الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

الشاة. والجمع بالتخيير بينهما ممكن.

وروى في الكافي عن ابي خالد القماط (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وقع على امرأته يوم النحر قبل ان يزور قال : ان كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة ، وان كان غير ذلك فبقرة. قلت : أو شاة؟ قال : أو شاة». ولم أقف على قائل بمضمون هذا التفصيل.

والعلامة في المنتهى بعد ان ذكر هذا الحكم لم يورد له دليلا إلا حسنة معاوية بن عمار ، وصحيحة العيص المشار إليها في كلام المسالك ورواية القماط المذكورة ، ولم يتعرض لنقل رواية خالد بياع القلانس وهذا من ما يؤيد ما صار إليه المتأخرون من إنكار النص في المسألة ، حيث ان هذا كلام من تقدمهم من مثل العلامة ونحوه.

والعجب انه نقل أيضا في جملة ذلك ما رواه ابن بابويه عن ابي بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل واقع امرأته وهو محرم. قال : عليه جزور كوماء. فقال : لا يقدر؟ قال : ينبغي لأصحابه ان يجمعوا له ولا يفسدوا عليه حجه». وهذه الرواية ـ كما ترى ـ انما تدل على خلاف موضوع المسألة من الانتقال إلى البقرة ثم الشاة ، حيث ان ظاهر الخبر تعين البدنة ، وان عجز فيسعى في حصولها ولو بالاستعانة بالناس.

الحادي عشر ـ قال الشيخ : ولو عجز عن البدنة الواجبة بالإفساد فعليه بقرة ، فإن عجز فسبع شياه ، فان عجز فقيمة البدنة دراهم ،

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٨ ، والوسائل الباب ٩ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢١٣ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

٣٨١

تصرف في الطعام ويتصدق به ، فان عجز صام عن كل مد يوما. كذا نقله عنه في المنتهى والدروس. ونقل عنه في المنتهى انه قال بعد ذلك : وفي أصحابنا من قال هو مخير. ونقلا ايضا عن ابن بابويه انه قال : من وجب عليه بدنة في كفارة فلم يجدها فعليه سبع شياه ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله.

وفي الدروس : انه قال في التهذيب : روى إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد ، فان عجز صام ثمانية عشر يوما. ذكره في الرجل والمرأة.

أقول : الظاهر ان هذه الرواية هي التي تقدم عن الكافي نقلها بعد نقل رواية علي بن أبي حمزة ، المتقدم جميع ذلك في الموضع الأول ، وقد تقدمت في سابق هذا الموضع ايضا.

ونقل في المنتهى عن الشيخ (قدس‌سره) انه استدل على ما قدمنا نقله عنه بإجماع الفرقة واخبارهم وطريقة الاحتياط.

وظاهره في المنتهى القول بما ذكره الشيخ من الترتيب في البدنة وما بعدها من البقرة ثم الشياه السبع ثم الصدقة ثم الصوم. وفي الدروس اقتصر على نقل القولين المذكورين.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة هو ما رواه المشايخ الثلاثة عن داود بن فرقد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في الرجل تكون عليه بدنة واجبة في فداء. قال : إذا لم يجد بدنة فسبع شياه ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما» وزاد في الفقيه والتهذيب : «بمكة أو في منزله».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٥ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٢ ، والتهذيب ج ٥ ص ٤٨١ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد. والراوي هو داود الرقي.

٣٨٢

والظاهر ان هذه الرواية هي مستند الصدوق في ما نقل عنه. إلا انها ظاهرة في كون تلك البدنة فداء ، وهو أخص من الكفارة ، فلا تنهض حجة في ما ادعاه هنا. نعم هي ظاهرة في البدنة التي في كفارة النعامة ونحوها. ولكنها معارضة بالأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة في بيان بدل بدنة الصيد ، كما تقدم في محله. فالقول بها ساقط في كلا الموضعين.

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (١) عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرفث والفسوق والجدال ، ما هو؟ وما على من فعله؟ قال : الرفث : جماع النساء ، والفسوق : الكذب والمفاخرة ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله. فمن رفث فعليه بدنة ينحرها فان لم يجد فشاة. وكفارة الجدال والفسوق شي‌ء يتصدق به إذا فعله وهو محرم». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (٢) ولا اعرف به قائلا من الأصحاب.

واما ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) فلم أقف له على دليل.

الثاني عشر ـ قد تقدم ان الجماع قبل طواف النساء موجب للبدنة اما لو طاف منه أشواطا ، فإن أكمل منه خمسة فلا كفارة ، وان كانت ثلاثة فما دون وجبت الكفارة ، وفي الأربعة قولان.

