الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

الشيخ وجمع من الأصحاب ، وقيل بالكراهة ، واختاره ابن إدريس وأكثر المتأخرين.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار هنا ما رواه الشيخ عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «كان يكره ان يرمى الصيد وهو يؤم الحرم».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل رمى صيدا في الحل وهو يؤم الحرم في ما بين البريد والمسجد ، فأصابه في الحل ، فمضى برميته حتى دخل الحرم ، فمات من رميته ، هل عليه جزاء؟ فقال : ليس عليه جزاء ، إنما مثل ذلك مثل من نصب شركا في الحل الى جانب الحرم ، فوقع فيه صيد ، فاضطرب حتى دخل الحرم فمات ، فليس عليه جزاؤه ، لأنه نصب حيث نصب وهو له حلال ، ورمى حيث رمى وهو له حلال ، فليس عليه في ما كان بعد ذلك شي‌ء. فقلت : هذا القياس عند الناس. فقال : إنما شبهت لك الشي‌ء بالشي‌ء لتعرفه». ونحوه روى في التهذيب (٣) باختلاف ما في الألفاظ.

ورواه في الكافي عنه أيضا في الصحيح (٤) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل رمى صيدا في الحل ، فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات ، أعليه جزاؤه؟ قال : لا ليس عليه جزاؤه ، لأنه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٩ ، والوسائل الباب ٢٩ من كفارات الصيد.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٦٨ و ١٦٩ ، والوسائل الباب ٣٠ من كفارات الصيد.

(٣) ج ٥ ص ٣٦٠ ، والوسائل الباب ٣٠ من كفارات الصيد.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٢٣٤ ، والوسائل الباب ٣٠ من كفارات الصيد.

٣٠١

رمى حيث رمى وهو له حلال ، انما مثل ذلك مثل رجل نصب شركا في الحل الى جانب الحرم ، فوقع فيه صيد فاضطرب الصيد حتى دخل الحرم ، فليس عليه جزاؤه ، لأنه كان بعد ذلك شي‌ء. فقلت : هذا القياس عند الناس. فقال : انما شبهت لك شيئا بشي‌ء».

أقول : وبهذه الروايات أخذ من ذهب الى الجواز على كراهية.

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن عقبة بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل قضى حجه ثم اقبل حتى إذا خرج من الحرم ، استقبله صيد قريبا من الحرم ، والصيد متوجه نحو الحرم ، فرماه فقتله ، ما عليه في ذلك؟ قال : يفديه على نحوه».

وما رواه في الكافي في الحسن عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل رمى صيدا خارجا من الحرم في الحل ، فتحامل الصيد حتى دخل الحرم. فقال : لحمه حرام مثل الميتة».

والمشهور بين المتأخرين ـ كما عرفت ـ هو الجمع بين هذه الاخبار بالكراهة ، سيما مع تصريح مرسلة ابن ابي عمير بذلك.

وفيه (أولا) : ما عرفت في غير موضع من ما تقدم انه لا مستند لهذا الجمع ، وان اشتهر العمل عليه بينهم ، للوجوه المتقدمة.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٧ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٠ ، والوسائل الباب ٣٠ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٣٥ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥٩ و ٣٦٠ ، والوسائل الباب ٢٩ من كفارات الصيد.

٣٠٢

(وثانيا) : ان استعمال الكراهة في الاخبار بمعنى التحريم أكثر كثير. ولهذا استدل الشيخ بهذه الرواية مع رواية علي بن عقبة (١) على التحريم.

والذي يقرب عندي في الجمع بينها أحد وجهين : اما حمل صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج على ان الصيد حال رميه لا يؤم الحرم ـ أما رواية الكافي فهي مطلقة قابلة للحمل على ما ذكرنا ، واما رواية الصدوق فبان يجعل قوله : «وهو يؤم الحرم» حالا من «رجل» وبه يجمع بينها وبين رواية عقبة بن خالد الصريحة في كون الصيد متوجها نحو الحرم ـ واما حمل صحيحتي عبد الرحمن على التقية ، فإن العلامة في المنتهى والتذكرة قد نقل عن بعض الجمهور : انه لو رمى صيدا في الحل فجرحه ، فتحامل الصيد فدخل الحرم فمات به ، فإنه يحل اكله ولا جزاء فيه ، لأن الذكاة حصلت في الحل ، فأشبه ما إذا جرح صيدا وهو محل ، ثم أحرم فمات الصيد بعد إحرامه (٢). ثم رده.

