الحدائق الناضرة - ج ١٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

الإتيان بالفعل المستأجر عليه. واما الأول فلأنه انما يستقيم إذا تعلق الاستئجار بمجموع الحج مع الذهاب والإياب ، وهو غير متعين ، لأن الحج اسم للمناسك المخصوصة والذهاب والعود خارجان عن حقيقته وان كان الإتيان به متوقفا على الذهاب ، لكن يجوز الاستئجار عليهما وعلى أحدهما لأنهما عملان محللان مقصودان. انتهى.

أقول : لا ريب ان المسألة هنا عارية عن النصوص والأصحاب انما بنوا الكلام فيها على قواعد الإجارة ، فلهذا استدرك عليهم السيد إطلاقهم في المسألتين المذكورتين بما ذكره ، وقبله جده في المسالك. وهو حق بناء على القواعد المذكورة. إلا انك قد عرفت في ما تقدم انه ربما خرجت أحكام لبعض المسائل على خلاف ما تقتضيه تلك القواعد التي يبنون عليها. ولهذا قلنا ان الواجب في كل جزئي جزئي من الأحكام النظر الى الدليل الدال عليه فان وجد وإلا فالتوقف ، والأمر هنا كذلك.

إلا ان ما ذكره (قدس‌سره) من المناقشة الظاهر انه يمكن خدشه :

أما المناقشة الأولى (١) فإن ما ذكره وان كان متجها بالنسبة إلى قواعد الإجارة إلا انهم انما عولوا في هذا الحكم على الإجماع والاتفاق ، وقد عرفت ان أصل المسألة لا دليل عليه من الأخبار وليس إلا الإجماع. وحينئذ فيكون هذا الحكم مستثنى من تلك القواعد بالإجماع المذكور.

قال جده (قدس‌سره) في المسالك ـ بعد ان ذكر ان الطريق لا مدخل لها في الاستئجار للحج ـ ما صورته : وان كان قد أحرم ودخل الحرم فمقتضى الأصل ان لا يستحق إلا بالنسبة ، لكن وردت النصوص باجزاء الحج عن المنوب

__________________

(١) وهو الاشكال على الإطلاق في الحكم الثاني.

٢٦١

وبراءة ذمة الأجير ، واتفق الأصحاب على استحقاقه جميع الأجرة. فهذا الحكم ثبت على خلاف الأصل ، فلا مجال للطعن فيه بعد الاتفاق عليه. انتهى.

واما المناقشة الثانية (١) ففيها أولا ـ ان كلامه مبني على عدم مدخلية الطريق في الحج مطلقا ، وقد عرفت من ما حققناه سابقا والأخبار التي أوردنا ثمة خلاف ذلك.

واما ثانيا ـ فان الظاهر ان الاستئجار على الحج من الآفاق يلاحظ فيه الطريق سواء أدخلها في الإجارة أم لا ، لأنه من الظاهر البين لكل ذي عقل وروية انه لا يستأجر رجل من خراسان بأجرة الحج من الميقات ويتكلف الزاد والراحلة وجميع أسباب الطريق من ماله في هذه المسافة ، هذا لا يكون ابدا. ومجرد كونه يصح الاستئجار من الميقات لا يمكن اعتباره هنا. وبالجملة فالأحكام إنما تبنى على الافراد المتكررة والمتكثرة لا الفروض النادرة.

والأصحاب انما فرضوا المسألة كما ذكروه بناء على ما ذكرناه ، إلا انه ينقدح عليهم الاشكال من وجه آخر ، وهو انهم قد صرحوا بان الواجب في الاستئجار عن من مات مشغول الذمة بالحج انما هو من الميقات ، والحكم الشرعي فيه انما هو ذلك لما عرفت من كلامهم. وحينئذ لا يتجه هذا الكلام في الطريق إلا ان يكون الاستئجار وقع عليها مضافة الى الحج ، وكلامهم أعم من ذلك.

قال في المدارك بعد الكلام المتقدم : وكيف كان فمتى اتى الأجير ببعض ما استؤجر عليه استحق من الأجرة بتلك النسبة إلى المجموع ، وعلى هذا فان تعلق الاستئجار بالحج خاصة لم يستحق الأجير مع موته قبل الإحرام شيئا من الأجرة ، لخروجه عن العمل المستأجر عليه وان كان من مقدماته ، لأن الأجرة انما

__________________

(١) وهو الاشكال على الإطلاق في الحكم الأول.

٢٦٢

توزع على اجزاء العمل المستأجر عليه لا على ما يتوقف عليه من الأفعال الخارجة عنه. ولو مات بعد الإحرام استحق بنسبة ما فعل إلى الجملة. ولو تعلق الاستئجار بقطع المسافة ذاهبا وعائدا والحج وزعت الأجرة على الجميع واستحق الأجير مع الإتيان بالبعض بنسبة ما عمل. ولو استؤجر على قطع المسافة ذاهبا والحج وزعت الأجرة عليهما خاصة. وذلك كله واضح موافق للقواعد المقررة. انتهى. وهو ملخص من ما ذكره جده (قدس‌سره) في المسالك.

