الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد (١) عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب عن احمد بن محمد بن ابي نصر قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن المتعمد في الصيد والجاهل والخطأ سواء فيه؟ قال : لا. فقلت له : الجاهل عليه شي‌ء؟ فقال : نعم. فقلت له : جعلت فداك فالعمد بأي شي‌ء يفضل صاحب الجهالة؟ قال : بالإثم ، وهو لاعب بدينه».

ونقل في المختلف هنا عن السيد المرتضى في الانتصار (٢) الفرق بين العمد وغيره ، بتعدد الجزاء على العامة دون غيره. قال في الكتاب المذكور : ومن ما انفردت به الإمامية القول بان المحرم إذا قتل صيدا متعمدا كان عليه جزاءان ، وان كان قتله خطأ أو جهلا فعليه جزاء واحد. ثم نقل عنه الاحتجاج على ذلك بالإجماع والاحتياط. أقول : وضعفه أظهر من ان يحتاج الى مزيد بيان. والله العالم.

الرابعة ـ لو اشترى محل لمحرم بيض نعام فأكله ، كان على المحرم عن كل بيضة شاة ، وعلى المحل لكل بيضة درهم.

والأصل في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي عبيدة (٣) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم ، فما على الذي أكله؟ فقال : على الذي اشتراه فداء لكل بيضة درهم ، وعلى المحرم لكل بيضة شاة».

وتحقيق الكلام في هذا الخبر يقع في مواضع الأول ـ ظاهر

__________________

(١) ص ١٦٨ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

(٢) ما نقله عن المختلف منقول بعضه عن الانتصار وبعضه عن المسائل الناصرية ، ارجع الى المختلف ج ٢ ص ١٠٦.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٥ و ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٢٤ و ٥٧ من كفارات الصيد.

٣٢١

إطلاق الخبر المذكور يقتضي عدم الفرق في لزوم الدرهم للمحل بين ان يكون في الحل أو الحرم ، مع انه من القواعد المقررة عدم ضمان المحل في غير الحرم ما يحرم على المحرم وان إعانة ، بل وان شاركه في الصيد. ومن القواعد المقررة ايضا لزوم القيمة له لو كان في الحرم وظاهر هذا الخبر لا ينطبق على شي‌ء من هاتين القاعدتين ، فيجب القول بتخصيصه بمورده.

واما ما ذكره في المدارك ـ من الجواب عن لزوم الدرهم في الحل بأنه لا استبعاد في ترتب الكفارة بذلك على المحل في الحل ، لأن المساعدة على المعصية لما كانت معصية لم يمتنع ان تترتب عليها الكفارة بالنص الصحيح ، وان لم تجب عليه الكفارة مع مشاركته المحرم في قتل الصيد ـ

ففيه : ان مشاركته له في قتل الصيد أيضا مساعدة له على قتله ، فتكون معصية ، فينبغي ان تثبت فيه الكفارة لو كان منشأها المساعدة كما زعمه. على ان ما ذكره من تحريم المساعدة على إطلاقه ممنوع ، فإنه لو دل على الصيد وهو محل في الحل فقد ساعده على المعصية ، مع انه لا شي‌ء عليه كما صرحوا به.

الثاني ـ إطلاق النص يقتضي عدم الفرق في وجوب الشاة للمحرم بالأكل بين ان يكون أكله في الحل أو الحرم. وهو ايضا مخالف لما تقدم من التضاعف على المحرم في الحرم ، ووجوب الجزاء والقيمة معا وقوى شيخنا الشهيد الثاني التضاعف على المحرم في الحرم ، وخص الرواية بالمحرم في الحل. واستحسنه سبطه في المدارك. ولا ريب انه الأحوط.

٣٢٢

الثالث ـ قد تقرر في مسألة بيض النعام ـ كما تقدم ـ ان المشهور ان في كسره مع عدم تحرك الفرخ الإرسال ، وعليه دلت جملة من الاخبار المتقدمة. هذا مع عدم اكله. وهذه الرواية قد تضمنت الكسر والأكل مع ان الواجب عليه شاة لا غير. ومن ثم قيده بعضهم بان لا يكسره المحرم بل يشتريه له المحل مطبوخا ومكسورا ، أو يطبخه ويكسره هو دون المحرم ، فعلى هذا لا يبقى عليه إلا كفارة الأكل وهي الشاة. وعلى هذا لو كسره المحرم واكله وجب عليه الإرسال للكسر والشاة للأكل.

