الحدائق الناضرة - ج ١٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

وظاهر العلامة في المنتهى دعوى الإجماع على ذلك ، حيث قال : إذا دخلت المرأة مكة متمتعة طافت وسعت وقصرت ثم أحرمت بالحج كما يفعل الرجل سواء فان حاضت قبل الطواف لم يكن لها ان تطوف بالبيت إجماعا ، لأن الطواف صلاة (١) ولأنها ممنوعة من الدخول الى المسجد. وتنتظر الى وقت الوقوف بالموقفين ، فان طهرت وتمكنت من الطواف والسعي والتقصير وإنشاء الإحرام بالحج وادراك عرفة صح لها التمتع ، وان لم تدرك ذلك وضاف عليها الوقت واستمر بها الحيض الى وقت الوقوف بطلت متعتها وصارت حجتها مفردة ، ذهب إليه علماؤنا اجمع.

ونقل في المدارك عن الشهيد في الدروس انه حكى عن علي بن بابويه وابى الصلاح وابن الجنيد قولا بأنها مع ضيق الوقت تسعى ثم تحرم بالحج وتقضي طواف العمرة مع طواف الحج.

قال في المدارك بعد نقل القولين المذكورين : والمعتمد الأول ، لنا ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد. ثم أورد صحيحة جميل المتقدمة (٢) ثم أردفها بصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة أيضا. وقال بعدها : قال في المنتهى : وهذا الحديث كما يدل على سقوط وجوب الدم يدل على الاجتزاء بالإحرام الأول. واما اختلاف الإمامين (عليهما‌السلام) في فوات المتعة فالضابط فيه ما تقدم من انه إذا أدركت أحد الموقفين صحت متعتها إذا كانت قد طافت وسعت وإلا فلا. وقد تقدم البحث فيه. ثم قال في المدارك : هذا كلامه وهو جيد.

__________________

(١) في حديث أبي حمزة في الوسائل الباب ٣٨ من الطواف : «. إلا الطواف فان فيه صلاة» وفي سنن الدارمي ج ١ ص ٣٧٤ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الطواف بالبيت صلاة».

(٢) ص ٣٣٦.

٣٤١

أقول : لا ريب ان البناء على هذا الضابط موجب لرد هذه الاخبار البتة إذ من المعلوم عند كل ذي سمع ودراية ان الداخل إلى مكة يوم التروية في أوله أو آخره لا يفوته الموقف بعد الإتيان بأفعال العمرة ، مع انهم (عليهم‌السلام) حكموا بفوات المتعة في الصحيحين المذكورين بزوال الشمس من يوم التروية أو من أول صبحه. وهكذا في الروايات المتقدمة. ولكنهم (رضوان الله عليهم) لعدم ظهور الجواب لديهم عن هذه الاخبار يرمون بهذا الكلام الذي لا يخرج عن الجزاف بل ارتكاب التحمل والاعتساف.

وبالجملة فإن الاستدلال بهاتين الصحيحتين وأمثالهما يتوقف على القول بمضمونهما وهم لا يقولون بذلك ، وتأويلهم لا ينطبق عليهما ، فكيف يصح منهم الاستدلال بهما؟ نعم يصح الاستدلال بهما في الجملة أعم من ان يكون الاعتبار في العدول بما دلت عليه أو ما دلت عليه الاخبار الأولة.

ويدل على ذلك ما رواه ابن بابويه في الموثق عن إسحاق بن عمار (١) قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن المرأة تجيى‌ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت حتى تخرج الى عرفات؟ فقال : تصير حجة مفردة ، وعليها دم أضحيتها».

واما ما يدل على القول الثاني فروايات : منها ـ رواية عجلان ابي صالح المتقدمة (٢).

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (٣) في الصحيح عن العلاء بن صبيح ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، وعلي بن رئاب ، وعبد الله بن صالح ، كلهم

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٤٠ وفي الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج.

(٢) ص ٣٣٥ و ٣٣٦.

(٣) ج ٤ ص ٤٤٥ ، وفي الوسائل الباب ٨٤ من الطواف.

٣٤٢

يروونه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية ، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة ، وان لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثم سمعت بين الصفا والمروة ، ثم خرجت إلى منى ، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثم طافت طوافا للحج ثم خرجت فسعت ، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي‌ء يحل منه المحرم إلا فراش زوجها ، فإذا طافت أسبوعا آخر حل لها فراش زوجها».

وما رواه في الكافي عن عجلان ايضا (١) «انه سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلت قبل ان تطوف قدمت السعي وشهدت المناسك ، فإذا طهرت وانصرفت من الحج قضت طواف العمرة وطواف الحج وطواف النساء ، ثم أحلت من كل شي‌ء».

