الحدائق الناضرة - ج ١٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

واما الثاني وهو التجديد مع الجهل والنسيان فلصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ، ما حاله؟ قال : يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك. فقد تم إحرامه».

ونقل في المختلف عن الشيخ في المبسوط والخلاف انه أجزأه إحرامه وصح حجه ، ولا دم عليه ، سواء أحرم من الحل أو الحرم.

ولو اتفق التجديد بناء على المشهور من الميقات أو المرور على الميقات بعد التجديد في غيره ، فهل يسقط عنه دم المتعة أم لا؟ قولان مبنيان على ان دم المتعة نسك كغيره من أفعال الحج فلا يسقط ، وهو المشهور بين الأصحاب ، أو جبران لما فات في إحرام الحج من وقوعه من غير الميقات حيث انه انما يقع من مكة ، فجعل هذا الدم جبرانا لذلك. وهو قول بعض العامة (٢) واليه ذهب الشيخ في المبسوط. وعلى هذا فيسقط الدم هنا لو أحرم من الميقات أو مر عليه محرما.

قال شيخنا الشهيد في الدروس : ولو تعذر إحرامه من مكة بحجة أحرم من حيث يمكن ولو من عرفة ان لم يتعمد وإلا بطل حجه ، ولا يسقط عنه دم التمتع ولو أحرم من ميقات المتعة. وفي المبسوط : إذا أحرم المتمتع من مكة ومضى الى الميقات ومنه الى عرفات صح واعتد بالإحرام من الميقات ، ولا يلزمه دم. وعنى به دم التمتع. وهو يشعر بأنه لو أنشأ الإحرام من الميقات لا دم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ و ٢٠ من المواقيت.

(٢) المهذب للشيرازي الشافعي ج ١ ص ٢٠١ ، ونسبه في بدائع الصنائع ج ٢ ص ١٧٣ الى الشافعي.

٣٦١

عليه بطريق الاولى. وهذا بناء على ان دم التمتع جبران لا نسك ، وقد قطع في المبسوط بأنه نسك. ولا جماعنا على جواز الأكل منه. وفي الخلاف قطع بذلك ايضا ، وبعدم سقوط الدم بالإحرام من الميقات. وهو الأصح. انتهى.

أقول : والمراد بالإحرام من الميقات في هذا المقام الإحرام منه اضطرارا للقطع بأن الإحرام منه اختيارا غير جائز ، لأن موضوعه الشرعي انما هو مكة كما عرفت.

المسألة الرابعة ـ الأشهر الأظهر انه لا يجوز للمتمتع بعد الإتيان بعمرته الخروج من مكة على وجه يفتقر الى استئناف إحرام ، بل اما ان يخرج محرما بالحج واما ان يعود قبل شهر ، فان انتفى الأمران جدد عمرة ، وهي عمرة التمتع.

وحكى الشهيد في الدروس عن الشيخ في النهاية وجماعة انهم أطلقوا المنع من الخروج من مكة للمتمتع ، لارتباط عمرة التمتع بالحج ، فلو خرج صارت مفردة. ثم قال : ولعلهم أرادوا الخروج المحوج إلى عمرة أخرى ـ كما قال في المبسوط ـ أو الخروج لا بنية العود.

ونقل عن ابن إدريس انه لا يحرم ذلك بل يكره ، لأنه لا دليل على حظر الخروج من مكة بعد الإحلال من العمرة. وهو ظاهر العلامة في المنتهى ، حيث قال : يكره للمتمتع بالعمرة ان يخرج من مكة قبل ان يقضي مناسكه كلها إلا لضرورة. الى آخره. وبمثل ذلك صرح في التذكرة أيضا.

ومن ما يدل على القول الأول الاخبار الكثيرة ، ومنها ـ صحيحة حماد ابن عيسى عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له ان يخرج حتى يقضي الحج ، فان عرضت له حاجة الى عسفان

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.

٣٦٢

أو الى الطائف أو الى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا بالحج ، فلا يزال على إحرامه ، فإن رجع الى مكة رجع محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى على إحرامه. وان شاء كان وجهه ذلك الى منى. قلت : فان جهل فخرج الى المدينة أو الى نحوها بغير إحرام ثم رجع في ابان الحج في أشهر الحج يريد الحج ، أيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ فقال : ان رجع في شهره دخل بغير إحرام وان دخل في غير الشهر دخل محرما. قلت : فأي الإحرامين والمتعتين متعته : الأولى أو الأخيرة؟ قال : الأخيرة هي عمرته ، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته».

وفي الحسن عن حفص بن البختري عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) : «في رجل قضى متعته وعرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها؟ قال : فقال : فليغتسل للإحرام وليهل بالحج وليمض في حاجته ، فان لم يقدر على الرجوع الى مكة مضى الى عرفات».

