الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

يقع في مقامات ثلاثة :

الأول ـ مباشرة الإتلاف ، وفيه مسائل الأولى ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في ما لو قتل الصيد واكله ، فقيل : ان قتله موجب لفديته ، واكله موجب لفداء آخر. وقيل : انه يفدي ما قتله ويضمن قيمة ما أكل. والأول قول الشيخ في النهاية والمبسوط وجمع من الأصحاب : منهم : العلامة في التذكرة والمنتهى والمختلف ، والثاني قول الشيخ في الخلاف ، والمحقق في الشرائع ، والعلامة في الإرشاد وجملة من كتبه.

احتج العلامة في المختلف على ما اختاره من القول الأول بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن قوم اشتروا ظبيا ، فأكلوا منه جميعا وهم حرم ، ما عليهم؟ فقال : على كل من أكل منه فداء صيد ، على كل انسان منهم على حدته فداء صيد كامل».

ورواية يوسف الطاطري (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : صيد اكله قوم محرمون؟ قال : عليهم شاة ، وليس على الذي ذبحه إلا شاة».

قال في المدارك بعد نقل ذلك عن المختلف : وهو احتجاج ضعيف ، إذ ليس في الروايتين دلالة على تعدد الفداء بوجه ، بل ولا على ترتب الكفارة على الأكل على وجه العموم ، لاختصاص مورد الاولى بمن اشترى الصيد

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥١ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٩١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥٢ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.

٢٦١

واكله ، وظهور الثانية في مغايرة الآكل للذابح. انتهى.

أقول : الأظهر الاستدلال على القول المذكور بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أحمد ـ يعني : محمد بن ابي عمير ـ عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له : المحرم يصيب الصيد فيفديه ، أيطعمه أو يطرحه؟ قال : إذا يكون عليه فداء آخر. قلت : فما يصنع به؟ قال : يدفنه». فإنها تدل بظاهرها على انه بالأكل منه بعد الفدية تجب عليه فدية أخرى ، وكذا لو أطعمه غيره. إلا انه قد تقدم ان هذه الرواية معارضة بجملة من الاخبار الصحيحة الصريحة الدالة على ان ما صاده المحرم يجوز أكل المحل منه ، كما هو مذهب جملة من الأصحاب المتقدم ذكرهم ثمة.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك اختيار القول الأول ، لصحيحة علي بن جعفر المذكورة ، حيث قال بعد عبارة المصنف المشتملة على القولين المتقدمين : مستند الأول الرواية الصحيحة عن الكاظم (عليه‌السلام) ويتحقق الأكل بمسماه ، وعليه العمل. والقول الذي استوجهه المصنف للشيخ (رحمه‌الله) عملا بأصالة البراءة ، وحملا للخبر على الاستحباب ، أو على بلوغ قيمة المأكول شاة. ولا يخفى ما فيه. انتهى.

أقول : الظاهر ان التقريب في الصحيحة المذكورة الموجب لاستدلال هؤلاء الاعلام (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بها هو ان الواجب من الفداء في الظبي ـ كما تقدم ـ شاة ، والواجب بمقتضى ذلك اشتراكهم

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٨ ، والوسائل الباب ١٠ من تروك الإحرام ، والباب ٥٥ من كفارات الصيد.

٢٦٢

جميعا في شاة واحدة ، وحيث انه (عليه‌السلام) أوجب على كل من الآكلين شاة في هذا الخبر ، علم ان هذه الشاة غير الشاة الواجبة في قتله المتقدم التنبيه عليها ، فإنه قد صرح في الخبر بان على كل من أكل منه فداء صيد ، فهذه الشاة إنما هي من حيث الأكل خاصة ، فهي غير شاة القتل المعلوم وجوبها بالأدلة المتقدمة في المسألة. وبالجملة فإن قتل الصيد حرام له موجب يلزم به ، واكله كذلك ، والأصل عدم التداخل فيجب الأمران. واشتمال الرواية على شراء الصيد لا ينافي ذلك ، لأنهم ان كانوا قد شروه حيا وذبحوه ، فان الواجب عليهم كفارة لذبحه واخرى لأكله ، وان كانوا شروه مذبوحا كان عليهم جزاء الأكل. واما الذابح فإنه يبنى على ما تقدم من كون الذابح ممن تجب عليه الكفارة فتجب أم لا فلا. واما الرواية الثانية فينبغي حمل الشاة في قوله (عليه‌السلام) : «عليهم شاة» بمعنى على كل واحد منهم شاة ، فإنه لا خلاف في انهم مع الاشتراك في الأكل يجب الفداء الكامل على كل منهم ، كما ستأتيك الاخبار به في المقام ان شاء الله (تعالى). وقوله : «ليس على الذابح إلا شاة» يعني : من حيث الذبح خاصة ، فإنه ليس عليه إلا شاة. ومن هذا يظهر الوجه في صحة الاستدلال بالروايتين المذكورتين.