وما رواه في الكافي في الموثق عن يونس بن يعقوب عن رجل (٢) «انه سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ، وسئل عن امرأة متمتعة طمثت قبل ان تطوف فخرجت مع الناس الى منى. فقال : أو ليس هي على عمرتها وحجتها فلتطف طوافا للعمرة وطوافا للحج».

وهو ظاهر في بقائها على عمرتها وحجتها ، وانها تطوف بعد قضاء المناسك وتسعى ايضا ، وانما سكت عنه لظهوره ومعلوميته.

قال في المدارك بعد نقل صحيحة العلاء بن صبيح وعبد الرحمن بن الحجاج وعلي بن رئاب المتقدمة : والجواب انه بعد تسليم السند والدلالة يجب الجمع بينها وبين الروايات السابقة المتضمنة للعدول الى الافراد بالتخيير بين الأمرين.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨٤ من الطواف.

٣٤٣

أقول : لا أعرف في مناقشته في سند الرواية ودلالتها هنا وجها غير مجرد التسجيل ، وهو قد نقل في كتابه السند بهذه الصورة : الكليني عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن ابي عمير عن حفص بن البختري عن الجماعة المتقدم ذكرهم. وليس في السند من يتوقف في شأنه إلا العلاء بن صبيح وعبد الله بن صالح ، وهما مشتركان في النقل مع علي بن رئاب وعبد الرحمن بن الحجاج المتفق على توثيقهما. واما الدلالة فهي أظهر من ان تنكر.

أقول : والأظهر في الجمع بين روايات المسألة هو ما دل عليه ما رواه في الكافي عن ابى بصير (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في المرأة المتمتعة : إذا أحرمت وهي طاهر ، ثم حاضت قبل ان تقضي متعتها ، سعت ولم تطف حتى تطهر ثم تقضى طوافها وقد تمت عمرتها ، وان هي أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر».

وعلى هذا فتحمل اخبار البقاء على المتعة وقضاء طواف العمرة بعد المناسك على ما إذا أحرمت وهي طاهر. وهذا هو ظاهر الأخبار المشار إليها ، كصحيحة الجماعة المتقدمة ، حيث قال فيها : «المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت» وهو ظاهر في كون إحرامها من الميقات وهي طاهر. وكذا رواية عجلان (٢) وقوله فيها : «قدمت مكة فرأت الدم» وهكذا الروايات الباقية. واما روايات العدول الى الافراد فبعضها ما هو ظاهر في ذلك وبعضها يحتاج إلى تأويل.

وهذا التفصيل الذي تضمنته هذه الرواية هو ظاهر عبارة كتاب الفقه

__________________

(١) الوسائل الباب ٨٤ من الطواف.

(٢) ص ٣٣٥ و ٣٣٦.

٣٤٤

الرضوي ، حيث قال عليه‌السلام (١) على اثر العبارة التي قدمناها : وان حاضت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا والمروة وفرغت من المناسك كلها إلا الطواف بالبيت ، فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت وهي متمتعة بالعمرة إلى الحج ، وعليها ثلاثة أطواف : طواف للمتعة وطواف للحج وطواف للنساء.

أقول : ومن هذه العبارة أخذ علي بن الحسين مذهبه المنقول عنه. وصدر العبارة الذي قدمناه صريح في فرض تقدم الحيض على الإحرام ، والحكم مع ضيق الوقت بالعدول الى حج الافراد. وهذه العبارة صريحة في تقدم الإحرام على الحيض ، وان الحكم بقاء على متعتها وتقديم السعي وقضاء طواف العمرة بعد الإتيان بأفعال الحج.

والى هذا المعنى أشار الصدوق في الفقيه (٢) حيث قال : وانما لا تسعى الحائض التي حاضت قبل الإحرام بين الصفا والمروة وتقضي المناسك كلها ، لأنها لا تقدر ان تقف بعرفة إلا عشية عرفة ، ولا بالمشعر إلا يوم النحر ، ولا ترمي الجمار إلا بمنى ، وهذا إذا طهرت قضته. انتهى.

وهو (رحمه‌الله) قد قدم رواية عجلان ابى صالح (٣) المتضمنة للأمر بالسعي للمرأة المتمتعة التي دخلت مكة فحاضت ، فجعل هذا الكلام في مقابلة ما دلت عليه الرواية. وفيه إشارة إلى التفصيل المذكور.

