الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

وأجاب عنه في الدروس : اما بحمل المخاض هنا على بنت المخاض وهو بعيد جدا. واما بالتزام وجوب ذلك في الطائر بطريق اولى.

وفيه اطراح للنص المتقدم. بل قيل ان فيه مخالفة للإجماع أيضا. واما بالتخيير بين الأمرين. وهو مشكل ايضا. والأجود اطراح الرواية المتضمنة لوجوب المخاض في الفرخ ، لضعفها ومعارضتها بما هو أصح منها إسنادا وأظهر دلالة ، والاكتفاء بالبكر من الغنم المتحقق بالصغير وغاية ما يلزم من ذلك مساواة الصغير والكبير في الفداء ، ولا محذور فيه. انتهى.

أقول : قد عرفت من ما قدمنا ان هذا الاشكال لازم له في ما ذهب اليه من إطلاق القول بوجوب الحمل في فرخ بيض الحمام إذا تحرك ولو بالنسبة إلى المحل في الحرم ، مع ان الواجب في الفرخ في هذه الصورة إنما هو نصف درهم كما عرفت ، فكيف يكون الواجب في الفرخ الكامل نصف درهم ، وفي الفرخ المتحرك في بيضة حمل ، وهو ماله أربعة أشهر من أولاد الضأن؟ مع انه لا رواية صريحة ثمة بوجوب الحمل في الفرخ المتحرك في الصورة المذكورة ، إلا ما يدعى من إطلاق صحيحة علي بن جعفر ، والرواية بالمخاض في المسألة التي ذكرها موجودة. ولا يبعد في هذا المقام ما نقله جده (قدس‌سره) في المسالك حيث قال في الجواب عن الاشكال المذكور : وقد أجيب أيضا بأن مبنى شرعنا على اختلاف المتماثلات واتفاق المختلفات ، فجاز ان يثبت في الصغير أزيد من ما يثبت في الكبير في بعض الموارد ، وفي بعض آخر بالعكس ، وان كان ذلك خلاف الغالب. انتهى. وبالجملة فإنه متى دل النص على حكم ولا معارض له فرده بمجرد هذه الاستبعادات مشكل.

٢٤١

القسم الثالث ـ القنفذ والضب واليربوع ، وفي قتل كل واحد منها جدي على المشهور بين أصحابنا المتأخرين (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) وعن الشيخين والسيد المرتضى وعلي بن بابويه وابن البراج وابن حمزة : أنهم ألحقوا بها في وجوب الجدي ما أشبهها. وعن ابي الصلاح : ان في الثلاثة المذكورة حملا قد فطم ورعى من الشجر.

احتج الشيخ في التهذيب ـ على ما نقله عن الشيخ المفيد من التعميم لما أشبه هذه الثلاثة ـ بما رواه في الحسن عن مسمع ـ ورواه ثقة الإسلام في الكافي ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «في اليربوع والقنفذ والضب إذا أصابه المحرم فعليه جدي ، والجدي خير منه ، وانما جعل عليه هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد». ومثله بطريق آخر (٢) وفيه : «وإنما جعل عليه هذا كي ينكل عن صيد غيره».

قيل : وربما يتكلف في توجيه التعميم بأنه يجب في الصيد المثل ، ولما ثبت بهذه الرواية ان مثل هذه الثلاثة الجدي ـ بل هو خير منه ـ ثبت ذلك في ما أشبهه. ولا يخفى ما فيه من الوهن الذي لا يخفى على النبيه.

وقال في المدارك ـ بعد إيراد حسنة مسمع ووصفها بالصحة دليلا للثلاثة المذكورة ـ : ولم نقف لهذين القولين على مستند.

وفي كتاب الفقه الرضوي (٣) : وفي اليربوع والقنفذ والضب جدي

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٤ ، والفروع ج ٤ ص ٣٦٤ و ٣٨٧ ، والوسائل الباب ٦ من كفارات الصيد.

(٢) هذا اللفظ وارد في الكافي في كلا الموضعين ج ٤ ص ٣٦٤ و ٣٨٧.

(٣) ص ٢٩.

٢٤٢

والجدي خير منه.

القسم الرابع ـ العصفور والقنبرة ، وفي كل واحد منهما مد من طعام على المشهور.