واما ما ذكره في المدارك ـ من عدم دلالة الرواية الأولى على العموم لاختصاص مورد الرواية بمن اشترى الصيد واكله ـ ففيه ان خصوص السؤال لا يوجب تخصيص الجواب كما قرروه في محله. وبالجملة فالظاهر ان المناقشة المذكورة هنا لا تخلو من مناقشة.

واما القول الثاني فلم أقف على من تعرض لنقل دليل عليه حتى ممن صار اليه ، قال في المدارك : والقول بوجوب فداء القتل وضمان قيمة المأكول

٢٦٣

للشيخ في الخلاف ، والمصنف ، والعلامة في جملة من كتبه ، ولم نقف لهم في ضمان القيمة على دليل يعتد به. ولولا تخيل الإجماع على ثبوت أحد الأمرين لأمكن القول بالاكتفاء بفداء القتل ، تمسكا بمقتضى الأصل. وتؤيده صحيحة أبان بن تغلب (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرمين أصابوا أفراخ نعام ، فذبحوها وأكلوها. فقال : عليهم مكان كل فرخ أصابوه وأكلوه بدنة». حيث أطلق الاكتفاء بالبدنة ، ولو تعدد الفداء أو وجبت القيمة مع فداء القتل لوجب ذكره في مقام البيان. انتهى.

أقول : صحيحة أبان المذكورة قد رواها في من لا يحضره الفقيه (٢) في الصحيح هكذا : عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «في قوم حجاج محرمين ، أصابوا أفراخ نعام ، فأكلوا جميعا. قال : عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة ، يشتركون فيها جميعا فيشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال». ورواه الشيخ في التهذيب (٣) بسند فيه اللؤلؤي عن ابان مثله ، وزاد : «قلت : فان منهم من لا يقدر على شي‌ء؟ قال : يقوم بحساب ما يصيبه من البدن ، ويصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما». وهي أظهر في لزوم الفداء لكل منهم بالبدنة ، فلو كان ثمة شي‌ء آخر غيرها من قيمة أو فداء آخر لذكره (عليه‌السلام).

ثم أقول : ما ذكره (قدس‌سره) قد تقدمه فيه شيخنا المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، حيث قال ـ بعد نقل الخلاف في ما يترتب على الأكل من الفداء كاملا أو قيمة ما اكله ـ ما لفظه : ويحتمل عدم شي‌ء أصلا ، لعدم ثبوت ضمان مثله. ولأنه قد ضمنه بالقتل فكأنه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ و ١٨ من كفارات الصيد.

(٢) ج ٢ ص ٢٣٦.

(٣) ج ٥ ص ٣٥٣.

٢٦٤

صار ملكه مثل مال الغير ، فلا يضمن بالأكل منه مرة أخرى. نعم لما كان أكل الصيد حراما حصل الإثم بذلك. إلا انه نقل إجماع علمائنا على وجوب التعدد في المنتهى ، قال : إذا ذبح الصيد ثم اكله ضمنه للقتل ووجب عليه ضمان آخر للأكل ، قاله علماؤنا. وهو ظاهر في تعدد الفداء. وقد عرفت عدم الإجماع على ذلك ، لاختياره قيمة ما أكل هنا ، وعدم دلالة الأخبار على وجوب التعدد حين الأكل والذبح معا وحال الاجتماع ايضا ، فلا يبعد التداخل وعدم لزوم غير شي‌ء واحد ، كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر المذكورة. ويؤيده ما في صحيحة أبان بن تغلب «في المشتركين في ذبح الفرخ واكله بدنة مكان أكلهم وذبحهم» وستجي‌ء في شرح قوله : ويضمن. الى آخره. انتهى.