ولعل مراده (طاب ثراه) انه انما تعدل في صورة تقدم الحيض على الإحرام الى الافراد لأنها لم تدرك شيئا من عمرتها طاهرة ، وقد ضاق عليها وقت الحج ، وأفعاله مخصوصة بأوقات معينة لا يمكن التقديم فيها ولا التأخير ،

__________________

(١) ص ٣٠.

(٢) ج ٢ ص ٢٤٢.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٩.

٣٤٥

بخلاف العمرة ، فإنه إذا لم يتمكن من الإتيان بها أولا جاز العدول الى الحج والإتيان بأفعاله المذكورة في أوقاتها المعينة ، ثم الإتيان بالعمرة مفردة بعد ذلك. واما في صورة تقدم الإحرام على الحيض فإنها أدركت إحرام العمرة طاهرة ، فجاز لها البناء عليه والبقاء على حجها تمتعا ثم السعي بين الصفا والمروة ، وتأخير الطواف وركعتين الى بعد الفراغ من أفعال الحج وطهرها ، ثم تأتي به مع طواف الحج وطواف النساء.

قال شيخنا المولى محمد تقي المجلسي ـ في شرحه على الفقيه بعد ذكر العبارة المذكورة ـ ما هذه ترجمته : والحائض التي حاضت قبل الإحرام انما لا تسعى بين الصفا والمروة لتأتي بجميع المناسك مع حج التمتع ، لانه لا تقدر عليه نية عمرة التمتع ، لأنها تعلم أن لأفعال الحج أوقاتا مخصوصة لو لم تفعلها في تلك الأوقات لم تصح حجتها ، مثل الوقوف بعرفات فإنه لا يصح إلا عشية عرفة ، وبالمشعر فلا يصح إلا يوم النحر ، ورمى الجمار. وإذا كانت في حال إحرامها حائضا فظنت عدم النقاء الى يوم العاشر لا تقدر أن تنوي عمرة التمتع فيتعين عليها نية حج الإفراد. فاما إذا لم تكن عند الإحرام حائضا تقدر أن تنوي عمرة التمتع ، بل يجب عليها لاحتمال عدم طروء الدم ، فإذا نؤتها أتمتها ولو حاضت بعد ذلك ولكن لا تطوف ، فإذا طهرت طافت طواف العمرة ثم تطوف طواف الحج. الى آخر أفعاله. وهذا وجه في الجمع بين الأخبار الواردة في هذا الباب. والاختلاف هنا وقع في أمرين : أحدهما ـ ان الحائض تأتي بالتمتع أو الافراد. الثاني ـ في إدراك عرفة. وأكثر الفضلاء خلطوا بين الاخبار وجعلوها متفقة غير مختلفة. اما الخلاف في الأمر الأول ففيه ثلاثة أقوال : الأول ـ ان الحائض والنفساء إذا دخلتا مكة واتسع وقتهما صبرتا الى اليوم الثامن بل الى زوال اليوم التاسع ، فان طهرتا واتسع وقتهما للاغتسال والإتيان بأقل

٣٤٦

واجب من الطواف وركعتيه والسعي وتجديد الإحرام للحج وادراك الوقوف بعرفات تمتعا ، وان فاتهما الحج بالاشتغال بأفعال العمرة بعدم اتساع الوقت أو عدم الرفقة الى عرفات وخوفهما على أنفسهما أو بضعهما نقلتا نيتهما من العمرة إلى الحج وحجتا حج الافراد. وليس في هاتين الصورتين خلاف يعتد به ، انما معظم الخلاف في انهما لو أمكنهما الإتيان بأفعال العمرة والحج كليهما ، بان تأتيا بأفعال العمرة مع عدم النقاء إلا الطواف ، وتجددا الإحرام للحج ، وتؤخرا طواف العمرة إلى النقاء فتأتيان به مع طواف الزيارة وطواف النساء ، هل تتمتعان أو تنتقلان الى الافراد؟ ذهب الى الأول جماعة من القدماء وجمع من المتأخرين ، وأكثر الأصحاب أوجبوا النقل الى حج الافراد وتأتى بعد ذلك بعمرة مفردة. وذهب جمع من الأصحاب إلى القول بالتخيير. ولا يخلو من قوة. وظني رجحان هذا القول مع أفضلية التمتع. وفيه قول آخر بالتفصيل ـ كما ذكره الصدوق (رحمه‌الله) ـ بأنهما متى كانتا عند الإحرام طاهرتين تمتعا وإلا افردتا. انتهى كلامه. وانما نقلناه بطوله لاشتماله على تحقيق المسألة بجميع أقوالها ، وان كان ما حمل عليه عبارة الصدوق وفسرها به في صدر كلامه لا يخلو من شي‌ء.