والشيخ قد أجاب عن روايتي عبد الرحمن بن الحجاج بالحمل على نفي الإثم والعقاب. وبعده ظاهر ، لأن روايتي الصدوق والكليني مصرحتان بأنه ليس عليه جزاء.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال.

ثم انه من ما يتفرع على القولين المذكورين ضمانه لو مات في الحرم وعدمه ، فان قلنا بجواز الرمي ـ كما هو مدلول صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج ـ فلا ضمان كما صرحتا به ، وان قلنا

__________________

(١) ص ٣٠٢ رقم (١).

(٢) المغني ج ٣ ص ٣١٤ طبع مطبعة العاصمة.

٣٠٣

بالتحريم ـ كما هو مدلول رواية عقبة بن خالد ـ وجب الفداء كما صرحت به ايضا.

والمشهور انه يحرم لحمه ، وبه صرح الشيخ وغيره. وذكر الشهيد الثاني انه ميتة على القولين. والظاهر بعده على تقدير القول بالجواز. وظاهر الصحيحتين المذكورتين حل الصيد المذكور ، كما هو قضية التنظير بالشبك المنصوب الى جانب الحرم. وعلى هذا فتكون حسنة مسمع ـ من حيث التصريح فيها بكون لحم الصيد المذكور حراما مثل الميتة ـ مؤيدة للقول بالتحريم.

الثالثة ـ اختلف الأصحاب في حكم الاصطياد بين البريد والحرم ، يعني : الاصطياد بين منتهى البريد وطرف الحرم ، والمشهور الإباحة ، للأصل ، ولان المانع من الاصطياد اما الحرم أو الإحرام ، وهما مفقودان فتثبت الإباحة.

وقال الشيخ المفيد في المقنعة : وكل من قتل صيدا وهو محل في ما بينه وبين الحرم على مقدار بريد لزمه الفداء. وهو ظاهر في القول بالتحريم.

واستدل له الشيخ في التهذيب بما رواه في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كنت محلا في الحل ، فقلت صيدا في ما بينك وبين البريد الى الحرم ، فان عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه تصدقت بصدقة».

وأجاب عنها المتأخرون بالحمل على الاستحباب. وفيه : ان تأويلها

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦١ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٢ ، والوسائل الباب ٣٢ من كفارات الصيد.

٣٠٤

مع عدم المعارض مشكل. ومجرد ما ادعوه ـ من ان المانع من الاصطياد اما الحرم أو الإحرام ـ لا ينافي زيادة فرد آخر إذا دل عليه الدليل مع انه ليس في شي‌ء من تلك الأخبار الدالة ما يدل على الحصر حتى يكون منافيا لهذا الخبر.

ومثل هذه الرواية أيضا ما رواه الشيخ عن عبد الغفار الجازي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «وذكر : انك إذا كنت حلالا وقتلت صيدا ما بين البريد والحرم فان عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة».

واما صحيحتا عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتان ، فهما وان دلتا على الجواز كما تقدم ، إلا ان الأظهر فيهما هو الحمل على التقية ، كما قدمنا ذكره ، لمعارضتهما بالروايتين المتقدمتين مع هاتين الروايتين.

الرابعة ـ لو ربط صيدا في الحل فدخل الحرم حرم إخراجه ، لأنه صار بدخوله من صيد الحرم.

ويدل عليه عموم ما دل على تحريم صيد الحرم من الاخبار المستفيضة المتقدم كثير منها.

وخصوص ما رواه الشيخ عن عبد الأعلى بن أعين (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أصاب صيدا في الحل فربطه الى جانب الحرم ، فمشى الصيد برباطه حتى دخل الحرم والرباط في عنقه ، فاجتره الرجل بحبله حتى أخرجه من الحرم ، والرجل في الحل. فقال : ثمنه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٧ ، والوسائل الباب ٣٢ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٣٨ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦١ ، والوسائل الباب ١٥ من كفارات الصيد.

٣٠٥

ولحمه حرام مثل الميتة».

الخامسة ـ قالوا : ويضمن لو كان في الحل فرمى صيدا في الحرم فقتله.

واستدلوا على ذلك ـ بعد الإجماع المدعى في المسألة ـ بصحيحة عبد الله ابن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (١) وفيها : «وما دخل في الحرم من الوحش والطير كان آمنا من ان يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم».

