الحدائق الناضرة - ج ١٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

«إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسر ذلك لي وتقبله مني واعني عليه ، وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي».

ورواية الفضيل بن يسار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه ان يحله حيث حبسه. ومفرد الحج يشترط على ربه ان لم تكن حجة فعمرة».

ورواية أبي الصباح الكناني (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشترط في الحج ، كيف يشترط؟ قال : يقول حين يريد ان يحرم : ان حلني حيث حبستني ، فإن حبستني فهي عمرة. الحديث».

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن حنان بن سدير في الموثق (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : إذا أتيت مسجد الشجرة فافرض. قلت : فأي شي‌ء الفرض؟ قال : تصلي ركعتين ثم تقول : اللهم اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج ، فإن أصابني قدرك فحلني حيث حبستني بقدرك. فإذا أتيت الميل فلبه».

والظاهر حصول الاشتراط بأي لفظ كان إذا أفاد معناه ، كما صرح به في المنتهى ، وان كان الإتيان بالمرسوم اولى.

والمستفاد من بعض الاخبار المذكورة ان وقته بعد الصلاة ، كما صرح به في صحيحة معاوية بن عمار ، ورواية قرب الاسناد.

والظاهر عدم حصول الاشتراط بمجرد النية بل لا بد من التلفظ به وقوفا على ظاهر الاخبار المذكورة. وتردد في المنتهى.

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٣ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ و ٢٤ من الإحرام.

١٠١

واختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في فائدة هذا الاشتراط وما يترتب عليه على أقوال :

أحدها ـ ان فائدته سقوط الهدى مع الإحصار ، وهو المنع بالمرض فيحصل التحلل متى اشترط بمجرد النية. وهو قول السيد المرتضى وابن إدريس ، مدعيين إجماع الفرقة عليه.

وقيل بعدم السقوط. وهو منقول عن الشيخ وابن الجنيد ، واختاره في المختلف ، وقواه في المنتهى.

ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن ذريح المحاربي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ، وأحصر بعد ما أحرم ، كيف يصنع؟ قال : فقال : أو ما اشترط على ربه قبل ان يحرم ان يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت : بلى قد اشترط ذلك قال : فليرجع إلى أهله حلالا لا إحرام عليه ، ان الله أحق من وفى بما اشترط عليه. قلت : أفعليه الحج من قابل؟ قال : لا».

وصحيحة البزنطي (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن محرم انكسرت ساقه ، أي شي‌ء يكون حاله؟ وأي شي‌ء عليه؟ قال : هو حلال من كل شي‌ء. فقلت : من النساء والثياب والطيب؟ فقال : نعم من جميع ما يحرم على المحرم. وقال : أو ما بلغك قول ابي عبد الله (عليه‌السلام) : وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. الحديث».

والتقريب فيهما انهما دلتا على التحلل بمجرد الإحصار متى اشترط

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٨١ ، والوسائل الباب ٢٤ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١ و ٨ من الإحصار والصد.

١٠٢

من غير تعرض لاعتبار الهدى ، ولو كان واجبا لذكره في مقام البيان.

احتج الشيخ على عدم السقوط بقوله تعالى «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» (١) وأجاب عنه السيد بأنه محمول على من لا يشترط. وهو غير بعيد. ويؤيده ايضا ان المتبادر من قوله : «وحلني حيث حبستني» أن التحلل لا يتوقف على شي‌ء أصلا.

قال في المدارك : وموضع الخلاف من لم يسق الهدى ، اما السائق فقال فخر المحققين انه لا يسقط عنه بإجماع الأمة.

أقول : ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) وبسند آخر صحيح عن رفاعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انهما قالا : القارن يحصر ، وقد قال واشترط : فحلني حيث حبستني. قال : يبعث بهديه. قلت : هل يتمتع في قابل؟ قال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».