تتميم

هذا كله في ما لو تجدد العذر قبل الشروع في الطواف ، اما لو تجدد في أثنائه فللأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) هنا أقوال : المشهور انها ان طافت أربعة أشواط تامة صحت متعتها وأتت بالسعي وبقية المناسك وقضت بعد طهرها ما بقي من طوافها. وثانيها ـ ما ذهب اليه ابن إدريس واختاره في المدارك من انه لا تصح العمرة إلا بعد إتمام الطواف ، قال ابن إدريس : والذي تقتضيه

٣٤٧

الأدلة انها إذا جاءها الحيض قبل جميع الطواف فلا متعة لها ، وانما ورد بما قاله شيخنا أبو جعفر خبران مرسلان فعمل عليهما ، وقد بينا انه لا يعمل باخبار الآحاد وان كانت مسندة فكيف بالمراسيل. انتهى. وثالثها ـ ما ذهب اليه الصدوق في الفقيه من انه تصح متعتها وان حصل الحيض قبل إكمال الأربعة.

ويدل على القول المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن مسكان وثقة الإسلام في الصحيح ايضا عن صفوان عن إسحاق بياع اللؤلؤ ـ وهو مجهول ـ عن من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام (١) يقول : «المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ، ثم رأت الدم فمتعتها تامة» وزاد في التهذيب : «وتقضى ما فاتها من الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة وتخرج إلى منى قبل ان تطوف الطواف الآخر».

أقول : ولعل المراد بالطواف والآخر الطواف المقضي.

وما رواه الشيخ عن إبراهيم بن أبي إسحاق عن سعيد الأعرج (٢) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت؟ قال : تتم طوافها فليس عليها غيره ، ومتعتها تامة ، فلها ان تسعى بين الصفا والمروة ، وذلك لأنها زادت على النصف ، وقد مضت متعتها ولتستأنف بعد الحج».

وروى في الفقيه عن ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق (٣) عن من

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٩٣ ، والكافي ج ٤ ص ٤٤٩ ، وفي الوسائل الباب ٨٦ من الطواف. والكليني يرويه عن صفوان عن عبد الله بن مسكان عن إسحاق. وفي التهذيب عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي إسحاق.

(٢) الوسائل الباب ٨٦ من الطواف.

(٣) الوسائل الباب ٨٥ من الطواف.

٣٤٨

سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة طافت. الحديث. وزاد فيه : وان هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج ، فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو الى التنعيم فلتعتمر.

أقول : ومن ما يدل على ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (١) عن ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بين الصفا والمروة فجازت النصف فعلمت ذلك الموضع ، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته ، وان هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من اوله».

وما رواه أيضا في الكتاب المذكور عن احمد بن عمر الحلال عن ابي الحسن عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت؟ قال : إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت ، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من اوله».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٣) : ومتى حاضت المرأة في الطواف خرجت من المسجد ، فان كانت طافت ثلاثة أشواط فعليها ان تعيد ، وان كانت طافت أربعة أقامت على مكانها فإذا طهرت بنت وقضت ما عليها. ولا تجوز على المسجد حتى تتيمم وتخرج منه. وكذلك الرجل إذا أصابه علة وهو في الطواف لم يقدر على إتمامه خرج وأعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه ، فان جاز نصفه

__________________

(١) ج ٤ ص ٤٤٨ ، وفي الوسائل الباب ٨٥ من الطواف.

(٢) الوسائل الباب ٨٥ من الطواف.

(٣) ص ٣٠.

٣٤٩

فعليه ان يبني على ما طاف. انتهى.

وقال في المدارك بعد ان نقل روايتي أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ وإبراهيم : وفي الروايتين قصور من حيث السند بالإرسال وجهالة المرسل. ثم نقل كلام ابن إدريس المتقدم نقله ، وقال بعده : وهذا القول لا يخلو من قوة لامتناع إتمام العمرة المقتضي لعدم وقوع التحلل ، ويشهد له صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة (١) حيث قال فيها : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل ان تحل ، متى تذهب متعتها؟ ...». انتهى.

أقول : قد عرفت ما دل على هذا الحكم عموما وخصوصا من الاخبار المتقدمة ، وما طعن به عليها من ضعف الاسناد بناء على هذا الاصطلاح المحدث فجوابه جبر ضعفها بعمل الأصحاب كافة. وخلاف ابن إدريس ـ بناء على أصوله الغير الاصيلة وأدلته العليلة ـ من ما لا يلتفت اليه ولا يعرج في مقام التحقيق عليه. وهو قد سلم هذه المقدمة في غير موضع من شرحه هذا وان خالف نفسه في آخر كما هنا.

