحديث المنقول هنا في باب الطيب للمحرم. وحينئذ فالمراد بالصفرة لون الزعفران ونحوه من الألوان الطيبة الصفر.

السادسة ـ لو مات المحرم لم يجز مسه بالكافور إجماعا نصا وفتوى.

ومن الاخبار في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) : «عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال : يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال ، غير انه لا يقربه طيبا».

وفي الكافي عن ابن أبي حمزة عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (٢) «في المحرم يموت؟ قال : يغسل ويكفن ويغطى وجهه ، ولا يحنط ، ولا يمس شيئا من الطيب».

وروى في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يموت ، كيف يصنع به؟ فحدثني ان عبد الرحمن بن الحسن بن علي مات بالأبواء مع الحسين بن علي (عليهما‌السلام) وهو محرم ، ومع الحسين عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر ، فصنع به كما صنع بالميت ، وغطى وجهه ، ولم يمسه طيبا. قال : وذلك في كتاب على عليه‌السلام». وبهذا المضمون حديث ابى مريم المروي في الكافي (٤) وحديثه الآخر المروي في التهذيب (٥) وحديث عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من غسل الميت ، والباب ٨٣ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٣ من غسل الميت.

٤٣٠

المسألة السادسة ـ أجمع الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) على وجوب الشاة في الطيب ، أكلا ، واطلاء ، وشما ، وبخورا ، وصبغا ، ابتداء واستدامة ، متى استعمله عامدا عالما ، نقل إجماعهم على ذلك العلامة في المنتهى والتذكرة.

واستدل عليه بصحيحة زرارة ، وهي ما رواه الصدوق في الصحيح عنه عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «من أكل زعفرانا متعمدا ، أو طعاما فيه طيب ، فعليه دم ، وان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب اليه». ولا يخفى قصورها عن ما ذكروه من التعميم في الحكم المذكور.

ويدل على وجوب الشاة أيضا في الجملة قول ابي جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (٢) : «من نتف إبطه ، أو قلم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له اكله ، وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا ، فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة».

ويؤيده ما تقدم قريبا (٣) في المسألة الرابعة من مقطوعة معاوية ابن عمار : «وان كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه».

إلا انه قد تقدم في المسألة الثانية من الاخبار ما هو ظاهر في المنافاة ، مثل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة حريز (٤) : «فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه. يعني : من

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٣ ، والوسائل الباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٨ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) ص ٤٢٤ رقم ٣.

(٤) ص ٤١٤.

٤٣١

الطعام». ـ كما في رواية التهذيب ـ و «قدر سعته» كما في الكافي.

وقوله (عليه‌السلام) في رواية الحسن بن زياد (١) : «وقد سأله عن الأشنان فيه الطيب ، يغسل به يده وهو محرم. فقال : تصدق بشي‌ء كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك». ونحوها رواية الحسين ابن زياد (٢).

وفي صحيحة معاوية بن عمار (٣) : «فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليعد غسله ، وليتصدق بصدقة بقدر ما صنع».

وأجاب العلامة ـ بعد ذكره بعض هذه الروايات ـ بالحمل على حال الضرورة ، والحاجة الى استعمال الطيب. ولا يخفى ما فيه من البعد ، إذ لا إشارة في تلك الاخبار ـ فضلا عن الدلالة ـ تؤنس به

واختار في المدارك حملها على حالة الجهل والنسيان ، مع حمل الأمر بالصدقة على الاستحباب ، للأخبار الكثيرة الدالة على سقوط الكفارة عن الناسي والجاهل إلا في الصيد. ولا يخفى ايضا ما فيه من البعد عن ظاهر الاخبار المذكورة.

ويخطر بالبال العليل والفكر الكليل وجه آخر ، لعله أقرب من ما ذكروه ، وهو حمل الطيب في هذه الاخبار على ما عدا الأفراد الأربعة أو الخمسة التي اخترناها وفاقا للشيخ في التهذيب ، ويختص وجوب

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ من تروك الإحرام ، والباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٣ و ٢٢٤ ، والوسائل الباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام رقم ٨.

٤٣٢

الشاة بالطيب الذي هو عبارة عن تلك الأفراد المذكورة ، والأمر بالصدقة فيها على الاستحباب.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال ، ولا ريب ان الاحتياط في ما ذكروه (رضوان الله عليهم).