إلا ان الصدوق في الفقيه (٣) قد ذكر هذا المضمون وقال : فلا يبعث بهديه. قال (قدس‌سره) : «والقارن إذا أحصر وقد اشترط وقال : «وحلني حيث حبستني» فلا يبعث بهديه ولا يستمتع من قابل ، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه». وظاهره ـ كما ترى ـ انه يتحلل بمجرد الشرط وان كان قارنا ، ولا يجب عليه بعث ما ساقه. ومنه يظهر وقوع الخلاف في المسألة وعدم ثبوت الإجماع المدعى. وهو ظاهر في ان

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٢٣ ، والوافي باب (المحصور والمصدود) والوسائل الباب ٤ من الإحصار والصد.

(٣) ج ٢ ص ٣٠٥ و ٣٠٦.

١٠٣

مذهب الصدوق في هذه المسألة هو ما ذهب اليه المرتضى.

إذا عرفت هذا فاعلم ان الروايات هنا قد اختلفت في وجوب الحج من قابل وعدمه في الصورة المذكورة.

فمن ما يدل على العدم ما تقدم في صحيحة ذريح وصحيحتي محمد بن مسلم ورفاعة المتقدمتين وغيرهما ايضا.

ومن ما يدل على الوجوب قوله في تتمة صحيحة البزنطي المتقدمة (١) «قلت : أصلحك الله ما تقول في الحج؟ قال : لا بد أن يحج من قابل».

وما رواه الشيخ في التهذيب (٢) في الصحيح عن ابي بصير ـ وهو المرادي بقرينة عبد الله بن مسكان عنه ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشترط في الحج : ان حلني حيث حبستني. أعليه الحج من قابل؟ قال : نعم».

وفي تتمة رواية أبي الصباح الكناني المتقدمة بعد ذكر ما قدمنا نقله منها (٣) «فقلت له : فعليه الحج من قابل؟ قال : نعم». وقال صفوان (٤) : قد روى هذه الرواية عدة من أصحابنا كلهم يقول : ان عليه الحج من قابل.

والشيخ قد جمع بين هذه الاخبار الوجوب على حجة الإسلام واخبار العدم على الحج المستحب. وهو جيد.

وثانيها ـ ان فائدته جواز التحلل عند الإحصار من غير تربص الى ان يبلغ الهدي محله ، فإنه لو لم يشترط لم يجز له التعجيل. وهو ظاهر

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من الإحصار والصد.

(٢) ج ٥ ص ٨٠ و ٨١ ، والوسائل الباب ٢٤ من الإحرام ، والباب ٨ من الإحصار والصد.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٤ من الإحرام.

١٠٤

المحقق في الشرائع وصريحة في النافع ، حيث قال في الأول : الرابعة ـ إذا اشترط في إحرامه ان يحله حيث حبسه ثم أحصر تحلل ، وهل يسقط الهدي؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط جواز التحلل عند الإحصار. وقيل : يجوز التحلل من غير شرط ، والأول أظهر. والتقريب فيها ـ بناء على ما ذكرناه ـ ان قوله : «وفائدة الاشتراط» جواب سؤال مقدر ، وهو ان يقال : إذا أوجبتم هدي التحلل على المحصور وان اشترط على ربه ان يحله حيث حبسه ، فما فائدة هذا الاشتراط؟ ـ وهذا هو الذي اعترض به ابن إدريس على الشيخ في القول المتقدم ـ وإذا لم يكن للشرط فائدة فقد انتفت شرعيته ، وأنتم لا تقولون به. فأجاب ان فائدته جواز التحلل اي تعجيله للمحصور عند الإحصار من غير تربص الى ان يبلغ الهدي محله ، فإنه لو لم يشترط لم يجز له التعجيل. واما عبارة النافع فإنها صريحة في ذلك ، حيث قال : ولا يسقط هدي التحلل بالشرط بل فائدته جواز التحلل للمحصور من غير تربص.

وثالثها ـ ان فائدة هذا الشرط سقوط الحج في القابل عن من فاته الموقفان. ذكره الشيخ في التهذيب.

واستدل عليه بما رواه في الصحيح عن ضريس بن أعين (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج ، فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر. فقال : يقيم على إحرامه ، ويقطع التلبية حين يدخل مكة ، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٥ و ٢٩٦ ، والوسائل الباب ٢٧ من الوقوف بالمشعر. والحديث عن ابي جعفر (ع).

