الحدائق الناضرة - ج ١٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

فكان مجزئا أن يجدد فيه نية الوجوب.

وأورد على الأول انه قياس مع الفارق. وعلى الثاني بأن جواز إنشاء الحج في ذلك الزمان على بعض الوجوه بنص خاص لا يقتضي إلحاق غيره به ، خصوصا مع مصادمته بمقتضى الأصل من عدم اجزاء المندوب عن الواجب.

ولعله لذلك تردد المحقق في المعتبر والشرائع في الحكم المذكور ، وهو في محله.

وبالجملة فإني لم أقف لهم على دليل في المسألة إلا ما يدعى من الإجماع ، وعليه اعتمد شيخنا الشهيد الثاني في المسالك فقال ـ بعد ان نقل عن التذكرة دعوى الإجماع وعن المنتهى انه توقف وعن التحرير انه تنظر في ذلك ـ ما صورته : والمعتمد الاجزاء تعويلا على الإجماع المنقول وعدم العلم بالمخالف على وجه يقدح فيه. انتهى. وفيه انه قد طعن في مسالكه في هذا الإجماع في غير موضع كما سنشير اليه ان شاء الله تعالى. وحينئذ فالظاهر هو عدم الاجزاء

ثم انه على تقدير القول بالاجزاء فههنا فروع :

الأول (١) ـ انه قد ذكر الشهيد في الدروس انهما يجددان نية الوجوب. وهل المراد به انه ينوي بباقي الأفعال الوجوب حينئذ لوجود المقتضى له ، أو للوقوف الذي حصل الكمال في أثنائه ، أو يكون المراد به تجديد نية الإحرام على وجه الوجوب لانه مستمر الى ان يأتي بالمحلل فتكون النية في أثنائه واجبة لما بقي منه؟ احتمالات أظهرها الأول. إلا ان الأمر عندنا في النية سهل كما قدمنا بيانه في غير موضع.

الثاني ـ هل يعتبر على تقدير القول المذكور كون الصبي والمجنون مستطيعين

__________________

(١) أوردنا عدد الفروع بالحروف تبعا للنسخة الخطية.

٦١

قبل ذلك من حيث الزاد والراحلة؟ قيل : نعم ، وبه قطع الشهيدان ، لان البلوغ والعقل أحد الشرائط الموجبة كما ان الاستطاعة كذلك فوجود أحدهما دون الآخر غير كاف في الوجوب. وقيل : لا ، وهو ظاهر المشهور كما نقله في المدارك حيث لم يتعرضوا لاشتراط ذلك ، تمسكا بالإطلاق. وهو الأظهر لما سيأتي ان شاء الله تعالى تحقيقه في معنى الاستطاعة ، وانها عبارة عن ما ذا؟ ويعضده ايضا النصوص الصحيحة المتضمنة للاجزاء في العبد إذا أدرك المشعر معتقا (١) مع تعذر الاستطاعة السابقة في حقه ولا سيما عند من قال بإحالة ملكه.

الثالث ـ انه على تقدير القول باعتبار الاستطاعة كما ذهب اليه الشهيدان فظاهرهما اشتراط حصول الاستطاعة في البلد ، وظاهر السيد السند (قدس‌سره) في كتاب المدارك بناء على القول المذكور الاكتفاء بحصولها في الميقات قال : بل لا يبعد الاكتفاء بحصولها من حين التكليف. وهو جيد لو قيل بذلك.

الرابع ـ انه على تقدير القول بالاجزاء فهل يفرق في الحكم المذكور بين حج التمتع وبين الحجين الآخرين؟ حيث ان عمرة هذين الحجين متأخرة فتقع بعد ذلك بنية الوجوب ، اما في التمتع فيقوى الاشكال كما ذكره في المسالك :

قال : لوقوع جميع عمرته مندوبة مضافة الى بعض أفعال الحج ايضا فيبعد اجزاؤها عن الواجب مع عدم النص عليه. الى ان قال : والفتوى مطلقة وكذلك الإجماع المنقول ، فينبغي استصحابهما في الجميع. ومال إليه في الدروس حيث قال : ويعتد بالعمرة المتقدمة لو كان الحج تمتعا في ظاهر الفتوى. وقوى شارح ترددات الكتاب العدم. انتهى.

والى ما نقله هنا عن شارح ترددات الكتاب ـ من القول بالاختصاص

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من وجوب الحج وشرائطه.