وفي الحسن عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج ، يريد الخروج إلى الطائف؟ قال : يهل بالحج من مكة ، وما أحب ان يخرج منها إلا محرما ، ولا يتجاوز الطائف انها قريبة من مكة».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٣) : فإن أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك ، لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه ، إلا ان يعلم انه لا يفوته الحج ، فان علم وخرج ثم رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل مكة محلا ، وان رجع في غير ذلك الشهر دخلها محرما.

بقي الكلام في الشهر وتحديده ، فقيل : المراد بالشهر من وقت إحلاله من

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.

(٣) ص ٣٠.

٣٦٣

الإحرام المتقدم. اختاره شيخنا الشهيد الثاني وجماعة.

قال في المسالك : ولو وقع الإحرام في أثناء الشهر اعتبر بالعدد ، وهل المعتبر كون الشهر من حين الإهلال أم من حين الإحلال؟ إشكال ، منشأه إطلاق النصوص واحتمالها للأمرين معا. واعتبار الثاني أقوى. انتهى.

ونقل عن العلامة في القواعد انه استشكل احتساب الشهر من حين الإحرام أو الإحلال.

وقال المحقق في النافع : ولو خرج بعد إحرامه ثم عاد في شهر خروجه أجزأه وان عاد في غيره أحرم ثانيا.

قال في المدارك بعد نقل العبارة : ومقتضى ذلك عدم اعتبار مضى الشهر من حين الإحرام أو الإحلال بل الاكتفاء في سقوط الإحرام بعوده في شهر خروجه إذا وقع بعد إحرام متقدم. قال : وقريب من ذلك عبارة الشيخ في النهاية ، فإنه قال في المتمتع : فان خرج من مكة بغير إحرام ثم عاد ، فان كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لم يضره ان يدخل مكة بغير إحرام ، وان دخل في غير الشهر الذي خرج فيه دخلها محرما بالعمرة إلى الحج ، وتكون عمرته الأخيرة. ونحوه قال في المقنعة.

وقال العلامة في المنتهى : ولو خرج بغير إحرام ثم عاد ، فان كان في الشهر الذي خرج فيه لم يضره ان يدخل بغير إحرام ، وان دخل في غير الشهر الذي خرج فيه دخل محرما بالعمرة إلى الحج ، وتكون عمرته الأخيرة هي التي يتمتع بها الى الحج. ونحوه عبارته في التذكرة.

وهذه العبارات كلها متفقة الدلالة على ان المراد بالشهر هو الذي خرج فيه ولا تعرض فيها لكونه من حين الإحرام أو الإحلال بوجه.

نعم لا بد من كون ذلك بعد إحرام متقدم ، وعلى هذا تدل ظواهر

٣٦٤

الأخبار ايضا ، كصحيحة حماد بن عيسى المتقدمة ، فإن الظاهر من قوله ـ : «ان رجع في شهره» بعد قول الراوي : «فإن جهل فخرج الى المدينة» ـ ان المراد شهر خروجه ، ولهذا استدل بها الشيخ في التهذيب للشيخ المفيد على ما ذكره في عبارة المقنعة الدالة على ان الاعتبار بشهر الخروج.

وأظهر منها في ما قلناه ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري وابان بن عثمان عن رجل عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) : «في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم؟ قال : ان رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام ، وان دخل في غيره دخل بإحرام».

وروى الصدوق في الفقيه (٢) مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) انه قال :

«إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك ، لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه ، إلا ان يعلم انه لا يفوته الحج ، فإذا علم وخرج ثم رجع وعاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكة محلا ، وان دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما».

وهي صريحة في ما ذكرناه. ومثلها عبارة كتاب الفقه الرضوي التي قدمناها.

وهذه الرواية ـ كما ترى ـ عين عبارة كتاب الفقه الرضوي التي قدمناها إلا في ألفاظ يسيرة.

واما ما رواه الكليني والشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار (٣) ـ قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المتمتع يجي‌ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة

__________________

(١) الوسائل الباب ٥١ من الإحرام.

(٢) ج ٢ ص ٢٣٨ ، وفي الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.

٣٦٥

فيخرج إلى المدينة أو الى ذات عرق أو الى بعض المعادن؟ قال : يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه ، لأن لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج. قلت : فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه؟ قال : كان ابي مجاورا ههنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء ، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج». ـ

فهي لا تخلو من اشكال من وجهين : أحدهما ـ ان ظاهر التعليل المذكور فيها اعتبار مضى الشهر من حين الإحلال ليتحقق تخلل الشهر بين العمرتين ، وهو خلاف ما صرحت به الاخبار المتقدمة من انه ان رجع في شهر خروجه دخل محلا وإلا دخل محرما. وثانيهما ـ انها دلت على جواز الإحرام بالحج من غير مكة وهو خلاف ما استفاضت به الاخبار واتفقت عليه كلمة الأصحاب.