واستدل عليه في التهذيب (١) بما رواه عن صفوان بن يحيى عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام): «في القنبرة والعصفور والصعوة يقتلها المحرم؟ قال : عليه مد من طعام لكل واحد».

والحق بها في التذكرة والمنتهى والدروس ما أشبهها ، ونسبه في الأولين إلى أكثر علمائنا.

ونقل عن الشيخ علي بن بابويه : ان في الطائر بجميع اقسامه دم شاة ما عدا النعامة فإن فيها جزورا.

ونقل عن ابن الجنيد : ان في القمري والعصفور وما جرى مجراهما قيمة ، وفي الحرم قيمتان.

قيل : ويدل على قول ابن بابويه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «في محرم ذبح طيرا : ان عليه دم شاة يهريقه ، فان كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن».

وأجاب في المختلف عن هذه الرواية ـ بعد نسبة الاحتجاج بها للشيخ علي بن بابويه ـ بان هذه الرواية عامة ، ورواية صفوان خاصة ، فتكون مقدمة. وصاحب المدارك ومن يحذو حذوه قد ردوا ذلك بان

__________________

(١) ج ٥ ص ٤٦٦ ، والفروع ج ٤ ص ٣٩٠ ، والوسائل الباب ٧ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٦ ، والوسائل الباب ٩ من كفارات الصيد.

٢٤٣

هذا الحمل جيد لو تكافأ السندان.

أقول : ألحق ان الشيخ علي بن بابويه إنما استند في القول المذكور الى كتاب الفقه الرضوي ، الذي قد عرفت في ما تقدم أنه يفتي بعباراته ولكنها في بعض المواضع ـ لغرابة الحكم المذكور فيها ، وعدم الاطلاع على ما يساعدها من الاخبار ـ يردها المتأخرون بعدم وجود المستند. وعبارة الشيخ المشار إليه في رسالته على ما نقله في المختلف هكذا : وقال علي بن بابويه : وان كان الصيد يعقوبا أو حجلة أو بلبلة أو عصفورا أو شيئا من الطير ، فعليك دم شاة. واليعقوب : الذكر من القبج ، والحجلة : الأنثى. انتهى. وهو مضمون عبارة الكتاب المذكور بتغيير لا يضر بالمعنى. وعبارة الكتاب الذي عندي في هذا المكان لا تخلو من نوع غلط وسقط بين ، فإن النسخة كثيرة الغلط جدا ، إلا ان العبارة مأخوذة منه بلا ريب ، كما عرفت في غير موضع من ما تقدم.

وبالجملة فما ذكره العلامة ـ من تقديم العمل برواية صفوان وتخصيص صحيحة ابن سنان بها ـ جيد.

إلا انه قد روى الشيخ والكليني عن سليمان بن خالد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ما في القمري والدبسي والسماني والعصفور والبلبل. قال : قيمته ، فإن اصابه وهو محرم فقيمتان ، ليس عليه فيه دم». ورواها في التهذيب (٢) بطريق آخر وفيها

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٦ ، والفروع ج ٤ ص ٣٩٠ ، والوسائل الباب ٤٤ من كفارات الصيد.

(٢) ج ٥ ص ٣٧١.

٢٤٤

«الزنجي» مكان «الدبسي» وظاهر هذه الرواية الدلالة على ما ذهب اليه ابن الجنيد.

القسم الخامس ـ الجرادة والقملة والزنبور ، والكلام هنا يقع في مواضع ثلاثة :

الأول ـ الجرادة ، وفي قتلها كف من طعام ، وقيل تمرة ، وهو قول الشيخ في المبسوط. وقيل بالتخيير بين الأمرين. وفي الكثير دم شاة.

ويدل على الأول ما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن محرم قتل جرادة قال : كف من طعام ، وان كان كثيرا فعليه دم شاة».

وعلى الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في محرم قتل جرادة؟ قال : يطعم تمرة ، وتمرة خير من جرادة».

وما رواه في الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت : ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم؟ قال : تمرة خير من جرادة».

وما رواه في الكافي عن حريز عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٣ ، والوسائل الباب ٣٧ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٣ و ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٣٧ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٣ ، والوسائل الباب ٣٧ من كفارات الصيد والراوي معاوية بن عمار كما في الوافي باب (صيد البحر للمحرم وصيد الجراد وكفارته).