وتحقيق الكلام في هذا المقام على ما يستفاد من اخبارهم (عليهم‌السلام) ان يقال : ان الواجب بالأكل من ما حرم للمحرم أكله كائنا ما كان شاة ، ثم ان كان في ذلك المأكول موجب لفداء آخر وجب ان حصل منه ، وإلا فلا.

ومن الاخبار الواردة في المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من نتف إبطه. الى ان قال : أو أكل طعاما لا ينبغي له اكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة». وما رواه عن ابى عبيدة في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا جعفر

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٩ و ٣٧٠ ، والوسائل الباب ٨ و ١٠ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٥ و ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٢٤ من كفارات الصيد.

٢٦٥

(عليه‌السلام) عن رجل محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم فما على الذي أكله؟ فقال : على الذي اشتراه فداء لكل بيضة درهم وعلى المحرم لكل بيضة شاة». وروى نحوه في الصحيح ايضا بتفاوت لا يضر بالمعنى (١).

وفي رواية محمد بن الفضيل المتقدمة (٢) : «وإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض». والمراد بالإصابة هنا الأكل ، لأن في الكسر بكارة من الإبل ان تحرك الفرخ فيها ، أو الإرسال ان لم يكن ، كما تقدم في المسألة.

وما رواه الشيخ عن الحارث بن المغيرة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سئل عن رجل أكل بيض حمام الحرم وهو محرم. قال : عليه لكل بيضة دم ، وعليه ثمنها سدس أو ربع الدرهم (الوهم من صالح) (٤) ثم قال : «ان الدماء لزمته لأكله وهو محرم ، وان الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم».

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن ابي بصير (٥) قال : «سألت

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٦ ، والفروع ج ٤ ص ٣٨٨ ، والوسائل الباب ٢٤ و ٥٧ من كفارات الصيد ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض).

(٢) ص ٢٠٣.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٩٥ ، والوسائل الباب ١٠ و ٤٤ من كفارات الصيد.

(٤) وهو صالح بن عقبة الذي يروي الحديث عن الحارث بن المغيرة.

(٥) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥١ ، والفروع ج ٤ ص ٣٩٢ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.

٢٦٦

أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قوم محرمين ، اشتروا صيدا فاشتركوا فيه ، فقالت رفيقة لهم : اجعلوا لي فيه بدرهم. فجعلوا لها. فقال : على كل انسان منهم شاة». ومن الظاهر ان الشاة إنما هي من حيث الأكل ، كما هو الظاهر من سياق الخبر ، لا بمجرد الشراء كما لا يخفى.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن يزيد بن عبد الملك عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في رجل محرم مر وهو في الحرم ، فأخذ عنق ظبية فاحتلبها وشرب من لبنها. قال : عليه دم وجزاؤه في الحرم ثمن اللبن».

واما بالنسبة إلى المشتركين في أكل الصيد فقد تقدم في صحيحة علي بن جعفر (٢) «ان على كل واحد فداء كاملا». وفي رواية الطاطري «على كل واحد شاة شاة». كما في رواية الوافي (٣) والذي قدمنا نقله صورة ما في الوسائل ، وكيف كان فالمراد تعدد الشاة على كل منهم.

إلا انه قد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «ان اجتمع قوم على صيد وهم محرمون في صيده ، أو أكلوا منه ، فعلى كل واحد منهم قيمته». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار مثله (٥).

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٨ ، والتهذيب ج ٥ ص ٢٧١ و ٤٦٦ ، والوسائل الباب ٥٤ من كفارات الصيد ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من صيد الحرم).

(٢) ص ٢٦١.

(٣) باب (اجتماع المحرمين على الصيد).

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٥١ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٩١ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.

٢٦٧

وفي الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث قال في آخره : «وأي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه ، فان على كل انسان منهم قيمة قيمة ، وان اجتمعوا عليه في صيد فعليهم مثل ذلك».

وظاهر هذين الخبرين انهم بالاجتماع عليه في صيده أو أكله فالواجب على كل واحد منهم قيمة ذلك الصيد. ويمكن حمل صحيحة علي بن جعفر على الروايتين الأخيرتين بحمل الفدية فيها على القيمة في هذا الموضع.