الرابع ـ لو كان المشتري للمحرم محرما مثله احتمل وجوب الدرهم خاصة ، لأن إيجابه على المحل يقتضي إيجابه على المحرم بطريق اولى والزائد منفي بالأصل. ويحتمل وجوب الشاة لمشاركته للمحرم ، كما لو باشر أحدهما القتل ودل الآخر. والظاهر رجحان الاحتمال الثاني فإنه أنسب بالقواعد المتقدمة. ولو اشتراه المحرم لنفسه فكسره واكله وجب عليه فداء الكسر والأكل. ولو اشتراه مكسورا فأكله وجب عليه فداء الأكل. لكن هل يكون هنا فداؤه الدرهم نظرا الى الشراء ، أو الشاة نظر الى الأكل ، أو الإرسال لوجوبه بدون الشراء؟ احتمالات.

الخامس ـ لو ملكه المحل بغير شراء وبذله للمحرم فأكله ، ففي وجوب الدرهم على المحل وجهان ، يلتفتان الى عدم النص في ذلك ، لخروج هذه الصورة عن مورد الخبر ، والى ان السبب اعانة المحرم ، ولا أثر لخصوصية سبب تملك العين. واستظهر أولهما في المدارك. وقوى ثانيهما ابن فهد في المهذب.

٣٢٣

الخامسة ـ لو اضطر المحرم إلى أكل الصيد اكله وفداه بلا خلاف ، وإنما الخلاف في ما إذا كان عنده ميتة ، فهل يأكل الصيد ، أو الميتة ، أو يفرق بين إمكان الفداء لو أكل من الصيد وعدمه؟ أقوال. وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في المسألة الحادية عشرة من البحث الأول.

السادسة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) : منهم : المحقق في الشرائع والنافع ، والعلامة في بعض كتبه بأنه إذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه.

وقد أورد على هذا الكلام بحسب ظاهره عدة إشكالات ، منشأها : ان الفداء متى أطلق فالمتبادر منه هو ما يلزم المحرم بسبب الجناية على الصيد من مال أو صوم أو إرسال ، وهو شامل لما لو زاد عن قيمة الصيد المملوك أو نقص ، ولما لو كانت الجناية غير موجبة لضمان الأموال ، كالدلالة على الصيد. ومقتضى جعل الفداء للمالك انه لا يجب شي‌ء سوى ما يصرفه للمالك. وهو باطل البتة.

والإشكالات المتفرعة على ما ذكرنا : منها ـ ان الواجب في المتلفات من الأموال القيمة ، وهو ما يعين بالأثمان التي هي الدراهم والدنانير فإيجاب غيرها كالبدنة في النعامة للمالك خروج عن الواجب.

ومنها ـ انه لو عجز عن الفداء يجب عليه الصوم على ما سبق ، وإيجابه خاصة يقتضي ضياع حق المالك ، وإيجاب القيمة معه خروج عن إطلاق كون الفداء للمالك ، وعدم إيجاب الصوم أصلا أبعد ، لما فيه من الخروج عن نص الكتاب العزيز (١).

ومنها ـ ان الفداء لو كان انقص من القيمة فإيجابه خاصة يقتضي

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

٣٢٤

تضييع بعض حق المالك ، وإيجاب شي‌ء آخر معه يقتضي الخروج عن إطلاق استحقاق المالك الفداء ، وعدم إيجاب شي‌ء واضح البطلان ، لان فيه تضييعا للمال المحترم بغير سبب ظاهر. ولأنه إذا وجبت القيمة السوقية في حال عدم الإحرام والخروج عن الحرم ، فالمناسب التغليظ معهما أو مع أحدهما ، فلا أقل من المساواة.

ومنها ـ لو كان المتلف بيضا ووجب الإرسال ، وقلنا ان الفداء للمالك ولم ينتج شيئا ، يلزم ضياع حق المالك ، وهو باطل. وان أوجبنا القيمة السوقية معه لم يصدق ان الفداء للمالك. وان نفينا الإرسال وأوجبنا القيمة لزم الخروج عن النصوص الصحيحة المتفق على العمل بمضمونها بين الأصحاب.