٢٤٥

السلام) (١) «في محرم قتل جرادة؟ قال : يطعم تمرة ، والتمرة خير من جرادة».

وجمع جملة من الأصحاب (رضى الله ـ تعالى ـ عنهم) بين الاخبار المذكورة بالتخيير ، وهو الوجه في القول الثالث.

واما ما يدل على الشاة في الكثير فصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

وما رواه الشيخ في الصحيح ايضا عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن محرم قتل جرادا كثيرا. قال : كف من طعام ، وان كان أكثر فعليه شاة». والظاهر ان قوله : «جرادا كثيرا» في الخبر وقع سهوا من قلم الشيخ ، وإنما السؤال عن جرادة واحدة ، وكم له (رضوان الله ـ تعالى ـ عليه) مثل ذلك في الأسانيد والمتون ، وإلا فمعنى الخبر المذكور لا يخلو من تناف

واما ما رواه الشيخ ـ عن عروة الحناط عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) : «في رجل أصاب جرادة فأكلها؟ قال : عليه دم» ـ. فرده المتأخرون بضعف الاسناد وعدم القيام بمعارضة ما تقدم من الاخبار. والشيخ حمله على الجراد الكثير بإرادة الجنس وان أطلق عليه لفظ التوحيد. والأظهر ـ كما استظهره في الوافي ـ تخصيص هذا الحكم بالأكل ، كما هو مورد الخبر ، والاخبار الأولة بالقتل ، والدم هنا كفارة القتل والأكل. وقد تقدم له نظائر في غير الجراد أشرنا إليها في ما تقدم ، من ان الأكل موجب لزيادة الكفارة.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٩٣ ، والوسائل الباب ٣٧ من كفارات الصيد.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٣٧ من كفارات الصيد.

٢٤٦

قال العلامة في المختلف : ونقل ابن إدريس عن علي بن بابويه : وان أكلت جرادة فعليك دم شاة. والذي وصل إلينا من كلام ابن بابويه في رسالته : وان قتلت جرادة تصدقت بتمرة ، والتمرة خير من جرادة ، فإن كان الجراد كثيرا ذبحت شاة ، وان أكلت منه فعليك دم شاة. وهذا اللفظ ليس صريحا في الواحدة. انتهى.

أقول : ان عبارة الرسالة المذكورة لا تحضرني الآن ، والذي في كتاب الفقه الرضوي ـ الذي قد ظهر لك من ما قدمنا ذكره في غير موضع ان الرسالة المذكورة إنما أخذت منه ـ إنما يساعد ما ذكره ابن إدريس ، حيث قال (عليه‌السلام) (١) : «فان قتلت جرادة تصدقت بتمرة ، والتمرة خير من جرادة ، وان كان الجراد كثيرا ذبحت شاة ، ثم قال : وان أكلت جرادة واحدة فعليك دم شاة». وظاهره (عليه‌السلام) الفرق بين القتل والقتل والأكل ، وان دم الشاة كفارة القتل والأكل ، كما تقدم في رواية الحناط.

ثم انه ينبغي ان يعلم انه لو لم يمكن التحرز من قتل الجراد فلا كفارة في قتله. وقد تقدم ما يدل عليه في صدر المقصد.

الثاني ـ في القملة أيضا كف من طعام ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمدا ، وان قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما ، قبضة بيده».

__________________

(١) ص ٢٩.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٦ ، والوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.

٢٤٧

وما رواه الكليني عن الحسين بن ابي العلاء (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا يرمى المحرم القملة من ثوبه ولا من جسده متعمدا ، فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما. قلت : كم؟ قال : كفا واحدا».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عيسى (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها. قال : يطعم مكانها طعاما».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها. قال : يطعم مكانها طعاما».

وعن ابن مسكان عن الحلبي (٤) قال : «حككت رأسي وانا محرم فوقعت منه قملات ، فأردت ردهن فنهاني ، وقال : تصدق بكف من طعام».

وقد ورد بإزاء هذه الاخبار ما ظاهره المنافاة ، ومنه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال : لا شي‌ء في القملة ، ولا ينبغي ان يتعمد قتلها».

