الحدائق الناضرة - ج ١٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

هذا الحج بعد مضى سنة عليه بمكة ، فيجب ان ينتقل حكمه الى حكم أهل مكة فيكون حجه افرادا ، وحينئذ فقوله : «ولكن يخرج الى الوقت» يجب ان يحمل على خارج الحرم الذي هو وقت لحج الافراد من المجاورين ، كما دل عليه جملة من الاخبار. وعلى ذلك ايضا يجب حمل قوله : «وكلما حول» أي مضى عليه حول آخر ، فإنه يخرج الى ذلك الوقت الذي هو خارج الحرم من الجعرانة ونحوها. وكذا قوله : «أو أراد ان يعتمر» اي عمرة مفردة «بعد ما انصرف من عرفة» اي أكمل حجه ، فإنه يخرج الى ذلك الوقت اى خارج الحرم. هذا غاية ما يمكن من التكلف في تصحيح معناها المراد منها ، وهو خارج عن محل البحث وموضع المسألة.

نعم يمكن ان يستدل لهذا القول بما رواه الصدوق في الفقيه في الموثق عن سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «من حج معتمرا في شوال وفي نيته ان يعتمر ويرجع الى بلاده فلا بأس بذلك ، وان هو أقام إلى الحج فهو متمتع ، لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن اعتمر فيهن واقام إلى الحج فهي متعة ومن رجع الى بلاده ولم يقم الى الحج فهي عمرة ، وان اعتمر في شهر رمضان أو قبله واقام إلى الحج فليس بمتمتع وانما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن هو أحب ان يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة إلى الحج ، فان هو أحب ان يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها».

وهذا الخبر مع دلالته ظاهرا على هذا القول ـ حيث خيره في الخروج الى أحد هذين الميقاتين ونحوهما ، فان الظاهر ان ذكر هذين الميقاتين انما خرج

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أقسام الحج ، والباب ٧ من العمرة.

٤٢١

مخرج التمثيل ـ فهو صريح في رد القول بالاكتفاء بأدنى الحل ، فإنه جعل ميقات التمتع في الصورة المذكورة هو أحد المواقيت البعيدة المعينة لأهل الآفاق ، وادنى الحل انما هو ميقات مفرد الحج والعمرة المفردة.

ويمكن حمل الخبر المذكور على وجه لا ينافي ما اخترناه من ميقات أهل بلاد ذلك المتمتع ، بان يقال : ان الغرض من سوق هذا الكلام انما هو بيان الفرق بين ميقات المجاور المريد لحج الافراد والمجاور المريد لحج التمتع ، فكأنه قيل : ان المجاور متى قصد الحج افرادا فميقاته الجعرانة وإذا قصد التمتع فالمواقيت الآفاقية. وهو وان تضمن نوع إطلاق في الميقات ـ من حيث ان سوق الكلام ليس لبيان ميقات التمتع وانما هو لغرض آخر كما ذكرنا ـ غير مضر ، فيجب تقييد إطلاقه بما قدمنا من الاخبار.

ثم ان في إيراد الصدوق (قدس‌سره) هذا الخبر في كتابه (١) دلالة على ان مذهبه موافق لما اخترناه من القول المشهور والمؤيد المنصور ، بناء على قاعدته المقررة في صدر كتابه من ان كل ما يرويه في كتابه فهو من ما يفتي به ويعتقد صحته.

لا يقال : ان الخبر قد دل على انه يتجاوز عسفان ، وليس ثمة ميقات من المواقيت المنصوصة.

لأنا نقول : قد ذكرنا آنفا ان هذا الكلام انما خرج مخرج التمثيل في ان المتمتع يخرج الى المواقيت البعيدة دون ادنى الحل ، بخلاف المفرد فإنه يخرج إلى أدنى الحل خاصة ، وليس الغرض من الكلام بيان ميقات التمتع ، وحاصل الكلام انه يخرج الى ما زاد على هذه المسافة.

وبما قررنا يظهر ان هذا الخبر من أوضح الاخبار في رد هذا القول

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٧٤.

٤٢٢

المحدث من هؤلاء الاعلام ، الناشئ عن عدم إعطاء التأمل حقه في أخبارهم (عليهم‌السلام).

ونظير هذا الخبر ايضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عبد الله (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المقيم بمكة ـ وفي نسخة : المعتمر ـ يجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟ فقال : يتمتع أحب الى ، وليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين».

ثم ان بعضا ممن مال الى هذا القول المحدث وجه الطعن إلى رواية سماعة المتقدمة في صدر المسألة دليلا للقول المشهور ـ ظنا منه انحصار الدلالة فيها ـ من وجوه :

أحدها ـ ضعف السند بان في الطريق معلى بن محمد وهو ضعيف.

