الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ، ما عليه؟ قال : عليه بدنة ، فان لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا ، فان لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) : «فإن كان الصيد نعامة فعليك بدنة ، فان لم تقدر عليها أطعمت ستين مسكينا ، لكل مسكين مد ، فان لم تقدر صمت ثمانية عشر يوما».

أقول : وهذه الاخبار ظاهرة في القول الثالث. واما القول الثاني فلم أقف له في الاخبار على دليل ، وقائله أعرف بما قاله.

ولم أقف على من تعرض للجمع بين هذه الاخبار ، وأكثر المتأخرين ـ كالعلامة في مطولاته وغيره ـ لم يتعرضوا لنقل الخلاف بالكلية فضلا عن الروايات المخالفة ، وانما ذكروا القول الأول ورواياته. ولا يخفى ان مذهب العامة كافة هو ما عليه المشهور بين أصحابنا من القول الأول (٣) واخبارهم كلها موافقة للعامة ، والاخبار الأخر مخالفة لهم والمسألة لذلك لا تخلو من الإشكال ، فإن الخروج عن مقتضى هذه الاخبار مع كثرتها وشهرتها بينهم مشكل ، والقول بها مع موافقتها لمذهب العامة أشكل.

ثم ان ظاهر أصحاب القول الأول هو الصدقة بعد تعذر البدنة بمدين ، وبه صرحت صحيحة ابي عبيدة المذكورة. إلا ان غيرها من اخبار المسألة ـ من ما صرح فيه بقدر الصدقة ـ إنما تضمن المد ، وهو

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٢) ص ٢٩.

(٣) المغني ج ٣ ص ٤٦٤ و ٤٦٥ طبع مطبعة العاصمة.

١٨١

قول الصدوق وابن ابي عقيل ، كما صرحت به رواية أبي بصير الصحيحة بنقل الصدوق ، وصحيحة معاوية بن عمار ، ورواية العياشي ، ورواية كتاب الفقه الرضوي.

ويؤيده ما رواه ثقة الإسلام في الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في قول الله (عزوجل): (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (٢) قال : يثمن قيمة الهدي طعاما ، ثم يصوم لكل مد يوما ، فإذا زادت الأمداد على شهرين فليس عليه أكثر منه».

وظاهر صاحب المدارك ومن تبعه الجمع بين الاخبار بحمل صحيحة ابي عبيدة على الاستحباب.

ثم ان ظاهر أصحاب القول الأول هو التصدق بالبر بعد فض قيمة البدنة عليه. وهو ظاهر صحيحة ابي عبيدة ، حيث قال فيها : «ثم قومت الدراهم طعاما» والطعام ـ كما هو المستفاد من الاخبار ـ الحنطة. واكتفى شيخنا الشهيد الثاني وجمع ممن تأخر عنه بمطلق الطعام نظرا الى ظاهر الروايات الأخر المصرحة بالإطعام بقول مطلق. وهو محتمل إلا ان الأحوط العمل بالأول.

الثاني ـ قد صرح أصحاب القول الأول من الأقوال الثلاثة المتقدمة بأنه لو عجز عن الصدقة بعد فض قيمة البدنة على الطعام انه يصوم عن كل مدين يوما ، فان عجز صام ثمانية عشر يوما. ومقتضاه ان يصوم ستين يوما عدد المساكين الذين يتصدق عليهم. وبذلك قال الشيخ المفيد والسيد المرتضى وسلار على ما نقله في المختلف. وبه صرحت