وفيه انه لا ريب ان مقتضى قواعد الإجارة ذلك ، إلا ان الكلام هنا انما هو في ما ادعوه من عدم مدخلية الطريق في الحج ، بناء على ما ذكروه من ان الحج انما هو عبارة عن المناسك المخصوصة. إلى آخر ما عرفت من كلامهم ، فان النصوص التي قدمناها تدل على مدخليتها ، فالاستئجار وان وقع على الحج خاصة إلا ان الطريق ملحوظة ومراعاة في الإجارة ، ولهذا ان الأجير لا يقبل الإجارة إلا إذا بذل له من الأجرة ما يقوم بمؤنة طريقه ذاهبا وعائدا ، وعلى هذا جرت الناس من زمن الأئمة (عليهم‌السلام) الى يومنا هذا ، وحينئذ فلا بد ان يوزع للطريق بنسبة ما مضى منها مطلقا.

ومن ما يعضد ما ذكرناه هنا رواية عمار المتقدم نقلها (١) من التهذيب في الرجل الذي حج عن آخر ومات في الطريق ، حيث قال عليه‌السلام : «فان قدر على رجل يركب في رحله ويأكل زاده فعل» فان ظاهر الخبر ـ كما ترى ـ ان الاستئجار وقع على الحج من البلد مع انهم يقولون ان الواجب انما هو من الميقات وان ما مضى من مؤنة الطريق كان مستحقا للميت ، فلم يأمر باستعادته منه بناء على ما يقولونه من انه لا يستحق على الطريق اجرة ، والحديث مطلق شامل

__________________

(١) ص ٢٥٦.

٢٦٣

بإطلاقه لما لو كان الاستئجار واقعا على الحج مع الطريق أو الحج خاصة

ثم ان كلامهم هنا مبني على ان الطريق مقدمة للحج والمقدمة خارجة عن ذي المقدمة ، وان الأجرة انما توزع على اجزاء العمل المستأجر عليه دون مقدماته التي يتوقف عليها.

وللمناقشة فيه مجال ، فلم لا يجوز ـ باعتبار التوقف عليها وانه لا يمكن الإتيان بالفعل إلا بها ـ ان يجعل لها قسط من الأجرة؟ فنفيه يحتاج الى دليل ، ومقتضى الاستئجار على عمل من الأعمال أن تكون الأجرة في مقابلة ما يأتي به المكلف من الأمور والأفعال التي بها يحصل ذلك الشي‌ء المستأجر عليه ـ دخلت في حقيقة ذلك اللفظ أو لم تدخل ـ إذا كان لا يمكن إلا بها.

ومن ما يعضد ذلك دخول الطريق ذهابا وإيابا في الاستطاعة وانه لا يجب عليه الحج حتى يكون له ما يقوم بمؤنته ذهابا وإيابا زيادة على أفعال الحج ، وان كان الواجب عليه انما هو الحج الذي هو عبارة عن المناسك المخصوصة ، إلا انه لما كان هذا الفعل لا يمكن الوصول اليه إلا بقطع هذه المسافة اعتبر ذلك في الاستطاعة وجعل لها جزء من المال بإزائها ، فمجرد كونها مقدمة لا يمنع من ان يجعل لها جزء من الأجرة بحيث انه مع الموت يوزع عليها وعلى الحج. والله العالم.

تنبيه

قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو صد الأجير استعيد من الأجرة ما قابل المتخلف ذاهبا وآئبا ، وربما ظهر من بعض العبارات كعبارة الشرائع انه لو كان الصد بعد الإحرام ودخول الحرم فإن الأجير يستحق جميع الأجرة كما في الموت ، إلا ان السيد السند في المدارك وقبله جده في المسالك صرحا بعدم قائل بذلك.

٢٦٤

قال في المدارك ـ بعد ان صرح بتوزيع الأجرة على ما اتى به من العمل المستأجر عليه وما بقي ـ ما صورته : ولا فرق بين ان يقع الصد قبل الإحرام ودخول الحرم أو بعدهما أو بينهما وان أشعرت العبارة بخلاف ذلك ، لأن عدم الاستعادة مع الموت ـ لو وقع بعد الإحرام ودخول الحرم ـ انما ثبت بدليل من خارج فلا وجه لا لحاق غيره به.

وأطلق المحقق في النافع انه مع الصد قبل الإكمال يستعاد من الأجرة بنسبة المتخلف.

وكيف كان فالظاهر أن الاستعادة انما تثبت إذا كانت الإجارة لسنة معينة بأن تكون مقيدة بتلك السنة ، اما المطلقة فإنها لا تنفسخ بالصد ويجب على الأجير الإتيان بالحج بعد ذلك.

قال في التذكرة : ان كانت الإجارة في الذمة وجب على الأجير الإتيان بها مرة ثانية ، ولم يكن للمستأجر فسخ الإجارة ، وكانت الأجرة بكمالها للأجير. وان كانت معينة فله ان يرجع عليه بالمتخلف. ونسب إطلاق الرجوع بالمتخلف الى الشيخين ، يعني من غير تفصيل بين الإجارة المعينة والمطلقة ، فيرجع عليه مطلقا.

المسألة الثانية ـ مقتضى القواعد المقررة عندهم في باب الإجارة انه متى استؤجر على عمل معين ، أو شرط عليه في ذلك العمل شرط غير مخالف للكتاب والسنة ، فإنه يجب عليه الإتيان بذلك الفعل المعين ولا يجوز له التجاوز الى غيره والإتيان بذلك الشرط ، وإلا للزم بطلان الإجارة في الموضعين.

