الحدائق الناضرة - ج ١٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

ومنها ـ ان المأخوذ على هذا الوجه ظلم فلا ينبغي الإعانة عليه ، لتحريم الإعانة على الإثم.

ومنها ـ ان من خاف من أخذ المال قهرا لا يجب عليه الحج وان قل المال ، وهذا في معناه.

والجواب عن الأول بمنع توقف الحج على تخلية السرب بهذا المعنى ، بل القدر المعلوم من ظاهر الأخبار اشتراط تخليته بحيث يتمكن من المسير بوجه لا يفضي الى شدة ومشقة شديدة عادة ، وهو حاصل هنا إذ المفروض اندفاع العدو بالمال المقدور عليه ، وبعد تحقق الشرط يصير الوجوب مطلقا فتجب مقدماته كلها.

وعن الثاني انا لا نسلم ان المدفوع على هذا الوجه يصدق عليه الإعانة على الإثم ، إذ لم يقصد بذلك سوى التوصل إلى الطاعة والتخلص من العدو. ولانتقاضه بدفع المال الى الظالم لاستنقاذ المسلم من الهلكة. ولو تم ذلك لاستلزم القول بتحريم الأسفار إلى التجارات وجملة الطاعات في كثير من الأعصار والأمصار ، والجلوس في الأسواق ، والصناعات ، والزراعات ، ونحوها من ما جرت عادة حكام الجور بأخذ شي‌ء من المال على ذلك بدون استحقاق شرعي كالعشار ونحوه ، واللازم باطل اتفاقا نصا وفتوى ، فالملزوم مثله.

وعن الثالث بمنع سقوط الحج (أولا) لعدم الدليل عليه. ومنع المساواة (ثانيا) لوجود الفرق بين الأمرين ، فإن بذل المال بالاختيار على هذا الوجه ليس فيه غضاضة ولا مشقة على النفس ، بخلاف أخذه قهرا فان فيه غضاضة زائدة على أهل المروة.

وربما فرق بينهما بان الثابت في بذل المال اختيارا الثواب الدائم وفي الأخذ قهرا العوض المنقطع. وفيه ان هذا لا يطرد كليا ، فان ترك المال للص

١٤١

وتعريضه له طلبا للتوصل الى فعل الواجب يقتضي الثواب ايضا.

وبذلك يظهر ان الأظهر ما عليه جمهور أصحابنا المتأخرين من وجوب دفع المال مع المكنة.

ولو بذل المال باذل فكشف العدو فلا إشكال في الوجوب لتحقق الاستطاعة ، اما لو دفع المال اليه ليدفعه الى العدو فظاهر الأصحاب انه لا يجب عليه القبول ، لان فيه تحصيلا لشرط الواجب المشروط ، وقد تقرر ان تحصيل شرط الواجب المشروط غير واجب.

واستشكله في المدارك بان الشرط التمكن من الحج وهو حاصل بمجرد البذل. وبان قوله عليه‌السلام ـ (١) ـ : «من عرض عليه ما يحج به فاستحى فهو ممن يستطيع الحج» ـ يتناول من عرض عليه ذلك ، قال : فلو قيل بوجوب القبول والدفع لم يكن بعيدا. انتهى. وهو جيد.

الثاني ـ طريق البحر كطريق البر فيعتبر فيه ما يعتبر في طريق البر من ظن السلامة ، فلو استويا في ذلك تخير أيهما شاء ، وان اختص أحدهما بظن السلامة دون الآخر تعين السفر فيه ، ولو تساويا في رجحان العطب وظن عدم السلامة سقط الحج في ذلك العام. وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ومثله سبطه في المدارك الاكتفاء بمجرد عدم ترجيح العطب.

وبما قدمنا صرح المحقق في المعتبر والشرائع فقال : طريق البحر كطريق البر يجب مع غلبة ظن السلامة. وبنحو ذلك عبر العلامة في المنتهى ، وهو ظاهر كلام جملة من الأصحاب ، حيث انهم يشترطون أمن الطريق ، ومرجعه الى ظن الأمن. وظاهر النص يساعده ، فان مرجع تخلية السرب المذكور في الاخبار

__________________

(١) هذا مضمون ما ورد في الوسائل الباب ١٠ من وجوب الحج وشرائطه.

١٤٢

إلى ظن ذلك ، وإلا فلو علم أو ظن عدم التخلية فإنه لا يجب عليه الحج. ويظهر الخلاف في صورة الاشتباه وتساوى الأمرين ، فيجب الحج على القول الثاني دون الأول.

