الحدائق الناضرة - ج ١٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

السلام) يقول : ليس ينبغي لأحد ان يحرم دون المواقيت التي وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا ان يخاف فوت الشهر في العمرة».

وما رواه أيضا في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يجي‌ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه هلال شعبان قبل ان يبلغ الوقت ، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أو يؤخر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : يحرم قبل الوقت ويكون لرجب ، لان لرجب فضله وهو الذي نوى».

ثانيهما ـ من نذر الإحرام من موضع معين قبل الميقات ، والمشهور انعقاد نذره ووجوب الإحرام من ذلك الموضع في أشهر الحج ان كان لعمرة تمتع أو حج وان كان لعمرة مفردة فمطلقا ، ومنع ذلك ابن إدريس في السرائر فقال : والأظهر الذي تقتضيه الأدلة وأصول المذهب ان الإحرام لا ينعقد إلا من المواقيت ، سواء كان منذورا أو غيره ، ولا يصح النذر بذلك لانه خلاف المشروع ، ولو انعقد بالنذر كان ضرب المواقيت لغوا. ثم قال : والذي اخترناه مذهب السيد المرتضى وابن ابى عقيل من علمائنا وشيخنا ابى جعفر في مسائل خلافه. ثم نقل عبارته. وخطأه العلامة في نقله ذلك عن الخلاف ، فإنه وان أطلق في هذه العبارة التي نقلها عنه إلا انه صرح بذلك في عبارة أخرى ، حيث قال ـ على ما نقله في المختلف ـ : فإن أحرم قبل الميقات لم ينعقد الا ان يكون نذر ذلك. واما السيد المرتضى وابن ابى عقيل فإنهما أطلقا المنع من الإحرام قبل الميقات ولم يستثنيا النذر. وكذا ابن الجنيد والصدوق كما نقله في المختلف ايضا. انتهى. واختاره العلامة في المختلف.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٥٣ والكافي ج ٤ ص ٣٢٣ وفي الوسائل الباب ١٢ من المواقيت.

٤٦١

ويدل على القول المشهور جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل جعل لله عليه شكرا ان يحرم من الكوفة؟ فقال : فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال».

أقول : لصاحب المنتقى هنا كلام في صحة الخبر المذكور بعد ان حكى حكم الأصحاب بصحته ، فليرجع اليه (٢) من أحب الوقوف عليه.

وعن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سمعته يقول : لو ان عبدا أنعم الله عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه ان يحرم بخراسان كان عليه ان يتم».

وفي الصحيح عن صفوان عن علي بن أبي حمزة (٤) قال : «كتبت الى ابى عبد الله (عليه‌السلام) اسأله عن رجل جعل لله عليه ان يحرم من الكوفة؟ قال : يحرم من الكوفة».

ومن هذه الاخبار يعلم الجواب عن ما احتجوا به من ان النذر غير مشروع فإنه بعد ورود الاخبار بذلك لا وجه لدفع مشروعيته. وبالجملة فإن قول ابن إدريس هنا جيد لو لا ورود هذه الاخبار المذكورة. واما قوله ـ : ولو انعقد بالنذر كان ضرب المواقيت لغوا ـ فقد أجاب عنه في المنتهى بأن الفائدة غير منحصرة في ذلك بل ههنا فوائد أخرى : منها ـ منع تجاوزها من غير إحرام ، ومنها ـ وجوب الإحرام منها لأهلها لغير الناذر. ثم قال : وبالجملة فالكلام ضعيف من الجانبين فنحن في هذا من المتوقفين ، والأقرب ما ذهب اليه الشيخان عملا برواية الحلبي فإنها صحيحة. انتهى.

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٣ من المواقيت.

(٢) المنتقى ج ٢ ص ٣٥٥.

٤٦٢

ولا يكفي مروره على الميقات بعد إحرامه قبله ، لوقوع الإحرام السابق عليها فاسدا فيكون بمنزلة من لم يحرم.

المسألة الثانية ـ قد ذكر جملة من الأصحاب انه لو تعذر الإحرام من الميقات لمانع من مرض ونحوه أخره ، ومتى زال المانع وجب عليه الرجوع الى الميقات إن أمكن ، وإلا جدد الإحرام من موضعه.

والكلام هنا يقع في مقامين أحدهما ـ في التأخير ، المفهوم من كلام الشيخ في النهاية ذلك ، قال في الكتاب المذكور : ومن عرض له مانع من الإحرام جاز له ان يؤخره أيضا عن الميقات ، فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى اليه.

