الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

(عليه‌السلام) (١) قال : «سألته أليلا أحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أم نهارا؟ فقال : نهارا. فقلت : أي ساعة؟ قال : صلاة الظهر. فسألته متى ترى ان نحرم؟ فقال : سواء عليكم ، إنما أحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلاة الظهر ، لان الماء كان قليلا كان يكون في رؤوس الجبال ، فيهجر الرجل الى مثل ذلك من الغد ، ولا يكاد يقدرون على الماء ، وإنما أحدثت هذه المياه حديثا».

أقول : والظاهر ان هذه الاخبار الثلاثة هي مستند الأصحاب في ما ذكروه من استحباب الإحرام عقيب فريضة الظهر. وظاهر الخبر الأخير ان السبب في إحرامه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ذلك الوقت إنما هو قلة الماء وإنما يؤتى به بعد الهجرة إليه في اليوم السابق في ذلك الوقت ، ولهذا لما سأله الراوي : «متى ترى ان نحرم؟ قال : سواء عليكم» يعني : أي وقت أردتم. ثم ذكر له العلة في إحرامه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد صلاة الظهر. نعم (٢) صحيحة الحلبي تضمنت ان أفضل ذلك عند زوال الشمس ولعل وجه الجمع بينهما انه لما اتفق إحرامه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ذلك الوقت للعلة المذكورة صار الفضل في ذلك الوقت. إلا ان قوله (عليه‌السلام) : «سواء عليكم» من ما ينافر ذلك ، وان كان الجواز لا ينافي الاستحباب.

وما رواه الشيخ عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «تصلي للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها». وهذه الرواية هي

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من الإحرام.

(٢) أوردنا العبارة هنا كما جاءت في المخطوطة.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من الإحرام.

٢١

مستندهم في الاستحباب بعد الست ركعات.

وما رواه ابن بابويه في الموثق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة؟ قال : لا ، ينتظر حتى تكون الساعة التي يصلى فيها وإنما قال ذلك مخافة الشهرة». هكذا صورة الخبر في الفقيه (٢).

وظاهر المحدث الكاشاني ان قوله : «وإنما. الى آخره» هو من كلام صاحب الفقيه حيث لم يذكره في متن الخبر وإنما ذكره في البيان نقلا عنه. وظاهر غيره ممن نقل الخبر انه من متن الخبر ، وكأنه بناء على ذلك من كلام بعض الرواة.

وما رواه الشيخ في التهذيب عن إدريس بن عبد الله (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال : يقيم الى المغرب. قلت : فان ابي جماله ان يقيم عليه؟ قال : ليس له أن يخالف السنة. قلت : إله أن يتطوع بعد العصر؟ قال : لا بأس به ، ولكني أكرهه للشهرة ، وتأخير ذلك أحب الي. قلت : كم أصلي إذا تطوعت؟ قال : اربع ركعات».

وفي هذا الخبر ما يكشف عن الخبر المتقدم من الأمر بانتظار الساعة التي يصلى فيها لئلا يصلي نافلة في الأوقات المكروهة فيها الصلاة عند العامة (٤) فيعرف بالتشيع ويؤخذ به. والظاهر ان المراد بقوله : «ليس

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٩ من الإحرام.

(٢) ج ٢ ص ٢٠٨.

(٤) راجع طرح التثريب في شرح التقريب لعبد الرحيم العراقي الشافعي ج ٢ ص ١٨٢ الى ص ١٨٤.

٢٢

له ان يخالف السنة» أي يحرم من غير صلاة.

فوائد

الاولى ـ ينبغي ان يعلم انه على تقدير القول بكراهة الصلاة في الأوقات المشهورة فإن صلاة الإحرام مستثناة من ذلك ، كما استفاضت به الاخبار :

ومنها ـ قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (١) : «خمس صلوات لا تترك على حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم. الحديث».

وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير (٢) : «خمس صلوات تصليها في كل وقت : منها : صلاة الإحرام». الى غير ذلك من الاخبار.

الثانية ـ المفهوم من الاخبار التي ذكرناها في المقام ـ وهي التي وقفنا عليها من اخبار المسألة ـ ان السنة في الإحرام ان يحرم عقيب فريضة ان اتفق وإلا عقيب نافلة ، وأفضلها ست ركعات وأقلها اثنتان. والمفهوم من كلام الأصحاب هو الجمع بين النافلة والفريضة ، مقدما للنافلة على الفريضة كما في بعض ، أو مؤخرا لها كما في آخر.