وظاهر جملة من الأصحاب القول بهذه الرواية هنا مع ما عرفت.

قال في الدروس : ولو رجع في شهره دخلها محلا ، فإن أحرم فيه من الميقات بالحج فالمروي عن الصادق (عليه‌السلام) (١) انه فعله من ذات عرق وكان قد خرج من مكة إليها.

وقال العلامة في التذكرة بعد البحث في المسألة : إذا عرفت هذا فلو خرج من مكة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه استحب له ان يدخلها محرما بالحج ، ويجوز له ان يدخلها بغير إحرام ، على ما تقدم. انتهى.

ولم أر من تنبه لما ذكرناه سوى العلامة في المنتهى ، حيث قال : لو خرج من مكة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه استحب له ان يدخلها محرما بالحج ، ويجوز له ان يدخلها بغير إحرام على ما تقدم ، روى الشيخ في الصحيح

__________________

(١) في حديث إسحاق بن عمار المتقدم.

٣٦٦

عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا الحسن (عليه‌السلام). ثم ساق الرواية إلى آخرها كما قدمناه. ثم قال : هذا قول الشيخ (رحمه‌الله) واستدلاله ، وفيه إشكال ، إذ قد بينا انه لا يجوز إحرام الحج للمتمتع إلا من مكة. انتهى.

وكيف كان فهذه الرواية لا تبلغ قوة في معارضة الأخبار المتقدمة المعتضدة بعمل الأصحاب ، سيما مع ما عرفت من الاشكال المذكور ، وهي مرجأة إلى قائلها.

واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) ـ : «في الرجل يخرج الى جدة في الحاجة؟ فقال : يدخل مكة بغير إحرام». ـ فحمله الشيخ على من خرج من مكة وعاد في الشهر الذي خرج فيه.

أقول : وعلى ذلك يحمل ايضا ما رواه الشيخ في الموثق عن ابن بكير عن غير واحد من أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «انه خرج الى الربذة يشيع أبا جعفر (عليه‌السلام) ثم دخل مكة حلالا».

فروع

الأول ـ الظاهر من كلام الأصحاب ان سقوط الإحرام في من عاد في الشهر المذكور انما هو بالنسبة الى من خرج بعد إحرام ، كما صرحت به جملة من عبائرهم ، اما من لم يكن كذلك كقاطني مكة ـ مثلا ـ فإنه لو خرج منهم أحد إلى خارج الحرم فإنه يجب عليه الإحرام متى أراد الدخول ، وصحيحة حماد المتقدمة وكذا رواية كتاب الفقه ومرسلة الصدوق (٣) صريحة في من خرج بعد إحرام ، اما صحيحة حفص (٤) فهي مطلقة ، والظاهر حملها على الروايات المذكورة وتقييد إطلاقها بما دلت

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥١ من الإحرام.

(٣) ص ٣٦٢ و ٣٦٣ و ٣٦٥.

(٤) ص ٣٦٣.

٣٦٧

عليه من تقدم الإحرام. واما صحيحة جميل ومثلها موثقة ابن بكير فيمكن حملها على تلك الاخبار ايضا كما قدمنا ، وان كان إطلاقها من جهتين : من جهة تقدم الإحرام ، ومن جهة اعتبار الشهر. ويمكن حملها على من لم يتقدم منه إحرام ، إلا أنه في موثقة ابن بكير لا يخلو من بعد ، إذ من الظاهر ان الصادق (عليه‌السلام) قد تقدم منه إحرام في دخول مكة. والحمل على من لم يتقدم منه إحرام إنما يظهر بالنسبة إلى قاطني مكة.

الثاني ـ الظاهر من إطلاق الروايات المتقدمة الدالة على انه لا يجوز للمتمتع الخروج من مكة بعد الإتيان بعمرة التمتع انه متى أكمل العمرة المندوبة وجب عليه الحج. وعلى ذلك نص الشيخ (قدس‌سره) وجملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ويؤيده قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : «دخلت العمرة في الحج هكذا. وشبك بين أصابعه». قيل : ويحتمل عدم الوجوب لأنهما نسكان متغايران. وهو ضعيف. وهذا الاحتمال متجه على قول من يقول بكراهة الخروج ، كما قدمنا نقله عن ابن إدريس والعلامة في الكتابين المتقدمين. والاخبار المذكورة ترده.

