الحدائق الناضرة - ج ١٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

لكن جواز الاستئجار ربما كان اولى ، خصوصا إذا كان الأجير انسب بذلك من الودعي.

وهل الأمر له بالحج ـ كما في الخبر ـ رخصة أو للوجوب؟ ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الثاني ، حيث صرح بأن إخراج الحج واجب على المستودع لظاهر الأمر ، فلو دفعه الى الوارث اختيارا ضمن ان لم يتفق منه الأداء. قال في المدارك : وهو حسن.

أقول : الأحوط الوقوف على ظاهر الخبر ، لكن يجب تقييده بما إذا كان صاحب الوديعة له أهلية النيابة.

وهل يتعدي الحكم الى غير حجة الإسلام من الدين والخمس والزكاة؟ قيل : نعم ، لاشتراك الجميع في المعنى المجوز ، وقيل : لا ، قصرا للرواية المخالفة للأصل على موردها.

قال في المدارك بعد نقل القولين المذكورين : والجواز بشرط العلم بامتناع الوارث من الأداء في الجميع حسن ان شاء الله تعالى.

والمسألة عندي محل توقف. ولعل مبني كلام الأصحاب ـ في الإلحاق بالوديعة كما تقدم ، والإلحاق بالحج هنا ـ هو ان ذلك من باب تنقيح المناط القطعي ، لعدم ظهور خصوصية للوديعة دون غيرها من الدين والمال المغصوب ، وعدم ظهور خصوصية للحج دون الدين والخمس ونحوهما. إلا ان فيه ان عدم ظهور الخصوصية لا يدل على العدم ، إذ يجوز ان يكون للحج خصوصية في ذلك ليست لغيره ، كما تقدم نظيره في تزاحم دين الحج مع غيره من الديون.

ويمكن ان يرجح ما ذهب إليه الأصحاب بما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن عيسى بن عبيد عن سليمان بن حفص المروزي (١) : «انه كتب الى

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من كتاب الرهن.

٢٨١

ابي الحسن عليه‌السلام في رجل مات وله ورثة ، فجاء رجل فادعى عليه مالا وان عنده رهنا؟ فكتب عليه‌السلام : ان كان له على الميت مال ولا بينة له عليه فليأخذ ماله من ما في يده وليرد الباقي على ورثته ، ومتى أقر بما عنده أخذ به وطولب بالبينة على دعواه واوفى حقه بعد اليمين ، ومتى لم تقم البينة والورثة ينكرون فله عليهم يمين علم : يحلفون بالله ما يعلمون ان له على ميتهم حقا». ورواه الصدوق ايضا عن محمد بن عيسى (١).

والتقريب فيه انه جعل حكم الرهن هنا كالوديعة والدين كالحج في وجوب تقديمه على حق الورثة ، اما بشرط عدم إمكان إثبات الحق عند الحاكم الشرعي وللمحقق الشيخ حسن (قدس‌سره) كلام في المنتقى في هذه الرواية لا بأس بإيراده :

قال (قدس‌سره) : ولبعض متأخري الأصحاب في تحقيق معنى هذا الحديث كلام لا أراه سديدا ، لابتنائه على توهم مخالفته للأصول من حيث قبول دعوى المقر بالوديعة ان في ذمة الميت حجة الإسلام ، وهو مقتضى لتضييع المال على الوارث بغير بينة ، ومآله الى نفوذ إقرار المقر في حق غيره ممن ليس له عليه سبيل ، ومخالفته للأصل المعروف في باب الإقرار واضحة. والتحقيق انه ليس الحال هنا على ما يتوهم ، فإن الإقرار الذي لا يسمع في حق غير المقر والدعوى التي لا تقبل بغير البينة إنما يتصوران إذا كان متعلقهما المال المحكوم بملكه لغير المقر والمدعي شرعا ولو بإقرار آخر سابق عليهما منفصل بحسب القوانين العربية عنهما ، واما مع انتفاء ذلك كله ـ كما في موضع البحث ـ فإن الإقرار بالوديعة إذا وقع متصلا بذكر اشتغال ذمة الميت المستودع بالحج أو غيره لم يكن إقرارا للوارث مطلقا ، بل هو

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من كتاب الرهن.