ويدل على ما ذكره ما رواه في التهذيب (١) عن ابي شعيب المحاملي عن بعض أصحابنا عن أحدهم (عليهم‌السلام): «إذا خاف الرجل على نفسه أخر إحرامه إلى الحرم».

وقال ابن إدريس بعد نقل ذلك عن الشيخ : قوله : «جاز له ان يؤخره» مقصوده كيفية الإحرام الظاهرة ، وهو التعري وكشف الرأس والارتداء والتوشح والاتزار ، فأما النية والتلبية مع القدرة عليها فلا يجوز له ذلك ، لانه لا مانع له يمنع ذلك ولا ضرورة فيه ولا تقية ، وان أراد وقصد شيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الإحرام متعمدا من موضعه فيؤدي إلى إبطال حجه بغير خلاف. واستجوده العلامة في المنتهى.

أقول : ويؤيده ما قدمناه من رواية الحميري المنقولة من الاحتجاج المتقدمة (٢) في المسألة الاولى من المسائل الملحقة بالمقام الأول ، حيث ذكر

__________________

(١) ج ٥ ص ٥٨ وفي الوسائل الباب ١٦ من المواقيت.

(٢) ص ٤٤١.

٤٦٣

عليه‌السلام ـ في من مر مع العامة على المسلخ ولم يمكنه إظهار الإحرام تقية ـ انه يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه ، وإذا بلغ ميقاتهم أظهره.

والى ما ذكره ابن إدريس يميل كلام المحقق في المعتبر ، حيث قال : من منعه مانع عند الميقات فان كان عقله ثابتا عقد الإحرام بقلبه ، ولو زال عقله بإغماء وشبهه سقط عنه الحج ، ولو أحرم عنه رجل جاز ، ولو أخر وزال المانع عاد الى الميقات ان تمكن وإلا أحرم من موضعه. ودل على جواز الإحرام عنه ما رواه جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) : «في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى اتى الموقف؟ قال : يحرم عنه رجل». والذي يقتضيه الأصل ان إحرام الولي جائز لكن لا يجزئ عن حجة الإسلام ، لسقوط الفرض بزوال عقله. نعم إذا زال العارض قبل الوقوف أجزأه. انتهى.

وقال في الدروس : ولو منعه مانع من الإحرام من الميقات جاز تأخيره عنه ، قاله الشيخ. وحمل على تأخير ما يتعذر منه كلبس الثوبين وكشف الرأس دون الممكن من النية والتلبية. انتهى.

وبالجملة فإن ما ذكره ابن إدريس هنا متجه ، ويمكن حمل الرواية التي استند إليها الشيخ على ذلك. واما ما ذكره في المختلف ـ من ان كلام ابن إدريس مؤاخذة لفظية ، إذ الإحرام ماهية مركبة من النية والتلبية ولبس الثوبين ، ونحن نسلم إيجاب ما يتمكن منه لكن لا يكون قد اتى بماهية الإحرام. انتهى ـ ففيه ان الظاهر من عبارة الشيخ ومن روايته التي استند إليها انما هو تأخير الإحرام بجميع ما يتوقف عليه وتلتئم منه ماهيته.

وثانيهما ـ في وجوب الرجوع متى أخره ، قال في المدارك ـ بعد قول

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من المواقيت ، والباب ٥٥ من الإحرام.

٤٦٤

المصنف : ولو أخره عن الميقات لمانع ثم زال المانع عاد الى الميقات ، فان تعذر جدد الإحرام حيث زال ـ ما صورته : اما وجوب العود الى الميقات مع المكنة فلا ريب فيه لتوقف الواجب عليه. واما الاكتفاء بتجديد الإحرام من محل زوال العذر مع تعذر العود الى الميقات ، فلان تأخيره لم يكن محرما فكان كالناسي ، وسيأتي ان الناسي يحرم من موضع الذكر مع تعذر العود الى الميقات. انتهى.