وأنت خبير بأنها لا دلالة فيها بوجه ، إذ غاية ما تدل عليه هو تحريم رميه ، لا وجوب الضمان ، واحدهما غير الآخر ، والاخبار الدالة على التحريم كثيرة ، وقد تقدم كثير منها في البحث الأول ، والكلام إنما هو في وجوب الفداء.

قالوا : وفي معنى إرسال السهم إرسال الكلب ونحوه ، لكن يشترط في ضمان مقتول الكلب ونحوه ان يكون مرسلا اليه ، فلو أرسل الى صيد في الحل فدخل الكلب بنفسه الى الحرم فقتل صيدا غيره فلا ضمان كما لو استرسل من نفسه من غير ان يرسله صاحبه.

ولو أرسله على صيد في الحل ، فدخل الصيد الحرم ، فتبعه الكلب فقتله في الحرم ، فقد استقرب العلامة في المنتهى الضمان ، لانه قتل صيدا حرميا بإرسال كلبه عليه ، فكان عليه ضمانه. ويحتمل العدم ، للأصل ، وعدم ثبوت كلية الكبرى.

وكذا يضمن لو كان في الحرم فرمى صيدا في الحل فقتله ، ويدل

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٢٦ ، والفقيه ج ٢ ص ١٦٣ و ١٦٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٤٤٩ ، والوسائل الباب ٨٨ من تروك الإحرام ، والباب ١٣ من كفارات الصيد ، والباب ١٣ من مقدمات الطواف.

٣٠٦

عليه ـ مضافا الى الاتفاق ايضا على الحكم المذكور ـ

ما رواه الشيخ في الحسن عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في رجل حل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله. فقال : عليه الجزاء لأن الآفة جاءته من قبل الحرم».

قالوا : ولو كان بعض الصيد في الحل وبعضه في الحرم فأصاب منه ما هو في الحل أو الحرم فقتله ، فإنه يضمنه. وعلله في المنتهى بتغليب جانب الحرم. قال في المدارك : وربما كان في صحيحة ابن سنان المتقدمة دلالة عليه. أقول : قد عرفت ان صحيحة ابن سنان لا دلالة فيها على الضمان بوجه ، وإنما دلت على تحريم ان يهاج أو يؤذى ، وتحريم القتل لا يستلزم الضمان ، كما لا يخفى.

وكذا يضمن لو قتل الصيد وهو على فرع شجرة في الحل وأصل الشجرة في الحرم.

لما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٢) : «انه سئل عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحل ، على غصن منها طير رماه رجل فصرعه. قال : عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم».

ويشهد لهذه الرواية ـ وان لم يدل صريحا على أصل المسألة ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٢ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٥ ، والوسائل الباب ٣٣ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٨٦ ، والوسائل الباب ٩٠ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٩ ، والوسائل الباب ٩٠ من تروك الإحرام.

٣٠٧

فقال : حرم فرعها لمكان أصلها. قال : قلت : فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم؟ فقال : حرم أصلها لمكان فرعها». ورواه الكليني والصدوق في الصحيح نحوا منه (١).

ويمكن ان يستنبط من هذه الرواية صحة ما ذكره العلامة في مسألة الصيد الذي بعضه في الحل وبعضه في الحرم من حكمه بالضمان تغليبا لجانب الحرم.

السادسة ـ من دخل بصيد الى الحرم وجب عليه إرساله ، فلو أخره فتلف وجب عليه فداؤه. وكذا لو أخرجه معه فتلف.

وقد تقدم من الاخبار ما يدل على ذلك ، ومنها ـ صحيحة بكير ابن أعين (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أصاب ظبيا فادخله الحرم ، فمات الظبي في الحرم. فقال : ان كان حين ادخله خلى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وان كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل اهدى له حمام أهلي جي‌ء به وهو في الحرم. فقال : ان هو أصاب منه شيئا فليتصدق

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٣١ ، والفقيه ج ٢ ص ١٦٥ ، والوسائل الباب ٩٠ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٣٨ عن أحدهما (ع) ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٢ والوسائل الباب ٣٦ من كفارات الصيد عن ابي جعفر (ع).

(٣) الفروع ج ٤ ص ٢٣٢ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد. والوافي باب (حكم صيد الحرم).