الصنف الرابع ـ لبس المخيط للرجال ، وما يتبعه من أنواع اللبس قال في التذكرة : يحرم على المحرم الرجل لبس الثياب المخيطة عند علماء الأمصار. وقال في المنتهى : يحرم على المحرم لبس المخيط من الثياب ان كان رجلا ، ولا نعلم فيه خلافا. ونقل في الدروس عن ابن الجنيد انه قيده بالضام للبدن. وظاهر المشهور بين الأصحاب تحريم لبس المخيط وان قلت الخياطة.

وأنت خبير بأن الأخبار الواردة في المسألة قاصرة عن افادة ما ذكروه من العموم.

وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه منها ، ليظهر لك الحال :

فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تلبس ـ وأنت تريد الإحرام ـ ثوبا تزره ، ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل ، إلا ان لا يكون لك إزار ، ولا خفين ، الا ان لا يكون لك نعلان».

وما رواه الصدوق عن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم ، إلا ان تنكسه ، ولا ثوبا تدرعه ، ولا سراويل ، إلا ان لا يكون لك إزار ،

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٦٩ و ٧٠ ، والوسائل الباب ٣٥ من تروك الإحرام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢١٨ ، والوسائل الباب ٣٥ من تروك الإحرام.

٤٣٣

ولا خفين ، إلا ان لا يكون لك نعل».

وما رواه الصدوق ايضا عن زرارة في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن ما يكره للمحرم ان يلبسه. فقال : يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب وأعد غسلك ، وان لبست قميصا فشقه وأخرجه من تحت قدميك».

وعن صفوان في الصحيح عن خالد بن محمد الأصم (٣) قال : «دخل رجل المسجد الحرام وهو محرم ، فدخل في الطواف وعليه قميص وكساء ، فاقبل الناس عليه يشقون قميصه وكان صلبا ، فرءاه أبو عبد الله (عليه‌السلام) ـ وهو يعالجون قميصه يشقونه ـ فقال له : كيف صنعت؟ فقال : أحرمت هكذا في قميصي وكسائي. فقال : انزعه من رأسك ، ليس ينزع هذا من رجليه ، انما جهل». ونحوها رواية عبد الصمد بن بشير (٤) وقد تقدمت في مسألة لبس ثوبي الإحرام (٥).

وما رواه في الكافي عن يعقوب بن شعيب في الصحيح (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يلبس الطيلسان المزرور؟ فقال : نعم. وفي كتاب على (عليه‌السلام) : لا يلبس طيلسان حتى ينزع أزراره. فحدثني أبي انه انما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه».

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢١٨ ، والوسائل الباب ٣٦ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام.

(٥) ص ٧٧.

(٦) الفروع ج ٤ ص ٣٤٠ ، والوسائل الباب ٣٦ من تروك الإحرام.

٤٣٤

وروى في الكافي أيضا والتهذيب في الصحيح عن الحلبي مثله (١) بدون قوله : «فحدثني ابي» قال : وقال : «إنما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل فاما الفقيه فلا بأس ان يلبسه».

وأنت خبير بأنه لا دلالة في شي‌ء من هذه الروايات على تحريم لبس المخيط ، ولا تعرض له بالكلية ، وانما دلت على النهى عن أثواب مخصوصة. وبذلك اعترف شيخنا الشهيد (نور الله مرقده) في الدروس حيث قال : ولم أقف إلى الآن على رواية بتحريم عين المخيط ، انما نهى عن القميص والقباء والسراويل ، وفي صحيح معاوية (٢) : «لا تلبس ثوبا تزره ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل». وتظهر الفائدة في الخياطة في الإزار وشبهه. انتهى. ويعضده ما نقل عن الشيخ المفيد (عطر الله ـ تعالى ـ مرقده) في المقنعة انه لم يذكر إلا المنع من أشياء معينة ، ولم يتعرض لذكر المخيط.

ومن ما ذكرنا يعلم ان ما اشتهر بين جملة من المتأخرين ـ بناء على ما قدمناه من الإجماع المدعى ، من انه يكفى في المنع مسمى الخياطة وان قلت ـ لا وجه له.

وألحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه ، كالدرع المنسوج ، والملصق بعضه ببعض. واحتج عليه في التذكرة بالحمل على المخيط ، لمشابهته إياه في المعنى من الترفه والتنعم. وضعفه ظاهر. والأجود أن يستدل عليه بما يتضمن تحريم لبس الثياب على المحرم ، كصحيحة معاوية ابن عمار الاولى والثانية ، وصحيحة زرارة ، ونحوها من ما نقلناه وما لم ننقله ، فإنها شاملة لذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من تروك الإحرام ، والحديث في الفروع ج ٤ ص ٣٤٠ ، والفقيه ج ٢ ص ٢١٧.

(٢) ص ٤٣٣ رقم (١).

٤٣٥

لكن ينبغي ان يستثني منه الطيلسان ، فإنه يجوز لبسه ، كما تقدم في صحيحة يعقوب بن شعيب. وهو ـ على ما نقل ـ ثوب منسوج محيط بالبدن ، قال في كتاب مجمع البحرين : الطيلسان مثلث اللام واحد الطيالسة ، وهو ثوب محيط بالبدن ينسج للبس خال عن التفصيل والخياطة ، وهو من لباس العجم ، والهاء في الجمع للعجمة ، لانه معرب تالشان. انتهى

وظاهر الروايتين المذكورتين جواز لبسه اختيارا ، وبه صرح العلامة في جملة من كتبه ، والشهيد في الدروس. واعتبر في الإرشاد في جواز لبسه الضرورة ، وبه صرح صاحب الوسائل. والظاهر الأول.

ومن ما يدل على وجوب الفدية لو تعمد لبس ما لا يجوز له لبسه ما رواه الكليني عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «سألته عن ضروب من الثياب مختلفة يلبسها المحرم إذا احتاج ، ما عليه؟ قال : لكل صنف منها فداء».

أقول : الظاهر ان المراد بتعدد الصنف ، كالعمامة والقباء والقميص والسراويل ، فان كلا منها صنف من أصناف اللباس ، فلو تعدد القباء ـ مثلا ـ فليس إلا فداء واحد.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٤٨ ، والوسائل الباب ٨ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٨ ، والفقيه ج ٢ ص ٢١٩ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٨٤ عن ابي جعفر (ع) ، والوسائل الباب ٩ من بقية كفارات الإحرام.

٤٣٦

وما رواه ثقة الإسلام (نور الله ـ تعالى ـ مرقده) في الصحيح عن زرارة (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من نتف إبطه ، أو قلم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له اكله ، وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة».

وما رواه الشيخ عن سليمان بن العيص (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يلبس القميص متعمدا. قال : عليه دم».

ومن اضطر الى لبس ثوب يحرم عليه لبسه مع الاختيار ، جاز له لبسه ، وعليه دم شاة. والحكم بذلك مقطوع به في كلامهم ، كما نقله غير واحد.

والأصل فيه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة. والظاهر منها ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ تعدد الكفارة بتعدد الصنف ، في مجلس واحد كان أو مجالس متعددة ، ومع اتحاد الصنف فليس إلا كفارة واحدة كذلك اي اتحد المجلس أو تعدد ، تعددت أفراده أو اتحدت.

وبهذا ينبغي ان يجمع بين كلامي العلامة في المنتهى ، فإنه قال في فروع هذه المسألة :

الثاني ـ لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد ولو كان في مرات متعددة وجب عليه لكل ثوب دم ، لان لبس كل ثوب يغاير لبس الثوب الآخر ، فيقتضي كل واحد منها مقتضاه من

__________________

(١) هذا الحديث بهذا اللفظ رواه الشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٣٦٩ و ٣٧٠ ، والوسائل الباب ٨ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٨ من بقية كفارات الإحرام.

٤٣٧

غير تداخل. ثم استدل بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة. ثم قال : الرابع ـ لو لبس قميصا وعمامة وخفين وسراويل وجب عليه لكل واحد فدية ، لأن الأصل عدم التداخل ، خلافا لأحمد (١). وظاهر هذا الكلام مناف لما تقدم ، من ان لبس الثياب الكثيرة دفعة واحدة إنما يوجب فداء واحدا. ووجه الجمع هو ما أشرنا إليه من حمل الثياب الكثيرة على ما إذا كانت من صنف واحد ، وان كان ظاهر عبارته من ما يأبى هذا ، حيث انه جعل مناط الاتحاد والتعدد في الفدية انما هو تعدد المجلس واتحاده ، والمفهوم من الخبر انما هو باعتبار تعدد الصنف واتحاده.

