الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

وعن معاوية في الصحيح ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ليس للمحرم ان يأكل جرادا ، ولا يقتله. قال : قلت : ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم؟ قال : تمرة خير من جرادة. وهو من البحر ، وكل شي‌ء أصله من البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله ، فان قتله متعمدا فعليه الفداء ، كما قال الله تعالى» (٢).

وعن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «على المحرم ان يتنكب الجراد إذا كان على طريقه ، فان لم يجد بدا فقتل فلا بأس».

وعن ابي بصير في الموثق (٤) قال : «سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدوسونه من غير تعمد لقتله ، أو يمرون به في الطريق فيطأونه. قال : ان وجدت معدلا فاعدل عنه ، فان قتلته غير متعمد فلا بأس».

وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الجراد يكون على ظهر الطريق والقوم محرمون ، فكيف يصنعون؟ قال : يتنكبونه ما استطاعوا. قلت : فان قتلوا منه شيئا ، ما عليهم؟ قال : لا شي‌ء عليهم». وإطلاق الخبر مقيد بسابقه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من كفارات الصيد.

(٢) في سورة المائدة ، الآية ٩٥ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ). الآية.

(٣) الوسائل الباب ٣٨ من كفارات الصيد.

(٤) الوسائل الباب ٧ من تروك الإحرام.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٣٨ من كفارات الصيد.

١٤١

وعن معاوية بن عمار في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «اعلم ان ما وطأت من الدبا أو أوطأته بعيرك فعليك فداؤه».

الرابعة ـ لا خلاف في جواز صيد البحر ، نصا وفتوى ، وجواز اكله ، وسقوط الفدية فيه.

والأصل فيه قوله (عزوجل) (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ) (٢).

وما رواه ثقة الإسلام في الحسن عن حريز عن من أخبره ـ ورواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) وفي الفقيه مرسلا ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس بأن يصيد المحرم السمك ، ويأكل مالحه وطريه ، ويتزود ، قال الله (عزوجل) (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ) (٤) قال : هو مالحه الذي يأكلون. وفصل ما بينهما : كل طير يكون في الآجام يبيض في البر ويفرخ في البر فهو من صيد البر ، وما كان من صيد البر يكون في البر ويبيض في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر».

أقول : ومن هذه الرواية يعلم حكم الطيور التي تعيش في البر والبحر ، فإنه يكون المدار على إلحاقها بأحد الصنفين على البيض في ذلك المكان ، فان باضت في البحر وفرخت فيه فهي من الطيور البحرية ، وان باضت وفرخت في البر فهي من الطيور البرية. والظاهر انه

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ و ٥٣ من كفارات الصيد.

(٢ و ٤) سورة المائدة ، الآية ٩٦.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٩٢ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٥ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ ، والوسائل الباب ٦ من تروك الإحرام.

١٤٢

لا خلاف فيه أيضا.

الخامسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو ذبح المحرم الصيد كان ميتة حراما على المحل والمحرم ، بل قال في المنتهى : انه قول علمائنا اجمع.

واستدل عليه برواية الشيخ عن وهب عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (١) قال : «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال والحرام وهو كالميتة ، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة ، حلال ذبحه أو حرام».

وعن إسحاق في الموثق عن جعفر (عليه‌السلام) (٢) : «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول : إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم ، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم».

أقول : ويدل عليه ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أحمد ـ يعني : محمد بن ابي عمير ـ عن من ذكره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له : المحرم يصيب الصيد فيفديه ، أيطعمه أو يطرحه؟ قال : إذا يكون عليه فداء آخر. قلت : فما يصنع به؟ قال : يدفنه».

قال الشيخ بعد ذكر هذا الخبر : فلو لا انه جرى مجرى الميتة لما أمر بدفنه بل أمره بأن يطعم المحلين ولم يوجب فداء آخر.