واما ما احتج به ـ من عدم إتمام العمرة المانع من التحلل ـ ففيه ان المفهوم من الاخبار المذكورة ان الشارع قد جعل مجاوزة النصف هنا موجبا للتحليل في مقام الضرورة وقائما مقام الإتمام في ذلك. وبه يظهر الجواب عن إطلاق الصحيحة التي احتج بها.

واما ما ذكره الصدوق فإنه قد احتج عليه بصحيحة محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة طافت ثلاثة أطواف أو أقل من ذلك ،

__________________

(١) ص ٣٣٥.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٤١ ، وفي الوسائل الباب ٨٥ من الطواف.

٣٥٠

ثم رأت دما؟ قال : تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه واعتدت بما مضى».

قال في الفقيه بعد نقلها : قال مصنف هذا الكتاب (رضوان الله عليه) : وبهذا الحديث افتى دون الحديث الذي رواه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن من سأل أبا عبد الله عليه‌السلام. ثم ساق الرواية المتقدمة حسبما قدمنا نقله عنه ، ثم قال : لان هذا الحديث إسناده منقطع والحديث الأول رخصة ورحمة ، وإسناده متصل. انتهى.

أقول : فيه أولا ـ ان اسناد هذا الخبر وان كان منقطعا بناء على ما نقله إلا انه بناء على رواية الشيخ متصل. و (ثانيا) ـ اعتضاد هذا الخبر بالأخبار المتقدمة ، وبالأخبار الكثيرة الآتية ـ ان شاء الله تعالى ـ في باب الطواف ، من ان طواف الفريضة انما يبنى فيه على ما زاد على النصف بخلاف طواف النافلة فإنه يبنى فيه على الأقل (١) ولهذا حمل الشيخ صحيحة محمد بن مسلم على طواف النافلة. وهو جيد. وبما ذكرناه يظهر قوة القول المشهور. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ قد صرح جمع من الأصحاب بأنه يشترط في حج التمتع شروط أربعة الأول ـ النية ، إلا انه قد اضطرب كلامهم في المعنى المراد من هذه النية هنا :

قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك : قد تكرر ذكر النية هنا في كلامهم وظاهرهم ان المراد بها نية الحج بجملته. وفي وجوبها كذلك نظر. ويمكن ان يريدوا بها نية الإحرام. وهو حسن إلا انه كالمستغنى عنه ، فإنه من جملة الأفعال وكما تجب النية له تجب لغيره ، ولم يتعرضوا لها في غيره على الخصوص ولعل للإحرام مزية على غيره باستمراره وكثرة أحكامه وشدة التكليف به. وقد صرح في الدروس بان المراد بها نية الإحرام. ويظهر من سلار في الرسالة ان

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ و ٤١ و ٤٥ من الطواف.

٣٥١

المراد بها نية الخروج. انتهى.

ومن غفلات صاحب المدارك انه ـ بعد ان نقل عن جده انه ذكر عن ظاهر أصحابنا ان المراد بهذه النية نية الحج بجملته ـ قال : ونقل عن سلار التصريح به. ويمكن ان يكون في النسخة التي عنده من المسالك الحج عوض الخروج ، فان المنقول عن سلار قول آخر غير القولين المتقدمين ، وهو انه فسر النية بنية الخروج إلى مكة ، كما أفصح بنقله عنه الشهيد في الدروس.

ونقل في المختلف عن الشيخ في المبسوط انه قال : شروط التمتع ستة. الى ان قال : السادس النية وهي شرط في التمتع ، والأفضل ان تكون مقارنة للإحرام ، فإن فاتت جاز تجديدها الى وقت التحلل. ثم قال في المختلف : وفيه نظر ، فإن الأولى إبطال ما لم يقع بنية لفوات الشرط.

واعتذر عنه في الدروس فقال : ولعله أراد نية التمتع في إحرامه لا مطلق نية الإحرام ، ويكون هذا التجديد بناء على جواز نية الإحرام المطلق كما هو مذهب الشيخ ، أو على جواز العدول الى التمتع من إحرام الحج والعمرة المفردة. وهذا يشعر بأن النية المعدودة هي نية النوع المخصوص. انتهى.