٣٠٨

بثمنه نحوا من ما كان يسوى في القيمة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «انه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به الى الحرم وهو حي. فقال : إذا أدخله إلى الحرم فقد حرم عليه اكله وإمساكه فلا تشترين في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل ثم جي‌ء به الى الحرم مذبوحا ، فلا بأس به للحلال».

وما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قال الحكم بن عتيبة : سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) ما تقول في رجل اهدى له حمام أهلي وهو في الحرم من غير الحرم؟ فقال : اما ان كان مستويا خليت سبيله وان كان غير ذلك أحسنت إليه حتى إذا استوى ريشه خليت سبيله».

وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري (٣) «في من أصاب طيرا في الحرم ، فقال : ان كان مستوي الجناح فليخل عنه ، وان كان غير مستو نتفه وأطعمه وأسقاه فإذا استوى جناحاه خلى عنه».

وما رواه في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن رجل خرج بطير من مكة إلى الكوفة. قال : يرده إلى مكة».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٦ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٣ ، والوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام ، والباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٨ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ١٦٧ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٢٣٤ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

٣٠٩

ولو كان الطائر مقصوصا وجب حفظه وإطعامه حتى يكمل ثم يرسله.

ويدل على ذلك ما تقدم هنا من صحيحة حفص ، وصحيحة معاوية بن عمار ، وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (١) في الصحيح عن زرارة «ان الحكم سأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل اهدى له حمامة في الحرم مقصوصة. فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : انتفها وأحسن إليها وأعلفها حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها».

وما رواه في الكافي عن مثنى (٢) قال : «خرجنا إلى مكة فاصطاد النساء قمرية من قماري (أمج) حيث بلغنا البريد ، فنتف النساء جناحيها ثم دخلوا بها مكة ، فدخل أبو بصير على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فأخبره ، فقال : تنظرون امرأة لا بأس بها فتعطونها الطير تعلفه وتمسكه ، حتى استوى جناحاه خلته». أقول : الامج موضع بين مكة والمدينة.

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله ـ تعالى ـ مراقدهم) عن كرب الصيرفي (٣) قال : «كنا جماعة فاشترينا طائرا ، فقصصناه ودخلنا به مكة فعاب ذلك علينا أهل مكة ، فأرسل كرب الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) فسأله ، فقال : استودعوه رجلا من أهل مكة مسلما أو امرأة مسلمة

__________________

(١) ج ٢ ص ١٦٨ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٣ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٣٧ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد ، والوافي باب (حكم صيد الحرم).

(٣) الفروع ج ٤ ص ٢٣٣ ، والفقيه ج ٢ ص ١٦٩ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٤٨ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

٣١٠

فإذا استوى ريشه خلوا سبيله».

ويستفاد من هذه الاخبار وجوب إطعامه وحفظه على من هو في يده حتى يكمل ريشه فيرسله ، ان كان جالسا في مكة ، فلو أرسله قبل ذلك ضمنه مع تلفه ، وإلا أودعه ممن يعتمد عليه ، كما يشير اليه قوله في رواية مثنى : «امرأة لا بأس بها» وفي رواية كرب : «رجلا مسلما أو امرأة مسلمة»

السابعة ـ هل يجوز للمحل في الحل صيد حمام الحرم؟ قولان للشيخ.

والأظهر العدم ، لصحيحة علي بن جعفر (١) قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن حمام الحرم يصاد في الحل. فقال : لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم انه من حمام الحرم».

الثامنة ـ قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف بان من اخرج صيدا من الحرم وجب عليه إعادته ، ولو تلف قبل ذلك ضمنه. وإطلاق كلامهم شامل لما لو كان الصيد أصله من الحرم ، أو أدخل إليه من خارجه.

وعلى ذلك تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما تقدم من رواية زرارة في الطير الذي خرج به من مكة إلى الكوفة ، ان يرده إلى مكة. وروى هذا الخبر ايضا الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٢) في الصحيح عن زرارة.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (٣) قال : «سألت

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٨ ، والوسائل الباب ١٣ من كفارات الصيد.

(٢) ج ٢ ص ١٧١ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٩ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

٣١١

أخي موسى (عليه‌السلام) عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها. قال : عليه ان يردها ، فان ماتت فعليه ثمنها يتصدق به».

وروى معلقا عن علي بن جعفر عن موسى بن جعفر (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل خرج بطير من مكة حتى ورد به الكوفة ، كيف يصنع؟ قال : يرده إلى مكة ، فان مات تصدق بثمنه».