ونقل عن الشيخ في التهذيب انه قال : وإذا لبس ثيابا كثيرة فعليه لكل واحد منها فداء. وهو على إطلاقه أيضا مشكل. والوجه ما ذكرناه من التفصيل المستفاد من الصحيحة المذكورة.

ثم انه لا فرق عند الأصحاب في وجوب الكفارة بين اللبس ابتداء واستدامة ، كما لو لبسه ناسيا أو جاهلا ثم ذكر أو علم ، فإنه يجب عليه نزعه على الفور ، ولا فدية عليه ، ولو تركه والحال كذلك وجبت عليه الفدية ، طال الزمان أو قصر.

والواجب نزعه من أسفله ، بان يشقه ويخرجه من رجليه. وعلله في المنتهى بأنه لو نزعه من رأسه لغطاه ، وتغطية الرأس حرام. ورواية عبد الصمد بن بشير المتقدمة في مسألة لبس ثوبي الإحرام (٢) دلت

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٤٤٨ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) ص ٧٧ و ٧٨ ، والتهذيب ج ٥ ص ٧٢ ، والوسائل الباب ٤٥ من تروك الإحرام.

٤٣٨

على التفصيل في ما إذا كان جاهلا ، بين لبسه للقميص قبل الإحرام فينزعه من رأسه ، وبعد الإحرام فينزعه من رجليه.

وقد تقدم في المسألة المشار إليها التنبيه على جملة من المسائل المتعلقة بثوبي الإحرام.

وبقي من ما يجب التنبيه عليه هنا أمور الأول ـ قال العلامة في المنتهى : يجوز للمحرم ان يعقد إزاره عليه ، لانه يحتاج اليه لستر العورة ، فيباح كاللباس للمرأة. قال في المدارك : وهو حسن.

أقول : قد روى في الاحتجاج (١) عن محمد بن عبد الله الحميري عن صاحب الزمان (عجل الله ـ تعالى ـ فرجه): انه كتب إليه يسأله عن المحرم ، يجوز ان يشد المئزر من خلفه على عقبه بالطول ، ويرفع طرفيه الى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما ، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما الى خاصرته ويشد طرفيه الى وركيه ، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك؟ فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك ، وهذا أستر. فأجاب (عليه‌السلام): جائز ان يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض ولا ابرة يخرجه به عن حد المئزر ، وغرزه غرزا ، ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض ، وإذا غطى سرته وركبتيه كلاهما ، فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبتين. والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا ان شاء الله (تعالى). وعنه انه سأله : هل يجوز ان يشد عليه مكان العقد تكة؟ فأجاب : لا يجوز شد المئزر بشي‌ء سواه من تكة أو غيرها. انتهى. وهو ظاهر ـ كما

__________________

(١) ج ٢ ص ٣٠٦ ، والوسائل الباب ٥٣ من تروك الإحرام.

٤٣٩

ترى ـ في انه إذا اتزر بالإزار ، يغرزه غرزا ، ولا يعقده ، ولا يشد بعضه ببعض.

وذكر العلامة أيضا في الكتاب المذكور وغيره في غيره : انه يحرم على المحرم عقد الرداء وزره.

واستدلوا عليه بما رواه الصدوق في الموثق عن سعيد الأعرج (١) : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يعقد إزاره في عنقه؟ قال : لا».

قال في المدارك بعد نقل ذلك : ويمكن حملها على الكراهة ، لقصورها من حيث السند عن إثبات التحريم. وهو جيد على أصله الغير الأصيل. والأظهر هو ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم).

إلا انه روى في الكافي عن القداح عن جعفر (عليه‌السلام) (٢) : «ان عليا (صلوات الله عليه) كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ، ثم يصلي فيه وان كان محرما». والظاهر حملها على الضرورة كما هو الظاهر منها ، فلا منافاة. ومفهومها كاف في الدلالة كما لا يخفى.

ويزيد ذلك بيانا ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن علي ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «المحرم لا يصلح له ان يعقد إزاره على رقبته ، ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (٤).

الثاني ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز له عقد الهميان في وسطه.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٣ من تروك الإحرام.

٤٤٠