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٦٢ ، والوسائل الباب ٧٨ من تروك الإحرام.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٦ ، والوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.

(٤ و ٥) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٧ ، والوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.

٢٤٨

وما رواه الشيخ والصدوق عنه ايضا (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يحك رأسه فتسقط عنه القملة والثنتان؟ فقال : لا شي‌ء عليه ، ولا يعيدها. قلت : كيف يحك المحرم؟ قال : بأظافيره ما لم يدم ، ولا يقطع الشعر». وفي نسخة : «ولا يعود» أي إلى مثل هذا الفعل. وعلى ما نقلناه فالمراد انه لا يعيدها الى موضعها بعد سقوطها.

وما رواه في الكافي عن ابي الجارود (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : حككت رأسي وانا محرم فوقعت قملة؟ قال : لا بأس قلت : اي شي‌ء تجعل علي فيها؟ قال : وما اجعل عليك في قملة؟ ليس عليك فيها شي‌ء».

وما رواه في التهذيب عن مرة مولى خالد (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يلقي القملة. فقال : (عليه‌السلام) : ألقوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة».

وما رواه في الكافي عن ابي الجارود (٤) قال : «سأل رجل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل قتل قملة وهو محرم. قال : بئس ما صنع. قال : فما فداؤها؟ قال : لا فداء لها».

وأجاب الشيخ عن هذه الاخبار بالحمل على الرخصة أولا ، ثم على

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٧ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٢٩ ، والوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٦٥ ، والوسائل الباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٧ ، والوسائل الباب ٧٨ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٦٢ ، والوسائل الباب ٧٨ من تروك الإحرام والباب ١٥ من بقية كفارات الإحرام.

٢٤٩

من يتأذى بها فيقتل ويكفر. قال : وقوله : «لا شي‌ء عليه» يعني : من العقاب ، أو لا شي‌ء معين. واقتصر في الاستبصار على الأخير. وجملة من متأخري المتأخرين قد جمعوا بين الاخبار هنا بالاستحباب.

والذي يقرب عندي هو حمل الروايات الأخيرة على التقية ، فإنه مذهب جملة من العامة ، ونقل ذلك في المنتهى والتذكرة عن مالك في إحدى الروايتين (١) وسعيد بن جبير وطاوس وابي ثور وابن المنذر.

وعن أصحاب الرأي وعن مالك في إحدى الروايتين : انه يتصدق بمهما أمكن من قليل أو كثير. ولم ينقل القول بكف من طعام ـ كما هو المروي في الروايات الأول ـ إلا عن عطاء خاصة (٢).

والسيد السند في المدارك ـ بعد ان نقل عبارة المصنف المشتملة على كف من طعام ـ قال : واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن حماد ابن عيسى. ثم ساق الرواية المتقدمة ، ثم قال : وعن محمد بن مسلم. ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم طعن فيهما بان في طريقهما عبد الرحمن وهو مشترك بين جماعة : منهم : عبد الرحمن ابن سيابة ، وهو مجهول ، ثم ذكر صحيحة معاوية بن عمار الدالة على انه لا شي‌ء في القملة ، ثم نقل جمع الشيخ الذي نقلناه ورده بأنه حمل بعيد ، مع انه لا ضرورة تلجئ إليه ، لإمكان حمل

__________________

(١) الروايتان عن احمد ، واللفظ : انه يتصدق بمهما كان من قليل أو كثير. واما مالك فالمنقول عنه انه يتصدق بحفنة من طعام. ارجع الى المنتهى ج ٢ ص ٧٩٦ و ٨١٧ ، والتذكرة البحث الثالث عشر من محرمات الإحرام ، والمغني ج ٣ ص ٢٦٩ و ٤٥٣ طبع مطبعة العاصمة.

(٢) المغني ج ٣ ص ٢٦٩ و ٤٥٣ طبع مطبعة العاصمة.

٢٥٠

ما تضمن الكفارة على الاستحباب.