١٠٥

رأسه ، وينصرف إلى اهله ان شاء. وقال : هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه ، فان لم يكن اشترط فان عليه الحج من قابل».

واستشكله العلامة في المنتهى بان الحج الفائت ان كان واجبا لم يسقط فرضه في العام القابل بمجرد الاشتراط ، وان لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط. ثم قال : والوجه حمل إلزام الحج في القابل مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب. انتهى. وهو جيد. ويؤكده ما صرح به في المنتهى في موضع آخر ، حيث قال : الاشتراط لا يفيد سقوط فرض الحج في القابل لو فاته الحج ، ولا نعلم فيه خلافا. ثم أورد صحيحة أبي بصير ورواية أبي الصباح الكناني المتقدمتين (١) ثم قال : واما ما رواه جميل بن صالح عن ذريح المحاربي. وساق الرواية المتقدمة (٢) ثم نقل عن الشيخ حملها على من كان حجه تطوعا ، واستحسنه. وبالجملة فإن الظاهر ان القول المذكور لا وجه له وروايته متأولة.

ورابعا ـ ان فائدة هذا الشرط استحقاق الثواب بذكره في عقد الإحرام ، لأنه مأمور به ، وان لم يحصل له فائدة لم تحصل بدون الاشتراط. وهو قول شيخنا الشهيد الثاني في جملة من مصنفاته ، قال في المسالك بعد ذكر الفوائد الثلاث المذكورة : وكل واحدة من هذه الفوائد لا تأتي على جميع الأفراد التي يستحب فيها الاشتراط : اما سقوط الهدى فمخصوص بغير السائق ، إذ لو كان قد ساق هديا لم يسقط واما تعجيل التحلل فمخصوص بالمحصر دون المصدود. واما كلام التهذيب فمخصوص بالمتمتع. وظاهر ان ثبوت التحلل بالأصل ، والعارض

__________________

(١) ص ١٠١ و ١٠٤.

(٢) ص ١٠٢.

١٠٦

لا مدخل له في شي‌ء من الأحكام. واستحباب الاشتراط ثابت لجميع افراد الحج. ومن الجائز كونه تعبدا أو دعاء مأمورا به يترتب على فعله الثواب. انتهى.

قال في المدارك بعد نقل الأقوال المذكورة : والذي يقتضيه النظر ان فائدته سقوط التربص عن المحصر ، كما يستفاد من قوله (عليه‌السلام) : «وحلني حيث حبستني» وسقوط الهدي عن المصدود ، لما ذكرناه من الأدلة. مضافا الى ضعف دليل وجوبه بدون الشرط ، كما سنبينه في محله. بل لا يبعد سقوطه مع الحصر ايضا ، كما ذهب اليه المرتضى وابن إدريس. ولا ينافي ذلك قوله (عليه‌السلام) في حسنة زرارة (١) : «هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط». لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين ، ونحن نقول به. ولا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه ، فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط ولزومه بدونه. والله أعلم بحقائق أحكامه.

أقول : لا يخفى ان الظاهر من حسنة زرارة المذكورة الدالة على انه حل إذا حبسه شرط أو لم يشترط ـ ومثلها ما رواه في الفقيه (٢) عن حمزة بن حمران قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من الإحرام.

(٢) ج ٢ ص ٣٠٦ ، والوسائل الباب ٢٣ من الإحرام ، والباب ٨ من الإحصار والصد. واللفظ فيه هكذا : «سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقول ...» وما أورده (قدس‌سره) يطابق ما في الفروع ج ٤ ص ٣٣٣ ، والتهذيب ج ٥ ص ٨٠.