وتفصيل هذه الجملة ان وجوب الكفارة في الثلاثة فما دون من ما لا اشكال فيه ـ بل قال شيخنا الشهيد الثاني : انه لا خلاف في وجوب البدنة لو كان الوقاع قبل أربعة أشواط من طواف النساء ، وعدم الوجوب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

٣٨٣

لو أكمل خمسة ـ وانما الخلاف والاشكال في ما بينهما ، فعن الشيخ انه قال : إذا طاف من طواف النساء شيئا بعد قضاء مناسكه ثم جامع ، فان كان قد طاف منه أكثر من النصف بنى عليه بعد الغسل ولم تلزمه الكفارة ، وان كان أقل من النصف كان عليه الكفارة واعادة الطواف. وقال ابن إدريس : اما اعتبار النصف في صحة الطواف والبناء عليه فصحيح ، واما سقوط الكفارة ففيه نظر ، لأن الإجماع حاصل على ان من جامع قبل طواف النساء وجبت عليه الكفارة ، وهذا جامع قبل طواف النساء ، فالاحتياط يقتضي إيجاب الكفارة. وظاهر كلام ابن إدريس هنا وجوب الكفارة وان كان قد طاف خمسة. وهو خلاف الإجماع المدعى في المسألة ، كما تقدمت الإشارة اليه. وبذلك ايضا صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.

وقال في المدارك : وما ذكره ابن إدريس من ثبوت الكفارة قبل إكمال السبع لا يخلو من قوة ، وان كان اعتبار الخمسة لا يخلو من رجحان ، عملا بالروايتين المتضمنتين لانتفاء الكفارة بذلك ، المطابقتين لمقتضى الأصل والإجماع المنقول.

والذي وقفت عليه من الاخبار ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في من لا يحضره الفقيه في الصحيح الى حمران بن أعين ـ وهو ممدوح ، وحديثه عند أصحاب هذا الاصطلاح معدود في الحسن ـ عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ، ثم غمزه بطنه فخاف ان

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٤٥ و ٢٤٦ ، والوسائل الباب ١١ من كفارات الاستمتاع.

٣٨٤

يبدره فخرج الى منزله فنفض ، ثم غشي جاريته. قال : يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين ، تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه ، ويستغفر الله ، ولا يعود».

وزاد في الكافي : «وان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ، ثم خرج فغشي ، فقد أفسد حجه ، وعليه بدنة ، ويغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا».

والظاهر ان المراد بإفساد الحج الكناية عن حصول ثلم فيه ، أو إفساد الطواف ، والمراد بالحج الطواف مجازا. ولا استبعاد في التجوز والتعبير عن الجزء باسم الكل.

وقال في المختلف : وعلى هذه الرواية عول الشيخ (رضوان الله ـ تعالى ـ عليه) ثم قال : وقول الشيخ عندي هو المعتمد. وعلله أيضا ـ زيادة على الرواية ـ بأن الأصل براءة الذمة. ولانه مع تجاوزه النصف يكون قد اتى بالأكثر ، فحكمه حكم من اتى بالجميع.

وأورد عليه ان الرواية غير دالة على ما ذكره الشيخ من ان الاعتبار في عدم وجوب الكفارة بمجاوزة النصف ، وانما رتب فيها على طواف الخمسة. ولهذا ان ظاهر المحقق وهو في المنتهى اعتبار الخمسة ، وكذا الشهيد في الدروس.

والظاهر ان مستند الشيخ هنا انما هو ما رواه في من لا يحضره الفقيه عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في رجل نسي طواف النساء. قال : إذا زاد على النصف وخرج ناسيا ، أمر من يطوف عنه ، وله ان يقرب النساء إذا زاد على النصف».

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٤٦ ، والوسائل الباب ٥٨ من الطواف.