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

١٨٢

صحيحة أبي عبيدة المتقدمة ، وكذا مرسلة ابن بكير. إلا ان صوم الثمانية عشر يوما بعد تعذر صوم الستين يوما لم أقف عليه في شي‌ء من رواياتهم ، وانما هو في روايات القول الآخر عوضا عن الصدقة على ستين مسكينا ، كما صرحت به صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، ورواية أبي بصير المتقدمة أيضا. والمستفاد من رواياتهم إنما هو الصدقة بالبدنة أولا ، ثم مع التعذر فض قيمتها على الطعام ، والتصدق على ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع ، ومع العجز عن الطعام يصوم عن كل نصف صاع يوما ، يكون ستين يوما. هذا ما تضمنته اخبارهم. واما القول الآخر فإنه بعد تعذر البدنة يتصدق على ستين مسكينا ، ومع العجز عن الصدقة يصوم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. وحينئذ فإن كان معتمدهم في ما ذكروه من صوم الثمانية عشر يوما هو هذه الروايات فهي إنما تضمنت صوم الثمانية عشر يوما عوضا عن الصدقة ، وهم لا يقولون بذلك. ومقتضى كلامهم إنما هو عوض عن صيام الستين يوما. ولعل مستندهم إنما هو هذه لاخبار ، لكنها لما كانت معارضة ـ بالنسبة إلى حكم الصدقة على الوجه الذي ذكروه ، وكذا صوم الستين يوما ـ بالأخبار التي اعتمدوها ، وحكم صوم الثمانية عشر لا معارض له ، عملوا بها في هذا الحكم خاصة حيث لا مانع منه. والفرق بين القولين من وجهين : أحدهما ـ انه على تقدير القول الأول لو فض قيمة البدنة على الطعام واتفق ان الطعام نقص عن عدد الستين لكل رأس نصف صاع ، فإنه يكتفي بما وسعهم ولا يجب عليه إتمام الستين من غير قيمة البدنة ، وعلى القول الآخر فإنه يجب عليه الصدقة على ستين مسكينا من غير نظر الى قيمة البدنة بالكلية. وثانيهما ـ انه على القول الأول مع

١٨٣

العجز عن الصدقة على ستين مسكينا يصوم ستين يوما ، ومع العجز عن ذلك يصوم ثمانية عشر يوما ، وعلى القول الآخر انه مع العجز عن الصدقة يصوم ثمانية عشر يوما. والجمع بين روايات المسألة لا يخلو من اشكال ، وان كان قد جمع بعضهم بينها بحمل صحيحة ابي عبيدة على الاستحباب والأفضلية وحمل روايات القول الآخر على أقل المجزئ. ومرجع ذلك الى التخيير مع أفضلية أحد الفردين. وأكثر الأصحاب ـ كالعلامة في المنتهى والتذكرة ـ لم يتعرضوا لنقل القول الآخر ، ولا لنقل شي‌ء من رواياته بالكلية كما ذكرنا آنفا. وصاحب المدارك قد غمض عينيه في هذا المقام ولم يتعرض للجمع بين أخبار المسألة بنقض ولا إبرام ، مع ما عرفت من ان روايات القول المشهور معلولة بموافقة العامة. والله العالم.

الثالث ـ اختلف الأصحاب في فرخ النعامة ، فقال في الخلاف : في صغار أولاد الصيد صغار أولاد الإبل. وقال ابن البراج : والكبار أفضل. وقال شيخنا المفيد : في صغار النعام الفداء بقدره من صغار الإبل في سنه ، وكذا في صغار ما قتله من البقر والحمير والظباء. ونحوه قال السيد ، إلا انه فرضه في صغار النعام خاصة. وبه قال أبو الصلاح وقال ابن الجنيد : والاحتياط ان يكون جزاء الذكر من الصيد ذكرا من النعم ، وجزاء الأنثى أنثى ، والمسن مسنا ، والصغير صغيرا ، من الجنس الذي هو مثله في الجزاء ، فان تطوع بالأعلى سنا كان تعظيما لشعائر الله تعالى. وهو اختيار ابن إدريس ، وقواه العلامة في المختلف استنادا الى قوله (عزوجل) (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (١) وقال

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

١٨٤

الشيخ في النهاية : في فراخ النعامة مثل ما في النعامة سواء. وقد روى ان فيه من صغار الإبل. والأحوط ما قدمناه. ومثله قال في المبسوط. وقال المحقق في الشرائع : وفي فراخ النعام روايتان : إحداهما مثل ما في النعام والأخرى من صغار الإبل. وهو أشبه.

أقول : والذي وقفت عليه في الاخبار من ما يتعلق بهذه المسألة هو ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن ابان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في قوم حجاج محرمين أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جميعا؟ قال : عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها جميعا فيشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال».

واما الرواية التي أشار إليها المحقق ـ وقبله الشيخ في عبارة النهاية ـ فلم تصل إلينا في كتب الاخبار ، ولم ينقلها أحد في كتب الاستدلال ، والظاهر وصولها إليهم ، حيث ان المشهور بينهم ـ كما عرفت ـ هو القول بها. وكيف كان فتكليفنا غير تكليفهم.

فالأظهر هو القول الأخير للصحيحة المذكورة ، مضافا الى ترجيحها بالاحتياط كما لا يخفى.