ومنها ـ انه لو اشترك في قتله جماعة فقد تقدم انه يلزم في قتله الفداء على كل واحد منهم ، واجتماع الجميع للمالك خروج عن قاعدة ضمان الأموال.

ومنها ـ انه قد تقدم ان المباشر إذا اجتمع مع السبب ـ كالذابح مع الدال ـ ضمن كل واحد منهما فداء ، واجتماعهما للمالك خروج عن القاعدة وإعطاء له زيادة عن ما يجب له.

الى غير ذلك من الإشكالات اللازمة من إطلاق كون الفداء في المملوك للمالك.

أقول : ومن أظهر ما يرد على هذا الإطلاق ويبطله بالاتفاق تصريح القرآن العزيز في الفداء من الأنعام انه «هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» (١) أعم من ان يكون مملوكا وغيره ، فكيف يكون للمالك والصيام أو الإطعام للمساكين في بعض المراتب؟ واي تعلق لهذا بالمالك؟ ونحو ذلك من ما تقدم.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

٣٢٥

وبالجملة فإن الظاهر ان مراد من عبر بذلك إنما هو القيمة ، لأنه يطلق عليها الفداء كما تقدم ، وان أجملوا في التعبير ولم يضيفوا إليها الجزاء الذي لله (سبحانه وتعالى) إلا ان ظاهر كلام جملة ممن شرح كلامهم ينافي ما ذكرناه من الاعتذار.

وكيف كان فالظاهر ما ذكره جملة من الأصحاب ـ منهم : الشيخ في المبسوط ، والعلامة في جملة من كتبه ، ومن تأخر عنه ـ من ان الفداء في المملوك لله (تعالى) كغيره ، ويجب على المتلف بالنسبة إلى المملوك القيمة لمالكه إذا كان مضمونا مع الفداء ، أعمالا للدليلين ، الدال أحدهما على لزوم الفداء للصيد ، والثاني على ضمان المتلف بالمثل أو القيمة كما في سائر الأموال. ولو لم يتعلق بالمتلف الضمان ـ ككون يده يد امانة ـ لزمه الفداء لا غير. وكذا لو وجب الفداء بالدلالة خاصة.

وظاهر العلامة في المنتهى ان هذا الحكم موضع وفاق بين الأصحاب فإنه قال : إذا قتل المحرم صيدا مملوكا لغيره لزمه الجزاء لله (تعالى) والقيمة لمالكه ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ، وقال مالك والمزني : لا يجب الجزاء لقتل الصيد المملوك (١) لنا : قوله (تعالى) (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (٢) وهو يتناول صورة النزاع كما يتناول صورة الاتفاق. ومنه يظهر ما قدمنا ذكره من انه ليس مرادهم من تلك العبارة ظاهرها الذي ترد عليه الإشكالات المتقدمة فإنه (قدس‌سره) ممن صرح بذلك في مختصراته كالإرشاد وغيره.

__________________

(١) المجموع للنووي ج ٧ ص ٢٩٥ الطبعة الثانية ، والبحر الرائق ج ٣ ص ٢٧. وارجع الى الاستدراكات.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

٣٢٦

السابعة ـ لو لم يكن الصيد مملوكا تصدق بالفداء باتفاق الأصحاب وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في الفداء بين ان يكون حيوانا كالبدنة والبقرة والشاة ، أو غيره كالقيمة أو كف من طعام.

ويدل على وجوب الصدقة بالجميع ـ مضافا الى ان ذلك هو المتبادر من إيجاب الجزاء ـ الأخبار الكثيرة ، ومنها : صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة الى ان يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه ، ويتصدق بمثل ثمنه ، فإن أصاب منه وهو حلال فعليه ان يتصدق بمثل ثمنه».

وحسنة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) وفيها : «ان قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة ، وثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به ...».

الى غير ذلك من الاخبار المتقدمة.

وصرح العلامة وغيره بان مستحق الصدقة الفقراء والمساكين بالحرم ومقتضى الآية (٣) والاخبار المتقدمة اختصاص الإطعام بالمساكين. إلا ان ظاهرهم إرادة الفقراء من هذا الإطلاق ، بناء على الترادف بين اللفظين. وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في كتاب الزكاة.