قال الشيخ في المبسوط : وأفضل الأوقات التي يحرم فيها عند الزوال ويكون ذلك بعد فريضة الظهر ، فان اتفق ان يكون في غير هذا الوقت جاز ، والأفضل ان يكون عقيب فريضة ، فان لم يكن وقت فريضة صلى ست ركعات من النوافل وأحرم في دبرها ، فان لم يتمكن من ذلك أجزأه ركعتان.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٩ من مواقيت الصلاة ، والباب ١٩ من الإحرام.

٢٣

وظاهر هذه العبارة عدم الجمع ، وهو المفهوم من الاخبار.

ثم قال بعد ذلك بأسطر : ويجوز ان يصلى صلاة الإحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة قد تضيق ، فان تضيق الوقت بدأ بالفرض ثم بصلاة الإحرام ، وان كان أول الوقت بدأ بصلاة الإحرام ثم بصلاة الفرض.

ولا يخفى ما بين الكلامين من المدافعة والمنافاة ، مع عدم وجود دليل على هذا الكلام الأخير ـ كما عرفت ـ من اخبار المسألة. ونحو ذلك عبارته في النهاية في الموضعين الظاهرين في التنافي رأي العين.

والظاهر ان المراد بقوله في الكلام الأول : «والأفضل ان يكون عقيب فريضة» يعني : مع تقديم نافلة الإحرام على الفريضة والجمع بينهما ، بمعنى ان الأفضل تقديم النافلة وعقد الإحرام عقيب الفريضة دون العكس ويكون مقيدا باتساع الوقت ، كما يشعر به الكلام الأخير. وبه يندفع التنافي عن كلاميه.

وقريب من عبارتي المبسوط والنهاية عبارة المحقق في الشرائع.

ويكشف عن ما ذكرناه عبارة ابن إدريس في السرائر حيث قال : وأفضل الأوقات التي يحرم الإنسان فيها بعد الزوال ، ويكون ذلك بعد فريضة الظهر ، فعلى هذا تكون ركعتا الإحرام المندوبة قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإحرام عقيب صلاة الظهر. ثم ساق الكلام على نحو ما ذكره الشيخ في الموضعين المتقدمين. ونحو ذلك من ما يدل على الجمع كلام الشيخ المفيد في المقنعة ، والعلامة في المنتهى والقواعد والتذكرة والشهيد في الدروس. وكل ذلك مع تقديم النافلة على الفريضة. ونقل في المختلف عن ابن ابي عقيل ما يشعر بتقديم الفريضة على النافلة ، وبه

٢٤

صرح ابن حمزة في الوسيلة ، حيث قال : وإذا كان بعد فريضة صلى ركعتين له وأحرم بعدهما ، وان صلى ستا كان أفضل.

قال في المسالك ـ بعد قول المصنف : ويحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها ، وان لم يتفق صلى قبل الإحرام ست ركعات ، وأقله ركعتان ـ ما لفظه : ظاهر العبارة يقتضي انه مع صلاة الفريضة لا يحتاج إلى سنة الإحرام وإنما يكون عند عدم الظهر أو فريضة. وليس كذلك. وإنما السنة ان يصلى سنة الإحرام أولا ثم يصلى الظهر أو غيرها من الفرائض ثم يحرم ، فان لم يتفق ثم فريضة اقتصر على سنة الإحرام الست أو الركعتين. ولا فرق في الفريضة بين اليومية وغيرها ، ولا بين المؤداة والمقضية. وقد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا.

أقول : وهذه العبارة نظير صدر عبارتي المبسوط والنهاية كما قدمنا ذكره. وأشار بقوله : «وقد اتفق أكثر العبارات. الى آخره» الى نحو هذه العبارة التي اقتصر فيها على الإحرام بعد الفريضة من غير الإتيان بسنة الإحرام.

ثم قال (قدس‌سره) ـ بعد قول المصنف : ويوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو كان وقت فريضة ـ ما صورته : أي تابعة للإحرام ، فلا يكره ولا يحرم فعلها في وقت الفريضة قبل ان يصلى الفريضة ، كما لا يحرم أو يكره فعل النوافل التابعة للفرائض كذلك. وقد خرجت هذه بالنص كما خرجت تلك ، فإن إيقاع الإحرام في وقت الفريضة بعدها وبعد النافلة يقتضي ذلك غالبا. انتهى.