٦٢

بالقارن والمفرد ـ مال السيد السند في المدارك استبعادا لإجزاء العمرة الواقعة بتمامها على وجه الندب عن الواجب ، قال : ولا بأس به قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق ان تم وإلا اتجه عدم الاجزاء مطلقا. انتهى.

أقول : لا ريب انه على ما اخترناه من عدم الاجزاء لعدم الدليل على ذلك فلا اثر لهذه الاحتمالات ولا ورود لهذه الإشكالات ، واما على القول المذكور فالحكم محل اشكال ، لعدم النص ، وعدم صحة بناء الأحكام على هذه التعليلات التي يتعاطونها في كلامهم ويتداولونها على رؤوس أقلامهم.

الثانية (١) ـ الصبي إذا كان مميزا صح إحرامه إذا كان باذن وليه وإلا أحرم به الولي ، وكذا المجنون ، بمعنى جعلهما محرمين سواء كان هو محلا أو محرما.

ومن الاخبار في ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره ان يلبي ويفرض الحج ، فان لم يحسن ان يلبي لبوا عنه ، ويطاف به ويصلى عنه. قلت : ليس لهم ما يذبحون؟ قال : يذبح عن الصغار ويصوم الكبار. ويتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب والطيب. فان قتل صيدا فعلى أبيه».

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قدموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو الى بطن مر ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم ، يطاف بهم ويسعى بهم ويرمى عنهم. ومن

__________________

(١) هذه هي المسألة الثانية ، وقد أوردنا العبارة هنا على طبق النسخة الخطية.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من أقسام الحج.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٤٠٩ وفي الوسائل الباب ١٧ من أقسام الحج.

٦٣

لم يجد منهم هديا فليصم عنه وليه».

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ـ وكنا تلك السنة مجاورين وأردنا الإحرام يوم التروية ـ فقلت : ان معنا مولودا صبيا؟ فقال : مروا امه فلتلق حميدة فلتسألها كيف تفعل بصبيانها؟ قال فأتتها فسألتها فقالت لها : إذا كان يوم التروية فجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم ثم أحرموا عنه ثم قفوا به في المواقف ، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه ثم زوروا به البيت ثم مروا الخادم ان يطوف به البيت وبين الصفا والمروة».

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «انظروا من كان معكم من الصبيان. الحديث الأول إلى قوله : فليصم عنه وليه ،. وزاد : وكان علي بن الحسين عليه‌السلام يضع السكين في يد الصبي ثم يقبض على يده الرجل فيذبح».

ويستفاد من هذه الاخبار ان الولي يأمر الصبي بالتلبية ونحوها من الأفعال كالطواف والرمي والذبح ونحو ذلك ، فان لم يحسن ناب عنه الولي أو من يأمره ، ويلبسه ثوبي الإحرام ويجنبه ما يجب اجتنابه على المحرم. والجميع من ما لا خلاف فيه. واما الصلاة فإنه يصلي عنه كما تضمنته صحيحة زرارة ، واحتمل في الدروس أمره بالإتيان بصورة الصلاة أيضا كالطواف. وهو ضعيف وان نفى عنه البأس السيد في المدارك. وإذا طاف به فالأحوط أن يكونا متطهرين ، واكتفى الشهيد في الدروس بطهارة الولي.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤١٠ وفي الوسائل الباب ١٧ من أقسام الحج.

(٢) هذه الصحيحة مع الزيادة هي رواية الكافي والفقيه والمتقدمة هي رواية التهذيب ، وقد أورد الزيادة في الوسائل عن الفقيه في الباب ١٧ من أقسام الحج برقم ٤ وعن الكافي في الباب ٣٦ من الذبح برقم ٢.

٦٤

وهذه الروايات ونحوها وان اختصت بالصبيان إلا ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يفرقوا في هذه الأحكام بين الصبي والصبية. وهو جيد ، فإن أكثر الأحكام في جميع أبواب الفقه إنما خرجت في الرجال مع انه لا خلاف في إجرائها في النساء ولا اشكال.

وألحق الأصحاب المجنون ، واستدل عليه في المنتهى بأنه ليس اخفض حالا من الصبي. وهو ضعيف فإنه لا يخرج عن القياس ، مع انه قياس مع الفارق.

فائدة

اختلف الأصحاب في توقف الحج المندوب من الولد البالغ على إذن الأب أو الأبوين وعدمه ، فنقل عن الشيخ انه أطلق عدم استئذانهما وهو ظاهر اختيار الشهيد في الدروس ، واعتبر العلامة في القواعد إذن الأب خاصة ، وقوى شيخنا الشهيد الثاني في المسالك توقفه على إذنهما ، وفصل في الروضة فقال : ان عدم اعتبار إذنهما حسن إذا لم يكن الحج مستلزما للسفر المشتمل على الخطر وإلا فالاشتراط أحسن.

