الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

لا يوجب ان تكون هي الحجة المأمور بها. واما رواية زرارة فإنها وان كانت حسنة لكن زرارة لم يسندها الى امام ، فجاز ان يكون المسؤول غير امام. وهو وان كان بعيدا لكن البعد لا يمنع من تطرق الاحتمال ، فيسقط الاحتجاج بها. انتهى.

أقول : فيه (أولا) : ما ذكره جملة من الأصحاب من ان فساد الحج لا دليل عليه ، واخبار المسألة على تعددها لم يشتمل شي‌ء منها على ذلك ، وغاية ما دلت عليه الروايات وجوب الإتمام والحج من قابل ، وهو لا يستلزم الفساد. نعم وقع التصريح بالفساد في بعض عباراتهم ، ولا حجة فيه ما لم يقم الدليل عليه من الاخبار. أقول : وهذا الوجه جيد بالنظر الى هذه الاخبار ، إلا انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي عن سليمان بن خالد في الصحيح (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : في الجدال شاة ،. وفي السباب والفسوق بقرة ، والرفث فساد الحج».

وحينئذ فيمكن ان يكون وجه الجمع بين هذه الرواية ورواية زرارة حمل الفساد في هذه الرواية على المجاز الذي هو عبارة عن حصول النقص فيها لا البطلان بالكلية. ومثل هذا المجاز شائع في الاستعمال. وسيأتي في باب الطواف في حديث حمران بن أعين (٢) : «في من جامع بعد ان طاف ثلاثة أشواط. قال (عليه‌السلام): فقد أفسد حجه وعليه بدنة». مع الاتفاق على صحة الحج في الصورة

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٣٩ ، والتهذيب ج ٥ ص ٢٩٧ ، والوسائل الباب ١ و ٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١١ من كفارات الاستمتاع.

٣٦١

المذكورة. ونحوه في الاخبار غير عزيز.

و (ثانيا) : ان ما استند اليه في رد حسنة زرارة ـ من مجرد الاحتمال مع اعترافه ببعده ، نظرا الى قولهم : إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال ـ فهو كلام شعري وخطاب جدلي خارج عن جادة التحقيق وناشى‌ء من الوقوع في لجج المضيق. وليت شعري إذا كان مجرد الاحتمال مبطلا للاستدلال فبأي دليل تقوم لهم الحجة على خصمائهم في الإمامة ومخالفيهم في الأصول وأصحاب الملل والأديان ، لما يبدونه من التأويلات والاحتمالات في أدلتهم وان بعدت ، إذ لا لفظ إلا وهو قابل للاحتمال ، ولا حجة إلا وللمنازع فيها مجال. ولو تم ما ذكروه لانسد عليهم باب الاستدلال في جميع هذه المقامات. بل التحقيق ان الاستدلال مبني على الظاهر من اللفظ والمتسارع الى الفهم ، ولا يجوز ارتكاب خلاف الظاهر الذي هو الاحتمال إلا في مقام اختلاف الأدلة وضرورة الجمع مع ترجيح أحد الدليلين ، فيرتكب في الآخر التأويل ليرجع اليه. والأمر هنا ليس كذلك. وبالجملة فإن ما ذكره (قدس‌سره) خارج عن جادة التحقيق بعيد سحيق.

وتظهر فائدة القولين المتقدمين في الأجير لتلك السنة ، وفي كفارة خلف النذر وشبهه لو كانت مقيدة بتلك السنة ، وفي المفسد المصدود إذا تحلل ثم قدر على الحج لسنته ، كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله (تعالى) في محله.

الثالث ـ إطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الموطوء بين الزوجة الدائمة والمتمتع بها والأمة ، ولا بين الوطء في القبل والدبر. وبه صرح جملة من متأخري المتأخرين.

٣٦٢

اما الأول فلان الحكم في أكثر الأخبار المتقدمة وقع معلقا على وطء اهله ، وهو شامل لكل من هذه الافراد الثلاثة. إلا انه عندي لا يخلو من نوع اشكال وتوقف ، لأن جملة من الاخبار المتقدمة اشتملت على لفظ : «امرأته» ومن الظاهر بعد صدق هذا اللفظ على الأمة ، وصدق الأهل أيضا عليها لا يخلو من البعد ، سيما مع ما قرر في غير موضع من ان الأحكام انما تحمل على ما هو الفرد الشائع الغالب المتكثر وهو الذي يتبادر إليه الإطلاق ، ولا ريب ان الفرد الشائع الغالب إنما هو الزوجة الدائمة. وكيف كان فالاحتياط يقتضي الوقوف على ما ذكروه نور الله (تعالى) مراقدهم وأعلى مقاعدهم.