والجواب عنه (أولا) ـ ان هذا الإيراد مفروغ منه عندنا ، فانا لا نرى الاعتماد على هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح ، كما أوضحنا ذلك في جملة من كتبنا وزبرنا.

وثانيا ـ انه من المقرر بين أرباب هذا الاصطلاح هو العمل بالخبر الضعيف متى كان عمل الأصحاب قديما وحديثا على القول بمضمونه ، فضعفه مجبور عندهم بشهرة القول به والاتفاق عليه ، والأمر في ما نحن فيه كذلك. والأمران اصطلاحيان ، ولا معنى للعمل بأحدهما ورد الآخر.

وثانيها ـ ان مهل أرضه مجمل فيمكن ان يراد به ادنى الحل ليوافق الأخبار الباقية.

والجواب عنه ان هذا الكلام من ما يقضى منه العجب العجاب عند من له أدنى مسكة بالعربية من ذوي الألباب ، إذ لا ريب ان المراد بالمهل يعني

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أقسام الحج.

٤٢٣

موضع الإهلال ، وهو رفع الصوت بالتلبية الذي محله الميقات ، واضافة المهل إلى الأرض بتقدير مضاف ، اي مهل أهل أرضه كما في قوله عزوجل «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ» (١) واضافة الأرض إلى ضمير ذلك الشخص يعين كون ذلك الميقات هو الميقات المخصوص بأهل تلك الأرض. وحينئذ فأي إجمال في هذا البيان الواضح البرهان لو لا حب التعصب للمذاهب الغير اللائق بالعلماء الأعيان.

على ان للخصم ان يقلب عليه هذا الطعن في الخبرين المتقدمين اللذين هما عمدة ما استندوا إليه ، بأن غاية ما دلا عليه انه بعد ما سأل المسائل : «من اين يتمتعون» بأنهم يخرجون من الحرم ، ولا ريب انه لا صراحة فيه ولا ظاهرية بأنهم يحرمون من ادنى الحل كما ادعوه ، ومجرد الخروج من الحرم لا يستلزم ذلك إذ من الجائز ان يكون المراد يخرجون من الحرم الى الميقات المعين لهم وهو ميقات أهل بلادهم ، وبالجملة فهو مطلق فيمكن تقييده بتلك الأخبار الدالة على وجوب الإحرام من ميقات أهل بلادهم ، ولا سيما موثقة سماعة المتقدمة قريبا ، حيث تضمنت انه يخرج من مكة حتى يجاوز ذات عرق ، ورواية إسحاق ابن عبد الله المتضمنة لمسير ليلة أو ليلتين ، فقد بين فيهما غاية الخروج وهذه مطلقة في بيان الغاية ، والواجب بمقتضى القاعدة المسلمة عندهم الحكم بالمقيد على المطلق. وهذا بحمد الله ـ سبحانه ـ ظاهر لا سترة عليه.

فالتأويل في جانب اخبار التي اعتمدها أقرب منه في جانب هذا الخبر ، ولكن الأمر كما قيل :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

ونحن قد تجاوزنا عن هذا الاحتمال سابقا ولم نذكره مع إمكانه واحتماله ، مماشاة ومجاراة بأنه مع تسليم ما يدعونه فحمله على ما قدمناه من العذر ـ كما في

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٨٢.

٤٢٤

ذينك الخبرين الأخيرين ـ ممكن وجائز ، فيجب الحمل عليه جمعا بين الأدلة ، وإلا فهذا الاحتمال أقرب قريب كما أوضحناه.

وثالثها ـ ان الرواية مقيدة بقوله : «ان شاء» فلا تدل على وجوب الخروج الى مهل أرضه.

والجواب انه لو تم ما ذكره للزم منه فساد الكلام واختلال النظام ، وهو من ما يجل عنه كلام الامام عليه‌السلام الذي هو امام الكلام ، وذلك فإنه متى جعل قوله : «ان شاء» قيدا للخروج الى مهل أرضه يكون المعنى : ان له ان يتمتع فان شاء ان يخرج الى مهل أرضه خرج وان لم يشأ فلا ، ومفهومه دال على ان له ان يتمتع وان لم يخرج الى مهل أرضه. وهذا في البطلان أوضح من ان يحتاج الى بيان ، للزومه ان له ان يتمتع ولو من موضعه ، فإن إطلاق هذا المفهوم يقتضي ذلك. وتقييده بأنه يخرج الى مهل آخر من ما لا إشعار في الكلام به بوجه ولا اشارة فلينظر المنصف انه هل الأولى الحمل على هذا المعنى المتعسف أو ان المراد يتمتع ان شاء ان يتمتع؟ كما هو المعنى الصحيح بل الصريح الذي لا يحتاج الى تكلف وتصحيح.