١٠٧

الذي يقول : حلني حيث حبستني. فقال : هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل». وروى مثله عن حمران بن أعين (١) ـ انما هو التحلل بمجرد الحبس الذي هو عبارة عن الصد والحصر. وهو بالنسبة إلى المصدود ظاهر ، لما دلت عليه الاخبار. مضافا الى اتفاق أكثر الأصحاب من انه يتحلل بذبح الهدي في مكانه. اما المحصور الذي دلت الأخبار المعتضدة بكلام الأصحاب على انه لا يتحلل حتى يبلغ الهدي محله ، من منى ان كان في حج ، ومكة ان كان في عمرة ـ ومع هذا يبقى عليه تحريم النساء الى ان يأتي بالمناسك في العام القابل ان كان الحج واجبا ، أو طواف النساء ان كان مستحبا ، كما سيأتي ان شاء الله (تعالى) جميع ذلك مفصلا في بابه ـ فكيف يصدق عليه انه حل حيث حبسه شرط أو لم يشترط؟ إذ المتبادر من هذه العبارات إنما هو حله بمجرد الحبس من غير توقف على أمر آخر وهو في المحصور مع عدم الاشتراط ليس كذلك. واما مع الاشتراط فيبني على الخلاف.

وبالجملة فظاهر الخبرين المذكورين ـ بناء على ما عرفت ـ لا يخلو من الاشكال. وبذلك يظهر لك ما في قوله : «لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين ونحن نقول به» فان فيه : انه إذا أراد ثبوت التحلل مع الحبس بالنسبة إلى الحصر بمجرد الحبس وان كان مع عدم الشرط فهو لا يقول به ولا غيره ، وان أراد في الجملة ولو كان بعد بلوغ الهدى محله فهو خلاف ظاهر الخبر المذكور. وكذا الخبر الآخر.

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٧ ، والوسائل الباب ٢٣ و ٢٥ من الإحرام.

١٠٨

والظاهر ايضا من اخبار هدي المحصور ان الغرض منه إنما هو التحلل به ، وان صاحبه يبقى على إحرامه إلى يوم الوعد بينه وبين أصحابه ، ثم يحل في الساعة التي وأعدهم. وحينئذ فإن كان مجرد الحبس موجبا للحل كما هو ظاهر الروايتين المذكورتين فلا وجه للهدي حينئذ ، لأن الغرض من الهدي بمعاونة الأخبار المشار إليها إنما هو التحلل ، وهو قد تحلل بمجرد الحبس كما دل عليه الخبران المذكوران. وبذلك يظهر ما في قوله (قدس‌سره) : «فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط ولزومه بدونه» بل لا فرق بينهما بظاهر الخبرين المشار إليهما.

والعجب انه تبعه على هذه المقالة جمع ممن تأخر عنه : منهم ـ الفاضل الخراساني في الذخيرة ، والمحدث الكاشاني في الوافي ، ولم يتنبهوا لما فيه من الاشكال المذكور.

وبالجملة فالمسألة عندي من جهة هذين الخبرين محل اشكال. والله العالم.

ومنها ـ التلفظ بما عزم عليه. ذكر ذلك جملة من الأصحاب.

ويدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له : اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج ، فكيف أقول؟ قال : تقول : اللهم اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله). وان شئت أضمرت الذي تريد».

وعن ابي الصلاح مولى بسام الصيرفي (٢) قال : «أردت الإحرام

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من الإحرام. وارجع الى التعليقة (٢) ص ٣٠.

١٠٩

بالمتعة ، فقلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : كيف أقول؟ قال : تقول : اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله). وان شئت أضمرت الذي تريد».

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم اني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسر ذلك لي ، وتقبله مني ، واعني عليه وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب. وان شئت فلب حين تنهض ، وان شئت فأخره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة فافعل».

قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك في هذا المقام : والأفضل ان يذكر في تلبية عمرة التمتع الحج والعمرة معا ، على معنى أنه ينوي فعل العمرة أولا ثم الحج بعدها باعتبار دخولها في حج التمتع لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي (٢) : «ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كان يقول فيها : لبيك بحجة وعمرة معا لبيك». وفي صحيحة يعقوب بن شعيب (٣) «فقلت له : كيف تصنع أنت؟ قال : اجمعهما فأقول : لبيك بحجة وعمرة معا». ولو أهل المتمتع بالحج جاز ، لدخول عمرة التمتع فيه ، كما تدل عليه صحيحة زرارة (٤) قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٧ و ٢١ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٢٢ من الإحرام. والحديث في النسخ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) وهو عن ابي جعفر (عليه‌السلام) كما أوردناه.