واما الثاني فلان الحكم في الاخبار ترتب على المواقعة ، والظاهر شمولها لكل من القبل والدبر ، لما روى في الدبر : «انه أحد المأتيين» (١).

ونقل عن الشيخ في المبسوط انه أوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة. وعبارته التي نقلها في المختلف لا تساعد على ذلك ، فإنه (قدس‌سره) قال في النهاية على ما نقله في المختلف : ان كان جماعه في الفرج قبل الوقوف كان عليه بدنة والحج من قابل ، وان كان جماعه في ما دون الفرج كان عليه بدنة دون الحج من قابل. وأطلق وقال في المبسوط : ان جامع المرأة في الفرج قبلا كان أو دبرا قبل الوقوف بالمشعر عامدا ـ سواء كان قبل الوقوف بعرفة أو بعده ـ فسد حجه ووجب عليه المضي فيه ، والحج من قابل ، وبدنة ، وان كان الجماع في ما دون الفرج كان عليه بدنة لا غير. وعبارته هذه صريحة في

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من الجنابة.

٣٦٣

جعل الدبر من الفرج. وقال في الخلاف : إذا وطئ في الفرج فسد حجه ، وان وطئ في ما دونه لم يفسد حجه وان انزل. ثم قال : ومن أصحابنا من قال : إتيان البهيمة واللواط بالرجال والنساء بإتيانها في دبرها ، كل ذلك يتعلق به فساد الحج. وبه قال الشافعي (١) ومنهم من قال : لا يتعلق الفساد إلا بالوطء في القبل من المرأة. واستدل على الأول بالاحتياط ، وعلى الثاني بالبراءة.

وقال ابن البراج : إذا جامع في الفرج أو في ما دونه متعمدا قبل الوقوف بالمزدلفة فسد حجه.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : فان جعل الفرج عبارة عن القبل وما دونه عبارة عن الدبر صح كلامه وإلا فلا.

ثم قال : وابن إدريس فصل كالشيخ في المبسوط ، وباقي علمائنا أطلقوا كالشيخ في النهاية. ثم قال : والأقرب عندي انه لا فرق بين القبل والدبر سواء كان بامرأة أو بغلام ، لنا : انه هتك محرم عليه مساو للقبل في الأحكام فيساويه في الإفساد. ولأنه أفحش فالعقوبة به أتم. ولانه يصدق عليه انه واقع وغشي امرأته فيثبت فيه الحكم. ولأن الأحاديث معلقة عليه ثم قال : احتج الآخرون بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وقع على أهله في ما دون الفرج. قال : عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل». ثم أجاب بأنا نقول بموجبه ، لان الدبر يسمى فرجا ، لأنه مأخوذ من

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٣٠٣ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣١٨ ، والوسائل الباب ٧ من كفارات الاستمتاع.

٣٦٤

الانفراج وهو متحقق فيه. انتهى.

أقول : لا ريب ان ظاهر لفظ الوقوع في الروايات المتقدمة صادق على القبل والدبر. بقي الكلام في هذه الرواية من حيث تضمنها للوقوع على أهله في ما دون الفرج ، فربما يتوهم منها اختصاص الفرج بالقبل ، كما هو أحد القولين في المسألة ، فيمكن ان يخصص بها إطلاق الروايات المتقدمة. ومن ما ايدها بعض الاخبار المتقدمة في باب غسل الجنابة في مسألة الجماع في الدبر (١). والجواب عن ذلك ان يقال : ان المفهوم من كلام أهل اللغة ان الفرج يطلق على الموضعين لا اختصاص له بالقبل ، قال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث ابي جعفر الأنصاري : «فملأت ما بين فروجي» جمع فرج وهو ما بين الرجلين ، يقال للفرس : ملأ فرجه وفروجه. إذا عدا وأسرع. وبه سمي فرج المرأة والرجل ، لأنهما بين الرجلين. انتهى. وقال في القاموس : والفرج : العورة. وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير : والفرج من الإنسان يطلق على القبل والدبر ، لان كل واحد منهما منفرج اي منفتح. وأكثر استعماله في العرف في القبل. وقد ورد في حديث الاستنجاء (٢) : اللهم حصن فرجي. وحينئذ فيجب حمل الصحيحة المذكورة على الوقوع في ما عدا القبل والدبر من البدن مثل ان يكون بين الأليتين من دون إيقاب ، أو التفخيذ للمرأة ، كما يشير اليه قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الأخرى (٣) :

__________________

(١) ج ٣ ص ٤ الى ١٢.