الرابع ـ قال العلامة في المنتهى : لو بقي ما لا يعدل يوما كربع الصاع كان عليه صيام يوم كامل ، ولا نعلم فيه خلافا ، لان صيام اليوم لا يتبعض ، والسقوط غير ممكن لشغل الذمة ، فيجب إكمال اليوم. وأورد عليه بأنه يمكن المناقشة فيه بان مقتضى النص ان صيام اليوم بدل عن نصف صاع كما في صحيحة أبي عبيدة ، أو عن إطعام مسكين

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٥٣ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ ، والوسائل الباب ٢ و ١٨ من كفارات الصيد.

١٨٥

كما في صحيحة محمد بن مسلم ، وهو غير متحقق في محل البحث. وهو جيد. ومرجعه إلى المناقشة في ما ادعاه من شغل الذمة. ومع ذلك فإنه متى كان الصوم في الاخبار انما علق على قدر ما يجب إطعامه المسكين ، من نصف صاع كما في الصحيحة المذكورة ، أو مد كما تقدم في مرسلة ابن بكير ، أو ما هو أعم كما في صحيحة محمد بن مسلم ، فما كان أقل من ذلك فإنه لا يوجب صوما البتة. والظاهر ان تمثيله بربع الصاع بناء على ما قدمنا نقله عنهم من إيجابهم نصف صاع لكل مسكين ، وإلا فربع الصاع الذي هو عبارة عن مد ـ بناء على القول الآخر ـ يعدل يوما ، كما دلت عليه مرسلة ابن بكير والروايات المتقدمة.

الخامس ـ ظاهر كلام أصحاب القول الأول ـ كالشيخ وابن إدريس والمحقق والعلامة وغيرهم ـ انه لو نقصت قيمة البدنة عن إطعام الستين وانتقل فرضه الى الصوم ، فإنه يصوم عن كل نصف صاع يوما بالغا ما بلغ ان أوجبنا نصف الصاع لكل مسكين ، أو مدا كما في مرسلة ابن بكير ، لان الصوم في الاخبار متفرع على الصدقة ، فأي عدد حصل من قيمة البدنة بعد فض قيمتها على الطعام فإنه يجب الصدقة به ان وجد الطعام ، وإلا صام عوض إطعام كل مسكين يوما وعلى هذا كما يكون النقص في الصدقة عن الستين لو عجزت قيمة البدنة كذلك يكون النقص في الصوم.

وقرب العلامة في القواعد انه يصوم الستين كملا في الصورة المذكورة ونقله بعض الأصحاب أيضا عن ابن حمزة في الوسيلة. قال في الذخيرة : ووجهه غير واحد من الشارحين بان الواجب في الأصل هو إطعام الستين

١٨٦

وسقوط الزيادة عنه والعفو عن الناقص على تقديرهما في الإطعام لا يستلزم مثله في الصيام. وبان الكفارة في ذمته ستون ولا يخرج عن العهدة إلا بصوم الستين.

أقول : الذي وقفت عليه في شرح المحقق الشيخ علي على الكتاب المذكور ظاهر في ما قدمناه ، ولم يلم فيه بشي‌ء من هذه التوجيهات الركيكة ، حيث قال بعد قول المصنف : «والأقرب الصوم عن ستين وان نقص البدل» ما صورته : قد يومئ الى ذلك وجوب ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام ، ولا دلالة له صريحا لجواز ان يكون المراد البدل عن ما هو نهاية ما يجب من الإطعام ، وليس في الروايات صيام ستين بل صيام يوم عن نصف صاع. لكن الأحوط وجوب الستين. انتهى.

وأنت خبير بما في الاستناد في هذا الإيماء إلى وجوب ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام ، وذلك فإنك قد عرفت من ما قدمنا ان وجوب صيام الثمانية عشر يوما لم يقع في شي‌ء من روايات القول الأول وانما أخذوه من روايات القول الآخر ، وهو في تلك الروايات ترتب على وجوب الصدقة على ستين مسكينا ان وجد الطعام بلا زيادة ولا نقصان ، لا على ما أوجبه فض قيمة البدنة على الطعام كما قالوا به ، فالتعليل في وجوب الثمانية عشر بان كل ثلاثة أيام عن عشرة مساكين انما ترتب على هذه الستين التي لا يتطرق إليها النقصان بوجه ، لا تلك كما يوهمه كلامه (قدس‌سره).

السادس ـ لو تمكن من الزيادة على ثمانية عشر بعد عجزه عن

١٨٧

الستين صوما فهل تجب الزيادة أم لا؟ استشكل العلامة في القواعد قيل : ولعل منشأ الاشكال ، من ان العجز عن صوم الستين لا يقتضي سقوط المقدور منه ، ومن ان إيجاب العدد المخصوص في الرواية منوط بالعجز عن المجموع فلا تجب الزيادة عليه.