وذهب الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٤) الى ان مذبوح المحرم

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من تروك الإحرام ، والباب ٥٥ من كفارات الصيد.

(٤) ج ٢ ص ٢٣٥.

١٤٣

في غير الحرم لا يحرم على المحل ، قال : ولا بأس ان يأكل المحل ما صاده المحرم وعلى المحرم فداؤه. ونقل في الدروس القول بذلك عن ابن الجنيد ايضا ، ونقل العلامة في المختلف هذا القول ايضا عن الشيخ المفيد والسيد المرتضى (رحمهما‌الله) حيث قالا : لا بأس ان يأكل المحل ما صاده المحرم ، وعلى المحرم فداؤه. وكذا نقله عن ابن الجنيد ايضا.

واليه مال في المدارك ، للأخبار الكثيرة الصحيحة الدالة عليه :

ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أصاب صيدا وهو محرم ، أيأكل منه الحلال؟ فقال : لا بأس إنما الفداء على المحرم».

وصحيحة حريز (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرم أصاب صيدا ، أيأكل منه المحل؟ قال : ليس على المحل شي‌ء إنما الفداء على المحرم».

وصحيحة منصور بن حازم (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل أصاب صيدا وهو محرم ، آكل منه وانا حلال؟ قال : انا كنت فاعلا. قلت له : فرجل أصاب مالا حراما؟ فقال : ليس هذا مثل هذا يرحمك الله».

وحسنة الحلبي (٤) قال : «المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدق بالصيد على مسكين».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٥ ، والوسائل الباب ٣ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من تروك الإحرام.

١٤٤

وحسنة معاوية بن عمار (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم وهو محرم فإنه ينبغي له ان يدفنه ولا يأكله أحد ، وإذا أصابه في الحل فان الحلال يأكله ، وعليه هو الفداء».

والشيخ (رحمه‌الله تعالى) بعد ذكر الروايتين الأخيرتين تأولهما بالحمل على ما إذا أدرك الصيد وبه رمق ، بان يحتاج الى الذبح ، فإنه يجوز للمحل والحال هذه ان يذبحه ويأكله. ولا يخفى ما فيه من البعد عن ظواهر الاخبار. ثم قال : ويجوز ايضا ان يكون المراد إذا قتله برميه إياه ولم يكن ذبحه ، فإنه إذا كان الأمر على ذلك جاز اكله للمحل دون المحرم ، والاخبار الأولة تناولت من ذبح وهو محرم ، وليس الذبح من قبيل الرمي في شي‌ء. وهذا التفصيل ظاهر شيخنا المفيد في المقنعة ، إلا ان ظاهر نقل العلامة عنه المتقدم ذكره يعطي العموم

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

واما من يقتصر في العمل بالروايات على الصحيح كالسيد السند في المدارك فإنه يتحتم عنده العمل بالقول الثاني ، لصحة أخباره ، كما أشار إليه في المدارك ، ولكن من عداه من أصحاب هذا الاصطلاح إنما جروا على ما جرى عليه المتقدمون من القول المشهور ، والاستدلال بالروايتين المتقدمتين.

السادسة ـ قد استفاضت الروايات ـ مضافا الى اتفاق الأصحاب ـ بتحريم ما ذبحه المحل في الحرم ، وانه في حكم الميتة لا يحل لمحل ولا محرم ، ومنها ـ ما تقدم في روايتي وهب وإسحاق المتقدمتين.

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٢ ، والوسائل الباب ٣ من تروك الإحرام.

١٤٥

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٢) قال : من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله (عزوجل) وما دخل في الحرم من الوحش والطير كان آمنا من ان يهاج أو يؤذي حتى يخرج من الحرم».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (٣) «انه سأل أحدهما (عليهما‌السلام) عن الظبي يدخل الحرم. فقال : لا يؤخذ ولا يمس ، لان الله (تعالى) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (٤).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن فرخين مسرولين ذبحتهما وانا بمكة محل. فقال لي : لم ذبحتهما؟ فقلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما ، فظننت أني بالكوفة ولم اذكر اني بالحرم ، فذبحتهما. فقال : تصدق بثمنهما. فقلت : فكم ثمنهما؟ فقال : درهم ، وهو خير منهما».

