الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

فانزل؟ قال : عليه دم ، لانه نظر الى غير ما يحل له. وان لم يكن انزل فليتق الله ولا يعد ، وليس عليه شي‌ء».

ويمكن حملها على المعسر جمعا بينها وبين رواية أبي بصير المتقدمة وإنما يبقى الإشكال في الجمع بين رواية أبي بصير وصحيحة زرارة. وحملها على رواية أبي بصير ـ بان يقال : جزور ان كان موسرا ، أو بقرة ان كان متوسطا ، وان لم يجد بان كان معسرا فشاة ـ الظاهر بعده. ولكن ارتكاب مثله في مقام الجمع شائع في كلامهم.

وصاحب المدارك بناء على اصطلاحه في الاخبار اطرح رواية أبي بصير ، واستجود قول الصدوق للصحيحة المذكورة. واحتمل قويا الاكتفاء بالشاة ، لحسنة معاوية بن عمار المذكورة. وهو جيد على أصوله.

ولو كان النظر إلى أهله فأمنى فلا شي‌ء عليه ، إلا ان يقترن بالشهوة فبدنة. والحكمان إجماعيان كما يظهر من المنتهى.

ويدل على الحكمين المذكورين صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم. قال : لا شي‌ء عليه. وان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم. وقال في المحرم ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل ، قال : عليه بدنة».

ويدل على الحكم الثاني ما رواه في الكافي في الحسن عن مسمع ابي سيار (٢) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) : يا أبا سيار

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٤٤.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من تروك الإحرام ، والباب ١٨ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٤٦.

٤٠١

ان حال المحرم ضيقة. الى ان قال : ومن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة. ومن نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور. ومن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي‌ء عليه».

وصاحب المدارك هنا إنما استدل على الحكم الثاني بحسنة مسمع المذكورة ، وطعن فيها بقصور سندها بعدم توثيق الراوي ، ومعارضتها بموثقة إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى؟ قال : ليس عليه شي‌ء». قال : وأجاب الشيخ عنها بالحمل على حال السهو دون العمد. وهو بعيد. انتهى.

وفيه (أولا) : ان الدليل غير منحصر في رواية مسمع ، بل هو ـ كما عرفت ـ في صحيحة معاوية بن عمار المذكورة. والعجب انه نقل صدرها دليلا على الحكم الأول ، وغفل عن عجزها الدال على الحكم الثاني.

و (ثانيا) : انه قد عد حديث مسمع المذكور في الصحيح فضلا عن الحسن في مواضع عديدة من كتاب الحج ، وعده في الحسن ـ كما هو المشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح ـ في مواضع أخر ، وطعن فيه في هذا الموضع وغيره ايضا ، وهذا من جملة المواضع التي اضطرب فيها كلامه كما أشرنا إليه في غير مقام من شرحنا على الكتاب. ومن المواضع التي عده في الصحيح في شرح قول المصنف : «ويضمن الصيد بقتله عمدا وسهوا» قال : وفي الصحيح عن مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا رمى المحرم صيدا وأصاب اثنين. الحديث».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٧ ، والوسائل الباب ١٧ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

٤٠٢

و (ثالثا) : ان ظاهر كلامه يشعر بأنه لا يعمل إلا بالصحيح خاصة ، حيث رد الرواية بعدم توثيق الراوي ، مع ان المعهود من عادته في الكتاب العمل بالحسن ايضا وإنما يرد الموثق والضعيف ، وان عمل به في موضع الحاجة وتستر ببعض الأعذار الواهية.

وبالجملة فالرجل ممدوح وحديثه في الحسن ، كما هو المعروف من كلام الأصحاب.

وبذلك يظهر ان ما أجاب به الشيخ عن موثقة إسحاق بن عمار وان كان لا يخلو من بعد إلا انه في مقام الجمع اولى من اطراح الرواية لما عرفت من دلالة صحيحة معاوية وحسنة مسمع على خلافها ، والترجيح لهاتين الروايتين المعتضدتين بعمل الأصحاب (رضوان الله عليهم).