أقول : لا يخفى ان هذا الاشكال لا وجه له بالكلية. وما وجهوه به مبني على وجود الرواية بصوم الثمانية عشر يوما بعد تعذر صوم ستين يوما كما قالوا به ، وليس في الروايات له اثر كما قدمنا ذكره ، وانما الذي فيها هو صوم الثمانية عشر يوما بعد تعذر الصدقة على ستين مسكينا لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام ، كما تضمنته صحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة ، والتعليل المذكور مؤذن بعدم الزيادة على الثمانية عشر. وبذلك يظهر لك انه لا معنى لقوله : «ان إيجاب العدد المخصوص في الرواية منوط بالعجز عن المجموع» فإنه لم يقع في شي‌ء من الروايات تعليق صوم الثمانية عشر على العجز عن صوم الستين يوما.

السابع ـ لو تجدد العجز عن صيام الستين يوما بعد صيام شهر ، فقيل بأنه يجب ان يصوم تسعة. وعلل بان العجز عن المجموع يوجب ثمانية عشر يوما ، فالعجز عن النصف يوجب التسعة التي هي نصف الثمانية عشر. وقواه في القواعد. ولا يخفى ما فيه ، فان ظاهر الخبر الوارد بصوم ثمانية عشر انما هو البدلية عن الصدقة على ستين مسكينا كما تقدم. ومع تسليم ما ذكره فالمتبادر منه انما هو البدلية عن المجموع. والقول بالتوزيع لو صح ـ كما ادعاه في الصورة المذكورة ـ لوجب بدل ما عجز عنه من الإطعام مع إطعام المقدور ، فلو قدر على إطعام ثلاثين مسكينا صام ثلاثين يوما عن الباقي ، مع انه لا قائل به منهم. واعراضهم عنه دليل على انهم انما فهموا من الخبر المذكور

١٨٨

هو ما أشرنا اليه.

وقيل بوجوب صوم ما قدر عليه. وتوجيهه ان الرواية الواردة بصوم الثمانية عشر على تقديرها منزلة على العجز الحاصل قبل الشروع كما هو المعتاد ، فيكون محل البحث من ما لا نص فيه ، فيلزم القدر المقدور ، لعدم سقوط الميسور بالمعسور (١) ولقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «إذا أمرتكم بشي‌ء فاتوا منه ما استطعتم» (٢).

وبه يظهر ما في كلام المحقق الشيخ علي في الشرح في هذا المقام حيث قال : واما الثاني ـ وأشار به الى القول المذكور ـ فلا يظهر له وجه ، فان الحديث لا يتناوله ، اعني قوله : «إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم» (٣) إذ لو تناوله لوجب مقدوره وان زاد على ثمانية عشر ، وهو ينافي كونها بدلا من الستين الذي دلت عليه الروايات. انتهى. فان كلامه مبني على شمول العجز لما بعد الشروع.

ثم انه لا يخفى ما في قوله : «الذي دلت عليه الروايات» فإنه ليس في شي‌ء من الروايات ان الثمانية عشر بدل من ستين يوما كما عرفت.

وقيل بالسقوط ، لتحقق العجز عن المجموع وحصول البدل في ضمن المتقدم من الثلاثين التي صامها ، كما يظهر من ابنه في الشرح ، حيث بناه على ان المكلف إذا علم انتفاء شرط التكليف قبل دخول وقته لا يحسن منه التكليف ، وان المكلف والحال ما ذكر لا يجوز

__________________

(١) عوائد النراقي ص ٨٨ ، وعناوين مير فتاح ص ١٤٦ عن عوالي اللئالي عن علي (عليه‌السلام).

(٢ و ٣) صحيح مسلم ج ١ ص ٥١٣ ، والنسائي ج ٢ ص ١.

١٨٩

تكليفه بالستين وان ظن ذلك ظاهرا ، بل إنما عليه ثمانية عشر يوما وقد صامها في ضمن ثلاثين.

وقيل عليه انه يشكل على أصله انه ان تم ما ذكره من القاعدة الأصولية أمكن منع الاجزاء عن الثمانية عشر ، لأنه حينئذ إنما اتى بالصوم على انه من جملة الستين التي هي الواجب الثالث لا انه البدل الذي هو ثمانية عشر ، ومن اتى بعبادة ظانا وجوبها بسبب ثم تبين وجوب بعضها خاصة بسبب آخر ففي إجزائها نظر.