الثامنة ـ قد صرح المحقق في الشرائع بأن كل ما يلزم المحرم

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٦٧ ، والوسائل الباب ١١ و ٤٤ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٩٥ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٧٠ ، والوسائل الباب ١١ من كفارات الصيد.

(٣) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

٣٢٧

من فداء ، يذبحه أو ينحره بمكة ان كان معتمرا ، وبمنى ان كان حاجا.

قال في المدارك : هذا مذهب الأصحاب لا اعلم فيه مخالفا.

أقول : العجب منه (قدس‌سره) في دعوى اتفاق الأصحاب على ذلك مع وجود الخلاف في كتاب المختلف. نعم ما ذكره هو المشهور كما ذكره في المختلف ، حيث نقل عن الشيخ في المبسوط والنهاية ، والشيخ المفيد في المقنعة : ان من وجب عليه جزاء صيد اصابه وهو محرم ، فان كان حاجا نحر ما وجب عليه بمنى ، وان كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة. قال : وكذا قال السيد المرتضى وسلار وأبو جعفر ابن بابويه. وزاد الشيخ (رحمه‌الله تعالى) : وما يجب على المحرم بالعمرة في غير كفارة الصيد جاز ان ينحره بمنى. ثم قال : وقال علي بن بابويه : وكل ما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك ان تنحر أو تذبح ما يلزمك من الجزاء بمكة عند الحزورة قبالة الكعبة ، وان شئت أخرته الى أيام التشريق تنحره بمنى ، فإذا وجب عليك في متعة ، وما أتيته في ما يجب عليك فيه الجزاء في حج ، فلا تنحره الا بمنى. وقال أبو الصلاح : محل فداء ما أتاه في إحرام المتعة أو العمرة المبتولة قبالة الكعبة ، وفي إحرام الحج منى. وقال ابن إدريس : من وجب عليه جزاء صيد وهو محرم ، فان كان حاجا أو معتمرا عمرة متمتعا بها الى الحج نحر أو ذبح ما وجب عليه بمنى ، وان كان معتمرا عمرة مبتولة نحر بمكة أو ذبح قبالة الكعبة. وقال ابن حمزة : وما يلزم المحرم من جزاء الصيد وقيمته في إحرام الحج والعمرة المتمتع بها من الذبح والنحر والإطعام صنعها بمنى ، وان لزمه

٣٢٨

في إحرام العمرة المبتولة لزمه ذلك بمكة. انتهى ما ذكره في المختلف

ونقل الفاضل الخراساني في الذخيرة عن ابن البراج : ان كل من كان محرما بحج ووجب عليه جزاء صيد اصابه ، وأراد ذبحه أو نحره ، فليذبحه أو ينحره بمنى ، وان كان معتمرا فعل ذلك بمكة أي موضع شاء ، والأفضل ان يكون فعله لذلك بالحزورة مقابل الكعبة وما يجب على المحرم بعمرة مفردة من كفارة ليست كفارة صيد فإنه يجوز ذبحها أو نحرها بمنى. ونقل فيه أيضا عبارة الشيخ علي بن بابويه ، وزاد فيها على ما قدمنا نقله عن المختلف : وان كان عليك دم واجب وقلدته أو جللته أو أشعرته فلا تنحره إلا يوم النحر بمنى.

هذا ما وقفت عليه من كلام الأصحاب.

واما الاخبار الواردة في هذا الباب فمنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (١) في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من وجب عليه فداء صيد اصابه وهو محرم ، فان كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى ، وان كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة».

وعن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) انه قال «في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء ، فعليه ان ينحره ان كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس ، فان كان في عمرة نحره بمكة ، وان

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٧٣ ، والوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٨٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٧٣ ، والوسائل الباب ٤٩ و ٥١ من كفارات الصيد.

٣٢٩

شاء تركه الى ان يقدم فيشتريه فإنه يجزئ عنه».

قال الشيخ في التهذيب (١) : قوله (عليه‌السلام) : «فوجب عليه الفداء» اي شراؤه. وقوله : «وان شاء تركه» رخصة لتأخير شراء الفداء الى ان يقدم مكة أو منى ، لان من وجب عليه كفارة الصيد فإن الأفضل ان يفديه من حيث اصابه. ثم استدل على ذلك بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد».