أقول : فيه (أولا) : ان ما ذكره من الطعن في الخبرين الأولين ليس في محله ، فإنه لا يخفى على الممارس ان عبد الرحمن هنا هو ابن ابي نجران ، كما قطع به المحقق الشيخ حسن في المنتقى ، فإن رواية موسى بن القاسم عنه وروايته هو عن حماد بن عيسى أكثر من ان تحصى في الأسانيد ، بل قد اعترف به هو نفسه (قدس‌سره) في مسألة من زاد في طوافه على السبعة سهوا ، فقال بعد نقل صحيحة زرارة الواردة في المسألة (١) : ولا يقدح في صحة هذه الرواية اشتمال سندها على عبد الرحمن وهو مشترك ، لوقوع التصريح في هذا السند بعينه في عدة روايات بأنه ابن ابي نجران. انتهى.

وللمحقق المذكور في كتاب المنتقى هنا كلام في المقام لا بأس بنقله ، سيما مع ما تضمنه من الدلالة على ما قلناه ، فإنه نظم الخبرين في الصحيح ، ونبه على سهو وقع للشيخ في رواية محمد بن مسلم (٢) قال (قدس‌سره) بعد ذكر صحيحة حماد عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن حماد بن عيسى. الى آخر الخبر ، ثم قال : وعنه عن ابي جعفر عن عبد الرحمن عن العلاء عن محمد بن مسلم. الى آخره ، ثم قال (قدس‌سره) : كذا أورد الشيخ هذا الحديث في الكتابين ، وظاهر عدم انتظام طريقه مع الرواية عن موسى بن القاسم ، لان المعهود من إطلاق (أبي جعفر) ان يراد به احمد بن محمد بن عيسى ، وهو يروى عن موسى بن القاسم ، لا ان موسى يروى عنه ، ولو اتفق في إيراد الشيخ له ان يتقدمه طريق عن سعد بن عبد الله كما اتفق هنا لتعين

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من الطواف رقم ٧.

(٢) ص ٢٤٨.

٢٥١

رجوع ضمير «عنه» إليه ، فإن رواية سعد عنه بهذه الصورة كثيرة والشيخ ما زال يقع له هذا السهو ، فيرتكب في إيراده للطرق إرجاع الضمير الى ما هو في غاية البعد عن محله مع إيهامه في ظاهر الحال خلاف ذلك ، وقد نبهنا على جملة منه في ما سلف. وعلى كل حال فالظاهر في هذا الطريق انه من روايات سعد بن عبد الله ، وما ندري بأي تقريب وقع في هذا الموضع ، فان بينه وبين الرواية عن سعد في الكتابين مسافة بعيدة لا يتصور معها توهم الربط بوجه. ويحتمل ـ على بعد ـ ان يكون الغلط بذكر (ابى جعفر) في الطريق وانه زيادة من سهو القلم ، والإسناد كالذي قبله عن عبد الرحمن. وحيث ان الصحة متحققة على كل حال فالأمر سهل. انتهى.

و (ثانيا) : ما قدمناه في غير مقام من ما في الجمع بين الاخبار بالحمل على الاستحباب من الوهن وعدم الدليل عليه من سنة ولا كتاب.

الثالث ـ في الزنبور ، وقد اختلف الأصحاب في كفارة قتل الزنبور عمدا ، فعن الشيخ في النهاية : من قتل زنبورا أو زنابير خطأ لم يكن عليه شي‌ء ، وان قتله عمدا فليتصدق بشي‌ء. وقال في المبسوط : يجوز للمحرم قتل الزنابير. وقال الشيخ المفيد : ومن قتل زنبورا تصدق بتمرة ، ومن قتل زنابير كثيرة تصدق بمد من طعام أو مد من تمر. وكذا قال السيد المرتضى. وقال ابن الجنيد : وفي الزنبور كف من تمر أو طعام. وقال ابن البراج : ولو أصاب زنبورا متعمدا فعليه كف من طعام. وكذا قال ابن إدريس ، وقال : ولا شي‌ء في الخطأ. وهو قول الصدوق في المقنع ، وقول الشيخ علي بن بابويه

٢٥٢

وقال سلار : ومن قتل زنبورا تصدق بتمرة ، فإن كثر تصدق بمد من تمر. وقال أبو الصلاح : وفي قتل الزنبور كف من طعام ، وان قتل زنابير فصاع ، وفي قتل الكثير دم شاة. والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك

ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرم قتل زنبورا. قال : ان كان خطأ فلا شي‌ء عليه ، وان كان متعمدا يطعم شيئا من الطعام».