الثالث ـ قد عرفت ان مقتضى صحيحة حماد المتقدمة ان عمرته هي الثانية وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته ، وعلى هذا فالعمرة الاولى صارت عمرة مفردة ، والأشهر الأظهر وجوب طواف النساء فيها ، ومقتضى إفرادها هو وجوب ذلك فيها ، إلا انى لم أقف على قائل بذلك ، قال في الدروس : وفي استدراك طواف النساء في الأولى احتمال. وقال في المدارك : وهل تفتقر الاولى الى استدراك طواف النساء؟ وجهان ، من ان مقتضى إفرادها ذلك ، ومن تحقق الخروج من أفعال العمرة سابقا وحل النساء منها بالتقصير فلا يعود التحريم. ولعل الثاني أرجح. انتهى. والمسألة محل توقف. والله العالم.

__________________

(١) ارجع الى الصفحة ٣٥٦ والتعليقة (٤) فيها.

٣٦٨

المطلب الثاني

في حج الإفراد والقران

وفيه مباحث : الأول ـ صورة حج الافراد ان يحرم من الميقات أو من حيث يصح له الإحرام منه بالحج ، ثم يمضي الى عرفات فيقف بها ثم الى المشعر فيقف به ثم إلى منى فيقضي مناسكه بها ، ثم يطوف بالبيت ويصلى ركعتيه ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ويطوف النساء ويصلى ركعتيه.

وعليه عمرة مفردة بعد الحج والإحلال منه متى كان حج الإسلام وكانت الاستطاعة لهما ، فلو كان الحج مندوبا ، أو منذورا ولم تدخل في النذر ، أو لم يستطع لها وانما استطاع لحج الإسلام خاصة ، فلا عمرة كما تدل عليه الاخبار الواردة بكيفية حج الافراد. وقد صرح العلامة وغيره بان من استطاع للحج مفردا دون العمرة وجب عليه الحج دونها ثم يراعى الاستطاعة لها. وصرح شيخنا الشهيد الثاني بوجوب العمرة خاصة لو استطاع لها دون الحج.

وشروطه ثلاثة : النية ، وان يقع في أشهر الحج ، وان يعقد إحرامه من ميقاته أو من دويرة اهله.

وأفعال القارن وشروطه كالمفرد غير انه يتميز عنه بسياق الهدى عند

إحرامه ومن اخبار المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال في القارن : «لا يكون قران إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعى بين الصفا والمروة وطواف بعد الحج وهو طواف النساء. واما المفرد للحج فعليه طواف بالبيت

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤١ ، وفي الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

٣٦٩

وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعى بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة وهو طواف النساء ...».

وما رواه في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «انما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدى ، وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام ، وسعى واحد بين الصفا والمروة ، وطواف بالبيت بعد الحج. وقال : أيما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا إن يسوق الهدي قد أشعره وقلده. والاشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها. وان لم يسق الهدي فليجعلها متعة».

قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر : «يقرن بين الصفا والمروة» هكذا وجدناه في النسخ التي رأيناها ، ويشبه ان يكون وهما من الراوي ، إذ لا معنى للقران بين الصفا والمروة. ولعل الصواب : «يقرن بين الحج والعمرة» كما قاله في آخر الحديث ، ويكون معناه ان يكون في نيته الإتيان بهما جميعا مقدما للحج ، لا بأحدهما مفردا دون الآخر. وليس المراد ان يجمعهما في نية واحدة ويتمتع بالعمرة إلى الحج ، فإنه التمتع وليس فيه سياق هدي. وفي التهذيب فسر القران بينهما في قوله : «أيما رجل قرن بين الحج والعمرة» بأن يشترط في نية الحج ان لم يتم له الحج يجعله عمرة مبتولة ، كما يشعر به الحديث الآتي.

وما رواه في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت وسعى واحد بين الصفا والمروة وينبغي له ان يشترط على ربه ان لم يكن حجة فعمرة».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٢ ، وفي الوسائل الباب ٢ و ٥ و ١٢ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

٣٧٠

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «المفرد للحج عليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعى بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة وهو طواف النساء وليس عليه هدي ولا أضحية».

وقد تقدم ان هذين القسمين فرض حاضري المسجد الحرام ، وهم من كان في نواحي مكة في مسافة ثمانية وأربعين ميلا على الأشهر الأظهر.

وهل يجوز لهم العدول في حج الإسلام إلى التمتع؟ أما للضرورة ـ كخوف الحيض المتأخر عن النفر مع عدم إمكان التأخير الى ان تطهر ، أو خوف عدو ، أو فوات الرفقة ، فلا يمكنها الإتيان بالعمرة المفردة ـ فالظاهر انه لا خلاف فيه.