(٢) خلاصة الأذكار للفيض الكاشاني ص ٧٣.

(٣) ص ٣٥٦ ، واللفظ : «في المحرم يقع على اهله».

٣٦٥

«وقد سأله عن المحرم يقع على اهله. قال : ان كان أفضى إليها فعليه بدنة. الحديث وقد تقدم ، يعني : جامع وأولج في قبل أو دبر. وان لم يكن افضى فعليه بدنة». يعني : مع الإنزال أو مطلقا ، كما سيأتي بيانه ان شاء الله (تعالى). نعم بقي الكلام في ما عدا المرأة من الغلام والزنى ، وظاهر كلامه هنا وكذا في المنتهى انه كذلك ، فإنه ألحق بوطء الزوجة الزنى ووطء الغلام ، وعلله بما ذكره هنا. وبه صرح غيره ايضا. وللنظر فيه مجال وان كان الاحتياط في ما ذكروه.

الرابع ـ إطلاق الاخبار المتقدمة شامل لما لو كان الحج واجبا أو مندوبا ، عن نفسه أو غيره ، لان المندوب بالدخول فيه يصير واجبا وبذلك صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل صرح السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) بدعوى الإجماع عليه ، حيث قال في المسائل الرسية ـ على ما نقله في المختلف ـ اعلم انه لا خلاف بين الإمامية في ان المجامع قبل الوقوف بعرفة أو بالمشعر الحرام يجب عليه مع الكفارة قضاء هذه الحجة نفلا كانت أو فرضا. انتهى. واما بالنسبة الى ما إذا كانت الحجة عن الغير فقد تقدم ذكره في حج النيابة.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب ان الجماع مفسد إذا وقع قبل الوقوف بالمشعر سواء كان قبل الوقوف بعرفة أو بعده ، ونسبه في المختلف الى الشيخ علي بن بابويه وابنه في المقنع ، قال : ورواه في كتاب من لا يحضره الفقيه (١) وهو قول ابن الجنيد وابن البراج

__________________

(١) ج ٢ ص ٢١٣ ، والوسائل الباب ١ و ٦ و ٢ من كفارات الاستمتاع وتقدم ص ٣٥٨.

٣٦٦

وابن حمزة وابن إدريس. ثم نقل عن الشيخ المفيد : انه ان جامع قبل الوقوف بعرفة فكفارته بدنة ، وعليه الحج من قابل ، ويستغفر الله ، وان جامع بعد وقوفه بعرفة فعليه بدنة ، وليس عليه الحج من قابل. وهو قول سلار ولبي الصلاح. وللسيد المرتضى قولان : أحدهما ـ هذا ، ذكره في الجمل ، والثاني كالأول ، ذكره في الانتصار ثم نقل عبارته في الانتصار بما هذه صورته : من ما انفردت به الإمامية القول بان من وطئ عامدا في الفرج قبل الوقوف بالمشعر فعليه بدنة والحج من قابل ، ويجري عندهم مجرى من وطئ قبل الوقوف بعرفة. وقال في المسائل الرسية : اعلم انه لا خلاف بين الإمامية في ان المجامع. العبارة التي تقدمت.

والعمل على القول المشهور ، لما تقدم من مرسلة الصدوق في من لا يحضره الفقيه (١) عن الصادق (عليه‌السلام) وصحيحة معاوية بن عمار التي بعدها المروية في التهذيب ، وفي الكافي نحوها (٢).

ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد انه احتج بما روى عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : «الحج عرفة» (٣). ثم أجاب عنه بأنه محمول على ان معظم الحج عرفة ثم قال : وهذا بعد تسليم الحديث.

وبالجملة فإن القول المذكور ضعيف ودليله غير ثابت ، ومع ثبوته

__________________

(١) ج ٢ ص ٢١٣ ، والوسائل الباب ١ و ٦ و ٢ من كفارات الاستمتاع. وتقدم ص ٣٥٨.

(٢) تقدمت ص ٣٥٩.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١٨ من إحرام الحج. وسنن البيهقي ج ٥ ص ٢١٦. والجامع الصغير ج ١ ص ١٥٠.

٣٦٧

فهو غير ظاهر في المدعى ، فلا يعارض الخبرين الصحيحين الصريحين في الحكم المذكور.

السادس ـ ظاهر جملة من الاخبار المتقدمة وصريح بعضها وجوب التفريق بينهما. ونقل في المدارك انه مجمع عليه بين الأصحاب في حج القضاء ، ومحل خلاف في الحجة الاولى.

