الحدائق الناضرة - ج ١٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

العام ، لسقوط الوجوب فيه بالعجز وان كان ثابتا في الذمة. ولكن ينبغي ان يراعى في جواز الاستنابة ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدد الاستطاعة أو القدرة عادة. وبالجملة فإن المنافاة لا تحصل بمجرد الوجوب كيف اتفق كما هو مقتضى كلامهم ، بل بالفورية في ذلك العام ، فما لم يكن كذلك فإنه لا مانع يمنع الاستنابة.

ومن الاخبار الواردة في المقام ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن سعد بن ابي خلف (١) قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال : نعم إذا لم يجد الصورة ما يحج به عن نفسه ، فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله. الحديث».

وما رواه في الصحيح أو الحسن على المشهور عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) : «في رجل صرورة مات ولم يحج حجة الإسلام وله مال؟ قال : يحج عنه صرورة لا مال له».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن سعيد الأعرج (٣) : «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصرورة أيحج عن الميت؟ فقال : نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به ، فان كان له مال فليس له ذلك حيث يحج من ماله. الخبر».

والمراد بالصرورة هو من لم يحج بالمرة.

وهل العدالة شرط في صحة النيابة أم لا؟ ظاهر جملة من المتأخرين اعتبارها في الحج الواجب ، لا من حيث الحكم ببطلان عبادة الفاسق ، بل من حيث ان الإتيان بالحج انما يعلم بخبره ، والفاسق لا يقبل خبره ، للآية (٤) والرواية (٥).

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من النيابة في الحج.

(٤) وهو قوله تعالى في سورة الحجرات ، الآية ٦ «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا».

(٥) الظاهر ان المراد بها الروايات الواردة في رد شهادته ، وقد أوردها في الوسائل في الباب ٣٠ و ٣٢ و ٣٣ و ٣٤ و ٤١ من كتاب الشهادات.

٢٤١

قال في المدارك واكتفى بعض الأصحاب فيه بكونه ممن يظن صدقه ويحصل الوثوق باخباره وهو حسن. انتهى.

أقول : التحقيق هنا ان يقال : ان الناس على أقسام ثلاثة : ظاهر العدالة وظاهر الفسق ومجهول الحال ، اما الأول فلا ريب في جواز نيابته ، واما الثاني فالظاهر عدم جواز نيابته ، لما ذكرناه من ان الحكم بالصحة مبني على خبره ، وخبره غير مقبول ، للآية (١) والرواية (٢) واما الثالث فهذا هو الذي ينبغي ان يجعل محل الخلاف ، وهذا هو الذي ينبغي ان يحمل عليه كلام بعض الأصحاب الذي نقله واستحسنه ، من انه متى كان ممن يظن صدقه ويحصل الوثوق باخباره جازت نيابته.

أقول : وهذا هو الذي جرى عليه من شاهدناه وسمعناه من مشايخنا (رضوان الله عليهم) في الاستئجار للحج في جميع الأعصار والأمصار.

وبما ذكرناه من التفصيل يظهر لك ما في كلام شيخنا الشهيد في الدروس حيث قال : العدالة شرط في الاستنابة عن الميت وليست شرطا في صحة النيابة ، فلو حج الفاسق عن غيره أجزأ. وفي قبول اخباره بذلك تردد أظهره القبول ، لظاهر حال المسلم ، ومن عموم قوله تعالى (فَتَبَيَّنُوا) (٣).

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه ـ ونعم ما قال ـ ويتوجه عليه أولا ـ ان

__________________

(١) وهو قوله تعالى في سورة الحجرات ، الآية ٦ «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا».

(٢) الظاهر ان المراد بها الروايات الواردة في رد شهادته ، وقد أوردها في الوسائل في الباب ٣٠ و ٣٢ و ٣٣ و ٣٤ و ٤١ من كتاب الشهادات.

(٣) سورة الحجرات ، الآية ٦.

٢٤٢

ما استدل به على القبول من ظاهر حال المسلم لا يعارض الآية الشريفة المتضمنة لوجوب التثبت عند خبر الفاسق. وثانيا ـ انه لا وجه للمنع من استنابة الفاسق إلا عدم قبول اخباره ، فمتى حكم بقبول اخباره انتفى المانع من جواز الاستنابة.

وذكر بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من جملة الشروط ايضا قدرة الأجير على العمل وفقهه في الحج. واكتفى الشهيد في الدروس بحجه مع مرشد عدل.

ومن شرائط النيابة في الواجب ايضا موت المنوب عنه أو عجزه كما سبق بيانه. اما الحج المستحب فلا يشترط فيه ذلك إجماعا بل تجوز النيابة عن الحي ، وفيه فضل كثير.