أقول : لا يخفى انه قد تقدم في المقام الأول ان ظاهر عبارة الشيخ في النهاية هو التعدي عن الميقات للعذر بغير إحرام بالكلية ، وظاهر الجماعة انه قد أحرم وعقد النية واتى بما يمكن من تلبية ونحوها وانما أخر بعض الأفعال مثل لبس الثوبين مثلا ونحوهما. وحينئذ فوجوب الرجوع الذي ذكروه هنا ، ان بنى على ظاهر كلام الشيخ وروايته فلا ريب فيه ، لأنه قد ترك الإحرام متعمدا من موضعه كما ذكره ابن إدريس ، فيجب عليه الرجوع البتة كما صرحوا به. إلا ان قوله ـ في تعليل الاكتفاء بتجديد الإحرام من موضع الذكر مع تعذر العود الى الميقات : فلان تأخيره لم يكن محرما فكان كالناسي ـ غير صحيح كما لا يخفى. وان بنى على ما ذكره الجماعة من عقد الإحرام من الميقات والإتيان بالتلبية وما يمكن من أفعاله فإيجاب العود عليه بعد زوال العذر لا وجه له ولا دليل عليه. وما ذكره من توقف الواجب عليه انما يتم لو ترك الإحرام بالكلية. وترك بعض تلك الأمور المشترطة فيه ـ كنزع المخيط ولبس ثوبي الإحرام ـ مع العذر لا يوجب الرجوع الى الميقات اتفاقا ، وغايته هو وجوب نزع المخيط ولبس ثوبي الإحرام متى زال العذر. وقياس ذلك ـ في وجوب الرجوع أو الإحرام من موضعه مع عدم إمكان الرجوع ـ على الناسي قياس مع الفارق ، لأن الناسي قد ترك الإحرام بالكلية وهذا قد أحرم وعقد حجه بالنية ولبى ولو سرا وانما ترك نزع المخيط للعذر ، فكيف يحمل عليه؟ مع ما في الحمل ـ لو لم

٤٦٥

يكن كذلك ايضا ـ من انه محض القياس.

وبذلك يظهر ما في عبارة المعتبر المتقدمة وان استحسنها في المدارك ، حيث قال : وفصل المصنف في المعتبر تفصيلا حسنا. ثم ساق عبارته المتقدمة ، فإن قوله : «ولو أخر وزال المانع» ان أراد به التأخير حتى عن النية وعقد الإحرام بها ففيه ما عرفت أولا ، وان أراد التأخير لما لم يمكن مع الإتيان بما أمكن من نية وتلبية ففيه ما عرفت ثانيا.

وبالجملة فإن كلامهم هنا عندي غير منقح ولا ظاهر.

ثم ان صريح عبارة الشيخ المتقدمة انه يحرم بعد زوال المانع من موضعه. وهو على إطلاقه أيضا مشكل ، لأنه ان حمل على ظاهر عبارته ـ كما قدمنا الإشارة إليه ـ فهو غير صحيح ، لانه قد أخل بالإحرام بعد المرور على الميقات عمدا فلا يجزئه الإحرام من موضعه ، وان حمل على ظاهر كلام الجماعة ـ من عقد نية الإحرام عند الميقات وانما ترك بعض الأشياء لعذر ـ فهو صحيح لا ريب فيه

المسألة الثالثة ـ لو ترك الإحرام بعد مروره على الميقات ناسيا أو جاهلا وجب عليه العود اليه مع الإمكان ، وإلا أحرم من مكانه ان لم يدخل الحرم ، ومع دخوله فيجب الخروج الى خارجه ان أمكن ، وإلا أحرم من موضعه ايضا. وزاد بعضهم من لا يريد النسك ثم تجدد له عزم على ذلك.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه ثقة الإسلام (عطر الله تعالى مرقده) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم؟ قال : قال ابي : يخرج الى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي ان يفوته الحج أحرم من مكانه ، فإن

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت.

٤٦٦

استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم».

وما رواه أيضا في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه ، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى اتى مكة ، فخاف ان رجع الى الوقت ان يفوته الحج؟ فقال : يخرج من الحرم ويحرم ويجزئه ذلك».

وما رواه أيضا في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة كانت مع قوم ، فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم ، فقالوا : ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت حائض؟ فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال : ان كان عليها مهلة فلترجع الى الوقت فلتحرم منه ، وان لم يكن عليها وقت فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها».

ورواه الشيخ في الصحيح ايضا مثله (٣) إلا انه زاد بعد : «بقدر ما لا يفوتها» : «الحج فتحرم».

وما رواه في الكافي أيضا في الموثق عن زرارة (٤) : «عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم ، فقدموا الى الوقت وهي لا تصلي ، فجهلوا ان مثلها ينبغي ان يحرم ، فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة وهي طامث حلال ، فسألوا الناس فقالوا : تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه. وكانت إذا فعلت لم تدرك الحج. فسألوا أبا جعفر عليه‌السلام فقال : تحرم من مكانها ، قد علم الله ـ تعالى ـ نيتها».

وعن جميل عن سورة بن كليب (٥) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت.

٤٦٧

خرجت معنا امرأة من أهلنا ، فجهلت الإحرام فلم تحرم حتى دخلنا مكة ، ونسينا أن نأمرها بذلك؟ قال : فمروها فلتحرم من مكانها من مكة أو من المسجد».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم ، كيف يصنع؟ قال : يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم».