وعن صفوان في الصحيح عن يحيى الأزرق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله وأبا الحسن (عليهما‌السلام) عن محرم قتل زنبورا. فقالا : ان كان خطأ فليس عليه شي‌ء. قال : قلت : فالعمد؟ قالا : يطعم شيئا من طعام».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن محرم قتل زنبورا. قال : ان كان خطأ فليس عليه شي‌ء. قلت : لا بل متعمدا؟ قال : يطعم شيئا من طعام. قلت : انه أرادني؟ قال : ان أرادك فاقتله».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٥ ، والوسائل الباب ٨ من كفارات الصيد ولفظ الحديث هو الذي تقدم ص ١٥٧ و ١٥٨.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٥ ، والوسائل الباب ٨ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام ، والباب ٨ من كفارات الصيد.

٢٥٣

وفي كتاب الفقه الرضوي (١) : «وان قتلت زنبورا تصدقت بكف من طعام».

وهذه الاخبار كلها قد اشتركت في ان الواجب مع العمد شي‌ء من طعام كما في الاخبار الثلاثة الأولى ، أو كف من طعام كما في الأخير ، ومورد الجميع الزنبور الواحد ، واما المتعددة فلا تعرض لها في شي‌ء من الاخبار المذكورة. وبذلك يظهر لك ما في هذه الأقوال على كثرتها من الاختلاف.

وينبغي التنبيه هنا على مسائل تتعلق بالمقام وتنتظم في سلك هذا النظام :

الاولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بان ما لا تقدير لفديته فإنه يجب مع قتله قيمته ، وكذا البيوض. وظاهرهم الاتفاق عليه. وعلل بتحقق الضمان مع عدم تقدير للمضمون شرعا ، فيرجع الى القيمة كغيره.

ويدل على ذلك صحيحة سليمان بن خالد (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : في الظبي شاة ، وفي البقرة بقرة ، وفي الحمار بدنة ، وفي النعامة بدنة ، وفي ما سوى ذلك قيمته».

ونقل عن الشيخ انه قال : في البط والإوز والكركي شاة. ونسبه المحقق في الشرائع إلى التحكم ، حيث انه لا مستند له. والإوز بكسر الهمزة وفتح الواو وتشديد الزاي. البط ، واحدته اوزة ، والجمع اوزون بالواو والنون ، وفي لغة : وز ، الواحدة وزة ، مثل تمر وتمرة ،

__________________

(١) ص ٢٩.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤١ ، والوسائل الباب ١ من كفارات الصيد.

٢٥٤

كذا في كتاب مجمع البحرين. وقال في المصباح المنير : وحكى في الجمع (اوزون) وهو شاذ. وعلى هذا فيكون العطف في كلام الشيخ من قبيل عطف المرادف.

وقد تقدم النقل عن الشيخ علي بن بابويه انه ذهب الى وجوب الشاة في الطير بأنواعه ما عدا النعامة ، وعليه تدل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة وعبارة كتاب الفقه الرضوي (١) التي منها أخذ الشيخ المذكور عبارته وعلى هذا يتجه القول بوجوب الشاة في الطير مطلقا ما لم يقم الدليل على خلافه. وبه يندفع عن الشيخ ما أورده عليه المحقق. إلا ان تخصيصه بهذه الثلاثة لا يظهر له وجه. ولعل التحكم باعتبار ذلك.

ثم انه على تقدير وجوب الشاة ، فلو تعذرت رجع الى ما يقوم مقامها من إطعام عشرة مساكين ، ثم مع عدم الإمكان الصيام ثلاثة أيام ، لما تقدم من الاخبار الدالة على ان من وجبت عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام (٢).