٢٨٢

في الحقيقة اعتراف بمال مستحق للإخراج في الوجه الذي يذكره من حج أو غيره اما بأجمعه وذلك على تقدير مساواته للحق ، أو بعض منه بتقدير الفضلة عنه أو على تقدير التخيير بينه وبين غيره إذا كان للميت مال آخر ، الى غير ذلك من الأحكام المقررة في مواضعها. وكيف يعقل ان يكون مثل هذا إقرارا للوارث مع كون الكلام المتصل جملة واحدة لا يتم معناه ولا يتحصل الغرض منه إلا باستيفائه على ما هو محقق في محله. وخلاصة الأمر ان المتجه في نحو هذا الفرض ان يكون المقر به هو ما يتحصل من مجموع هذا الكلام لا ما يقع في ابتدائه بحيث يجعل أوله إقرارا وآخره دعوى. وتمام تنقيح هذا المقام بمباحث الإقرار أليق. إذا تقرر ذلك فاعلم ان المستفاد من الحديث بعد ملاحظة هذا التحقيق وجوب إخراج الحجة من الوديعة حيث لا مال سواها بحسب فرض السائل وكون ما يفضل عنها للوارث. وامره عليه‌السلام بالحج اذن له في تعاطيه بنفسه لا في استنابة غيره ، فلا بد في غير صورة السؤال والجواب من استئذان من له الولاية العامة في مثله إذا لم يكن الودعي ممن له ذلك. وكذا القول في ما لو تضمن الإقرار نوعا آخر من الحق ، فإن القدر الذي يحكم به حينئذ انما هو تقديم الحق على الوارث ، واما طريق تنفيذه فيرجع فيه الى القواعد. ولا يقاس على امره عليه‌السلام في الخبر للسائل بالحج فإنه مختص بتلك الصورة الخاصة فلا يتعداها. انتهى كلامه زيد مقامه.

وهو جيد نفيس ، إلا ان قوله في آخر الكلام : «وامره عليه‌السلام بالحج اذن له في تعاطيه بنفسه لا في استنابة غيره ، فلا بد في غير صورة السؤال والجواب من استئذان من له الولاية العامة في مثله» فان فيه من الإجمال وسعة دائرة الاحتمال ما ربما أوجب الاختلال ، وذلك انه ليس في المسألة ـ كما عرفت ـ إلا هذا الخبر خاصة ، وحينئذ فقوله : «ان امره عليه‌السلام بالحج اذن له في تعاطيه بنفسه لا في استنابة غيره» اما ان يحمل على خصوصية السائل ويكون قوله : «فلا بد في غير

٢٨٣

صورة السؤال والجواب من استئذان الحاكم» محمولا على ما عدا السائل المخصوص ممن يكون مثله في هذه المسألة. وفيه أولا ـ ما عرفت آنفا في الكلام على صاحب المدارك حيث ادعى الخصوص وعدم الإطلاق في الخبر. وثانيا ـ انه متى خص الخبر بذلك السائل فمورد الخبر مقصور عليه ، فقوله ـ : «لا بد في غير صورة السؤال والجواب من استئذان الحاكم» ـ لا وجه له لعدم دخوله تحت الخبر وليس سواه. وان أراد بكلامه الأول ما قدمنا بيانه وشددنا أركانه ـ من ان المراد من الخبر بيان قاعدة كلية لكل من كانت عنده وديعة لغيره مع الشروط المذكورة لا خصوصية السائل ـ فهو صحيح لكن قوله : «فلا بد في غير صورة السؤال والجواب. الى آخره» لا معنى له ظاهرا إلا ان يحمل على غير الحج من الدين والخمس والزكاة مثلا ، بان يكون حكمها حكم الحج في التقديم على الوارث لكن لا بد من استئذان الحاكم. وفيه انه قد صرح بذلك بعد هذا الكلام بقوله : «وكذا القول في ما لو تضمن الإقرار نوعا آخر. الى آخره» وحينئذ فلا يمكن حمل الكلام المذكور عليه. وبالجملة فإن ظاهر الكلام المذكور لا يخلو من القصور ، ولعله لقصور ذهني الكليل وفتور فهمي العليل. والله العالم

المسألة الخامسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما إذا أفسد الأجير حجة المستأجر عليه ، فقال في المبسوط والخلاف : إذا أحرم الأجير بالحج عن المستأجر ثم أفسد حجه انقلب عن المستأجر اليه وصار محرما بحجة عن نفسه فاسدة فعليه قضاؤها عن نفسه ، والحج باق عليه للمستأجر يلزمه ان يحج عنه في ما بعد ان كانت الحجة في الذمة ولم يكن له فسخ هذه الإجارة ، وان كانت معينة انفسخت الإجارة وكان على المستأجر ان يستأجر من ينوب عنه. وهو اختيار ابن إدريس والعلامة في جملة من كتبه. وهو صريح في وجوب حج ثالث عن المنوب عنه في الإجارة المطلقة واستحقاقه الأجرة ، واما المعينة فإنه تنفسخ

٢٨٤

الإجارة وتسترد الأجرة.

واستدل العلامة في المنتهى بان من اتى بالحج الفاسد فقد أوقع الحج على غير وجهه المأذون فيه ، لأنه انما اذن له في حج صحيح فاتى بفاسد فيقع عن الفاعل ، كما لو اذن له في شراء عين بصفة فاشتراها بغير تلك الصفة فإن الشراء يقع له دون الآمر ، وإذا ثبت انه ينقلب اليه فنقول : انه قد أفسد حجا وقع منه فلزمه قضاؤه عن نفسه وكان عليه الحج عن المستأجر بعد حجة القضاء ، لأنها تجب على الفور. انتهى. وضعفه أظهر من ان يحتاج الى بيان.

واختار المحقق في المعتبر والعلامة في المختلف اجزاء القضاء عن المستأجر ، لأنها قضاء عن الحجة الفاسدة ، والقضاء كما يجزئ الحاج عن نفسه فكذا عن من حج عن غيره. ولأن إتمام الفاسدة إذا كان عقوبة تكون الثانية هي الفرض فلا مقتضى لوجوب حج آخر.