وقد وقع الخلاف في هذه المسألة في باب الإجارة للحج في موضعين :

أحدهما ـ في جواز العدول الى التمتع لمن شرط عليه الافراد أو القران ، فهل يجوز له العدول في الصورة المذكورة ، ويصح حجه ، ويستحق الأجرة أم لا؟

وينبغي ان يعلم أولا انه لا ريب أن أنواع الحج ثلاثة : تمتع وقران وافراد

٢٦٥

ومقتضى قواعد الإجارة انه يعتبر في صحة الإجارة على الحج تعيين النوع الذي يريده المستأجر ، لاختلاف الأنواع المذكورة في الكيفية والأحكام ، وان الأجير متى عين له نوع من هذه الأنواع فلا يكون الآتي بغيره آتيا بما استؤجر عليه.

وينبغي ان يعلم ايضا ان جواز العدول على القول به انما يكون في الموضع الذي يكون المستأجر مخيرا بين الأنواع الثلاثة ، كالمتطوع ، وذي المنزلين المتساويين في الإقامة ، وناذر الحج مطلقا ، لان التمتع لا يجزئ مع تعين الافراد فضلا عن ان يكون أفضل منه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الشيخ (رضوان الله عليه) في جملة من كتبه قد صرح بأنه لو استأجره للتمتع فقرن أو أفرد لم يجزئ عنه ، ولو استأجره للإفراد فتمتع أجزأه. وفي المبسوط : ولو استأجره للقران فتمتع أجزأه.

وقال ابن إدريس : هكذا رواية أصحابنا وفتياهم ، وتحقيق ذلك ان من كان فرضه التمتع فحج عنه قارنا أو مفردا فإنه لا يجزئه ، ومن كان فرضه القران أو الافراد فحج عنه متمتعا فإنه لا يجزئه ، إلا ان يكون المستنيب قد حج حجة الإسلام ، فحينئذ يصح إطلاق القول والعمل بالرواية. ويدل على هذا التحرير قولهم : «لانه يعدل إلى الأفضل» فلو لم يكن المستنيب قد حج حجة الإسلام بحسب حاله وفرضه وتكليفه لما كان التمتع أفضل. الى آخره. وهو يرجع الى ما ذكرناه أولا ، لكنه خص موضع جواز العدول بصورة الاستحباب ، وقد عرفت انه يجزئ في الواجب على أحد الوجهين المتقدمين.

وظاهر صاحب المدارك هنا تضعيف هذا القول واختيار القول بعدم جواز العدول ، قال : لأن الإجارة انما تعلقت بذلك المعين فلا يكون الآتي بغيره آتيا بما استؤجر عليه ، سواء كان أفضل من ما استؤجر عليه أم لا ، قال : ويؤيده ما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الحسن عن الحسن بن محبوب عن على ـ والظاهر

٢٦٦

انه ابن رئاب (١) ـ في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة؟ قال : ليس له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج ، لا يخالف صاحب الدراهم». ثم نقل رواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) : «في رجل اعطى رجلا دراهم يحج عنه حجة مفردة ، أيجوز له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : نعم انما خالف الى الفضل». قال : وهي ضعيفة السند باشتراك الراوي بين الثقة والضعيف ، وبمضمونها افتى الشيخ وجماعة. انتهى.

أقول : والعجب منه (قدس‌سره) مع تصلبه في هذا الاصطلاح المحدث زيادة على غيره من أرباب هذا الاصطلاح ـ كما لا يخفى على من راجع كلامه وعرف طريقته في الكتاب ـ كيف يغض النظر ويبني على المجازفة متى احتاج الى الرواية الضعيفة.

ولا يخفى على المتأمل بعين الإنصاف ان رواية أبي بصير في هذه المسألة أقوى واثبت من رواية على بن رئاب :

أما أولا ـ فلان في طريق رواية علي الهيثم بن ابي مسروق النهدي ، والمنقول عن النجاشي في وصفه انه قريب الأمر. وعن الكشي عن حمدويه انه قال : لأبي مسروق ابن يقال له الهيثم ، سمعت أصحابي يذكرونهما ، كلاهما فاضلان. وهو قد طعن في مواضع من شرحه في رواية النهدي المذكور ، وكتب في حواشيه على الخلاصة ما صورته : هذا مدح لا يعتد به حتى يدخله في الحسن.

واما ثانيا ـ فلان الرواية مقطوعة غير مسندة الى امام. مع ما في علي

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من النيابة في الحج.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤١٥ و ٤١٦ ، والكافي ج ٤ ص ٣٠٧ ، وفي الوسائل الباب ١٢ من النيابة في الحج.

٢٦٧

المروي عنه هذا الحكم من تعدد الاحتمال وان استظهر كونه ابن رئاب إلا انه غير متعين ولا متيقن ، فكيف يعتمدها ويعدها في الحسن مع ما علم من تصلبه في هذا الاصطلاح؟ ما هذه إلا مجازفة ظاهرة.

واما ثالثا ـ فإن رواية على هذه لم يروها إلا الشيخ في التهذيب ، ورواية أبي بصير قد رواها المشايخ الثلاثة بأسانيدهم الصحيحة الى ابي بصير ، وفي رواية الصدوق : «انما خالفه الى الفضل والخير» وهو في إحدى روايتي الشيخ ايضا. ولا يخفى ان تكررها في الأصول من أقوى المرجحات لها. على ان عد حديث ابي بصير ب «يحيى بن القاسم» في الضعيف ـ كما هو المشهور بينهم ـ محل بحث ليس هذا محله ، والمستفاد من تتبع الاخبار جلالة الرجل المذكور عند الأئمة (عليهم‌السلام) ولهذا ان الفاضل الخراساني يعد حديثه في الصحيح حيثما ذكره.