وما في المدارك ـ بعد اعترافه بعدم الوقوف على نص في خصوص هذه المسألة ـ إلى القول الأول فقال : ومقتضى الأصل عدم الاشتراط والواجب المصير إليه الى ان يثبت المخرج عنه. انتهى.

وقال في الذخيرة بعد نقل هذه الأقوال : ولا أعلم في هذه المسألة نصا متعلقا بها على الخصوص فالإشكال فيها ثابت. انتهى.

٦٥

أقول : روى الصدوق (طاب ثراه) في كتاب العلل (١) عن أبيه عن احمد بن إدريس عن محمد بن احمد عن احمد بن هلال عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح عن هشام بن الحكم عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من فقه الضيف ان لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه. ومن طاعة المرأة لزوجها ان لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها. ومن صلاح العبد وطاعته ونصحه لمولاه ان لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه وامره. ومن بر الولد ان لا يصوم تطوعا ولا يحج تطوعا ولا يصلي تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما. وإلا كان الضيف جاهلا ، وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد فاسقا عاصيا ، وكان الولد عاقا قاطعا للرحم». وهي ـ كما ترى ـ صريحة الدلالة على توقف الحج على إذن الأبوين معا.

إلا ان شيخنا الصدوق بعد نقلها قال في الكتاب المذكور ما صورته : قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب : جاء هذا الخبر هكذا ، ولكن ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحج تطوعا كان أو فريضة ، ولا في ترك الصلاة ، ولا في ترك الصوم تطوعا كان أو فريضة ، ولا في شي‌ء من ترك الطاعات. انتهى.

وهذا الخبر قد رواه الصدوق في الفقيه (٢) والكليني في الكافي (٣) في كتاب الصوم خاليا من ذكر الحج والصلاة كما قدمناه في كتاب الصوم.

وشيخنا الصدوق قد رد الخبر ـ كما ترى ـ ولم ينقل له معارضا ، مع ان ما تضمنه مؤيد بجملة من الأخبار الدالة على وجوب طاعتهما على الولد وان كان في الخروج من اهله وماله :

__________________

(١) ص ٣٨٥ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ١٠ من الصوم المحرم والمكروه. وبين ألفاظ الحديث في المتن وفي العلل بعض الفروق البسيطة.

(٢) ج ٢ ص ٩٩ ، وفي الوسائل الباب ١٠ من الصوم المحرم والمكروه.

(٣) ج ٤ ص ١٥١ ، وفي الوسائل الباب ١٠ من الصوم المحرم والمكروه.

٦٦

روى في الكافي بسنده فيه عن محمد بن مروان (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان رجلا اتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصني. فقال : (لا تُشْرِكْ بِاللهِ) شيئا وان حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان. ووالديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين ، وان أمراك ان تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فان ذلك من الايمان».

وروى فيه (٢) ايضا بسنده عن جابر عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «اتى رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اني راغب في الجهاد ونشيط؟ فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فجاهد في سبيل الله ، فإنك ان تقتل تكن حيا عند الله ترزق ، وان تمت فقد وقع أجرك على الله ، وان رجعت رجعت من الذنوب كما ولدت. فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فقر مع والديك فوالذي نفسي بيده لأنسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة».

وروى فيه ايضا عن جابر (٣) قال : «اتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال : انى رجل شاب نشيط وأحب الجهاد ولي والدة تكره ذلك؟ فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارجع فكن مع والدتك فوالذي بعثني بالحق لأنسها بك ليلة خير من جهادك في سبيل الله سنة».

وفي حديث (٤) في معنى قوله (عزوجل) (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) (٥)

__________________

(١) الوسائل الباب ٩٢ من أحكام الأولاد.

(٢) ج ٢ ص ١٦٠ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ٢ من جهاد العدو.

(٣) الوسائل الباب ٢ من جهاد العدو.

(٤) الوسائل الباب ٩٢ من أحكام الأولاد. وهو حديث ابي ولاد الحناط.

(٥) سورة بني إسرائيل الآية ٢٣.

٦٧

قال : ان ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما. فذلك منك قول كريم. قال «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ» (١)؟ قال : لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تقدم قدامهما.

الى غير ذلك من الاخبار الدالة على مزيد الحث على برهما والانقياد لأمرهما

وهي ـ كما ترى ـ ظاهرة في تأييد الخبر المذكور فالخروج عنه وترك العمل به من غير معارض مشكل.