وقال في الدروس : ولو جامع قبل الوقوف أعاد الحج وأجزأ عنهما ، سواء كانت الإجارة معينة أو مطلقة على الأقوى. وهو ظاهر في موافقة هذا القول وهو الأقوى.

ويدل عليه من الاخبار ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) : «في رجل حج عن رجل فاجترح في حجه شيئا يلزمه فيه الحج من قابل أو كفارة؟ قال : هي للأول تامة وعلى هذا ما اجترح».

وعن إسحاق بن عمار (٢) في خبر تقدم صدره (٣) قال : قال : «قلت : فان ابتلى بشي‌ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل ، أيجزئ عن الأول؟ قال :

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦١ ، وفي الوسائل الباب ١٥ من النيابة في الحج.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من النيابة في الحج.

(٣) ص ٢٥٥.

٢٨٥

نعم. قلت : لأن الأجير ضامن للحج؟ قال : نعم».

وظاهر الخبرين المذكورين ان الحجة الأولى مجزية عن المنوب عنه ، وبموجب ذلك يكون الأجير مستحقا للأجرة على هذا القول سواء كانت الإجارة مطلقة أو معينة ، وقد عرفت على القول الأول استحقاقه الأجرة متى كانت الإجارة مطلقة ، لوجوب الإتيان بالحج عليه ، واما مع التعيين فتنفسخ الإجارة فلا يستحق اجرة.

وبما ذكرناه يتضح ما في بناء المحقق ومن تبعه استعادة الأجرة وعدمها على القولين في من حج عن نفسه وأفسد حجه ، من انه هل تكون الأولى هي الفرض وتسميتها فاسدة مجاز والثانية عقوبة أو بالعكس؟ فان قلنا : ان الاولى فرضه والثانية عقوبة ـ كما اختاره الشيخ ودلت عليه حسنة زرارة (١) التي هي مستند تلك المسألة ـ فقد برئت ذمة المستأجر بإتمامه واستحق الأجير الأجرة ، وان قلنا الأولى فاسدة والإتمام عقوبة والثانية فرضه كان الجميع لازما للنائب ، وتستعاد منه الأجرة ان كانت الأجرة متعلقة بزمان معين ، وذلك فإنه متى كانت حسنة زرارة الواردة في من حج عن نفسه دلت على ان الفريضة هي الأولى ، وروايتا إسحاق ابن عمار المختصتان بالنائب دلتا على ان الفرض هي الأولى كما قدمنا ذكره ، فان الواجب هو القول بذلك وعدم الالتفات الى القول الآخر ، لخلوه من الدليل فلا يصلح لأن يفرع عليه بل ولا يلتفت اليه. ومن ذهب الى كون الفرض هي الثانية في من حج عن نفسه إنما بنى على الطعن في حسنة زرارة من حيث الإضمار. وهو مع قطع النظر عن ضعفه وعدم الإضرار بصحة الرواية أو حسنها لا يجري في النائب ، لدلالة الروايتين المتقدمتين الواردتين في خصوص النائب على ان الأولى هي الفرض.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

٢٨٦

وبالجملة فإن الظاهر هو صحة الحج ـ مطلقا كان الاستئجار أو مقيدا بالسنة الاولى ـ وانه قد قضى ما عليه بالحجة الاولى واستحق الأجرة. وما أطالوا به من الاحتمالات والمناقشات والتفريعات كله تطويل بغير طائل ، فإن ما ذكرناه هو مدلول الأخبار التي هي المعتمد في الإيراد والإصدار. والله العالم.

المسألة السادسة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه لو تبرع انسان بالحج عن غيره بعد موته فإنه يكون مجزئا عنه وتبرأ ذمته به. وظاهرهم انه لا فرق في ذلك بين ان يختلف الميت ما يحج به عنه أم لا ، ولا في المتبرع بين ان يكون وليا أو غيره.

ويدل على ذلك من الاخبار ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن عمار بن عمير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

بلغني عنك انك قلت : لو ان رجلا مات ولم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه؟ فقال : نعم اشهد بها على ابي أنه حدثني ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه رجل فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان ابي مات ولم يحج؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حج عنه فان ذلك يجزئ عنه».

وما رواه في الكافي في الموثق عن حكم بن حكيم (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انسان هلك ولم يحج ولم يوص بالحج ، فأحج عنه بعض اهله رجلا أو امرأة ، هل يجزئ ذلك ويكون قضاء عنه ، أو يكون الحج لمن حج

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من وجوب الحج وشرائطه. ورواه في الكافي ج ٤ ص ٢٧٧ في الصحيح عن ابن مسكان عن عامر بن عميرة.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من وجوب الحج وشرائطه. والظاهر ان الحديث من الصحيح ، لأن الكليني يرويه عن ابي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن حكم ، وكلهم ثقات صحيحو المذهب.

٢٨٧

ويؤجر من احتج عنه؟ فقال : ان كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعا وأجزأ الذي أحجه».