قال في المدارك : وذكر الشارح : ان من كان معتادا للإمناء عند النظر بغير شهوة تجب عليه الكفارة كما لو نظر بشهوة. وهو جيد مع القصد ، لأنه في معنى الاستمناء. انتهى.

وفيه ما تقدمت الإشارة إليه من انا لم نقف على حديث يتضمن الاستمناء الذي هو طلب المنى ، وانما الموجود في الاخبار ما تقدم من عبث الرجل بذكره ـ كما في موثقة إسحاق بن عمار ـ والمحرم يعبث بأهله ، كما في صحيحة عبد الرحمن ، وكل منهما أعم من الاستمناء.

المسألة السادسة ـ في التقبيل ، قال الشيخ (رحمه‌الله تعالى) : من قبل امرأته وهو محرم من غير شهوة كان عليه دم شاة ، وان قبلها بشهوة كان عليه جزور. وقال الشيخ المفيد (عطر الله ـ تعالى ـ

٤٠٣

مرقده) : من قبل امرأته وهو محرم فعليه بدنة ، أنزل أو لم ينزل وكذا قال السيد المرتضى. وزاد الشيخ المفيد : وان هويت المرأة ذلك كان عليها مثل ما عليه. وقال ابن الجنيد : ان قبلها بغير شهوة فعليه دم شاة ، وان قبلها بشهوة فأمنى فعليه جزور. وقال أبو الصلاح : وفي القبلة دم شاة ، وان أمنى فعليه بدنة. وقال الصدوق في المقنع : فان قبلها فعليه بدنة. وروى : ان عليه دم شاة. وفي كتاب من لا يحضره الفقيه : فان قبلها فعليه دم شاة. وقال ابن إدريس : وان قبلها بغير شهوة فدم ، وان قبلها بشهوة فشاة إذا لم يمن ، فإن أمنى كان عليه جزور.

أقول : والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بهذه المسألة روايات ثلاثة :

الأولى ـ صحيحة الحلبي أو حسنته عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته. قال : نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها ومحملها. قلت : المحرم يضع يده بشهوة؟ قال : يهريق دم شاة. قلت : فان قبل؟ قال : هذا أشد ينحر بدنة» :

الثانية ـ حسنة مسمع ابي سيار المتقدمة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة ، فمن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ، ومن قبل امرأته على

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ و ١٨ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٤٤.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من تروك الإحرام ، والباب ١٨ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٤٦.

٤٠٤

شهوة فأمنى فعليه جزور ، ويستغفر ربه. الحديث».

الثالثة ـ رواية علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل قبل امرأته وهو محرم. قال : عليه بدنة وان لم ينزل ، وليس له ان يأكل منها».

والظاهر ان منشأ الخلاف المتقدم من اختلاف هذه الاخبار ، فمنهم من تعلق بإطلاق بعضها ، ومنهم من ضم مطلقها الى مقيدها ، ومنهم من ضم الى ذلك بعض القيود من خارج. وكيف كان فالجمع بينها لا يخلو من اشكال ، والمسألة لذلك لا تخلو من توقف.

ومن الاخبار الواردة في القبلة أيضا رواية الحسين بن حماد (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يقبل امه. قال : لا بأس ، هذه قبلة رحمة ، إنما تكره قبلة الشهوة».

وربما ظهر من هذه الرواية تخصيص التحريم ووجوب الكفارة بقبلة الشهوة ، فلو لم تكن عن شهوة فلا شي‌ء فيها. ومن ثم حمل بعض المتأخرين الدم في حسنة مسمع على الاستحباب. ولا يخلو من قرب. وقد تقدمت الإشارة الى ذلك.

ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال : «سألته عن رجل قبل امرأته ، وقد

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٤٥.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص ٣٤٦.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٧٨ ، والوسائل الباب ٩ و ١٨ من كفارات الاستمتاع.

٤٠٥

طاف طواف النساء ، ولم تطف هي. قال : عليه دم يهريقه من عنده». ونحوها رواية زرارة (١).