وعن ابي الصباح الكناني (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جهل ان يحرم حتى دخل الحرم ، كيف يصنع؟ قال : يخرج من الحرم ثم يهل بالحج».

وإطلاق بعض هذه الاخبار يحمل على مقيدها ، وبه تكون متفقة الدلالة على الأحكام المذكورة.

وقد ذكر العلامة في التذكرة والمنتهى ان من نسي الإحرام بالحج يوم التروية حتى حصل بعرفات فليحرم من هناك.

والظاهر ان مستنده ما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى ابن جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره وهو بعرفات ، ما حاله؟ قال : يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك. فقد تم إحرامه».

وربما أشعر تخصيص الحكم بعرفات بعدم جواز تجديد الإحرام بالمشعر ، وبه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ١٤ و ٢٠ من المواقيت.

٤٦٨

يشعر ايضا بعض عبائرهم. إلا ان الشهيدين قد حكما بالجواز.

ويمكن ان يستدل عليه بما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن جميل ابن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى؟ قال : تجزئه نيته إذا كان قد نوى ذلك ، فقد تم حجه وان لم يهل».

قيل : والظاهر ان المراد بقوله : «إذا كان قد نوى ذلك» انه نوى الحج بجميع أجزائه جملة لا نوى الإحرام ، لأن نيته من الجاهل به غير معقول وكذا من الناسي أيضا. وربما ظهر من كلام الشيخ في النهاية حمله على العزم المتقدم على محل الإحرام ، فإنه قال : إذا لم ينو فان لم يذكر أصلا حتى فرغ من جميع مناسكه فقد تم حجه ولا شي‌ء عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام. انتهى.

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات وجهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ، ما حاله؟ قال : إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه».

والتقريب فيهما انه إذا تم الحج مع قضاء المناسك كلها بغير إحرام فالبعض اولى.

ويندرج في من لا يريد النسك ثم تجدد له ذلك من يكون قاصدا دخول مكة وكان ممن يلزمه الإحرام لدخولها لكنه لم يرد النسك ، فهو في معنى متعمد ترك الإحرام.

وقد نقل إجماعهم على ان من مر على الميقات وهو لا يريد دخول مكة بل

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٠ من المواقيت.

٤٦٩

يريد حاجة في ما سواها فإنه لا يجب عليه الإحرام ، وقد مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ذي الحليفة لما اتى بدرا وهو محل (١).

ومن قصد دخولها وكان ممن لا يلزمه الإحرام ـ كالحطاب والحشاش ومن دخلها لقتال ـ فإنه متى تجدد لكل من هؤلاء إرادة النسك بعد تجاوزه الميقات فالحكم فيه كما تقدم في الناسي والجاهل.

قالوا : اما انه لا يجب عليه العود مع التعذر فلا ريب فيه ، لان من هذا شأنه أعذر من الناسي وانسب بالتخفيف.

واما وجوب العود مع الإمكان فاستدل عليه في المعتبر بأنه يتمكن من الإتيان بالنسك على الوجه المأمور به فيكون واجبا.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؟ قال : يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم ، وان خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم».

أقول : والاولى هو الاستدلال بالصحيحة المذكورة على كل من شقي المسألة وإلغاء هذه التعليلات العليلة ، فإنها مشتملة على حكم كل من الشقين. والتقريب فيها ان الرواية اشتملت على السؤال عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم ، وهو شامل لمحل البحث. ونحو هذه الصحيحة بالنسبة إلى الشق الثاني رواية الحميري المتقدم نقلها عن قرب الاسناد (٣).

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٤١ مطبعة العاصمة.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت. وقوله : «ثم ليحرم» وارد في رواية الكافي ج ٤ ص ٣٢٣ وليس في رواية التهذيب ج ٥ ص ٥٨.

(٣) ص ٤٦٨.

٤٧٠

قالوا : وفي حكم من لا يريد النسك غير المكلف به ، كالصبي والعبد والكافر إذا بلغ بعد تجاوزه الميقات أو أعتق أو أسلم.