قال في الوافي ذيل هذا الخبر : واما إذا كان صرورة فإنما أجزأ عنه الى ان أيسر كما في اخبار أخر أقول : والأقرب ان لفظ : «غير» هنا وقع مقحما سهوا من بعض الرواة ، لتكاثر الروايات بالأمر بحج الصرورة الذي لا مال له.

وما رواه في الكافي مرفوعا وفي الفقيه مضمرا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سئل عن رجل مات وله ابن لم يدر أحج أبوه أم لا؟ قال : يحج عنه فان كان أبوه قد حج كتب لأبيه نافلة وللابن فريضة ، وان كان أبوه لم يحج كتب لأبيه فريضة وللابن نافلة».

أقول : لما كان من يحج عن غيره لله (عزوجل) يتفضل الله عليه بثواب مثل حجة الذي ناب فيه عن غيره ، فهذا الذي قد حج عن أبيه في هذا الخبر ان كان أبوه لم يحج حجة الإسلام كانت هذه الحجة سادة مسدها ويكتب له ثواب حجة مستحبة ، وإلا كتب له ثواب الفريضة ووقعت عن الأب نافلة.

واستدل على ذلك أيضا بصحيحة رفاعة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ولم يوص بها ، أتقضى عنه؟ قال : نعم». ومثلها رواية أخرى له ايضا (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل والمرأة يموتان ولم يحجا ، أيقضى عنهما حجة الإسلام؟ قال : نعم». والظاهر عندي منهما انما هو القضاء من ماله ، كما ورد في جملة من الاخبار

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من النيابة في الحج. والظاهر ان يقول : «مرسلا» بدل «مضمرا» ولعله من تحريف النساخ.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٨ من وجوب الحج وشرائطه.

٢٨٨

ان من مات وفي ذمته حجة الإسلام ولم يوص بها فإنها تخرج من أصل ماله (١) وان لم يكن ما ذكرناه هو الأقرب فلا أقل من ان يكون مساويا لاحتمال تبرع الأجنبي عنه ، فلا يمكن الاستدلال لما ذكرناه من الاحتمال.

وربما ظهر من تخصيص الاجزاء بالتبرع عن الميت عدم اجزاء التبرع عن الحي. وهو كذلك متى كان متمكنا من الإتيان بالحج ، اما مع العجز عنه المسوغ للاستنابة ـ كما تقدم ـ فإشكال ينشأ ، من انه كالميت ، لأن الذمة تبرأ بالعوض فكذا بدونه ، ولان الواجب الحج عنه وقد حصل فيمكن الاجزاء ، ومن ان براءة ذمة المكلف بفعل الغير تتوقف على الدليل وهو منتف هنا فيرجح العدم.

هذا كله في الحج الواجب ، واما في الحج المندوب فيجوز التبرع عن الحي والميت إجماعا نصا (٢) وفتوى.

ومن الاخبار في ذلك صحيحة حماد بن عثمان (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ان الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت حتى ان الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه ويقال : هذا بعمل ابنك فلان أو بعمل أخيك فلان. أخوه في الدين».

وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من النيابة في الحج.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من الاحتضار ، والباب ١٢ من قضاء الصلوات ، والباب ٢٥ من النيابة في الحج.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات.

(٤) الوسائل الباب ٢٥ من النيابة في الحج.

٢٨٩

الرجل يحج فيجعل حجته وعمرته أو بعض طوافه لبعض اهله وهو عنه غائب ببلد آخر ، قال : قلت : فينقص ذلك من اجره؟ قال : لا هي له ولصاحبه ، وله أجر سوى ذلك بما وصل. قلت : وهو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال : نعم حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له أو يكون مضيقا عليه فيوسع عليه. قلت : فيعلم هو في مكانه ان عمل ذلك لحقه؟ قال : نعم. قلت : وان كان ناصبا ينفعه ذلك؟ قال : نعم يخفف عنه».

وصحيحة موسى بن القاسم البجليّ (١) قال : «قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : يا سيدي إني أرجو أن أصوم بالمدينة شهر رمضان؟ قال : تصوم بها ان شاء الله. قلت : وأرجو ان يكون خروجنا في عشر من شوال ، وقد عود الله زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته وزيارتك ، فربما حججت عن أبيك ، وربما حججت عن ابي ، وربما حججت عن الرجل من إخواني ، وربما حججت عن نفسي ، فكيف اصنع؟ فقال : تمتع. فقلت : اني مقيم بمكة منذ عشر سنين؟ فقال : تمتع».

ورواية صفوان الجمال (٢) قال : «دخلت على ابي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه الحارث بن المغيرة ، فقال : بأبي أنت وأمي لي ابنة قيمة لي على كل شي‌ء وهي عاتق فاجعل لها حجتي؟ فقال : اما انه يكون لها أجرها ويكون لك مثل ذلك ولا ينقص من أجرها شي‌ء». أقول : العاتق : البكر الشابة تكون في بيت أبيها.