وظاهر المختلف ان التفريق مطلقا محل خلاف ، حيث قال : قال الشيخ في الخلاف : إذا وجب عليهما الحج في المستقبل فإذا بلغا الى الموضع الذي واقعها فيه فرق بينهما ، واختلف أصحاب الشافعي هل هي واجبة أو مستحبة (١)؟ ولم ينص الشيخ هنا على أحدهما. وفي النهاية والمبسوط : وينبغي لهما ان يفترقا. وليس صريحا في أحدهما إذ قد يستعمله كثيرا فيهما. وقد نص شيخنا علي بن بابويه على وجوبه فقال : ويجب ان يفرق بينك وبين أهلك. وهكذا قال ابنه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه. وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد. والروايات تدل على الأمر بالتفريق ، فان قلنا الأمر للوجوب كان واجبا وإلا فلا. انتهى.

أقول : ظاهر كلامه هنا التردد في الحكم بالوجوب والتوقف فيه ، ولا وجه له بعد اعترافه بدلالة الروايات على الأمر ، مع تصريحه في الأصول بأن الأمر حقيقة في الوجوب.

وما نقله عن الشيخ علي بن بابويه وابنه في كتابيه فهو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي المتقدمة (٢).

__________________

(١) المجموع للنووي ج ٧ ص ٣٨٨ و ٣٩٩ الطبعة الثانية.

(٢) ص ٣٥٩.

٣٦٨

وبالجملة فإن الروايات المتقدمة مع كثرتها قد اتفقت على التفريق ، ومنها ـ ما هو بلفظ الأمر وان كان بالجملة الفعلية ، وعبارة كتاب الفقه صريحة في الوجوب ، فلا مجال للتوقف فيه. وقد قطع في المنتهى بالوجوب من غير نقل خلاف إلا من العامة (١).

والظاهر ان المخاطب بالوجوب هو الإمام أو نائبه الذي يحج بالناس ، كما هو المعمول عليه في الصدر الأول. ولم أقف على من تعرض لبيان ذلك من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم).

بقي الكلام هنا في التفريق هل هو في مجموع الحجتين أو حجة القضاء خاصة؟ وبيان غاية التفريق.

فنقل في المختلف عن الشيخ (قدس‌سره) انه حكم بالتفريق في حجة القضاء مدة بقائهما على النسك ، فإذا قضيا المناسك سقط هذا الحكم. ثم قال : وقال شيخنا علي بن بابويه : ويجب ان يفرق بينك وبين أهلك حتى تقضيا المناسك ثم تجتمعان ، فإذا حججتما من قابل وبلغتما الموضع الذي كان منكما ما كان فرق بينكما حتى تقضيا المناسك ثم تجتمعان. فأوجب التفريق في الحجتين معا. وقال ابن الجنيد : يفرق بينهما ان كانت زوجته أو أمته الى ان يرجعا الى المكان الذي وقع عليها فيه من الطريق ، وهما في جميع ذلك ممتنعان من الجماع ، وان كانا قد أحلا فإذا رجعا اليه جاز لهما ذلك ، فإذا حجا قابلا فبلغا ذلك المكان فرق بينهما ، ولا يجتمعان حتى يبلغ الهدي محله. فاثبت التفريق في الحجتين معا ، وبعد قضاء الحج

__________________

(١) المجموع للنووي ج ٧ ص ٣٨٨ و ٣٩٩ الطبعة الثانية.

٣٦٩

الفاسد الى ان يبلغ في الرجوع الى مكان الخطيئة. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : لا ريب ان ظواهر الأخبار المتقدمة دالة على وجوب التفريق في الحجتين معا ، ومنها كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي ، وهو عين ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه ومنه يعلم ان مستنده في الحكم المذكور إنما هو الكتاب المذكور لا ما توهمه في المختلف من ان مستنده رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة (١) وان كانت دالة على ذلك. ونقل هذه العبارة أيضا الصدوق في الفقيه عن أبيه في رسالته إليه في باب ما يجب على المحرم اجتنابه من الرفث والفسوق والجدال في الحج (٢).

وظاهر كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه ان غاية التفريق في الحجة الأولى بعد مواقعة الخطيئة الى ان يقضيا المناسك ويتحللا من إحرامهما ، وكذا في الحجة الثانية بعد الوصول الى محل الخطيئة.

وظاهر رواية علي بن أبي حمزة (٣) أنه في الحجة الأولى يفرق بينهما من ذلك المكان الى ان ينتهيا إلى مكة ، وفي الحجة الثانية من وصول ذلك المكان الى ان يحلا من جميع محرمات الحج والفراغ من جميع المناسك. وكذا الإحلال من الحجة الثانية (٤). ويحتمل حمل الإحلال على بلوغ الهدي محله كما سيأتي.