الثالثة ـ قد صرح جمع من الأصحاب بأن الولي هنا من له ولاية المال كالأب والجد للأب والوصي.

والأولان من ما ادعى في التذكرة عليهما الإجماع فقال : انه قول علمائنا اجمع.

قال (٢) واما ولاية الوصي فمقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدل عليه بان له ولاية المال على الطفل فكان له ولاية الاذن في الحج. قال في المدارك : وهو حسن ، وفي النصوص بإطلاقها دلالة عليه.

أقول : وعندي فيه توقف إذ المتبادر من الولي في هذا المقام انما هو الأب والجد له ، ومجرد كون الوصي له ولاية المال لا يلزم انسحابه في ولاية البدن ، لان الحج يستلزم التصرف في المال والبدن.

وربما يظهر من كلامهم ثبوت الولاية في هذا المقام للحاكم ايضا بالنظر الى

__________________

(١) سورة بني إسرائيل الآية ٢٤.

(٢) هكذا وردت العبارة في النسخة المطبوعة والخطية ، ويحتمل ان تكون كلمة «قال» زيادة من قلم النساخ. كما يحتمل سقوط كلمة «في المدارك» من القلم ، لأن العبارة المذكورة من قوله «واما» الى قوله «في الحج» عين عبارة المدارك.

٦٨

ان له ولاية المال ، قال في المدارك : ونقل عن الشيخ (قدس‌سره) في بعض كتبه التصريح بذلك. ثم قال : ولا بأس به لأنه كالوصي. انتهى.

وفيه ما عرفت ، بل هو أبعد من الدخول في هذا المقام. ولا ريب ان الاحتياط يقتضي الاقتصار على الأولين.

واختلف الأصحاب في ثبوت الولاية للأم في هذا المقام ، والمشهور ذلك واليه ذهب الشيخ وأكثر الأصحاب.

واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سمعته يقول : مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برويثة (٢) وهو حاج فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيحج عن مثل هذا؟ قال : نعم ولك اجره».

والتقريب فيه انه لا يثبت لها الأجر إلا من حيث صحة الحج به وان جميع ما فعلته به أو عنه من أفعال الحج موافق للشرع.

ويعضدها ايضا ظاهر صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة (٣).

وقال ابن إدريس : لا ولاية لها في ذلك لانتفاء ولايتها في المال والنكاح فتنتفي هنا. ونقل عن فخر المحققين انه قواه. وهما محجوبان بالخبر المذكور. إلا ان ابن إدريس بناء على أصله الغير الأصيل لا يتوجه عليه ذلك.

الرابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يلزم الولي متى حج بالصبي نفقته الزائدة على نفقة الحضر ، بمعنى انه يغرم ما يحتاج اليه من حيث السفر من نفسه لا من مال الطفل ، كاجرة الدابة وآلات السفر ونحو ذلك ، لانه غرم ادخله على نفسه بسبب إخراجه الصبي والسفر به فلزمه التسبيب. ولأن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) موضع بين الحرمين.

(٣) ص ٦٤.

٦٩

الولي تلزمه كفارة الصيد كما تضمنته صحيحة زرارة المتقدمة (١) في المسألة الثانية فالنفقة أولى.

وأ حلق الأكثر بالنفقة الزائدة الفدية التي تلزم المكلف في حالتي العمد والخطأ وهي كفارة الصيد ، وجزم في التذكرة بلزومها للصبي لوجوبها بجنايته فكان كما لو أتلف مال غيره. قال في المدارك : وتدفعه صحيحة زرارة (٢).

أقول : لا يخفى ان إطلاق الحكم بما ذكروه هنا ـ ولا سيما على ما قدمنا نقله عنهم من عموم الولي للوصي والحاكم الشرعي ـ لا يخلو من الإشكال ، لأنه متى توقف حفظ الصبي وكفالته وتربيته على السفر به وكانت مصلحته في ذلك فلا معنى لهذا التعليل في وجوب النفقة على الولي ، بل ينبغي ان يكون كل ما يغرمه في السفر من الأشياء المذكورة من مال الطفل ان كان له مال وإلا فهو من مال الولي تبعا لوجوب النفقة عليه في الحضر والقيام بما يحتاج اليه. وهذا بالنسبة إلى الولي الجبري ، واما الوصي والحاكم الشرعي فقد عرفت انه لا دليل على عموم تصرفهما في الصبي بحيث يسافرون به من بلد الى بلد اخرى وانما قصارى ولايتهم على ما يتعلق بماله ، فحينئذ لو سافروا به والحال كذلك فينبغي ان يغرموا جميع ما يتعلق به ، وان ثبت ان لهم التصرف على وجه العموم واقتضت المصلحة ذلك فالذي ينبغي ان يكون جميع ما يغرمونه من مال الطفل.