الثانية ـ لو رمى صيدا فلم يؤثر فيه فلا فدية عليه ، ولو اثر فيه وجرحه ثم رءاه بعد ذلك سويا فأقوال ، فان لم يعلم حاله لزمه الفداء قيل : وكذلك لو لم يعلم اثر فيه أم لا.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع

الأول ـ في ما إذا رماه ولم يؤثر فيه ، بمعنى انه تحقق وتيقن عدم التأثير فيه ، لما سيجي‌ء في المسألة من القول بالفدية مع الشك ، فإنه لا شي‌ء كما ذكر ، إلا انه ينبغي تقييده بما إذا لم يكن له شريك في الرمي وقد أصاب الصيد فإنه يضمن بسبب المشاركة وان أخطأ ، كما سيأتي ان شاء الله (تعالى) التنبيه عليه.

الثاني ـ لو اثر فيه ثم رآه بعد ذلك سويا ، فإنه قد اختلف فيه الأصحاب ، فنقل في المختلف عن الشيخ في النهاية والمبسوط ، وابن البراج ، وابن إدريس : انه إذا رمى الصيد فأدماه أو كسر يده أو رجله ثم رءاه بعد ذلك صحيحا ، كان عليه ربع الفداء. والظاهر ان مرادهم بالفداء هنا هو القيمة ، كما وقع

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٠ ، والوسائل الباب ١٨ و ٣١ من كفارات الصيد.

٢٦٨

في جملة من عبائرهم التعبير بربع القيمة ، كالشرائع والإرشاد وغيرهما ونقل عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ المفيد ، وابي الصلاح : انه يتصدق بشي‌ء وذهب المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد الى ان عليه الأرش ، وبه قطع في المنتهى والتذكرة ، إلا انه نقل فيهما عن الشيخ انه يضمن الجميع ، لانه مفض الى تلفه ، قال : وهو قول أبي حنيفة (١) وهو ـ كما ترى ـ خلاف ما نقله عنه في المختلف.

والعجب من صاحب الذخيرة انه قال هنا نقلا عن العلامة في المنتهى : انه قطع بالأرش ، ولم ينقل فيه خلافا إلا عن العامة ، مع ان هذه صورة عبارته : لو جرح الصيد فاندمل وصار غير ممتنع فالوجه الأرش ، وقال أبو حنيفة : يضمن الجميع (٢). وهو قول الشيخ رحمه‌الله (تعالى) لانه مفض الى تلفه ، فصار كما لو جرحه جرحا تيقن موته. ثم رده بأنه ليس بجيد ، لأنه إنما يضمن ما نقص ، والتقدير انه لم يتلف جميعه ، فلم يضمنه. انتهى.

قال في المدارك : والقول بلزوم ربع القيمة بذلك للشيخ وجماعة واستدل عليه بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل رمى صيدا وهو محرم ، فكسر يده أو رجله ، فمضى الصيد على وجهه ، فلم يدر الرجل ما صنع الصيد. قال : عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد (٤) فان رءاه بعد ان كسر يده أو رجله وقد رعى وانصلح فعليه ربع قيمته». وهذه الرواية لا تدل على ما ذكره الشيخ من التعميم. والمتجه قصر الحكم على مورد الرواية ووجوب

__________________

(١ و ٢) المغني ج ٣ ص ٤٥٩ و ٤٦٠ طبع مطبعة العاصمة.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٩ ، والوسائل الباب ٢٧ من كفارات الصيد.

(٤) قوله : «فان رءاه ...» من كلام الشيخ ظاهرا.

٢٦٩

الأرش في غيره ان ثبت كون الاجزاء مضمونة كالجملة ، لكن ظاهر المنتهى انه موضع وفاق. انتهى.

ومرجع مناقشته في الرواية الى ان موردها كسر يد الصيد ورجله وما ادعاه الشيخ أعم من ذلك. وبذلك اعترض في المختلف على الشيخ ايضا ، حيث قال بعد نقل القول المتقدم عنه : والروايات الدالة على ربع الفداء انما وردت على كسر يده أو رجله ، والشيخ (رحمه‌الله تعالى) في كتابيه ساوى بين الجرح والكسر ، ولم نقف على حجته. انتهى. وهو جيد.

