الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

من إيجاب الشاة فيهما والسكوت عن ما عداها ـ هو ما نقله في المسالك عن بعض الأصحاب من انه مع العجز عن الشاة يستغفر الله (تعالى) ولا شي‌ء عليه. وهذا هو الظاهر من كلام أولئك القائلين بوجوب الشاة والسكوت عن ما عداها. وبذلك يظهر ان المسألة لا تخلو من شوب الاشكال. والاحتياط في العمل بالقول الأول.

الفرد الرابع ـ كسر بيض النعام ، وقد اختلفت كلمة الأصحاب في هذا الباب واضطربت اي اضطراب.

فقال الشيخ (رحمه‌الله) : إذا كسر المحرم بيض النعام اعتبر ، فان كان قد تحرك فيه الفرخ فعليه عن كل بيضة بكارة من الإبل ، وان لم يكن تحرك فعليه ان يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد البيض فما خرج كان هديا لبيت الله (تعالى) ، فان لم يقدر على ذلك كان عليه عن كل بيضة شاة ، فان لم يقدر على ذلك كان عليه إطعام عشرة مساكين ، فان لم يقدر على ذلك صام ثلاثة أيام. وهذا هو المشهور سيما بين المتأخرين.

وقال الشيخ المفيد : إذا كسر المحرم بيض نعام فعليه ان يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما كسر ، فما نتج كان هديا لبيت الله (تعالى) فان لم يجد ذلك فعليه لكل بيضة دم شاة ، فان لم يجد فإطعام عن كل بيضة عشرة مساكين ، فان لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام. وكذا قال السيد المرتضى.

وقال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه : فإن أكلت بيض نعامة فعليك دم شاة ، وكذلك ان وطئتها ، فإن وطئتها ، وكان فيها فرخ يتحرك فعليك ان ترسل فحولة من الإبل على الإناث بقدر عدد البيض ، فما نتج منها

٢٠١

فهو هدى لبيت الله (تعالى).

وقال ابنه في المقنع (١) : فإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض ، فان لم يجد شاة فعليه صيام ثلاثة أيام ، فان لم يقدر فإطعام عشرة مساكين ، فإذا وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم ، فعليه ان يرسل الفحل من الإبل على قدر عدد البيض ، فما لقح وسلم حتى ينتج كان النتاج هديا بالغ الكعبة.

وكذا روى في كتاب من لا يحضره الفقيه (٢) إلا انه قال في الخبر : وإذا وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم وفيها أفراخ تتحرك ، فعليه ان يرسل فحولة من البدن. الى آخر كلامه.

وقال سلار : ومن كسر بيض نعام كان عليه الإرسال ، فان لم يكن له إبل فعليه لكل بيضة شاة.

وقال أبو الصلاح : ان تحرك فيه الفرخ فلكل بيضة فصيل ، وان لم يتحرك فإرسال فحولة الإبل ، فان لم يكن له إبل فلكل بيضة شاة.

وقال ابن البراج : ان تحرك الفرخ فبدنة عن كل بيضة ، وان لم يتحرك أرسل.

وقال ابن حمزة : ان تحرك الفرخ لزمه ما خض من الإبل ، وان لم يتحرك أرسل الفحولة ، فإن عجز فعن كل بيضة شاة ، فإن عجز تصدق على عشرة مساكين ، فان عجز صام ثلاثة أيام.

وقال ابن إدريس : فإن تحرك الفرخ فعن كل بيضة من صغار

__________________

(١) ص ٢١.

(٢) ج ٢ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض) والوسائل الباب ١٠ و ١١ من كفارات الصيد.

٢٠٢

الإبل. وروى : بكارة من الإبل. وليست هي الأنثى بل هي جمع بكر. فوجب عن كل بيضة واحد من هذا الجمع. وان لم يتحرك أرسل الفحولة ، فإن عجز فعن كل بيضة شاة ، فإن عجز فعن كل بيضة إطعام عشرة مساكين ، فان عجز فعن كل بيضة صيام ثلاثة أيام.

أقول : وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك ، حيث انه بعد نقل عبارة المحقق ـ المطابقة لمذهب الشيخ ، الذي قدمنا نقله عنه ، المشتملة على وجوب بكارة من الإبل ان تحرك فيه الفرخ والإرسال قبل التحرك ـ ادعى ان هذا الحكم في كل من المسألتين مجمع عليه بين الأصحاب. والحال كما ترى.

والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (١) قال : «سألت أخي (عليه‌السلام) عن رجل كسر بيض نعام وفي البيض فراخ قد تحرك. فقال : عليه لكل فرخ تحرك بعير ينحره في المنحر».