قالوا : وإنما يسقط الحج مع الخوف إذا حصل في ابتداء السير أو في أثنائه وكان الرجوع غير مخوف ، اما لو تساويا مع المقام في الخوف ، احتمل ترجيح الذهاب لحصول المرجح فيه بالحج ، والسقوط كما لو حصل ابتداء لفقد الشرط. قال السيد (قدس‌سره) في المدارك بعد ذكر ذلك : ولعل الأول أقرب.

الثالث ـ لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في ان المرأة كالرجل متى خافت على النفس أو البضع سقط الفرض عنها. ولو احتاجت الى محرم وتعذر سقط الفرض ايضا ، لعدم حصول الاستطاعة بدونه.

وليس هو شرطا في وجوب الحج عليها مع الاستغناء عنه ، اتفاقا نصا وفتوى

ومن الاخبار في ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن صفوان الجمال (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قد عرفتني بعملي ، تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها وحبها إياكم وولايتها لكم ليس لها محرم؟ قال : إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها ، فإن المؤمن محرم المؤمنة. ثم تلا هذه الآية (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٢)».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن سليمان بن خالد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها الحج؟

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٥٨ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) سورة التوبة الآية ٧١.

١٤٣

فقال : نعم إذا كانت مأمونة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تحج بغير ولي؟ فقال : لا بأس تخرج مع قوم ثقات».

وعن معاوية بن عمار بالسند المتقدم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تحج بغير ولي؟ قال : لا بأس ، وان كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجوا بها وليس لهم سعة فلا ينبغي لها ان تقعد ، ولا ينبغي لهم ان يمنعوها». والمراد هنا ب «لا ينبغي» أي لا يجوز ، كما هو شائع في الاخبار

الى غير ذلك من الاخبار.

ثم انه لو توقف حجها على المحرم اعتبر في استطاعتها ملك الزاد والراحلة لها ولمحرمها إذا أجابها الى ذلك ، ولا تجب عليه الإجابة عندنا (٣).

والمراد بالمحرم هنا الزوج ومن يحرم نكاحه مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من وجوب الحج وشرائطه. إلا انا لم نجده في التهذيب ، نعم رواه في الكافي ج ٤ ص ٢٨٢ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٦٨ ، وفي الوافي باب (حج المرأة بدون اذن زوجها أو ذي محرم) نقله منهما فقط.

(٢) الوسائل الباب ٥٨ من وجوب الحج وشرائطه عن التهذيب ج ٥ ص ٤٠١ ، والكافي ج ٤ ص ٢٨٢. وما أورده (قدس‌سره) موافق لما في الوسائل عن التهذيب في اللفظ ، إلا انه يختلف قليلا عن لفظ التهذيب كما انه يختلف عن لفظ الكافي.

(٣) قال في المغني ج ٣ ص ٢٤٠ : وهل يلزمه إجابتها الى ذلك؟ فيه روايتان نص عليهما ، والصحيح انه لا يلزمه الحج معها ، لان فيه مشقة. وفي بدائع الصنائع ج ٢ ص ١٢٣ : فان امتنع الزوج أو المحرم عن الخروج لا يجبران.

١٤٤

ولو طلب الأجرة والحال هذه وجب دفعها مع القدرة ، لكونها جزء من الاستطاعة.

وليس لزوجها المنع من ذلك في الواجب ، لما تقدم في صحيحة معاوية ابن عمار. ولما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن امرأة لم تحج ، ولها زوج وابى ان يأذن لها في الحج ، فغاب زوجها ، فهل لها ان تحج؟ فقال : لا طاعة له عليها في حجة الإسلام».

ونحوها ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب (٢) وفيها : «لا طاعة له عليها في حجة الإسلام ولا كرامة ، لتحج ان شاءت».

نعم له المنع في المستحب ، لما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام ، تقول لزوجها : أحجني من مالي. إله أن يمنعها من ذلك؟ قال : نعم ، ويقول لها : حقي عليك أعظم من حقك علي في هذا».

ولو ادعى الزوج الخوف عليها أو عدم أمانتها وأنكرت ذلك ، قالوا : عمل بشاهد الحال مع انتفاء البينة ، ومع فقدهما يقدم قولها.