فوائد

الاولى ـ لا يخفى ان ما تقدم كله مخصوص بما لو تجاوز الميقات على أحد الوجوه الثلاثة المتقدمة ، اما لو تجاوزه مريدا للنسك وتعمد ترك الإحرام منه فإنه يجب عليه الرجوع اليه والإحرام منه ، فان تعذر العود لمرض أو خوف أو ضيق الوقت فقد قطع الأصحاب (رضوان الله عليهم) بعدم صحة الإحرام من غيره ، لعدم الامتثال ، فيحرم عليه دخول مكة ، لتوقفه على الإحرام. وكأن منشأ ذلك المؤاخذة له بسوء ما عمله من إخلاله بالإحرام عمدا مع إيجاب الشارع له عليه. واحتمل بعض الأصحاب الاكتفاء بالإحرام من ادنى الحل إذا خشي ان يفوته الحج ، لإطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة (١). وهو غير بعيد.

الثانية ـ المفهوم من صحيحة الحلبي المتقدمة هنا ، وصحيحته الثانية المتقدمة في صدر هذه المسألة برواية ثقة الإسلام ـ وهو ظاهر صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ثمة ايضا ـ ان الواجب الرجوع الى ميقات أهل بلده في جميع هذه الصور قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك : وفي بعض الاخبار انه يرجع الى ميقاته في جميع هذه الصور ، والظاهر انه غير متعين بل يجزئ رجوعه الى اي ميقات شاء ، لأنها مواقيت لمن مر بها ، وهو عند وصوله كذلك ، وقال سبطه السيد السند في المدارك ـ في مسألة ما لو أخر عن الميقات لمانع ثم زال المانع فإنه يعود الى الميقات ـ ما صورته : لكن لا يخفى انه انما يجب العود إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر وإلا لم يجب كما مر.

__________________

(١) ص ٤٦٦ و ٤٧٠.

٤٧١

أقول : والظاهر هو وجوب العود الى ميقاته ، وقد تقدم تحقيق الجواب عن ما ذكروه في البحث السادس من المطلب الثاني من مطلبي المقدمة الرابعة (١).

الثالثة ـ قال شيخنا المشار إليه في المسالك ايضا : وحيث يتعذر رجوعه مع التعمد يبطل نسكه ، ويجب عليه قضاؤه وان لم يكن مستطيعا للنسك بل كان وجوبه بسبب ارادة دخول الحرم ، فان ذلك موجب للإحرام ، فإذا لم يأت به وجب قضاؤه كالمنذور. نعم لو رجع بعد تجاوز الميقات ولما يدخل الحرم فلا قضاء عليه وان أثم بتأخير الإحرام. وادعى العلامة (قدس‌سره) في التذكرة الإجماع عليه. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه غير جيد ، قال : لان القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل ، وهو منتف هنا. والأصح سقوط القضاء كما اختاره في المنتهى ، واستدل عليه بأصالة البراءة من القضاء ، وبان الإحرام مشروع لتحية البقعة ، فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد. وهو حسن. انتهى

الرابعة ـ قد صرحوا أيضا بان من كان منزله دون الميقات فحكمه في مجاورة منزله الى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال السابقة ، لأن منزله ميقاته ، فهو في حقه كأحد المواقيت الخمسة في حق الآفاقي.

المسألة الرابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو نسي الإحرام بالكلية حتى أكمل مناسكه ، فهل يقضى لو كان واجبا أم يجزئ عنه؟ قولان : ثانيهما للشيخ في المسبوط والنهاية وجمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) والأول لابن إدريس.

__________________

(١) ص ٤١١.

٤٧٢

واستدل في المعتبر للقول الثاني ـ حيث اختاره ـ بأنه فات نسيانا فلا يفسد به الحج ، كما لو نسي الطواف. وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان». وبأنه مع استمرار النسيان يكون مأمورا بإيقاع بقية الأركان ، والأمر يقتضي الاجزاء.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات وجهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده. الخبر». وقد تقدم في سابق هذه المسألة.

وفي الحسن عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام): «في رجل نسي. الخبر». وقد تقدم في المسألة المذكورة (٣).

واعترض هذه الأدلة السيد السند في المدارك فقال : وفي جميع هذه الأدلة نظر : اما الأول فلان الناسي للإحرام غير آت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف الى ان يثبت صحة الحج مع الإخلال به بدليل من خارج ، كما في نسيان الطواف. واما الثاني فلان المرتفع في الخطأ والنسيان المؤاخذة خاصة لا جميع الأحكام. واما الثالث فلعدم تحقق الامتثال بالنسبة الى ذلك الجزء المنسي والكل يعدم بعدم جزئه. واما الرواية الأولى فبأنها انما تدل على صحة حج تارك الإحرام مع الجهل ، وهو خلاف محل النزاع. وما قيل ـ من ان الناسي أعذر من الجاهل ـ فغير واضح ، كما بيناه غير مرة. مع انها مخصوصة بإحرام الحج ، فإلحاق إحرام العمرة به لا يخرج عن القياس. واما الرواية الثانية فواضحة الدلالة لكن إرسالها يمنع من العمل بها. انتهى كلامه (زيدا إكرامه).