وبالجملة فإن المسألة لخلوها من النص الواضح لا تخلو من الاشكال ، وكلامهم هنا على إطلاقه لا يخلو من شوب الاختلال.

ثم انهم ايضا اختلفوا في ما يختلف حكم عمده وسهوه في البالغ كالوطء واللبس إذا تعمده الصبي :

فنقل عن الشيخ (رحمه‌الله) انه قال : الظاهر انه تتعلق به الكفارة على

__________________

(١ و ٢) ص ٦٣.

٧٠

وليه. وان قلنا لا يتعلق به شي‌ء ـ لما روى عنهم (عليهم‌السلام) (١) : ان «عمد الصبي وخطأه واحد» والخطأ في هذه الأشياء لا يتعلق به كفارة من البالغين ـ كان قويا.

قال في المدارك : وهو جيد لو ثبت اتحاد عمد الصبي وخطأه على وجه العموم ، لكنه غير واضح ، لان ذلك إنما ثبت في الديات خاصة. انتهى وهو جيد

وقيل بالوجوب تمسكا بالإطلاق ، ونظرا الى ان الولي يجب عليه منع الصبي عن هذه المحظورات ، ولو كان عمده خطأ لما وجب عليه المنع لأن الخطأ لا يتعلق به حكم ولا يجب المنع منه.

قال في المدارك بعد نقل ذلك : والمسألة محل تردد ، وان كان الأقرب عدم الوجوب اقتصارا في ما خالف الأصل على موضع النص وهو الصيد.

ونقل عن الشيخ انه يتفرع على الوجهين ما لو وطأ قبل أحد الموقفين متعمدا ، فان قلنا ان عمده وخطأه سواء لم يتعلق به فساد الحج ، وان قلنا ان عمده عمد فسد حجه ولزمه القضاء. ثم قال : والأقوى الأول ، لأن إيجاب القضاء يتوجه الى المكلف وهو ليس بمكلف.

أقول : والمسألة لا تخلو من اشكال لعدم النص في المقام ، فانا لم نقف في ذلك إلا على صحيحة زرارة المتقدمة (٢) الدالة على الصيد وانه تجب كفارته على الأب. والاحتياط واضح.

والثاني من الشروط المتقدمة ـ الحرية ، فلا يجب على المملوك وان اذن له سيده ، ولو اذن له صح إلا انه لا يجزئه عن حج الإسلام لو أعتق.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من قصاص النفس ، والباب ١١ من العاقلة.

(٢) ص ٦٣.

٧١

اما انه لا يجب عليه وان اذن له سيده فقال في المعتبر : ان عليه إجماع العلماء. ويدل عليه

ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسندين أحدهما صحيح عن ابن محبوب عن الفضل بن يونس ـ وهو ثقة واقفي ـ عن ابي الحسن عليه‌السلام (١) قال : «ليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق».

واستدل في المدارك على ذلك برواية آدم بن علي عن ابي الحسن عليه‌السلام (٢) قال : «ليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق». وهو سهو من قلمه (قدس‌سره) فان هذا المتن إنما هو في رواية الفضل التي ذكرناها ، واما رواية آدم بن علي فهي ما رواه الشيخ عنه عن ابى الحسن عليه‌السلام (٣) قال : «ليس على المملوك حج ولا جهاد ولا يسافر إلا بإذن مالكه». وهي أيضا دالة على الحكم المذكور.

واما انه إذا حج باذن مولاه فإنه يصح حجه ولكن لا يجزئه عن حجة الإسلام لو أعتق فقال في المنتهى : انه قول كل من يحفظ عنه العلم.

وتدل عليه الاخبار المتكاثرة ، ومنها ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٤) قال : «المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه اعادة الحج».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «ان المملوك

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٥ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من وجوب الحج وشرائطه. ومتنها كما ذكره المصنف (قدس‌سره).

(٤) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه رقم (١) وهي رواية الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ٢٦٤.

٧٢

ان حج وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل ان يعتق ، وان أعتق فعليه الحج».

وصحيحته الأخرى عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «المملوك إذا حج وهو مملوك ثم مات قبل ان يعتق أجزأه ذلك الحج ، فإن أعتق أعاد الحج».