ومن الاخبار الواردة في المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي بصير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل رمى ظبيا وهو محرم ، فكسر يده أو رجله ، فذهب الظبي على وجهه فلم يدر ما صنع؟ فقال : عليه فداؤه. قلت : فإنه رءاه بعد ذلك مشى؟ قال : عليه ربع ثمنه».

وما رواه أيضا في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل رمى صيدا ، فكسر يده أو رجله وتركه ، فرعى الصيد. قال : عليه ربع الفداء».

وما رواه في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «في محرم رمى ظبيا ، فأصابه في يده فعرج منها؟ قال : ان كان الظبي

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٣ بتفاوت يسير ، والوسائل الباب ٢٧ و ٢٨ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٩ ، والوسائل الباب ٢٨ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٨٦ ، والوسائل الباب ٢٧ من كفارات الصيد.

٢٧٠

مشى عليها ورعى فعليه ربع قيمته ، وان كان ذهب على وجهه فلم يدر ما صنع فعليه الفداء ، لانه لا يدري لعله قد هلك».

وما رواه الشيخ عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن محرم رمى صيدا ، فأصاب يده وجرح. فقال : ان كان الظبي مشى عليها ورعى وهو ينظر اليه فلا شي‌ء عليه ، وان كان الظبي ذهب على وجهه وهو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه ، لأنه لا يدري لعله قد هلك». كذا في التهذيب ، وفي الاستبصار (٢) «فعرج» مكان «وجرح».

ولعل الشيخ قد استند في عد الجرح مثل الكسر في هذه المسألة الى هذه الرواية. إلا ان روايته لها في الاستبصار كما عرفت من ما يضعف الاعتماد عليها في ذلك.

وعن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) عن علي (عليه‌السلام) (٣) : «في المحرم يصيب الصيد فيدميه ، ثم يرسله؟ قال : عليه جزاؤه».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) : «فإن رميت ظبيا ، فكسرت يده أو رجله ، فذهب على وجهه لا تدري ما صنع ، فعليك فداؤه ، فان

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ من كفارات الصيد ، والوافي باب (المحرم يكسر الصيد أو يدميه).

(٢) اللفظ في التهذيب ج ٥ ص ٣٥٨ كما في الاستبصار ج ٢ ص ٢٠٥ «فأصاب يده فعرج» والفرق بينهما يظهر من الوافي باب (المحرم يكسر الصيد أو يدميه).

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٨٣ ، والوسائل الباب ٢٧ من كفارات الصيد.

(٤) ص ٢٩.

٢٧١

رأيته بعد ذلك يرعى ويمشي فعليك ربع قيمته ، وان كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بشي‌ء من الطعام».

الثالث ـ ما إذا ذهب الصيد ولم يعلم حاله ، فإنه يلزمه الفداء ، وعلى ذلك تدل الأخبار المتقدمة. مضافا الى اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور ، كما يفهم من المنتهى ، حيث أسنده إلى علمائنا ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

بقي الكلام في ان مورد الاخبار الكسر دون الجرح كما ذكره الشيخ ، ومن ثم اعترض في المدارك ـ بعد نقل الاستدلال بصحيحة علي بن جعفر على الحكم المذكور ـ بعدم العموم فيها على وجه يشمل الجرح.

أقول : يمكن الاستدلال عليه بما تقدم من رواية السكوني الدالة على انه «يصيب الصيد فيدميه ، ثم يرسله. قال : عليه جزاؤه» وهي وان كانت ضعيفة السند باصطلاحهم ، إلا ان هذا الاصطلاح غير معمول عليه عند الشيخ ونحوه ، فالاستدلال بها له في محله.

واما القول بوجوب الأرش في المسألة فاحتج عليه العلامة ومن وافقه بأنها جناية مضمونة ، فكان عليه أرشها.

وفيه (أولا) : انه موقوف على ثبوت كون الاجزاء مضمونة كالجملة ودليله غير واضح ، وان كان ظاهره في المنتهى دعوى الإجماع عليه.

و (ثانيا) : انه اجتهاد في مقابلة النصوص المتقدمة فلا يسمع نعم لا يبعد القول به في ما خرج عن مورد النصوص ان ثبت الإجماع المذكور.

واما القول بالتصدق بشي‌ء فلم نقف له على مستند ، بل الأخبار

٢٧٢

المتقدمة صريحة في دفعه.