واستدل عليه ـ مضافا الى العمومات ـ بفحوى ما دل على جواز عدول المتمتع الى حج الافراد مع الضرورة ، فإن الضرورة إذا كانت مسوغة للعدول عن الأفضل إلى المفضول فلان تكون مسوغة للعكس اولى.

واما العدول اختيارا فالأشهر الأظهر عدمه ، وللشيخ قول بجواز ذلك محتجا ـ على ما نقل عنه ـ بان المتمتع أتى بصورة الافراد وزيادة غير منافية فوجب ان يجزئه.

ورده في المعتبر بانا لا نسلم انه اتى بصورة الافراد ، وذلك لأنه أخل بالإحرام للحج من ميقاته وأوقع مكانه العمرة وليس مأمورا بها فوجب ان لا يجزئه

أقول : والأظهر في رد هذا القول هو الآية والاخبار الصحيحة الصريحة ، أما الآية فقوله عزوجل (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢) فإنه يدل بمفهومه على ان الحاضر ليس له ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٥.

٣٧١

وتعضدها الأخبار الواردة بتفسيرها ، كصحيحة علي بن جعفر (١) قال : «قلت لأخي موسى بن جعفر عليه‌السلام : لأهل مكة ان يتمتعوا بالعمرة إلى الحج؟ فقال : لا يصلح ان يتمتعوا ، لقول الله عزوجل (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)» (٢).

الى غير ذلك من الاخبار المتقدمة في المسألة الاولى من مسائل المطلب الأول وينبغي ان يعلم ـ كما أشرنا إليه في أول الكلام ـ ان محل الخلاف انما هو في حج الإسلام ، واما المتطوع بالحج والناذر له مطلقا فيتخير بين الأنواع الثلاثة وان كان التمتع أفضل كما تقدم.

البحث الثاني ـ قد عرفت من ما قدمنا ان القارن كالمفرد لا يتميز عنه إلا بسياق الهدي ، وسمى قارنا لسياقه الهدي في إحرامه وانه قرنه به.

وذهب ابن ابي عقيل الى ان القارن يلزمه قران الحج مع العمرة لا يحل من عمرته حتى يحل من حجه ، ولا يجوز قران العمرة مع الحج إلا لمن ساق الهدي ونحوه نقل عن الجعفي.

وحكى في المعتبر عن الشيخ في الخلاف انه قال : إذا أتم المتمتع أفعال عمرته وقصر فقد صار محلا ، فان كان ساق هديا لم يجز له التحلل وكان قارنا. ثم قال : وبه قال ابن ابي عقيل. ومقتضى ذلك ان القارن هو المتمتع إذا ساق هديا.

وعبارة ابن ابي عقيل المتقدمة وان كانت قاصرة عن هذا المعنى لكن ينبغي حملها عليه ، لانه لو أريد بقران الحج مع العمرة في كلامه ان يقرن بينهما في إحرام واحد فالظاهر انه لا ريب في بطلانه ، إلا ان العلامة في التذكرة نقل عن ابن ابى عقيل ذلك ، حيث قال : قد بينا ان القارن هو الذي يسوق عند

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أقسام الحج.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٥.

٣٧٢

إحرامه بالحج هديا ، عند علمائنا اجمع إلا ابن ابي عقيل ، فإنه جعله عبارة عن من قرن بين الحج والعمرة في إحرام واحد. وهو مذهب العامة بأسرهم (١) انتهى.

وقال شيخنا الشهيد في الدروس ـ بعد ان ذكر ان سياق الهدي يتميز به القارن عن المفرد على المشهور ـ : وقال الحسن : القارن من ساق وجمع بين الحج والعمرة فلا يتحلل منها حتى يحل من الحج. فهو عنده بمثابة المتمتع إلا في سوق الهدي وتأخير التحلل وتعدد السعي ، فإن القارن عنده يكفيه سعيه الأول عن سعيه في طواف الزيارة. وظاهره وظاهر الصدوقين الجمع بين النسكين بنية واحدة. وصرح ابن الجنيد بأنه يجمع بينهما ، فان ساق وجب عليه الطواف والسعي قبل الخروج الى عرفات ولا يتحلل ، وان لم يسق جدد الإحرام بعد الطواف والسعي قبل الخروج الى عرفات ولا يتحلل ، وان لم يسق جدد الإحرام بعد الطواف ولا تحل له النساء وان قصر. وقال الجعفي : القارن كالمتمتع غير انه لا يحل حتى يأتي بالحج للسياق وفي الخلاف : انما يتحلل من أتم أفعال العمرة إذا لم يكن ساق ، فان كان قد ساق لم يصح له التمتع ويكون قارنا عندنا. وظاهره ان المتمتع السائق قارن وحكاه الفاضلان عنه ساكتين عليه. انتهى كلام شيخنا المذكور أفاض الله عليه السرور.