وبالجملة فإن الظاهر هو العمل برواية أبي بصير ، وحمل خبر علي ـ على ما ذكره الشيخ بعد طعنه فيه أولا بالقطع ـ على ما إذا كان المعطى من سكان الحرم. وجوز في الاستبصار حمله على التخيير ايضا. ويرده قوله عليه‌السلام : «ليس له» ومقتضى التعليل في الرواية المذكورة وقوله : «انما خالفه الى الفضل» اختصاص الحكم بما إذا كان المستأجر مخيرا بين الأنواع ، كما قدمنا ذكره.

قال في المدارك : ومتى جاز العدول استحق الأجير تمام الأجرة ، ومع عدمه يقع الفعل عن المنوب عنه ولا يستحق الأجير شيئا. وقد صرح بذلك جماعة : منهم ـ المصنف في المعتبر فقال : والذي يناسب مذهبنا ان المستأجر إذا لم يعلم منه التخيير وعلم منه ارادة التعيين يكون الأجير متبرعا بفعل ذلك النوع ويكون للمنوب عنه بنية النائب ولا يستحق اجرا ، كما لو عمل في ماله عملا بغير إذنه. اما في الحال التي يعلم ان قصد المستأجر تحصيل الأجر لا حجا معينا فإنه يستحق الأجر ، لأنه معلوم من قصده فكان كالمنطوق. انتهى.

٢٦٨

أقول : الاستدلال بكلام المحقق في المعتبر على ما ذكره لا يخلو من نظر ، لان الظاهر من صدر العبارة ان استحقاق الأجرة وعدمه يدور مدار جواز العدول وعدمه ، فعلى تقدير القول بالجواز ـ كما هو أحد القولين في المسألة ـ يستحق الأجير الأجرة كملا ، وعلى تقدير القول الثاني وهو عدم الجواز ـ بناء على العمل برواية على وطرح رواية أبي بصير ـ فإنه لا يستحق شيئا لعدم الإتيان بما استؤجر عليه. والظاهر من كلام المحقق في المعتبر هو حمل رواية أبي بصير على ما إذا علم ان قصد المستأجر انما هو تحصيل الأجر لا حجا معينا وتخصيص إطلاقها بهذا الفرد. وهذا أمر آخر غير محل الخلاف في المسألة الذي بنى عليه استحقاق الأجرة وعدمه. نعم ظاهر كلامه انه في صورة ما إذا علم من حال المستأجر التعيين وعدم التخيير ، فان هذه الصورة تكون ملحقة بالقول بعدم جواز العدول في التبرع بالحج الذي أوقعه وعدم استحقاقه الأجرة.

وكيف كان فما ذكره في المعتبر من تخصيص الرواية المذكورة بالصورة التي ذكرها محل نظر بل الظاهر منها الإطلاق ، بل هي بالدلالة على الفرد الذي ذكره أولا أشبه ، فإنه لا يخفى ان الظاهر من تعيين حج الإفراد للنائب كما تضمنته الرواية هو ارادة التعيين لذلك الفرد وعدم التخيير ، مع انه عليه‌السلام حكم بالاجزاء وعلله بأنه انما خالفه الى ما فيه الفضل وزيادة الثواب له.

والحمل على المعنى الثاني ـ وهو تخصيص الاجزاء بصورة ما إذا علم ان قصد المستأجر تحصيل الأجر لا حجا معينا ـ لا دليل عليه ولا اشارة اليه في الرواية المذكورة. والظاهر ان الحامل لهم على حمل الرواية على ما ذكروه هو تطبيقها على قواعد الإجارة. وقد عرفت ما فيه. والظاهر هو العمل بالخبر على إطلاقه. والله العالم.

وثانيهما ـ ما لو شرط عليه الحج على طريق مخصوص ، فهل يجوز له المخالفة أم لا؟ أقوال : أحدها ـ جواز العدول مطلقا ، وهو المنقول عن الشيخ والمفيد

٢٦٩

في المقنعة ، وهو ظاهر الصدوق في من لا يحضره الفقيه ، والعلامة في الإرشاد وثانيهما ـ انه لا يجوز له العدول مع تعلق الغرض بتلك الطريق المعينة. وهو اختيار المحقق في الشرائع ، بل الظاهر انه المشهور بين المتأخرين. وثالثها ـ انه لا يجوز العدول إلا مع العلم بانتفاء الغرض.

قال في المدارك بعد نقل القول الأول عن الشيخ في جملة من كتبه والمفيد في المقنعة : والأصح ما ذهب اليه المصنف من عدم جواز العدول مع تعلق الغرض بذلك الطريق المعين ، بل الأظهر عدم جواز العدول إلا مع العلم بانتفاء الغرض في ذلك الطريق وانه هو وغيره سواء عند المستأجر ، ومع ذلك فالأولى وجوب الوفاء بالشرط مطلقا.

استدل الشيخ على ما ذهب اليه بما رواه في الصحيح عن حريز بن عبد الله (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة؟ قال : لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه».

وروى الصدوق هذه الرواية في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن علي ابن رئاب عن حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢). الحديث وفيه : «لا بأس إذا قضى جميع مناسكه فقد تم حجه».

والرواية ـ كما ترى ـ صحيحة ظاهرة بل صريحة في ما ادعاه ، ولا معارض لها في الباب إلا مخالفة قواعد الإجارة ، فلهذا اضطربوا في الجواب عنها.