قال شيخنا الشهيد في الدروس : وقد أحصي في عام واحد خمسمائة وخمسون رجلا يحجون عن علي بن يقطين صاحب الكاظم عليه‌السلام وأقلهم تسعمائة دينار وأكثرهم عشرة آلاف دينار.

تنبيهات

الأول ـ قد عرفت في ما تقدم الخلاف في اشتراط الايمان في النائب وان الأصح ذلك. وكذا وقع الخلاف المذكور في المنوب عنه ، والمنقول عن الشيخين وأتباعهما انه لا تجوز النيابة عن غير المؤمن.

قال في المعتبر : وربما كان التفاتهم الى تكفير من خالف الحق ، ولا تصح النيابة عن من اتصف بذلك. ونحن نقول : ليس كل مخالف للحق لا تصح منه العبادة ونطالبهم بالدليل عليه. ونقول : اتفقوا على انه لا يعيد عباداته التي فعلها مع استقامته سوى الزكاة. ثم قرب اختصاص المنع بالناصب خاصة.

أقول : لا يخفى ما في كلام هذا المحقق من الغفلة عن ملاحظة الأخبار الواردة في هذا الباب عن أهل العصمة (عليهم‌السلام) الدالة على بطلان عبادة

٢٤٣

المخالفين ، كما قدمنا جملة منها في المسألة الثالثة (١) من المسائل الملحقة بالشروط المتقدمة في المقصد الأول.

واما ما ذكره ـ من انه ربما كان التفاتهم الى تكفير من خالف الحق ـ فالأمر كذلك ، وهو الحق الظاهر من الاخبار على وجه لا يقبل الإنكار ، إلا ممن لم يعط النظر حقه في تتبع الاخبار والوقوف عليها من مظانها ، كما أوضحنا ذلك ـ بحمد الله (سبحانه) ومنه ـ في كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب على تفصيل أودعناه الكتاب المشار اليه.

وما توهمه ـ من الاتفاق على انه لا يعيد عبادته التي فعلها في حال ضلاله متى دخل في الايمان ، من ان ذلك انما هو لصحتها في نفس الأمر ـ غلط محض وتوهم صرف ، بل انما ذلك تفضل من الله (عزوجل) عليه ، كما تفضل على الكافر المشرك بعد دخوله في الايمان بعدم وجوب إعادة شي‌ء من عباداته.

نعم قد ذكر الشيخان (رضوان الله عليهما) وأتباعهما جواز النيابة عن الأب خاصة متى كان مخالفا ، لصحيحة وهب بن عبد ربه المروية في الكافي (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيحج الرجل عن الناصب؟ فقال : لا. قلت : فكان ابي؟ قال : ان كان أباك فنعم». ورواه الصدوق مثله (٣) إلا ان فيه : «ان كان أباك فحج عنه».

ومنع ابن إدريس من جواز النيابة عن الأب أيضا. ومال العلامة في المختلف الى جواز النيابة عن المخالف مطلقا قريبا كان أو بعيدا ، ومنع من النيابة عن الناصب مطلقا ، قال : ونعني بالناصب من يظهر العداوة لأهل البيت (عليهم

__________________

(١) ص ١٦٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٠ من النيابة في الحج.

٢٤٤

السلام) كالخوارج ومن ماثلهم ، أبا كان أو غير أب. وتقدم كلام المحقق الدال على ذلك ، ونحوه ما قدمنا نقله عن التذكرة. وقال في الدروس : والأقرب اختصاص المنع بالناصب ، ويستثني الأب.

وقال العلامة في المختلف بعد اختياره القول الذي ذكرناه : لنا على الحكم الأول : ان المنوب ممن تصح منه العبادة مباشرة فتصح منه تسبيبا ، لان الفعل من ما تدخله النيابة. ولأن عباداته تقع صحيحة ، ولهذا لا تجب عليه إعادتها إلا الزكاة مع استقامته ، فيصح الحج عنه. واما الناصب فلأنه لما جحد ما علم ثبوته من الدين ضرورة حكم بكفره ، فلا تصح النيابة عنه كما لم تصح مباشرته. ثم قال : احتج الشيخ بان من خالف الحق كافر فلا تصح النيابة عنه. وبما رواه وهب بن عبد ربه في الصحيح. ثم ساق الرواية. والجواب عن الأول بالمنع من الصغرى. وعن الرواية بالقول بالموجب ، فان الناصب عندنا لا تجوز النيابة عنه. ثم قال : بقي هنا اشكال يرد علينا خاصة حيث سوغنا النيابة عن المخالف مطلقا ومنعنا من النيابة عن الناصب مطلقا ، فان هذه الرواية فصلت بين الأب وغيره ، فنقول : المراد بالناصب ان كان هو المخالف مطلقا ثبت ما قاله الشيخ ، وان كان هو المعلن بالعداوة والشنآن لم يبق فرق بين الأب وغيره.