وفي اعتبار اليمين وجهان ، من أصالة عدم سلطنته عليها في ذلك ، ومن انها لو اعترفت لنفعه اعترافها. وقرب الشهيد في الدروس انتفاء اليمين ، قال في

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٥٩ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ٥٩ من وجوب الحج وشرائطه. والرواية للشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٤٧٤ ، ولم يروها الصدوق ، وروى نحوها في الكافي ج ٤ ص ٢٨٢ عن علي بن أبي حمزة ، كما في الوسائل في نفس الباب.

١٤٥

المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو أقرب.

وهل يملك الزوج والحال هذه منعها باطنا؟ قيل : نعم ، لانه محق عند نفسه. واختاره في المسالك. وقيل : لا ، لتوجه الوجوب إليها ومخاطبتها بالسفر شرعا لظنها السلامة. وقربه في المدارك.

أقول : لا إشكال في العمل بالبينة ان وجدت ، وكذا العمل بشاهد الحال ، وتقديم قولها مع فقدهما ، لتوجه الخطاب إليها وظنها السلامة وهي أعرف بحال نفسها ، وارتفاع سلطنة الزوج عنها. ومن هنا يظهر عدم توجه اليمين إليها.

واما ما احتج به على توجه اليمين عليها ـ من انها لو اعترفت لنفعه اعترافها ـ فتقريره انه لو اعترفت بالخوف على البضع لنفع هذا الاعتراف الزوج ، وكل ما لو اعترف به المنكر نفع المدعى تجب اليمين على عدمه على تقدير الإنكار. هكذا قالوا. وفيه منع الكلية وان ذلك إنما هو في الحقوق المالية لا في مطلق الدعاوي.

ويؤيد أيضا وجه عدم اليمين عليها انه لا يدعي عليها هنا حقا حتى تتوجه اليمين عليها ، ومورد نصوص اليمين إنما هو ذلك.

واما الخلاف في انه هل له منعها باطنا أم لا؟ فالظاهر هو ما اختاره في المدارك لما تقدم.

والمعتدة عدة رجعية في حكم الزوجة ، لأن للزوج الرجوع في طلاقها والاستمتاع بها والحج يمنعه من ذلك ، وحينئذ فيجري فيها التفصيل المتقدم في الزوجة.

١٤٦

ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن منصور بن حازم (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المطلقة تحج في عدتها؟ قال : ان كانت صرورة حجت في عدتها ، وان كانت قد حجت فلا تحج حتى تقضى عدتها».

واما ما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) ـ قال : «لا تحج المطلقة في عدتها». ـ فهو محمول على الحج المندوب إلا بإذن الزوج.

واما المعتدة عدة بائنة فإنها في حكم الأجنبية ، فتحج ندبا متى شاءت بغير خلاف في ما اعلم ، ولم أقف على رواية في ذلك ، إلا ان الظاهر انه لا إشكال في الحكم المذكور ، لانقطاع سلطنته عليها وانقطاع العصمة بينهما وصيرورته أجنبيا منها ، فيكون كسائر الأجانب.

وقد ورد في جواز الحج في عدة الوفاة روايات :

منها ـ موثقة داود بن الحصين عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن المتوفى عنها زوجها؟ قال : تحج وان كانت في عدتها».

وموثقة زرارة (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة التي يتوفى عنها زوجها أتحج؟ فقال : نعم».

المقام الثالث ـ لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في اشتراط

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٠ من وجوب الحج وشرائطه. والرواية للشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٤٠٢ ، ولم يروها الصدوق.

(٢) الوسائل الباب ٦٠ من وجوب الحج وشرائطه. والرواية للشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٤٠١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٦١ من وجوب الحج وشرائطه.

١٤٧

سعة الوقت في الوجوب ، وهو ان يتسع لتحصيل الشروط والخروج ولحوق المناسك فلو حصلت الشرائط وقد ضاق الوقت عن لحوق المناسك ـ بحيث لو شرع في المسير إلى مكة بالسير المعتاد الذي لا ضرر فيه ولا مشقة لم يصل الى مكة ولم يدرك فيها المناسك ـ سقط الحج في ذلك العام وكان الوجوب مراعى ببقاء الاستطاعة إلى العام القابل.

تنبيه

هل الاختتان شرط في صحة الحج؟ ظاهر بعض الأصحاب ذلك ، قال الشيخ المفيد على ما نقله في المختلف : ومن أسلم فأراد الحج فلا يجوز له ذلك حتى يختتن.

