الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

بمعنى ان عدوله غير صحيح ، بل يبقى على ما كان عليه حيث عقد إحرامه الأول بالتلبية.

احتج ابن إدريس بأن الإحرام بالحج إنما يسوغ التلبس به بعد التحلل من الأول ، وقبله يكون منهيا عنه ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد. وبان الإجماع منعقد على انه لا يجوز إدخال الحج على العمرة ولا العمرة على الحج قبل فراغ مناسكهما.

وأجيب عنه بمنع كون النهي هنا مفسدا ، لرجوعه الى وصف خارج عن ماهية الإحرام. ومنع تحقق الإدخال ، لأن التقصير محلل لا جزء من العمرة.

قال في المدارك بعد نقل هذا الجواب : ويتوجه على الأول : ان المنهي عنه نفس الإحرام ، لأن التلبس به قبل التحلل من إحرام العمرة إدخال في الدين ما ليس منه ، فيكون تشريعا محرما ، ويفسد لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد. وإذا كان فاسدا يكون وجوده كعدمه ، ويبقى الحال على ما كان عليه من وجوب التقصير وإنشاء إحرام الحج. وعلى الثاني : ان المستفاد من الاخبار الكثيرة المتضمنة لبيان أفعال العمرة كون التقصير من جملة أفعالها وان حصل التحلل به ، كما في طواف الحج وطواف النساء. وقد صرح بذلك العلامة في المنتهى مدعيا عليه الإجماع. ومتى ثبت كون التقصير نسكا تحقق الإدخال بالتلبس بإحرام الحج قبل الإتيان به جزما. على ان اللازم من ما ذكره المجيب ـ من عدم اقتضاء النهي الفساد ، وعدم تحقق الإدخال المنهي عنه ـ صحة الإحرام بالحج لا صيرورة الحجة مبتولة ، وهم لا يقولون به. ويظهر من المصنف التردد في هذه المسألة حيث اقتصر

١٢١

على نقل القولين من غير ترجيح لأحدهما. وهو في محله ، وان كان مقتضى الأصل المصير الى ما ذكره ابن إدريس الى ان يثبت سند الروايتين. انتهى.

أقول : لا يخفى ان تصحيح كلام ابن إدريس والذب عنه بما ذكره انما يتجه مع طرح الخبرين كما اعترف به في آخر كلامه ، واما مع العمل بهما عند من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح فالقول بهما متعين ، وما ذكره ابن إدريس ساقط ، وما نقله من الجواب عنه والإيراد على الجواب المذكور بما ذكره تطويل بغير طائل. وما قدمناه من الدليل على عدم جواز الإدخال مخصوص بالخبرين المذكورين ، فلا إشكال. على ان اللازم من احتجاج ابن إدريس بعد تصحيحه والذب عنه بما ذكره هو بطلان الإحرام الثاني ، وهو لا ينافي ما دل عليه الخبران من صيرورة الحجة مفردة بذلك.

ثم انه متى صارت الحجة مفردة بذلك ـ كما ذكره الشيخ ـ فيجب إكمالها ، وهل تجزئ عن الفرض الواجب؟ إشكال ينشأ ، من تعلق التكليف بالمتعة وعدم حصول الضرورة المسوغة للعدول كما في غيره من ما تقدم ، ومن عدم الأمر بالإعادة في الخبرين المذكورين مع ان المقام مقام البيان. قال في المسالك : والأقوى انه لا يجزئه عن فرضه لانه عدول اختياري ، ولم يأت بالمأمور به على وجهه. والظاهر ان الجاهل كالعامد ، لدخوله في إطلاق صحيحة أبي بصير (١) وانما خرج الناسي بنص خاص. انتهى. ونقل الشهيد في شرح الإرشاد عن صاحب الجامع انه صرح بعدم الاجزاء عن الفرض ، ثم قال : وهو

__________________

(١) ص ١١٩.

١٢٢

الوجه ، إذ الفرض هو التمتع ولا ضرورة فلا يصح العدول. ويحتمل الاجزاء ، لعدم الأمر بالإعادة فلا يجب ، وإلا لتأخر البيان عن وقت الحاجة أو الخطاب. انتهى.