ورواية مسمع بن عبد الملك عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «لو ان عبدا حج عشر حجج ثم أعتق كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع الى ذلك سبيلا».

ورواية إسحاق بن عمار (٣) قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن أم الولد تكون للرجل ويكون قد أحجها أيجزئ ذلك عنها من حجة الإسلام؟ قال : لا. قلت : لها أجر في حجها؟ قال : نعم». ومثلها رواية شهاب (٤).

وروى في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن المملوك الموسر اذن له مولاه في الحج هل له أجر؟ قال : نعم ، فإن أعتق أعاد الحج».

واما ما رواه الشيخ عن حكم بن حكيم الصيرفي (٦) ـ قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيما عبد حج به مواليه فقد أدرك حجة الإسلام». ـ فقد حمله الشيخ وغيره على من أدرك الموقفين معتقا. والظاهر بعده ، بل الأقرب

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه رقم (٤) وهي رواية الشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٤.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه. واللفظ هكذا : هل عليه ان يذبح وهل له أجر؟.

(٦) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه. واللفظ : «فقد قضى حجة الإسلام».

٧٣

حمله على ادراك ثواب حجة الإسلام ما دام مملوكا.

واليه يشير قوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان الأولى : «أجزأه إذا مات قبل ان يعتق». اي أجزأه عن حجة الإسلام ، بمعنى انه يكتب له ثواب حجة الإسلام. ومثله في صحيحته الثانية.

وأصرح من ذلك في هذا المعنى ما رواه في الفقيه عن ابان بن الحكم (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر ، والعبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق».

وتنقيح الكلام في هذا المقام يتوقف على رسم مسائل :

(الاولى) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه لو أدرك العبد الموقفين أو الثاني منهما معتقا أجزأه عن حجة الإسلام ، حكاه العلامة في المنتهى.

وعليه تدل الاخبار ، ومنها ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : مملوك أعتق يوم عرفة؟ قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج».

وعن شهاب في الصحيح عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) «في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له؟ قال : يجزئ عن العبد حجة الإسلام ، ويكتب لسيده أجران : ثواب العتق وثواب الحج».

وروايته الأخرى عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) «في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له أيجزئ عن العبد حجة الإسلام؟ قال : نعم».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٧ من وجوب الحج وشرائطه.

٧٤

وما رواه المحقق في المعتبر عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في مملوك أعتق يوم عرفة؟ قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج وان فاته الموقفان فقد فاته الحج ، ويتم حجه ويستأنف حجة الإسلام في ما بعد».

الثانية ـ لو اذن السيد لعبده في الحج لم يجب عليه ، لكن لو تلبس به بعد الاذن وجب كغيره من افراد الحج المندوب.

وهل يجوز للسيد الرجوع في الاذن بعد التلبس؟ ظاهر الأصحاب العدم وإنما يجوز له قبل التلبس اما بعده فحيث تعلق الوجوب بالعبد فليس له ذلك.

بقي الكلام في انه لو رجع قبل التلبس ولكن لم يعلم العبد إلا بعده ، فقيل بأنه يجب الاستمرار ، لدخوله دخولا مشروعا ، فكان رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف ولم يعلم الوكيل ، وقال الشيخ انه يصح إحرامه وللسيد ان يحلله.

قال في المدارك : وضعفه ظاهر ، لأن صحة الإحرام إنما هو لبطلان رجوع المولى فكان كما لو لم يرجع ، والإحرام ليس من العبادات الجائزة وإنما يجوز الخروج منه في مواضع مخصوصة ولم يثبت ان هذا منها.

أقول : والمسألة وان كانت خالية من النص على الخصوص إلا ان ما ذكره السيد السند (قدس‌سره) في المدارك هو الأوفق بالأصول الشرعية والقواعد المرعية.

(الثالثة) ـ اختلف الأصحاب في ما لو جنى العبد في إحرامه بما يلزمه به الدم كاللباس والطيب وحلق الشعر وقتل الصيد ، فقال الشيخ (قدس‌سره) في

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من وجوب الحج وشرائطه.

٧٥

المبسوط : يلزم العبد لانه فعل ذلك بدون اذن مولاه ، ويسقط الدم الى الصوم لانه عاجز ففرضه الصيام ، ولسيده منعه منه لأنه فعل موجبه بدون اذن مولاه. ونقل عن الشيخ المفيد : على السيد الفداء في الصيد.