وكيف كان فان هذا البحث مفروغ عنه عندنا ، لما عرفت في مقدمات الكتاب ، فإن النية من الأمور الجبلية في كل فعل يأتي به العاقل المكلف ، عبادة كان أو غيرها. وانما ذكرنا هذه الكلمات حكاية لما جرى لهم في المقام.

الثاني ـ وقوعه في أشهر الحج ، ويدل عليه من الاخبار صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) في حديث قال في آخره : «وقال : ليس تكون متعة إلا في أشهر الحج».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من أقسام الحج. والباب ٧ من العمرة.

٣٥٢

وصحيحة زرارة (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل؟ فقال : المتعة. فقلت : وما المتعة؟ فقال : يهل بالحج في أشهر الحج ، فإذا طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام وسعى بين الصفا والمروة قصر وأحل ، فإذا كان يوم التروية أهل بالحج ونسك المناسك ، وعليه الهدي. الحديث».

ورواية سعيد الأعرج (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج فعليه شاة ، ومن تمتع في غيره أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم ، انما هي حجة مفردة».

وروى الصدوق في القوي عن سماعة بن مهران عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) انه قال : «من حج معتمرا في شوال ومن نيته ان يعتمر ويرجع الى بلاده فلا بأس بذلك ، وان هو أقام إلى الحج فهو متمتع ، لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن اعتمر فيهن واقام إلى الحج فهي متعة ، ومن رجل الى بلاده ولم يقم الى الحج فهي عمرة ، وان اعتمر في شهر رمضان أو قبله واقام إلى الحج فليس بمتمتع وانما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن هو أحب ان يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أقسام الحج ، والباب ١ من الذبح ، وتتمة الرواية : «وانما الأضحى على أهل الأمصار» وفي الكافي ج ٤ ص ٤٨٧ «حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة» وكذا في الاستبصار ج ٢ ص ٢٥٩. وفي التهذيب كما في المتن.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٧٤ ، وفي الوسائل الباب ١٠ من أقسام الحج.

٣٥٣

يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة إلى الحج ، فان هو أحب ان يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها».

ثم انه قد اختلف الأصحاب وغيرهم في أشهر الحج ، فقال الشيخ في النهاية : هي شوال وذو القعدة وذو الحجة. وبه قال ابن الجنيد. ورواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (١) ونقل عن المرتضى وسلار وابن ابي عقيل (رضوان الله عليهم) انها شوال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجة. وعن الشيخ في الجمل وابن البراج : وتسعة من ذي الحجة. وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط الى طلوع الفجر من يوم النحر. وقال ابن إدريس إلى طلوع الشمس من يوم النحر.

قال العلامة في المنتهى : وليس يتعلق بهذا الاختلاف حكم. وقال في المختلف : التحقيق ان هذا نزاع لفظي ، فإنهم إن أرادوا بأشهر الحج ما يفوت الحج بفواته فليس كمال ذي الحجة من أشهره ، لما يأتي من فوات الحج دونه على ما يأتي تحقيقه ، وان أرادوا بها ما يقع فيه أفعال الحج فهي الثلاثة كملا لأن باقي المناسك تقع في كمال ذي الحجة. فقد ظهر ان النزاع لفظي. وقريب منه ما قال في التذكرة وولده في الإيضاح.

واستحسنه من تأخر عنه. وهو كذلك ، إذ لا خلاف في فوات وقت الإنشاء بعدم التمكن من ادراك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر ، كما انه لا خلاف في وقوع بعض أفعال الحج كالطوافين والسعي والرمي في ذي الحجة بأسره. وبذلك يظهر ان هذا الخلاف لا يترتب عليه حكم ، وان النزاع في

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٧٧ و ٢٧٨ ، وفي الوسائل الباب ١١ من أقسام الحج. وفيه رواية ذلك من الكافي والتهذيب ايضا ، كما سيأتي قريبا.

٣٥٤

هذه المسألة يرجع الى تفسير هذا اللفظ الوارد في الآية ، وهو قوله عزوجل : «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» (١).

والأظهر بالنظر الى القواعد إطلاقه على الثلاثة التي هي أقل الجمع ، وهو يرجع الى القول الأول.

ولما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «ان الله (تعالى) يقول (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٣) وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة».

وعن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، ليس لأحد ان يحرم بالحج في سواهن. الحديث».

وروى الصدوق عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر عليه‌السلام (٥) «في قول الله عزوجل (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (٦) قال : شوال وذو القعدة وذو الحجة ليس لأحد ان يحرم بالحج في ما سواهن».