المسألة الثانية ـ يجب الإحرام من المواقيت المتقدمة على كل من دخل مكة ، فلا يجوز لأحد دخولها بغير إحرام إلا ما استثنى من ما يأتي بيانه.

اما الحكم الأول فيدل عليه ـ مضافا الى اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور ـ روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) : هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ فقال : لا إلا ان يكون مريضا أو به بطن».

وفي الصحيح عن عاصم بن حميد (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أيدخل أحد الحرم إلا محرما؟ قال : لا إلا مريض أو مبطون».

وروى ابن بابويه عن علي بن أبي حمزة (٣) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن رجل يدخل مكة في السنة المرة والمرتين والثلاث كيف يصنع؟ قال : إذا دخل فليدخل ملبيا ، وإذا خرج فليخرج محلا».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (٤) قال : «سألت أبا جعفر (عليه

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٦٥ و ٤٤٨ ، والوسائل الباب ٥٠ من الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٦٥ و ٤٤٨ ، والوسائل الباب ٥٠ من الإحرام.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٩ ، والوسائل الباب ٥٠ من الإحرام ، والباب ٦ من العمرة.

(٤) روى الشيخ في التهذيب ج ٥ ص ١٦٥ و ٤٤٨ حديث محمد بن ـ

١٢٣

السلام) : هل يدخل الرجل بغير إحرام؟ فقال : لا إلا ان يكون مريضا أو به بطن».

وظاهر الصحاح الثلاث المذكورة سقوط الإحرام عن المريض مطلقا ، وبه قطع الشيخ في جملة من كتبه ، والمحقق في النافع.

وقال في التهذيب : ان الأفضل للمريض الإحرام. واستدل بما رواه في الصحيح عن رفاعة بن موسى (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل به بطن ووجع شديد ، يدخل مكة حلالا؟ فقال : لا يدخلها إلا محرما. وقال : يحرمون عنه. ان الحطابين والمجتلبة أتوا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسألوه ، فأذن لهم ان يدخلوا حلالا».

وبهذا جمع من تأخر عنه ايضا بين هذه الروايات.

ومثل صحيحة رفاعة المذكورة ما رواه في الكافي عنه ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يعرض له المرض الشديد قبل ان يدخل مكة. قال : لا يدخلها إلا بإحرام».

ويمكن الجمع بينها ، بحمل الروايات المبيحة للدخول من غير

__________________

مسلم بطريقين ، وفي كليهما : «هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟» وأوردهما في الوسائل في الباب ٥٠ من الإحرام رقم (٢) و (٤) إلا انه أورد الأول بهذا اللفظ : «هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟» ورواه الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ٢٣٩ بلفظ : «مكة» أيضا. وأورد الحديث في الوافي باب (انه لا يجوز دخول مكة بغير إحرام إلا لعلة) جامعا بين طريقي التهذيب والفقيه ، واللفظ فيه كما أورده المصنف (قدس‌سره) هنا.

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٦٥ ، والوسائل الباب ٥٠ و ٥١ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٥٠ من الإحرام.

١٢٤

إحرام على من لا يتمكن من الإتيان بالمناسك ولو بالحمل ، والأخيرين على من يتمكن. ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ حمل خبري رفاعة على التقية ، فإن مذهب أبي حنيفة ـ على ما نقله في المنتهى ـ انه لا يجوز لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلا من كان دون الميقات (١). ولا ريب ان مذهب أبي حنيفة في زمانه له صيت وشهرة وقوة بخلاف سائر المذاهب فالتقية أقرب قريب في الخبرين المذكورين.

ويجب على الداخل أن ينوي بإحرامه النسك من حج أو عمرة ، فإن الإحرام وان كان عبادة إلا انه غير مستقل بنفسه بل اما ان يكون لحج أو عمرة. ويجب إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام. ولا يخفى ان الإحرام إنما يوصف بالوجوب مع وجوب الدخول ، وإلا كان شرطا غير واجب كوضوء النافلة.