١١٠

«قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : كيف أتمتع؟ قال : تأتي الوقت فتلبي بالحج ، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت ، وصليت ركعتين خلف المقام ، وسعيت بين الصفا والمروة ، وقصرت ، وأحللت من كل شي‌ء. وليس لك ان تخرج من مكة حتى تحج». قال الشهيد في الدروس ـ بعد ان ذكر ان في بعض الروايات الإهلال بعمرة التمتع ، وفي بعضها الإهلال بالحج ، وفي بعض آخر الإهلال بهما ـ : وليس ببعيد اجزاء الجميع ، إذ الحج المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة. فهو دال عليها بالتضمن ، ونيتهما معا باعتبار دخول الحج فيها. وهو حسن. قال في المنتهى : ولو اتقى كان الأفضل الإضمار. واستدل عليه بروايات : منها ـ صحيحة منصور بن حازم (١) قال : «أمرنا أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان نلبي ولا نسمي شيئا. وقال : أصحاب الإضمار أحب الي». ولا بأس به. انتهى كلام السيد (قدس‌سره).

أقول : لا يخفى على من راجع الأخبار الجارية في هذا المضمار انه لما كان الحج الواجب على أهل الآفاق هو حج التمتع ، والأفضل من افراد الحج بعد الإتيان بحج الإسلام هو حج التمتع ايضا ، وكان العامة يبالغون في المنع من التمتع (٢) خرجت الاخبار في التلبية بحج التمتع مختلفة باختلاف مقتضيات الأحوال ، فجملة منها تضمن التلبية بالحج والعمرة ، وجملة خرجت بالتلبية بالحج ـ يعني : حج

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من الإحرام.

(٢) ارجع الى الصفحة ٣٥٨ و ٣٥٩ و ٤٠٥ من الجزء الرابع عشر من الحدائق.

١١١

الافراد ـ مع إضمار نية العدول عنه بعد الوصول إلى مكة والإتيان بالطواف والسعي. ولكن اخبار هذا القسم ما بين مجمل ـ كصحيحة زرارة التي نقلها وحملها على حج التمتع ، وان تقدمه في ذلك في الدروس كما نقله عنه ـ وما بين مصرح بالفسخ بعد الدخول إلى مكة كصحيحة البزنطي التي قدمناها في الفائدة الرابعة من الفوائد الملحقة بمسألة النية من المقصد الثاني (١) ومثلها صحيحة زرارة المنقولة عن كتاب الكشي كما قدمنا ذكرها ايضا (٢) وروايات أخر تقدمت في الموضع المذكور (٣). والفاضلان المذكوران لعدم وقوفهما على تلك الروايات حملوا هذه الرواية ـ ومثلها صحيحة البزنطي الأخرى (٤) لإجمالها ايضا ـ على حج التمتع. وهو سهو محض ، فإنه لا يخفى على من لا حظ الاخبار بعين التدبر والاعتبار ان لفظ الحج بقول مطلق انما يراد به حج الافراد ، وكذا في عبارات الأصحاب أيضا. وجملة منها قد تضمنت الأمر بالإضمار. وسبيل هذين القسمين الأخيرين هو التقية فربما نادت بالإضمار ، وربما لم تناد إلا بالإجهار بالتلبية بحج الافراد فيلبي به ويضمر الفسخ بعد دخوله مكة.

ومن ما يستأنس به لما ذكرناه ـ زيادة على ما قدمناه في الموضع المشار اليه من الروايات الواضحة ـ صحيحة الحلبي التي نقل عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ما ذكره (٥) هذه صورتها : عن الحلبي عن

__________________

(١) ص ٣٥.

(٢) ص ٣٥ و ٣٦ ، وج ١٤ ص ٤٠١.

(٣) ص ٣٧ و ٣٨.

(٤) ص ٣٦.

(٥) الوسائل الباب ٢١ من الإحرام.