أقول : ويعضده انه لو تم ما ذكره للزم صحة صلاة من صلى في السفر تماما ، لوجود صلاة القصر الواجبة عليه في ضمنها وان لم يقصدها. وصحة صلاة من صلى الظهر خمسا ساهيا ، لوجود الأربع في ضمنها بل ينبغي ان يكون هذا أولى بالصحة ، لأنه قصد الأربع في أول دخوله في الصلاة وذلك لم يقصد الثمانية عشر بالكلية. وهو لا يقول بذلك.

وبالجملة فإن المسألة لخلوها من النص موضع اشكال ، والركون الى هذه التخريجات لا يخلو من المجازفة في لاحكام الشرعية.

الثامن ـ اختلف الأصحاب في هذه الكفارة في النعامة وما بعدها هل هي مخيرة أو مرتبة؟ فذهب الأكثر ـ ومنهم : الشيخ في النهاية والمبسوط ، والشيخ المفيد ، وابن ابي عقيل ، وابن بابويه ، والشهيد في الدروس ، والمرتضى ، وغيرهم ـ إلى أنها مرتبة ، ونسبه في المبسوط إلى أصحابنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، بعد اعترافه بان ظاهر القرآن (١) يدل على التخيير. وظاهر العلامة في جملة من كتبه القول بأنها

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

١٩٠

مخيرة ، وبه صرح في المنتهى والتذكرة ، ونقله في المختلف عن ابن إدريس ونقل عنه انه نسبه ايضا الى الشيخ في الجمل والخلاف.

ويدل على الأول الاخبار المتقدمة كصحيحة محمد بن مسلم وزرارة وصحيحة ابي عبيدة ، وصحيحة معاوية بن عمار ، ورواية أبي بصير (١) فان الجميع قد اشترك في الدلالة على ان الانتقال إلى المرتبة الثانية مرتب على عدم القدرة على الاولى ، وكذا من الثانية إلى الثالثة.

ويدل على الثاني ظاهر الآية وهو قوله (عزوجل) (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (٢) المؤكد بقول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة حريز (٣) : «وكل شي‌ء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكل شي‌ء في القرآن «فمن لم يجد فعليه كذا» فالأول بالخيار». ورواية عبد الله بن سنان المتقدم نقلها عن تفسير العياشي (٤).

والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط في العمل بالترتيب والقول بالتخيير لظاهر الآية فيه قوة ظاهرة. ويمكن إرجاع روايات الترتيب إليها بالحمل على أفضلية المتقدم ، فالترتيب انما هو من حيث الفضل والاستحباب.

ثم انهم اختلفوا هنا أيضا في وجوب التتابع وعدمه ، فالمنقول عن الشيخ المفيد والمرتضى وسلار : الأول ، وعن الشيخ انه صرح بان

__________________

(١) ص ١٧٤ و ١٧٨ و ١٨٠.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٥٨ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٣٣ ، والوسائل الباب ١٤ من بقية كفارات الإحرام.

(٤) ص ١٧٩.

١٩١

جراء الصيد لا يجب فيه التتابع. وهو الأظهر ، عملا بإطلاق الآية (١) والروايات المتقدمة.

ويدل عليه ايضا ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن سليمان ابن جعفر الجعفري (٢) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أيقضيها متفرقة؟ قال : لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان ، انما الصيام الذي لا يفرق صوم كفارة الظهار وكفارة الدم وكفارة اليمين».

الفرد الثاني ـ بقرة الوحش وحماره ، والمشهور بين الأصحاب ان في قتل كل واحد منهما بقرة أهلية. ويدل عليه ما تقدم من صحيحة حريز (٣) وقوله (عليه‌السلام) فيها تفسيرا لقوله (عزوجل) (مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (٤) قال : «في حمار وحش بقرة. وفي البقرة بقرة ،. ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «قلت : فإن أصاب بقرة أو حمار وحش ، ما عليه؟ قال : عليه بقرة». ورواية أبي الصباح المتقدمة (٦) وذهب الصدوق الى ان الواجب في الحمار بدنة. ونقله في المختلف عن الشيخين. ويدل عليه ما تقدم من صحيحة يعقوب بن شعيب ، وصحيحة سليمان بن خالد ، ورواية أبي بصير ورواية الجواد (عليه‌السلام) (٧) وعن ابن الجنيد انه خير في فداء

__________________

(١ و ٤) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٩٥ ، والفروع ج ٤ ص ١٢٠ ، والوسائل الباب ٢٦ من أحكام شهر رمضان.

(٣) ص ١٧٣ و ١٧٤.