قال في المدارك بعد نقلها دليلا للشيخ : وهي لا تدل صريحا على جواز المخالفة ، لاحتمال ان يكون قوله : «من الكوفة» صفة ل «رجل» لا صلة

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من النيابة في الحج. وليست في النسخ جملة «فقد تم حجه».

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٦١ ، وفي الوسائل الباب ١١ من النيابة في الحج.

٢٧٠

ل «يحج». ولا يخفى ما فيه من التعسف والبعد الذي لا يخفى على المنصف.

وقال في الذخيرة : والرواية غير مصرحة بالدلالة على مدعاه ، لجواز ان يكون قوله : «من الكوفة» متعلقا بقوله : «اعطى» لا بقوله : «يحج عنه». وهو أشد تعسفا وبعدا. وبذلك اعترف قائله فقال على اثر كلامه المذكور : لكن الأظهر تعلقه به. ثم نقل احتمال صاحب المدارك واعترف بأنه بعيد.

وقال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد نقله : ثم ان الحديث محمول على عدم تعلق غرض المعطي بخصوص الطريق وان التعيين وقع عن مجرد اتفاق. وهو راجع الى ما ذكره المحقق من ما تقدم نقله عنه. ثم زاد احتمالا آخر وهو كون المدفوع اليه على وجه الرزق لا الإجارة.

أقول : حمل الرواية على الوجه الأول الذي ذكره في المنتقى غير بعيد ، وبه تنطبق على قواعد الإجارة والعمل بها على ظاهرها كما هو ظاهر المشايخ المتقدم ذكرهم. واستثناء هذا الحكم من قواعد الإجارة أيضا ممكن لا بعد فيه

وقال في المدارك : وقد قطع المصنف وغيره بصحة الحج مع المخالفة وان تعلق الغرض بالطريق المعين ، لانه بعض العمل المستأجر عليه وقد امتثل بفعله. ويشكل بأن المستأجر عليه الحج المخصوص وهو الواقع عقيب قطع المسافة المعينة ولم يحصل الإتيان به. نعم لو تعلق الاستئجار بمجموع الأمرين من غير ارتباط لأحدهما بالآخر اتجه ما ذكروه. انتهى.

المسألة الثالثة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه إذا استؤجر لحجة لم يجز له ان يؤجر نفسه لأخرى حتى يأتي بالأولى.

وفصل آخرون بأنه إذا استؤجر الأجير للحج عن غيره فاما ان يعين له السنة أم لا ، فمع التعيين لا يصح له ان يؤجر نفسه للحج عن آخر في تلك

٢٧١

السنة قطعا ، لاستحقاق الأول منافعه في تلك السنة لأجل الحج فلا يجوز صرفها الى غيره. ويجوز ان يستأجر لسنة اخرى غيرها ، لعدم المنافاة بين الاجارتين لكن يعتبر في صحة الإجارة الثانية إذا تعلقت بسنة متأخرة عن السنة الأولى كون الحج غير واجب فوري أو تعذر التعجيل.

والذي وقفت عليه من ما يدل على ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه في الصحيح عن محمد بن إسماعيل (١) قال : «أمرت رجلا يسأل أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يأخذ من رجل حجة فلا تكفيه ، إله أن يأخذ من رجل اخرى ويتسع بها وتجزئ عنهما جميعا ، أو يتركهما جميعا ان لم تكفه إحداهما؟ فذكر انه قال : أحب الي ان تكون خالصة لواحد فان كانت لا تكفيه فلا يأخذها».

وان كانت الإجارة الأولى مطلقة فقد أطلق جمع : منهم ـ الشيخ (قدس‌سره) المنع من استئجاره ثانيا ، بل الظاهر انه هو المشهور بناء على القول باقتضاء الإطلاق التعجيل.

قال في المدارك : وان كانت الإجارة الأولى مطلقة فقد أطلق الشيخ المنع من استئجاره ثانيا ، واحتمل المصنف الجواز ان كان الاستئجار لسنة غير الاولى. وهو حسن ، بل يحتمل قويا جواز الاستئجار للسنة الأولى إذا كانت الإجارة الأولى موسعة ، اما مع تنصيص المؤجر على ذلك أو على القول بعدم اقتضاء الإطلاق التعجيل. ونقل عن شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في بعض تحقيقاته أنه

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣٠٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٧١ و ٢٧٢ ، وفي الوسائل الباب ١٩ من النيابة في الحج. والمصدران يختلفان في اللفظ بعض الاختلاف وفي الكافي «أو يشركهما» بدل «أو يتركهما».

٢٧٢

حكم باقتضاء الإطلاق في كل الإجارات التعجيل ، فتجب المبادرة بالعمل بحسب الإمكان. ومستنده غير واضح. نعم لو كان المستأجر عليه حج الإسلام أو صرح المستأجر بإرادة الفورية ووقعت الإجارة على هذا الوجه اتجه ما ذكره. انتهى.

أقول : نسبة إطلاق المنع الى الشيخ وحده مع ان ظاهر الأصحاب ذلك لا يخلو من نظر.