الرابع ـ ما لو لم يعلم اثر فيه أم لا ، وقد صرح الشيخ وجمع من الأصحاب بأنه كسابقه. ولم نقف له على مستند. وروايات المسألة خالية منه. وظاهر المحقق في النافع التوقف فيه ، حيث نقله بلفظ «قيل».

قال في المدارك : ولو قيل بعدم لزوم الفدية هنا ـ كما في حال الشك في الإصابة ـ كان حسنا. انتهى.

وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد : واما دليل وجوب الفداء وجميع القيمة مع الجهل بالتأثير فغير واضح ، والأصل عدم التأثير ، وعدم الوجوب. بل لو لم يكن النص لكان القول بعدمه على تقدير العلم بالتأثير وجهل حاله جيدا ايضا لذلك ، بل كان اللازم هو الأرش ، وهو ما تقتضيه الجناية المتحققة ، إلا مع العلم أو الظن الغالب بكون الجراحة مهلكة ، كما قاله بعض العامة (١). انتهى. وهو جيد.

الثالثة ـ قال الشيخ (رحمه‌الله تعالى) : في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كل واحد ربع القيمة ، وفي عينيه كمال القيمة ، وفي كسر احدى يديه نصف قيمته ، وكذا في كسر احدى رجليه ، ولو كسر يديه معا وجب عليه كمال قيمته ، وكذا لو كسر رجليه معا ، ولو قتله كان عليه فداء واحد. وتبعه على ذلك جملة من الأصحاب ، ونسبه في الشرائع إلى الرواية ، ثم طعن فيها بان فيها ضعفا.

والرواية المذكورة التي استند إليها الشيخ في الحكم المذكور ما رواه

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٤٥٩ و ٤٦٠ طبع مطبعة العاصمة.

٢٧٣

(قدس‌سره) عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت : ما تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحل؟ قال : عليه ربع قيمة الغزال. قلت : فان كسر قرنية؟ قال : عليه نصف قيمته ، يتصدق به. قلت : فان هو فقأ عينيه؟ قال : عليه قيمته. قلت : فان هو كسر احدى يديه؟ قال : عليه نصف قيمته. قلت : فان هو كسر احدى رجليه؟ قال : عليه نصف قيمته. قلت : فان هو قتله؟ قال : عليه قيمته. قال : قلت : فان هو فعل به وهو محرم في الحرم؟ قال : عليه دم يهريقه ، وعليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم».

وردها جملة من المتأخرين بضعف السند ، وان في طريقها عدة من الضعفاء : منهم : أبو جميلة المفضل بن صالح ، وقيل : انه كان كذابا يضع الحديث. واستظهروا وجوب الأرش. والظاهر انه قول الأكثر ، كما ذكره في المدارك ، بناء على ما ظاهرهم الاتفاق عليه من كون الاجزاء مضمونة كالجملة.

وفي المسألة قول ثالث ، وهو التصدق بشي‌ء. وهو منقول عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ المفيد وسلار ، وعليه تدل عبارة كتاب الفقه الرضوي (٢) وهي المستند للشيخ علي بن بابويه (قدس‌سره) على ما عرفت مرارا.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٨٧ ، والوسائل الباب ٢٨ من كفارات الصيد والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الوحش).

(٢) ص ٢٩.

٢٧٤

وقد روى الشيخ عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن محرم كسر قرن ظبي. قال : يجب عليه الفداء. قال : قلت : فان كسر يده؟ قال : ان كسر يده ولم يرع فعليه دم شاة».

وظاهر هذه الرواية وجوب الفداء في كسر قرن الظبي. وهو مناف لما دلت عليه الرواية الاولى من وجوب ربع القيمة. واحتمال حمل الفداء في الرواية المذكورة على ربع القيمة بعيد. وظاهرها ايضا وجوب شاة في ما إذا كسر يده ولم يرع ، والرواية المتقدمة قد دلت على ان عليه نصف قيمته. وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه في ما إذا كسر قرنه انه يتصدق بشي‌ء ، وهذه الرواية تضمنت ان في كسر القرن ربع القيمة. والمسألة عندي محل اشكال.

وقد روى ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا كنت حلالا فقتلت الصيد في الحل ما بين البريد الى الحرم ، فان عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة».