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من قواطع الصلاة ، والباب ٣٠ من الخلل في الصلاة والباب ٥٦ من جهاد النفس.

(٢ و ٣) ص ٤٦٩.

٤٧٣

وهو جيد إلا في رد الرواية الثانية بالإرسال عند من لا يعمل على هذا الاصطلاح المحدث ، فإنه غير مسموع. وبه يظهر وجه قوة القول المذكور.

وأشار بقوله ـ : وما قيل من ان الناسي. الى آخره ـ الى ما ذكره شيخنا الشهيد في نكت الإرشاد في بيان وجه الاستدلال بالرواية المذكورة ، حيث قال : واعلم ان الرواية الأولى تدل على الصحة بواسطة ان النسيان أدخل في العذر من الجهل. وهو غير جيد ، فإنه قد استفاضت الأخبار بوجوب الإعادة على من صلى في النجاسة ناسيا (١) وعلل في بعضها بأنه عقوبة لإهماله إزالة النجاسة حتى ادى الى نسيانها. مع استفاضتها بصحة الصلاة فيها جاهلا (٢) نعم قد ورد في بعض الأحكام معذورية الناسي أيضا.

احتج ابن إدريس على ما ذهب اليه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) : «إنما الأعمال بالنيات». حيث قال ـ بعد ذكر القول المشهور وإسناده الى ما روى في أخبارنا ـ ما صورته : والذي تقتضيه أصول المذهب انه لا يجزئه وتجب عليه الإعادة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) : «إنما الأعمال بالنيات» وهذا عمل بلا نية ، فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد. ولم يورد هذا ولم يقل به أحد من أصحابنا سوى شيخنا ابي جعفر (رحمه‌الله) فالرجوع إلى الأدلة أولى من تقليد الرجال. انتهى.

واعترضه المحقق في المعتبر فقال بعد نقل استدلاله بالخبر : ولست أدرى كيف تخيل له هذا الاستدلال ولا كيف توجيهه؟ فان كان يقول ان الإخلال بالإحرام إخلال بالنية في بقية المناسك فنحن نتكلم على تقدير إيقاع نية كل منسك على

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ و ٤٠ و ٤٢ من النجاسات من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ و ٤١ و ٤٧ من النجاسات من كتاب الطهارة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات.

٤٧٤

وجهه ظانا انه أحرم أو جاهلا بالإحرام ، فالنية حاصلة مع إيقاع كل منسك ، فلا وجه لما قاله.

وأجاب عنه شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد بأن مراد ابن إدريس ان فقد نية الإحرام يجعل باقي الأفعال في حكم العدم ، لعدم صحة نيتها محلا ، فتبطل ، إذ العمل بغير نية باطل.

وفيه ان ما ادعاه ـ من ان فقد نية الإحرام يجعل باقي الأفعال في حكم العدم ـ ممنوع. قوله ـ : لعدم صحة نيتها محلا ـ قلنا : ان أريد بكونه محلا يعني : عالما حين الإتيان بتلك الأفعال انه محل ، فهو مسلم ولكنه ليس من محل البحث في شي‌ء ، وان أريد في الواقع ونفس الأمر ـ حيث انه ظن الإتيان بالإحرام أو جهله ـ فهو ممنوع ، لان التكاليف انما نيطت بالظاهر في نظر المكلف لا بنفس الأمر والواقع. وحينئذ فما ذكره من بطلان تلك الأفعال باطل. على ان المتبادر من العمل بغير نية انما هو ترك النية بالكلية لا الإتيان بنية وان ظهر بطلانها ، وان كان الجميع مشتركا في البطلان لكن لا لهذا الخبر.

وقال العلامة في المنتهى : الظاهر ان ابن إدريس وهم في هذا الاستدلال فان الشيخ اكتفى بالنية عن الفعل ، فتوهم أنه اجتزأ بالفعل بغير نية.

أقول : فيه انه ان أراد بالنية التي اكتفى بها الشيخ يعني : النية المقارنة للإحرام ، فهو غير متجه ، إذ ليس في كلام الشيخ دلالة على اعتبارها بوجه ، كما صرح به في المدارك ايضا ، وان أراد اجتزاءه بالعزم المتقدم ـ كما أسلفناه من عبارة الشيخ في النهاية ذيل صحيحة جميل المتقدمة (١) في سابق هذه المسألة ـ ففيه انه وان احتمل إلا انه بعيد عن ظاهر العبارة.