٣٨٥

قال العلامة في المنتهى ـ بعد إيراد حسنة حمران ووصفها بالصحة ـ ما صورته : وهي انما تدل على سقوطها عن من جامع وقد طاف خمسة أشواط. فإن احتج بمفهوم قوله : «فطاف منه ثلاثة أشواط» كان للمنازع ان يحتج بمفهوم الخمسة. وبالجملة فالذي نختاره نحن انه لا كفارة عليه إذا طاف خمسة أشواط ، اما لو طاف أربعة أشواط فإنه وان تجاوز النصف لكن الكفارة تجب عليه ، عملا بالأخبار الدالة على وجوب الكفارة على من جامع قبل طواف النساء ، إذ هو ثابت في حق من طاف بعضه ، السالم عن معارضة طواف خمسة أشواط. اما ابن إدريس فإنه اعتبر مجاوزة النصف في صحة الطواف والبقاء عليه لا في سقوط الكفارة ، وقال : الإجماع حاصل على ان من جامع قبل طواف النساء فإن الكفارة تجب عليه. وهو متحقق في ما إذا طاف دون الأشواط مع ان الاحتياط يقتضي وجوب الكفارة. ولا تعويل على هذا الكلام مع ورود الحديث الصحيح وموافقة عمل الأصحاب عليه. انتهى.

أقول : يمكن ان يناقش فيه أولا : بان ما ادعاه من معارضة مفهوم الخمسة لمفهوم الشرط في قوله : «فان طاف منه ثلاثة أشواط» لا معنى له ، إذ لا مفهوم في جانب الخمسة بالكلية ، وذلك ان الخمسة انما هي في كلام السائل لا في كلام الامام (عليه‌السلام) وحيث وقع السؤال عن حكمها أجاب (عليه‌السلام) فيها بما حاصله انه لا شي‌ء عليه من كفارة ولا إفساد. وبيان الحكم في المسؤول عنه لا يقتضي نفيه عن ما عداه.

وثانيا : ان ما احتج به ـ من إطلاق الاخبار الدالة على وجوب الكفارة على من جامع قبل طواف النساء ـ ففيه ان المتبادر المنساق

٣٨٦

الى الذهن من تلك الاخبار انما هو من لم يدخل في الطواف بالكلية ولم يأت بشي‌ء منه. قال بعض الفضلاء : والتعويل على ظاهر العمومات اللفظية ـ بعد ان يكون المنساق الى الذهن بعض الأنواع ـ لا يخلو من اشكال ، كما أشرنا إليه مرارا. انتهى ، وهو جيد.

وثالثا : ان وصفه رواية حمران بالصحة هنا وفي المختلف ايضا لا يوافق مقتضى اصطلاحه ، فان الرجل لم ينقل توثيقه في شي‌ء من كتب الرجال وان كان المفهوم من الاخبار مدحه. وما أبعد ما بين وصف هذه الرواية بالصحة وردها بالضعف كما ذكره في المدارك حيث قال : ان حمران لم ينص الأصحاب عليه بتوثيق ولا مدح يعتد به. ولهذا قوى مذهب ابن إدريس في المسألة ، كما تقدم نقله عنه.

أقول : المفهوم من الاخبار جلالة الرجل المذكور وعظم منزلته عند الأئمة (عليهم‌السلام) فلا يلتفت الى ما ذكره (قدس‌سره).

وقال في الذخيرة : ولو قيل بعدم لزوم الكفارة بعد مجاوزة الثلاثة لم يكن بعيدا ، نظرا الى مفهوم رواية حمران ، مع اعتضاده بالأصل ، وعدم شمول ما دل على الكفارة قبل طواف النساء لمحل البحث كما بيناه. والمسألة عندي لا تخلو من اشكال. انتهى. وهو جيد. الا ان فيه ان هذا المفهوم معارض بمفهوم رواية أبي بصير المتقدمة التي قد عرفت انها مستند الشيخ.

وبالجملة فالمسألة كما ذكره (قدس‌سره) محل اشكال.

الثالث عشر ـ قد صرح جملة من الأصحاب بان من جامع في إحرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته ، وعليه البدنة والقضاء. وظاهر العلامة في المنتهى انه موضع وفاق. ونقل في المختلف عن الشيخ في

٣٨٧

النهاية والمبسوط انه قال : من جامع امرأته وهو محرم بعمرة مبتولة قبل ان يفرغ من مناسكها ، فقد بطلت عمرته ، وكان عليه بدنة ، والمقام بمكة إلى الشهر الداخل الى ان يقضي عمرته ، ثم ينصرف ان شاء. وعن ابن ابي عقيل انه قال : وإذا جامع الرجل في عمرته بعد ان طاف بها وسعى قبل ان يقصر ، فعليه بدنة ، وعمرته تامة ، فاما إذا جامع في عمرته قبل ان يطوف لها ويسعى ، فلم احفظ عن الأئمة (عليهم‌السلام) شيئا أعرفكم به ، فوقفت عند ذلك ، ورددت إليهم (عليهم‌السلام). وعن ابي الصلاح : في الوطء في إحرام المتعة قبل طوافها وسعيها فساد المتعة وكفارة بدنة.