وما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦)

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٦٣ ، والوسائل الباب ٨٨ من تروك الإحرام ، والباب ١٣ من كفارات الصيد.

(٢ و ٤) سورة آل عمران ، الآية ٩٦.

(٣) الوسائل الباب ٨٨ من تروك الإحرام.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٦ ، والفروع ج ٤ ص ٢٣٧ ، والوسائل الباب ١٠ من كفارات الصيد.

(٦) الوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

١٤٦

«انه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به الى الحرم وهو حي. فقال : إذا أدخله إلى الحرم فقد حرم عليه اكله وإمساكه ، فلا تشترين في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل ثم جي‌ء به الى الحرم مذبوحا ، فلا بأس به للحلال».

وما رواه الصدوق عن حفص بن البختري في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في من أصاب طيرا في الحرم. قال : ان كان مستوي الجناح فليخل عنه ، وان كان غير مستو نتفه وأطعمه وأسقاه ، فإذا استوى جناحاه خلى عنه».

وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في حمام ذبح في الحل. قال : لا يأكله محرم ، وإذا ادخل مكة أكله المحل بمكة ، وإذا ادخل الحرم حيا ثم ذبح في الحرم فلا يأكله ، لأنه ذبح بعد ما دخل مأمنه».

وما رواه الصدوق عن شهاب بن عبد ربه في الصحيح (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني أتسحّر بفراخ اوتى بها من غير مكة فتذبح في الحرم فأتسحر بها؟ فقال : بئس السحور سحورك ، اما علمت ان ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه؟».

وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (٤)

قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن طائر أهلي أدخل

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ١٢ و ٣٦ من كفارات الصيد.

١٤٧

الحرم حيا. فقال : لا يمس ، لان الله (تعالى) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (١).

وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم. فقال : لا يمس ، لان الله (عزوجل) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (٣).

وعن زرارة في الصحيح (٤) «ان الحكم سأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل اهدى له في الحرم حمامة مقصوصة. فقال : انتفها وأحسن علفها ، حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

ولو ذبحه المحل في الحل جاز اكله للمحل في الحرم. ويدل عليه ـ زيادة على ما تقدم في صحيحة عن الحلبي وصحيحة منصور بن حازم ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا تشترين في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل ثم جي‌ء به الى الحرم مذبوحا فلا بأس به للحلال».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن ابي يعفور (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الصيد يصاد في الحل ويذبح في الحل ويدخل

__________________

(١ و ٣) سورة آل عمران ، الآية ٩٦.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٧٠ ، والوسائل الباب ١٢ و ٣٦ من كفارات الصيد. وهو نفس الحديث الذي تقدم نقله عن الشيخ والصدوق إلا ان لفظ الصدوق يختلف قليلا عن لفظ الشيخ.

(٤) الوسائل الباب ١٢ من كفارات الصيد.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام.

١٤٨

الحرم ويؤكل؟ قال : نعم لا بأس به».

وفي الصحيح الى الحكم بن عتيبة (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : ما تقول في حمام أهلي ذبح في الحل وادخل الحرم؟ فقال :

لا بأس بأكله لمن كان محلا ، فان كان محرما فلا. وقال : فإن ادخل الحرم فذبح فيه فإنه ذبح بعد ما دخل مأمنه».

واما ما رواه الشيخ عن منصور في الصحيح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اهدي لنا طير مذبوح فأكله أهلنا؟ فقال : لا يرى به أهل مكة بأسا (٣) قلت : فأي شي‌ء تقول أنت؟ قال : عليهم ثمنه».