ومورد هذه الاخبار إنما هو الطير في بعض والحمامة في آخر ، إلا ان الأصحاب قاطعون بتساوي أنواع الصيد في هذا الحكم.

التاسعة ـ من نتف ريشة من حمام الحرم تصدق باليد الجانية. وهو مقطوع به في كلام الأصحاب.

واستدل عليه العلامة في المنتهى بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله ابن مسكان عن إبراهيم بن ميمون (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم. قال يتصدق بصدقة على مسكين ، ويطعم باليد التي نتفها ، فإنه قد أوجعها».

ومورد الرواية نتف الريشة الواحدة ، فلو نتف أكثر احتمل الأرش كغيره من الجنايات ، وتعدد الفدية بتعدده. واستوجه العلامة في المنتهى تكرر الفدية ان كان النتف متفرقا ، والأرش ان كان دفعة وقيل : انه يشكل الأرش ، حيث لا يوجب ذلك نقصا أصلا.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٤ ، والوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٨ ، والوسائل الباب ١٣ من كفارات الصيد.

٣١٢

الا ان هذه الرواية قد رواها في الكافي وكذا في الفقيه (١) هكذا : «نتف حمامة من حمام الحرم». وليس فيها لفظ «ريشة» والظاهر تقديمهما على الشيخ في ضبط الاخبار ، لما أسلفناه في غير موضع من الإشارة الى ما وقع من الشيخ (رحمه‌الله) في اخبار التهذيب من التحريف والتغيير في المتون والأسانيد. وحينئذ فيهون الإشكال ، لأنه يتناول نتف الريشة فما فوقها.

بقي الكلام في انه لو نتف غير الحمامة أو غير الريش ، وفيه اشكال. وقيل هنا يجب الأرش. وهو محتمل إذا اقتضى ذلك نقص القيمة.

قالوا : ولو حدث بنتف الريشة أو أزيد عيب في الحمامة ضمن أرشه مع الصدقة. ولا يجب تسليم الأرش باليد الجانية. ولا تسقط الفدية بنبات الريش.

العاشرة ـ لا خلاف بين الأصحاب في انه لو ذبح المحل صيدا في الحرم كان ميتة. واما لو ذبحه في الحل وادخله الحرم فلا خلاف أيضا في حله للمحل وتحريمه على المحرم.

ويدل على الحكم الأول صحيحة شهاب بن عبد ربه (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني أتسحّر بفراخ اوتى بها من غير مكة ، فتذبح في الحرم فأتسحر بها. فقال : بئس السحور سحورك ، اما علمت ان ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٣٥ و ٢٣٦ ، والفقيه ج ٢ ص ١٦٩ ، والوسائل الباب ١٣ من كفارات الصيد.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٧٠ ، والوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

٣١٣

وما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن مثنى بن عبد السلام عن محمد بن ابي الحكم (١) قال : «قلت لغلام لنا : هي لنا غداء ، فأخذ أطيارا من الحرم فذبحها وطبخها ، فأخبرت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال : ادفنها وافد كل طير منها».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن صيد رمي في الحل ثم ادخل الحرم وهو حي. فقال : إذا أدخله الحرم وهو حي فقد حرم لحمه وإمساكه. وقال : لا تشتره في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل ثم ادخل الحرم ، فلا بأس به».

ويدل على الحكم الثاني صحيحة الحلبي المذكورة ، وفي صحيحة أخرى له مثله (٣) بزيادة قوله : «فلا بأس للحلال». وفيه إشارة إلى الحكم الثالث.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي يعفور (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الصيد يصاد في الحل ويذبح في الحل ، ويدخل الحرم ويؤكل؟ قال : نعم لا بأس به».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٢٣٣ ، والفقيه ج ٢ ص ١٧١ ، والوسائل الباب ٥٥ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٦ ، والوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام ، والباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٢٣٣ ، والوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام ، والباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٧ ، والوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام.

٣١٤

واما الحكم الثالث فالدليل فيه ظاهر مكشوف من ما تقدم من الاخبار في أثناء المباحث المتقدمة.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «واجتنب في إحرامك صيد البر كله ، ولا تأكل من ما صاده غيرك ، ولا تشر اليه فيصيده».