وروى في الفقيه مرسلا (٣) قال : «قال رجل للصادق عليه‌السلام : جعلت فداك

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣١٤ ، وفي الوسائل الباب ٢٥ من النيابة في الحج.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من النيابة في الحج.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من النيابة في الحج.

٢٩٠

انى كنت نويت ان ادخل في حجتي العام أمي أو بعض أهلي فنسيت؟ فقال عليه‌السلام : الآن فأشركهما».

وحسنة الحارث بن المغيرة (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام وانا بالمدينة بعد ما رجعت من مكة : إني أردت أن أحج عن ابنتي؟ قال : فاجعل ذلك لها الآن».

وقد ورد أيضا في جملة من الاخبار النيابة في الطواف عن الميت وعن الحي ما لم يكن حاضر مكة إلا مع العذر كالإغماء والبطن ونحوهما.

فمن الأخبار الدالة على جواز النيابة فيه رواية داود الرقي (٢) قال : «دخلت على ابى عبد الله (عليه‌السلام) ولي على رجل مال قد خفت تواه فشكوت ذلك اليه ، فقال لي إذا صرت بمكة فطف عن عبد المطلب طوافا وصل ركعتين عنه ، وطف عن ابى طالب طوافا وصل عنه ركعتين ، وطف عن عبد الله طوافا وصل عنه ركعتين ، وطف عن آمنة طوافا وصل عنها ركعتين ، وطف عن فاطمة بنت أسد طوافا وصل عنها ركعتين ، ثم ادع الله ان يرد عليك مالك. قال : ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفاء فإذا غريمي واقف يقول : يا داود حبستني تعال فاقبض مالك».

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال فيه : «فأطوف عن الرجل والمرأة وهم بالكوفة؟ فقال : نعم تقول

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من النيابة في الحج.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٥٤٤ ، والفقيه ج ٢ ص ٣٠٧ ، وفي الوسائل الباب ٥١ من الطواف.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من النيابة في الحج.

٢٩١

حين تفتتح الطواف : اللهم تقبل من فلان ، الذي تطوف عنه».

ورواية أبي بصير (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من وصل أباه أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له اجره كاملا ، وللذي طاف عنه مثل اجره ويفضل هو بصلته إياه بطواف آخر».

واما ما يدل على عدم النيابة مع الحضور فهو ما رواه في التهذيب عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن من حدثه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له : الرجل يطوف عن الرجل وهما مقيمان بمكة؟ قال : لا ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب عن مكة. قلت : وكم مقدار الغيبة؟ قال : عشرة أميال».

وغاية ما استدل به في المدارك على هذا الحكم ـ حيث صرح به المصنف في المتن ـ هو انها عبارة تتعلق بالبدن فلا تصح النيابة فيه مع التمكن. وفيه ما لا يخفى والظاهر انه لم يقف على الخبر المذكور.

واما جواز النيابة مع الحضور والعذر فتدل عليه أخبار عديدة :

منها ـ صحيحة حبيب الخثعمي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يطاف عن المبطون والكسير».

وتمام تحقيق المسألة يأتي في محله ان شاء الله تعالى.

المسألة السابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الأجير

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من النيابة في الحج ، والباب ٥١ من الطواف.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من النيابة في الحج. والراوي عبد الرحمن بن ابي نجران.

(٣) الوسائل الباب ٤٩ من الطواف.

٢٩٢

يستحق الأجرة بالعقد ويملكها ، لان ذلك مقتضى صحة المعاوضة ، فلو كانت عينا فزادت بعد العقد أو نمت فهما للأجير ، إلا انه لا يجب تسليمها إلا بعد العمل كما هو المقرر في باب الإجارة ، وعلى هذا فليس للوصي التسليم قبله ولو سلم كان ضامنا ، إلا مع الاذن من الموصي المستفاد من نصه على ذلك ، أو اطراد العادة لأن ما جرت به العادة يكون كالمنطوق به. ولو توقف عمل الأجير وإتيانه بالفعل على دفع الأجرة اليه ولم يدفعها الوصي فقد استقرب الشهيد في الدروس جواز فسخه ، للضرر اللازم من اشتغال الذمة بما استؤجر عليه مع عدم تمكنه منه. ويحتمل عدمه فينتظر وقت الإمكان ، لأن التسلط على فسخ العقد اللازم يتوقف على الدليل ، ومثل هذا الضرر لم يثبت كونه مسوغا. نعم لو علم عدم التمكن مطلقا تعين القول بجواز الفسخ.

أقول : ما ذكروه ـ من انه ليس للوصي التسليم قبل العمل ولو سلم كان ضامنا ـ لا يخلو عندي هنا من اشكال وان كان هذا من جملة القواعد المسلمة بينهم في باب الإجارة مطلقا ، وذلك فإنه قد تقدم في المسألة الأولى (١) من مسائل هذا المقصد نقل جملة من الاخبار الدالة على ان من أخذ حجة عن ميت فمات ولم يحج ولم يخلف شيئا ، أو لم يمت ولكن أنفقها وحضر أوان الحج ولم يمكنه الحج انه ان كان له حج عند الله أثبته الله للميت وإلا كتب للميت بفضله وكرمه (عزوجل) ثواب الحج. وهذا لا يجامع الحكم بضمان الوصي بتسليم الأجرة.