قال الشيخ : ليس في هذا الخبر ان الطير ذبح في الحل أو الحرم ، فيحمل على ان ذبحه كان في الحرم لئلا ينافي ما سبق وما يأتي من الاخبار.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) جيد ، فإنه لا يخفى ان مقتضى القواعد الكلية والضوابط الجلية هو حل الطير في هذه الصورة ، لأن كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه (٤). وهذا منه. وحيث حكم (عليه‌السلام) في الخبر بوجوب الثمن فهو

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٥ من تروك الإحرام ، والباب ١٠ من كفارات الصيد عن الفقيه ، والباب ١٤ من كفارات الصيد عن الكافي.

(٣) المبسوط للسرخسي ج ٤ ص ٩٩ باب (جزاء الصيد).

(٤) الوسائل الباب ٤ من ما يكتسب به ، والباب ٦٤ من الأطعمة المحرمة ، والباب ٦١ من الأطعمة المباحة.

١٤٩

البتة إنما يكون عن قرينة مقامية اقتضت الدلالة على ذبحه في الحرم وان خفيت علينا الآن.

السابعة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في جواز صيد البحر وحله ، وقد تقدم الكلام فيه. ومثله الدجاج الحبشي ، قال في المسالك : قيل انه طائر أغبر اللون في قدر الدجاج الأهلي أصله من البحر. انتهى وفي بعض الحواشي : انه طير اسود مشهور في المغرب بالدجاج الحبشي ، كان بحريا في الأصل فصار بريا.

ومن ما يدل على جواز اكله ـ مضافا الى اتفاق الأصحاب على ذلك ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن دجاج الحبش. فقال : ليس من الصيد انما الطير ما طار بين السماء والأرض ، وصف».

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الدجاج الحبشي. فقال : ليس من الصيد ، انما الصيد ما كان بين السماء والأرض. قال : وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما كان من الطير لا يصف فلك ان تخرجه من الحرم ، وما صف منها فليس لك ان تخرجه».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كل ما لم يصف من الطير فهو بمنزلة الدجاج».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٤٠ من كفارات الصيد.

(٢) الوسائل الباب ٤١ من كفارات الصيد.

١٥٠

(عليه‌السلام) (١) قال : «ما كان يصف من الطير فليس لك ان تخرجه. قال : وسألته عن دجاج الحبش. قال : ليس من الصيد إنما الصيد ما طار بين السماء والأرض».

وعن عمران الحلبي في الصحيح أو الحسن (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : (ما يكره من الطير؟ فقال : ما صف على رأسك».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عندي (٣) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر عن الدجاج الحبشي يخرج به من الحرم. فقال : نعم ، لأنها لا تستقل بالطيران». قال (٤) : وفي خبر آخر : انها تدف دفيفا.

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٢٢٩ الطبع القديم ، وج ٤ ص ٢٣٢ الطبع الحديث ، والوافي باب (حكم صيد الحرم) والوسائل الباب ٤١ و ٤٠ من كفارات الصيد. وقد أورد المصنف (قدس‌سره) الحديث ناقصا كما ورد في الطبع القديم من الفروع.

(٢) الوسائل الباب ٤١ من كفارات الصيد.

(٣) روى الكليني هذا الحديث في الفروع ج ٤ ص ٢٣٢ عن جميل ابن محمد بن مسلم ، ورواه الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ١٧٢ عن جميل ومحمد ابن مسلم ، وقد أوردهما في الوافي باب (حكم صيد الحرم) وجمع بين السندين بلفظ واحد. وأوردهما في الوسائل في الباب ٤٠ من كفارات الصيد. وقد أورد المصنف (قدس‌سره) اللفظ كما ورد في الوافي والفقيه.

(٤) هذا كلام الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ١٧٢ ، وأورده في الوافي باب (حكم صيد الحرم) وفي الوسائل الباب ٤٠ من كفارات الصيد.