وظاهر صحيحة زرارة أو حسنته (٥) بالنسبة إلى الحجة الأولى وجوب

__________________

(١ و ٣ و ٥) ص ٣٥٧ و ٣٥٦.

(٢) ص ٢١٢ و ٢١٣.

(٤) في النسخة الخطية : «وكذا الإحلال في الحجة الثانية» وكيف كان فيحتمل في هذه الجملة أن تكون زيادة من قلم النساخ.

٣٧٠

التفريق من المكان الذي أحدثا فيه ، إلا انه لم يذكر غايته. وفي الحجة الثانية من بلوغ المكان الذي أحدثا فيه الى ان يقضيا المناسك ويرجعا الى ذلك المكان. والواجب حمل هذه الرواية على ما قدمناه من الروايتين الأولتين ، بتقييد إطلاق الغاية في الحجة الأولى بما تقدم من قضاء المناسك ، وحمل الرجوع في الحجة الثانية الى ذلك المكان بعد قضاء المناسك على الاستحباب ، كما صرح به بعض الأصحاب.

واما صحيحة معاوية بن عمار الاولى فقد تضمنت انه ان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة ، ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. وظاهرها ان ذلك في الحجة الاولى ، ولم يتعرض للحجة الثانية. ومثلها في ذلك صحيحة سليمان بن خالد ورواية السرائر.

وظاهر كلام ابن الجنيد المتقدم نقله انه أوجب التفريق في الحجة الاولى من مكان الخطيئة الى ان يرجعا اليه. وهذه الاخبار تصلح لان تكون مستندا له ، إلا صحيحة معاوية بن عمار الثانية ، فإنها إنما اشتملت على الحجة الثانية ، إلا انه جعل غاية التفريق فيها بلوغ الهدي محله. ومثله في صحيحته الأخيرة من الروايات المتقدمة. والظاهر انه كناية عن الإحلال وان لم يكن عن جميع محرمات الإحرام وقضاء جميع المناسك ، كما تقدم في الروايات السابقة.

ولعل طريق الجمع بينها حمل تعدد هذه الغايات على مراتب الفضل والاستحباب ، فغايته الاولى بلوغ الهدي محله ، وأفضل منه قضاء جميع المناسك ، وأفضل الجميع الرجوع الى موضع الخطيئة.

ثم ان عندي في المقام اشكالا لم أقف على من تنبه له ولابنه عليه

٣٧١

وهو ان جعل الغاية في جملة من هذه الاخبار قضاء المناسك والرجوع الى الموضع الذي أحدثا فيه ما أحدثا إنما يتم لو كان الإحرام بالحج من الميقات خارج مكة ، فإنه لا بد له في الرجوع بعد الحج من المرور على ذلك المكان ان سلك تلك الطريق ، اما لو كان الحج من مكة ـ كما في حج التمتع وبعض أقسام الافراد ـ فإنه يشكل ذلك بأنه بعد الفراغ من المناسك ليس له رجوع الى ذلك الموضع ولا مرور عليه ، لانه بعد فراغه من جميع المناسك يتوجه الى بلاده ، والخطيئة إنما وقعت في سفره الى عرفة ، فكيف يتم ما أطلق في تلك الاخبار من ان غاية الافتراق قضاء جميع المناسك والرجوع الى ذلك الموضع؟

فوائد

الأولى ـ قال الفاضل الخراساني في الذخيرة : واعلم انه نقل الصدوق عن والده : فإن أخذتما على طريق غير الذي كنتما أخذتما فيه العام الأول لم يفرق بينكما. وبمضمونه أفتى جماعة من الأصحاب كالفاضلين والشهيد وغيرهم. وهو متجه ، للأصل السالم من المعارض. واحتمل الشهيد الثاني وجوب التفريق في المتفق من الطريقين ، وهو ضعيف. انتهى.

أقول : ما نقله الصدوق عن والده مأخوذ ـ كما عرفت ـ من عبارة كتاب الفقه المتقدمة ، وهي مستند هذا الحكم. وهذا الحكم لم يوجد في شي‌ء من اخبار المسألة إلا في الكتاب المذكور ، وكذا في رواية السرائر لكن باعتبار الغاية لا الابتداء ، بمعنى انهما ان رجعا في تلك الطريق فغاية التفريق هو ذلك المكان ، وان رجعا في غيره

٣٧٢

كان غاية التفريق قضاء المناسك خاصة.

الثانية ـ معنى التفريق المأمور به في هذه الاخبار هو ان لا يجتمعا في مكان واحد الا ومعهما ثالث.