وروى الشيخ ايضا عن عبد الغفار الجازي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة. الى ان

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٨ ، والوسائل الباب ٢٧ و ٢٨ من كفارات الصيد ، والوافي باب (المحرم يكسر الصيد أو يدميه).

(٢) الفروع ج ٤ ص ٢٣٢ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦١. والوسائل الباب ٣٢ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٧ ، والوسائل الباب ٤٣ و ٣٢ من كفارات الصيد.

٢٧٥

قال : وذكر : انك إذا كنت حلالا وقتلت الصيد ما بين البريد والحرم فان عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة». وهو مؤيد لما ذكرنا من الإشكال.

الرابعة ـ إذا اشترك جماعة في قتل صيد وجب على كل منهم فداء كامل ، قال في المدارك : هذا قول علمائنا وأكثر العامة (١).

أقول : اما انه قول علمائنا فهو الظاهر ، لعدم الوقوف على مخالف في الحكم ، واما كونه قول أكثر العامة فظاهر المنتهى والتذكرة ان للعامة في ذلك قولين مشهورين : أحدهما ـ ما ذكره ، والآخر ان عليهم جزاء واحدا يشتركون فيه (٢).

ويدل على الحكم المذكور مضافا الى ما عرفت من الاتفاق روايات : منها ـ ما رواه الكليني والشيخ (عطر الله ـ تعالى ـ مرقديهما) في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان ، الجزاء بينهما أم على كل واحد منهما جزاء؟ فقال : لا بل عليهما ان يجزي كل واحد منهما الصيد. قلت : ان بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه. فقال : إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا».

أقول : هذا الحديث من جملة الأخبار التي أشرنا إليها في غير موضع ، الدالة على ان الواجب مع تعذر معرفة الحكم الشرعي في

__________________

(١ و ٢) المغني ج ٣ ص ٤٦٨ طبع مطبعة العاصمة.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٩١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٤٦٦ و ٤٦٧ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد ، والباب ١٢ من صفات القاضي وما يقتضي به.

٢٧٦

المسألة الوقوف على ساحل الاحتياط حتى يحصل العلم به.

ومنها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله ـ تعالى ـ مراقدهم) عن ابي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قوم محرمين اشتروا صيدا فاشتركوا فيه ، فقالت رفيقة لهم : اجعلوا لي فيه بدرهم. فجعلوا لها. فقال : على كل انسان منهم فداء» وفي الفقيه والتهذيب «شاة» مكان «فداء».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن زرارة وبكير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) «في محرمين أصابا صيدا؟ فقال : على كل واحد منهما الفداء».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ضريس بن أعين (٣) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجلين محرمين رميا صيدا فأصابه أحدهما. قال : على كل واحد منهما الفداء».

وكما يجب الفداء على كل من المجتمعين على الصيد كذا يجب على كل من المجتمعين في الأكل ، كما دلت عليه الاخبار ، ومنها ـ ما تقدم من صحيحة علي بن جعفر (٤) وموردها الاشتراك في الأكل ، وصحيحة معاوية بن عمار وموردها الاجتماع على الأكل أو الصيد ، وموثقته وهي كذلك (٥). وجملة

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٢ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥١ ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٩٢ عن زرارة ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ عن زرارة وبكير ، والوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٢ ، والوسائل الباب ٢٠ من كفارات الصيد.

(٤) ص ٢٦١.

(٥) ص ٢٦٧ و ٢٦٨.

٢٧٧

من هذه الاخبار قد تضمنت الفدية وجملة قد تضمنت القيمة. ويحتمل حمل الفداء على القيمة ، ويحتمل العكس. ويرجحه تضمن صحيحة عبد الرحمن الجزاء ، وتضمن رواية أبي بصير ـ بطريقي الفقيه والتهذيب ، وكذا رواية الطاطري المتقدمة ـ الشاة. ويحتمل حمل روايات القيمة على الرخصة وان كان الواجب الجزاء بالشاة.

هذا. وقد روى الشيخ عن إسماعيل بن ابي زياد عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «كان علي (عليه‌السلام) يقول في محرم ومحل قتلا صيدا ، فقال : على المحرم الفداء كاملا ، وعلى المحل نصف الفداء».

قال الشيخ : وهذا انما يجب على المحل إذا كان صيده في الحرم ، فاما إذا كان صيده في الحل فليس عليه شي‌ء. انتهى. وهو جيد.