واما الحكم الثاني فإنه قد استثنى الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) من هذا الحكم مواضع :

أحدها ـ الحطابون والمجتلبة ، ويدل عليه صحيحة رفاعة المتقدمة والظاهر ان المراد بالمجتلبة من يجلب الأشياء الى البلد كالحنطة والدقيق والشعير والحشيش والفواكه ونحوها. والأصحاب قد عبروا هنا بالتكرر قال في المدارك : ومقتضى عبارة المصنف وغيره استثناء كل من يتكرر دخوله وان لم يدخل في قسم المجتلبة. وهو غير بعيد ، وان كان الاقتصار على مورد النص اولى. انتهى. وهو جيد.

وثانيها ـ العبيد ، صرح به الشيخ وجماعة ، فجوزوا لهم دخول مكة بغير إحرام. واستدل عليه في المنتهى بان السيد لم يأذن لهم بالتشاغل

__________________

(١) المغني لابن قدامة ج ٣ ص ٢٦٨.

١٢٥

بالنسك عن خدمته ، فإذا لم تجب عليهم حجة الإسلام لهذا المنع فعدم وجوب الإحرام لذلك اولى. انتهى. وهو جيد. ومرجعه الى ان الإحرام إنما يجب للنسك ، والنسك غير جائز له بدون اذن السيد ، فيسقط الإحرام حينئذ.

وثالثها ـ من دخلها لقتال ، فإنه يجوز ان يدخلها محلا ، كما دخل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأصحابه عام الفتح. والحكم بذلك مشهور بين الأصحاب ، ومستندهم دخوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأصحابه عام الفتح (١). مع ان صحيحة معاوية بن عمار (٢) دلت على انه قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم فتح مكة : ان الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، وهي حرام الى ان تقوم الساعة ، لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار.

قال في المنتهى بعد ذكر جواز الدخول بغير إحرام للحطابين والمرضى وكل من يتكرر دخوله إليها : وكذا من يريد دخولها لقتال سائغ ، كأن يرتد قوم فيها ، أو يبغون على امام عادل ، ويحتاج الى قتالهم ، فإنه يجوز له دخولها من غير إحرام ، لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دخلها عام الفتح وعليه عمامة سوداء (٣) لا يقال : انه كان مختصا بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لانه قال (عليه‌السلام). وذكر حديث

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩٨ ، ومشكاة المصابيح ج ٢ ص ٦٢ ، والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٢٦٨.

(٢) الوسائل الباب ٥٠ من الإحرام.

(٣) الإمتاع للمقريزي ج ١ ص ٣٧٧ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٩٨ ، ومشكاة المصابيح ج ٢ ص ٦٢.

١٢٦

معاوية المتقدم. ثم قال : لأنا نقول : يحتمل ان يكون معناه : أحلت لي ولمن هو في مثل حالي. انتهى. ولا يخفى ما فيه.

ومن ما يؤيد صحيحة معاوية المذكورة ما رواه الصدوق في الفقيه بسنده عن كليب الأسدي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) استأذن الله (عزوجل) في مكة ثلاث مرات من الدهر ، فاذن له فيها ساعة من النهار ، ثم جعلها حراما ما دامت السماوات والأرض».

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب اعلام الورى (٢) نقلا من كتاب ابان بن عثمان عن بشير النبال عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث فتح مكة «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : ألا إن مكة محرمة بتحريم الله ، لم تحل لأحد كان قبلي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، فهي محرمة الى ان تقوم الساعة ، لا يختلى خلاها ، ولا يقطع شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد. قال : ودخل مكة بغير إحرام وعليهم‌السلام. الحديث».

ورابعها ـ من دخلها بعد خروجه محرما قبل مضي شهره الذي خرج فيه. وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة في المقدمة الرابعة في المسألة الرابعة من مسائل المطلب الأول في حج التمتع (٣).