كما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن الى ابان رفعه إلى أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «معنى (يفرق بينهما) اى لا يخلوان وان يكون معهما ثالث». وجملة : «وان يكون» بيان للجملة الاولى.

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابان رفعه الى ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٢) قالا : «المحرم إذا وقع على اهله يفرق بينهما. يعنى بذلك : لا يخلوان وان يكون معهما ثالث».

واعتبر الأصحاب في الثالث ان يكون مميزا ، لان وجود غير المميز كعدمه. وهو جيد ، لانه المتبادر من العبارة المذكورة بقرينة المقام.

الثالثة ـ لو وطئ ناسيا أو جاهلا فقد صرحت الأخبار المتقدمة بأنه لا شي‌ء عليه. والظاهر انه لا خلاف فيه عندنا. ونقل الخلاف فيه في المنتهى عن مالك وابي حنيفة واحمد والشافعي في القديم (٣) فإنهم أفسدوا به الحج وأوجبوا البدنة. وأخبارنا ترده.

والظاهر ان مثلهما ما لو اكره على الجماع ، كما ذكره العلامة

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٧٣ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣١٩ و ٣٢٠ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

(٣) المغني ج ٣ ص ٣٠٧ و ٤٣٤ و ٤٣٥ طبع مطبعة العاصمة.

٣٧٣

في المنتهى. وظاهر عبارته فيه انه إجماعي. ولحديث «رفع عن أمتي» (١). ولأن الإكراه يرفع الفساد في حق المرأة لو أكرهها زوجها ، فكذا هو لو أكره أيضا.

السابع ـ حكم المرأة في ما ذكر حكم الرجل ، من المضي في الحج وقضائه ، ووجوب البدنة منى طاوعته.

وتدل على ذلك صحيحة سليمان بن خالد ، وصحيحة معاوية المتقدمتان (٢) ورواية علي بن أبي حمزة (٣).

وما رواه الشيخ في التهذيب (٤) عن خالد الأصم قال : «حججت وجماعة من أصحابنا وكانت معنا امرأة ، فلما قدمنا مكة جاءنا رجل من أصحابنا فقال : يا هؤلاء اني قد بليت. قلنا : بماذا؟ قال : شكرت بهذه المرأة ، فاسألوا أبا عبد الله (عليه‌السلام). فسألناه فقال : عليه بدنة. فقالت المرأة : فاسألوا لي أبا عبد الله (عليه‌السلام) فاني قد اشتهيت ، فسألناه فقال (عليه‌السلام) : عليها بدنة».

ويتحمل عنها البدنة في صورة الإكراه كما دلت عليه رواية علي ابن أبي حمزة (٥) وعبارة كتاب الفقه الرضوي. واما طعنه في المدارك في رواية علي بن أبي حمزة بأنها ضعيفة ، وقول صاحب الذخيرة انها ضعيفة السند ، فيشكل التعويل عليها في الحكم المخالف للأصل ، فإنه مردود بما صرح به كل منهما في غير موضع من ان ضعف السند

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من الخلل الواقع في الصلاة ، والباب ٥٦ من جهاد النفس.

(٢) ص ٣٥٨ رقم ١ و ٤.

(٣ و ٥) ص ٣٥٧.

(٤) ج ٥ ص ٣٣١ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

٣٧٤

مجبور بعمل الأصحاب متى اتفقوا على الحكم المذكور فيها ، وهو هنا كذلك ، فإنه لا مخالف في الحكم المذكور في ما اعلم. وفي المنتهى لم ينقل الخلاف فيه إلا عن العامة (١).

الثامن ـ لو جامع بعد الوقوف بالمشعر وقبل طواف النساء كان حجه صحيحا ، وعليه بدنة. وهو مجمع عليه كما حكاه في المنتهى.

ويدل على سقوط القضاء هنا الأصل المؤيد بمفهوم قول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (٢) : «إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة ، أو قبل ان يأتي المزدلفة ، فعليه ، الحج من قابل».

ويدل على سقوط القضاء مع وجوب البدنة مرسلة الصدوق المتقدمة (٣) وقوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٤) : «فان كان الرجل جامعها بعد وقوفه بالمشعر فعليه بدنة ، وليس عليه الحج من قابل».

ويدل على وجوب البدنة أيضا مع صحة الحج ما رواه في الكافي في الصحيح إلى سلمة بن محرز (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٣٠٢ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣١٩ ، والوسائل الباب ٣ و ٦ من كفارات الاستمتاع.

(٣) ص ٣٥٨.