__________________

(١) ص ٤٦٩.

٤٧٥

وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور ، لما عرفت من دلالة صحيحة جميل على ذلك وان كانت مرسلة ، لعدم المعارض لها ، فيتجه العمل بها.

وربما بنى الكلام هنا على الاختلاف في معنى الإحرام وما المراد منه وانه عبارة عن ما ذا؟ فذكر العلامة في المختلف ـ في مسألة تأخير الإحرام عن الميقات ـ ان الإحرام ماهية مركبة من النية والتلبية ولبس الثوبين ، ومقتضاه انه ينعدم بانعدام أحد اجزائه. وحكى الشهيد (رحمه‌الله) في شرح الإرشاد عن ابن إدريس انه جعل الإحرام عبارة عن النية والتلبية ، ولا مدخل للتجرد ولبس الثوبين فيه. وعن ظاهر المبسوط والجمل انه جعله امرا بسيطا وهو النية ، قال : فيتحقق الإخلال بالإحرام بالإخلال بها. الى ان قال (رحمه‌الله) في الكتاب المذكور : وقد كنت ذكرت في رسالة ان الإحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة الى ان يأتي بالمناسك ، والتلبية ـ وهي الرابطة لذلك التوطين ـ نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة ، والأفعال هي المزيلة لذلك الرابط ، ويتحقق زواله بالكلية بآخرها اعني التقصير وطواف النساء بالنسبة إلى النسكين ، فحينئذ إطلاق الإحرام بالحقيقة ليس إلا على ذلك التوطين ، ولكن لما كان موقوفا على التلبية وكان لها مدخل تام في تحققه جاز إطلاقه عليها ايضا ، اما وحدها لأنها أظهر ما فيه ، تسمية للشي‌ء باسم أشهر اجزائه وشروطه ، واما مع ذلك التوطين النفساني الذي ربما عبر عنه بالنية. وبالجملة فكلام ابن إدريس أمثل هذه الأقوال ، لقيام الدليل وهو قول الصادق عليه‌السلام (١) الصحيح الإسناد : «فإذا فعل شيئا من الثلاثة ـ يعني : التلبية والاشعار والتقليد ـ فقد أحرم». فعلى هذا يتحقق نسيان الإحرام بنسيان النية وبنسيان التلبية. انتهى كلامه (زيد مقامه).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

٤٧٦

أقول : الظاهر انه أشار بالدليل المذكور الى ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا عن هذه الثلاثة فقد أحرم».

ونحوه ما رواه في الكافي عن جميل بن دراج عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا كانت البدن كثيرة قام في ما بين ثنتين ثم أشعر اليمنى ثم اليسرى ولا يشعر ابدا حتى يتهيأ للإحرام ، لأنه إذا أشعر وقلد وجلل وجب عليه الإحرام وهي بمنزلة التلبية». والمراد بوجوبه عليه يعنى : تحققه وثبوته بذلك ولزومه.

وفي حديث طويل يرويه الشيخ عن صفوان في الصحيح عن معاوية بن عمار وغير معاوية ـ ممن روى صفوان عنه الأحاديث المتقدمة المذكورة ، وقال : ـ يعني صفوان ـ وهي عندنا مستفيضة ـ عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٣). الى ان قال : «وإذا فرض على نفسه الحج ثم أتم بالتلبية فقد حرم عليه الصيد وغيره ، ووجب عليه في فعله ما يجب على المحرم ، لانه قد يوجب الإحرام أشياء ثلاثة : الاشعار والتقليد والتلبية ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم».

وما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «من أشعر بدنته فقد أحرم وان لم يتكلم بقليل ولا كثير».

ومن أوضح الاخبار في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التهيؤ للإحرام ، فقال : في مسجد

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٨٣ وفي الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٨٤ وفي الوسائل الباب ٣٤ و ٤٠ من الإحرام.

٤٧٧

الشجرة فقد صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبيك اللهم لبيك. الحديث».

ومعنى الخبر المذكور انه سأله عن التهيؤ للإحرام الذي هو عبارة عن التلبية ـ كما يدل عليه سياق الخبر ـ فقال : في مسجد الشجرة ، بان يصلى فيه بعد الغسل ولبس ثوبي الإحرام والدعاء بعد الصلاة ، ونحو ذلك. ثم قال له : قد ترى أناسا يحرمون ، يعني : يلبون في المسجد بعد الصلاة فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء فتحرمون في محاملكم ، يعني : تلبون وتعقدون الإحرام بالتلبية وأنتم في محاملكم ، تقول في عقد الإحرام : لبيك. الى آخره.