١٥١

وروى عن الحسن الصيقل (١) : «انه سأله عن دجاج مكة وطيرها فقال : ما لم يصف فكله ، وما كان يصف فخل سبيله».

أقول : ومثل ذلك النعم ولو توحشت ، ويدل على ذلك ـ مضافا الى اتفاق علماء الأمصار على ذلك ، كما نقله في المنتهى ـ روايات :

منها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عندي عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «المحرم يذبح البقر والإبل والغنم ، وكل ما لم يصف من الطير ، وما أحل للحلال ان يذبحه في الحرم ، وهو محرم في الحل والحرم».

قال في الوافي : قوله : «وهو محرم» متعلق بقوله : «يذبح» وكذا قوله : «في الحل والحرم» يعني : انه يذبح المذكورات حال كونه محرما في الحل والحرم.

ورواية عبد الله بن سنان (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال : نعم. قلت : ويحتش لدابته وبعيره؟ قال : نعم ، ويقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم ، فإذا دخل الحرم فلا».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «المحرم يذبح ما حل للحلال في الحرم ان يذبحه

__________________

(١) هذا الحديث رواه الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ١٧٢ ، وأورده في الوافي باب (حكم صيد الحرم) وفي الوسائل الباب ٤٠ من كفارات الصيد.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٨٢ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٨٥ من تروك الإحرام.

١٥٢

هو في الحل والحرم جميعا».

وأنت خبير بان هذه الاخبار قد اشتركت في الدلالة على اباحة الدجاج ونحوه ـ من ما لا يطير أو يطير ولا يصف ـ للمحرم ولو في الحرم وجواز إخراجه من الحرم. والأول لا اشكال فيه ، وانما الإشكال في الثاني وهو ما يطير ولا يصف وإنما يدف دفيفا ، أو يكون دفيفه أكثر من صفيفه ، والمراد به ما حل اكله. وهو ظاهر في ان ما حل اكله من الطير ليس من الصيد المحرم على المحرم. مع انك قد عرفت من ما تقدم في تفسير الصيد هو التخصيص بالمحلل أو ما يشمله ويشمل المحرم. مع ما ورد في حمام الحرم من الاتفاق على تحريمه ، وتحريم إخراجه من مكة ، ووجوب إعادته لو أخرجه (١) والاشكال ظاهر على كلا التقديرين. ولم أر من تنبه لذلك ولا نبه عليه. والله العالم.

الثامنة ـ قال الشيخ في المبسوط : الوحشي غير المأكول أقسام : الأول ـ لاجزاء فيه بالاتفاق ، كالحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب والذئب. والثاني ـ يجب فيه الجزاء عند من خالفنا ، ولا نص فيه لأصحابنا ، والاولى ان نقول : لاجزاء فيه ، لانه لا دليل عليه ، والأصل براءة الذمة ، كالمتولد بين ما يجب فيه الجزاء وما لا يجب ، كالسمع المتولد بين الضبع والذئب (٢) والمتولد بين الحمار الوحشي والأهلي. والثالث ـ مختلف فيه وهو الجوارح من الطير ، كالبازي والصقر والشاهين والعقاب ونحو ذلك ، والسباع من البهائم كالأسد

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

(٢) في لسان العرب مادة (سمع) : (السمع) هو ما تولد من الذئب والضبع. وفي تاج العروس : (السمع) : سبع مركب ولد الذئب والضبع.

١٥٣

والنمر والفهد وغير ذلك (١) فلا يجب الجزاء عندنا في شي‌ء منه. وقد روى ان في الأسد خاصة كبشا (٢). وفي الخلاف : إذا قتل السبع لزمه كبش على ما رواه بعض أصحابنا (٣).