ولا ريب انه لو جاز فتح هذا الباب في الأخبار ـ من العدول عن المعاني الظاهرة السالمة عن التقدير والتكلف الى الاحتمالات البعيدة والتكلفات الغير السديدة ـ لا نسد باب الاستدلال واتسعت دائرة الخصام والجدال ، إذ لا قول إلا وللقائل فيه مقال ، ولا دليل إلا وللمنازع فيه مجال.

وبالجملة فكلام هذا القائل لا وجه له عند الناظر بعين التحقيق والمتأمل في المسألة بعين الفكر الصائب الدقيق. والله العالم.

البحث السابع ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في المدة التي ينتقل بها فرض المقيم بمكة إلى فرض أهل مكة ، فالمشهور انه بعد مضي سنتين

٤٢٥

عليه في البلد المذكورة ، ونقله في المختلف عن الشيخ في كتابي الاخبار واختاره ونقل عنه في النهاية والمبسوط انه قال : من اقام سنة أو سنتين جاز له ان يتمتع فان جاوز ثلاث سنين لم يكن له ذلك. ثم قال : وبه قال ابن الجنيد وابن إدريس

أقول : وبهذا القول صرح العلامة في الإرشاد ، حيث قال ، وينتقل فرض المقيم ثلاث سنين الى فرض المكي.

وفي عبارة الدروس هنا نوع اشكال ، فإنه قال : ولو أقام النائي بمكة سنتين انتقل فرضه إليها في الثالثة كما في المبسوط والنهاية ، ويظهر من أكثر الروايات انه في الثانية ، وروى محمد بن مسلم (١) : «من اقام بمكة سنة فهو بمنزلة أهل مكة». وروى حفص بن البختري (٢) : «انه من اقام أكثر من ستة أشهر لم يتمتع». انتهى.

وظاهر صدر كلامه انه بإقامة سنتين ينتقل فرضه في الثالثة ، وهذا هو القول المشهور لأقول النهاية والمبسوط كما ذكره ، لما عرفت من عبارة العلامة ـ وهو المنقول في عبارات الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ من ان الانتقال انما هو بعد إكمال الثالثة. وقوله : ـ ويظهر من أكثر الروايات انه في الثانية ـ ظاهر في ان أكثر الروايات انما تدل على السنة خاصة وان الفرض ينتقل في الثانية. وهو وان كان كذلك كما سيظهر لك ان شاء الله (تعالى) إلا انه يلزم على هذا عدم تعرضه لروايات السنتين إلا بحمل صدر العبارة على ذلك ، فيكون الغلط في نسبة هذا القول إلى النهاية والمبسوط.

وبالجملة فعبارته هنا لا تخلو من نوع غفلة أو مساهلة ، ويقرب عندي ان السهو وقع في الإتيان بلفظ «في» في قوله : «في الثالثة» وانما هو

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من أقسام الحج.

٤٢٦

«بعد الثالثة» وكذلك قوله : «ويظهر من أكثر الروايات انه في الثانية» وانما هو «بعد الثانية» فوقوع لفظ «في» عوض لفظ «بعد» في الموضعين سهوا من قلم المصنف (قدس‌سره) أوجب الاشكال.

وكيف كان فظاهر كلامه التردد والتوقف في المسألة.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالمسألة صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «من اقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له. فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت ان كان له أهل بالعراق وأهل بمكة؟ قال : فلينظر أيهما الغالب عليه فهو من اهله».

وصحيحة عمر بن يزيد (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج الى سنتين ، فإذا جاوز سنتين كان قاطنا وليس له ان يتمتع».

وهذان الخبران الصحيحان صريحان ـ كما ترى ـ في القول المشهور.

وهنا أخبار أخر قد دلت على الاكتفاء بما دون ذلك :

منها ـ صحيحة الحلبي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : لأهل مكة ان يتمتعوا؟ فقال : لا ليس لأهل مكة ان يتمتعوا. قال : قلت : فالقاطنون بها؟ قال : إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة ، فإذا أقاموا شهرا فان لهم ان يتمتعوا. قلت : من اين؟ قال : يخرجون من الحرم. قلت : من اين يهلون بالحج؟ فقال : من مكة نحو من ما يقول الناس». ونحوها رواية حماد ، وقد تقدمت مع رواية الحلبي المذكورة في سابق هذا المقام (٤).

ومنها ـ رواية عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «سمعته

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٩ من أقسام الحج.

(٤) ص ٤١٤.

٤٢٧

يقول المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة ـ يعني : يفرد الحج مع أهل مكة ـ وما كان دون السنة فله ان يتمتع».

ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «من اقام بمكة سنة فهو بمنزلة أهل مكة».

وصحيحة حفص ـ وهو ابن البختري ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) : «في المجاور بمكة يخرج إلى أهله ثم يرجع الى مكة ، بأي شي‌ء يدخل؟ فقال : ان كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع ، وان كان أقل من ستة أشهر فله ان يتمتع».

وما رواه في التهذيب عن الحسين بن عثمان وغيره عن من ذكره عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «من اقام بمكة خمسة أشهر فليس له ان يتمتع».

وصاحب المدارك حيث اقتصر في نقل الروايات المخالفة على الصحاح ـ كما هي عادته ـ جمع بين الاخبار بالتخيير بعد السنة والستة أشهر والتحتم بعد السنتين. وسائر الأصحاب لم يتعرضوا لنقل هذه الروايات المخالفة سوى ما تقدم من عبارة الدروس.

ولا يحضرني الآن وجه وجيه تحمل عليه هذه الاخبار إلا التقية وان لم ينقل ذلك عن العامة ، لما حققناه في مقدمات الكتاب وأشرنا إليه في مطاوي الأبحاث المتقدمة ، وكفى بإعراض الأصحاب قديما وحديثا عنها ضعفا لها.

واما ما نقل عن الشيخ من الثلاث فلم نقف له على مستند.

هذا كله في حج الإسلام كما صرح به علماؤنا الأعلام.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٨ من أقسام الحج.

٤٢٨

تنبيهات

الأول ـ إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بين كونها بنية الدوام أو المفارقة ، فإن الحكم تعلق في النصوص في بعض على الإقامة وفي بعض على المجاورة وفي بعض على القطون ، وهي حاصلة على جميع التقادير. وربما قيل : ان الحكم مخصوص بالمجاورة بغير نية الإقامة ، اما لو كان بنيتها انتقل فرضه من أول سنة. وإطلاق النص يدفعه.

الثاني ـ قال في المدارك : ذكر الشارح وغيره ان انتقال الفرض انما يتحقق إذا تجددت الاستطاعة بعد الإقامة المقتضية للانتقال ، فلو كانت سابقة لم ينتقل الفرض وان طالت المدة ، لاستقرار الأول. ثم قال : وفي استفادته من الاخبار نظر. وهو جيد ، فان المفهوم من الاخبار المتقدمة هو انتقال حكمه من التمتع الى قسيميه بعد السنتين مطلقا ، تجددت الاستطاعة أو كانت سابقة.

ولو انعكس الفرض بأن أقام المكي في الآفاق لم ينتقل فرضه بذلك إلا مع نية الدوام وصدق خروجه عن حاضري مكة عرفا. واحتمل بعض الأصحاب الحاقة بالمقيم في مكة في انتقال الفرض بإقامة السنتين. وهو قياس محض.

الثالث ـ لو كان له منزلان بمكة وغيرها من البلدان البعيدة ، فإن تساوت الإقامة فيهما تخير وإلا أخذ بفرض الأغلب.

واحتجوا على الحكم الأول بأنه مع التساوي لا يكون حكم أحدهما أرجح من الآخر فيتحقق التخيير. وعلى الثاني بأنه انما لزمه فرض أغلبهما ، لأن مع غلبة أحدهما يضعف جانب الآخر فيسقط اعتباره.

ولا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة من الوهن وعدم الصلوح لتأسيس الأحكام الشرعية.

٤٢٩

ولم أقف في هذه المسألة إلا على صحيحة زرارة المتقدمة (١) الدالة على ان من له أهل بمكة وأهل بالعراق فإنه ينظر الى ما هو الغالب عليه من الإقامة في أيهما فهو من اهله.

واما التخيير بالنسبة إلى متساوي الإقامة فالظاهر انه لا اشكال فيه ، لانه لا جائز ان يأخذ أحدهما بخصوصه بغير دليل ولا مرجح ، ولا يجوز إلغاؤهما معا الموجب لسقوط الفرضين ، فلم يبق إلا الأخذ بهما معا على جهة التخيير. وفي الترجيح بالغلبة ما يشير الى ذلك.

ثم ان ظاهر الصحيحة المذكورة اعتبار الأهل لا مجرد المنزل كما هو المفروض في كلامهم والدائر على ألسنة أقلامهم.

قال في المدارك : يجب تقييد هذا الحكم بما إذا لم تكن إقامته في مكة سنتين متواليتين ، فإنه حينئذ يلزمه حكم أهل مكة وان كانت إقامته في النائي أكثر ، لما تقدم من ان اقامة السنتين توجب انتقال حكم النائي الذي ليس له بمكة مسكن أصلا ، فمن له مسكن أولى.