وظاهر هذا الكلام موافقة جملة من الأصحاب لابن ابي عقيل في هذه المقالة في الجملة وان اختلفوا في بعض التفاصيل ، مع انه لم يتعرض أحد منهم لذكر دليل في المقام.

وكيف كان فهذا القول مرغوب عنه للأخبار المتقدمة في البحث الأول.

احتج ابن ابي عقيل على ما نقل عنه بما روى (٢) : «ان عليا عليه‌السلام حيث أنكر

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٧٦ و ٢٨٤ ، وبدائع الصنائع ج ٢ ص ١٦٧ ، والمهذب ج ١ ص ٢٠٠ ، وبداية المجتهد ج ١ ص ٣٠٨.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من الإحرام.

٣٧٣

عليه عثمان قرن بين الحج والعمرة فقال : لبيك بحجة وعمرة معا». وبقوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي المتقدمة (١) : «أيما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا ان يسوق الهدى. الى آخر الخبر».

وأجاب في المختلف عن الأول بأنه مروي من طرق الجمهور (٢) فلا يكون حجة علينا. وعن الثاني بما ذكره الشيخ في التهذيب من ان قوله عليه‌السلام : «أيما رجل قرن بين الحج والعمرة» يريد به في تلبية الإحرام ، لأنه يحتاج ان يقول ان لم تكن حجة فعمرة ، ويكون الفرق بينه وبين المتمتع ان المتمتع يقول هذا القول وينوي العمرة قبل الحج ثم يحل بعد ذلك ويحرم بالحج فيكون متمتعا ، والسائق يقول هذا القول وينوي الحج فان لم يتم له الحج فيجعله عمرة مبتولة. ثم استدل عليه بصحيحة الفضيل المتقدمة (٣).

أقول : لا ريب ان صحيحة الحلبي المذكورة قد صرحت بان نسك القارن بهذا المعنى (٤) كنسك المفرد ليس أفضل منه إلا بسياق الهدي ، وحينئذ فبأي معنى فسر قوله : «أيما رجل قرن بين الحج والعمرة» فإنه لا ينطبق على مذهب ابن ابي عقيل من وجوب تقديم العمرة على الحج وعدم التحلل منها إلا بالتحلل من الحج ، فإنه ليس شي‌ء من هذا في حج الافراد. وبالجملة فإن هذه الرواية كسائر الروايات المتقدمة صريحة الدلالة في ان حج القارن كالمفرد لا يتميز عنه إلا

__________________

(١ و ٣) ص ٣٧٠.

(٢) صحيح البخاري باب (التمتع والقران والافراد بالحج) وصحيح مسلم باب (جواز التمتع) وتقدم بيان مصدره من طرقنا في التعليقة ٢ ص ٣٧٣ وسيأتي منه (قدس‌سره) ص ٣٧٥ انه مروي من طرقنا.

(٤) ليس في الخطية كلمة : «بهذا المعنى».

٣٧٤

بالسياق. ثم لو سلمنا دلالتها على ما ادعى أو فرض وجود دليل ظاهر على ذلك لكان سبيله الحمل على التقية ، لما عرفت من عبارة التذكرة ان ذلك مذهب العامة بأسرهم (١).

وقال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد ذكر الخبر ما صورته : قلت : كذا صورة متن الحديث في نسخ التهذيب التي رأيناها ، ولا يظهر لقوله : «يقرن بين الصفا والمروة» معنى ، ولعله اشارة على سبيل التهكم الى ما يراه أهل الخلاف من الجمع في القران بين الحج والعمرة (٢) وان ذلك بمثابة الجمع بين الصفا والمروة في الامتناع ، وانما ينعقد له من النسك مثل نسك المفرد ، وصيرورته قرانا انما هو بسياق الهدى. وعلى هذا ينبغي ان ينزل قوله أخيرا : «أيما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا ان يسوق الهدي» يعنى : من أراد القران لم يتحصل له معناه إلا بسياق الهدي ، ولا ينعقد له بنية الجمع إلا مثل نسك المفرد ، لامتناع اجتماع النسكين ، وهو قاصد الى التلبس بالحج أولا كالمفرد فيتم له ويلغو ما سواه. وبهذا التقريب ينبغي النظر الى الحديث في الاحتجاج لما صار اليه بعض قدمائنا من تفسير القران بنحو ما ذكره العامة. وللشيخ وغيره في تأويله ـ باعتبار منافاته للأخبار الكثيرة الواردة من طرق الأصحاب بتفسير القران ـ كلام غير سديد. انتهى.