(٥) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٦) ١٧٦.

(٧) ١٧٤ و ١٨٠.

١٩٢

الحمار بين البدنة والبقرة. والظاهر انه جعله وجه جمع بين الاخبار المذكورة. وهو جيد.

ثم انه مع تعذر الفداء المذكور بقرة كان أو بدنة ، فإنه يرجع الحكم فيه الى ما تقدم في مسألة قتل النعامة ، والخلاف الذي تقدم ، فالمشهور انه يفض الثمن على البر ويطعم ثلاثين مسكينا لكل مسكين نصف صاع ، وما زاد فهو له ، وما نقص فليس عليه إتمامه ، ثم الصوم عن كل نصف صاع يوما مع تعذر الإطعام ، ثم صوم تسعة أيام مع تعذر ما قبله. وهذا هو مدلول صحيحة ابي عبيدة المتقدمة (١) وقوله (عليه‌السلام) فيها : «إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد ، قوم جزاؤه من النعم دراهم ثم قومت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف صاع ، فان لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما». وهو متناول بإطلاقه للبدنة والبقرة. واما ان الواجب الفض على ثلاثين في ما لو كان الواجب فيهما بقرة فيدل عليه إطلاق صحيحة أبي عبيدة المذكورة. واما انه لا يجب الإكمال مع النقصان فلإطلاق الاجتزاء بالقيمة في الصحيحة المشار إليها.

وقال العلامة في المنتهى : ولو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته قوم ثمنها بدراهم وفضه على الحنطة ، واطعم كل مسكين نصف صاع ، ولا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكينا ، ولا إتمام ما نقص عنه ، عند علمائنا اجمع.

ونقل في المختلف هنا عن ابي الصلاح ما تقدم نقله عنه في النعامة من الصدقة بالقيمة ثم الفض. وعن الشيخ المفيد والشيخ علي بن الحسين

__________________

(١) ص ١٧٨.

١٩٣

ابن بابويه كما في النعامة من قولهم بالانتقال إلى الإطعام بعد تعذر الفدية ثم الصوم ، من غير تعرض للتقويم والفض.

وعليه تدل صحيحة معاوية بن عمار (١) وقوله (عليه‌السلام) فيها بعد ذكر ما تقدم منها : «ومن كان عليه شي‌ء من الصيد فداؤه بقرة فان لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا ، فان لم يجد فليصم تسعة أيام».

ورواية أبي بصير التي تقدم انها صحيحة برواية صاحب الفقيه (٢) وفيها : «وسألته عن محرم أصاب بقرة. قال : عليه بقرة. قلت : فان لم يقدر على بقرة؟ قال : فليطعم ثلاثين مسكينا. قلت : فان لم يقدر على ان يتصدق؟ قال : فليصم تسعة أيام».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٣) : «وان كان الصيد بقرة أو حمار وحش فعليك بقرة ، فان لم تقدر أطعمت ثلاثين مسكينا ، فان لم تقدر صمت تسعة أيام».

وفي حديث الجواد (عليه‌السلام) المتقدم ذكره برواية صاحب كتاب تحف العقول (٤) : «فان كان بقرة فعليه بقرة ، فان لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكينا ، فان لم يقدر فليصم تسعة أيام».

والخلاف في التخيير بين الأبدال والترتيب كما تقدم في مسألة النعامة. وكذا الخلاف في الإطعام مدين أو مدا كما تقدم فتوى ورواية.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٢) ج ٢ ص ٢٣٣ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد ، في ذيل رقم ٣.

(٣) ص ٢٩.

(٤) الوسائل الباب ٣ من كفارات الصيد.

١٩٤

وكذا في صغير البقر وحمار الوحش من الصغير في الفداء أيضا أو الكبير عين ما سلف.

الفرد الثالث ـ الظبي والثعلب والأرنب ، فاما الضبي ففي قتله شاة من غير خلاف يعرف. ثم مع تعذر الشاة فالمشهور ـ كما تقدم في النعامة وحمار الوحش وبقرته ـ انه يفض ثمن الشاة على البر ويتصدق به على عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ، وما فضل فهو له وما أعوز فلا شي‌ء عليه. ومع تعذر البر يصوم عن كل مسكين يوما ومع تعذر الصوم كذلك يصوم ثلاثة أيام. وعن الشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، والصدوق في المقنع ، وسلار ، وابن ابي عقيل ، والشيخ علي بن بابويه : انه مع العجز عن الشاة ينتقل إلى الإطعام ، ومع تعذره الى صيام ثلاثة أيام. وهو جاز على نحو ما تقدم نقله عنهم في المسألتين الأولتين.