أقول : ولقائل أن يقول : ان ههنا عمومين تعارضا : أحدهما ـ ما دل على ان ذا المنزلين متى غلبت عليه الإقامة في أحدهما وجب عليه الأخذ بفرضه ، أعم من ان يكون أقام بمكة سنتين أو لم يقم ، فلو فرضنا انه في كل مرة يقيم في المنزل الآفاقي خمس سنين وفي المنزل المكي سنتين أو ثلاثا ، فإنه يجب عليه فرض الآفاقي بمقتضى الخبر المذكور وان كان قد أقام بمكة سنتين ، وثانيهما ـ ما دل على ان المقيم بمكة سنتين ينتقل فرضه الى أهل مكة ، أعم من ان يكون له منزل ناء أم لا ، زادت إقامته فيه أم لا. وتخصيص أحد العمومين بالآخر يحتاج الى

__________________

(١) ص ٤٢٧.

٤٣٠

دليل. وما ادعاه هذا القائل من الأولوية في حيز المنع.

الرابع ـ المفهوم من الاخبار ـ وبه صرح الأصحاب ـ ان المجاور بمكة متى انتقل حكمه إليهم أو أراد الحج مستحبا مفردا من مكة وان كان من أهل الآفاق انه يخرج الى خارج الحرم ـ مثل الجعرانة والحديبية ونحوهما ـ فيهل منه بالحج ، وان الصرورة منهم يهل بالحج من أول الشهر ، وهذا الميقات ايضا ميقات لمن أراد الاعتمار عمرة مفردة :

فروى ثقة الإسلام في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اني أريد الجوار فكيف اصنع؟ فقال : إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة فأحرم منها بالحج. الى ان قال : ثم قال : ان سفيان فقيهكم أتاني فقال : ما يحملك على ان تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ فقلت له : هو وقت من مواقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : واي وقت من مواقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو؟ فقلت : أحرم منها حين قسم غنائم حنين ومرجعه من الطائف. فقال : انما هذا شي‌ء أخذته من عبد الله بن عمر ، كان إذا رأى الهلال صاح بالحج. فقلت : أليس قد كان عندكم مرضيا؟ قال : بلى ، ولكن اما علمت ان أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) إنما أحرموا من المسجد؟ فقلت : إن أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء وان هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنهم من أهل مكة ، وأهل مكة لا متعة لهم ، فأحببت أن يخرجوا من مكة الى بعض المواقيت فيشعثوا (٢) به أياما. الحديث».

وروى ايضا في الصحيح عن صفوان عن ابي الفضل (٣) قال : «كنت

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣٠٠ وفي الوسائل الباب ٧ و ٩ و ١٦ و ١٧ من أقسام الحج.

(٢) ارجع الى الاستدراكات.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أقسام الحج.

٤٣١

مجاورا بمكة فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام من أين أحرم بالحج؟ فقال : من حيث أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الجعرانة ، أتاه في ذلك المكان فتوح : فتح الطائف وفتح حنين والفتح فقلت : متى اخرج؟ قال : ان كنت صرورة فإذا مضي من ذي الحجة يوم ، وان كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس».

وهذان الخبران وانا كانا مجملين في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض إلا أنهما محمولان على الاخبار المتقدمة.

وإحرام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذا المكان كان بالعمرة المفردة كما يشير اليه الخبر السابق.

وأصرح منه في ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) وفيها : «واعتمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث عمر متفرقات كلها في ذي القعدة : عمرة أهل فيها من عسفان وهي عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء أحرم فيها من الجحفة ، وعمرة أهل فيها من الجعرانة ، وهي بعد ان رجع من الطائف من غزاة حنين».

__________________

(١) لم أجد حديثا لعبد الله بن سنان بهذا المضمون ، والذي رواه الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ٢٧٥ عن عبد الله بن سنان هو حديث اعتمار المملوك الذي أورده صاحب الوسائل في الباب ٧ من العمرة رقم (١١) وأورده صاحب الوافي في باب (جواز افراد العمرة في أشهر الحج) ثم قال الصدوق بعد الحديث المذكور : «واعتمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ...» وظاهره انه حديث مرسل منه لا يرتبط بحديث عبد الله ابن سنان المتقدم ، وقد أورده صاحب الوسائل كذلك في الباب ٢٢ من المواقيت رقم (٢) وفي الباب ٢ من العمرة ، حيث قال بعد نقله من الكافي برقم ٢ : ورواه الصدوق مرسلا. وأورده أيضا صاحب الوافي في الباب المذكور بعد الحديث المتقدم بما يظهر منه الإرسال.