وقال أبو الصلاح على ما نقله عنه في الكتاب المذكور : صحة الحج موقوفة على ثبوت الإسلام ، والعلم بتفصيل أحكام الحج وشروطه ، وتأديته لوجهه الذي شرع له مخلصا لربه ، مع كون مؤدية مطهرا بالختانة. ثم بين الاشتراط. الى ان قال : وكون الحاج أغلف لا يصح حجه بإجماع آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وفي هذا الكلام إشكال ، فإن المروي انه لا يجوز ان يطوف الرجل وهو غير مختتن (١) فإن أخذه من هذه الرواية من حيث ان بطلان طوافه يستلزم بطلان حجه أمكن ، لكن كلامه يوهم بطلان حجه مطلقا ، ونحن نمنع ذلك ، فإنه لو لم يتمكن من التطهير صح حجه وطوافه ، فقوله على الإطلاق ليس بجيد. مع ان ابن إدريس قال : لا يجوز للرجل ان يطوف بالبيت وهو غير مختتن ، على ما روى أصحابنا في الاخبار. وهو يعطي توقفه في ذلك. انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٣ من مقدمات الطواف ، والباب ٣٩ من الطواف.

١٤٨

أقول : قد روى المشايخ الثلاثة في الصحيح عن إبراهيم بن ميمون ـ وهو غير موثق ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) «في رجل يسلم فيريد ان يختتن وقد حضر الحج ، أيحج أم يختتن؟ قال : لا يحج حتى يختتن».

وهي صريحة في ما تقدم نقله عن الشيخ المفيد وابي الصلاح من عدم صحة الحج بدون الاختتان وان ضاق وقت الحج ، والظاهر ان شيخنا العلامة لم يقف عليها وظن انحصار الدليل في روايات المنع من الطواف بدون الاختتان

ومثل هذه الرواية ما رواه في قرب الاسناد عن محمد بن عبد الحميد وعبد الصمد بن محمد جميعا عن حنان بن سدير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نصراني أسلم وحضر الحج ولم يكن اختتن ، أيحج قبل ان يختتن؟ قال : لا ولكن يبدأ بالسنة».

وينبغي ان يلحق بما تقدم من أبحاث هذا المقصد مسائل :

الاولى ـ لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في ما أعلم في ان من مات بعد الإحرام ودخول الحرم برئت ذمته.

ويدل عليه ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن بريد العجلي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل خرج حاجا ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق؟ قال : ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأت عنه

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٨١ ، والتهذيب ج ٥ ص ١٢٥ و ٤٦٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٥١ ، وفي الوسائل الباب ٣٣ من مقدمات الطواف.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من مقدمات الطواف.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٢٧٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٤٠٧ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٦٩ ، وفي الوسائل الباب ٢٦ من وجوب الحج وشرائطه. والمروي عنه في الكافي والفقيه أبو جعفر عليه‌السلام.

١٤٩

حجة الإسلام ، وان كان مات وهو صرورة قبل ان يحرم جعل جملة وزاده ونفقته في حجة الإسلام ، فإن فضل من ذلك شي‌ء فهو للوراثة ان لم يكن عليه دين. قلت : أرأيت ان كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل ان يحرم لمن يكون جمله ونفقته وما معه؟ قال : يكون جميع ما معه وما ترك للورثة ، إلا ان يكون عليه دين فيقضى عنه ، أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن اوصى له ويجعل ذلك من ثلثه».

وفي الصحيح عن ضريس عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) «في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق؟ فقال : ان مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام ، وان كان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام».

وصحيحة زرارة الآتية ان شاء الله تعالى في المحصور عن ابي جعفر عليه‌السلام (٢) قال فيها : «قلت : فان مات وهو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة؟ قال : يحج عنه ان كانت حجة الإسلام ويعتمر ، وإنما هو شي‌ء عليه».

وروى الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة مرسلا (٣) قال : قال الصادق عليه‌السلام : من خرج حاجا فمات في الطريق ، فان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة ، وان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج ، وليقض عنه وليه.

وإطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين ان يقع التلبس بإحرام الحج أو العمرة ، ولا بين ان يموت في الحل أو الحرم ، محرما أو محلا كما لو مات بين الإحرامين.

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٦ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ٢٦ من وجوب الحج وشرائطه ، والباب ٣ من الإحصار والصد.

١٥٠

اما لو مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم فالمشهور بين الأصحاب وجوب القضاء عنه ، ونقل عن الشيخ في الخلاف وابن إدريس الاجتزاء به لمجرد الإحرام. ولا اعرف لهذا القول دليلا.