وما رواه الصدوق في الفقيه (٢) عن محمد بن الفضيل قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل قتل حمامة. ثم ساق الخبر الى ان قال نقلا عنه (عليه‌السلام) : وإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض ، فان لم يجد شاة فعليه صيام ثلاثة أيام ، فان لم يقدر فإطعام عشرة مساكين. وإذا وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم وفيها أفراخ تتحرك ، فعليه ان يرسل فحولة من

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٥ ، والوسائل الباب ٢٤ من كفارات الصيد.

(٢) ج ٢ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض) والوسائل الباب ١٠ و ١١ من كفارات الصيد.

٢٠٣

البدن على الإناث بقدر عدد البيض ، فما لقح وسلم حتى ينتج فهو هدي لبيت الله الحرام ، فان لم ينتج شيئا فليس عليه شي‌ء».

وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن سليمان بن خالد (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : في كتاب علي (صلوات الله عليه): في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم ، مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «في كتاب علي (صلوات الله عليه) : في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام».

وعن سليمان بن خالد (٣) قال : «سألته عن رجل وطئ بيض قطاة فشدخه. قال : يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل. ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم».

وعن ابي الصباح الكناني في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) في حديث انه قال «في رجل وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم. فقال : قضى فيه علي (عليه‌السلام) ان يرسل الفحل على مثل عدد البيض من الإبل ، فما لقح وسلم حتى ينتج كان النتاج هديا بالغ الكعبة».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ و ٢٥ من كفارات الصيد.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من كفارات الصيد.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٨٩ ، والوسائل الباب ٢٣ من كفارات الصيد.

٢٠٤

وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي الصباح ايضا (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرم وطئ بيض نعام فشدخها قال : قضى فيها أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ان يرسل الفحل. الحديث المتقدم ، وزاد فيه : وقال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): ما وطئته أو وطئه بعيرك أو دابتك وأنت محرم ، فعليك فداؤه».

وروى الشيخ مرسلا (٢) ـ ومثله الشيخ المفيد في كتاب المقنعة (٣) ـ انه روى : «ان رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (صلوات الله عليه وعلى أولاده) فقال له : يا أمير المؤمنين اني خرجت محرما ، فوطئت ناقتي بيض نعام فكسرته ، فهل علي كفارة؟ فقال له : امض فاسأل ابني الحسن (عليه‌السلام) عنها ـ وكان بحيث يسمع كلامه ـ فتقدم اليه الرجل فسأله ، فقال له الحسن (عليه‌السلام) : يجب عليك ان ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هدي لبيت الله (تعالى). فقال له أمير المؤمنين (عليه‌السلام): يا بني كيف قلت ذلك وأنت تعلم ان الإبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق؟ فقال : يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) والبيض ربما أمرق أو كان فيه ما يمرق. فتبسم أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وقال له : صدقت يا بني. ثم تلا (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)» (٤).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٥ ، والوسائل الباب ٢٣ من كفارات الصيد.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٤ ، والوسائل الباب ٢٣ من كفارات الصيد.

(٣) الوسائل الباب ٢٣ من كفارات الصيد.

(٤) سورة آل عمران ، الآية ٣٤.

٢٠٥

السلام) (١) قال : «من أصاب بيض نعام وهو محرم فعليه ان يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل ، فإنه ربما فسد كله وربما خلق كله ، وربما صلح بعضه وفسد بعضه ، فما نتجت الإبل فهديا بالغ الكعبة».

وما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل أصاب بيض نعام وهو محرم. قال : يرسل الفحل في الإبل على عدد البيض. قلت : فان البيض يفسد كله ويصلح كله؟ قال : ما ينتج من الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وان لم ينتج فليس عليه شي‌ء. فمن لم يجد إبلا فعليه لكل بيضة شاة ، فان لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكل مسكين مد ، فان لم يقدر فصيام ثلاثة أيام».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «في بيضة النعام شاة ، فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، فمن لم يستطع فكفارته إطعام عشرة مساكين إذا اصابه وهو محرم».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) بعد ذكر النعامة : «فإن أكلت بيضها فعليك دم شاة ، وكذلك ان وطئتها ، فإن وطئتها وكان فيها فرخ يتحرك فعليك ان ترسل فحولة من البدن على عددها من الإناث بقدر عدد البيض ، فما نتج منها فهو هدي لبيت الله تعالى».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٣ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٨٧ ، والوسائل الباب ٢٣ من كفارات الصيد.