قال العلامة في المنتهى ـ بعد ان نقل عن الشيخ انه إذا أخذ الأجير حجة عن غيره لم يكن له ان يأخذ حجة أخرى حتى يقضي التي أخذها ـ ما هذا لفظه : ونحن نقول : ان استأجره الأول لسنة معينة لم يكن له ان يؤجر نفسه لغيره تلك السنة بعينها ، وان استأجره الأول مطلقا ، فإن استأجره الثاني للسنة الأولى ففي صحة الإجارة نظر أقربه عدم الجواز ، لانه وان كانت الإجارة الأولى غير معينة بزمان لكن يجب إتيانها في السنة الاولى ، فلا يجوز حينئذ صرف العمل فيها الى غيره ، وان استأجره للثانية أو مطلقا جاز. انتهى. وهو ظاهر في اختياره اقتضاء الإطلاق التعجيل.

وقال في الإرشاد في هذا البحث : والإطلاق يقتضي التعجيل. وفي الشرائع في هذا المقام أيضا : فإن أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ما لم يشترط الأجل. وعلى هذا النحو عبارات جملة منهم ، واليه يشير قول المحقق هنا : «ان كان الاستئجار لسنة غير الأولى» فإنه مثل عبارة المنتهى المذكورة.

والعجب من السيد السند انه استحسن ذلك مع ان آخر كلامه ينادي بأنه يتم ذلك في حجة الإسلام من حيث اشتراط الفورية فيها أو صرح المستأجر بإرادة الفورية وإلا فلا.

وأنت خبير بان ما بنوا عليه المسألة هنا من اقتضاء الإطلاق للتعجيل غير واضح المستند.

٢٧٣

وقد احتج المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد على صحة هذه الدعوى بان الحج فوري ، وان مطلق الإجارة يقتضي اتصال زمان مدة يستأجر له بزمان العقد ، وهذا يقتضي عدم التأخير عن العام الأول. ثم قال : ولعله لا خلاف فيه ، انتهى.

ولا يخفى عليك ان دليله الأول مدخول بمنع فورية الحج بجميع أفراده إذ المندوب والمنذور مطلقا لا فورية فيهما. ومع تسليم ذلك فان الاستئجار هنا عن حج الإسلام ، والأخبار الدالة على الفورية انما دلت بالنسبة الى من وجب عليه الحج ـ فإنه تجب عليه المبادرة به ولا يجوز له التأخير ـ لا بالنسبة إلى نائبه ، وفوريتها على الأول لا تستلزم الفورية على الثاني كما لا يخفى. ودليله الثاني مجرد مصادرة على المطلوب. ودعوى ذلك في مطلق الإجارة لم يقم عليه برهان كما ذكره السيد السند (قدس‌سره) وقد رد بذلك القول المنقول عن الشهيد ، ومثله جده في المسالك. وحينئذ فلم يبق إلا ما يشير اليه آخر كلامه من دعوى الإجماع ، والاعتماد عليه في أمثال هذه المقامات لا يخلو عن مجازفة.

وقال الشهيد في الدروس : ولو أطلق اقتضى التعجيل ، فلو خالف الأجير فلا اجرة له ، ولو أهمل لعذر فلكل منهما الفسخ في المطلقة في وجه قوي ، ولو كان لا لعذر تخير المستأجر خاصة.

وظاهر هذا الكلام لا يخلو من تدافع ، لان ظاهر صدر الكلام انه على تقدير اقتضاء الإطلاق التعجيل ، فلو أخر الأجير عن السنة الأولى الى الثانية اختيارا ثم حج في الثانية ، فإنه وان صح حجه وأجزأ عن المنوب ـ كما صرح به الأصحاب ـ واثم بالتأخير فإنه لا يستحق اجرة ، مع ان آخر كلامه ـ باعتبار حكمه بأن الأجير المطلق لو أهمل لغير عذر تخير المستأجر بين الفسخ والإمضاء ـ دال على انه يستحق الأجرة في الصورة المذكورة ، حيث ان المستأجر رضي بالتأخير ولم يفسخ

٢٧٤

وبالجملة فإن الظاهر تفريعا على القول المذكور هو صحة حج الأجير واجزائه عن المنوب واستحقاقه الأجرة وان اثم بالتأخير ، كما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، وجنح اليه سبطه السيد السند في المدارك.

ولو انعكس الفرض بان قدم الحج عن السنة المعينة فإشكال ينشأ ، من انه زاد خيرا ولم يخالف إلا الى الفضل كما تقدم في رواية أبي بصير (١) ومن مخالفة الشرط وإمكان تعلق الغرض بالتأخير ، فان مراتب الأغراض لا تنحصر. وقرب في التذكرة الإجزاء مطلقا. وظاهر المسالك والمدارك اختيار الصحة مع العلم بانتفاء الغرض في التعيين. والمسألة محل توقف لعدم النص.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه لو استأجره اثنان لإيقاع الحج في عام واحد صح السابق منهما دون الآخر ، لاستحقاق الأول منافعه في تلك السنة للحج كما قدمنا بيانه. وان لم يتحقق سابق بان اقترنا في عقد واحد واشتبه السابق بطلا معا ، لامتناع وقوعها عنهما ، لأن الحجة الواحدة لا تكون عن اثنين ، ولا عن أحدهما لامتناع الترجيح من غير مرجح. هذا في الحج الواجب.

اما المندوب فقد دلت الاخبار على انه يجوز الاشتراك فيه ، وإذا جاز ذلك جازت الاستنابة فيه على هذا الوجه. كذا ذكره جمع من الأصحاب. والأظهر تخصيص جواز الاستنابة في المستحب على وجه التشريك بما إذا أريد إيقاع الفعل عنهما معا ليشتركا في ثوابه ، اما لو أريد من النيابة فعل الحج عن كل واحد منهما فهو كالحج الواجب ، كما نبه عليه في المسالك.