٤٣٢

وقوله عليه‌السلام : «أتاه في ذلك المكان فتوح» اي رزقه الله (تعالى) تلك الفتوح في ذلك المكان ، وهي فتح الطائف لما توجه إليها بعد فتح مكة ، وفتح حنين ، والفتح ، اي فتح مكة ، إشارة إلى الآية (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) (١).

وقد تقدم (٢) في موثقة سماعة الثانية في سابق هذا البحث ان المجاور ان أحب ان يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق. الى ان قال : فان هو أحب ان يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها.

وقد تقدم (٣) ـ في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر المطلب الأول المتضمنة لسياق حجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ انه لما قالت له عائشة : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أترجع نساؤك بحجة وعمرة معا وارجع بحجة؟ أنه أقام بالأبطح وبعث بها عبد الرحمن بن ابي بكر الى التنعيم وأهلت بعمرة. الحديث.

المقدمة الخامسة

في المواقيت

وهي جمع ميقات ، قال الجوهري : الميقات : الوقت المضروب للفعل ، والموضع ، يقال : «هذا ميقات أهل الشام» للموضع الذي يحرمون منه. ونحوه عبارة القاموس. وظاهر هذا الكلام ان إطلاقه على المعنيين المذكورين على جهة الحقيقة ، وهو خلاف ما صرح به غيره ، قال في النهاية الأثيرية : قد تكرر ذكر التوقيت والميقات في الحديث ، والتوقيت والتأقيت أن يجعل للشي‌ء

__________________

(١) سورة النصر ، الآية ٢ و ٣.

(٢) ص ٤٢١.

(٣) ص ٣١٥ الى ٣١٩.

٤٣٣

وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة ، يقال : «وقت الشي‌ء يوقته ، ووقته يقته» إذا بين حده ، ثم اتسع فيه فأطلق على المكان فقيل للموضع ميقات ، وهو مفعال منه ، وأصله موقات فقلبت الواو ياء لكسرة الميم. وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير ايضا : الوقت مقدار من الزمان مفروض لأمر ما ، وكل شي‌ء قدرت له حينا فقد وقته توقيتا ، وكذلك ما قدرت له غاية ، والجمع أوقات ، والميقات : الوقت ، والجمع مواقيت ، وقد أستعير الوقت للمكان ، ومنه مواقيت الحج لمواضع الإحرام. انتهى.

وكيف كان فالكلام هنا يقع في مقامين المقام الأول في أقسامها ، والمشهور في كلام الأصحاب انها ستة كما سيأتي ذكرها في الاخبار ، وذكر الشهيد في الدروس أنها عشرة ، فأضاف إلى الستة المشار إليها مكة لحج التمتع ، ومحاذاة الميقات لمن لم يمر به وحاذاه ، وادنى الحل أو مساواة أقرب المواقيت إلى مكة لمن لم يحاذ ميقاتا ، وفخ لإحرام الصبيان. وهذه الأربعة مذكورة في تضاعيف كلام الأصحاب. وربما كان الوجه في تخصيص هذه الستة بالذكر في كلامهم انها هي الأصل وغيرها ربما يرجع إليها ، وربما لم يبلغ الاعتماد عليه كليا كالاعتماد عليها ، والأمر في ذلك هين.

ومن الاخبار الدالة على المواقيت الستة المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «من تمام الحج والعمرة ان تحرم من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تجاوزها إلا وأنت محرم فإنه وقت لأهل العراق ـ ولم يكن يومئذ عراق ـ بطن العقيق من قبل أهل العراق ، ووقت لأهل اليمن يلملم ، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقت لأهل

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من المواقيت. والشيخ يرويه عن الكليني.

٤٣٤

المغرب الجحفة وهي مهيعة ، ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة. ومن كان منزله خلف هذه المواقيت من ما يلي مكة فوقته منزله».

أقول : في القاموس : ويلملم أو ألملم أو يرمرم : ميقات اليمن جبل على مرحلتين من مكة. وقال فيه ايضا : وقرن المنازل بفتح القاف وسكون الراء : قرية عند الطائف أو اسم الوادي كله. قال : وغلط الجوهري في تحريكه ، وفي نسبة أويس القرني إليه ، لأنه منسوب الى قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد.

والجحفة بتقديم الجيم كانت مدينة فخربت ، سميت بها لإجحاف السيل بها اي ذهابه بها. وسميت مهيعة بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء المثناة التحتانية ، ومعناها المكان الواسع ، وهي أدنى إلى مكة من ذي الحليفة كما يستفاد من الاخبار. وفي القاموس : كانت قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة وكانت تسمى مهيعة ، فنزل بها بنو عبيد وهم اخوة عاد ، وكان إخراجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل جحاف فاجتحفهم فسميت الجحفة.