(٤) ص ٢٩ ، ومستدرك الوسائل الباب ١٨ من كفارات الصيد.

٢٠٦

وهذه عين عبارة الشيخ علي بن بابويه المتقدمة ، ومنها يعلم ان مستنده في ما ذكره هو هذا الكتاب ، كما قدمنا نظير ذلك في غير موضع.

هذا ما وقفت عليه من الاخبار الجارية في هذا المضمار ، ولا يخفى ما فيها من التصادم والاختلاف الذي نشأ منه هذا التشاجر والخلاف.

وقد استدل من اختار مذهب الشيخ (رحمه‌الله تعالى) وهو المشهور من هذه الأقوال ـ على ما ذكره من وجوب البكارة من الإبل على من أصاب البيض وقد تحرك فيه الفراخ ـ بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة ، وهي صريحة في ذلك ، وحمل عليها صحيحة سليمان بن خالد الدالة على انه في بيض القطاة بكارة من الغنم ، كما في بيض النعام بكارة من الإبل ، بحملها على ما إذا تحرك فيها الفرخ جمعا. وهو جيد إلا ان رواية محمد بن الفضيل قد صرحت بأنه إذا وطئ بيض نعام فكسرها وفيها أفراخ تتحرك ، فعليه الإرسال دون البكارة التي صرحوا بها في هذه الصورة. ومثلها عبارة كتاب الفقه الرضوي التي قد افتى بها الشيخ علي بن الحسين بن بابويه. والجمع بينهما وبين صحيحة علي ابن جعفر مشكل كما ترى. نعم من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث له ان يردهما بضعف السند ، وعدم مقاومتهما للصحيحة المذكورة ، واما من لا يعمل عليه فيشكل الحكم عنده في ذلك.

واستدلوا ايضا على الحكم الثاني ـ وهو انه قبل التحرك يرسل فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض ـ بصحيحة الحلبي وصحيحتي أبي الصباح والمرسلة المروية عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بحملها على ما إذا لم يكن فيها أفراخ تتحرك كما هو ظاهرها. وهو جيد. إلا انه بالنظر الى روايتي محمد بن الفضيل وكتاب الفقه الدالتين على

٢٠٧

الإرسال في صورة تحرك الإفراخ يمكن تقييد إطلاق هذه الروايات بذلك وان كان خلاف ظاهرها.

واستدلوا على الأحكام الباقية ـ وهي انه مع العجز عن الإرسال فعليه عن كل بيضة شاة ، فإن عجز فعن كل بيضة إطعام عشرة مساكين فان عجز فعن كل بيضة صيام ثلاثة أيام ـ برواية علي بن أبي حمزة المتقدمة. واعتذر جملة من متصلي أصحاب هذا الاصطلاح عن ضعفها باتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها.

وفي الاستدلال بهذه الرواية على الحكم المذكور اشكال من وجهين :

أحدهما ـ دلالة رواية أبي بصير التي بعد رواية علي بن أبي حمزة على ان الواجب في كسر بيض النعامة شاة لا إرسال الفحولة. ومثلها رواية محمد بن الفضيل ، وعبارة كتاب الفقه الرضوي ، حيث انهما (عليهما‌السلام) في الأخيرتين خصا الإرسال بما إذا كان في البيضة فرخ يتحرك ، ومع عدم ذلك أوجبا الشاة ، والأولى دالة على ذلك بإطلاقها ، ويمكن تقييدها برواية علي بن أبي حمزة المذكورة. إلا ان الروايتين الأخيرتين لا يمكن فيهما ذلك لتخصيص الإرسال بصورة تحرك الفرخ.

وثانيهما ـ دلالة رواية أبي بصير ومحمد بن الفضيل على انه بعد تعذر الشاة فعليه صيام ثلاثة أيام ، ومع العجز فإطعام عشرة مساكين وهو خلاف ما صرحوا به من تقديم الطعام على الصوم ، كما دلت عليه رواية علي بن أبي حمزة.

وربما جمع بين الاخبار هنا بالحمل على اختلاف الناس في القدرة والعجز بالنسبة إلى الأمرين المذكورين ، فمنهم من يقدر على الإطعام

٢٠٨

دون الصيام ، ومنهم بالعكس. واستظهر المحدث الكاشاني ان في الكلام تقديما وتأخيرا ، ولعله وقع سهوا من الراوي. قال : فإن الإطعام ابدا مقدم. وهو جيد.

وبالجملة فما ذكروه لما عرفت لا يخلو من الاشكال.