المسألة الثالثة ـ إحرام المرأة كإحرام الرجل إلا في أشياء :

أحدها ـ لبس المخيط لهن ، فإنه جائز على المشهور. وقد تقدم

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٠ من الإحرام.

(٢) ص ١١٧ ، والوسائل الباب ٥٠ من الإحرام.

(٣) ج ١٤ ص ٣٦٢.

١٢٧

تحقيق القول فيه (١).

وثانيها ـ الجهر بالتلبية ، فإنه لا جهر عليها.

ويدل عليه ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ليس على النساء جهر بالتلبية».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن فضالة عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان الله (تعالى) وضع عن النساء أربعا : الجهر بالتلبية ، والسعي بين الصفا والمروة ، ودخول الكعبة ، والاستلام». ورواه في الفقيه (٤) عن ابي سعيد المكاري مثله ، وزاد بعد قوله : «المروة» : «يعني : الهرولة» وأضاف «الاستلام» الى «الحجر».

وثالثها ـ التظليل سائرا ، فإنه محرم على الرجال دون النساء.

وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال : «سألته عن المحرم يركب القبة؟ فقال : لا. قلت : فالمرأة المحرمة؟ قال : نعم».

وصحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «لا بأس بالقبة على النساء والصبيان وهم محرمون».

__________________

(١) ص ٨٨ و ٨٩.

(٢) الوسائل الباب ٣٨ من الإحرام ، والباب ١٨ من الطواف.

(٣) الوسائل الباب ٣٨ من الإحرام.

(٤) ج ٢ ص ٢١٠ ، والوسائل الباب ٣٨ من الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٦) الوسائل الباب ٦٥ من تروك الإحرام.

١٢٨

وصحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس بالظلال للنساء ، وقد رخص فيه للرجال». أقول : يعني : حال الضرورة ، كما يأتي تحقيقه في محله ان شاء الله تعالى.

ورابعها ـ جواز لبس الحرير لها دونه. وقد تقدم الكلام في ذلك (٢).

وخامسها ـ وجوب كشف وجهها دونه ، فإنه يجب عليها ان تسفر عن وجهها إجماعا ، لأن إحرامها في وجهها ، فلا يجوز لها تغطيته.

قال في المنتهى : انه قول علماء الأمصار ، والأصل فيه قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) : «إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها».

ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «مر أبو جعفر (عليه‌السلام) بامرأة متنقبة وهي محرمة ، فقال : أحرمي وأسفري وارخي ثوبك من فوق رأسك ، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك. فقال رجل : الى

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٤ من تروك الإحرام.

(٢) ص ٨٢.

(٣) هذا اللفظ ورد في حديث عبد الله بن ميمون الآتي غير منسوب إلى النبي (ص). وفي سنن الدار قطني ج ٢ ص ٢٩٤ : عن ابن عمر عن النبي (ص) ولكن في سنن البيهقي ج ٥ ص ٤٧ : انه موقوف على ابن عمر. وفي المغني ج ٣ ص ٣٢٣ : كان ابن عمر يقول : «إحرام الرجل في رأسه». وذكر القاضي في الشرح : ان النبي (ص) قال : «إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها».

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٤٤ ، والوسائل الباب ٤٨ من تروك الإحرام.

١٢٩

أين ترخيه؟ فقال : تغطى عينيها. قال : قلت : يبلغ فمها؟ قال : نعم».

وفي الحسن عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «المحرمة لا تتنقب ، لأن إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه».

وعن احمد بن محمد عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «مر أبو جعفر (عليه‌السلام) بامرأة محرمة قد استترت بمروحة ، فأماط المروحة بقضيبه عن وجهها».

وفي رواية معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تطوف المرأة بالبيت وهي متنقبة».

أقول : وما تضمنته صحيحة الحلبي من جواز إرخاء الثوب من فوق رأسها على وجهها فقد ورد في جملة من الاخبار :

ففي بعضها الى ان يبلغ الفم ، كما في الرواية المذكورة.