١١٢

ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ان عثمان خرج حاجا ، فلما صار الى الأبواء أمر مناديا ينادي بالناس : اجعلوها حجة ولا تمتعوا. فنادى المنادي ، فمر المنادي بالمقداد بن الأسود ، فقال : اما لتجدن عند القلائص رجلا ينكر ما تقول. فلما انتهى المنادي الى علي (عليه‌السلام) وكان عند ركائبه يلقمها خبطا ودقيقا ، فلما سمع النداء تركها ومضى الى عثمان ، فقال : ما هذا الذي أمرت به؟ فقال : رأي رأيته. فقال : والله لقد أمرت بخلاف رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم أدبر موليا رافعا صوته : لبيك بحجة وعمرة معا لبيك. الحديث» (١).

أقول : حيث كان عثمان لما فعله من البدع قد سقط قدره من أعين الناس لم يتقه وجاهر بخلافه. ولكن سنته وسنن أمثاله جرت بعد ذلك.

واماصحيحة يعقوب بن شعيب فهي ما رواه عنه في التهذيب (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقلت : كيف ترى لي ان أهل؟ فقال لي : ان شئت سميت وان شئت لم تسم شيئا. فقلت له : كيف تصنع أنت؟ فقال : اجمعهما فأقول : «لبيك بحجة وعمرة معا». ثم قال : اما اني قد قلت لأصحابك غير هذا».

ومنها ـ أن يحرم في الثياب القطن الأبيض.

أما استحباب كونها قطنا فاستدل عليه

بما رواه الكليني في الكافي عن الحسن بن علي عن بعض أصحابنا عن بعضهم (عليهم‌السلام) (٣) قال : «أحرم

__________________

(١) صحيح البخاري باب (التمتع والافراد والقران في الحج) وصحيح مسلم باب (جواز التمتع).

(٢) ج ٥ ص ٨٨ ، والوسائل الباب ١٧ و ٢١ من الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ٢٧ من الإحرام.

١١٣

رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ثوبي كرسف». ورواه الصدوق ايضا مرسلا (١).

واما استحباب البيض فلما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) انه قال : «خير ثيابكم البياض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفنوا بها موتاكم».

والظاهر ان هذه الرواية عامية ، فإني لم أقف عليها في كتب الاخبار.

إلا انه قد روي نحو هذا المضمون في عدة من أخبارنا : منها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن جابر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ليس من لباسكم شي‌ء أحسن من البياض فالبسوه ، وكفنوا فيه موتاكم».

وما رواه في الكافي في الموثق عن ابن القداح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : البسوا البياض ، فإنه أطيب واطهر. وكفنوا فيه موتاكم».

وعن مثنى الخياط عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : البسوا البياض ، فإنه أطيب وأطهر

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ من الإحرام.

(٢) نقل في الوسائل الباب ١٤ من أحكام الملابس عن مجالس الشيخ عن أبي هريرة عن النبي (ص) ما يقارب هذا اللفظ. وكذا في المسند لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي ج ١ ص ٢٤٠.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٩ من التكفين ، والباب ١٤ من أحكام الملابس.

(٥) الوسائل الباب ١٩ من التكفين.

١١٤

وكفنوا فيه موتاكم».

ويمكن تأييدها بصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «كان ثوبا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار ، وفيهما كفن». ووجه التأييد ما ورد من استحباب التكفين في الثياب البيض (٢).

ولا بأس بالإحرام بالثوب الأخضر ، لما رواه الصدوق والكليني عن خالد بن ابي العلاء الخفاف (٣) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) وعليه برد أخضر وهو محرم».

والمصبوغ بمشق ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «سمعته وهو يقول : كان علي (عليه‌السلام) محرما ومعه بعض صبيانه ، وعليه ثوبان مصبوغان ، فمر به عمر بن الخطاب فقال : يا أبا الحسن ما هذان الثوبان المصبوغان؟ فقال (عليه‌السلام) : ما نريد أحدا يعلمنا بالسنة ، إنما هما ثوبان صبغا بالمشق ، يعني : الطين».