واما ما نقل عن الشيخ المفيد والمرتضى فيدل عليه ظاهر صحيحة الحلبي ، وصحيحة أبي الصباح (١). وإطلاق كلام القائلين المذكورين ـ وكذا إطلاق هذه الروايات ـ يقتضي وجوب الإرسال ، وجد فيها فرخ يتحرك أو لم يوجد. إلا انه يرد عليهما ان صحيحة علي بن جعفر (٢) دلت على وجوب البعير في الفرخ الذي يتحرك ، فيجب تقييد ما ذكروه بها. وكيف كان فإنه يشكل ذلك بروايتي محمد بن الفضيل (٣) وكتاب الفقه (٤) الظاهرتين في انه مع تحرك الفرخ الإرسال. واما ما نقل عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه فقد عرفت ان مستنده عبارة كتاب الفقه الرضوي.

واما باقي الأقوال المذكورة فبعضها يرجع الى ما قدمنا نقله من الأقوال ، وبعضها شاذ لا دليل عليه.

وينبغي التنبيه على فوائد تتعلق بالمقام :

الاولى ـ صرح العلامة في المنتهى والمختلف ـ والظاهر انه المشهور ـ بان قدر ما يطعم كل مسكين مد ، وعليه دلت رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة (٥).

الثانية ـ قطع العلامة (قدس‌سره) في المنتهى بأنه لو كسر بيضة فيها فرخ ميت لم يلزمه شي‌ء. وكذا لو كانت البيضة فاسدة. وكذا

__________________

(١) ص ٢٠٤ و ٢٠٥.

(٢ و ٣) ص ٢٠٣.

(٤ و ٥) ص ٢٠٦.

٢٠٩

لو كسرها فخرج منها فرخ فعاش. قال : ولو مات كان فيه ما في صغير النعام.

الثالثة ـ قطع العلامة وغيره بان الاعتبار في الإرسال بعدد البيض بالإناث ، فيجب لكل بيضة أنثى وان كان الذكر واحدا ، وعليه تدل ظواهر الأخبار المتقدمة. قال في المدارك : ولا يكفي مجرد الإرسال حتى يشاهد كل واحدة قد طرقت بالفحل. ويشترط صلاحية الإناث للحمل. انتهى.

الرابعة ـ المستفاد من صحيحة أبي الصباح الثانية انه لا فرق بين ان يكسره بنفسه أو بدابته. وبه قال الأصحاب أيضا.

الخامسة ـ ليس في الاخبار ولا كلام الأصحاب تعيين لمصرف هذا الهدي ، قال في المدارك : والظاهر ان مصرفه مساكين الحرم ، كما في مطلق جزاء الصيد. مع إطلاق الهدي عليه في الآية الشريفة (١) قال : وجزم الشارح في الروضة بالتخيير بين صرفه في مصالح الكعبة ومعونة الحاج ، كغيره من أموال الكعبة. انتهى. والمسألة محل توقف.

السادسة ـ إطلاق الأخبار المتقدمة يقتضي صرف النتاج هديا إلى الكعبة من حين نتاجه ، ولا يجب تربيته الى ان يكبر.

الفرد الخامس ـ بيض القطا والقبج ، وقد اختلف فيه كلام الأصحاب ، فقال الشيخ : إذا أصاب المحرم بيض القطا أو القبج فعليه ان يعتبر حال البيض ، فان كان قد تحرك فيها فرخ كان عليه عن كل بيضة مخاض من الغنم ، وان لم يكن تحرك فيها شي‌ء كان عليه ان يرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فما نتج كان هديا لبيت الله (عزوجل) فان لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء. وقد تبعه جل

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

٢١٠

من تأخر عنه على ذلك. إلا انهم اختلفوا في المعنى المراد من قوله : «فان لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء» فجملة منهم ـ كابن إدريس وغيره ـ حملوه على وجوب الشاة ، ومع العجز فالصدقة على عشرة مساكين ، ومع العجز فصيام ثلاثة أيام : وجملة منهم ـ كالعلامة في مطولاته ـ جعل وجه الشبه هو الانتقال إلى الإطعام ثم الصوم ، مستندين الى ان الشاة إنما تجب مع تحرك الفرخ لا غير ، بل لا تجب شاة كاملة بل صغيرة ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه؟

ونقل عن الشيخ المفيد انه قال : فان كسر بيض القطا والقبج وما أشبههما أرسل فحولة الغنم في إناثها ، وكان ما ينتج هديا لبيت الله (تعالى) ، فان لم يجد فعليه لكل بيضة دم شاة ، فان لم يجد اطعم عن كل بيضة عشرة مساكين ، فان لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام.