وروى الكليني في الصحيح عن العيص بن القاسم (٤) قال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) في حديث : «وكره النقاب» يعني : للمرأة المحرمة. وقال : «تسدل الثوب على وجهها. قلت : حد ذلك الى أين؟ قال : الى طرف الأنف قدر ما تبصر». أقول : المراد

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٨ و ٥٥ من تروك الإحرام.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٤٦ ، والفقيه ج ٢ ص ٢١٩ ، والوسائل الباب ٤٨ من تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٤٨ من تروك الإحرام ، والباب ٦٨ من الطواف.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٣٤٤ ، والوسائل الباب ٤٨ من تروك الإحرام.

١٣٠

بالكراهة التحريم ، كما هو شائع في الاخبار.

وفي بعضها الى الذقن ، كما في صحيحة حريز (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : المحرمة تسدل الثوب على وجهها الى الذقن».

وفي آخر الى النحر ، كما في صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «تستدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة».

وفي الصحيح عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «المحرمة تستدل ثوبها الى نحرها».

أقول : ظاهر إطلاق هذه الاخبار عدم وجوب مجافاة الثوب عن الوجه ، فإن إسداله من أعلى الرأس عليه الى المواضع المذكورة لا يكاد يسلم الوجه من اصابة الثوب له ، كما هو ظاهر. إلا ان يقال : ان المحرم انما هو شد الثوب على الوجه كما هو في النقاب ، أو ان تخمره بالثوب ، واليه يشير قوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي : «فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك» ومجرد المماسة أحيانا لا يمنع من تغير اللون ، ومن صدق الاسفار المأمور به في الاخبار. وبه يزول الاشكال.

ونقل عن الشيخ انه أوجب مجافاة الثوب عن وجهها بخشبة وشبهها بحيث لا يصيب البشرة ، وحكم بلزوم الدم إذا أصاب الثوب وجهها ولم تزله بسرعة. وقال العلامة في المنتهى بعد نقل ذلك عنه : والوجه عندي سقوط هذا ، لانه غير مذكور في الخبر. مع ان الظاهر خلافه ، فان سدل الثوب لا يكاد تسلم معه البشرة من الإصابة ، فلو

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٨ من تروك الإحرام.

١٣١

كان محرما لبين ، لانه محل الحاجة. انتهى. ونسب الشهيد في الدروس اعتبار المجافاة إلى الشهرة. وهو مؤذن بتردده في ذلك. واستشكله أيضا العلامة في التذكرة.

والظاهر عندي من الاخبار هو ما قدمت ذكره ، إلا ان الأحوط ما ذكره الشيخ من مجافاة الثوب عن وجهها بخشبة ونحوها. واما وجوب الدم فلم أقف على دليل عليه ، ولا ذكره أحد غيره في ما أعلم.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور بين الأصحاب تحريم النقاب على المرأة ، بل قال في المدارك : انه مذهب الأصحاب ، لا اعلم فيه مخالفا. وهو غفلة منه (قدس‌سره) فإن العلامة في القواعد والإرشاد قد أفتى بالكراهة ، ومثله المحقق في النافع ، وتردد في الشرائع. والظاهر انه عبارة عن شد الثوب على فمها وأنفها وما سفل عنهما ، كاللثام للرجل. ويدل على التحريم الأخبار المتقدمة. ولعل من ذهب الى الكراهة استند الى لفظ الكراهة في صحيحة عيص بن القاسم المتقدمة. وفيه ان ورود الكراهة بمعنى التحريم في الاخبار شائع. فالمتجه هو القول بالتحريم.

المسألة الرابعة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب الإحرام على الحائض إذا مرت بالميقات قاصدة النسك ، ولكن لا تصلي صلاة الإحرام.

ويدل على ذلك جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٨٨ ، والوسائل الباب ٤٨ من الإحرام.

١٣٢

عن الحائض تحرم وهي حائض؟ قال : نعم ، تغتسل ، وتحتشي ، وتصنع كما يصنع المحرم ، ولا تصلي».

وفي الصحيح عن منصور بن حازم (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المرأة الحائض تحرم وهي لا تصلي؟ قال : نعم إذا بلغت الوقت فلتحرم».