ويدل على الأول ما عرفت من إطلاق صحيحة ابي عبيدة.

وعلى الثاني قوله (عليه‌السلام) ـ في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، زيادة على ما قدمنا نقله منها (١) ـ : «ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام».

وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير بنقل الشيخ (٢) التي هي صحيحة بنقل صاحب الفقيه (٣) : «قلت : فإن أصاب ظبيا ما عليه؟ قال : عليه شاة. قلت : فان لم يجد شاة؟ قال : فعليه إطعام عشرة مساكين. قلت : فان لم يقدر على ما يتصدق به؟ قال : فعليه صيام ثلاثة أيام».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد رقم ١٠.

(٣) ج ٢ ص ٢٣٣.

١٩٥

وفي كتاب الفقه الرضوي (١) : «وان كان الصيد ظبيا فعليك دم شاة ، فان لم تقدر أطعمت عشرة مساكين ، فان لم تقدر صمت ثلاثة أيام».

وفي حديث الجواد (عليه‌السلام) المتقدم ذكره برواية صاحب تحف العقول (٢) : «وان كان ظبيا فعليه شاة ، فان لم يقدر فليطعم عشرة مساكين ، فان لم يجد فليصم ثلاثة أيام. الحديث».

قال في المدارك ـ بعد قول المصنف : «في قتل الظبي شاة ، ومع العجز يقوم الشاة ويفض ثمنها على البر ، ويتصدق به لكل مسكين مدين ، ولا يلزمه ما زاد» ـ ما صورته : لا خلاف في لزوم الشاة بقتل الظبي والانتقال مع العجز الى فض ثمنها على البر والتصدق به. وقد تقدم من الاخبار ما يدل عليه. ويدل على عدم لزوم إطعام ما زاد عن العشرة إذا زادت قيمة الشاة عن ذلك قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (٣) : «ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام». انتهى.

أقول : الظاهر ان كلامه (قدس‌سره) هنا لا يخلو من سهو وغفلة ، لما عرفت آنفا من ان الانتقال ـ مع العجز عن البدنة في النعامة وعن البقرة في حمار الوحش وبقرته ، وعن الشاة في الظبي ـ إلى فض القيمة على البر ليس مجمعا عليه في موضع من المواضع الثلاثة وانما

__________________

(١) ص ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ٣ من كفارات الصيد.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

١٩٦

هو محل الخلاف ، نعم المشهور ذلك كما أوضحناه في ما سبق في كل من المواضع الثلاثة ، فإن مقتضى القول الثالث انما هو الانتقال إلى إطعام ستين مسكينا في النعامة ، وثلاثين في حمار الوحش وبقرته ، وعشرة في الضبي ، من غير ملاحظة قيمة ولا فض ثمن على البر. وبذلك يظهر ايضا ما في قوله : «ويدل على عدم لزوم إطعام ما زاد عن العشرة إذا زادت قيمة الشاة عن ذلك قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار ...» ، فان هذه الرواية إنما دلت في المواضع الثلاثة منها على القول الآخر ، وهو الانتقال من الفداء بعد تعذره إلى الإطعام ، ولا ذكر للفض فيها بالكلية. ومجرد اشتراك القولين في إطعام العدد المذكور في المواضع الثلاثة لا يستلزم حمل أحدهما على الآخر ، والاستدلال بروايات أحدهما على الآخر ، لظهور الفرق كما قدمنا الإشارة اليه ، وذلك لانه على القول الأول من فض قيمة الفداء بعد تعذره على الحنطة ، فالواجب إخراج نصف صاع على المشهور ـ أو مد على القول الآخر ـ لكل واحد من العدد المعتبر في تلك المسألة فلو نقص البر عن الإتيان على العدد كفى ولم يجب عليه الزيادة على ذلك. واما على القول الآخر فلا بد من العدد تاما ، إذ لا مدخل للفض فيه بالكلية. فكيف يدعى أولا عدم الخلاف في الانتقال مع العجز الى فض ثمنها على البر والتصدق به ، وينظم صحيحة معاوية بن عمار في سلك هذا النظام؟

وعن ابي الصلاح هنا مثل ما تقدم في المسألتين السابقتين ، قال : ان كان ظبيا أو ثعلبا أو أرنبا فعليه شاة ، فان لم يجد فقيمتها ، فان لم يجد صام عن كل نصف صاع من قيمتها يوما. الى آخره.