وقال الشيخ علي بن بابويه : في بيض القطا إذا أصابه قيمته ، فإن وطئتها وفيها فراخ تتحرك فعليك ان ترسل الذكران من المعز على عددها من الإناث على قدر عدد البيض ، فما نتج فهو هدي لبيت الله (تعالى).

وقال ابنه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه : فان وطئ بيض قطاة فشدخه فعليه ان يرسل الفحل من الغنم في عدد البيض كما أرسل الفحل من الإبل في عدد البيض وقال سلار : وفي كسر بيض القطاة إرسال ذكور الغنم في إناثها وجعل ما ينتج هديا.

وقال أبو الصلاح : ولبيض القبج والدراج إرسال فحولة الغنم على إناثها ، فما نتج كان هديا.

وقال ابن البراج : فإن أصاب بيض حجلة أو حمامة وقد تحرك الفرخ فشاة ، وان لم يكن قد تحرك أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما نتج كان هديا لبيت الله (تعالى).

٢١١

وقال ابن حمزة : ان تحرك الفرخ في بيض القطاة والقبح فعن كل بيضة ما خض من الغنم ، وان لم يتحرك أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فالناتج هدي ، فإن عجز تصدق عن كل بيضة قطاة بدرهم.

وقال ابن إدريس : ان تحرك الفرخ في بيض القطا أو القبج أو الدراج فعن كل بيضة مخاض من الغنم ، اي ما يصح ان يكون ما خضا ، ولا نريد به الحامل ، وان لم يكن قد تحرك كان عليه ان يرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فما نتج كان هديا لبيت الله (تعالى) ، فان لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام. هكذا أورده شيخنا في نهايته ، وقد وردت بذلك اخبار ، ومعناه ان النعام إذا كسر بيضه فتعذر إرسال الغنم وجب في كل بيضة شاة ، والقطا إذا كسر بيضة فتعذر إرسال الغنم وجب في كل بيضة شاة. فهذا وجه المشابهة بينهما ، فصار حكمه حكمه. ولا يمنع ذلك إذا قام الدليل عليه. انتهى.

وقال المحقق في الشرائع : في كسر بيض القطا والقبج إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم. وقيل : عن البيضة مخاض من الغنم. واليه مال السيد في المدارك.

أقول : هذا ما وقفت عليه من أقوالهم في المسألة المذكورة.

واما الاخبار المتعلقة بها فمنها ـ ما تقدم من صحيحة سليمان بن خالد (١) وقوله (عليه‌السلام) فيها : «في كتاب على (صلوات الله عليه وعلى أولاده) : في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم ، مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من كفارات الصيد.

٢١٢

وصحيحته الثانية (١) وفيها : «في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام».

وروايته الثالثة (٢) الدالة على انه إذا وطئ بيض قطاة فشدخه يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل. ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم.

وصحيحته الرابعة مع منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قالا : «سألناه عن محرم وطئ بيض القطاة فشدخه. فقال : يرسل الفحل في مثل عدة البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في عدة البيض من الإبل».

وما رواه الشيخ عن ابن رباط عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قالا : «سألته عن بيض القطاة. قال : يصنع فيه في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل».

وفي تتمة رواية محمد بن الفضيل المتقدمة (٥) : «وان وطئ بيض قطاة فشدخه فعليه ان يرسل فحولة من الغنم على عددها من الإناث بقدر عدد البيض ، فما سلم فهو هدي لبيت الله الحرام».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٦) بعد ذكر القطاة وان فيها حملا قد

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ و ٢٥ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من كفارات الصيد.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٦ ، والوسائل الباب ٢٥ من كفارات الصيد.

(٥) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٤ ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض).

(٦) ص ٢٩.

٢١٣

فطم من اللبن ورعى من الشجر : «وفي بيضة إذا أصبته قيمته ، فإن وطئتها وفيها فرخ يتحرك فعليك إن ترسل الذكران من المعز على عددها من الإناث على قدر عدد البيض ، فما نتج فهو هدي لبيت الله الحرام».