وقال في المختلف بعد نقله : ولا شي‌ء في الذئب وغيره من السباع سواء صال أو لم يصل ، ولا في السمع. اما المتولد بين الوحشي والانسي فالأقرب عندي فيه اعتبار الاسم ، لنا : انه قد ورد النص على الجزاء عن أشياء مسماة بأسمائها ، فيثبت في كل ما صدق عليه ذلك الاسم واما الأسد فالأقوى عندي انه لا شي‌ء فيه سواء أراده أو لم يرده ، وبه قال ابن إدريس. وقال علي بن بابويه : وان كان الصيد أسدا ذبحت كبشا. وأوجب ابن حمزة فيه الكبش ، لنا : الأصل براءة الذمة. ولأنه أكثر ضررا من الحية والفأرة والعقرب ، وقد جاز قتلها فجواز قتله اولى. وما رواه حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحياة وغيرها فليقتله ، وان لم يردك فلا ترده». احتج الموجبون بما رواه أبو سعيد المكاري (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل قتل أسدا في الحرم؟ قال : عليه كبش يذبحه». والجواب سند حديثنا أوضح وأصح. ونحمل هذا على الاستحباب. انتهى.

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ج ٤ ص ٩٠ باب (جزاء الصيد) والمهذب للشيرازي الشافعي ج ٢ ص ٢١١ ، وطرح التثريب لعبد الرحيم العراقي الشافعي ج ٥ ص ٩٥ وما بعدها.

(٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٣٩ من كفارات الصيد.

(٤) الوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.

١٥٤

أقول : قد صرح غير واحد من أصحابنا بأنه لا كفارة في قتل السباع ماشية كانت أو طائرة ، إلا الأسد. والظاهر انه لا خلاف في ما عدا الأسد. فقول الشيخ في ما تقدم من عبارته : «الثالث مختلف فيه. الى آخره» لعله إشارة إلى خلاف العامة (١) ويشير اليه قوله : «ولا يجب الجزاء عندنا في شي‌ء منه» ولا يخفى ان وجوب الكفارة متوقف على الدليل ، وليس فليس. نعم يبقى الكلام في ان عدم وجوب الكفارة لا يستلزم جواز القتل أو الصيد ، فيمكن القول بالتحريم ـ كما ذهب إليه الحلي في ما قدمنا نقله عنه ـ وان لم تترتب عليه كفارة ، وتؤيده الروايات التي أشرنا إليها آنفا. واما الأسد فقد ورد فيه ما تقدم من رواية أبي سعيد. إلا انها خاصة بالحرم. ومعارضة العلامة لها بصحيحة حريز المذكورة لا وجه له ، لأنها وان كانت شاملة بإطلاقها للأسد إلا انها اشتملت على التفصيل بين ما إذا اراده وخاف على نفسه فإنه يقتله ، ومتى لم يرده فلا يعرض له. ورواية أبي سعيد وان كانت مطلقة إلا ان كل من قال بها فإنه يخصها بما إذا لم يرده ، كما لا يخفى على من راجع كلامهم. وهو المفهوم من الاخبار ايضا ، كما سيأتي ان شاء الله تعالى. وحينئذ فلا منافاة بين الخبرين بل هما متفقان على معنى واحد.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) : ولا بأس للمحرم ان يقتل

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ج ٤ ص ٩٠ باب (جزاء الصيد) والمهذب للشيرازي الشافعي ج ٢ ص ٢١١ ، وطرح التثريب لعبد الرحيم العراقي الشافعي ج ٥ ص ٩٥ وما بعدها.

(٢) ص ٢٩.

١٥٥

الحية والعقرب والفأرة. ولا بأس برمي الحدأة. وان كان الصيد أسدا ذبحت كبشا. انتهى.

أقول : ومن هذه العبارة أخذ علي بن الحسين عبارته التي تقدم نقلها عنه ، وهي مطلقة منطبقة على ما ادعاه الأصحاب ، ولعلها المستند لهم في ما أطلقوه.