واما ما ذكره في المختلف ـ في الجواب عن أول دليلي ابن ابي عقيل ، من ان الحديث من طريق الجمهور ـ ففيه ان الحديث موجود من طرقنا (٣) كما سيأتي ان شاء الله (تعالى) في موضعه ، إلا انه لا دلالة فيه على ما ذكره ابن ابي عقيل بوجه

__________________

(١ و ٢) المغني ج ٣ ص ٢٧٦ و ٢٨٤ ، وبدائع الصنائع ج ٢ ص ١٦٧ والمهذب ج ١ ص ٢٠٠ ، وبداية المجتهد ج ١ ص ٣٠٨.

(٣) تقدم ذلك في التعليقة (٢) ص ٣٧٣.

٣٧٥

لان الجمع بينهما في التلبية مندوب إليه في أخبارنا في عمرة التمتع لدخولها في الحج ، كما سيأتي (١) بيان ذلك ان شاء الله تعالى.

البحث الثالث ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز للمفرد والقارن بعد دخولهما مكة الطواف مستحبا ، واحتج عليه في المدارك بأنه مقتضى الأصل ولا معارض له.

أقول : وتدل عليه حسنة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن المفرد للحج ، هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال : نعم ما شاء ، ويجدد التلبية بعد الركعتين ، والقارن بتلك المنزلة ، يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية».

واما تقديم الطواف الواجب فهو قول الأكثر ، وعزاه في المعتبر الى فتوى الأصحاب ، ونقل عن ابن إدريس المنع من التقديم محتجا بإجماع علمائنا على وجوب الترتيب. وأجاب عنه العلامة في المنتهى بان الشيخ ادعى الإجماع على جواز التقديم ، فكيف يصح له دعوى الإجماع على خلافه؟ قال : والشيخ اعرف بمواضع الوفاق والخلاف.

ويدل على القول المشهور الأخبار الكثيرة ، ومنها ـ ما رواه الكليني والشيخ عنه عن حماد بن عثمان في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مفرد الحج ، أيعجل طوافه أو يؤخره؟ قال : هو والله سواء عجله أو أخره».

وعن زرارة في الموثق (٤) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المفرد للحج

__________________

(١) في مندوبات الإحرام في استحباب التلفظ بما عزم عليه.

(٢) الوسائل الباب ٢ و ١٦ من أقسام الحج.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٤ من أقسام الحج.

٣٧٦

يدخل مكة ، يقدم طوافه أو يؤخره؟ قال : سواء».

وما رواه الكليني في الموثق عن زرارة (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن مفرد الحج ، يقدم طوافه أو يؤخره؟ قال : يقدمه. فقال رجل الى جنبه : لكن شيخي لم يفعل ذلك ، كان إذا قدم اقام بفخ حتى إذا راح الناس الى منى راح معهم. فقلت له : من شيخك؟ قال : علي بن الحسين عليه‌السلام. فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي بن الحسين (عليهما‌السلام) لامه (٢)».

وعن إسحاق بن عمار معلقا عن ابي الحسن عليه‌السلام (٣) قال : «هما سواء عجل أو أخر».

وروى الكليني في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من أقسام الحج. وقوله : «حتى إذا راح الناس الى منى» موافق لما ورد في التهذيب ج ٥ ص ٤٥ عن الكليني ، كما هو موافق لما رواه في التهذيب ج ٥ ص ٤٧٧ بإسناد آخر ، إلا انه في الكافي ج ٤ ص ٤٥٩ هكذا : «حتى إذا رجع الناس الى منى».

(٢) قال في الوافي بعد نقل الحديث في باب (ترتيب المناسك والإقامة على الحائض) : بيان ـ قد ثبت ان أم علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) كانت بكرا حين تزوجها الحسين (صلوات الله عليهما) إلا انه كانت للحسين (عليه‌السلام) أم ولد قد ربت علي بن الحسين عليه‌السلام واشتهرت بأنها امه إذ لم يعرف اما غيرها ، فتزوجت بعد الحسين (عليه‌السلام) وولدت هذا الرجل واشتهر بأنه أخوه لأمه.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من أقسام الحج.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٤٥٧ ، وفي الوسائل الباب ١٤ من أقسام الحج. والحديث يتضمن اسئلة هذا ثالثها ، واللفظ هكذا : «قلت : المفرد بالحج ...».

٣٧٧

قال : «سألته عن المفرد للحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة ، أيعجل طواف النساء؟ فقال : لا ، انما طواف النساء بعد ما يأتي منى».

وقد قطع الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنه لا يجوز للمتمتع تقديم طواف الحج والسعي اختيارا ، وربما ادعوا عليه الإجماع.

واستدلوا على ذلك برواية أبي بصير (١) قال : «قلت : رجل كان متمتعا وأهل بالحج؟ قال : لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ، فان هو طاف قبل ان يأتي منى من غير علة فلا يعتد بذلك الطواف».