ويعضد ذلك ايضا ما رواه في الكافي في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يأخذ

__________________

(١) ص ٢٥٧.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من النيابة في الحج.

٢٩٣

الدراهم ليحج بها عن رجل ، هل يجوز له ان ينفق منها في غير الحج؟ قال : إذا ضمن الحجة فالدراهم له يصنع بها ما أحب وعليه حجة».

وظاهر هذا الخبر انه متى استقرت الحجة في ذمته بطريق الإجارة وكان ضامنا لها بسبب ذلك استحق الأجرة وجاز تسليمها اليه وصارت ملكه كسائر أمواله من غير ان يتعقب ذلك ضمان على الوصي ، ويصير الأجير مطلوبا بالحج خاصة فإن حج فقد برئت ذمته ، وإلا فالحكم فيه ما جرى في الاخبار المشار إليها.

وبالجملة فإن الرجوع على الوصي بعد ما عرفت لا يخلو من نظر. إلا ان يقال : ان عدم الرجوع هنا انما هو بما ذكروه من حيث جريان العادة بدفع الأجرة أولا وهو في حكم المنطوق. وفيه بعد ، فان ظاهر الأخبار المشار إليها ان هذا الحكم كلي في المسألة ، جرت العادة بما ذكر أو لم تجر.

وكيف كان فقد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا انه يستحب للأجير رد فاضل الأجرة بعد الحج ، وللمستأجر إعانته ان نقصت الأجرة عن الوفاء بالحج.

وعلل الحكم الأول في المعتبر بأنه مع الإعادة يكون قصده بالنيابة القربة لا العوض.

قال في المدارك : وكأن مراده انه مع قصد الإعادة ابتداء يكون قصده بالنيابة القربة لا العوض. وهو حسن.

أقول : لا يخفى ان ما تأول به عبارة المعتبر بعيد عن ظاهرها وكذا ظاهر غيرها ، والظاهر ان مرادهم ان اعادة الزائد بعد الفراغ من الحج يكون كاشفا عن ان قصده بالإجارة والنيابة القربة لا العوض. وإثبات الاستحباب الذي هو حكم شرعي بمثل هذه التخرصات والتخريجات مشكل.

نعم قال شيخنا المفيد في المقنعة ـ بعد ان حكم بان الرجل إذا أخذ حجة

٢٩٤

ففضل منها شي‌ء فهو له وان عجزت فعليه ـ ما لفظه : وقد جاءت رواية بأنه ان فضل من ما أخذه فإنه يرده ان كان نفقته واسعة وان كان قتر على نفسه لم يرده. وعلى الأول العمل. انتهى. وهذه الرواية على تقدير صحتها أخص من المدعى.

وعلل الحكم الثاني بما في ذلك من المساعدة للمؤمن والرفق به والتعاون على البر والتقوى. ولا بأس به.

وقد وردت الاخبار بان ما فضل من الأجرة فهو للأجير ، وظاهرها ان ذلك غير مؤثر في صحة الحج وقصد القربة به وان قصد العوض. وفيه رد لما عللوا به الحكم الأول.

فروى الشيخ في الصحيح عن مسمع (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أعطيت الرجل دراهم يحج بها عني ففضل منها شي‌ء فلم يرده على؟ فقال : هو له لعله ضيق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة».

وروى ثقة الإسلام في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن محمد بن عبد الله القمي (٢) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل يعطى الحجة يحج بها ويوسع على نفسه فيفضل منها ، أيردها عليه؟ قال : لا هي له».

ثم انه لو خالف ما استؤجر عليه فظاهر الأكثر انه لا اجرة له ، لانه متبرع بما اتى به. وقيل ان له اجرة المثل ، حكاه العلامة في المنتهى عن الشيخ ، قال في المدارك : وهو بعيد جدا ، قال : بل الظاهر انه (رحمه‌الله) لا يقول بثبوتها في جميع الموارد ، فان من استؤجر على الحج فاعتمر وعلى الاعتمار فحج لا يعقل استحقاقه بما فعل أجرة لأنه متبرع محض ، وانما يتخيل ثبوتها مع المخالفة في وصف من أوصاف العمل الذي تعلقت به الإجارة ، كما إذا استؤجر على الحج

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ من النيابة في الحج.

٢٩٥

ماشيا فركب ، أو على الإحرام من ميقات معين فأحرم من غيره. مع ان المتجه مع صحة الفعل استحقاقه من الأجرة بنسبة ما عمل الى المسمى لا اجرة المثل. الى ان قال : والأجود ما أطلقه المصنف من سقوط الأجرة مع المخالفة. انتهى.

وهو جيد ، إلا انه ينبغي ان يستثني من ذلك ما تقدم من الخلاف في مسألتي الطريق والنوع ، كما قدمنا بيانه في المسألة الثانية من مسائل هذا المقصد. والله العالم.