والذي وقفت عليه ـ من ما يدل على جواز قتل شي‌ء من هذه المذكورات ـ ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة حريز المتقدمتين في صدر المقصد ، وفي الأولى : الأمر باتقاء الدواب كلها إلا الأفعى ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ، والسبع إذا أرادك ، والأسود الغدر ، وهو قسم من الحياة خبيث ، وانه يرمي الغراب والحدأة عن ظهر البعير. وفي الثانية : جواز قتل كل ما خاف الإنسان من السباع والحياة ، والنهي عنه إذا لم يرده.

وما رواه الكليني في الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «يقتل في الحرم والإحرام : الأفعى ، والأسود الغدر وكل حية سوء ، والعقرب ، والفأرة وهي الفويسقة ، ويرجم الغراب والحدأة رجما».

وما رواه الكليني في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٢) قال : «يقتل المحرم كل ما خشيه على نفسه».

__________________

(١) الوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام. والراوي هو عبد الرحمن العزرمي.

١٥٦

وفي حسنة الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «يقتل المحرم : الأسود الغدر ، والأفعى ، والعقرب ، والفأرة. ويقذف الغراب».

وفي رواية محمد بن الفضيل عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم وما يقتل من الدواب. فقال : يقتل الأسود ، والأفعى ، والفأرة ، والعقرب ، وكل حية ، وان أرادك السبع فاقتله وان لم يدرك فلا تقتله. والكلب العقور إذا أرادك فاقتله ، ولا بأس للمحرم ان يرمي الحدأة».

وفي رواية غياث بن إبراهيم عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) قال : «يقتل المحرم : الزنبور ، والنسر ، والأسود الغدر ، والذئب ، وما خاف ان يعدو عليه. وقال : الكلب العقور هو الذئب».

وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن محرم قتل زنبورا. قال : ان كان خطأ فليس عليه شي‌ء. قلت : لا بل معتمدا؟ قال :

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٦٦ ، والوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام. وما أورده (قدس‌سره) من رواية الحديث عن ابى عبد الله عن أبيه (ع) يوافق ما أورده في الوافي باب (قتل الدواب للمحرم). وفي الفروع ج ٤ ص ٣٦٣ و ٣٦٤ ، والوسائل هكذا. غياث بن إبراهيم عن أبيه عن ابي عبد الله (ع).

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٦٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٥ ، والوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام ، والباب ٨ من كفارات الصيد.

١٥٧

يطعم شيئا من طعام» وزاد في الكافي : «قلت : انه أرادني؟ قال : كل شي‌ء أرادك فاقتله».

وفي صحيحة أخرى له ايضا عنه (عليه‌السلام) (١) : «في محرم قتل عظاية؟ قال : كف من طعام». والعظاية بالمهملة ثم بالمعجمة : من كبار الوزغ.

أقول : ويستفاد من هذه الروايات أمور : أحدها ـ جواز قتل المؤذيات ، من الأفعى ، والحية ، والعقرب ، والفأرة ، والذئب ، والكلب العقور وان لم يرده ولم يؤذه. وبذلك صرح الشيخ على ما نقله عنه في المنتهى ، فقال : وله ان يقتل جمع المؤذيات ، كالذئب ، والكلب العقور ، والفأرة ، والحياة ، وما أشبه ذلك. ولا جزاء فيه.

وثانيها ـ انه يجوز له ان يقتل كل ما خاف منه على نفسه من غير جزاء ولا فدية.

وثالثها ـ انه يجوز له قتل الزنبور متى عدا عليه ، أو كان ذلك خطأ. وعليه يحمل إطلاق صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، وإلا ففيه الفداء : شي‌ء من الطعام.