قال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والوجه انه ان جامع قبل السعي في العمرة فسدت عمرته ، سواء كانت عمرة التمتع أو العمرة المفردة ، وعليه بدنة ، والإتيان بها ، اما كون القضاء في الشهر الداخل فسيأتي بحثه. انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه من اخبار المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل اعتمر عمرة مفردة ، فغشي أهله قبل ان يفرغ من طوافه وسعيه. قال : عليه بدنة لفساد عمرته ، وعليه ان يقيم الى الشهر الآخر ، فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم بعمرة».

وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٢) في الحسن عن علي بن رئاب عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «في الرجل

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٤ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الاستمتاع.

(٢) ج ٢ ص ٢٧٥ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الاستمتاع.

٣٨٨

يعتمر عمرة مفردة ، ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ، ثم يغشى أهله قبل ان يسعى بين الصفا والمروة؟ قال : قد أفسد عمرته ، وعليه بدنة ، وعليه ان يقيم بمكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ثم يخرج الى الوقت الذي وقته رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأهله فيحرم منه ويعتمر». ورواه الكليني في الكافي (١).

وطعن في الذخيرة في هذه الرواية بضعف السند. وهو ظاهر المدارك ايضا. والظاهر ان منشأه أخذ الرواية المذكورة من الكافي ، حيث انه رواها فيه بطريق فيه سهل ، وإلا فهي في كتاب من لا يحضره الفقيه صحيحة ، كما لا يخفى على من راجع فهرسته (٢).

وما رواه في الكافي في الصحيح إلى أحمد بن ابي علي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) «في رجل اعتمر عمرة مفردة ، ووطئ اهله وهو محرم قبل ان يفرغ من طوافه وسعيه؟ قال : عليه بدنة لفساد عمرته وعليه ان يقيم بمكة حتى يدخل شهر آخر ، فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم منه ثم يعتمر».

وهذه الروايات ـ كما ترى ـ ظاهرة الدلالة في ما ذكره الشيخ من اختصاص الحكم المذكور بالعمرة المفردة. وظاهر كلام الأصحاب العموم لما لو كانت عمرة تمتع أو مفردة ، بل صرح بذلك العلامة في المختلف كما عرفت وغيره. ولم أقف له على دليل.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٥٣٨ و ٥٣٩ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الاستمتاع.

(٢) ذكر في جامع الرواة ج ٢ ص ٥٣٧ : ان طريق الصدوق الى علي بن رئاب الراوي عن مسمع صحيح.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٥٣٨ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الاستمتاع.

٣٨٩

قال في المدارك : وربما أشعرت به صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن متمتع وقع على امرأته ولم يقصر. قال : ينحر جزورا ـ وقد خشيت ان يكون قد ثلم حجه ـ ان كان عالما ، وان كان جاهلا فلا شي‌ء عليه». فان الخوف من تطرق الفساد الى الحج بالوقاع بعد السعي وقبل التقصير ربما اقتضى تحقق الفساد بوقوع ذلك قبل السعي. انتهى. وفيه تأمل.

فوائد

الأولى ـ اعلم ان الشيخ وأكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يتعرضوا للحكم بوجوب إتمام العمرة الفاسدة ، كما صرحوا به في الحج ، وقطع العلامة في القواعد والشهيدان بالوجوب. ومستنده غير ظاهر ، فإن أخبار المسألة المذكورة خالية منه ، بل ظاهرها العدم ، لتصريحها بفساد العمرة. لا يقال : ان الحج ايضا مع كونه فاسدا ـ كما صرحوا به ـ يجب إتمامه ، فالحكم بالفساد لا ينافي وجوب الإتمام. قلنا : ان وصف الحج بالفساد إنما وقع في كلامهم لا في الاخبار ، كما قدمنا الإشارة إليه. بل ظاهر الاخبار انما هو صحته ووجوب إتمامه. وما أوقعه فيه من الجماع منجبر بالبدنة والإعادة من قابل.

الثانية ـ انه على تقدير القول بوجوب الإكمال ، فهل يجب إكمال الحج لو كانت العمرة الفاسدة عمرة تمتع ، حتى لو كان الوقت واسعا واستأنف العمرة واتى بالحج لم يكف؟ وجهان ، واستوجه

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٤٤٠ ، والوسائل الباب ١٣ من كفارات الاستمتاع.