ولو قيل بقول الشيخ كان قويا. انتهى. أقول : إنما أطلنا بنقل كلامه (زيد في مقامه) ليظهروجه بما أبطلنا به‌المحقق. وبالجملة فإن كلامهم في‌المقام نفخ في غير ضرام

والمستفاد الأخبار الواردة عن العترة الأطهار ـ على‌لا يقبل الاستتار عنداطلع عليها ونظرها بعين التدبر والاعتبار ـ ان المراد بالناصب حيثما أطلق انما هو المخالف العارف بالإمامة والمنكر لها ، وما ذكروه من هذا المعنى للناصب فهو مجرد اختراع منهم لا مستند له ولا دليل عليه ، بل الأدلة واضحة في رده

٢٤٥

وعدم الميل اليه. ومن أراد تحقيق ما قلناه فليرجع الى كتابنا المشار اليه آنفا فإنه قد أحاط في هذه المسألة بأطراف الكلام وإبرام النقض ونقض الإبرام بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الاعلام. والله الهادي لمن يشاء.

الثاني ـ ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف ـ كما قدمنا التنبيه عليه ـ انه من وجب عليه حجة الإسلام فلا يجوز له ان يحج تطوعا ولا عن غيره.

وعللوا المنع من التطوع لمنافاته الواجب الفوري المقدور عليه بالتمكن من التطوع. واما المنع من الحج عن الغير فيبني على التفصيل المتقدم.

والمقطوع به في كلامهم انه لو خالف والحال هذه فإنه يحكم بفساد التطوع والحج عن الغير.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم : وهو انما يتم إذا ورد فيه نهى بالخصوص ، أو قلنا باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص ، وربما ظهر من صحيحة سعد بن ابي خلف (١) خلاف ذلك ، فإنه قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال : نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه ، فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله. وهي تجزئ عن الميت ان كان للصرورة مال وان لم يكن له مال».

والمسألة محل تردد. انتهى.

وقال بعد ذلك ـ في شرح قول المصنف : وكذا لا يصح حجه تطوعا ، ولو تطوع قيل يجزئ عن حجة الإسلام ، وهو تحكم ـ ما صورته : اما المنع من التطوع لمن في ذمته واجب فقد تقدم الكلام فيه. ولا يخفى ان الحكم بفساد التطوع انما يتم إذا ثبت تعلق النهي به نطقا أو التزاما ، والقول بوقوع التطوع

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من النيابة في الحج.

٢٤٦

عن حج الإسلام للشيخ في المبسوط. وهو مشكل ، لان ما فعله قد قصد به خلاف حج الإسلام فكيف ينصرف اليه؟ ونقل عنه في الخلاف انه حكم بصحة التطوع وبقاء حج الإسلام في ذمته. وهو جيد ان لم يثبت تعلق النهي به المقتضى للفساد. انتهى.

وظاهر كلامه (قدس‌سره) ـ كما ترى ـ في الموضعين صحة حج التطوع وحج النيابة لمن كان مخاطبا بحج الإسلام ، حيث انه لم يرد عنده دليل يدل على النهي عن ذلك في حال وجوب حج الإسلام ، والأمر بالحج لا يقتضي النهي عن الأضداد الخاصة عنده ، فيقع الحج على كل من الوجهين صحيحا وان اثم ، وظاهر صحيحة ابن ابى خلف التي ذكرها موهم لما ذكره ، حيث ان ظاهر سياق الخبر ان الصرورة لا يحج عن الميت إلا إذا لم يجد ما يحج به عن نفسه ، فان وجد ما يحج به فليس يجزئ عنه إلا الحج من ماله. وحجه عن الميت لو فعل مجزئ عن الميت سواء كان له مال أو لم يكن له مال ، وان أثم باعتبار عدم الحج عن نفسه أولا. وربما دل الخبر بالإشارة الى ان الصرورة لو لم يكن له مال فهي تجزئ عنه وعن الميت كما تقدم في الاخبار المذكورة في المسألة الثانية عشرة (١) من المسائل الملحقة بالشرط الثالث من شروط حج الإسلام.

ومثل هذه الصحيحة ما رواه الصدوق في الفقيه عن سعيد الأعرج (٢) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصرورة أيحج عن الميت؟ فقال : نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به ، فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله. وهو يجزئ عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال».

__________________

(١) ص ١١٦.

(٢) الوسائل الباب ٥ من النيابة في الحج.