ونقل في الدروس عن الشيخ انه جوز فداء الصيد حيث اصابه ، واستحب تأخيره إلى مكة ، لصحيحة معاوية. والظاهر انه بنى على ظاهر هذه العبارة ، مع ان الأمر في العبارة إنما هو خلاف ما ذكره حيث انه جعل الأفضل ان يفديه من حيث اصابه وان التأخير إلى مكة رخصة.

وكيف كان فإنه من هذه الاخبار يعلم مستند القول المشهور.

واما ما نقل عن الشيخ علي بن بابويه فهو من كتاب الفقه الرضوي كما عرفت في غير موضع ، ومنه يعلم مستنده.

قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (٣) : وكل ما أتيته من

__________________

(١) ج ٥ ص ٣٧٣ ، وما ذكره (قدس‌سره) ـ من تفسير وجوب الفداء بشرائه ـ ليس في التهذيب وانما هو في الوافي باب (موضع ذبح الكفارة ومصرفها).

(٢) التهذيب ج ١ ص ٥٥٤ الطبع القديم ، والوسائل الباب ٥١ من كفارات الصيد.

(٣) ص ٢٨.

٣٣٠

الصيد في عمرة أو متعة فعليك ان تذبح أو تنحر ما لزمك من الجزاء بمكة عند الحزورة قبالة الكعبة موضع النحر ، وان شئت أخرته الى أيام التشريق فتنحره بمنى. وقد روى ذلك ايضا. وإذا وجب عليك في متعة ، وما أتيته من ما يجب عليك فيه الجزاء من حج ، فلا تنحره إلا بمنى. فان كان عليك دم واجب قلدته أو جللته أو أشعرته فلا تنحره إلا في يوم النحر بمنى. انتهى.

قوله : «كل ما أتيته من الصيد في عمرة» أي مفردة : «أو متعة» يعني : عمرة تمتع. وظاهره ان التأخير إلى منى في الصورة المذكورة مروي أيضا. وقوله : «وإذا وجب عليك في متعة» اي حج تمتع وقوله : «من حج» يعني : مفرد ، فإن إطلاق العمرة على المفردة والحج على حج الافراد كثير في الاخبار ، فلا منافاة كما ربما يتوهم.

وتنقيح البحث في المسألة يتوقف على رسم فوائد الأولى ـ ظاهر المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد جواز فداء الصيد في موضع الإصابة وعدم وجوب التأخير إلى مكة ومنى كما تقدم ، وان كان الأفضل ذلك. واعتضد في ذلك بما تقدم نقله عن معاوية بن عمار في الصحيح (١) قال : «يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد». قال : والظاهر انه من الامام (عليه‌السلام). ثم قال : ويدل عليه أيضا صحيحة أبي عبيدة الثقة في كفارة قتل النعامة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد ولم

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٥٥٤ الطبع القديم ، والفروع ج ٤ ص ٣٨٤ ، والوسائل الباب ٥١ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٨٧ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٤١ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

٣٣١

يجد ما يكفر في موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه. الحديث». قال : وايضا يمكن فهمها من ما في رواية محمد المتقدمة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه». الى ان قال : فالذي يظهر انه يجوز في مكان الإصابة مطلقا ، وإذا كان في الحج يجوز التأخير إلى منى ، وفي العمرة إلى مكة أفضل. فيمكن حمل قوله (تعالى) (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (٢) على الأفضلية ، وان يراد بها ما يعم مكة ومنى ، فيكون للحج بمنى وللعمرة بمكة. وهذا في كفارة الصيد اما غيرها فلا يبعد الأفضلية في مكان اللزوم. الى آخر كلامه (زيد في إكرامه).

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) لا يخلو من الإشكال :

أما أولا : فلأنه قد روى ثقة الإسلام في الكافي عن احمد بن محمد ـ والظاهر انه ابن ابي نصر ـ عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من وجب عليه هدي في إحرامه فله ان ينحره حيث شاء الا فداء الصيد ، فان الله (عزوجل) يقول : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ)» (٤).

وهو (قدس‌سره) قد ذكر الرواية وحملها على الأفضلية بعد رميها بضعف السند. وفيه : ان ضعف السند مجبور باتفاق الأصحاب على القول بمضمونها كما عرفت ، فإنه لا مخالف فيه سوى ما يظهر من كلامه هنا.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من كفارات الصيد رقم ١٠.