وذو الحليفة بالحاء المهملة والفاء على ستة أميال من المدينة ، وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة انها بضم الحاء وفتح اللام والفاء بعد الياء بغير فصل تصغير الحلفة بفتح الحاء واللام واحد الحلفاء وهي النبات المعروف. قاله الجوهري. أو تصغير الحلفة وهي اليمين ، لتحالف قوم من العرب به. وهو ماء على ستة أميال من المدينة. انتهى.

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن على المشهور عن الحلبي (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر ان يحرم قبلها ولا بعدها : وقت

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ١١ من المواقيت.

٤٣٥

لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة ، يصلى فيه ويفرض الحج ، ووقت لأهل الشام الجحفة ، ووقت لأهل نجد العقيق ، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقت لأهل اليمين يلملم. ولا ينبغي لأحد ان يرغب عن مواقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قال الفيومي في كتاب المصباح المنير : النجد ما ارتفع من الأرض والجمع نجود مثل فليس وفلوس ، وبالواحد سمي بلاد معروفة من جزيرة العرب ، وأولها من ناحية الحجاز ذات عرق وآخرها سواد العراق ، ولهذا قيل ليست من العراق. انتهى (١).

وقال في القاموس : انها اسم لما دون الحجاز من ما يلي العراق ، أعلاه تهامة واليمن وأسفله العراق والشام ، واوله من جهة الحجاز ذات عرق (٢). وهو مؤذن بدخول العراق كما هو ظاهر الخبر.

ومنها ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن أبي أيوب الخزاز (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : حدثني عن العقيق وقت وقته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو شي‌ء صنعه الناس؟ فقال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ووقت لأهل المغرب الجحفة ، وهي عندنا مكتوبة مهيعة ، ووقت لأهل اليمن يلملم ، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقت لأهل نجد العقيق وما أنجدت».

قوله : «وما أنجدت» إشارة إلى وجوب الإحرام من هذا الميقات على من مر به وان لم يكن من أهل نجد ، لان الإنجاد الدخول في أرض نجد التي قد تقدم تحديدها ، وتأنيث الضمير باعتبار الأرض المفهومة من السياق.

__________________

(١ و ٢) ارجع الى الاستدراكات.

(٣) الوسائل الباب ١ من المواقيت.

٤٣٦

ويوضحه ما رواه في الفقيه عن رفاعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العقيق لأهل نجد ، وقال : هو وقت لما أنجدت الأرض وأنتم منهم. ووقت لأهل الشام الجحفة ، ويقال لها المهيعة».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد في الصحيح عن علي بن رئاب (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأوقات التي وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للناس.

فقال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقت لأهل المدينة ذا الحليفة وهي الشجرة ، ووقت لأهل الشام الجحفة ، ووقت لأهل اليمن قرن المنازل ، ووقت لأهل نجد العقيق». وفي كتاب الفقه الرضوي (٣) : فإذا بلغت أحد المواقيت التي وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه وقت لأهل العراق العقيق ، واوله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق. وأوله أفضل ، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة وهي مسجد الشجرة ، ووقت لأهل اليمن يلملم ، ووقت لأهل الشام المهيعة وهي الجحفة. ومن كان منزله دون هذه المواقيت ما بينها وبين مكة فعليه ان يحرم من منزله. ولا يجوز الإحرام قبل بلوغ الميقات. ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلا لعلة أو تقية (٤) فإذا كان الرجل عليلا أو اتقى فلا بأس بأن يؤخر الإحرام إلى ذات عرق. انتهى.

الى غير ذلك من الاخبار التي يضيق عن نشرها المقام.

واما الاخبار الدالة على بقية المواقيت فستأتي في أثناء الأبحاث الآتية ان شاء الله تعالى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من المواقيت.

(٣) ص ٢٦.

(٤) ارجع الى الصفحة ٤٤٢ والتعليقة ١ فيها.

٤٣٧

مسائل

الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان العقيق المتقدم في الاخبار أوله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق ، وان الأفضل الإحرام من اوله ثم وسطه ، وحكى الشهيد في الذكرى عن ظاهر علي بن بابويه والشيخ في النهاية ان التأخير إلى ذات عرق للتقية (١) أو المرض. وقال العلامة في المختلف : المشهور ان الإحرام من ذات عرق مختارا سائغ ، والأفضل المسلخ ، وأدون منه غمرة وكلام الشيخ علي بن بابويه يشعر بأنه لا يجوز التأخير إلى ذات عرق إلا لعلة أو تقية (٢).

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في هذا المقام ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا عن الصادق عليه‌السلام (٣) انه قال : «وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل العراق العقيق ، واوله المسلخ ، ووسطه غمرة ، وآخره ذات عرق. وأوله أفضل».