هذا ما وقفت عليه من اخبار المسألة ، والكلام يقع فيها في مواضع :

الأول ـ لا يخفى ان هذه الاخبار كلها إنما تضمنت حكم بيض القطاة ، وعبارات الأصحاب المتقدمة ، ما بين مصرح بإضافة القبج الى القطاة ، وما بين ما أضيف إليهما «ما أشبههما» ، وما بين من اقتصر على القطاة ، وما بين من لم يذكر القطاة وانما ذكر القبج والدراج وما بين من ذكر القطاة والدراج. ولا يخفى ما في التعدي عن موضع النصوص من الإشكال ، إلا ان يكون لهم دليل لم نقف عليه ، وهم اعرف بما صاروا اليه :

الثاني ـ لا يخفى ان ما ذكره الشيخ ومن تبعه ـ من انه ان كان في البيضة فرخ قد تحرك فالواجب مخاض من الغنم ، وإلا كان عليه الإرسال ـ لا دلالة في شي‌ء من هذه النصوص عليه ، وانما استدلوا عليه تبعا للشيخ (رحمه‌الله) بحمل ما دل على ان في بيض القطاة بكارة من الغنم ـ كصحيحة سليمان بن خالد الاولى ، ومثلها قوله في آخر روايته الثالثة : «ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم» ـ على ان ذلك مع تحرك الفرخ في البيضة ، وما دل على الإرسال بالحمل على ما إذا لم يتحرك ، حسبما ذكروه في بيض النعام.

واختار المحدث الكاشاني في الوافي الجمع بين الاخبار المذكورة بحمل ما دل على وجوب البكارة أو المخاض على الإصابة باليد والأكل

٢١٤

تعمدا. ويشير اليه لفظ الإصابة كما في قوله في رواية أبان بن تغلب (١) : «في قوم حجاج محرمين أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جميعا». وحمل ما دل على الإرسال على الوطء ، كما في جملة من الاخبار. وجعل هذا وجه جمع بين اخبار بيض النعام وبيض القطاة.

أقول : ويؤيده ما تقدم من الإشكال في مسألة بيض النعام ، فإن جملة من الاخبار قد دلت على الإرسال مع تحرك الفرخ الذي أوجبوا فيه بكارة من الإبل ، عملا بصحيحة على بن جعفر (٢) فيمكن هنا ان يقال ايضا بوجوب الإرسال مع الوطء ، تحرك الفرخ فيه أم لا ، ويجعل وجوب الشاة في تعمد الأكل. ويعضد ذلك عبارة كتاب الفقه الرضوي وتصريحها بالإرسال مع التحرك في هذه المسألة ، وانه مع عدم التحرك ليس إلا القيمة.

وبالجملة فإنهم قد بنوا الكلام في هذه المسألة على ما ذكروه في مسألة بيض النعام ، نظرا الى تشبيههم (عليهم‌السلام) هذه المسألة في غير خبر من هذه الاخبار بمسألة بيض النعام. وهو جيد لو كان ما ذكروه في بيض النعام خاليا من الاشكال ، والأمر ليس كذلك كما عرفت.

الثالث ـ ما ذكره الشيخ (رحمه‌الله) ومن تبعه ـ من وجوب المخاض من الغنم ـ فهو مدلول رواية سليمان بن خالد الثالثة.

والمحقق في الشرائع قد صرح هنا بان الفداء من صغار الغنم.

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٥٣ ، والوسائل الباب ٢ و ١٨ من كفارات الصيد.

(٢) ص ٢٠٣.

٢١٥

والظاهر انه اعتمد على صحيحة سليمان بن خالد وقوله (عليه‌السلام) فيها : «في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم» والبكرة ـ على ما في القاموس ـ الفتية من الإبل. وقال في المصباح المنير : والبكر بالفتح الفتى من الإبل ، والبكرة الأنثى ، والجمع بكار ، مثل كلبة وكلاب ، وقد يقال بكارة مثل حجارة. انتهى.

والى ذلك مال السيد السند في المدارك لقوة الخبر المذكور ، وضعف الرواية التي اعتمد عليها الشيخ ، مع ما فيها من الإشكال أيضا بأنه إذا كان الواجب في القطاة حملا فطيما فكيف يكون في بيضها ما خض؟ فيزيد حكم البيض على البائض. وهذا الاشكال منتف على ما اختاره ، إذ غاية ما يلزم تساوى الصغير والكبير في الفداء.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) جيد بناء على أصله المعتمد عليه عنده ، واما بناء على القول بصحة جميع الاخبار ـ كما هو مذهب الشيخ وأمثاله من المتقدمين ـ فيمكن القول بالتخيير في المسألة بين الماخض والبكرة ، ولا يلتفت الى ما ذكره من الإشكال ، فإنه مجرد استبعاد عقلي في مقابلة النص. وملاحظة التفاوت بين البائض والبيض يقتضي منع المساواة أيضا وان يكون فداء البائض زائدا على فداء البيض وما فيه ، مع انه لا يقول به.