والحكم في هذين الخبرين لا يخلو من اشكال ، لكونه قد أحل. وغاية ما يلزمه الإثم.

ومنها ـ رواية العلاء بن فضيل (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وامرأة تمتعا جميعا ، فقصرت امرأته ولم يقصر ، فقبلها. قال : يهريق دما ، وان كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما». والحكم في هذا الخبر ظاهر.

تنبيهات

الأول ـ قال في المنتهى : ولا فرق في الوطء بين ان يطأ في إحرام حج واجب أو مندوب ، لانه بعد التلبس بالإحرام يصير المندوب واجبا ، ويجب عليه إتمامه كما يجب عليه إتمام الحج الواجب. ولان الحج الفاسد يجب إتمامه فالمندوب اولى ، لقوله (تعالى) (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (٣). إذا ثبت هذا ، فكل صورة قلنا انه يفسد الحج الواجب فيها ـ كما لو وطئ قبل الوقوف بالموقفين ـ فإنه يفسد الحج المندوب فيها ايضا ، فلو وطئ قبل الوقوف بالموقفين في الحج المندوب ، فسد ووجب عليه إتمامه ، وبدنة ، والحج من قابل ، ولو كان بعد الوقوف بالموقفين ، وجب عليه بدنة لا غير ، عملا بالعمومات المتناولة للواجب

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ و ١٨ من كفارات الاستمتاع.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٧٣ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الاستمتاع.

(٣) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

٤٠٦

والمندوب. انتهى. وهو كذلك.

الثاني ـ قال في الكتاب المذكور ايضا : ويجب عليه القضاء في السنة المقبلة وجوبا على الفور ، ذهب إليه علماؤنا. ثم نقل الخلاف في ذلك عن العامة (١). وما ذكره (قدس‌سره) هو مدلول الأخبار ، ففي صحيحة زرارة أو حسنته (٢) : «وعليهما الحج من قابل». وفي صحيحة معاوية بن عمار (٣) : «فعليه بدنة والحج من قابل». في موضعين منها ، وفي رواية علي بن أبي حمزة (٤) : «وعليهما الحج من قابل لا بد منه». الى غير ذلك من الاخبار.

الثالث ـ إذا مس المحرم امرأته ، فإن كان بغير شهوة فلا شي‌ء عليه ، وان كان بشهوة فعليه دم شاة.

ويدل على ذلك ما تقدم قريبا في صحيحة الحلبي أو حسنته ، وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل حمل امرأته وهو محرم ، فأمنى أو أمذى. فقال : ان كان حملها أو مسها بشي‌ء من الشهوة ـ فأمنى أو لم يمن ، أمذى أو لم يمذ ـ فعليه دم يهريقه ، فان حملها أو مسها بغير شهوة ـ فأمنى أو أمذى ـ فليس عليه شي‌ء».

الرابع ـ لو استمع الى من يجامع ، أو تشاهى لاستماع كلام امرأة من غير نظر ، لم يكن عليه شي‌ء وان أمنى.

__________________

(١) المجموع للنووي ج ٧ ص ٣٨٣ الطبعة الثانية.

(٢ و ٣) ص ٣٥٦.

(٤) ص ٣٥٧.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٦ ، والوسائل الباب ١٧ من كفارات الاستمتاع.

٤٠٧

وتدل على ذلك موثقة أبي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يسمع كلام امرأة من خلف حائط وهو محرم ، فتشاهى حتى انزل. قال : ليس عليه شي‌ء».

ورواية سماعة بن مهران عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى؟ قال : ليس عليه شي‌ء».

قال في المنتهى : اما لو كان برؤية فإنه تجب عليه الكفارة على ما بيناه. وهو إشارة الى ما قدمه من الكفارة في النظر الى غير اهله ويؤيده ما تقدم في المسألة الخامسة (٣) من قوله (عليه‌السلام): «اما اني لم اجعل عليه هذا لأنه أمنى ، إنما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحل له».