وقد اشتبه معنى الخبر على كثير من الفضلاء حتى اطرحوه لذلك وأعرضوا عنه ، والمعنى فيه ما ذكرناه. وظاهر المحدث الأمين الأسترآبادي (قدس‌سره) في بعض فوائده ان الإحرام عنده عبارة عن الحالة المترتبة على نية الحج أو العمرة والإتيان بأول جزء منه وهو التلبية ، قال : وهو الظاهر عندي من الروايات. قال : وهو من الأحكام المترتبة على مجموع النية والإتيان بجزء من المنوي ، نظير حرمة منافيات الصلاة على المصلي بسبب نية الصلاة وتكبيرة الإحرام.

أقول : لا يخفى انه يمكن تطبيق الخبرين الأولين على ما ذكره (قدس‌سره) بان يكون معنى قوله في الخبر الأول : «فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم» يعني : حصلت له تلك الحالة المذكورة. إلا انه لا يخلو من تمحل وبعد.

هذا ما وقفت عليه من أقوالهم في معنى الإحرام. وحينئذ فيترتب حكم

٤٧٨

النسيان باعتبار كل قول على ما يناسبه ، فعلى القول الأول أحد الثلاثة ، وعلى الثاني أحد الأمرين ، وعلى الثالث النية ، وعلى الرابع التوطين المذكور الذي هو عبارة عن العزم ، على ان لا يتعمد شيئا من الأمور المعينة إلى وقت الحلق والتقصير بعد التلبية وما في معناها.

وكيف كان فالظاهر من الأقوال المتقدمة هو قول ابن إدريس ، لما عرفته من الدليل. واما ما ذكره المحدث الأمين (قدس‌سره) فالظاهر بعده ، لما عرفته من الاخبار التي ذكرناها. ولان اخبار نسيان الإحرام أو جهله لا تنطبق على هذا المعنى الذي ذكره ، إذ النسيان انما يتعلق بالأفعال الوجودية لا بالأحكام والحالات التي يتصف بها المكلف بعد نية الحج أو العمرة والإتيان بأول جزء منه أو منها. والله العالم.

هذا آخر الجزء الرابع عشر من كتاب الحدائق الناضرة ويليه الجزء الخامس عشر ـ ان شاء الله ـ في الإحرام. والحمد لله أولا وآخرا.

٤٧٩

الاستدراكات

(١) ـ ورد في الصفحة ٣ حديث الكافي عن سعيد الأعرج ولم نذكر موضعه في الوسائل ، وقد نقله في الباب ٥٠ من الإحرام.

(٢) ـ ورد في الصفحة ٢١ حديث الصدوق في كتاب العلل عن الميثمي عن ابي عبد الله عليه‌السلام وقد أقحمت كلمة «في كل عام» في آية الحج. ويمكن ان يكون ذلك بنحو بيان المراد من الآية كما في سائر الموارد من هذا القبيل من ما ورد في الاخبار أو القراءات.

(٣) ـ ورد في نسخ الحدائق المخطوطة والمطبوعة في صحيحة ابن ابي عمير ص ٤٤ هكذا : «فشكوت ذلك الى ابي عبد الله عليه‌السلام» وحيث ان الوارد في الفقيه ج ٢ ص ١٧٥ وكذا في الوافي باب (السفر وأوقاته) والوسائل : «فشكوت ذلك الى ابي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام» أوردناه في هذه الطبعة كذلك. نعم الوارد في المحاسن ص ٣٤٩ يطابق ما ورد في نسخ الحدائق.

(٤) ـ ورد في مرسل الفقيه ص ٥٢ هكذا : «والسويق المحمص» وفسره (قدس‌سره) بالمشوي على النار ، كما في الوافي باب (ما ينبغي استصحابه في السفر) ويحتمل ان يكون بالمعجمة كما في الفقيه ج ٢ ص ١٨٤ والوسائل والمحاسن ص ٣٦٠ ويناسبه عطف المحلى عليه.

(٥) ـ جاء في الصفحة ٩٦ في عبارة المنتهى في التمثيل للمواضع التي جرت العادة بكون الماء موجودا فيها «عبيدة» و «البعلية» ولم نجدهما في كتب اللغة بالمعنى المناسب للمقام ، والذي وجدناه هو «عبد» و «علبية» فاوردناهما كذلك. هذا بالإضافة الى ان الوارد في عبارة المنتهى ج ٢ ص ٦٥٤ كلمة «عبد» لا «عبيدة» وفي معجم البلدان ج ٢ ص ٧٨ : «الثعلبية» منزل

٤٨٠