وظاهر الشهيد الثاني في المسالك بل صريحه : انه لا فرق في وجوب الفداء ـ على كل من الجماعة المجتمعين على قتل الصيد ـ بين كونهم محرمين أو محلين في الحرم أو متفرقين ، فيلزم كلا منهم حكمه.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بعد إيراد جملة من روايات المسألة بأن هذه الروايات إنما تدل على ضمان كل من المشتركين في قتل الصيد الفداء الكامل إذا كانوا محرمين. فما ذكره غير واضح.

أقول : لا ريب ان أكثر الروايات وأصحها انما موردها المحرم ، إلا ان رواية إسماعيل بن ابي زياد المذكورة هنا ـ وصحيحة الحلبي ، ورواية عبد الغفار الجازي ، المتقدمات في سابق هذه المسألة ـ قد تضمنت

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٢ ، والوسائل الباب ٢١ من كفارات الصيد.

٢٧٨

حكم المحل في الحرم ، وان عليه الفداء ، فلا يرد ما أورده على جده (قدس‌سرهما).

قال العلامة في المنتهى : لو اشترك الحلال والحرام في قتل صيد حرمي ، وجب على المحل القيمة كملا ، وعلى المحرم الجزاء والقيمة معا ، وخالف فيه بعض الجمهور فأوجب جزاء واحدا عليهما معا (١) وقال الشيخ في التهذيب : على المحرم الفداء كملا ، وعلى المحل نصف الفداء ، لما رواه إسماعيل بن ابي زياد. ثم نقل الرواية المتقدمة.

الخامسة ـ لو ضرب بطير على الأرض فقتله ، فقد صرح الشيخ ومن تبعه من الأصحاب بان عليه دما وقيمتين : إحداهما لاستصغاره والثانية للحرم. وفي المنتهى زيادة على ذلك : وكان عليه التعزير. وقيده في الدروس بأرض الحرم. والظاهر ان هذا مراد الجماعة ، للرواية التي هي مستند هذا الحكم :

وهي : ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في محرم اصطاد طيرا في الحرم ، فضرب به الأرض فقتله ، قال : عليه ثلاث قيمات : قيمة لإحرامه ، وقيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إياه».

قال في المدارك : وهي ضعيفة السند بجهالة حال زكريا ومحمد بن ابي بكر ، فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل.

أقول : قد عرفت في غير موضع من ما تقدم ان هذا الإيراد

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٤٦٩ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٠ ، والوسائل الباب ٤٥ من كفارات الصيد.

٢٧٩

لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله. نعم مقتضى الرواية ان الواجب ثلاث قيم ، والشيخ ذكر ان الواجب دم وقيمتان. وبمضمون الرواية افتى المحقق في النافع ، ونسب ما ذكره في الشرائع من الدم والقيمتين الى الشيخ. قيل : وكأن الحامل للشيخ على ذلك ورود الأخبار الكثيرة بوجوب الدم في الطير ، فتكون القيمة الواحدة كناية عنه. ولا بأس به.

وفي الدروس : ان ضمير «إياه» في خبر معاوية يمكن عوده الى الحرم والى الطير ، قال : وتظهر الفائدة في ما لو ضربه في الحل ، إلا ان يراد الاستصغار بالصيد المختص بالحرم.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ولا ريب في تعين ارادة ما ذكره ، لان الضمير على الثاني لا يعود الى الطير مطلقا وإنما يعود الى الطير المحدث عنه وهو الحرمي ، فاختصاص الحكم به ثابت على التقديرين. انتهى. وهو كذلك.

واستدل في المنتهى ايضا بما رواه الشيخ والكليني في القوى عن حمران بن أعين عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له : محرم قتل طيرا في ما بين الصفا والمروة عمدا؟ قال : عليه الفداء والجزاء ويعزر. قال : قلت : فإنه قتله في الكعبة عمدا؟ قال : عليه الفداء والجزاء ، ويضرب دون الحد ، ويقام للناس كي ينكل غيره». وهي تصلح للتأييد في الجملة لا الدلالة ، لعدم انطباقها على المدعى.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧١ ، والفروع ج ٤ ص ٣٩٦ ، والوسائل الباب ٤٤ من كفارات الصيد.

٢٨٠