(٤) ص ٣٥٩ و ٣٦٠.

(٥) الوسائل الباب ١٠ من كفارات الاستمتاع.

٣٧٥

السلام) عن رجل وقع على اهله قبل ان يطوف طواف النساء. قال : ليس عليه شي‌ء. فخرجت إلى أصحابنا فأخبرتهم ، فقالوا : اتقاك ، هذا ميسر قد سأله عن مثل ما سألت فقال له : عليك بدنة. قال : فدخلت عليه ، فقلت : جعلت فداك إني أخبرت أصحابنا بما أجبتني ، فقالوا : اتقاك ، هذا ميسر قد سأله عن ما سألت فقال له : عليك بدنة فقال : ان ذلك كان بلغه ، فهل بلغك؟ قلت : لا. قال : ليس عليك شي‌ء».

وروى الشيخ في الصحيح ايضا الى سلمة بن محرز (١) «انه كان تمتع ، حتى إذا كان يوم النحر طاف بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم رجع الى منى ولم يطف طواف النساء ، فوقع على اهله ، فذكره لأصحابه فقالوا : فلان قد فعل مثل ذلك ، فسأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) فأمره أن ينحر بدنة. قال سلمة : فذهبت الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) فسألته فقال : ليس عليك شي‌ء. فرجعت الى أصحابي فأخبرتهم بما قال ، فقالوا : اتقاك وأعطاك من عين كدرة. فرجعت الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقلت : اني لقيت أصحابي فقالوا : اتقاك ، وقد فعل فلان مثل ما فعلت فأمره أن ينحر بدنة. فقال : صدقوا ما اتقيتك ولكن فلان فعله متعمدا وهو يعلم ، وأنت فعلته وأنت لا تعلم ، فهل كان بلغك ذلك؟ قال : قلت : لا والله ما كان بلغني. فقال : ليس عليك شي‌ء».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (٢)

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٨٦ ، والوسائل الباب ١٠ من كفارات الاستمتاع.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٧٨ ، والوسائل الباب ٩ و ١٨ من كفارات الاستمتاع.

٣٧٦

قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن متمتع وقع على اهله ولم يزر. قال : ينحر جزورا ـ وقد خشيت ان يكون قد ثلم حجه ـ ان كان عالما ، وان كان جاهلا فلا شي‌ء عليه. وسألته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء. قال : عليه جزور سمينة ، وان كان جاهلا فليس عليه شي‌ء. قال : وسألته عن رجل قبل امرأته ، وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي. قال : عليه دم يهريقه من عنده».

وروى في الكافي في الصحيح عن عيص بن القاسم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل واقع اهله حين ضحى قبل ان يزور البيت. قال : يهريق دما».

التاسع ـ لو جامع في ما دون الفرجين قبل الوقوف بالمشعر أو بعده ، كالتفخيذ ونحوه ، صح حجه ، ووجبت عليه البدنة. والظاهر انه لا خلاف فيه.

ويدل عليه ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (٢) وهي الأخيرة من صحاحه.

وقد تضمنت ايضا ان حكم المرأة كالرجل في ذلك لو طاوعته. ومع إكراهه لها فعليه بدنتان. إلا انها تضمنت ان عليهما الحج من قابل في الصورة المذكورة. ولا قائل به. والاخبار تدفعه ، إذ وجوب الحج إنما هو في صورة الجماع الحقيقي لا في هذه الصورة. وأيضا فإنه في صورة الجماع الحقيقي لا يجب على المرأة الحج مع الاستكراه ولا البدنة ، وهذا الخبر مع تضمنه تحمل الزوج البدنة عنها تضمن

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من كفارات الاستمتاع.

(٢) ص ٣٥٨ رقم ٤.

٣٧٧

وجوب الحج عليهما. ولعله قد تطرق الى الخبر المذكور نوع من التحريف الذي أوجب ذلك.

وتدل على ذلك صحيحته الأخرى (١) وهي الثانية من صحاحه المتقدمة حيث اشتملت على انه ان كان أفضى إليها فعليه بدنة والحج من قابل ، وان لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل.

وقد تقدم في كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٢) : «فإن كان الرجل جامعها دون الفرج فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل».

وإطلاق هذه النصوص ـ وكذا عبارات جملة من الأصحاب ـ يقتضي وجوب البدنة في الصورة المذكورة أنزل أم لم ينزل ، وكذا المرأة إلا أن العلامة في المنتهى تردد في الحكم المذكور ، فقال : لا ريب في وجوبها مع الانزال ، وهل تجب بدونه؟ فيه تردد. ورده في المدارك بأنه لا وجه له بعد إطلاق النص بالوجوب ، وتصريح الأصحاب بوجوب الجزور بالتقبيل ، والشاة بالمس بشهوة ، كما سيجي‌ء بيانه ان شاء الله (تعالى). انتهى.