وما رواه الشيخ عن ابي بصير (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : حد العقيق : اوله المسلخ وآخره ذات عرق».

وهذان الخبران صريحان في كون ذات عرق داخلة في العقيق وانها آخره ومثلهما عبارة الفقه الرضوي المتقدمة.

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل المشرق العقيق نحو من بريدين ما بين بريد البعث إلى غمرة ، ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل نجد

__________________

(١ و ٢) ارجع الى الصفحة ٤٤٢ والتعليقة (١) فيها.

(٣) الوسائل الباب ٢ و ٣ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٢ من المواقيت.

(٥) الوسائل الباب ١ من المواقيت.

٤٣٨

قرن المنازل ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل اليمن يلملم».

قال في الوافي : والبعث بالموحدة ثم المهملة ثم المثلثة : أول العقيق ، وهو بمعنى الجيش ، كأنه بعث الجيش من هناك. ولم نجده في اللغة اسما لموضع ، وكذلك ضبطه من يعتمد عليه من أصحابنا ، فما يوجد في بعض النسخ على غير ذلك لعله مصحف. انتهى.

أقول : وقد اشتمل هذا الخبر على ان قرن المنازل ميقات أهل نجد ، والموجود في أكثر الاخبار انه ميقات أهل الطائف ، واما ميقات أهل نجد فإنما هو العقيق.

ويمكن الجواب بأن لأهل نجد طريقين : أحدهما يمر بالعقيق والآخر يمر بقرن المنازل.

ويمكن حمل ذلك على التقية ، فإنه موجود في روايات العامة كما نقله في المعتبر انهم رووا عن ابن عمر (١) : «انه لما فتح المصران أتوا عمر فقالوا : يا أمير المؤمنين ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حد لأهل نجد قرن المنازل وانا إذا أردنا قرن المنازل شق علينا. قال : فانظروا حذوها. فحد لهم ذات عرق».

وهذا الخبر من ما استدل به جملة من العامة على ان ميقات العراق انما ثبت قياسا لا نصا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «أول العقيق بريد البعث وهو دون المسلخ بستة

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٣٣ مطبعة العاصمة ، وبلوغ المرام لابن حجر العسقلاني ص ٨٦. وارجع الى التعليق (١) على كنز العرفان ج ١ ص ٢٧٧ الى ٢٨١.

(٢) المغني ج ٣ ص ٢٣٢ و ٢٣٣ مطبعة العاصمة ، وبلوغ المرام لابن حجر العسقلاني ص ٨٦.

(٣) الوسائل في الباب ٢ من المواقيت.

٤٣٩

أميال من ما يلي العراق ، وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلا بريدان».

وما رواه في الكافي بهذا الاسناد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «آخر العقيق بريد أوطاس. وقال : بريد البعث دون غمرة ببريدين».

وما رواه في الكافي عن ابي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «حد العقيق ما بين المسلخ الى عقبة غمرة».

أقول : ظاهر هذه الاخبار بضم بعضها الى بعض هو خروج ذات عرق عن العقيق ، فإن صحيحة عمر بن يزيد ظاهرة في ان مسافة العقيق بريدان وانه ما بين بريد البعث إلى غمرة ، وصحيحة معاوية بن عمار أو حسنته ظاهرة في المسافة المذكورة ، وكذا الرواية التي بعدها ، ورواية أبي بصير صريحة في كون حد العقيق الى عقبة غمرة. وهذا كله ظاهر في خروج ذات عرق كما ذكرنا. إلا ان هذه الروايات قد اشتركت في الدلالة ـ وان تفاوتت في ذلك ظهورا وخفاء ـ على ان المسلخ ليس هو أول العقيق بل اوله بريد البعث ، وهو قبل المسلخ بستة أميال من ما يلي العراق ، كما صرحت به صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته ، مع دلالة الأخبار الثلاثة الأول ان أول العقيق المسلخ ، وهو الذي صرح به الأصحاب كما عرفت ، وهو ايضا ظاهر صحيحة عمر بن يزيد ، لان ظاهرها ان مسافة العقيق بريدان وان ذلك ما بين بريد البعث إلى غمرة.

والسيد السند في المدارك ـ بعد ان استدل للقول المشهور برواية أبي بصير الاولى ومرسلة الصدوق ، واستدل للقول الآخر بصحيحة عمر بن يزيد وحسنة معاوية بن عمار التي هي عندنا من الصحيح ـ رد الروايتين الأولتين بضعف السند.

ولا يبعد عندي حمل الخبرين المشار إليهما على التقية وان اشتهر العمل

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من المواقيت.

٤٤٠