الرابع ـ قد استشكل العلامة في جملة من كتبه وجوب الشاة بعد تعذر الإرسال ـ كما صرح به ابن إدريس والشيخ المفيد ـ مستندا الى ما قدمنا نقله عنه ، وحمل عبارة الشيخ على التشبيه في وجوب الإطعام والصيام خاصة. وابن إدريس في عبارته المتقدمة قد ادعى ورود الأخبار بالشاة في هذا الموضع ، ولم نقف عليها. وكيف كان فوجوب الإطعام والصيام هنا ايضا ـ كما صرحوا به ـ لا اعرف له مستندا ، فإن غاية ما يفهم من الاخبار المتقدمة هو وجوب البكارة من الغنم أو

٢١٦

المخاض في إصابة البيض كما في بعض ، ووجوب الإرسال في وطء البيض كما في الاخبار الأخر ، واما انه مع تعذر الإرسال فله مرتبة اخرى ـ من وجوب الشاة وما بعدها ، أو الإطعام ثم الصيام ـ فلا يفهم منها بوجه. واستفادة ذلك من التشبيه الموجب للإلحاق ببيض النعام في ذلك غير مسلم ، ولا مفهوم منها بوجه ، فان بعضا منها صريح في التخصيص بالإرسال ، وبعضا في وجوب البكارة ، وما أطلق ـ وهو صحيحة سليمان بن خالد الثانية ـ لا دلالة فيها على أزيد من ان في بيض القطاة كفارة كما في بيض النعام. وهو لا يقتضي ما ادعوه ، إذ غاية ما يدل عليه هو تشبيه أصل الكفارة بأصل الكفارة لا تشبيه الكيفية بالكيفية ، فان المشابهة لا تقتضي المساواة من كل وجه ، ويكفي في المماثلة وجوب الكفارة المذكورة في هذه الاخبار من البكارة أو المخاض أو الإرسال.

وبالجملة فالمسألة على غاية من الاشكال. وأولياؤه العالمون بحقيقة الحال.

الخامس ـ قد عرفت ان ما ذهب اليه الشيخ علي بن الحسين بن بابويه فإنما اعتمد فيه على الفقه الرضوي ، كما عرفت من أخذه عبارة الكتاب والإفتاء بها على عادته التي عرفت في غير مقام من ما تقدم. واما ما ذكره ابنه في المقنع والفقيه فهو مضمون صحيحة سليمان بن خالد الرابعة (١) ومثله كلام سلار وابي الصلاح. وظاهر كلامهم ـ كما هو ظاهر إطلاق الرواية ـ لا يخلو من إجمال. ومثله كلام الشيخ المفيد (قدس‌سره) فإنه يحتمل الحمل على ما هو أعم من ان يكون في البيضة فرخ قد تحرك أم لا. ويحتمل تخصيصه بالبيضة وقوفا على ظاهر

__________________

(١) ص ٢١٣.

٢١٧

خصوص اللفظ ، ويكون حكم الفرخ الذي في البيضة غير مذكور في كلامهم. واما ما ذكره ابن حمزة ـ من وجوب الماخض مع تحرك الفرخ وإلا فالارسال ـ فإنه قد تبع فيه الشيخ ، إلا انه انفرد عنه بالرجوع إلى القيمة مع تعذر الإرسال. والظاهر ان وجهه ما قدمناه من خلو الاخبار عن التعرض لهذه المرتبة ، فيرجع فيه الى القيمة المعلومة من العمومات الشاملة لمثل هذه المسألة. ولذا قال العلامة في المختلف بعد الكلام في المسألة. وما أحسن قول ابن حمزة لو ساعده النقل. وفيه إشارة إلى الطعن عليه بعدم وجود الدليل على وجوب القيمة. ولعل مستنده في ذلك ما أشرنا إليه.

النوع الثاني ـ ما لا بدل له على الخصوص ، وينقسم ايضا الى خمسة أقسام :

(الأول) الحمام ، وقيل : انه اسم لكل طائر يهدر ويعب الماء. ومعنى «يهدر» يواتر صوته. ومعنى «يعب الماء» بالعين المهملة أي يشربه من غير مص ولا يأخذه بمنقاره قطرة قطرة كالدجاج والعصافير. ونسب هذا القول في المدارك الى الشيخ وجمع من الأصحاب ، قال : ولم أقف عليه في ما وصل إلينا من كلام أهل اللغة. وقيل : هو كل مطوق. قال في المدارك : وهو موجود في كلام الجوهري وصاحب القاموس.