أقول : وعبارة المصنف هنا نظير عجز عبارتي المبسوط والنهاية

٢٥

كما قدمنا ـ في الدلالة على ان الإحرام وقت الفريضة بعد سنة الإحرام والفريضة جميعا. ولا ريب ان هذا مناف لما قدمه في صدر عبارته التي اعترض عليها الشارح. والعجب انه (قدس‌سره) لم يتنبه لذلك. والظاهر ان وجه الجمع بين الكلامين هو ما قدمناه ، كما هو صريح عبارة السرائر.

ثم العجب من اتفاق كلمتهم (نور الله تعالى مراقدهم) على اعتبار الجمع في وقت الفريضة بين سنة الإحرام والفريضة مع عدم وجوده في النصوص المتقدمة. وأعجب من ذلك دعوى شيخنا المشار إليه في كلامه الثاني وجود النص في قوله : «وقد خرجت هذه بالنص» والنصوص المتقدمة ـ كما دريت ـ ظاهرة الدلالة في الإحرام عقيب الفريضة أو النافلة كل على حده.

نعم في كتاب الفقه الرضوي ما يدل على ما ذكروه ، ولعله المستند عند المتقدمين فجرى عليه المتأخرون.

قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (١) : فان كان وقت صلاة فريضة فصل هذه الركعات قبل الفريضة ثم صل الفريضة ـ وروى ان أفضل ما يحرم الإنسان في دبر الصلاة الفريضة ـ ثم أحرم في دبرها ليكون أفضل. انتهى.

وقد ذكرنا في غير موضع من ما تقدم ان كثيرا ما يذكر المتقدمون بعض الأحكام التي لم يرد لها مستند في كتب الأخبار المشهورة ويوجد مستندها في هذا الكتاب ، فلعل هذا من ذاك. والصدوق في الفقيه (٢) قد افتى بمضمون هذه الرواية.

__________________

(١) ص ٢٦ و ٢٧.

(٢) ج ٢ ص ٣١٣.

٢٦

وبما حققناه في المقام يظهر ان ما ذكره في المدارك ـ من نسبة القول المذكور الى جده (قدس الله سرهما وروحيهما) خاصة وبحثه معه ـ ليس في محله ، بل هو قول كافة الأصحاب كما تلوناه عليك.

الثالثة ـ قد اختلفت كلمة الأصحاب في ما يقرأ في سنة الإحرام ، فقيل انه يقرأ في الأولى بعد الحمد «قل يا ايها الكافرون» وفي الثانية بعد الحمد «قل هو الله أحد» صرح به الشيخ في النهاية ، وابن إدريس في السرائر ، والعلامة في التذكرة والمنتهى ، وفي المبسوط عكس ذلك ، وفي الشرائع بعد ذكر القول الأول قال : وفيه رواية أخرى.

وأنت خبير بانا لم نقف في الاخبار على ما يتعلق بهذه المسألة إلا على ما رواه الكليني في الحسن عن معاذ بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تدع أن تقرأ ب «قل هو الله أحد» و «قل يا ايها الكافرون» في سبع مواطن : في الركعتين قبل الفجر ، وركعتي الزوال ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين من أول صلاة الليل ، وركعتي الإحرام ، والفجر إذا أصبحت بها ، وركعتي الطواف». قال الشيخ في التهذيب (٢) بعد ان أورد هذه الرواية : وفي رواية اخرى : انه يبدأ في هذا كله ب «قل هو الله أحد» وفي الثانية ب «قل يا ايها الكافرون» إلا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ : «قل يا ايها الكافرون» ثم يقرأ في الركعة الثانية ب «قل هو الله أحد».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من القراءة في الصلاة.

(٢) ج ١ ص ١٥٥ ، وكذا في فروع الكافي ج ١ ص ٨٧ ، وفي الوسائل عنهما في الباب ١٥ من القراءة في الصلاة.

٢٧

المقصد الثاني في كيفيته

وهي تشتمل على واجب ومندوب ، فالكلام هنا يقع في مقامين :

الأول في الواجب ، وهو ـ كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ ثلاثة :

الأول ـ النية بأن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة : ما يحرم به من حج أو عمرة متقربا ، ونوعه من تمتع أو قران أو افراد ، وصفته من وجوب أو ندب ، وما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها. كذا ذكروه (عطر الله مراقدهم).