٢٤٧

أقول : والذي يقرب عندي ان ظاهر هذين الخبرين ـ سيما الثاني ـ هو النهي عن الحج نيابة حتى يحج عن نفسه ، لقوله في رواية سعيد الأعرج ـ بعد تقييد الجواب عن جواز حج الصرورة عن الميت بما إذا لم يجد الصرورة ما يحج به الدال بمفهومه على عدم الجواز لو وجد ما يحج به : «فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج عن نفسه (١)» وهو تصريح بالمفهوم المتقدم ، وصريح في عدم جواز النيابة حتى يحج حجة الإسلام من ماله. ونحو ذلك سياق صدر صحيحة سعد بن ابي خلف المتقدمة ، وقوله فيها : «فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله» بمنزلة قوله في الرواية الثانية : «فليس له ذلك» وان كانت العبارة الثانية واضح في الدلالة على ما ذكرناه ، فكأنه أريد بمعنى «فليس يجزئ عنه» اي ليس يجوز له ذلك ، وباب التجوز في الكلام واسع. ويعضد ذلك ما تقدم (٢) في صحيحة معاوية بن عمار : «يحج عنه صورة لا مال له». ومثلها صحيحة أخرى له (٣).

وبذلك يظهر ان ما ذكره في المدارك ـ من انه انما يتم ذلك لو ورد النهي نطقا أو التزاما عن النيابة في الصورة المذكورة ـ ليس في محله ، فإن النهي ظاهر بالتقريب الذي ذكرناه وليس النهي مخصوصا ب «لا وليس» ونحوهما ، بل قول الشارع : «لا يجوز» أصرح في الدلالة.

بقي الكلام في قوله عليه‌السلام في آخر رواية سعد بن ابي خلف : «وهي تجزئ عن الميت ان كان للصرورة مال وان لم يكن له مال» وقوله في الثانية : «وهو يجزئ عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال» فإنه ربما أوهم تعلقه بأصل السؤال ، بان يكون حاصل المعنى : انه لا تجوز له النيابة إذا كان له مال

__________________

(١) اللفظ : «حتى يحج من ماله».

(٢) ص ٢٤١.

(٣) الوسائل الباب ٢٨ من وجوب الحج وشرائطه.

٢٤٨

حتى يحج حجة الإسلام ، لكن لو حج عن الميت أجزأ عن الميت وان أثم بتركه الحج عن نفسه. وفيه انه متى كان صدر الحديث دالا على انه لا تجوز النيابة في الصورة المذكورة ، فكيف يحكم بالجواز بعد ذلك؟ وهل هو إلا تناقض ظاهر وتدافع؟ إذ مقتضى عدم الجواز هو البطلان لو وقع لا الصحة.

وبعض مشايخنا المحدثين ـ بعد ذكر صحيحة سعد والكلام فيها ـ أجاب عن قوله في هذه الزيادة في آخر الرواية بتأويلين : الأول ـ ان الضمير يرجع الى الجزء الأول من الحديث دفعا لنوهم الراوي أن نيابة الصرورة غير جائزة ، والضميرين المجرورين في آخر الحديث الى الميت ، يعني سواء كان على الميت حج واجب أو لم يكن وحج عنه ندبا. الثاني ـ ان المراد دفع توهم من توهم انه إذا لم يكن على أحدهما حجة الإسلام فليس لهما ثواب حجة الإسلام ، فدفع هذا التوهم بان كليهما مثابان ثواب حجة الإسلام ، فإن استطاع النائب بعد وحج حجة الإسلام كتب الله له ثواب حجة الإسلام ثانيا. وثواب الاولى تفضلى والثانية استحقاقي ، كما دل على مضمونه الأحاديث الصحيحة. انتهى. ولا يخفى ما فيه.

والذي يقرب عندي ان هذه الجملة الأخيرة غير متعلقة بالكلام المتقدم لما عرفت من المناقضة ، بل هي مبنية على مقدمة مطوية في البين مفهومة من سياق الكلام المتقدم ، وهي انه لما منع في صدر الخبر جواز النيابة متى كان صرورة ذا مال جوز له النيابة بعد الحج من ماله سواء كان ذا مال أو لم يكن ، فإنه لما قال في الرواية الثانية ـ : «فإن كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله» الدال على عدم جواز النيابة حتى يحج أولا من ماله ـ قال : «وهو يجزئ عن الميت» يعني متى حج من ماله سواء كان له مال يومئذ أو لم يكن ، فإن الأجزاء حاصل على كلا الوجهين. وبعين ذلك نقول في صحيحة سعد. ولا ينافي ذلك التعبير بالصرورة فيها فإنه تجوز باعتبار ما كان عليه. وهذا التقدير في

٢٤٩

مقام الجمع غير بعيد بل شائع في الأخبار ، وليس هو إلا من تقييد المطلق وتخصيص العام ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.

الثالث ـ المقطوع به في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا بد من تعيين المنوب عنه قصدا في موضع يفتقر إلى النية ، لتوقف حقيقة النيابة على ذلك ولا يجب التلفظ باللسان ، لخروجه عن معنى النية وان أعتقده الجهال نية.

ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن البزنطي (١) قال : «سأل رجل أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن الرجل يحج عن الرجل ، يسميه باسمه؟ قال : الله (عزوجل) لا تخفى عليه خافية».