١٩٧

واما الثعلب والأرنب فإنه لا خلاف في ان في قتل كل منهما شاة.

وعليه تدل جملة من الاخبار : منها ـ صحيحة الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأرنب يصيبه المحرم. فقال : شاة ، هديا بالغ الكعبة».

وصحيحة أحمد بن محمد (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن محرم أصاب أرنبا أو ثعلبا. فقال : في الأرنب دم شاة».

ورواية أبي بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل قتل ثعلبا. قال : عليه دم. قلت : فأرنبا؟ قال : مثل ما في الثعلب».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) : «وفي الثعلب والأرنب دم شاة».

إنما الخلاف في مساواتهما للظبي في الأبدال من الطعام والصيام ، فقال الشيخان والمرتضى وابن إدريس بالمساواة ، وعن ابن الجنيد وابن ابي عقيل والشيخ علي بن بابويه : انهم اقتصروا على الشاة ولم يتعرضوا لإبدالها.

واختار في المدارك القول الأول ، واحتج عليه بقوله (عليه‌السلام) في صحيحة أبي عبيدة (٥) : «إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٤ من كفارات الصيد.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٣ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٤ من كفارات الصيد رقم ١ و ٣.

(٤) ص ٢٩.

(٥) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

١٩٨

من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم». فان الجزاء متناول للجميع.

وفي صحيحة معاوية بن عمار (١) : «ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام». وهي متناولة للجميع أيضا.

أقول : ويؤيد ذلك أيضا صحيحة محمد بن مسلم (٢) وقوله فيها : «سألته عن قوله تعالى (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (٣) قال : عدل الهدى ما بلغ يتصدق به ، فان لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ ، لكل طعام مسكين يوما».

ونحو ذلك رواية عبد الله بن سنان المتقدم نقلها من تفسير العياشي ورواية الزهري (٤).

إلا انه يمكن ان يقال : ان الأمر في ما دلت عليه هذه الروايات وان كان كذلك ، لدخول هذا الفرد تحت إطلاقها ، إلا ان ورود روايات الثعلب والأرنب على تعددها خالية من الدلالة على الأبدال ، بل الإشارة إليه بوجه ـ مع اشتمال روايات الأفراد المتقدمة على ذلك ـ من ما يوجب نوع اشكال في الحكم ، ولا سيما كتاب الفقه الرضوي ، كما قدمنا من عبائره في كل فرد من النعامة وحمار الوحش وبقرته والظبي ، فإنه ذكر الإبدال في كل منها ، وفي هذا المكان لم

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٣ ، والوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٢ من كفارات الصيد.

(٣) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٤) ص ١٧٩.

١٩٩

يتعرض له بالكلية كما نقلناه هنا. وعلى هذا اعتمد الشيخ علي بن بابويه في ما نقل عنه هنا ، فإنه ـ كما عرفت في غير موضع من ما تقدم ـ انما يفتي بعبارة الكتاب المذكور.

والى ما ذكرنا يميل كلام المحقق في الشرائع ، حيث قال : وفي الثعلب والأرنب شاة ، وهو المروي. وقيل : فيه ما في الظبي.

واختاره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، فقال بعد نقل العبارة المذكورة : القائل بإلحاقه بالظبي الشيخ وجماعة ، ومستندهم فيه غير واضح ، وأخبارهما على الخصوص انما دلت على وجوب الشاة ولم تتعرض إلى الأبدال ، فعلى الأول ـ وهو الأقوى ـ يجب مع العجز عن الشاة إطعام عشرة مساكين ، فان لم يجد صام ثلاثة أيام ، لصحيحة معاوية بن عمار بوجوب ذلك في كل شاة لا نص في بدلها. وذهب بعض الأصحاب ـ تفريعا على القول الأول ـ إلى انه مع العجز عن الشاة يستغفر الله ولا شي‌ء عليه. والرواية العامة تدفعه. والفرق بين مدلول الرواية وبين إلحاقهما بالظبي يظهر في ما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين ، فعلى الإلحاق يقتصر على القيمة وعلى الرواية يجب إطعام العشرة. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه يتوجه عليه ان رواية ابي عبيدة المتضمنة للاقتصار على التصدق بقيمة الجزاء متناولة للجميع فلا وجه لتسليم الحكم في الظبي ومنعه هنا. مع ان اللازم من ما ذكره زيادة فداء الثعلب عن فداء الظبي. وهو بعيد. انتهى. وهو جيد.

ولا يخفى ان مقتضى الوقوف على ظاهر روايات الثعلب والأرنب

٢٠٠