والعلامة في المنتهى ـ بعد ان اعتبر في نية الإحرام القصد الى هذه الأمور الأربعة ـ قال : ولو نوى الإحرام مطلقا ولم ينو حجا ولا عمرة انعقد إحرامه ، وكان له صرفه إلى أيهما شاء. ولا يخفى ما بين الكلامين من المدافعة.

ثم استدل على صحة نية الإحرام مطلقا بأنه عبادة منوية. وبحديث أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (١) وقوله : «إهلالا كإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله». وتقريره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ذلك وقوله : «كن على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي».

أقول : والأمر في النية عندنا هين ، وقد تقدم الكلام فيها في كتاب الطهارة مستوفى ، وفي أثناء مباحث الكتاب. واما حديث إهلال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فسيأتي الكلام فيه في المقام ان شاء الله تعالى.

والأظهر عندي في هذا المقام هو الوقوف على ما رسمته النصوص الواردة عنهم (عليهم‌السلام) :

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

٢٨

ومن أوضحها وأكملها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة ، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم ، وان كانت نافلة صليت ركعتين وأحرمت في دبرها ، فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد الله وأثن عليه ، وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقل : اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع أمرك ، فإني عبدك وفي قبضتك ، لا أوقى إلا ما وقيت ، ولا آخذ إلا ما أعطيت ، وقد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتقويني على ما ضعفت عنه ، وتسلم مني مناسكي في يسر منك وعافية ، واجعلني من وفدك الذين رضيت وارتضيت وسميت وكتبت ، اللهم انى خرجت من شقة بعيدة ، وأنفقت مالي ابتغاء مرضاتك ، اللهم فتمم لي حجتي وعمرتي ، اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فان عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، اللهم ان لم تكن حجة فعمرة ، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والثياب والطيب ، ابتغي بذلك وجهك والدار الآخرة. قال : ويجزئك ان تقول هذا مرة واحدة حين تحرم. ثم قم فامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب».

وروى الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٣١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٧٧ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٠٦ ، والوسائل الباب ١٦ من الإحرام.

٢٩

السلام) (١) قال : «قلت له : اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج فكيف أقول؟ قال : تقول : اللهم اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله). وان شئت أضمرت الذي تريد». وبمضمونها رواية أبي الصباح مولى بسام الصيرفي (٢).

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم اني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسر ذلك لي وتقبله مني واعني عليه ، وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب. وان شئت فلب حين تنهض ، وان شئت فأخره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة فافعل».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) قال بعد ذكر العبارة المتقدمة نقلها عنه : فإذا فرغت فارفع يديك ومجد الله كثيرا ، وصل على محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كثيرا ، وقل : اللهم اني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فان عرض لي عرض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، اللهم ان لم تكن حجة فعمرة. ثم تلبي سرا بالتلبية الأربعة وهي المفترضات ، تقول لبيك. الى آخره.

أقول : وغاية ما يستفاد من هذه الاخبار هو ان المكلف ينبغي ان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من الإحرام. والراوي في التهذيب ج ٥ ص ٧٨ وغيره كما أوردناه هنا. نعم في الوسائل ورد بلفظ «ابي الصلاح».

(٣) الوسائل الباب ١٦ من الإحرام.

(٤) ص ٢٧.

٣٠

يقول هذا القول وقت الإحرام والدعاء والاشتراط على ربه في حله حيث حبسه. ومن الظاهر البين ان النية حقيقة أمر وراء ذلك ، وهي القصد الى الفعل بعد تصور الداعي الباعث له على حركته من وطنه وتوجهه الى هذا الوجه وخروجه ، وان عبر عن ذلك بالنية مجازا فلا مشاحة في ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان في المقام فوائد الأولى : قال الشيخ في المبسوط ـ على ما نقله في المختلف ـ : لو أحرم مبهما ولم ينو لا حجا ولا عمرة كان مخيرا بين الحج والعمرة أيهما شاء فعل إذا كان في أشهر الحج ، وان كان في غيرها لم ينعقد إحرامه إلا بالعمرة. وبذلك صرح العلامة في المنتهى مستندا الى حديث علي (عليه‌السلام) (١) وإحرامه لما رجع من اليمن ، وقال : «إهلالا كإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله». مع انه رده في المختلف ـ بعد نقله عن الشيخ ـ بان الواجب عليه أحد النسكين ، وإنما يتميز أحدهما عن الآخر بالنية. وهو جيد. ويؤيده ما قدمناه في بحث النية من كتاب الطهارة ، من ان مدار الأفعال ـ وجودا وعدما ، واتحادا وتعددا ، وصحة وبطلانا وجزأيها ثوابا وعقابا ـ على القصود والنيات ، كما دلت عليه الاخبار المذكورة في ذلك المقام.