ورابعها ـ ان أكثر الروايات تضمن رمي الغراب والحدأة مطلقا ، وفي صحيحة معاوية بن عمار الاولى : التقييد بقوله : «عن ظهر بعيرك» وبه قيد الحكم بعض الأصحاب. والظاهر العموم ، إذ لا دلالة للخبر المذكور على التخصيص. وظاهر إطلاق الاخبار المذكورة أيضا جواز الرمي وان ادى الى القتل. والمنقول عن الشيخ في المبسوط جواز قتلهما مطلقا. وقيل بالعدم. ونقل عن المحقق الشيخ علي : انه ينبغي

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من كفارات الصيد.

١٥٨

تقييد الغراب الذي يجوز رميه بالمحرم الذي هو من الفواسق الخمس دون المحلل ، لانه محترم لا يعد من الفواسق الخمس. وفيه انه تقييد للنصوص من غير دليل ، لأنها وردت بالغراب مطلقا ، وإخراج بعض افراده يتوقف على الدليل

التاسعة ـ اختلف الأصحاب في قتل البرغوث ، فذهب جمع ـ منهم : المحقق والعلامة في الإرشاد ـ إلى الجواز ، وذهب الشيخ وجماعة ـ منهم : العلامة في جملة من كتبه ـ الى التحريم.

ومستند القول الأول مضافا الى الأصل رواية زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا رآه. قال : نعم».

ومستند القول الثاني ما تقدم (٢) من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار. «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة».

وفي صحيحة زرارة (٣) «أنه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم هل يحك رأسه ، ويغتسل بالماء؟ فقال : يحك رأسه ما لم يعتمد قتل دابة».

أقول : صورة رواية زرارة على ما نقله المحدث الكاشاني في الوافي : «والبرغوث إذا اراده» وفي المدارك ومثله في الذخيرة نقلا الرواية بما قدمناه ، وعلى تقدير ما نقلناه عن الوافي فإنه لا دليل في الرواية على القول المدعى ، إذ لا خلاف نصا وفتوى في جواز قتل ما اراده

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٦٤ ، والوسائل الباب ٧٩ من تروك الإحرام.

(٢) ص ١٣٦ و ١٣٧.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٦٦ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٠ ، والوسائل الباب ٧٣ من تروك الإحرام.

١٥٩

من الحيوانات ، كما عرفت من الروايات المتقدمة. والظاهر ان محل الخلاف في المسألة إنما هو في ما إذا لم يرده ولم يقصده بالأذى كما لا يخفى ، ولا دلالة في الرواية على الجواز في الصورة المذكورة. وكذا صحيحة معاوية بن عمار فإنه يجب تخصيص إطلاقها بما ذكرناه كما يدل عليه ما تقدم من صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (١) وغيرها فالقول بالتحريم مطلقا لا وجه له. واما صحيحة زرارة فالظاهر منها إنما هو القمل ، كما احتج به الأصحاب على ذلك.

العاشرة ـ قد صرح جملة من الأصحاب ـ أولهم الشيخ ـ بأنه يجوز إخراج القماري والدباسي من مكة على كراهة ، لا قتلهما ، ولا أكلهما.

أقول : اما تحريم القتل والأكل فلا ريب فيه ، لعموم الأدلة المتقدمة الدالة على تحريم قتل الصيد واكله (٢) ولا سيما في الحرم.

واما جواز إخراجه فقد نسبه المحقق في الشرائع إلى الرواية ، مؤذنا بتوقفه فيه ، مع انا لم نقف على رواية تدل على جواز الإخراج بل الروايات مستفيضة بالتحريم عموما في مطلق الطير ، وخصوصا في الحمام الشامل لهذين الفردين.

نعم ورد في رواية العيص بن القاسم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن شراء القماري يخرج من مكة والمدينة. فقال : ما أحب ان يخرج منهما شي‌ء».

وهي مع اختصاصها بالقماري لا دلالة فيها صريحا على الجواز ، فان لفظ : «لا أحب» وان كان بحسب العرف الآن بمعنى الكراهة

__________________

(١) ص ١٥٦.

(٢) ص ١٣٥.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من كفارات الصيد.

١٦٠