وقال المحقق في المعتبر بعد نقل كلام الشيخ المذكور : وليس ما ذكره الشيخ بجيد ، لانه وان جنى بغير اذنه فان جنايته من توابع اذنه في الحج فتلزمه جنايته. ثم استدل على ذلك بما رواه حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «المملوك كلما أصاب الصيد وهو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا اذن له في الإحرام».

أقول : وهذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه (٢) في الصحيح بسنده الى حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «كل ما أصاب العبد المحرم في إحرامه فهو على السيد إذا اذن له في الإحرام». ورواها الشيخ في التهذيب (٣) في الصحيح ايضا عن حريز ، والكليني (٤) في الحسن على المشهور عنه ايضا عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «كل ما أصاب العبد وهو محرم في إحرامه. الحديث». ورواه في الاستبصار (٥) قال : «المملوك كلما أصاب الصيد وهو محرم في إحرامه». وهو مطابق لما نقله في المعتبر. والظاهر ان الشيخ المفيد إنما خص الصيد بالذكر اعتمادا على هذه الرواية.

وظاهر الشيخ في التهذيب القول بما ذكره في المعتبر حيث انه ـ بعد ان

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٦ من كفارات الصيد وتوابعها.

(٢) ج ٢ ص ٢٦٤ ، وفي الوسائل الباب ٥٦ من كفارات الصيد وتوابعها.

(٣) ج ٥ ص ٣٨٢.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٣٠٤.

(٥) ج ٢ ص ٢١٦.

٧٦

نقل صحيحة حريز المذكورة بالمتن المتقدم ـ قال : ولا يعارض هذا الحديث ما رواه سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن ابن ابي نجران (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن عبد أصاب صيدا وهو محرم هل على مولاه شي‌ء من الفداء؟ فقال : لا شي‌ء على مولاه». لأن هذا الخبر ليس فيه انه كان قد اذن له في الإحرام أو لم يأذن له ، وإذا لم يكن ذلك في ظاهره حملناه على من أحرم من غير اذن مولاه ، فلا يلزمه حينئذ شي‌ء على ما تضمنه الخبر. وهذا القول منه رجوع عن ما تقدم عنه في المبسوط.

واعترضه المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بأنه يرد عليه ان اذن المولى شرط في صحة الإحرام فمع عدمه لا ينعقد ولا يترتب عليه الحكم. وقول السائل : «وهو محرم» يدل ـ بمعونة تقريره عليه في الجواب ـ على كونه متحققا واقعا. ثم أجاب بإمكان الحمل على ارادة الخصوص والعموم في الاذن ، فمتى اذن السيد لعبده في الإحرام بخصوصه كان ما يصيبه فيه على السيد ، وإذا كان العبد مأذونا على العموم بحيث يفعل ما يشاء من غير تعرض في الاذن لخصوص الإحرام لم يكن على السيد شي‌ء. قال : ولا بعد في هذا الحمل ، فان في الخبر الأول إشعارا به حيث علق الحكم فيه بالإذن في الإحرام ولم يطلق الاذن ، وذلك قرينة إرادة الخصوص. انتهى.

واستوجه العلامة في المنتهى سقوط الدم ولزوم الصوم إلا ان يأذن له السيد في الجناية فيلزمه الفداء.

وربما حملت الصحيحة الأولى على الاستحباب والثانية على نفي الوجوب.

أقول : لا يخفى ما في هذه المحامل من البعد مع تدافعها ، والمسألة

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٦ من كفارات الصيد وتوابعها.

٧٧

لا تخلو من شوب التردد والاشكال.

(الرابعة) ـ إذا أفسد العبد حجة المأذون فيه وجب عليه إتمامه ثم القضاء والبدنة كما في الحر ، للأدلة الدالة بعمومها أو إطلاقها على ذلك (١) وتناولها العبد كالحر كما سيأتي ان شاء الله تعالى في مسألة إفساد الحج ، وحينئذ فتترتب عليه أحكامه.

بقي انه هل يجب على السيد تمكينه من القضاء أم لا؟ قيل بالأول ، لأن اذنه في الحج اذن في مقتضياته ، ومن جملتها القضاء لما أفسده. وقيل بالثاني لأنه إنما اذن له في الحج لا في إفساده ، والإفساد ليس من لوازم الحج ليلزم من الاذن في الحج الاذن فيه ، بل الأمر إنما هو على العكس ، لانه من منافياته ، لأن المأذون فيه أمر موجب للثواب والإفساد أمر موجب للعقاب.