الثانية ـ إذا قتل صيدا معيبا كالمكسور والأعور ـ مثلا ـ فداه بصحيح ، ولو فداه بمثله جاز ايضا. وكذا لو كان أنثى فداه بالذكر وبالأنثى ، وكذا بالعكس. وربما قيل بوجوب الفداء بالمماثل ، رعاية للمماثلة المفهومة من الآية (٣). وفيه ان المماثلة لا تعتبر ان تكون من جميع الجهات ، وإطلاق الروايات يقتضي التتميم. ومقتضى كلام العلامة في المنتهى والتذكرة ان إجزاء الأنثى في الذكر لا خلاف فيه ، لأنها أطيب لحما وأرطب وإنما الخلاف في العكس. وبالجملة فالأظهر الإجزاء مطلقا ، إذ الظاهر من

__________________

(١) ص ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد رقم ٣ و ٦ و ١٠ و ١١.

(٣) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

٢٥٥

المماثلة المماثلة في الخلقة لا في جميع الصفات.

قالوا : ولو قتل ما خضا ضمنها بما خض مثلها للآية (١) ولو تعذر قوم الجزاء ما خضا. ولو فداها بغير ما خض قال في التذكرة : في الاجزاء نظر ، من حيث عدم المماثلة ، ومن حيث ان هذه الصفة لا تزيد في لحمها ، بل قد تنقصه غالبا ، فلا يشترط وجود مثلها في الجزاء ، كالعيب واللون. نعم لو كان الغرض إخراج القيمة لتعذر الماخض كما تقدم لم يجز إلا تقويم الماخض ، لأنها أعلى في الغالب وباختلاف القيمة يختلف المخرج.

قالوا : ولو أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا ، فان خرج حيا وماتا معا لزمه فداؤهما معا ، فيفدي الأم بمثلها والصغير بصغير ، وان عاشا ولم يحصل عيب فلا شي‌ء ، عملا بالأصل ، وان حصل ضمنه بأرشه ، ولو مات أحدهما دون الآخر ضمن التالف خاصة ، وان خرج ميتا ضمن الأرش ، وهو ما بين قيمتها حاملا ومجهضا.

الثالثة ـ لو تعذر الجزاء في ما يجب فيه الجزاء وجبت قيمته وقت الإخراج ، وما لا تقدير لقيمته وقت الإتلاف. والوجه في ذلك ان الواجب في الأول هو الجزاء بالمثل ، وإنما ينتقل الحكم إلى القيمة عند تعذر المثل ، فيلزم اعتبار القيمة وقت الإخراج وتعذر المثل ، كما في سائر المثليات. واما الثاني فان الواجب ابتداء انما هو القيمة وهي تثبت في الذمة عند الجناية ، وحينئذ فيعتبر قدرها في ذلك الوقت.

الرابعة ـ قال العلامة في التذكرة : البحث الثالث في ما لا نص فيه (مسألة) : ما لا مثل له من الصيد ، ولا تقدير شرعي فيه ، يرجع الى قول عدلين يقومانه ، وتجب عليه القيمة التي يقدرانها فيه

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

٢٥٦

ويشترط في الحكمين العدالة إجماعا ، للآية (١) ولا بد أن يكونا اثنين فما زاد ، للآية (٢) ولو كان القاتل أحدهما جاز ، وبه قال الشافعي واحمد وإسحاق وابن المنذر (٣) لقوله (تعالى) (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٤) والقاتل مع غيره ذوا عدل منا ، فيكون مقبولا. الى ان قال : ولو قيل ـ : ان كان القتل عمدا عدوانا لم يجز حكمه ، لفسقه وإلا جاز ـ كان وجها ، انتهى.

وقال في كتاب المنتهى : المطلب الثالث في ما لا نص فيه ، قد بينا في ما تقدم مقادير كفارات الصيد في ما له تقدير شرعي قدره النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) ، اما ما لا مثل له ولا تقدير شرعي فيه ، فإنه يرجع فيه الى عدلين يقومانه ، وتجب عليه القيمة التي يقدرانها. ثم ساق الكلام على نحو كلامه في التذكرة.

أقول : لا يخفى انه قد وردت الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) في تفسير هذه الآية (٥) بما يدل على ان المراد بذي العدل في الآية إنما هو النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) القائم مقامه من بعده ، وإن الالف في الآية من ما أخطأت به الكتاب :

فروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٣ ص ٤٥٨ طبع مطبعة العاصمة ، والمجموع للنووي الشافعي ج ٧ ص ٤٠٣ و ٤٢٣.