قال في المختلف : احتج بان القصد التلبس وقد حصل بالإحرام. ثم أجاب عنه بالمنع ، قال : بل المطلوب قصد البيت الحرام وإنما يحصل بالدخول في الحرم.

وقال في المدارك : وربما أشعر به مفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة بريد (١) : «وان كان مات وهو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في حجة الإسلام». لكنه معارض بمنطوق قوله عليه‌السلام (٢) : «وان كان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام». انتهى.

أقول : وتعارضه أيضا صحيحة زرارة المذكورة والمرسلة المنقولة من المقنعة.

واما ما احتمله في الذخيرة ـ من الجمع بين المفهوم المذكور وبين منطوق صحيحة ضريس بالحمل على استحباب القضاء في الصورة المذكورة ، حتى انه حمل الأمر بالحج عنه في صحيحة زرارة على الاستحباب ايضا ـ فبعيد لا يلتفت اليه وهو من جملة تخريجاته البيعدة. والظاهر انه مبنى على ما يذهب اليه من عدم صراحة الأوامر في الاخبار في الوجوب. وهو توهم ساقط.

وبالجملة فإن الأصح هو القول المشهور ، لان الواجب هو الحج الذي هو عبارة عن جميع تلك المناسك ، فلا يخرج المكلف عن العهدة إلا بالإتيان به كذلك ، قام الدليل على خروج هذه الصورة المتفق عليها بين الأصحاب للأخبار المذكورة ، بقي ما عداها على حكم الأصل.

والعجب من ابن إدريس في اجتزائه بالإحرام هنا خاصة ، فإن القول

__________________

(١) ص ١٤٩ و ١٥٠.

(٢) في صحيح ضريس ص ١٥٠.

١٥١

بالاجتزاء بالإحرام ودخول الحرم انما ثبت من طريق الآحاد فهو غير جار على أصوله ، فكيف ما لم يرد به دليل بالكلية ، ولم يقل به إلا الشيخ خاصة في الخلاف دون غيره من كتبه.

الثانية ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان من استقر الحج في ذمته فإنه يجب القضاء عنه لو مات ولم يحج.

والاخبار بذلك متكاثرة ، ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ويترك مالا؟ قال : عليه ان يحج من ماله رجلا صرورة لا مال له».

وصحيحة محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل مات ولم يحج حجة الإسلام ، يحج عنه؟ قال : نعم».

وصحيحة رفاعة (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ولم يوص بها ، أيقضى عنه؟ قال : نعم».

وموثقة سماعة بن مهران (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ولم يوص بها ، وهو موسر؟ فقال : يحج عنه من صلب ماله ، لا يجوز غير ذلك».

الى غير ذلك من الاخبار التي من هذا القبيل.

وإنما وقع الخلاف في هذه المسألة في مقامين الأول ـ ما به يتحقق الاستقرار ، فالأكثر على انه يتحقق بمضي زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعال الحج مستجمعا للشرائط.

قال العلامة في التذكرة : استقرار الحج في الذمة يحصل بالإهمال بعد حصول الشرائط بأسرها ومضى زمان جميع أفعال الحج ، ويحتمل مضى زمان يتمكن فيه من الإحرام ودخول الحرم.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٨ من وجوب الحج وشرائطه.

١٥٢

وأطلق المحقق في المعتبر والشرائع القول بتحققها بالإهمال مع تحقق الشرائط. واعترضه في المسالك بأنه لا بد من تقييد الإهمال بكونه واقعا في جميع المدة التي يمكن فيها استيفاء جميع أفعال الحج بأقل الواجب فلم يفعل. وظاهر كلام الأكثر اعتبار مضى زمان يسع جميع الأفعال وان لم يكن ركنا كالمبيت بمنى والرمي.

قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك : ويمكن اعتبار زمان يمكن فيه تأدي الأركان خاصة ، وهو مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان والسعي. واختاره في التذكرة والمهذب. ولو قلنا باستحباب أفعال منى المتأخرة لم يعتبر قطعا. انتهى.

أقول : قد نقل هذا القول عن التذكرة أيضا سبطه في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة ، والظاهر انه وهم من شيخنا المذكور وتبعه عليه من تبعه من غير مراجعة الكتاب المشار إليه ، فإن الموجود فيه ما حكيناه أولا من ما هو موافق للقول المشهور. نعم هو ظاهر المهذب.