(٢ و ٤) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) الوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد.

٣٣٢

وروى الصدوق في الفقيه (١) في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأرنب يصيبه المحرم. فقال : شاة (هديا بالغ الكعبة) (٢)».

وفي جملة من روايات الإرسال ـ وقد تقدمت ـ «فما ينتج فهو هدي بالغ الكعبة» أو «هدي لبيت الله الحرام».

وفي حديث الجواد المتقدم ذكره برواية علي بن إبراهيم في تفسيره (٣) : «وان كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا ، هديا بالغ الكعبة ، حقا واجبا عليه ان ينحره ، فان كان في حج بمنى حيث ينحر الناس ، وان كان في عمرة ينحره بمكة. الى ان قال في آخر الخبر : والمحرم بالحج ينحر فداءه بمنى حيث ينحر الناس ، والمحرم بالعمرة ينحر بمكة». ومورد الخبر من أوله الى آخره فداء الصيد.

واما ثانيا : فإن القاعدة المستفادة من اخبار أهل الذكر (عليهم‌السلام) هو إرجاع الاخبار الى القرآن لا القرآن الى الاخبار والاخبار هنا قد اختلفت في هذا الحكم ، فان الظاهر من الاخبار التي ذكرها هو ما ذكره من جواز الفداء في موضع الإصابة ، والمفهوم من صحيحة عبد الله بن سنان ـ ورواية زرارة ، ومرسلة أحمد بن محمد المذكورة ، وما بعدها من الروايات ـ هو التأخير إلى مكة أو منى والترجيح لهذه الأخبار بموافقة ظاهر القرآن ، فلا بد من ارتكاب التأويل في الاخبار التي ذكرها ، أو طرحها عملا بمقتضى القاعدة

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٣٣ ، والوسائل الباب ٤ من كفارات الصيد.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) ج ١ ص ١٨٤ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الصيد.

٣٣٣

المنصوصة في مقام اختلاف الاخبار والعرض على القرآن. على انه في مسألة الحبوة قد اطرح ظاهر الاخبار تمسكا بظاهر القرآن ، فحمل الاخبار على الاستحباب بالقيمة ، ونحو ذلك في ميراث الأزواج فكيف اختار هنا العمل بهذه الاخبار وإرجاع الآية إليها؟

واما ثالثا : فان الظاهر من صحيحة ابي عبيدة المذكورة انما هو انتقال الحكم من البدنة إلى التقويم بالدراهم في ذلك الموضع ، يعني : انه إذا وجد البدنة في موضع الإصابة تعلق الحكم بالبدنة ، وكان الواجب عليه ذبحها بمكة أو بمنى ، وان صدق عليه انه غير واجد لها انتقل الحكم الى التقويم ، لا ان الواجب ذبح البدنة في ذلك الموضع كما فهمه. واما صحيحة معاوية بن عمار فهي ـ مع كونها غير مسندة الى الامام (عليه‌السلام) فلا تقوم حجة ـ يمكن حملها على ما حمل عليه الشيخ رواية زرارة ، من ان الأفضل شراء الصيد من موضع الإصابة. واما رواية محمد فموردها الصدقة بالثمن دون الهدي ، وهو خارج عن محل البحث.

الثانية ـ قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك بعد ذكر صحيحة عبد الله بن سنان ، ورواية زرارة ، وصحيحة معاوية بن عمار : وهذه الروايات كلها ـ كما ترى ـ مختصة بفداء الصيد ، اما غيره فلم أقف على نص يقتضي تعين ذبحه في هذين الموضعين ، فلو قيل بجواز ذبحه حيث كان لم يكن بعيدا ، للأصل ، ولما رواه الشيخ عن احمد ابن محمد عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من وجب عليه هدي في إحرامه فله ان ينحره حيث شاء إلا فداء

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد.

٣٣٤

الصيد. الحديث المتقدم». ثم قال : ولا ريب ان المصير الى ما عليه الأصحاب أولى وأحوط.