أقول : قال في القاموس : والحمام كسحاب : طائر بري لا يألف البيوت ، أو كل ذي طوق ، وتقع واحدته على المذكر والمؤنث.

وقال في كتاب المصباح المنير : والحمام عند العرب كل ذي طوق من الفواخت ، والقماري ، وساق حر ، والقطا ، والدواجن ، والوراشين ، وأشباه ذلك ، الواحدة حمامة ، ويقع على الذكر والأنثى ، فيقال : حمامة ذكر

٢١٨

وحمامة أنثى. والعامة تخص الحمام بالدواجن ، وكان الكسائي يقول : الحمام هو البري واليمام هو الذي يألف البيوت. وقال الأصمعي : اليمام : حمام الوحش ، وهو ضرب من طير الصحراء. انتهى.

وقال في كتاب مجمع البحرين : وقال الجوهري : الحمام عند العرب ذوات الأطواق ، كالفواخت ، والقماري بضم القاف وتشديد الياء ، وساق حر ، والقطا بالفتح ، والوراشين ، وأشباه ذلك. ونقل عن الأصمعي ان كل ذي طوق فهو حمام. والمراد بالطوق الخضرة أو الحمرة أو السواد المحيط بعنق الحمامة. وعن الأزهري عن الشافعي : ان الحمام كل ما عب وهدر وان تفرقت أسماؤه. انتهى.

أقول : وبهذه الأفراد المذكورة ودخولها تحت لفظ الحمام صرح العلامة في المنتهى والتذكرة وغيره ، ولا يخلو من اشكال.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ بعد اختيار تعريف الحمام بأنها ذات الطوق ، وان جميع هذه الأفراد المذكورة داخلة تحت ذلك ـ ما صورته : وعلى كل حال فلا بد من إخراج القطا والحجل من التعريف ، لان لهما كفارة معينة غير كفارة الحمام ، مع مشاركتهما له في التعريف. انتهى.

أقول : ما ذكره متجه بالنسبة إلى القطا ، واما الحجل فإنه وان ذكره بعضهم كما تقدم ، إلا انك قد عرفت ان الاخبار غير دالة إلا على القطا خاصة ، وان جميع ما أضافوه إليها لا دليل عليه.

وقال سبطه في المدارك بعد ذكر التعريفين المتقدمين : والذي تقتضيه القواعد وجوب الحمل على المعنى العرفي ان لم يثبت اللغوي. وصرح العلامة في المنتهى بدخول الفواخت والوراشين والقمري والدبسي

٢١٩

والقطا في الحمام. وهو مشكل. انتهى.

أقول : فيه (أولا) : انك قد عرفت في غير موضع من ما تقدم ان هذه القواعد التي تقتضي الحمل على المعنى العرفي في أمثال هذه المواضع لا أصل لها في الدين ، ولا مستند لها عن سادات المسلمين ، وانما هي مجرد اصطلاحات أصولية وتخريجات فضولية ، لأن العرف لا انضباط له في حد ولا نهاية له في عد ، فلكل إقليم عرف يعمل اهله عليه ، ومن ذا الذي يدعى الاطلاع أو يمكنه تعرف عرف جميع الناس في جميع أقطار العالم ، والأحكام الشرعية أمور مضبوطة معينة لا تغير فيها ، فكيف تناط بالعرف الذي هو على ما عرفت؟

و (ثانيا) : ان المستفاد من الاخبار ـ التي هي المرجع وعليها المعول في الإيراد والإصدار ـ هو انه يجب الرجوع في كل حكم حكم وجزئي جزئي إلى عرفهم (عليهم‌السلام) وما ورد عنهم (عليهم‌السلام) فان ثبت هناك شي‌ء وجب الأخذ به ، وإلا وجب الوقوف على ساحل الاحتياط.

و (ثالثا) : ان استشكاله في ما ذكره العلامة من هذه الافراد بعد قوله أولا : «ان الذي تقتضيه القواعد وجوب الحمل على المعنى العرفي ان لم يثبت اللغوي» ليس في محله ، لانه متى كان المعنى اللغوي يجب البناء عليه إذا ثبت ، والحال ان أهل اللغة كلهم صرحوا بان الحمام هو المطوق ، وهذه الافراد داخلة في التعريف ، مع تصريحهم بها على الخصوص كما سمعت ، فأي اشكال يلزم هنا؟ نعم الاشكال انما هو في القطا ، حيث عدوه هنا مع ان له حكما آخر كما تقدم ، فينبغي استثناؤه كما أشير إليه.

٢٢٠