العاشر ـ قد تقدم في سابق هذا الموضع انه لو جامع بعد الوقوف بالمشعر وقبل طواف النساء ، كان حجه صحيحا ، وعليه بدنة. وقد تقدمت النصوص الدالة على وجوب البدنة في الصورة المذكورة.

بقي ان الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) قد صرحوا بأنه مع العجز عن البدنة فبقرة أو شاة ، وبعض رتب الشاة على البقرة فأوجب البقرة أولا ثم الشاة مع تعذرها.

__________________

(١) ص ٣٥٦.

(٢) ص ٣٥٩ و ٣٦٠.

٣٧٨

قال في المدارك بعد نقل ذلك : انه قد اعترف جملة من الأصحاب بعدم الوقوف على مستنده. والظاهر انه أشار بذلك الى ما ذكره جده (قدس‌سرهما) في المسالك والروضة ، حيث قال في الأول ـ بعد نقل عبارة المصنف الدالة على التخيير بين الشاة والبقرة بعد العجز عن البدنة ـ ما لفظه : لا إشكال في وجوب البدنة للجماع وبعد الموقفين وقبل طواف الزيارة ، بل بعده ايضا قبل طواف النساء وانما الكلام في هذين البدلين ، فان النصوص خالية عن البقرة وعن الشاة من جهة كونهما بدلا ، وانما الموجود في رواية معاوية بن عمار وجوب جزور مطلقا ، وفي رواية العيص بن القاسم دم. لكن الذي عليه الأصحاب هو التفصيل ، فالعمل به متعين ، ولعل فيه جمعا بين الروايتين. لكن الموجود في كلامهم ان الشاة مرتبة على العجز عن البقرة ، كما ان البقرة مرتبة على البدنة. والمصنف هنا خير بين الشاة والبقرة. وما ذكروه اولى. انتهى.

أقول : لا ريب ان مستند الأصحاب في الحكم المذكور هو ما رواه الصدوق في الفقيه عن خالد بياع القلانس (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أتى اهله وعليه طواف النساء قال : عليه بدنة. ثم جاءه آخر فسأله عنها ، فقال : عليه بقرة. ثم جاءه آخر فسأله عنها ، فقال : عليه شاة. فقلت بعد ما قاموا : أصلحك الله (تعالى) كيف قلت : عليه بدنة؟ فقال : أنت موسر وعليك بدنة ، وعلى الوسط بقرة ، وعلى الفقير شاة».

وحيث ان الفاضلين المذكورين ومثلهما صاحب الذخيرة ـ حيث

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٣١ ، والوسائل الباب ١٠ من كفارات الاستمتاع.

٣٧٩

اقتفى اثر صاحب المدارك كما هي عادته غالبا ـ لم يقفوا على الرواية المذكورة ، وقعوا في ما ذكروا.

الا انه قد تقدم نقلا عن صاحب الكافي انه قال ـ بعد نقل رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة في الموضع الأول (١) المتضمنة لوجوب البدنة على المجامع ـ ما صورته (٢) : وفي رواية أخرى : «فان لم يقدر على بدنة فإطعام ستين مسكينا ، لكل مسكين مد ، فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما. وعليها ايضا كمثله ان لم يكن استكرهها».

والظاهر اختصاص هذا الحكم ببدنة المجامع قبل الموقفين ، ووجوب البقرة والشاة على النحو المذكور آنفا مختص ببدنة المجامع بعد الموقفين.

بقي الإشكال أيضا في انه قد تقدم في صدر الفصل الأول من هذا الصنف (٣) نقل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) في تفسير الآية «فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ» (٤) قال (عليه‌السلام): الرفث : الجماع. الى ان قال : فمن رفث فعليه بدنة ينحرها وان لم يجد فشاة. الحديث. وبذلك يعظم الإشكال في المقام. ولم أقف في كلام أحد من الأصحاب (رضوان الله عليهم) على التعرض لذكر بدل البدنة الواجبة بالجماع قبل المشعر مع تعذرها. والذي وقفت عليه في الاخبار مرسلة الكليني الدالة على الإطعام كما عرفت ، وصحيحة علي بن جعفر المذكورة الدالة على

__________________

(١) ص ٣٥٧.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٧٤ ، والوسائل الباب ٤ من كفارات الاستمتاع.

(٣) ص ٣٤٠.

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

٣٨٠