٣٩٠

شيخنا الشهيد الثاني وجوب إكمالهما ثم قضائهما ، لما بينهما من الارتباط. ورده سبطه في المدارك بأنه ضعيف ، قال : لان الارتباط انما ثبت بين الصحيح منهما لا الفاسد. وهو جيد.

الثالثة ـ لو كان الجماع في العمرة بعد السعي وقبل التقصير لم تفسد العمرة وان وجبت البدنة. وظاهر جملة من الأصحاب شمول هذا الحكم لعمرة التمتع والمفردة.

والمروي في الاخبار الأول ، ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، ومنها ـ صحيحة الحلبي أو حسنته (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل طاف بالبيت ثم بالصفا والمروة وقد تمتع ، ثم عجل فقبل امرأته قبل ان يقصر من رأسه. فقال : عليه دم يهريقه. وان جامع فعليه جزورا أو بقرة».

الى غير ذلك من الاخبار الآتية ان شاء الله (تعالى) في بحث التقصير.

ولم نقف في شي‌ء من الاخبار على مثل ذلك في العمرة المفردة ، فما ذكروه (رضوان الله عليهم) من العموم لا اعرف له دليلا.

الرابعة ـ اعلم ان العلامة في القواعد قال : ولو جامع في إحرام العمرة المفردة أو المتمتع بها ـ على اشكال ـ قبل السعي عامدا عالما بالتحريم ، بطلت عمرته ووجب إكمالها ، وقضاؤها ، وبدنة.

وظاهر هذه العبارة حصول الإشكال في إلحاق عمرة التمتع بالعمرة المفردة في هذا الحكم. ووجهه ظاهر من ما قدمناه من الاخبار الدالة على ان هذا الحكم انما هو في العمرة المفردة ، كما ذكره الشيخ ، لا مطلقا كما هو المشهور عندهم.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٤٤٠ ، والوسائل الباب ١٣ من كفارات الاستمتاع.

٣٩١

إلا انه نقل عن الشيخ فخر الدين في شرحه على الكتاب في بيان الاشكال : ان الاشكال انما هو في فساد الحج بعدها لا في فساد العمرة ، قال : ومنشأ الاشكال ، من دخول العمرة في الحج ، ومن انفراد الحج بالإحرام. ونسب ذلك الى تقرير والده.

قال في المدارك : ولا يخفى ضعف الاشكال على هذا التوجيه ، لان حج التمتع لا يعقل صحته مع فساد العمرة المتقدمة عليه. انتهى. وهو جيد.

وما ذكره الفاضل المذكور عن والده (قدس‌سرهما) وان كان ـ كما عرفت ـ ضعيفا إلا انه غير بعيد ، حيث ان ظاهر العلامة (قدس‌سره) في كتبه اتحاد العمرتين في الحكم المذكور كما تقدم ، وكذا غيره من الأصحاب. ولذا قال المحقق الثاني في شرحه على الكتاب بعد ذكر العبارة : لا يظهر لهذا الاشكال موضع ، لان وجوب الأحكام المذكورة مشترك بين عمرة الافراد والتمتع ، وإنما الذي هو محل النظر وجوب إتمامها وإتمام الحج ووجوب قضائهما ، بناء على ان عمرة التمتع لا تنفرد عن حجه ، والشروع فيها شروع فيه. والأصح وجوب الأمرين معا. انتهى. وفيه ما عرفت.

الخامسة ـ ظاهر الاخبار المتقدمة تعين إيقاع القضاء في الشهر الداخل عليه بعد ذلك الشهر بلا فصل. ويجب المصير اليه وان قلنا بالاكتفاء بين العمرتين بعشرة أيام في غير هذه الصورة. وظاهر الأصحاب كون ذلك هنا على جهة الأفضلية لا الوجوب. والى ما اخترناه هنا جنح في المدارك أيضا.

بقي هنا شي‌ء ، وهو ان اعتبار الفصل بين العمرتين بالشهر أو

٣٩٢

العشرة أيام ـ مثلا ـ إنما هو بالنسبة إلى العمرة الصحيحة ، والعمرة هنا صارت فاسدة ، فوجوب التأخير إلى الشهر الداخل لا يظهر لي وجهه. والله العالم.

المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في وجوب البدنة بالاستمناء ، وهو استدعاء المنى وطلبه بالعبث بذكره بيده ، أو ملاعبة غيره ، مع حصوله ، وإنما الخلاف في كونه مفسدا للحج إذا وقع قبل المشعر ، ووجوب القضاء به. فذهب الشيخ في النهاية والمبسوط الى ذلك ، ونقله في المختلف ايضا عن ابن البراج وابن حمزة. إلا ان المنقول عن الشيخ إنما هو التعبير بان من عبث بذكره حتى امنى كان حكمه حكم من جامع على السواء في اعتبار ذلك قبل الوقوف بالمشعر في انه يلزمه الحج من قابل ، وان كان بعد ذلك لم يكن عليه غير الكفارة شي‌ء. انتهى. ونقل عن ابي الصلاح : ان في الاستمناء بدنة قال : وكذا قال ابن إدريس ـ دون الفساد. ونقل ابن إدريس هذا القول الذي ذهب اليه عن الشيخ في الخلاف والاستبصار.

واختار في المختلف الأول ، واستدل عليه بما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت : ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال : ارى عليه مثل ما على من اتى اهله وهو محرم : بدنة ، والحج من قابل».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من كفارات الاستمتاع. والشيخ يرويه عن الكليني.

٣٩٣

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المحرم يعبث بأهله وهو محرم ، حتى يمني من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ، ما ذا عليهما؟ قال : عليهما جميعا الكفارة ، مثل ما على الذي يجامع».

ثم قال : احتج ابن إدريس بالبراءة الأصلية. والجواب : المعارضة بالاحتياط. وبما تقدم من الأدلة. انتهى.

أقول : وبموثقة إسحاق استدل ايضا الشيخ في التهذيب. وأجاب عنها في المدارك بأنها قاصرة ، من حيث السند بان راويها ـ وهو إسحاق بن عمار ـ فطحي ، ومن حيث المتن بأنها لا تدل على ترتب البدنة والقضاء على مطلق الاستمناء ، بل على هذا الفعل المخصوص ، مع انه قد لا يكون المطلوب به الاستمناء.

أقول : اما الجواب الأول فالكلام فيه مفروغ منه عندنا ، مع ما عرفت في غير مقام ان هذا الطعن لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله من المتقدمين. واما الثاني فإنك قد عرفت من عبارة الشيخ المتقدمة انه عبر بلفظ هذه الرواية ، وان كان الأصحاب عبروا بعده بلفظ الاستمناء. وحينئذ فتكون الرواية منطبقة على ما ادعاه الشيخ.

وأجاب في المدارك ايضا عن استدلال العلامة بصحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج بأنه لا دلالة لهذه الرواية على وجوب القضاء بوجه.

أقول : لا ريب انه وان كان الأمر كما ذكره إلا انها ايضا لا دلالة لها على عدمه. وحينئذ فغاية الأمر انها بالنسبة إلى وجوب

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢٤ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الاستمتاع.

٣٩٤

القضاء مطلقة ، فيمكن تقييدها بموثقة إسحاق المتقدمة. إلا ان جملة من الاخبار المتقدمة في مسألة الجماع في غير الفرج قد دلت على وجوب البدنة ونفى الحج من قابل ، وظاهر ان الجماع في غير الفرج داخل تحت العبث بأهله الذي اشتملت عليه صحيحة عبد الرحمن المذكورة وحينئذ فالأقوى نفى القضاء في صورة العبث بأهله.

وبالجملة فإن ما ذكره الأصحاب ـ من التعبير بالاستمناء الذي هو عبارة عن طلب المني بأحد الأشياء المتقدمة ـ لم أقف عليه في شي‌ء من النصوص ، وانما الموجود فيها ما عرفت. وحينئذ فلا يبعد قصر كل ما تضمنته هذه النصوص على موضعه ، فيجب القول بالبدنة والقضاء في من عبث بذكره فأمنى ، كما دلت عليه موثقة إسحاق المذكورة ، ووجوب البدنة خاصة في من عبث بأهله حتى امنى.

وظاهر الدروس الميل الى العمل بالرواية المذكورة حيث قال : وروى إسحاق بن عمار الحج ثانيا إذا أمنى بعبثه بالذكر. ولم نقف على معارض لها. انتهى.

ونقل عن الشيخ في الاستبصار انه قال بعد ان أورد رواية إسحاق المتقدمة : انه يمكن ان يكون هذا الخبر محمولا على ضرب من التغليظ وشدة الاستحباب دون ان يكون ذلك واجبا.