قال في المدارك : ولو امنى بذلك وكان من عادته ذلك أو قصده فقد قطع الشارح بوجوب الكفارة عليه كالاستمناء. وهو حسن. وفيه ما قد تقدمت الإشارة إليه من عدم وجود دليل على الاستمناء. وما روى من خصوصيات بعض الجزئيات لا يشمل ما ذكر ، مع إطلاق الخبرين المذكورين ودخول ما ذكره تحت إطلاقهما.

الخامس ـ لو امنى عن ملاعبة فجزور. وعلى المرأة ان طاوعت مثله.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٧ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢٧ و ٣٢٨ ، والوسائل الباب ٢٠ من كفارات الاستمتاع.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٨ ، والوسائل الباب ٢٠ من كفارات الاستمتاع.

(٣) ص ٤٠٠ رقم (١).

٤٠٨

وعلى ذلك تدل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني ـ وهو محرم ـ من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان. فقال : عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

ومقتضاها وجوب البدنة ، لأنها هي الواجبة على من يجامع.

الصنف الثالث ـ الطيب ، ويحرم على الرجل والمرأة معا ، أكلا وشما ، واطلاء. وادعى عليه في التذكرة إجماع علماء الأمصار.

وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مسائل الأولى ـ عرف شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) الطيب بأنه : الجسم ذو الريح الطيبة المتخذ للشم غالبا غير الرياحين ، كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد والكافور ، قال : وخرج بقيد الاتخاذ للشم ما يطلب منه الأكل والتداوي غالبا ، كالقرنفل والسنبل والدارچيني والجوزة والمصطكي وسائر الأبازير الطيبة ، فلا يحرم شمه. وكذا ما لا ينبت للطيب ، كالشيخ والقيصوم والخزامى والإذخر والفوتنج والحناء والعصفر ، وان أطلق عليه اسم الرياحين. واما ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب ـ كالياسمين والورد والنيلوفر ـ فان كان رطبا فهو ريحان سيأتي حكمه ، وان كان يابسا ففي تحريمه ان لم نقل بتحريم أخضره وجهان ، واختار العلامة في التذكرة تحريمه ووجوب الفدية به. انتهى.

وقال العلامة في التذكرة : الطيب ما تطيب رائحته ويتخذ للشم ، كالمسك والعنبر والكافور والزعفران وماء الورد ، والأدهان الطيبة كدهن

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢٧ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الاستمتاع.

٤٠٩

البنفسج والورس. والمعتبر ان يكون معظم الغرض منه التطيب ، أو يظهر فيه هذا الغرض.

ثم قسم النبات الطيب تبعا للشيخ (رحمه‌الله تعالى) إلى ثلاثة أقسام :

الأول ـ ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه ، كنبات الصحراء من الشيخ والقيصوم والخزامى والإذخر والدارچيني والمصطكي والزنجبيل والسعد وحبق الماء. والفواكه ، كالتفاح والسفرجل والنارنج والأترج. قال : وهذا كله ليس بمحرم ، ولا تتعلق به كفارة إجماعا. وكذا ما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر. الثاني ـ ما ينبته الآدميون للطيب ، ولا يتخذ منه طيب ، كالريحان الفارسي والمرزنجوش والنرجس والبرم. قال الشيخ : فهذا لا تتعلق به كفارة ويكره استعماله.

الثالث ـ ما يقصد شمه ، ويتخذ منه الطيب ، كالياسمين والورد والنيلوفر. والظاهر ان هذا يحرم شمه ، وتجب فيه الفدية.

والذي وقفت عليه من الاخبار الجارية في هذا المضمار ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا بأس ان تشم الإذخر والقيصوم والخزامى والشيخ وأشباهه ، وأنت محرم». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار مثله (٢).

وعن ابن ابي عمير في الصحيح عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٥ ، والوسائل الباب ٢٥ من تروك الإحرام.

٤١٠

(عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن التفاح والأترج والنبق وما طابت ريحه. فقال : يمسك على شمه ويأكله».