ومن الاخبار الدالة على جواز التشريك في الحج المستحب صحيحة معاوية ابن عمار أو حسنته عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «قلت له : أشرك أبوي في حجتي؟

__________________

(١) ص ٢٦٧.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من النيابة في الحج.

٢٧٥

قال : نعم. قلت : أشرك اخوتي في حجتي؟ قال : نعم ان الله (عزوجل) جاعل لك حجا ولهم حجا ، ولك أجر لصلتك إياهم».

وعن هشام بن الحكم بإسنادين. أحدهما ـ صحيح أو حسن عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) : «في الرجل يشرك أباه وأخاه وقرابته في حجة؟ فقال : إذا يكتب لك حج مثل حجهم وتزداد اجرا بما وصلت».

وفي صحيحة محمد بن إسماعيل عن ابي الحسن عليه‌السلام (٢) : «كم أشرك في حجتي؟ قال : كم شئت».

وفي رواية محمد بن الحسن عن ابي الحسن عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لو أشركت ألفا في حجتك لكان لكل واحد حجة من غير ان تنقص حجتك شيئا».

الى غير ذلك من الاخبار.

وقد يتفق ذلك في الواجب ايضا ، كما إذا نذر جماعة الاستنابة بالاشتراك في حج يستنيبوا فيه كذلك. والله العالم.

فائدة

روى الصدوق (عطر الله تعالى مرقده) في الفقيه في الصحيح عن البزنطي عن ابي الحسن عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن رجل أخذ حجة من رجل فقطع عليه الطريق ، فأعطاه رجل حجة أخرى ، أيجوز له ذلك؟ فقال : جائز له ذلك محسوب للأول والآخر ، وما كان يسعه غير الذي فعل إذا وجد من يعطيه الحجة».

قال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد ذكر الخبر : قلت : هذا الخبر لا يلائم مضمونه ما هو المعروف بين الأصحاب في طريق إخراج الحجة ، وهو

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٨ من النيابة في الحج.

(٤) الوسائل الباب ١٩ من النيابة في الحج.

٢٧٦

دفعها الى من يحج على وجه الاستئجار ، وانما يناسب القول بان الدفع يكون على سبيل الرزق ، وليس بمعروف عندنا وانما يحكى عن بعض العامة (١) وأخبارنا خالية من بيان كيفية الدفع رأسا على حسب ما وصل إلينا منها وبلغه تتبعنا. والظاهر انه لا مانع من الدفع على وجه الرزق ، وانما الكلام في صحة وقوعه بطريق الإجارة ، لما يتراءى من منافرته للإخلاص في العمل باعتبار لزوم القيام به في مقابلة العوض وكونه مستحقا به ، كما هو مقتضى عقد المعاوضة ، بخلاف الرزق فإنه بذل أو تمليك مراعى بحصول العمل ، والعامل فيه لا يخرج عن التخيير بين القيام به فيسقط عنه الحق للزوم وفاء الدافع بالشرط وبين تركه فيرد المدفوع أو عوضه. ولعل الإجماع منعقد بين الأصحاب على قضية الإجارة فلا يلتفت الى ما ينافيه. وإذا كان الدفع على غير وجه الإجارة سائغا أمكن تنزيل هذا الحديث عليه مع زيادة كون الحجتين تطوعا. وانما جاز أخذ الثانية والحال هذه لفوات التمكن من الاولى وعدم تعلق الحج بالذمة على وجه يمنع من غيره كما يفرض في صورة الاستئجار. ومعنى كونه محسوبا لهما حصول الثواب لكل منهما بما بذلك ونوى. ويستفاد من هذا انه لا يكلف برد شي‌ء على الأول. والوجه فيه ظاهر ، فان ما يدفع على سبيل الرزق غير مضمون على الآخذ إلا مع تعدي شرط الدافع ولم يحصل في الفرض الذي ذكر. وينبغي ان يعلم انه ليس المراد بقطع الطريق في الحديث منعه من الحج وانما المراد أخذ قطاع الطريق ما معه بحيث تعذر عليه الوصول الى الحج. انتهى.

أقول : لما كان هذا الخبر بحسب ظاهره يدل على جواز نيابة واحد عن شخصين في عام واحد ـ وقد عرفت في صدر المسألة امتناعه للصحيحة المتقدمة

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٠٧.

٢٧٧

المؤيدة بقواعد الإجارة المتفق عليها نصا وفتوى ـ فلا مندوحة عن سلوك جادة التأويل فيه ، وهو حمل الحجتين على الاستحباب ، وان احدى الحجتين لا على وجه الإجارة سواء كانت الأولى أو الثانية ، فإن هذا المعطي لا على وجه الإجارة يكتب له ثواب الحج بنيته وإعانته.

واحتمل بعض مشايخنا في الخبر وجوها أخر : منها ـ ان المعطي الأول انما أعطاه مالا ليحج به عن نفسه لا عن المعطي ، ولما ذهب ذلك من يده جاز له ان يستأجر. وفيه بعد. ومنها ـ انه على تقدير وجوب الحج على المعطيين كليهما وفرض استنابتهما إياه فينبغي حمل الاستئجار الثاني على الحج في سنة أخرى بعدها ، وان الغرض من الاستئجار الثاني التوصل الى قطع الطريق بالمال الثاني ليحج عنهما في سنتين. والظاهر ايضا بعده ، لان ظاهر الخبران تلك الحجة الأولى مجزئة عنهما معا

المسألة الرابعة ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو كان عند أحد وديعة لشخص ومات صاحب الوديعة وعليه حجة الإسلام ، وعلم ان الورثة لا يؤدون ، جاز ان يقتطع اجرة الحج فيستأجر به من يحج عنه ، لانه خارج عن ملك الورثة.