ومن ما يدل على الأحكام الثلاثة صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في حمام ذبح في الحل ، قال : لا يأكله محرم ، وإذا ادخل مكة أكله المحل بمكة ، وإذا ادخل الحرم حيا ثم ذبح في الحرم فلا يأكله ، لأنه ذبح بعد ما بلغ مأمنه».

الحادية عشرة ـ المشهور بين الأصحاب انه لا يملك الصيد في الحرم لمحل ولا محرم. وقيل : يدخل في الملك وان وجب عليه إرساله إذا كان معه دون ما إذا كان نائيا عنه. وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في المسألة الثانية عشرة من البحث الأول.

البحث الخامس في اللواحق

وفيه أيضا مسائل الأولى ـ قد صرح الأصحاب بأن كل ما يلزم المحرم في الحل من كفارة الصيد والمحل في الحرم ، فإنه يجتمع على المحرم في الحرم حتى ينتهي إلى البدنة فلا يتضاعف. وقد قدمنا تحقيق البحث في هذه المسألة مستوفى في مسألة كفارة الحمام في البحث الثاني.

الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ

__________________

(١) ج ٥ ص ٣٠٠ ، والوسائل الباب ١ من تروك الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٦ ، والوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام.

٣١٥

عليهم) في تكرر الكفارة بتكرر الصيد سهوا.

ويدل عليه ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه كفارة ، فإن أصابه ثانية خطأ فعليه الكفارة أبدا إذا كان خطأ ، فإن أصابه متعمدا كان عليه الكفارة ، فإن أصابه ثانية متعمدا فهو ممن ينتقم الله منه (٢) ولم يكن عليه الكفارة».

وإنما الخلاف في ما لو تكرر عمدا عالما فذهب جمع : منهم : الشيخ في المبسوط والخلاف ، وابن الجنيد ، وابن إدريس ـ إلى التكرار قال ابن إدريس : وهو ظاهر المرتضى. ونقل في المختلف عن ابي الصلاح انه قال : تكرر القتل يوجب تكرر الكفارة. وأطلق.

وعن الشيخ علي بن بابويه انه قال : وكل شي‌ء أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو محرم ، أو أتيته في الحل وأنت محرم ، فليس عليك شي‌ء إلا الصيد ، فان عليك فداءه ، فان تعمدته كان عليك فداؤه وإثمه.

وذهب ابن بابويه ـ والشيخ في النهاية ، وابن البراج ـ الى العدم

وهو الأظهر ، لظاهر قوله (عزوجل) (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) (٣) والتقريب فيها انه (عزوجل) جعل جزاء العود الانتقام بعد ان جعل جزاء الابتداء الفدية ، وقضية المقابلة اختصاص كل من الأمرين بموضعه.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ و ٣٧٣ ، والوسائل الباب ٤٨ من كفارات الصيد.

(٢ و ٣) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

٣١٦

ومن الاخبار ما تقدم في مرسلة ابن ابي عمير ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدق بالصيد على مسكين ، فان عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاء ، وينتقم الله (تعالى) منه ، والنقمة في الآخرة».

وفي الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٢) : «في محرم أصاب صيدا ، قال : عليه الكفارة. قلت : فإن أصاب آخر؟ قال : إذا أصاب آخر فليس عليه كفارة ، وهو ممن قال الله (عزوجل) (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)» (٣).

قال في الكافي (٤) : قال ابن ابي عمير عن بعض أصحابه : «إذا أصاب المحرم ...». ثم نقل مضمون الرواية المتقدمة.

وما رواه الشيخ عن حفص الأعور عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد فقولوا له : هل أصبت صيدا قبل هذا وأنت محرم؟ فان قال : نعم. فقولوا له : ان الله منتقم منك ، فاحذر النقمة. فإن قال : لا. فاحكموا عليه جزاء ذلك الصيد».

احتج الأولون بعموم الآية ، فإن قوله (عزوجل) «وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» (٦) يتناول المبتدئ والعائد.

وما رواه الكليني عن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ ، والوسائل الباب ٤٨ من كفارات الصيد.

(٢ و ٤) الفروع ج ٤ ص ٣٩٤ ، والوسائل الباب ٤٨ من كفارات الصيد.

(٣ و ٦) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٧ ، والوسائل الباب ٤٨ من كفارات الصيد.