وبإزاء هذه الرواية جملة من الروايات الصحيحة الصريحة في جواز التقديم اختيارا :

كصحيحة علي بن يقطين (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل المتمتع يهل بالحج ثم يطوف ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى؟ قال : لا بأس به».

وصحيحة جميل (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المتمتع يقدم طوافه وسعيه في الحج؟ فقال : هما سيان قدمت أو أخرت».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٣ من أقسام الحج.

(٣) هذه الرواية وردت في التهذيب ج ٥ ص ٤٧٧ عن ابن بكير وجميل عن ابي عبد الله عليه‌السلام ووردت في الفقيه ج ٢ ص ٢٤٤ عن ابن بكير عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام وعن جميل عن ابى عبد الله عليه‌السلام «انهما سألاهما عن المتمتع ...» وقد أورد في الوسائل الرواية من التهذيب في الباب ١٣ من أقسام الحج ، ومن الفقيه في الباب ٦٤ من الطواف. وقد فصل المصنف (قدس‌سره) سؤال جميل وأورده مستقلا.

٣٧٨

وصحيحة حفص بن البختري عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (١) : «في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى؟ فقال : هما سواء أخر ذلك أو قدمه يعني : المتمتع».

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن الرجل يتمتع ثم يهل بالحج ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى؟ فقال : لا بأس».

قال في المدارك بعد طعنه في رواية أبي بصير بضعف السند : وأجاب الشيخ عن هذه الروايات بالحمل على حال الضرورة. وهو بعيد ، مع انه لا ضرورة إلى ارتكابه لانتفاء ما يصلح للمعارضة. والمتجه جواز التقديم مطلقا ان لم ينعقد الإجماع القطعي على خلافه. انتهى.

وهو حسن جيد على أصوله وقواعده ، إلا انه ربما خالف ذلك وخرج عنه في مواضع أخر ، لما أوضحناه في شرحنا على الكتاب من عدم وقوفه (قدس‌سره) على قاعدة له في هذه الأبواب.

وكيف كان فكلامه هذا لا يرد على الشيخ وأمثاله ممن لا يرى العمل على هذا الاصطلاح ، كما أوضحناه في غير موضع ، لأن الصحة والضعف عندهم ليست باعتبار الأسانيد وانما هي باعتبار متون الاخبار.

على ان المستفاد من جملة من الاخبار اختصاص ذلك بالمضطر وأصحاب الأعذار (٣) فتحمل هذه الاخبار عليها ، كما اتفقت عليه كلمة الأصحاب.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٤ من الطواف.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من أقسام الحج ، والباب ٦٤ من الطواف.

٣٧٩

وقال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى ـ بعد نقل صحيحة علي بن يقطين ـ ما صورته : قلت : ذكر الشيخ ان هذا الحديث ورد رخصة للشيخ الكبير والمرأة التي تخاف الحيض. وحاول بذلك الجمع بينه وبين عدة اخبار تضمن بعضها عدم الاعتداد بما يقع من الطواف قبل إتيان منى ، وفي جملة منها نفى البأس عن التقديم والاذن فيه للشيخ ومن في معناه (١) وطرقها غير نقية ، ولولا مصير جمهور الأصحاب إلى منع التقديم مع الاختيار واقتضاء الاحتياط للدين تركه لكان الوجه في الجمع ـ ان احتيج اليه ـ حمل ما تضمن المنع على التقية ، لما يحكى من إطباق العامة عليه ، وكثرة الأخبار الواردة بالإذن مطلقا. انتهى.

وهو جيد. إلا ان ما ذكره من إطباق العامة على المنع وان أوهمه ظاهر كلام المعتبر ، حيث انه أسند المنع من التقديم اختيارا الى اتفاق العلماء المؤذن باتفاق علماء الخاصة والعامة ، كما هو المعهود منه في الكتاب المذكور ، إلا ان العلامة في التذكرة أسند المنع اختيارا والجواز اضطرارا الى ابن عباس وعطاء ومالك وإسحاق واحمد ، ثم نقل عن الشافعي أخيرا الجواز مطلقا (٢).

وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط فيها لازم على كل حال ، وهو في جانب القول الذي عليه الأصحاب.

وفي جواز الطواف المندوب للمتمتع قبل الخروج إلى منى قولان أشهرهما المنع ،

لحسنة الحلبي (٣) قال : «سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام يطوف بالبيت؟

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أقسام الحج ، والباب ٦٤ من الطواف.

(٢) المغني ج ٣ ص ٤٠٥.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٤٥٥ ، وفي التهذيب ج ٥ ص ١٦٩ ، وفي الوسائل الباب ٨٣ من الطواف. واللفظ هكذا : «يأتي المسجد الحرام وقد أزمع بالحج ...».

٣٨٠