وفي الصحيح عن العيص بن القاسم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : أتحرم المرأة وهي طامث؟ قال : نعم ، تغتسل ، وتلبي.

وروى في الكافي في الموثق عن يونس بن يعقوب (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحائض تريد الإحرام. قال : تغتسل ، وتحتشي بالكرسف ، وتلبس ثوبا دون ثياب إحرامها ، وتستقبل القبلة ، ولا تدخل المسجد ، وتهل بالحج بغير صلاة».

والظاهر ان المراد بقوله : «تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها» أي تحتها لئلا تتلوث بالدم.

وعن زيد الشحام عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سئل عن امرأة حاضت وهي تريد الإحرام فتطمث. فقال : تغتسل ، وتحتشي بكرسف ، وتلبس ثياب الإحرام ، وتحرم ، فإذا كان الليل خلعتها ولبست ثيابها الأخر ، حتى تطهر».

ونقل السيد السند في المدارك عن جده (قدس الله روحيهما) في مناسك الحج : انها تترك الغسل. ورده بأنه غير جيد ، لورود الأمر به

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٨٩ ، والوسائل الباب ٤٨ من الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٨ من تروك الإحرام.

(٤) الفروع ج ٤ ص ٤٤٥ ، والوسائل الباب ٤٨ من الإحرام.

١٣٣

في الاخبار الكثيرة. ثم قال : ولو كان الميقات مسجد الشجرة أحرمت منه اختيارا ، فان تعذر أحرمت من خارجه. انتهى. وبذلك صرح غيره أقول : قد صرحت موثقة يونس بن يعقوب بالمنع من دخول المسجد ، وان إحرامها يصح من خارجه ، فلا ضرورة لما ارتكبوه من الإحرام اختيارا في المسجد ، ومع تعذره فمن خارجه.

ولو تركت الإحرام من الميقات جهلا بالحكم وظنا منها انه لا يجوز لها الإحرام ، رجعت اليه وأحرمت منه ان أمكن ، وإلا أحرمت من موضعها ولو في مكة ان لم تتمكن من الخروج الى خارج الحرم.

ويدل على ذلك جملة من الاخبار : منها ـ صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة كانت مع قوم فطمثت ، فأرسلت إليهم فسألتهم ، فقالوا : ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت حائض ، فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال : ان كان عليها مهلة فلترجع الى الوقت فلتحرم منه ، وان لم يكن عليها وقت فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها».

الى غير ذلك من الاخبار التي تقدمت في مسائل المقام الثاني من المقدمة الخامسة.

المقصد الرابع

في تروك الإحرام وهي محرمات ومكروهات

وتحقيق الكلام فيه يقتضي بسطه في فصلين :

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٢٥ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٨٩ ، والوسائل الباب ١٤ من المواقيت.

١٣٤

الفصل الأول ـ في التروك المحرمة ، وهي أصناف :

الأول ـ صيد البر ، ويحرم اصطيادا وأكلا واشارة ودلالة وإغلاقا وذبحا.

وههنا بحوث الأول ـ لا يخفى ان هذا الحكم مجمع عليه حتى قال في المنتهى : انه قول كل من يحفظ عنه العلم.

والأصل فيه الكتاب العزيز ، والسنة المطهرة ، قال الله (عزوجل) : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» (١) وقال (عزوجل) «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» (٢).

واما السنة المطهرة فمستفيضة ، ومنها ـ وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم ، ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده ، ولا تشر اليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه فداء لمن تعمده».

وفي الصحيح عن منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «المحرم لا يدل على الصيد ، فان دل عليه فقتل فعليه الفداء».

وما رواه الشيخ في الصحيح ـ والكليني في الصحيح أو الحسن ـ عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا تأكل

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٦.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٨١ ، والوسائل الباب ١ من تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ١ من تروك الإحرام ، والباب ١٧ من كفارات الصيد.

(٥) الوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

١٣٥

من الصيد وأنت حرام وان كان اصابه محل ، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد».