وما رواه الصدوق والشيخ عن مثنى بن عبد السلام في القوى عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) : «في الرجل يحج عن الإنسان ، يذكره في جميع المواطن كلها؟ قال : ان شاء فعل وان شاء لم يفعل ، الله يعلم انه قد حج عنه ، ولكن يذكره عند الأضحية إذا ذبحها».

وقد ورد ايضا ما يدل على استحباب ذكره في المواطن ، لما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له : ما الذي يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال : يسميه في المواطن والمواقف».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن الرجل يقضي ـ عن أخيه أو عن أبيه أو رجل من الناس ـ الحج ، هل

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٦ من النيابة في الحج.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢٧٨ ، وفيه هكذا : «يقول عند إحرامه بعد ما يحرم» وفي الوسائل الباب ١٦ من النيابة في الحج.

٢٥٠

ينبغي له ان يتكلم بشي‌ء؟ قال : نعم يقول بعد ما يحرم : اللهم ما أصابني في سفري هذا من نصب أو شدة أو بلاء أو شعث فأجرني فلانا فيه وأجرني في قضائي عنه».

وروى في الصحيح أو الحسن على المشهور عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قيل له : أرأيت الذي يقضي عن أبيه أو امه أو أخيه أو غيرهم ، أيتكلم بشي‌ء؟ قال : نعم يقول عند إحرامه : اللهم ما أصابني من نصب أو شعث أو شدة فأجر فلانا فيه وأجرني في قضائي عنه».

الرابع ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز حج المرأة عن الرجل وعن المرأة ، صرورة كانت أو قد حجت. ونقل عن الشيخ في الاستبصار المنع من نيابة المرأة الصرورة عن الرجل. وفي النهاية أطلق المنع من نيابة المرأة الصرورة ، وهو ظاهر اختياره في التهذيب.

يدل على المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) انه قال : «تحج المرأة عن أختها وعن أخيها. وقال : تحج المرأة عن أبيها».

قال في الوافي بعد ان نقل الحديث بلفظ : «ابنها» بالنون بعد الباء عن الكافي والتهذيب : ونقل عن التهذيبين انه فيهما بالمثناة التحتانية بعد الباء.

وفي الحسن عن معاوية بن عمار (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحج عن المرأة والمرأة تحج عن الرجل؟ قال : لا بأس».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من النيابة في الحج. والرواية للكليني في الكافي ج ٤ ص ٣١١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٨ من النيابة في الحج.

٢٥١

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن أبي أيوب (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : امرأة من أهلنا مات أخوها فأوصى بحجة وقد حجت المرأة فقالت : ان صلح حججت انا عن أخي وكنت أنا أحق بها من غيري؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا بأس ان تحج عن أخيها ، وان كان لها مال فلتحج من مالها فإنه أعظم لأجرها».

وما رواه الصدوق عن بشير النبال (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان والدتي توفيت ولم تحج؟ قال : يحج عنها رجل أو امرأة. قال : قلت : أيهما أحب إليك؟ قال : رجل أحب الي».

احتج الشيخ على ما نقلوه عنه

بما رواه زيد الشحام عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سمعته يقول : يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة ولا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة».

وما رواه عن مصادف (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : أتحج المرأة عن الرجل؟ قال : نعم إذا كانت فقيهة مسلمة وكانت قد حجت ، رب امرأة خير من رجل».

وأجاب عنهما في المدارك أولا ـ بالطعن في السند. وثانيا ـ بالحمل على الكراهة واستدل على ذلك برواية سليمان بن جعفر (٥) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة؟ قال : لا ينبغي». قال : ولفظ «لا ينبغي» صريح في الكراهة. انتهى.

أقول : ورواية مصادف هذه قد روى مثلها الكليني أيضا بسنده فيه

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ٨ من النيابة في الحج.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ٩ من النيابة في الحج.

٢٥٢

عن مصادف عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) : «في المرأة تحج عن الرجل الصرورة؟ فقال : ان كانت قد حجت وكانت مسلمة فقيهة ، فرب امرأة أفقه من رجل».

ومن الاخبار المؤيدة لما ذكره الشيخ ايضا ما رواه في التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه ، هل تجزئ عنه امرأة؟ قال : لا ، كيف تجزئ امرأة وشهادته شهادتان؟ قال : إنما ينبغي ان تحج المرأة عن المرأة والرجل عن الرجل وقال : لا بأس ان يحج الرجل عن المرأة».