٣١٧

السلام) (١) : «في المحرم يصيد الصيد ، قال : عليه الكفارة في كل ما أصاب».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : محرم أصاب صيدا؟ قال : عليه الكفارة. قلت : فان هو عاد؟ قال : عليه كلما عاد كفارة».

والجواب عن الآية ظاهر من ما سبق ، فان لفظ العود إنما يقال لفعل الشي‌ء ثانيا بعد فعله أولا ، وحينئذ فلا يمكن ان يحمل صدر الآية على ما يشمل العود. وعن الخبرين بالحمل على غير المتعمد.

والتحقيق ان جملة روايات المسألة ما عدا مرسلة ابن ابي عمير مطلقة ، فمنها ما دل على عدم التكرار مطلقا ، متعمدا كان أو ساهيا كصحيحتي الحلبي المتقدمتين ، ومنها ما دل على التكرار مطلقا ، كصحيحتي معاوية بن عمار المذكورتين ، إلا انه لا قائل بالإطلاق الأول ، ومرسلة ابن ابي عمير قد دلت على تقييد كل من الإطلاقين بالآخر ، فتصير وجه جمع بين أخبار المسألة.

وفي حديث الجواد مع المأمون ، المنقول في جملة من الأصول ومنها : تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم (٣) وفيه : «وكل ما اتى به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شي‌ء عليه ، إلا الصيد فان عليه فيه الفداء ، بجهالة كان أم بعلم ، بخطإ كان أم بعمد. الى ان قال : وان كان ممن عاد فهو ممن

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ ، والوسائل الباب ٤٧ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ ، والوسائل الباب ٤٧ من كفارات الصيد.

(٣) ج ١ ص ١٨٤ ، والوسائل الباب ٣ من كفارات الصيد.

٣١٨

ينتقم الله (تعالى) منه ليس عليه كفارة ، والنقمة في الآخرة». وهو صريح في رد القول الآخر.

واما ما طعن به العلامة في المختلف في صحيحة الحلبي ـ من انها متروكة الظاهر ، لان مقتول المحرم حرام فكيف يسوغ له التصدق به على مسكين؟ ـ فهو مبني على ما هو المشهور عندهم من ان مقتول المحرم حرام مطلقا ، واما على ما ذهب اليه الصدوق ومن تبعه ـ من ان مذبوح الحرم في غير الحرم لا يحرم على المحل ـ فلا وجه لهذا الطعن وقد تقدم تحقيق المسألة مستوفى. وهذا الطعن منه حيث انه اختار القول الأول ، إلا ان ظاهر آخر كلامه الرجوع عنه.

واما ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه فهو عين ما في كتاب الفقه الرضوي (١) ، حيث قال (عليه‌السلام): وكل شي‌ء أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو محرم ، أو أتيت في الحل وأنت محرم ، فليس عليك شي‌ء ، إلا الصيد فان عليك فداءه ، فان تعمدته كان عليك فداؤه وإثمه ، وان علمت أو لم تعلم فعليك فداؤه. انتهى.

الثالثة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في ان الصيد يضمن بقتله عمدا وسهوا وخطأ ، فلو رمى صيدا فمرق السهم فقتل آخر كان عليه فداءان ، ولو رمى غرضا فأصاب صيدا كان عليه فداؤه.

وعلى ذلك تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام (نور الله ـ تعالى ـ مرقده) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن

__________________

(١) ص ٢٩.

٣١٩

ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تأكل من الصيد وأنت حرام وان كان اصابه محل ، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة ، إلا الصيد فان عليك فيه الفداء ، بجهل كان أو بعمد».

وفي الصحيح عن احمد بن محمد عن ابن ابي نصر عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة. قال : عليه كفارة. قلت : فإن أصابه خطأ؟ قال : وأي شي‌ء الخطأ عندك؟ قلت : يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى. قال : نعم هذا الخطأ ، وعليه الكفارة. قلت : فإنه أخذ طائرا متعمدا فذبحه وهو محرم؟ قال : عليه الكفارة. قلت : جعلت فداك ألست قلت : ان الخطأ والجهالة والعمد ليسوا بسواء ، فبأي شي‌ء يفضل المتعمد الجاهل والخاطئ؟ قال : انه اثم ولعب بدينه».

وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال : «اعلم انه ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت محرم جاهلا به ، إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك ، إلا الصيد فان عليك الفداء ، بجهالة كان أو عمد».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣١٥ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٨١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٠ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٨٢ و ٣٨٣ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

٣٢٠