والخز ، لما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن محمد بن عبد الله الحميري (٥) «انه كتب الى صاحب الزمان (عليه‌السلام) : هل يجوز للرجل ان يحرم في كساء خز أم لا؟ فكتب إليه في الجواب :

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من التكفين ، والباب ٢٧ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١٩ من التكفين.

(٣) الوسائل الباب ٢٨ من الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٤٢ من تروك الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٣٢ من الإحرام.

١١٥

لا بأس بذلك ، وقد فعله قوم صالحون». ورواه الشيخ في كتاب الغيبة مثله (١).

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) «انه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المحرم يلبس الخز؟ قال : لا بأس». ورواه الكليني مثله (٣).

والبرد ، لما رواه الصدوق (قدس‌سره) بإسناده عن حماد النواء (٤) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ أو سئل وهو حاضر ـ عن المحرم يحرم في برد؟ قال : لا بأس به ، وهل كان الناس يحرمون إلا في البرد».

وعن عمرو بن شمر عن أبيه (٥) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) وعليه برد مخفف وهو محرم». والظاهر ان معنى قوله : «مخفف» اي رقيق شفاف يرى ما تحته.

المقصد الثالث في أحكام الإحرام

وقد تقدم أكثرها في المباحث المتقدمة ، إلا انه بقي جملة منها يجب تحريرها في مسائل :

الأولى ـ لا يجوز لمن عقد إحراما أن يعقد إحراما آخر حتى يأتي بأفعال ما أحرم له أو لا كملا ، والظاهر انه لا خلاف فيه كما يظهر من المنتهى.

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣٢ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من الإحرام. والمسؤل في الوسائل هو أبو الحسن (ع) كما أورده ، وفي الفقيه ج ٢ ص ٢١٨ هو أبو عبد الله (ع).

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٨ من الإحرام.

١١٦

ويدل عليه قوله (عزوجل) «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ» (١) وبإدخال أحدهما على الآخر لا يحصل الإتمام.

ويدل عليه أيضا الأخبار الدالة على كيفية كل من هذه الأفراد التي يحرم لها من عمرة التمتع وحجه وحج الافراد وعمرته ، فإنها صريحة في وجوب إكمال كل منها ، فإدخال بعضها في بعض خلاف الكيفية المستفادة من الشرع ، فيكون تشريعا.

وعلى هذا فلو أحرم بحج التمتع قبل التقصير من عمرته ، فان كان ناسيا فالمشهور انه لا شي‌ء عليه. وقيل عليه دم ، نقل ذلك عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ الطوسي وابن البراج. وحكى العلامة في المنتهى قولا لبعض الأصحاب ببطلان الإحرام الثاني والبقاء على الإحرام الأول مع انه قال في المختلف : لو أخل بالتقصير ساهيا وادخل إحرام الحج على العمرة سهوا لم يكن عليه إعادة الإحرام وتمت عمرته إجماعا وصح إحرامه. ثم نقل الخلاف في وجوب الدم خاصة.

وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في رجل متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج؟ قال : يستغفر الله تعالى».

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٣) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ، فدخل مكة فطاف وسعى ، ولبس ثيابه وأحل ، ونسي أن يقصر حتى خرج الى عرفات.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥٤ من الإحرام. والشيخ يرويه عن الكليني.

١١٧

قال : لا بأس به ، يبنى على العمرة وطوافها وطواف الحج على أثره».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل في الحج. قال : يستغفر الله ولا شي‌ء عليه ، وتمت عمرته».

احتج الشيخ على وجوب الدم بما رواه عن إسحاق بن عمار في الموثق (٢) قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) : الرجل يتمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج؟ فقال : عليه دم يهريقه».

قال في الفقيه (٣) : الدم على الاستحباب ، والاستغفار يجزئ عنه والخبران غير مختلفين.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٤) : وان نسي المتمتع التقصير حتى يهل بالحج كان عليه دم. وروى يستغفر الله.

وهذا هو مستند الشيخ على بن بابويه ، بل الظاهر ان عبارته ـ لو نقلت ـ عين هذه العبارة ، كما عرفته في غير موضع من ما تقدم.