وعن معاوية بن عمار ـ بإسنادين أحدهما حسن والآخر قوي ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٧) «في قول الله عزوجل (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) (٨) والفرض : التلبية والاشعار والتقليد ، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج. ولا يفرض الحج إلا في هذه الشهور التي قال الله عزوجل : «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة».

__________________

(١ و ٣ و ٦ و ٨) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢ و ٤ و ٧) الوسائل الباب ١١ من أقسام الحج.

(٥) الوسائل الباب ١١ من أقسام الحج. وفي بعض النسخ «ابان» بدل «زرارة» راجع الفقيه ج ٢ ص ٢٧٧.

٣٥٥

واستدل على التحديد بطلوع الفجر بقوله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) (١) ولا يمكن فرضه بعد طلوع الفجر من يوم النحر. ولقوله تعالى (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) (٢) وهو سائغ يوم النحر متى تحلل في اوله.

ويؤيده ما رواه الكليني عن على بن إبراهيم بإسناده (٣) قال : «أشهر الحج : شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة».

الثالث ـ ان يأتي بالحج والعمرة في عام واحد ، وهو من ما لا خلاف فيه بينهم.

وتدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ ما تكاثر نقله من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) : «دخلت العمرة في الحج هكذا. وشبك بين أصابعه».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن على المشهور عن حماد بن عيسى عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له ان يخرج حتى يقضي الحج ، فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا بالحج ، فلا يزال على إحرامه ، فإن رجع الى مكة رجع محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى. الحديث».

__________________

(١ و ٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٣) الوسائل الباب ١١ من أقسام الحج.

(٤) الوسائل الباب ٢ رقم ٤ و ٢٧ و ٣٣ ، والباب ٥ رقم ١٠ من أقسام الحج. واللفظ المذكور هنا يوافق ما ورد في الحديث ٣٣ بإضافة : «إلى يوم القيامة». وارجع في تشخيص لفظ الفقرة الواردة في صحيح معاوية بن عمار إلى الصفحة ٣١٧ والتعليقة ١.

(٥) الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.

٣٥٦

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من اين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال : ان المتمتع مرتبط بالحج ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء. وقد اعتمر الحسين عليه‌السلام في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون إلى منى».

وعن صفوان في الصحيح عن ابي جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «إذا دخل المعتمر مكة غير متمتع فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وصلى الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام فليلحق بأهله ان شاء. وقال : إنما أنزلت العمرة المفردة والمتعة لأن المتعة دخلت في الحج ولم تدخل العمرة المفردة في الحج».

وعن ابان عن من أخبره عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج الى الحج ، إلا ان يأبق غلامه أو تضل راحلته ، فيخرج محرما ، ولا يجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة».

وفي صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «قلت له : كيف أتمتع؟ قال : تأتي الوقت فتلبي. الى ان قال : وليس لك ان تخرج من مكة حتى تحج».

وصحيحته الأخرى عنه عليه‌السلام (٥) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : كيف

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من العمرة.

(٢) الوسائل الباب ٥ من العمرة. وصفوان يرويه عن نجية عن ابي جعفر (عليه‌السلام).

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.

(٤) الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج ، والباب ٢٢ من الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٥ و ٢٢ من أقسام الحج. وارجع الى الاستدراكات.

٣٥٧

أتمتع؟ فقال : يأتي الوقت فيلبي بالحج ، فإذا اتى مكة طاف وسعى وأحل من كل شي‌ء. وهو محتبس ليس له ان يخرج من مكة حتى يحج».

وما رواه الكليني في الحسن عن معاوية (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انهم يقولون في حجة المتمتع حجته مكية وعمرته عراقية (٢)؟ فقال : كذبوا ، أو ليس هو مرتبطا بحجته لا يخرج منها حتى يقضي حجه».

أقول : تحقيق الكلام في معنى هذا الخبر هو انه لما كان المخالفون في ذلك الوقت ينفون حج التمتع ـ ويقولون بالإفراد والقران خاصة ، تبعا لإمامهم الذي حرم حج التمتع ـ زعموا ان ما يأتي به الشيعة من حج التمتع المشتمل على العمرة والحج يرجع بالأخرة إلى العمرة المفردة وحج الافراد ، فإن العمرة بالإحلال تصير مفردة ، ويصير الحج حينئذ بعدها حجا مفردا وان كانت العمرة فيه متقدمة على الحج. وتسميتهم لها عمرة عراقية لكون شيعة العراق الذين هم من اتباع أهل البيت (عليهم‌السلام) يومئذ يفعلون ذلك. وحاصل كلامهم ان هذه العمرة وان تقدمت على الحج فإنما هي مفردة (٣) والحج افراد ، وهو معنى قولهم : «حجته مكية» فرد عليهم وكذبهم في ما ادعوه من افراد العمرة بالإحلال بعدها ، بان ارتباط العمرة بالحج انما هو من حيث انه لا يجوز للمعتمر بهذه العمرة الخروج من مكة حتى يأتي بالحج.