وروى الكليني في الصحيح عن علي بن مهزيار (٢) قال : «سألت ابن ابي عمير عن التفاح والأترج والنبق وما طاب ريحه. قال : تمسك عن شمه وتأكله». ورواه في الفقيه (٣) مثله ، وزاد : «ولم يرو فيه شيئا».

وفي الكافي عن عمار بن موسى في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن المحرم يأكل الأترج. قال : نعم. قلت : له رائحة طيبة؟ قال : الأترج طعام ليس هو من الطيب».

وما رواه الكليني (قدس‌سره) في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الحناء. فقال : ان المحرم ليمسه ، ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس». ورواه الصدوق بإسناده عن عبد الله بن سنان مثله (٦).

وما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «لا تمس ريحانا وأنت محرم ، ولا شيئا

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٠٥ ، والوسائل الباب ٢٦ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٢٦ من تروك الإحرام.

(٣) ج ٢ ص ٢٢٥ ، والوسائل الباب ٢٦ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٢٦ من تروك الإحرام.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٥٦. والوسائل الباب ٢٣ من تروك الإحرام.

(٦) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٤ ، والوسائل الباب ٢٣ من تروك الإحرام.

(٧) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام رقم ٣ و ١٠ عن الكافي والتهذيب.

٤١١

فيه زعفران ، ولا تطعم طعاما فيه زعفران».

أقول : ظاهر صحيحة معاوية بن عمار جواز شم نبات الصحراء من الأشياء المذكورة ونحوها وان سميت طيبا. وهو مؤيد لما ذكره الشيخ والعلامة في ما تقدم نقله عنهما من انه ليس بمحرم ولا تتعلق به كفارة. وظاهر صحيحة ابن ابي عمير وصحيحة علي بن مهزيار وموثقة عمار جواز أكل الفواكه ، كما صرح به الشيخان المتقدمان ، وظاهرهما دعوى الإجماع على انه ليس من الطيب.

وربما أشعر كلام الشهيد في الدروس بالخلاف في الفواكه ، حيث قال : واختلف في الفواكه ، ففي رواية ابن ابي عمير : يحرم شمها. وكرهه الشيخ في المبسوط ، ويجوز أكلها لو قبض على انفه. وظاهره التردد فيه.

وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في الوسائل (١) تقييد جواز أكل الفواكه بالحاجة اليه ، وانه يمسك على انفه. والظاهر ان منشأه ما يظهر من الشيخ في التهذيب (٢) من تحريم شم التفاح ، وانه إذا أكله عند الحاجة أمسك على انفه ، مستدلا عليه برواية ابن ابي عمير. وأجاب عن رواية عمار بأنه (عليه‌السلام) أباح اكله ، ولم يقل انه يجوز له شمه. والخبر الأول مفصل ، فالعمل به اولى.

وفيه : ان الروايات قد صرحت بجواز أكل هذه الأشياء وما أشبهها مطلقا ، فالتقييد بالحاجة ـ كما ادعياه ـ يحتاج الى دليل. وموثقة عمار صرحت مع جواز أكله بأنه طعام ليس بطيب. ومقتضاه عدم

__________________

(١) الوسائل ج ٩ ص ١٥ رقم ٢٦ الطبع الحديث.

(٢) ج ٥ ص ٣٠٥ و ٣٠٦.

٤١٢

وجوب الإمساك عن شمه. ويعضده تجويز أكله. فإن الظاهر من روايات الطيب ترتب التحريم أكلا وشما على ما يدخل تحت الطيب المحرم ، وانهما متلازمان ، فكل ما حرم شمه حرم اكله وبالعكس كما لا يخفى. وبالجملة فالمختار هو الجواز ، كما ذكره الشيخ والعلامة وغيرهما.

والمفهوم من صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة تحريم الريحان. ومثلها صحيحة حريز الآتية في ثاني هذه المسألة. وسيأتي تحقيق الكلام في المقام ان شاء الله (تعالى).

المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما يحرم على المحرم من الطيب ، فنقل عن الشيخ المفيد ، والصدوق في المقنع والسيد المرتضى ، وابي الصلاح ، وسلار ، وابن إدريس : القول بالتعميم لكل طيب ، وهو المنقول عن الشيخ في المبسوط والاقتصاد ، حيث قال : ويحرم عليه الطيب على اختلاف أجناسه ، وأغلظها خمسة أجناس : المسك والعنبر والزعفران والعود والورس. وقال في النهاية : ويحرم من الطيب خاصة المسك والعنبر والزعفران والورس والكافور والعود ، فاما ما عدا هذا من الطيب والرياحين فمكروه. وبه قال ابن حمزة. وقال في الخلاف : ما عدا المسك والعنبر والكافور والزعفران والورس والعود عندنا لا تتعلق به كفارة إذا استعمله المحرم وقال في التهذيب (١) : واما الطيب الذي يجب اجتنابه فأربعة أشياء : المسك والعنبر والزعفران والورس ، قال : وقد روى : والعود. وعن ابن البراج : انه حرم المسك والكافور والعنبر والعود والزعفران. والى القول

__________________

(١) ج ٥ ص ٢٩٩.

٤١٣

بالعموم ذهب المحقق والعلامة وأكثر المتأخرين. وهو المشهور بين الأصحاب.

والذي وصل الي من الاخبار المتعلقة بذلك ـ ومنها نشأ هذا الاختلاف ـ روايات :

منها ـ ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك ، واتق الطيب في طعامك ، وأمسك على انفك من الرائحة الطيبة ، ولا تمسك عليه من الرائحة المنتنة ، فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان ، ولا يتلذذ به ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه. يعني من الطعام».

ورواه الكليني في الحسن عن حريز عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) وفيه : «بقدر ما صنع قدر سعته».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم ، فان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب اليه».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٥٣ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام رقم ١١ و ٦.

(٤) الوسائل الباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

٤١٤

السلام) (١) قال : «المحرم يمسك على انفه من الريح الطيبة ، ولا يمسك على انفه من الريح الخبيثة». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي مثله (٢) ورواه ايضا عن هشام بن الحكم في الصحيح أو الحسن مثله (٣) وزاد : وقال : «لا بأس بالريح الطيبة في ما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، ولا يمسك على انفه».

وروى في الكافي في الصحيح عن محمد بن إسماعيل (٤) ـ والظاهر انه ابن بزيع ـ قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) كشف بين يديه طيب لينظر اليه وهو محرم ، فأمسك على انفه بثوبه من ريحه».

وعن الحسن بن زياد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «قلت له : الأشنان فيه الطيب اغسل به يدي وانا محرم؟ قال : إذا أردتم الإحرام فانظروا مزاودكم فاعزلوا الذي لا تحتاجون اليه. وقال : تصدق بشي‌ء كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك».

وعن حنان بن سدير عن أبيه (٦) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : ما تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟ قال : لا ينبغي للمحرم ان يأكل شيئا فيه زعفران ، ولا يطعم شيئا من الطيب».

وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٤ من تروك الإحرام.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٥٤ ، والوسائل الباب ٢٠ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٥٤ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٥٤ ، والوسائل الباب ٢٧ من تروك الإحرام ، والباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٦) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

٤١٥

السلام) (١) «في قول الله (عزوجل) (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) (٢) : حفوف الرجل من الطيب».

وقال الصدوق (رحمه‌الله تعالى) (٣) : «وكان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) إذا تجهز إلى مكة قال لأهله : إياكم ان تجعلوا في زادنا شيئا من الطيب ولا الزعفران نأكله أو نطعمه».

وروى عن الحسين بن زياد (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): وضأني الغلام ـ ولم اعلم ـ بدستشان فيه طيب ، فغسلت يدي وانا محرم؟ فقال : تصدق بشي‌ء لذلك».

أقول : وهذه الاخبار ظاهرة في القول المشهور. والظاهر ان اعتمادهم عليها واستنادهم إليها.