المسألة الثامنة ـ لو اوصى ان يحج عنه سنين متعددة واوصى لكل سنة منها بمال معين ـ اما مفصلا كمائة درهم أو مجملا كغلة بستان ـ فقصر ذلك عن اجرة الحج ، فظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف انه يجمع ما زاد على سنة بما تكمل به الأجرة التي يحج بها ثم يحج عنه لسنة ، وهكذا.

واستدلوا عليه بان القدر المعين قد انتقل بالوصية عن ملك الورثة ووجب صرفه في ما عينه الموصى بقدر الإمكان ، ولا طريق إلى إخراجه إلا بهذا الوجه فيتعين.

أقول : والأظهر هو الاستدلال بالنصوص ، فان الاعتماد على مثل هذه التخريجات سيما مع وجود النص مجازفة ظاهرة ، وان كانت هذه طريقتهم زعما منهم ان هذا دليل عقلي وهو مقدم على النقلي. وفيه ما حققناه في غير موضع من مؤلفاتنا ولا سيما في مقدمات الكتاب.

واستدل في المدارك على ذلك بما رواه الكليني (رضوان الله عليه) عن إبراهيم بن مهزيار (١) قال : «كتبت الى ابي محمد (عليه‌السلام) : ان مولاك على بن مهزيار اوصى ان يحج عنه من ضيعة صير ربعها لك في كل سنة حجة

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣١٠ ، وفي الوسائل الباب ٣ من النيابة في الحج.

٢٩٦

بعشرين دينارا ، وانه منذ انقطع طريق البصرة تضاعفت المؤن على الناس فليس يكتفون بعشرين دينارا. وكذلك اوصى عدة من مواليك في حجهم؟ فكتب عليه‌السلام : تجعل ثلاث حجج حجتين ان شاء الله تعالى».

وعن إبراهيم (١) قال : «كتب اليه علي بن محمد الحضيني : ان ابن عمي اوصى ان يحج عنه بخمسة عشر دينارا في كل سنة فليس يكفي ، فما تأمر في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام : تجعل حجتين حجة ، ان الله (تعالى) عالم بذلك».

ثم قال : وفي الروايتين ضعف من حيث السند. اما الوجه الأول فلا بأس به ، وان أمكن المناقشة فيه بان انتقال القدر المعين بالوصية انما يتحقق مع إمكان صرفه فيها ، ولهذا وقع الخلاف في انه إذا قصر المال الموصى به عن الحج هل يصرف في وجوه البر أو يعود ميراثا؟ فيمكن اجراء مثل ذلك هنا لتعذر صرف القدر الموصى به في الوصية. والمسألة محل تردد ، وان كان المصير الى ما ذكره الأصحاب لا يخلو من قوة. انتهى.

أقول : فيه أولا ـ ان الروايتين وان كانتا ضعيفتين إلا ان الحكم اتفاقي بين الأصحاب كما صرح به في صدر كلامه ، حيث قال : وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب. وهو في غير موضع من شرحه قد وافقهم على جبر الخبر الضعيف بالاتفاق على العمل بمضمونه.

وثانيا ـ ان الخبرين وان كانا ضعيفين بناء على نقله لهما من الكافي إلا انهما في من لا يحضره الفقيه (٢) صحيحان ، فإنه رواهما فيه عن إبراهيم بن مهزيار ، وطريقه إليه في المشيخة (٣) : أبوه عن الحميري عنه. وهو في أعلى مراتب الصحة. وثالثا ـ ان ما ذكره ـ من انه يمكن المناقشة في الوجه الأول بأن انتقال

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣١٠ ، وفي الوسائل الباب ٣ من النيابة في الحج.

(٢) ج ٢ ص ٢٧٢.

(٣) ص ٤٤ ملحق الجزء الرابع.

٢٩٧

القدر المعين بالوصية انما يتحقق مع إمكان صرفه فيها ـ وهم محض نشأ من عدم إعطاء التأمل حقه في الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ، فإن المفهوم منها على وجه لا يعتريه الشك والإنكار هو ما ذكره جل علمائنا الأبرار (رفع الله أقدارهم في دار القرار) من أنه بالوصية ينتقل عن الموصى ولا يعود الى ورثته ، ومع عدم إمكان صرفه في المصرف الموصى به يرجع الى المصرف في أبواب البر ، كما سيأتي تحقيق ذلك قريبا عند ذكر المسألة المشار إليها.

وبذلك يظهر لك ما في كلامه (قدس‌سره) من قوله : «ولهذا وقع الخلاف في انه إذا قصر المال الموصى به. الى آخره» فان هذا الخلاف بعد دلالة النصوص على التصدق ـ كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى ـ مساهلة وجزاف ، فان الخلاف مع عدم الدليل بل قيام الدليل على العدم انما هو اعتساف واي اعتساف.

قالوا : ولو اوصى ان يحج عنه ، فان لم يعلم منه ارادة التكرار اقتصر على المرة ، وان علم منه ارادة التكرار حج عنه ما دام شي‌ء من ثلثه.

وعللوا الحكم الأول بحصول الامتثال بالمرة. والثاني بأنه وصية ومنفذها الثلث خاصة مع عدم اجازة الوارث.