ثم انه في المختلف أجاب عن حديث علي (عليه‌السلام) بالمنع من انه لم يعلم إهلال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). ولا يخلو من بعد. وسيأتي تحقيق القول فيه ان شاء الله تعالى.

الثانية ـ قال المحقق في الشرائع : لو أحرم بالحج والعمرة وكان

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

٣١

في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدها ، وان كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة. ولو قيل بالبطلان في الأول ولزوم تجديد النية كان أشبه.

قال في المسالك بعد نقل العبارة المذكورة : أراد بالأول الإحرام بهما في أشهر الحج. والقائل بالصحة فيه ابن ابي عقيل وجماعة ، وله شواهد من الاخبار. والأصح البطلان.

أقول : لا ريب ان ابن ابي عقيل وان قال بالإحرام بالحج والعمرة في نية واحدة بشرط سياق الهدي كما تقدم ذكره ، لكنه لا يقول بالتخيير بين الحج والعمرة ، بل هو قائل بوجوب الإتيان بهما : العمرة أولا ثم الحج ، وانه لا يحل من العمرة بعد الإتيان بأفعالها كما في المتمتع الغير القارن ، وإنما يحل بعد الإتيان بأفعال الحج كملا ، كما تقدم تحقيق الكلام في ذلك في البحث الثاني من المطلب الثاني من المقدمة الرابعة (١).

وفي المدارك نقل القول بالتخيير في هذه الصورة عن الشيخ في الخلاف والظاهر انه الأظهر ، لأنه موافق لما قدمنا نقله عن المبسوط ، وان كان قد فرض المسألة ثمة في ما لو لم ينو حجا ولا عمرة ، وهنا في ما لو نواهما معا. ثم رده في المدارك بأنه ضعيف جدا ، قال : لأن المنوي ـ أعني : وقوع الإحرام الواحد للحج والعمرة معا ـ لم يثبت جوازه شرعا ، فيكون التعبد به باطلا ، وغيره لم تتعلق به النية. مع ان العلامة في المنتهى نقل عن الشيخ في الخلاف انه قال : لا يجوز القران بين حج وعمرة بإحرام واحد. وادعى على ذلك الإجماع. انتهى. وهو جيد.

أقول : ومع تسليم صحة وقوع الإحرام للحج والعمرة ـ بناء على

__________________

(١) ج ١٤ ص ٣٧٢.

٣٢

مذهب ابن ابي عقيل ومن قال بقوله ـ فالقول بالتخيير يحتاج الى دليل فان مقتضى قول أولئك إنما هو وجوب الإتيان بهما معا ، وانه لا يحل من إحرامه حتى يأتي بالعمرة ثم الحج ، فالقول بالتخيير في الصورة المذكورة لا وجه له.

ثم ظاهر عبارة المحقق المذكورة : انه لو أحرم بهما في غير أشهر الحج تعين للعمرة ، حيث لم يتعرض لرده. وهو ظاهر الشيخ في المبسوط والعلامة في المنتهى في المسألة الاولى. وهو ايضا غير جيد ، كما ذكره في المدارك وقبله جده (قدس الله روحيهما) في المسالك ، لان العبادات توقيفية ، ولم يثبت عن الشارع مثل ذلك. ومجرد كون الزمان لا يقبل غير العمرة المفردة ـ كما احتجوا به ـ لا يصلح دليلا شرعيا.

الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو قال : «كإحرام فلان» وكان عالما بما أحرم صح ، لحصول النية المعتبرة. واما لو كان جاهلا ، فان حصل العلم قبل الطواف قيل : الأصح صحته ، فإن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لما قدم من اليمن أحرم كذلك ولم يكن عالما بما أحرم به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وانكشف الحال له قبل الطواف. وان استمر الاشتباه لموت أو غيبة قال الشيخ : يتمتع احتياطا للحج والعمرة ، لأنه ان كان متمتعا فقد وافق وان كان غيره فالعدول عنه جائز. ورد بان العدول انما يسوغ في حج الإفراد خاصة إذا لم يكن متعينا عليه. ونقل في المسالك قولا بالبطلان في الصورة المذكورة ، قال : وهو أحوط. قال في التذكرة : ولو بان ان فلانا لم يحرم انعقد مطلقا وكان له صرفه الى اي نسك شاء. وكذا لو لم يعلم هل أحرم فلان أم لا؟ لأصالة عدم إحرامه. قال في المدارك : وهو حسن.