والى القول بما ذهب اليه ابن إدريس ذهب المحقق في الشرائع والنافع ، واختاره في المدارك. وهو مبني على طرح موثقة إسحاق المذكورة ، وقد عرفت انه لا مانع من العمل بها في ما دلت عليه ، كما هو ظاهر عبارة الشيخ المتقدمة. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ لو جامع أمته وهو محل وهي محرمة بإذنه ، تحمل

٣٩٥

عنها الكفارة : بدنة أو بقرة أو شاة ، وان كان معسرا فشاة أو صيام ثلاثة أيام. والحكم بذلك مقطوع به في كلام الأصحاب. ونقل عن الشيخ انه يلزمه بدنة ، فان عجز فشاة أو صيام ثلاثة أيام.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وكان والدي (رحمه‌الله تعالى) يوجب على الموسر بدنة أو بقرة أو شاة ، وعلى المعسر شاة أو صيام. وهو الوجه ، لما رواه إسحاق بن عمار في الصحيح (١) قال : «قلت لأبي الحسن موسى (عليه‌السلام) : أخبرني عن رجل محل وقع على امة محرمة. قال : موسرا أو معسرا؟ قلت : أخبرني عنهما. فقال : هو أمرها بالإحرام أو لم يأمرها وأحرمت من قبل نفسها؟ قلت أجبني فيهما. قال : ان كان موسرا ، وكان عالما انه لا ينبغي له ، وكان هو الذي أمرها بالإحرام ، فعليه بدنة ، وان شاء بقرة ، وان شاء شاة. وان لم يكن أمرها بالإحرام ، فلا شي‌ء عليه موسرا كان أو معسرا. وان كان أمرها وهو معسر ، فعليه دم شاة أو صيام».

أقول : وصفه للرواية بالصحة ـ مع كون الراوي إسحاق بن عمار المشترك بين الثقة الإمامي والثقة الفطحي ـ لا يخلو من سهو.

وإطلاق النص وكلام كثير من الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين الأمة المكرهة والمطاوعة. وقد صرح العلامة وكثير ممن تأخر عنه بفساد حج الأمة مع المطاوعة ، ووجوب إتمامه ، والقضاء كالحرة ، وانه يجب على المولى الاذن لها في القضاء ، والقيام بمؤنته ، لاستناد

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٢٠ ، والوسائل الباب ٨ من كفارات الاستمتاع.

٣٩٦

الفساد الى فعله. ولا اعرف لهم دليلا على ذلك الا القياس على الحرة كما تقدم. ومعلوم بطلانه. وقد قطع الشهيد الثاني بأن تحمل المولى الكفارة انما يثبت مع الإكراه ، اما مع المطاوعة فتتعلق الكفارة بالأمة ، وتصوم بدل البدنة ثمانية عشر يوما. والكلام فيه كسابقه. وإطلاق النص المذكور يأبى ما ذكروه. وتقييده يحتاج الى دليل ، وليس فليس.

بقي هنا روايتان في المقام : إحداهما ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن ضريس (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أمر جاريته ان تحرم من الوقت فأحرمت ، ولم يكن هو أحرم ، فغشيها بعد ما أحرمت. قال : يأمرها فتغتسل ثم تحرم ، ولا شي‌ء عليه». وحملها الشيخ على انها لم تكن لبت بعد. ويحتمل حملها على انه أمرها بالإحرام في وقت وقد أحرمت قبله.

وروى الصدوق عن وهب بن عبد ربه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في رجل كانت معه أم ولد له فأحرمت قبل سيدها ، إله أن ينقض إحرامها ويطأها قبل ان يحرم؟ قال : نعم». وظاهره أنها أحرمت بغير اذن سيدها فلا اشكال فيه.

المسألة الرابعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه لو عقد محرم أو محل لمحرم على امرأة ، فدخل المحرم بها ، فعلى كل واحد منهما كفارة. واحترزوا بقيد الدخول

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٠ ، والوسائل الباب ٨ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٨ ، والوسائل الباب ٨ من كفارات الاستمتاع.

٣٩٧

عن ما لو لم يدخل ، فإنه ليس إلا الإثم ، للأصل ، وعدم النص على ما سواه.

ولم أقف في هذه المسألة إلا على رواية سماعة ، وهي ما رواه الشيخ عنه في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا ينبغي للرجل الحلال ان يزوج محرما وهو يعلم انه لا يحل له. قلت : فان فعل فدخل بها المحرم؟ قال : ان كانا عالمين ، فان على كل واحد منهما بدنة ، وعلى المرأة ان كانت محرمة بدنة ، وان لم تكن محرمة فلا شي‌ء عليها ، إلا ان تكون قد علمت ان الذي تزوجها محرم ، فان كانت علمت ثم تزوجته فعليها بدنة».