وما رواه في الكافي أيضا عن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما وطأته أو وطأه بعيرك وأنت محرم فعليك فدلوه. وقال : اعلم انه ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت جاهل به وأنت محرم في حجك ولا في عمرتك إلا الصيد فان عليك فيه الفداء بجهالة كان أو بعمد».

وفي الصحيح عن احمد بن محمد البزنطي عن ابى الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة قال : عليه كفارة. قلت : فإن أصابه خطأ؟ قال : وأي شي‌ء الخطأ عندك؟ قلت : يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى. قال : نعم هذا الخطأ ، وعليه الكفارة. قلت : فإنه أخذا طائرا متعمدا فذبحه وهو محرم؟ قال : عليه الكفارة. قلت : ألست قلت : ان الخطأ والجهالة والعمد ليسوا بسواء ، فبأي شي‌ء يفضل المتعمد الجاهل والخاطئ؟ قال : انه اثم ولعب بدينه».

وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٨٢ و ٣٨٣ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٨١ ، والوسائل الباب ٣١ من كفارات الصيد.

(٣) الفروع ج ٤ ص ٣٦٣ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٥ ، والوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام ، والوافي باب (قتل الدواب للمحرم).

١٣٦

كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة ، فأما الفأرة فإنها توهي السقاء وتحرق على أهل البيت ، واما العقرب فإن نبي الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مد يده الى الحجر فلسعته عقرب ، فقال : لعنك الله ، لا برا تدعين ولا فاجرا. والحية إذا أرادتك فاقتلها ، فان لم تردك فلا تردها والكلب العقور والسبع إذا أراداك فاقتلهما ، فان لم يريداك فلا تردهما. والأسود الغدر فاقتله على كل حال. وارم الغراب والحدأة رميا عن ظهر بعيرك».

وما رواه في الصحيح عن حريز عن من أخبره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «كل ما خاف المحرم على نفسه من السباع والحياة وغيرها فليقتله ، وان لم يردك فلا ترده».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن عمر بن يزيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «واجتنب في إحرامك صيد البر كله ، ولا تأكل من ما صاده غيرك ، ولا تشر اليه فيصيده».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

وتنقيح البحث في المقام يتم برسم مسائل الأولى ـ اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في المعنى المراد من الصيد في هذا المقام ، فظاهر كلام جملة : منهم ـ المحقق في الشرائع ، والعلامة في الإرشاد : انه الحيوان الممتنع ، وهو أعم من ان يكون محللا أو محرما. وفي النافع : انه الحيوان المحلل الممتنع. ومثله الشهيد في الدروس ، إلا

__________________

(١) الفروع ج ٤ ص ٣٦٣ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٥ و ٤٦٥ ، والوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١ من تروك الإحرام.

١٣٧

انه استثنى افرادا من المحرم فألحقها به ، حيث قال : الأول ـ الصيد وهو الحيوان المحلل ، إلا ان يكون أسدا أو ثعلبا أو أرنبا أو ضبا أو قنفذا أو يربوعا ، الممتنع بالأصالة ، البري. ونقل في المدارك عن جملة من الأصحاب أنهم ألحقوا الستة المذكورة بالمحلل. وعن آخرين أنهم ألحقوا الزنبور والأسد والعظاية. ونقل عن ابى الصلاح انه حرم قتل جميع الحيوان إلا إذا خاف منه أو كان حية أو عقربا أو فأرة أو غرابا. والظاهر ان مراده بالحيوان : الممتنع لا مطلق الحيوان ، للنص (١) والإجماع على جواز ذبح غيره. وعلى هذا يرجع كلامه الى ما تقدم نقله عن المحقق في الشرائع من العموم للمحلل والمحرم. وفي المسالك والروضة : انه الحيوان المحلل الممتنع بالأصالة. ثم قال : ومن المحرم الثعلب والأرنب والضب واليربوع والقنفذ والقمل. وهو يرجع الى ما ذكره الشهيد في الدروس. وفي التذكرة : انه الحيوان الممتنع. وقيل ما جمع ثلاثة أشياء : ان يكون مباحا وحشيا ممتنعا. وفي المنتهى : انه الحيوان الممتنع. وقيل يشترط ان يكون حلالا.