٢٥٧

(عليه‌السلام) (١) «في قول الله (عزوجل) (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٢) : فالعدل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده يحكم به وهو ذو عدل ، فإذا علمت ما حكم به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) فحسبك ولا تسأل عنه».

وروى في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن قول الله (عزوجل): (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٤) قال : العدل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده. ثم قال : هذا من ما أخطأت به الكتاب».

وفي الموثق عن زرارة (٥) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٦) قال : العدل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده ثم قال : هذا من ما أخطأت به الكتاب».

وروى في الصحيح ايضا عن حماد بن عثمان (٧) قال : «تلوت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٨) فقال : ذو عدل منكم. هذا من ما أخطأت فيه الكتاب».

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٣١٤ ، والوسائل الباب ٧ من صفات القاضي وما يقضي به.

(٢ و ٤ و ٦ و ٨) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٩٦ باب النوادر من الصيد من كتاب الحج.

(٥) الفروع ج ٤ ص ٣٩٧ باب النوادر من الصيد من كتاب الحج.

(٧) روضة الكافي ص ٢٠٥ الطبع الحديث.

٢٥٨

وفي تفسير العياشي (١) : وفي رواية حريز عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) : يحكم به ذو عدل منكم (٢) قال : العدل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده. ثم قال : وهذا من ما أخطأت به الكتاب».

وعن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) «في قول الله (تعالى) (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٤) يعني : رجلا واحدا ، يعني : الإمام عليه‌السلام».

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ مع صحتها وتعددها صريحة الدلالة واضحة المقالة في ان ما ذكر في الآية من التثنية انما وقع غلطا من الكتاب وانما هو مفرد ، وان المراد بذلك العدل إنما هو رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده. وهو يرجع الى ما ورد من النصوص في تلك المواضع.

وبه يظهر ان ما ذكروه (نور الله ـ تعالى ـ مراقدهم) ـ من الرجوع في ما لا نص فيه الى قول عدلين من عدول المسلمين بناء على ظاهر الآية ـ محل إشكال ، فإنه وان كان ظاهر الآية ذلك ، إلا انه مع ورود هذه النصوص الصحيحة في تفسير العدل بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده خاصة ، وان زيادة الالف الموهمة للتثنية إنما وقع غلطا ، فلا مجال للعدول عنها. ولعل العذر لهم (نور الله مراقدهم) انهم لم يقفوا على الاخبار المذكورة ولم يراجعوها ، وإلا

__________________

(١) ج ١ ص ٣٤٣ و ٣٤٤.

(٢ و ٤) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٤٤.

٢٥٩

فالخروج عنها بعد الوقوف عليها ـ سيما مع كثرتها وصحتها وصراحتها ـ من ما لا يكاد يتجشمه ذو مسكة.

نعم قد روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج (١) حديثا مرسلا في كلام لعلي (عليه‌السلام) في خطابه مع الخوارج : «واما قولكم : اني حكمت في دين الله الرجال ، فما حكمت الرجال وإنما حكمت كلام ربي الذي جعله الله حكما بين اهله ، وقد حكم الله ـ تعالى ـ الرجال في طائر فقال (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٢) فدماء المسلمين أعظم من دم طائر. الحديث».

ويمكن الجواب عن الخبر المذكور ـ مع عدم نهوضه بالمعارضة لما تقدم ـ بان كلامه (عليه‌السلام) خرج مخرج المجاراة والإلزام للقوم بما يعتقدونه من ظاهر الآية ، فإنه لا ريب في دلالتها بحسب ظاهرها على ذلك ، كما ذكره أصحابنا هنا. وسلوك هذا الباب مع الخصوم في مقام المجادلة شائع في الكلام.

وبالجملة فان الواجب بمقتضى ما ذكرناه هو الوقوف على النصوص الواردة في كل جزئي جزئي من افراد الصيد ان وجدت ، وإلا فالوقوف على ساحل الاحتياط ، كما هو المروي عنهم (عليهم‌السلام) في جميع الأحكام.

البحث الثالث في موجبات الضمان

وهي ثلاثة : مباشرة الإتلاف ، واليد ، والتسبيب ، فالكلام في هذا البحث

__________________

(١) ج ١ ص ٢٧٨ الطبع الحديث.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

٢٦٠