أقول : ومرجع كلام الشيخ الى حمل إطلاق الاخبار المتقدمة على هذه الاخبار المتأخرة ، وهو ان المرأة إنما تنوب عن غيرها إذا كانت قد حجت ، سيما إذا كانت فقيهة عارفة. ولا يخفى انه هو الأوفق بقواعد الجمع بين الاخبار ولكن أصحاب هذا الاصطلاح المحدث ـ حيث انهم يطرحون الأخبار الضعيفة في المقام إذا لم تبد لهم الحاجة إليها ـ كان الأوفق باصطلاحهم ما ذكروه ، ومن يحكم بصحة الأخبار كلا فالوجه عنده ما ذهب اليه الشيخ ، ولهذا ان ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي الميل الى ما ذكره الشيخ (قدس‌سره).

واما قوله في المدارك ـ : ولفظ : «لا ينبغي» صريح في الكراهة ـ فهو مسلم بالنسبة إلى عرف الناس الآن ، واما استعمال هذا اللفظ في الاخبار بمعنى التحريم فأكثر من ان يحصى. وقد نبهنا في ما سبق على ان هذا اللفظ بالنسبة إلى وروده في الاخبار من الألفاظ المتشابهة ، لوروده فيها بالمعنى العرفي تارة وبمعنى التحريم اخرى. ومثله لفظ : «ينبغي» في الوجوب أو بمعنى الاولى

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من النيابة في الحج.

(٢) الوسائل الباب ٩ من النيابة في الحج.

٢٥٣

وظاهر موثقة عبيد بن زرارة هو استعمال لفظ : «ينبغي» فيها في الوجوب ، فإنه منع أولا من اجزاء حج المرأة عن الرجل الصرورة ، ثم قال : «إنما ينبغي ان تحج المرأة عن المرأة. الى آخره» فان ما تقدم قرينة على ذلك.

وكيف كان فما ذكره الشيخ هو الأوفق بالاحتياط ، ولا سيما في باب الحج الذي قد عثرت فيه اقدام جملة من صرورة العلماء فضلا عن غيرهم ، فالواجب تقييد نيابة المرأة بكونها قد حجت أولا ، سيما مع كونها فقيهة عارفة. والله العالم.

مسائل

الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من استؤجر ومات في الطريق ، فإن أحرم ودخل الحرم فقد أجزأت عن من حج عنه واستحق الأجرة كملا ، ولو مات قبل ذلك ولو بعد الإحرام لم يجزئ عند الأكثر ، قالوا : ويجب على الأجير إعادة ما قابل المتخلف من الطريق ذاهبا وآئبا.

وهذا الكلام ينحل إلى المسألتين يجب تحقيق كل منهما على حدة :

الاولى ـ ان النائب إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم فقد أجزأت حجته عن من حج عنه بلا خلاف.

وانما الخلاف في ما إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ، فذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس الى ان حكمه كالأول من غير فرق. ولم نقف لهم على دليل ، كما تقدمت الإشارة الى ذلك في المسألة الأولى من المسائل الملحقة بالشروط (١).

واما ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) فاحتج عليه في المدارك بالإجماع ، وبرواية بريد ورواية ضريس المتقدمتين (٢) في المسألة المشار إليها. ثم قال :

__________________

(١) ص ١٥١.

(٢) ص ١٤٩ و ١٥٠.

٢٥٤

لا يقال : ان الروايتين مختصتان بمن حج عن نفسه فلا يتناولان حج النائب ، لأنه إذا ثبت ذلك في حق الحاج ثبت في نائبه ، لأن فعله كفعل المنوب عنه. انتهى.

ولا يخفى ما فيه من الوهن ، وهل هو إلا مجرد مصادرة؟ مع انه لا يخرج عن القياس.

ويأتي على مقتضى كلامه هنا ـ من انه يجب ان يكون فعله كفعله ـ ان الحاج متى استطاع في بلده ووجب عليه الحج من بلده ، فإذا مات يجب ان يحج عنه النائب من البلد لان فعله كفعله. وهو لا يقول به بل يوجب الاستئجار من الميقات.

وبالجملة فكلامه هنا في البطلان أوضح من ان يحتاج الى البيان. والظاهر ان الحامل له على ذلك هو عدم وجود نص صحيح صريح في هذه المسألة كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى ، فالتجأ الى ما ذكره.

ثم قال بعد الكلام المتقدم : ويدل على حكم النائب صريحا الإجماع المنقول ، وما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل ان يحج؟ قال : ان مات في الطريق أو بمكة قبل ان يقضي مناسكه فإنه يجزئ عن الأول». قال : وهي مخصوصة بما إذا حصل الموت بعد الإحرام ودخول الحرم لعدم ثبوت الاكتفاء بما دون ذلك. انتهى.

أقول : لا يخفى انه لا دليل في هذه المسألة سوى الإجماع ، لأن الرواية (أولا) من قسم الموثق الذي عادته ـ كما عرفت ـ جعله في قسم الضعيف. و (ثانيا) ما في دلالتها من عدم الوضوح في ما ادعاه ، ولهذا أردفها بما ذكره من انها مخصوصة بما إذا حصل الموت بعد الإحرام ودخول الحرم. وهذا المعنى

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من النيابة في الحج. واللفظ هكذا : «فيموت قبل ان يحج ثم اعطى الدراهم غيره؟ فقال».