والرواية المذكورة تضمنت ان العاقد محل ، والأصحاب قطعوا بوجوب الكفارة عليه محلا أو محرما ، وان كان اجزاء ذلك في المحرم عندهم بطريق الأولوية ، وإلا فلا دليل في المقام سوى الخبر المذكور. ومن العجب اقتفاء صاحب الوسائل لهم في ذلك مع ما عرفت ، وهو من المحدثين الذين لا يتجاوزون في فتاويهم الاخبار.

ومقتضى الرواية لزوم البدنة للمرأة المحلة مع العلم بإحرام الزوج. وبه افتى الشيخ وجماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).

وقال في الدروس : لو عقد لمحرم على امرأة فدخل ، فعلى كل واحد كفارة وان كان العاقد محلا ، ولو كانت المرأة محلة فلا شي‌ء عليها. انتهى. وظاهره عدم الكفارة عليها علمت أو لم تعلم. وفيه طرح للرواية في أحد الحكمين والعمل بها في الحكم الآخر. والفرض

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من تروك الإحرام ، والباب ٢١ من كفارات الاستمتاع. والشيخ يرويه عن الكليني.

٣٩٨

انه ليس غيرها في المسألة. وهو تحكم.

وظاهر المحقق الشيخ علي (رحمه‌الله تعالى) ترتب الإفساد ووجوب القضاء مع الإتمام على الجماع هنا ايضا. وهو مبني على ما هو المشهور في كلامهم من إلحاق الزنى في هذا الحكم بالزوجة ، كما تقدمت إليه الإشارة.

واما ما ذكره في المدارك ـ من ان المطابق للأصول هو اطراح الرواية المذكورة مطلقا ، لنص الشيخ على ان راويها وهو سماعة واقفي ، فلا تعويل على روايته ـ فان الظاهر ان منشأه من حيث إيجاب البدنة على العاقد المحل ، والمرأة المحلة العالمة ، كما تضمنته الرواية ، وان مقتضى الأصول بزعمه ترتب الإثم خاصة دون الكفارة. والمشهور بين الأصحاب بالنسبة إلى الأول ـ وبه جزم العلامة في جملة من كتبه والشهيد في الدروس وغيرهما ـ هو وجوب البدنة ، ونسبه المحقق في الشرائع إلى الرواية المذكورة إيذانا بالتوقف فيه ، وفي المنتهى : وفي سماعه قول وعندي في هذه الرواية توقف. وهو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ايضا. واما بالنسبة الى الثاني فكذلك. وقد عرفت ما في كلام الدروس من المخالفة.

قال في المسالك : وذهب جماعة الى عدم وجوب شي‌ء على المحل مطلقا سوى الإثم ، للأصل ، وضعف المستند ، أو بحمله على الاستحباب

والتحقيق ان الرواية لا معارض لها من الاخبار في المقام ، فإطراحها بمجرد ذلك مشكل. ومع تسليم ما ذكروه فتخصيص العام وتقييد المطلق شائع في الأحكام.

المسألة الخامسة ـ في النظر ، فان كان النظر الى غير أهله فأمنى ،

٣٩٩

فالمشهور انه ان كان موسرا فبدنة ، وان كان متوسطا فبقرة ، وان كان معسرا فشاة.

والمستند في ذلك ما رواه الشيخ عن ابي بصير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل محرم نظر الى ساق امرأة فأمنى؟ فقال : ان كان موسرا فعليه بدنة ، وان كان وسطا فعليه بقرة ، وان كان فقيرا فعليه شاة. ثم قال : اما اني لم اجعل عليه هذا لأنه أمنى إنما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحل له».

ومقتضى التعليل المذكور وجوب الكفارة وان لم يمن. ولا اعلم به قائلا ، بل عباراتهم كلها صريحة في التقييد بالأمناء.

وعن الصدوق في المقنع انه يتخير بين الجزور والبقرة. فإن عجز فشاة. ويدل عليه ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل. قال : عليه جزور أو بقرة ، فان لم يجد فشاة».

وعن الشيخ المفيد مثل القول الأول ، إلا انه زاد : وان لم يجد شيئا من ما ذكرناه لتعذره في الحال فعليه صيام ثلاثة أيام يصومها. ولم أقف في الاخبار له على دليل. ولعله نظر الى ان آخر ما يجب عليه الشاة ، وان صيام الثلاثة يقوم مقامها مع تعذرها ، كما صرح به في غير هذا الحكم.

بقي في المسألة رواية ثالثة ، وهي ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (٣) : «في محرم نظر الى غير أهله

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٦ من كفارات الاستمتاع.

٤٠٠