ولا يخفى ان الظاهر من الاخبار هو تحريم الصيد أعم من ان يكون محللا أو محرما ، ولا سيما رواية عمر بن يزيد وهي الأخيرة من قوله (عليه‌السلام): «واجتنب في إحرامك صيد البر كله». ويدل عليه أيضا إطلاق قوله تعالى «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» (٢) وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة». وفي رواية

__________________

(١) الوسائل الباب ٨٢ من تروك الإحرام ، والباب ٤٠ من كفارات الصيد.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩٥.

١٣٨

حريز (١) : «كل ما خاف المحرم على نفسه من السباع والحياة وغيرها فليقتله ، وان لم يردك فلا ترده». ولا ينافي ذلك عدم ترتب الكفارة على قتل بعض أنواع غير المأكول ، إذ ليس من لوازم التحريم ترتب الكفارة ، كما لا يخفى.

الثانية ـ الظاهر ان من قيد بالممتنع مقتصرا عليه فمراده الممتنع أصالة ، كما صرح به في الدروس ، وإلا لدخل فيه ما توحش وامتنع من الحيوانات الأهلية ، وخرج عنه ما تأهل من الحيوانات الوحشية الممتنعة ، كالظبي ونحوه ، مع ان الظاهر انه لا خلاف في جواز قتل الأول وعدم جواز قتل الثاني.

واعلم ان الدلالة أعم من الإشارة ، لأن الإشارة لا تكون إلا باجزاء الجسد ، والدلالة كما تكون بذلك تكون بالقول والكتابة.

ولا فرق في تحريم الدلالة على المحرم بين كون المدلول محرما أو محلا ، ولا بين الدلالة الخفية والواضحة.

قيل : ولو فعل المحرم عند رؤية الصيد فعلا أوجب لغيره انه فطن للصيد ، مثل ان يتشوق اليه أو يضحك ، ففي التحريم وجهان ، من الشك في تسميته دلالة ، ومن كونه في معناها.

وقال بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الدلالة إنما تحرم لمن يريد الصيد إذا كان جاهلا بالمدلول عليه ، فلو لم يكن مريدا للصيد أو كان عالما به ولم تفده الدلالة زيادة انبعاث فلا حكم لها ، بل الظاهر ان مثل ذلك لا يسمى دلالة.

الثالثة ـ ينبغي ان يعلم ان الجراد في معنى الصيد البري فيحرم

__________________

(١) الوسائل الباب ٨١ من تروك الإحرام.

١٣٩

قتله ، ويضمنه المحرم في الحل والحرم ، وان كان أصله من البحر ، لانه يتولد منه أولا ثم يتوالد في البر. وذكر في التذكرة انه قول علمائنا وأكثر العامة (١).

ويدل على تحريمه على المحرم روايات عديدة : منها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «مر علي (صلوات الله عليه) على قوم يأكلون جرادا وهم محرمون ، فقال : سبحان الله وأنتم محرمون؟ فقالوا : إنما هو من صيد البحر. فقال لهم : ارموه في الماء اذن».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : الجراد من البحر ، وكل شي‌ء أصله من البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله ، فان قتله فعليه الفداء ، كما قال الله تعالى» (٤).

__________________

(١) المجموع للنووي الشافعي شرح المهذب ج ٧ ص ٢٩٨ الطبعة الثانية ، والمغني لابن قدامة الحنبلي ج ٣ ص ٥١٩ ، والبحر الرائق لابن نجيم الحنفي ج ٣ ص ٣٥.

(٢) الفروع ج ٤ ص ٣٩٣ ، والتهذيب ج ٥ ص ٣٦٣ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٣٥ ، والوسائل الباب ٧ من تروك الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٨ ، والوسائل الباب ٦ من تروك الإحرام ، والباب ٣٧ من كفارات الصيد.

(٤) في سورة المائدة ، الآية ٩٥ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ). الآية.

١٤٠