٢٥٥

انما استفيد هنا من الإجماع ، إذ لا دليل من الاخبار غير هذه الرواية ، لما عرفت من عدم دلالة صحيحتي بريد وضريس المتقدمتين.

مع ان ما تضمنته هذه الرواية من الاكتفاء بالموت في الطريق مطلقا معتضد بجملة من الاخبار الواردة في هذا المضمار :

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن الحسين بن عثمان عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في رجل اعطى رجلا ما يحجه فحدث بالرجل حدث؟ فقال : ان كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأول وإلا فلا».

وما رواه في التهذيب عن ابن أبي حمزة والحسين بن يحيى عن من ذكره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في رجل اعطى رجلا مالا يحج عنه فمات؟ قال : ان مات في منزله قبل ان يخرج فلا يجزئ عنه ، وان مات في الطريق فقد أجزأ عنه».

والشيخ (رحمه‌الله) قد حمل موثقة إسحاق بن عمار ورواية الحسين بن عثمان على من اصابه حدث بعد دخول الحرم. وهذا المعنى وان أمكن في موثقة إسحاق بن عمار إلا انه بعيد في رواية الحسين المذكورة ، وأبعد منه في الرواية التي بعدها ، لمقابلة الموت في الطريق الموجب للاجزاء بالموت في المنزل الموجب لعدم الاجزاء.

ومن روايات المسألة ما رواه في التهذيب مرفوعا عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) : «في رجل حج عن آخر ومات في الطريق؟

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٥ من النيابة في الحج.

(٣) الوسائل الباب ١٥ و ٣٥ من النيابة في الحج.

٢٥٦

قال : قد وقع اجره على الله ، ولكن يوصي ، فإن قدر على رجل يركب في رحله ويأكل زاده فعل».

أقول : والذي يقرب عندي في الجمع بين هذه الأخبار هو انه متى مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم فلا اشكال ، ولو مات في الطريق قبل الإحرام فإن أمكن استعادة الأجرة وجب الاستئجار بها ثانيا ، والى ذلك تشير رواية عمار المذكورة ، وان لم يمكن فإنها تجزئ عن الميت ، وعليه يحمل الاجزاء بالموت في الطريق في الأخبار المتقدمة.

وهذا الوجه الأخير وان لم يوافق قواعد الأصحاب إلا انه مدلول جملة من الأخبار :

مثل ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض رجاله عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) : «في رجل أخذ من رجل مالا ولم يحج عنه ومات ولم يخلف شيئا؟ قال : ان كان حج الأجير أخذت حجته ودفعت الى صاحب المال ، وان لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج». ورواه في الفقيه (٢) مرسلا مقطوعا.

وروى في الفقيه مرسلا (٣) قال : «قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئا؟ فقال : أجزأت عن الميت ، وان كان له عند الله حجة أثبتت لصاحبه».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٣ من النيابة في الحج.

(٢) ج ٢ ص ١٤٤ ، وفي الوافي باب (من يحج عن غيره فيخالف الشرط أو اجترح شيئا أو مات) ولم ينقله في الوسائل ، ولعله لظهوره في كونه من كلام الصدوق (قدس‌سره).

٢٥٧

وروى في التهذيب (١) عن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل أخذ دراهم رجل ليحج عنه فأنفقها فلما حضر أوان الحج لم يقدر الرجل على شي‌ء؟ قال : يحتال ويحج عن صاحبه كما ضمن. سئل : ان لم يقدر؟ قال : ان كانت له عند الله حجة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة».

وظاهر إطلاق هذه الاخبار ان الحج فيها أعم من ان يكون حج الإسلام أو غيره ، للميت مال بحيث يمكن الاستئجار عنه مرة أخرى أم لا.

ولعل الوجه فيه هو انه لما اوصى الميت بما في ذمته من الحج انتقل الخطاب إلى الوصي ، والوصي لما نفذ الوصية واستأجر فقد قضى ما عليه وبقي الخطاب على المستأجر ، وحيث انه لا مال له سقط الاستئجار مرة أخرى.

بقي انه مع التفريط فان كان له حجة عند الله (تعالى) نقلها الى صاحب الدراهم وإلا تفضل الله (تعالى) عليه بكرمه وكتب له ثواب الحج بما بذله من ماله والنية تقوم مقام العمل.

ومن ما يعضد ذلك ما رواه في التهذيب ـ وفي الفقيه مرسلا ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) : «في رجل أعطاه رجل مالا يحج عنه فحج عن نفسه؟ فقال : هي عن صاحب المال».

ورواه في الكافي عن محمد بن يحيى مرفوعا (٣) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام. الحديث».