واما ما ذكره في الذخيرة ـ حيث قال بعد نقلها : ولا يخفى ان دلالة هذه الاخبار على التحريم غير واضحة ، والأصل يقتضي حملها على الكراهة ، ويناسب ذلك قوله (عليه‌السلام) : «لا ينبغي» في الخبر الأول والأخير. انتهى ـ

فهو من جملة تشكيكاته الضعيفة التي لا ينبغي ان يعرج عليها ، وتوهماته السخيفة التي لا ينبغي ان يلتفت إليها. وقد سلف كلامنا عليه في أمثال هذا المقام ، وما يلزمه من أمثال كلامه هذا ، من انه لا واجب في الشريعة ولا حرام ، وفيه من الشناعة ما يوجب الخروج

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٨ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٢) سورة الحج ، الآية ٢٧.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٣ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢٢٣ ، والوسائل الباب ٤ من بقية كفارات الإحرام.

٤١٦

عن جادة الإسلام من حيث لا يشعر به قائله ، كما هو واضح لذي الأفهام.

وما ادعاه ـ من مناسبة لفظ : «لا ينبغي» لما ذكره ـ ففيه ان استعمال هذا اللفظ في التحريم أكثر من ان يحصر وأشهر من ان ينكر ، كما تقدم بيانه.

ومنها ـ ما رواه الشيخ ـ بطريقين : أحدهما صحيح والآخر ضعيف ـ عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والورس والزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح».

وفي الصحيح عن ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «الطيب : المسك والعنبر والزعفران والعود».

وعن سيف (٣) ـ والظاهر انه ابن عميرة ـ قال : حدثني عبد الغفار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : الطيب : المسك والعنبر والزعفران والورس».

وروى الصدوق في الفقيه (٤) مرسلا قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) : يكره من الطيب أربعة أشياء للمحرم : المسك والعنبر والزعفران والورس. وكان يكره من الأدهان الطيبة الريح».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام رقم ٨ و ١٤.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٩ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

(٤) ج ٢ ص ٢٢٣ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

٤١٧

وروى في التهذيب (١) عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «الطيب : المسك والعنبر والزعفران والعود».

وبهذه الأخبار أخذ الشيخ في التهذيب كما تقدم نقله عنه.

وظاهر صحيحة معاوية بن عمار بل صريحها حصر الطيب المحرم على المحرم في الأربعة المذكورة ، وهو ظاهر روايتي ابن ابي يعفور وعبد الغفار. وحينئذ فالظاهر هو تقييد الإطلاق في الاخبار المتقدمة بهذه الاخبار. ويؤيده ان صحيحة معاوية بن عمار التي هي في صدر الروايات الدالة على العموم رواها الشيخ في التهذيب (٢) كما تقدم من رواية الكليني وزاد بعد قوله : «لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة» : «فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليعد غسله ، وليتصدق بقدر ما صنع. وإنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والورس والزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح». ومن الظاهر انه لو لم يقيد أولها بما ذكر في آخرها للزم التنافي بين طرفيها.

وبذلك يظهر ان ما ذكره في الاستبصار بعد ذكر خبري ابن ابي يعفور وعبد الغفار ـ حيث تأولهما بأن ذكر هذه الأشياء انما وقع تعظيما لها وتفخيما ، ولم يكن القصد بيان تحليلها أو تحريمها ـ من ان هذين الخبرين ليس فيهما أكثر من الاخبار بان الطيب أربعة أشياء ، وليس فيهما ذكر ما يجب اجتنابه على المحرم ، وانه انما تأولهما لذكر الأصحاب لهما في أبواب ما يجب على المحرم اجتنابه وإلا فلا حاجة الى تأويلهما ـ من ما لا يخفى وهنه ، فإنه مع تسليم

__________________

(١) الوافي باب (الطيب والادهان للمحرم) ولم نجده في التهذيب والوسائل.

(٢) ج ٥ ص ٢٩٧ و ٢٩٩ و ٣٠٤ و ٣٠٥ ، والوسائل الباب ١٨ من تروك الإحرام.