والسند في ذلك

ما رواه الصدوق والشيخ (طاب ثراهما) في الصحيح عن بريد العجلي عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل استودعني مالا فهلك وليس لولده شي‌ء ولم يحج حجة الإسلام؟ قال : حج عنه وما فضل فأعطهم».

وإطلاق الرواية المذكورة يقتضي عدم الفرق بين ان يكون المستودع عالما بعدم أداء الورثة أم لا ، متمكنا من الحاكم أيضا أم لا.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من النيابة في الحج. ورواه في الكافي ج ٤ ص ٣٠٦ في الصحيح ايضا.

٢٧٨

وقد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق والعلامة وغيرهما بتقييد جواز الإخراج بعلم المستودع ان الورثة لا يؤدون وإلا وجب استئذانهم ، نظرا الى تخيير الورثة في جهات القضاء ، لان مقدار اجرة الحج وان كان خارجا عن ملك الوارث إلا انه مخير في جهات القضاء ، وله الحج بنفسه والاستقلال بالتركة ، والاستئجار بدون اجرة المثل ، فيقتصر في منعه من التركة على موضع الوفاق. وأنت خبير بأنه ليس تخصيص الخبر بهذه الأمور المتفق عليها بينهم اولى من تخصيصها به.

واعتبر في التذكرة مع ذلك من الضرر فلو خاف على نفسه أو ماله لم يجز له ذلك. وهو ظاهر ، فان الضرورات تبيح المحظورات.

واعتبر ايضا عدم التمكن من الحاكم وإثبات الحق عنده وإلا وجب الاستئذان. وهو تقييد للنص بغير دليل.

وحكى الشهيد في اللمعة قولا باعتبار اذن الحاكم مطلقا واستبعده. وعلل الشارح وجه البعد بإطلاق النص الوارد بذلك وإفضائه إلى مخالفته حيث يتعذر. ووجهه ان الأمر في الرواية وان كان انما وقع لبريد بذلك إلا ان خصوصية السائل غير ملحوظة في الأحكام ، فكأنه عليه‌السلام قال : «فليحج عنه من بيده الوديعة» وحينئذ فيكون الخبر مطلقا شاملا لكل من بيده وديعة على الوجه المذكور ، تمكن من استئذان الحاكم أم لا. مع ما يلزم زيادة على ذلك من انه لو لم يمكنه إثبات الحق عند الحاكم لزم سقوطه بناء على هذا الشرط والرواية دالة على وجوب الإخراج.

واما ما أورده السيد السند في المدارك على جده هنا ـ حيث نقل عن جده في تعليل البعد الذي ذكره في اللمعة انه قال : وجه البعد إطلاق النص الوارد بذلك. ثم رده بأنه غير جيد ، فإن الرواية إنما تضمنت أمر الصادق

٢٧٩

عليه‌السلام لبريد بالحج عن من له عنده الوديعة ، وهو اذن وزيادة ـ

ففيه ان الظاهر من الخبر المذكور بل وسائر الأخبار الواردة في الأحكام انما هو افادة قانون كلي وحكم عام ، وهو هنا بيان حكم حج الودعي مطلقا ـ بريد أو غيره ـ بالقيود التي تضمنها الخبر ، ولو خصت الجوابات الخارجة عنهم (عليهم‌السلام) بأشخاص السائلين لم يمكن ان يستنبط من اخبارهم حكم عام إلا نادرا.

وبذلك يظهر كون النص مطلقا ـ ويكون المراد منه ان كل من بيده وديعة لغيره وعلم بالحج في ذمته فإنه يحج عنه ـ لا خاصا بناء على ما توهمه من خصوصية أمر الصادق عليه‌السلام لبريد هنا ، فإنها غير ملحوظة ولا مرادة ، لما عرفت.

ثم قال في المدارك بعد الكلام السابق ، ولا ريب ان استئذان الحاكم مع إمكانه أولى.

أقول : لا ريب في الأولوية بناء على ما ذكره ، واما على ما ذكرناه ـ من إطلاق الخبر وان محصل معناه ما أشرنا إليه ـ فلا اعرف لهذه الأولوية وجها ، أمكن إثبات الحق عنده أو لم يمكن ، بل العمل بالخبر على إطلاقه هو الوجه ، لصحته وصراحته وعدم ما ينافيه.

ثم انه لا يخفى ان مورد الخبر الوديعة وألحق بها غيرها من الحقوق المالية حتى الغصب والدين ، بمعنى انه لو كان له دين عند شخص أو مال مغصوب عند شخص فإنه يجيب عليهما إخراج الحج على الوجه الوارد في الخبر.

وقوى في المدارك اعتبار استئذان الحاكم في الدين فإنه لا يتعين إلا بقبض المالك أو ما في معناه. وهو محل توقف.

ومقتضى الخبر ان المستودع يحج ، والأصحاب قد ذكروا أنه يستأجر ، قال في المدارك ـ بعد ان اعترف بان مقتضى الرواية ان المستودع يحج ـ ما لفظه :

٢٨٠