أقول : وقد تقدمه في ذلك شيخه المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) حيث قال في شرح الإرشاد على اثر الكلام المتقدم نقله عنه : هذا في كفارة الصيد ، اما غيرها فلا يبعد الأفضلية في مكان اللزوم ، للمسارعة إلى الخيرات. ولئلا يمنع عنه مانع مثل الموت وغيره. ولاحتمال الفورية ، كما يظهر من كلام البعض ان الكفارة فورية. وقد علم من ما سبق انها غير فورية في الجملة. والأصل مؤيد مع عدم ظهور دليل خلافه. انتهى.

والذي وقفت عليه من الاخبار ـ من ما لم يصرح فيه بالصيد أو صرح فيه بغيره ـ أخبار عديدة : منها ـ مرسلة أحمد بن محمد المتقدمة وما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟ فقال : بمكة ، إلا ان يشاء صاحبها ان يؤخرها إلى منى ، ويجعلها بمكة أحب الي وأفضل».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن كفارة العمرة أين تكون؟ قال : بمكة ، إلا أن يؤخرها إلى الحج فتكون بمنى ، وتعجيلها أفضل وأحب الي».

وهذان الخبران حملهما في التهذيب على كفارة غير الصيد ، لصحيحة

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٤ ، والوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٥٣٩ ، والوسائل الباب ٤ من الذبح رقم ٤.

٣٣٥

عبد الله بن سنان المتقدمة. وفي الاستبصار جوز ان تكون مكة أفضل في الصيد وان جاز منى أيضا. والظاهر هو حمله الأول. وكيف كان فهما دالان بإطلاقهما على ان محل الكفارة في العمرة كائنة ما كانت مكة أو منى.

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له : الرجل يجرح من حجته شيئا يلزمه منه دم ، يجزئه ان يذبحه إذا رجع الى أهله؟ فقال : نعم. وقال ـ في ما اعلم ـ : يتصدق به. قال إسحاق : وقلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) : الرجل يجرح من حجته ما يجب عليه الدم ولا يهريقه حتى يرجع الى أهله؟ فقال : يهريقه في اهله ، ويأكل منه الشي‌ء». أقول : ويجرح بالجيم ثم الراء ثم الحاء المهملة ، بمعنى : يكسب. ونحوه روى الشيخ عن إسحاق أيضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢).

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع عن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس ـ وانا اسمع ـ فأمره ان يفدي

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٤٨٨ ، والوسائل الباب ٥ من الذبح.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٨١ و ٤٨٢ ، والوسائل الباب ٥٠ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٥١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣١١ ، والوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد ، والباب ٦ من بقية كفارات الإحرام رقم ٣ و ٦.

٣٣٦

شاة يذبحها بمنى». ورواه في الفقيه (١) ايضا وزاد : «نحن إذا أردنا ذلك ظللنا وفدينا».

وروى في التهذيب (٢) في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس. فقال : ارى ان يفديه بشاة يذبحها بمنى».

وفي الصحيح عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر (٣) قال : «سألت أخي (عليه‌السلام) : أظلل وانا محرم؟ فقال : نعم ، وعليك الكفارة. قال : فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل».

وجملة من الاخبار مطلقة ، والظاهر في وجه الجمع بينها هو ما دلت عليه مرسلة أحمد بن محمد من انه ينحره حيث شاء ، إلا ان الأفضل ان يكون بمكة أو بمنى على التفصيل الذي ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم).

الثالثة ـ الظاهر من كلامي ابن إدريس وابن حمزة المتقدمين إلحاق عمرة التمتع بحجة في الذبح بمنى. ولم نقف لهما على دليل في ذلك. وظاهر الخبرين الأولين اللذين هما المستند في هذا الحكم إنما هو التفصيل بين الحج والعمرة ، فإن كان ما جناه في الحج فمحله منى ، وان كان في العمرة فهو مكة. ومن الظاهر ان المراد بالعمرة ما هو أعم من العمرة المبتولة والمتمتع بها الى الحج ، لأنها لا تدخل

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٢٦ ، والوسائل الباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) ج ٥ ص ٣٣٤ ، والوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٤ ، والوسائل الباب ٤٩ من كفارات الصيد ، والباب ٦ من بقية كفارات الإحرام.

٣٣٧

في لفظ الحج ، وإلا لسقط حكمها من البين. وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور ، وما ذكراه بمحل من القصور.