وان كان عامدا فقيل انه تبطل عمرته ويصير حجة مفردا ، ذهب اليه الشيخ وجمع من الأصحاب : منهم ـ الشهيد في شرح الإرشاد ، وصاحب الجامع على ما نقله فيه ايضا ، والعلامة في المختلف والتذكرة والمنتهى ، والشهيد الثاني في المسالك ، والظاهر انه المشهور. وذهب

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٤ من الإحرام ، والباب ٦ من التقصير. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٢) الوسائل الباب ٥٤ من الإحرام ، والباب ٦ من التقصير.

(٣) ج ٢ ص ٢٣٧ ، والوسائل الباب ٦ من التقصير.

(٤) ص ٢٩.

١١٨

ابن إدريس إلى بطلان الإحرام الثاني والبقاء على الإحرام الأول.

استدل الشيخ في التهذيب على ما ذهب اليه بما رواه في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبى قبل ان يقصر ، فليس له ان يقصر ، وليس له متعة». وهذه الرواية قد وصفها جمع بالصحة : منهم ـ العلامة في التذكرة والمنتهى والمختلف ، والشهيد الثاني في المسالك ، والأول في شرح الإرشاد ، مع ان في طريقها إسحاق بن عمار وهو مشترك بين الثقة والفطحي.

وعن العلاء بن الفضيل (٢) قال : «سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل ان يقصر. قال : بطلت متعته ، هي حجة مبتولة».

قال في المدارك بعد نقل الخبرين المذكورين : وفي الروايتين قصور من حيث السند ، فيشكل التعويل عليهما في إثبات حكم مخالف للأصل والاعتبار. وهو على أصله الغير الأصيل جيد. وقد عرفت في غير موضع من ما تقدم ان الطعن في الاخبار بضعف السند لا يقوم حجة على الشيخ ونحوه من المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم.

وبالجملة فظاهر الروايتين بطلان المتعة ، والثانية صريحة في كونها تصير حجة مفردة. ولا معارض لهما.

وما ذكره في الدروس في الجواب عنهما ـ بالحمل على متمتع عدل عن الافراد ثم لبى بعد السعى ، قال : لانه روى التصريح بذلك ـ

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٥٩ ، والوسائل الباب ٥٤ من الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٩٠ ، والوسائل الباب ٥٤ من الإحرام.

١١٩

فقد رده في المدارك بأنه حمل بعيد ، قال : وما ادعاه من النص لم نقف عليه.

أقول : اما ما ذكره من بعد الحمل فجيد ، لان ظاهر الروايتين المذكورتين ان الطواف والسعي إنما وقع بنية المتعة ، فالحمل ـ على انهما وقعا بنية الافراد ، وانه عدل عن الافراد بعدهما الى التمتع ونقل ما اتى به الى عمرة التمتع ـ تعسف محض. واما ما ذكره ـ من ان ما ادعاه من النص لم يقف عليه ـ فعجيب ، فإنه قد قدم في مسألة جواز عدول المفرد الى التمتع : انه متى طاف وسعى في حج الافراد بعد دخوله مكة وأراد نقله الى التمتع ، فان كان قد لبى بعد الطواف أو بعد السعي امتنع النقل ، لأن التلبية عاقدة للإحرام الأول ، وان لم يلب جاز له العدول. وهذا هو الذي أراده الشهيد هنا ، وهو من ما لا سبيل إلى إنكاره.

ومن روايات المسألة ما رواه في الفقيه عن إسحاق بن عمار ، وفي التهذيب عنه عن ابي بصير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الرجل يفرد الحج ، فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يبدو له ان يجعلها عمرة؟ قال : ان كان لبى بعد ما سعى قبل ان يقصر فلا متعة له». وهي ظاهرة في ما ذكره الشهيد من ان المفرد متى عدل بعد الطواف والسعي إلا انه لبى بعد السعي فإنه لا متعة له

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٩٠ ، والوسائل الباب ٥ و ١٩ من أقسام الحج. والحديث في الفقيه عن إسحاق بن عمار عن ابي بصير أيضا. إلا ان صاحب الوسائل نقله في الباب ١٩ من أقسام الحج عن الفقيه وأنهاه إلى إسحاق بن عمار.

١٢٠