٤١٨

ما ذكره ، متى دل الخبران على ان الطيب شرعا عبارة عن هذه الأربعة ، فيجب حمل الأحكام المترتبة على الطيب بقول مطلق على هذه الأربعة لأنها هي الطيب شرعا ، والإطلاقات يجب حملها على ما هو المعروف في عرفهم (عليهم‌السلام) فيعود ما فر منه.

والسيد السند في المدارك نقل رواية عبد الغفار بزيادة : «وخلوق الكعبة لا بأس به» ثم استدل بهذه الزيادة على الحصر في الأربعة المذكورة. وهو غفلة منه (قدس‌سره) فان هذه الزيادة إنما هي من كلام الشيخ لا من الرواية ، فإن الحديث ـ كما نقله في الاستبصار (١) ـ عار من هذه الزيادة ، وكذا نقله المحدث الكاشاني في الوافي (٢) والشيخ الحر في الوسائل.

نعم يبقى الكلام هنا في موضعين : أحدهما ـ انك قد عرفت ان ظاهر صحيحتي عبد الله بن سنان وحريز هو تحريم الريحان ، وان كان الشيخ وجمع من الأصحاب قد عدوه في مكروهات الإحرام ، واستدلوا على القول بالكراهة بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المسألة الأولى ، المتضمنة لأنه لا بأس ان يشم الإذخر والقيصوم. الحديث. وفيه انه قد يمكن القول بالتحريم مع استثناء هذه الأشياء المذكورة ، فلا منافاة فيه. ولا ينافي ذلك قوله في الخبر : «وأشباهه» باعتبار حمله على غيره من الريحان ، لأنا نقول : المراد أشباهه من نبات الصحراء الطيب الرائحة. وحينئذ فيختص الحكم بما أنبته الآدميون من الريحان ، وهو القسم الثاني في كلام الشيخ ، وان حكم فيه بالكراهة ، فإن ظاهر الصحيحتين المذكورتين التحريم. وحينئذ فيضاف الى الافراد المذكورة في هذه الروايات الأخيرة التي بها خصصنا اخبار الطيب المطلقة.

__________________

(١) ج ٢ ص ١٨٠.

(٢) باب (الطيب والادهان للمحرم).

٤١٩

الثاني ـ ان صحيح معاوية بن عمار ورواية عبد الغفار ومرسلة الفقيه تضمنت ان الرابع الورس ، وصحيح ابن ابي يعفور جعل عوضه العود ، وصاحب الكافي قد نقل حديث عبد الغفار في باب أنواع الطيب من كتاب المروة (١) بلفظ «العود» عوض «الورس» وقد صرح في سنده بان سيفا هو ابن عميرة. والشيخ نسب العود في عبارته المتقدمة من التهذيب إلى الرواية. وفي الخلاف جعل المحرم هذه الخمسة بإضافة العود إلى الأربعة المذكورة. وهو الأحوط. والاحتياط التام في اجتناب الطيب بجميع أنواعه ، إلا ما تقدم في روايات المسألة الأولى ، فإنه لا معارض لها. وبعض رجح رواية الورس على العود ، وطعن في صحة رواية ابن ابي يعفور بما ذكره المحقق الشيخ حسن في المنتقى من العلة في السند الموجبة لضعفه ، وان عد في الصحيح غفلة. وهو جيد بناء على الاصطلاح المذكور.

المسألة الثالثة ـ يستثني من تحريم الطيب على المحرم خلوق الكعبة إجماعا ، كما نقله بعضهم.

ولما رواه الصدوق في الصحيح عن حماد بن عثمان (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن خلوق الكعبة وخلوق القبر يكون في ثوب الإحرام. فقال : لا بأس بهما ، هما طهوران». والظاهر ان المراد بالقبر قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

__________________

(١) الفروع ج ٢ ص ٢٢٣ الطبع القديم ، والوسائل الباب ٩٧ من آداب الحمام.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢١٧ ، والوسائل الباب ٢١ من تروك الإحرام.

٤٢٠