٣٣

أقول : وعندي في أصل المسألة إشكال ، فإن المستند في ذلك انما هو قول أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لما قدم من اليمن : «إهلالا كإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١). والذي يظهر لي من الخبر المذكور اختصاص ذلك به (عليه‌السلام) حيث ان الصدوق في الفقيه (٢) ذكر حكاية حج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ـ وان لم يسنده ـ بهذه الصورة : قال : «ونزلت المتعة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عند المروة بعد فراغه من السعي ، فقال : ايها الناس هذا جبرئيل (عليه‌السلام) ـ وأشار بيده الى خلفه. وساق الكلام الى ان قال : وكان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ساق معه مائة بدنة ، فجعل لعلي (عليه‌السلام) منها أربعا وثلاثين ولنفسه ستا وستين ، ونحوها كلها بيده. الى ان قال : وكان علي (عليه‌السلام) يفتخر على الصحابة ويقول : من فيكم مثلي وانا شريك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في هديه ، من فيكم مثلي وانا الذي ذبح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هديي بيده». ولا ريب ان الصدوق وان لم يسنده هنا إلا انه لم يذكره إلا بعد ورود الخبر به عنده. وهو ظاهر في ما ذكرناه ، فان افتخار علي (عليه‌السلام) على الصحابة ـ بكونه شريك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في هديه ـ أظهر ظاهر في ما ذكرناه ، ولو كان هذا الحكم عاما في جميع الناس ـ كما يدعونه ـ لم يكن لافتخاره (عليه‌السلام) بذلك وجه. ونحن قد قدمنا الخبر برواية الشيخ والكليني في صدر المقدمة الرابعة (٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٢) ج ٢ ص ١٥٣ ، والوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٣) ج ١٤ ص ٣١٥.

٣٤

على غير هذا النحو ، إلا انه لا يخلو من الاشكال كما نبهنا عليه ثمة. وحينئذ فإن وقفوا على مضمون الخبر ـ من انه متى أهل كإهلال فلان ، فبان ان فلانا ساق الهدي ، فإنه يكون شريكا في هديه ، كما تضمنه حديث علي (عليه‌السلام) ـ ففيه ان افتخاره (عليه‌السلام) بذلك ينافي القول بالعموم كما ادعوه ، وان خرجوا عنه في ذلك لم يتم لهم الاستدلال به.

وبذلك يظهر لك ما في الفروع التي فرعوها في المسألة من الاختلال. بل مع صحة الاستدلال بالخبر ـ كما ادعوه ـ لا تخلو ايضا من الاشكال ولا سيما ما استحسنه في المدارك من كلام التذكرة ، فإني لا اعرف له وجه حسن مع بناء العبادات على التوقيف. وما رد به كلام الخلاف في سابق هذه المسألة ـ كما قدمنا نقله عنه ـ جار هنا أيضا.

الرابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو نوى الإحرام بنسك ولبى بغيره انعقد ما نواه دون ما تلفظ به ، لان المدار على النية ، واللفظ لا اعتبار به. وهو كذلك.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر (١) قال : «قلت لأبي الحسن علي بن موسى (عليه‌السلام): كيف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال : لب بالحج وانو المتعة ، فإذا دخلت مكة ، طفت بالبيت ، وصليت الركعتين خلف المقام ، وسعيت بين الصفا والمروة ، وقصرت ، فنسختها وجعلتها متعة».

وقد تقدمت صحيحة زرارة المنقولة عن كتاب الكشي في التنبيه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من الإحرام.

٣٥

الخامس من البحث الرابع من المطلب الثاني في حج الافراد والقران (١) دالة على ما دلت عليه الصحيحة المذكورة.

واما ما ذكره في المدارك في معنى صحيحة أحمد بن محمد بن ابي نصر ـ حيث نقلها الى قوله : «وانو المتعة». كما هو أحد روايتي الشيخ لها ، فإنه رواها تارة كما ذكره في المدارك (٢) واخرى كما نقلناه (٣) ـ من ان المراد انه يهل بحج التمتع وينوي الإتيان بعمرة التمتع قبله ـ فهو ناشى‌ء عن الغفلة عن ملاحظة الرواية الأخرى ، فإنها صريحة في فسخ ما اتى به أولا من حج الافراد والعدول عنه ، وانه ينوي بما اتى به عمرة التمتع.