الرابعة ـ ظاهر الاخبار المتقدمة ان مكة كلها منحر ، وان كان الأفضل تجاه الكعبة في الحزورة ، وكذلك منى كلها منحر ، وان كان الأفضل عند المسجد ، وهو المنحر المعهود.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار (١) : «ان عبادا البصري جاء الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) وقد دخل مكة بعمرة مبتولة ، واهدى هديا فأمر به فنحر في منزله بمكة ، فقال له عباد : نحرت الهدي في منزلك وتركت ان تنحره بفناء الكعبة ، وأنت رجل يؤخذ منك؟ فقال له : ألم تعلم ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نحر هديه بمنى في المنحر ، وأمر الناس فنحروا في منازلهم ، وكان ذلك موسعا عليهم ، فكذلك هو موسع على من ينحر الهدي بمكة في منزله إذا كان معتمرا».

الخامسة ـ قال العلامة في المنتهى : إذا اختار المثل أو قلنا بوجوبه ذبحه وتصدق به على مساكين الحرم ، لانه (تعالى) قال (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (٢) ولا يجوز ان يتصدق به حيا على المساكين ، لانه (تعالى) سماه هديا ، والهدي يجب ذبحه. وله ذبحه اي وقت شاء لا يختص ذلك بأيام النحر ، لأنه كفارة فيجب إخراجها متى شاء كغيرها من الكفارات. انتهى. ومثله في التذكرة.

ثم ذكر في مسألة الإطعام انه بمكة أو بمنى على ما قلناه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٤ ، والوسائل الباب ٥٢ من كفارات الصيد.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

٣٣٨

من الجزاء ، لانه عوض عن ما يجب دفعه الى مساكين ذلك المكان ، فيجب دفعه إليهم. وتعتبر قيمة المثل في الحرم ، لانه محل إخراجه. ولا يجوز إخراج القيمة ، لأنه (تعالى) خير بين ثلاثة أشياء ، وليست القيمة واحدا منها. والطعام المخرج : الحنطة والشعير والتمر والزبيب ولو قيل يجزئ كل ما يسمى طعاما كان حسنا ، لانه (تعالى) أوجب الطعام. ويتصدق على كل مسكين بنصف صاع. انتهى. ومثله في التذكرة.

أقول : أكثر هذه الأحكام لا تخلو من الاشكال ، لعدم الدليل الواضح فيها من الاخبار ، وان كان الأحوط الوقوف على ما ذكروه.

الصنف الثاني في النساء ، والبحث فيه يقع في فصلين :

الأول ـ يحرم على المحرم النساء ، وطأ ، وتقبيلا ، ونظرا بشهوة ، وعقدا لنفسه أو لغيره ، وشهادة تحملا أو إقامة.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مسائل الأولى ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في تحريم النكاح في حال الإحرام ، وطأ ، وعقدا لنفسه أو لغيره ، بولاية أو وكالة.

قال في المنتهى : ولا يجوز للمحرم ان يتزوج أو يزوج ، ولا يكون وليا في النكاح ولا وكيلا فيه ، سواء كان رجلا أو امرأة ، ذهب إليه علماؤنا اجمع.

والأصل فيه قوله (عزوجل) (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (١) والرفث هو الجماع بالنص الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) والكاظم (عليه‌السلام) :

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

٣٣٩

روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله وقلة الكلام إلا بخير ، فان تمام الحج والعمرة ان يحفظ المرء لسانه إلا من خير ، كما قال الله (عزوجل) فان الله يقول (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٢) فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب والسباب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله».

وعن علي بن جعفر في الصحيح (٣) قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن الرفث والفسوق والجدال ما هو؟ وما على من فعله؟ فقال : الرفث : جماع النساء ، والفسوق : الكذب والمفاخرة ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله. فمن رفث فعليه بدنة ينحرها ، وان لم يجد فشاة ، وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو محرم».

قال في الوافي بعد نقل هذا الحديث : هكذا وجد هذا الحديث في ما رأيناه من النسخ ، ولعله سقط من الكلام شي‌ء. انتهى. وهو كذلك.

واما ما يدل على أصل المسألة من الاخبار فمنه ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤)

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٦ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٧.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٧ ، والوسائل الباب ٣٢ من تروك الإحرام ، والباب ٣ من كفارات الاستمتاع ، والباب ٢ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٨ ، والوسائل الباب ١٤ من تروك الإحرام.

٣٤٠