والذي وقفت عليه من ما يتعلق بهذه المسألة ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن محمد بن الحسن الأشعري قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك إني سألت أصحابنا عن ما أريد أن أسألك فلم أجد عندهم جوابا وقد اضطررت إلى مسألتك ، وان سعد بن سعد اوصى الي فاوصى في وصيته : حجوا عني. مبهما ولم يفسر ، فكيف اصنع؟ قال : يأتيك جوابي في كتابك. فكتب الي : يحج ما دام له مال يحمله».

__________________

(١) ج ٩ ص ٢٢٦ ، وفي الوسائل الباب ٤ من النيابة في الحج.

٢٩٨

وما رواه أيضا في الكتاب المذكور (١) بسند آخر عن محمد بن الحسين «انه قال لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك قد اضطررت إلى مسألتك. فقال : هات. فقلت : سعد بن سعد اوصى : حجوا عني. مبهما ولم يسم شيئا ، ولا ندري كيف ذلك؟ فقال : يحج عنه ما دام له مال».

ورواه أيضا في موضع آخر (٢) بسند غير الأولين عن محمد بن الحسن بن ابي خالد قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل اوصى ان يحج عنه (مبهما)؟ فقال : يحج عنه ما بقي من ثلثه شي‌ء».

وهذه الاخبار متفقة في انه يحج عنه من ثلثه ، وهو المشار اليه بماله في الخبرين الأولين ، لأن الميت ليس له من ماله إلا الثلث.

والظاهر من قول السائل : «مبهما» يعني : انه لم يعين المرات. فكأن ارادة التكرار معلومة عند الوصي وانما استشكل في المقدار.

قال في المدارك ـ بعد ان ذكر وجوب الحج عنه الى ان يستوفى الثلث إذا علم منه ارادة التكرار ، ثم أيده بالرواية الثالثة ـ ما صورته : ولا يخفى ان ذلك انما يتم إذا علم منه ارادة التكرار على هذا الوجه وإلا اكتفى بالمرتين ، لتحقق التكرار بذلك ، كما يكتفى بالمرة مع الإطلاق.

أقول : لا يبعد ان يقال : ان الظاهر من إطلاق هذه الاخبار انه بمجرد هذا القول المحتمل لأن يراد منه حجة واحدة أو اثنتان أو عشر أو نحو ذلك يجب الحج عنه حتى يفنى ثلثه. ولان يقين البراءة من تنفيذ الوصية لا يحصل إلا بذلك

__________________

(١) ج ٥ ص ٤٠٨ ، وفي الوسائل الباب ٤ من النيابة في الحج. وارجع الى الاستدراكات.

(٢) ج ٥ ص ٤٠٨ ، وج ٩ ص ٢٢٦ ، وفي الوسائل الباب ٤ من النيابة في الحج.

٢٩٩

وهذا هو الأنسب بقول السائل : «مبهما» وحينئذ فلا معنى لقولهم : فان لم يعلم منه ارادة التكرار اقتصر على المرة. بل الأظهر ان يقال : فان علم منه عدم ارادة التكرار اقتصر على المرة. وبالجملة فإن جميع ما ذكروه تقييد للنص المذكور وإطلاقه أعم من ذلك كما عرفت. والله العالم.

المسألة التاسعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو عقد الأجير الإحرام عن المنوب عنه ثم نقل النية إلى نفسه ، فقيل بوقوعها عن المنوب عنه ، وهو منقول عن الشيخ في المبسوط واختاره المحقق في المعتبر.

قال في المبسوط : إذا أحرم عن من استأجره ـ سواء كانت في حجة الفرض أو التطوع ـ ثم نقل الإحرام إلى نفسه لم يصح نقله ، ولا فرق بين ان يكون الإحرام بالحج أو بالعمرة ، فان مضى على هذه النية وقعت الحجة عن من بدأ بنيته ، لأن النقل ما يصح ويستحق الأجرة على من وقعت عنه. انتهى.

وقيل بعدم اجزائها عن واحد منهما ، وهو اختيار المحقق في الشرائع والعلامة في جملة من كتبه ، والظاهر انه هو المشهور بين المتأخرين.

واستدل في المعتبر على القول الأول بان ما فعله وقع عن المستأجر فلا يصح العدول بها بعد إيقاعها. ولأن أفعال الحج استحقت لغيره فلا يصح نقلها وإذا لم يصح النقل فقد تمت الحجة لمن بدأ بالنية له وله الأجرة لقيامه بما شرط عليه.

حجة القول المشهور ، اما على عدم الاجزاء عن النائب فلعدم صحة النقل اتفاقا ، واما عن المنوب عنه فلعدم النية عنه في باقي الأفعال حيث انه انما نواها الأجير عن نفسه. وبالجملة فإنهم متفقون على عدم صحة النقل بعد الإحرام عن المستأجر ، وانما الإشكال بالنسبة الى هذه الأفعال التي نواها الأجير عن نفسه فإنها لا تصح عنه لعدم صحة النقل فلا تقع عنه ، ولا تقع عن المستأجر لأنه لم ينوها

٣٠٠