ونحوها صحيحة زرارة المشار إليها (٤) حيث قال فيها : «وعليك بالحج ان تهل بالإفراد وتنوي الفسخ ، إذا قدمت مكة وطفت وسعيت فسخت ما أهللت به وقلبت الحج عمرة ، وأحللت إلى يوم التروية. الحديث».

والاخبار في هذا المقام مختلفة ، فبعضها يدل على ما دل عليه هذان الخبران من التلبية بحج الافراد وإضمار التمتع ، وبعضها يدل على التلبية بالعمرة المتمتع بها الى الحج. والوجه في تلك الأخبار التقية.

__________________

(١) ج ١٤ ص ٤٠١.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٨٠ ، والوسائل الباب ٢٢ من الإحرام. واللفظ في التهذيب هكذا : «ينوي المتعة ويحرم بالحج» وفي الوسائل كما في الاستبصار ج ٢ ص ١٦٨ : «ينوي العمرة ويحرم بالحج». والذي أورده في المدارك هو اللفظ الوارد في الرواية المتقدمة سؤالا وجوابا.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٨٦.

(٤) الوسائل الباب ١٤ من أعداد الفرائض من كتاب الصلاة ، والباب ٥ من أقسام الحج.

٣٦

ولا بأس بإيراد جملة من الاخبار المذكورة ، فمنها ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار (١) قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام): ان أصحابنا يختلفون في وجهين من الحج ، يقول بعضهم : أحرم بالحج مفردا ، فإذا طفت بالبيت وسعيت بين الصفا والمروة فأحل واجعلها عمرة. وبعضهم يقول : أحرم وانو المتعة بالعمرة إلى الحج. أي هذين أحب إليك؟ قال : انو المتعة».

وما رواه في الصحيح عن الحضرمي والشحام ومنصور بن حازم (٢) قالوا : «أمرنا أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان نلبي ولا نسمي شيئا. وقال : أصحاب الإضمار أحب الي». ونحوها موثقة إسحاق بن عمار (٣) وصحيحة أبان بن تغلب (٤).

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حمران بن أعين (٥) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن التلبية. فقال لي : لب بالحج فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصليت وأحللت». وبمضمونها صحيحة زرارة (٦).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الملك بن أعين (٧) قال : «حج جماعة من أصحابنا فلما وافوا المدينة دخلوا على ابي جعفر (عليه‌السلام) فقالوا : ان زرارة أمرنا أن نهل بالحج إذا أحرمنا. فقال لهم :

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أقسام الحج ، والباب ٢١ من الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٧ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج ، والباب ٢١ من الإحرام.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٢ من الإحرام.

(٧) الوسائل الباب ٣ من أقسام الحج.

٣٧

تمتعوا. فلما خرجوا من عنده دخلت عليه ، فقلت له : جعلت فداك والله لئن لم تخبرهم بما أخبرت به زرارة ليأتين الكوفة وليصبحن بها كذابا. قال : ردهم علي. قال : فدخلوا عليه ، فقال : صدق زرارة ثم قال : اما والله لا يسمع هذا بعد اليوم أحد مني». أقول : الظاهر ان مراده (عليه‌السلام) يعني : لا يسمع الأمر بالتمتع.

وروى في التهذيب في الصحيح عن إسماعيل الجعفي (١) قال : «خرجت انا وميسر وأناس من أصحابنا ، فقال لنا زرارة : لبوا بالحج. فدخلنا على ابي جعفر (عليه‌السلام) فقلنا له : أصلحك الله انا نريد الحج ونحن قوم صرورة أو كلنا صرورة ، فكيف نصنع؟ فقال : لبوا بالعمرة. فلما خرجنا قدم عبد الملك بن أعين ، فقلت له : ألا تعجب من زرارة؟ قال لنا : لبوا بالحج. وان أبا جعفر (عليه‌السلام) قال لنا : لبوا بالعمرة. فدخل عليه عبد الملك بن أعين ، فقال له : ان أناسا من مواليك أمرهم زرارة ان يلبوا بالحج عنك ، وانهم دخلوا عليك فأمرتهم أن يلبوا بالعمرة. فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : يريد كل انسان منهم ان يسمع على حده أعدهم علي. فدخلنا ، فقال : لبوا بالحج ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لبى بالحج».