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٩٤ ، وفي الوسائل الباب ٤ من أقسام الحج.

(٢) في فتح الباري لابن حجر ج ٣ ص ٢٧٨ : تفسير الحجة المكية بأنها قليلة الثواب لقلة مشقتها. وحكى عن ابن بطال ان معنى ذلك إنشاء الحج من مكة كما ينشئ أهل مكة منها فيفوت فضل الإحرام من الميقات.

(٣) المغني ج ٣ ص ٢٧٦.

٣٥٨

وما ربما يقال من ان علماء العامة لا يحرمون حج التمتع فمسلم (١) لكن المعلوم من أقوال عمر واخبارهم المروية عنه هو التحريم (٢) ولكن من تأخر من علمائهم ـ لشناعة الأمر بمخالفة الكتاب العزيز ـ خصوا تحريمه بالعدول من الافراد الى التمتع (٣) والاخبار المشار إليها لا تساعده ، بل هي ما بين صريح أو ظاهر في التحريم مطلقا ، كما حققناه في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد.

الرابع ـ ان يحرم بالحج من بطن مكة ، وأفضله المسجد ، وأفضله المقام أو الحجر. وقد أجمع علماؤنا كافة على ان ميقات حج التمتع مكة. وستأتي الأخبار الدالة على ذلك عند ذكر المسألة.

ومنها ـ صحيحة عمرو بن حريث الصيرفي (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من أين أهل بالحج؟ قال : ان شئت من رحلك ، وان شئت من الكعبة وان شئت من الطريق».

وأفضل مكة المسجد اتفاقا ، وأفضل المسجد مقام إبراهيم أو الحجر ، كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار (٥) : «إذا كان يوم التروية ـ إن

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٧٦.

(٢) صحيح البخاري باب التمتع على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمدة القارئ ج ٤ ص ٥٦٨ ، والمحلى ج ٧ ص ١٠٧.

(٣) عمدة القارئ ج ٤ ص ٥٥١ ، وشرح النووي لصحيح مسلم على هامش إرشاد الساري ج ٥ ص ٢٩٢.

(٤) الوسائل الباب ٢١ من المواقيت.

(٥) الوسائل الباب ٥٢ من الإحرام ، والباب ١ من إحرام الحج.

٣٥٩

شاء الله تعالى ـ فاغتسل ثم البس ثوبيك ، وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس ، فصل المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، فأحرم بالحج».

وعلى هذا فلا يجزئ الإحرام بحج التمتع من غير مكة ولو دخل مكة بإحرامه ، بل لا بد من استئنافه منها ، كما هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وبه قطع في المعتبر من غير نقل خلاف ، وأسنده العلامة في التذكرة والمنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. وربما أشعرت عبارة الشرائع بوقوع الخلاف في ذلك ، إلا ان شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك نقل عن شارح ترددات الكتاب انه أنكر ذلك ، ونقل عن شيخه ان المحقق قد يشير في كتابه إلى خلاف الجمهور ، أو الى ما يختاره من غير ان يكون خلافه مذهبا لأحد من الأصحاب ، فيظن ان فيه خلافا.

وكيف كان فالخلاف في هذه المسألة ان تحقق فهو ضعيف لا يلتفت إليه لأن الإحرام بحج التمتع من غير مكة خلاف ما دلت عليه الاخبار فيكون فاسدا ، إذ مجرد المرور على الميقات لا يكفي ما لم يجدد الإحرام منه ، لأنه الإحرام غير منعقد ، فيكون مروره من الميقات جاريا مجرى مرور المحل به.

بقي الكلام في ما لو تعذر الاستئناف من مكة ، فقد صرح جملة من الأصحاب بأنه يستأنف حيث أمكن ولو بعرفة ان لم يتعمد ذلك ، بمعنى انه ان تعمد الإحرام من غير مكة مع إمكان الإحرام منها فإنه يبطل إحرامه ، وان أحرم من غيرها جهلا أو نسيانا فإنه يجب عليه ان يستأنفه حيث أمكن ولو بعرفة.

اما الحكم الأول وهو بطلان الإحرام مع تعمد ذلك فلعدم تحقق الامتثال المقتضى لبقاء المكلف تحت العهدة.

٣٦٠