ولعل الوجه فيه ما عرفت في الأخبار الأولة من ان من أخذ مالا ليحج به

__________________

(١) ج ٥ ص ٤٦١ ، وفي الوسائل الباب ٢٣ من النيابة في الحج.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٦١ ، وفي الوسائل الباب ٢٢ من النيابة في الحج.

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من النيابة في الحج.

٢٥٨

عن غيره وفرط فيه ، فإنه متى كانت له عند الله حجة جعلها لصاحب المال ، وهذا من جملة ذلك ، فان هذا الحج الذي حج به عن نفسه ولم يكن له مال يحج به مرة أخرى عن المنوب عنه يكتبه الله (تعالى) لصاحب المال.

ولم أقف على من تعرض للكلام في هذه الاخبار من أصحابنا ، بل ظاهرهم ردها لمخالفتها لمقتضى قواعدهم ، وهو مشكل مع كثرتها وصراحتها ، فالظاهر ان الوجه فيها هو ما ذكرناه.

قال السيد السند في المدارك : ومتى مات الأجير قبل إكمال العمل المستأجر عليه أو ما يقوم مقامه بطلت الإجارة ان كان المطلوب عمل الأجير بنفسه ـ كما هو المتعارف في أجير الحج والصلاة ـ ورجع الحال الى ما كان عليه ، فان كانت الحجة عن ميت تعلق بماله وكلف بها وصيه أو الحاكم أو بعض ثقات المؤمنين ، وان كانت عن حي عاجز تعلق الوجوب به. ولو كانت الإجارة مطلقة بأن كان المطلوب تحصيل العمل المستأجر عليه بنفسه أو بغيره لم تبطل بالموت ووجب على وصيه ان يستأجر من ماله من يحج عن المستأجر من موضع الموت خاصة ، إلا ان يكون بعد الإحرام فيجب من الميقات. انتهى.

أقول : وهو جيد على قواعدهم التي بنوا عليها ، ولكن ظاهر الأخبار المتقدمة ـ كما عرفت ـ يدفعه ، واطراحها مع كثرتها وصراحتها ـ من غير معارض ظاهر سوى هذه القواعد التي بنوا عليها ـ مشكل. وهذا من قبيل ما قدمنا لك قريبا من انهم يبنون على أصول مسلمة بينهم ويردون الأخبار في مقابلتها ، والواجب هو العمل بالاخبار وتخصيص تلك القواعد بها لو ثبتت بالنصوص.

وسيأتي قريبا ـ ان شاء الله تعالى ـ ما يؤيد ذلك في مسألة من استؤجر على حج الافراد أو القران فعدل الى التمتع ، أو استؤجر على طريق فعدل إلى أخرى فإن القول بصحة الفعل مع هذه المخالفة وورود الاخبار بذلك دليل على ما ذكرناه

٢٥٩

من ان الواجب هو العمل بالدليل لا بتلك القواعد.

وما ذكره ـ من توجه الخطاب في الصورة المفروضة إلى الوصي وهو قد نفذ الوصية أولا ـ يحتاج الى دليل.

قولكم : ـ ان التنفيذ المبرئ للذمة مراعى بإتيان الأجير بالعمل فلو لم يأت به لم يخرج الوصي عن عهدة الخطاب.

قلنا : هذه الاخبار قد دلت على انه في هذه الصورة يكتب الله حجة الأجير ان حج سابقا لصاحب المال ، وان لم يكن له حج فان الله (عزوجل) بسعة فضله يكتب له ثواب الحج ، وحينئذ فإذا دلت الاخبار على براءة ذمة الميت الأول ـ وان ثواب الحج يكتب له وانه قد سقط الخطاب عنه ـ فلما ذا يجب تكليف الوصي بالاستئجار ثانيا؟

وبالجملة فإن كلامهم مبني اما على عدم الاطلاع على هذه الاخبار أو على طرحها ، والأول عذر ظاهر لهم ، والثاني مشكل لما عرفت.

وكيف كان فان تكليف الوصي والورثة بعد تنفيذ ما اوصى به الميت يحتاج الى دليل ، وليس فليس.

المسألة الثانية ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن النائب إذا مات قبل الإحرام ودخول الحرم وجب ان يعاد من الأجرة ما قابل المتخلف من الطريق ذاهبا وعائدا. وقد صرح العلامة وغيره بان النائب إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم استحق جميع الأجرة ، لأنه فعل ما أبرأ ذمة المنوب عنه فكان كما لو أكمل الحج.

قال في المدارك بعد نقل ذلك : وكلا الحكمين يحتاج الى التقييد ، اما الثاني فلأنه إنما يتم إذا تعلق الاستئجار بالحج المبرئ للذمة ، اما لو تعلق بالأفعال المخصوصة لم يتوجه استحقاقه لجميع الأجرة وان كان ما اتى به مبرئا للذمة ، لعدم

٢٦٠