أقول : لا يخفى ان الأمر من زرارة لهم بالإهلال بالحج انما كان تقية ، كما هو صريح حديث الكشي المتقدم ، ومراده الإعلان بذلك ظاهرا بين الناس مع إضمار التمتع في أنفسهم ، فلا ينافي أمره (عليه‌السلام) لهم بالعمرة ، ولكنهم لما لم يفهموا ذلك ، وانه يؤدي الى الطعن في زرارة الذي هو من أخص خواصه (عليه‌السلام) أفتاهم

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من الإحرام.

٣٨

بالتقية وقررهم على الحج بما يحج به العلامة. وغاضة ذلك منهم فقال : «يريد كل انسان منهم ان يسمع على حده».

الخامسة ـ قالوا : إذا نسي بماذا أحرم ، فإن كان أحد النسكين متعينا عليه انصرف ذلك الإحرام إليه. قال في المدارك : وبه قطع العلامة ومن تأخر عنه ، لان الظاهر من حال المكلف انه إنما يأتي بما هو فرضه. قال : وهو حسن ، خصوصا مع العزم المتقدم على الإتيان بذلك الواجب. وان لم يكن أحد النسكين متعينا عليه ، فقيل بالتخيير بين الحج والعمرة. وهو اختيار الشيخ في المبسوط وجمع من الأصحاب ، لأنه لا سبيل الى الحكم بالخروج من الإحرام بعد الحكم بانعقاده ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر. وقال في الخلاف يجعله للعمرة ، لأنه ان كان متمتعا فقد وافق ، وان كان غيره فالعدول منه الى غيره جائز. قال : وإذا أحرم للعمرة لا يمكنه ان يجعلها حجة مع القدرة على الإتيان بأفعال العمرة ، فلهذا قلنا يجعله عمرة على كل حال. واستحسنه العلامة في المنتهى. قال في المدارك بعد نقل ذلك : ولعل التخيير أجود.

أقول : وعندي في جميع شقوق هذه المسألة إشكال ، لعدم الدليل الواضح في هذا المجال. وبناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات لا يخلو من المجازفة في أحكام الملك المتعال ، سيما مع تكاثر الاخبار بالسكوت عن ما لم يرد فيه نص ، وإرجاع الأمر إليهم (صلوات الله عليهم) والوقوف على جادة الاحتياط في كل ما اشتبه حكمه ، كما استفاضت به اخبار التثليث (١).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من صفات القاضي وما يقضي به.

٣٩

الثاني ـ التلبيات الأربع ، فلا ينعقد الإحرام لمتمتع ولا لمفرد إلا بها. وهو من ما وقع الإجماع عليه نصا وفتوى.

وتحقيق الكلام في هذا المقام يتوقف على رسم مسائل :

الأولى ـ اختلف الأصحاب في اشتراط مقارنة التلبية للنية ، فقال ابن إدريس باشتراط مقارنتها لها كمقارنة التحريمة لنية الصلاة. واليه ذهب الشهيد في اللمعة. ونقل في المسالك عن الشيخ علي انه تبعهما على ذلك. وقال في الدروس : الثالث ـ مقارنة النية للتلبيات ، فلو تقدمن عليها أو تأخرن لم ينعقد. ويظهر من الرواية والفتوى جواز تأخير التلبية عنها.

وقال العلامة في المنتهى : ويستحب لمن حج على طريق المدينة ان يرفع صوته بالتلبية إذا علت راحلته البيداء ان كان راكبا ، وان كان ماشيا فحيث يحرم. وان كان على غير طريق المدينة لبى من موضعه ان شاء ، وان مشى خطوات ثم لبى كان أفضل. ثم ساق جملة من الروايات الدالة على تأخير التلبية إلى البيداء في الإحرام من مسجد الشجرة ، وقال بعدها : إذا ثبت هذا فان المراد بذلك ان الإجهار بالتلبية مستحب من البيداء ، وبينها وبين ذي الحليفة ميل ، وهذا يكون بعد التلبية سرا في الميقات الذي هو ذو الحليفة ، لأن الإحرام لا ينعقد إلا بالتلبية. ولا يجاوز الميقات إلا محرما.

أقول : ظاهره حمل الروايات الدالة على تأخير التلبية إلى البيداء على تأخير الجهر بها ، فيجب عليه الإتيان بها سرا في الميقات بعد عقد نية الإحرام. وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (١) حيث أوجب التلبية

__________________

(١) ج ٢ ص ٣١٣ و ٣١٤.

٤٠