قيل : وربما بنى الوجهان على ان القضاء هل هو الفرض والفاسد عقوبة أم بالعكس؟ فعلى الثاني لا يجب التمكين لعدم تناول الاذن له ، وعلى الأول يجب لأن الإذن بمقتضى الإفساد انصرفت الى القضاء وقد لزم بالشروع فلزمه التمكين.

واستشكله في المدارك بأن الإذن لم يتناول الحج ثانيا وان قلنا انه الفرض ، لأنها إنما تعلقت بالأول خاصة. ثم قال : والمسألة محل تردد وان كان القول بعدم وجوب التمكين لا يخلو من قوة. انتهى.

أقول : وأنت خبير بأنه يمكن ان يستدل للقول الأول بظاهر صحيحة حريز المتقدمة (٢) في سابق هذه المسألة ، وذلك انها قد دلت على ان كل

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

(٢) ص ٧٦.

٧٨

ما أصاب العبد المحرم في إحرامه فهو على سيده إذا اذن له ، سواء جعل العبد فاعلا أو مفعولا ، ولا ريب ان القضاء من ما اصابه ولزمه كما لزمه وجوب البدنة فان الواجب بالإفساد البدنة والقضاء ، فكما تجب على السيد بمقتضى الخبر المذكور البدنة كذا يجب عليه القضاء ، غاية الأمر ان كيفية الوجوب في الموضعين مختلفة ، فإن السيد لا يجب عليه الحج قضاء بل الواجب عليه التمكين. إلا ان الرواية المذكورة ـ كما عرفت ـ معارضة بتلك الأخرى ، وقد عرفت ما في المقام من الاشكال.

وكيف كان فالمسألة هنا ايضا لخلوها من الدليل الواضح محل توقف.

ثم انه لو أعتقه المولى في الحج الفاسد ، فان كان قبل الوقوف بالمشعر أتم حجه وقضى في القابل وأجزأه عن حجة الإسلام كما في الحر ، سواء قلنا ان الإكمال عقوبة وان حجة الإسلام هي الثانية أم قلنا بالعكس ، وان كان بعد فوات الموقفين كان عليه إتمام الحج والقضاء ، ولا يجزئه عن حجة الإسلام بل تجب عليه مع الاستطاعة.

قالوا : ويجب تقديمها على حجة القضاء ، للنص والإجماع على فوريتها ، فلو بدأ بالقضاء قال الشيخ : انعقد عن حجة الإسلام وكان القضاء في ذمته ، وان قلنا لا يجزئ عن واحدة منهما كان قويا. هذا كلامه (قدس‌سره) وهو متجه بناء على القول بان الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده الخاص ، وإلا فالمتجه صحة القضاء وان أثم بتأخير حجة الإسلام.

(الخامسة) ـ قالوا : لو أحرم العبد باذن مولاه ثم باعه صح البيع إجماعا ، لأن الإحرام لا يمنع التسليم فلا يمنع صحة البيع. ثم ان كان المشتري عالما بذلك فلا خيار وإلا ثبت الخيار على الفور إلا مع قصر الزمان بحيث لا يفوته شي‌ء من المنافع.

٧٩

(السادسة) ـ قالوا : لا فرق في المملوك بين القن والمكاتب المطلق الذي لم يؤد والمشروط وأم الولد والمبعض. نعم لو تهيأ المبعض مع المولى ووسعت نوبته الحج وانتفى الخطر والضرر كان له الحج ندبا بغير اذن السيد ، كما يجوز له غيره من الأعمال.

(الثالث) من الشروط المتقدمة ـ الاستطاعة إجماعا نصا وفتوى ، وفسرها الأصحاب بالزاد والراحلة في من يفتقر الى قطع المسافة.

قال العلامة (قدس‌سره) في المنتهى : اتفق علماؤنا على ان الزاد والراحلة شرطان في الوجوب ، فمن فقدهما أو أحدهما مع بعد مسافته لم يجب عليه الحج وان تمكن من المشي ، وبه قال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير والشافعي وأبو حنيفة (١).

قالوا : ويدل على اعتبارهما ـ مضافا الى عدم تحقق الاستطاعة عرفا بدونهما غالبا ـ صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي (٢) قال : «سأل حفص الكناسي أبا عبد الله عليه‌السلام وانا عنده عن قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٣) ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه مخلي سربه له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج ، أو قال : ممن كان له مال. فقال له حفص الكناسي : فإذا كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج؟ قال : نعم».

__________________

(١) المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٣ ص ٢١٩ وبدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج ٢ ص ١٢٢.

(٢) الوسائل الباب ٨ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) سورة آل عمران الآية ٩٧.

٨٠