قال السيد السند في المدارك : وما وقفت عليه في هذه المسألة من الاخبار خال من لفظ الاستقرار فضلا عن ما يتحقق به ، وإنما اعتبر الأصحاب ذلك بناء على ان وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وإنما يتحقق وجوبه بمضي زمان يمكن فيه الحج مستجمعا للشرائط. ويشكل بما بيناه مرارا من ان وجوب القضاء ليس تابعا لوجوب الأداء. وبان المستفاد من كثير من الاخبار ترتب القضاء على عدم الإتيان بالأداء مع توجه الخطاب به ظاهرا ، كما في صحيحتي بريد وضريس المتقدمتين (١) انتهى.

أقول : قد روى ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في كتابيه في الموثق عن ابي بصير (٢) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال

__________________

(١) ص ١٤٩ و ١٥٠.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

١٥٣

فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال : هل برئت من مرضها؟ قلت : لا ، ماتت فيه. فقال : لا تقض عنها فان الله لم يجعله عليها. قلت : فإني اشتهي ان أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال : كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله الله تعالى عليها؟. الحديث».

والمستفاد من هذا الخبر انه لا يجب القضاء إلا مع استقرار الأداء واشتغال الذمة به. وفيه تأييد لما ذكره الأصحاب هنا من عدم وجوب قضاء الحج إذا لم يمض زمان يمكن فيه الحج مستجمعا للشرائط.

ولا يلزم منه كون القضاء تابعا لوجوب الأداء ، بمعنى انه غير متوقف على أمر جديد ، كما ذكره (قدس‌سره) لان مجرد الأمر بالأداء لا يستلزم الأمر بالقضاء.

بل الوجه فيه إنما هو متى ورد الأمر بالقضاء ـ كالاحاديث المتقدمة في وجوب قضاء الحج ، والأحاديث الواردة في وجوب قضاء الصلاة ، وهكذا في قضاء الصوم ـ يجب ان يعتبر فيها حال فوات الأداء ، فإن فات على وجه استقر في الذمة واشتغلت به وجب قضاؤه وإلا فلا ، فان هذه المرأة لما فاتها الصوم ولكن على وجه لم يستقر في ذمتها لم يوجب (عليه‌السلام) القضاء عنها. وهكذا من فاتته الصلاة بإغماء أو جنون. وبعين ذلك يقال في الحج ، فإنه إذا فات على وجه لم تشتغل الذمة به فإنه لا يجب قضاؤه ، ولا ريب ان من بادر الى الحج في عام الاستطاعة ثم مات قبل الإحرام أو ذهبت استطاعته أو نحو ذلك ، فإنه لم تشتغل ذمته بالحج وإلا للزم مثل ذلك في من مات في بلده قبل الخروج أيضا في أشهر الحج في عام الاستطاعة.

وما ذكره ـ من ان المستفاد من الاخبار ترتب القضاء بمجرد توجه

١٥٤

الخطاب كالروايتين المذكورتين ـ ففيه انه عين النزاع في المسألة ، ولهذا ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) تأولوهما ، وقد عرفت معارضة رواية أبي بصير لهما في ذلك. اللهم إلا ان يدعى اشتغال الذمة بالحج في تلك الحال ليدخل تحت موثقة أبي بصير. ولا أظنه يلتزمه.

وبالجملة فإن القضاء عندنا مرتب على اشتغال الذمة بالأداء ، فمتى لم تشتغل ذمته به لم يجب قضاؤه ، لقوله (عليه‌السلام) في هذا الخبر : «لا تقض عنها فان الله لم يجعله عليها» وقوله ثانيا : «كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله الله عليها؟» وهو صريح في ان القضاء لا يكون إلا عن شي‌ء استقر في الذمة. وحينئذ فيجب تخصيص إطلاق الأخبار المتقدمة ـ وكذا خبري بريد وضريس ـ بهذا الخبر.

ثم قال في المدارك : وقد قطع الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من حصل له الشرائط فتخلف عن الرفقة ثم مات قبل حج الناس لا يجب القضاء عنه ، لتبين عدم استقرار الحج في ذمته بظهور عدم الاستطاعة. وهو جيد ان ثبت ان وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء.

أقول : هذا موضع شك حيث ان ترك الحج لم يقع بعذر شرعي ، فيمكن ان يكون بتعمده التأخير مع وجوب ذلك عليه يستقر الحج في ذمته وان لم يمض الزمان الذي تقع فيه المناسك ، كما لو أفطر عمدا في شهر رمضان ثم سافر لإسقاط الكفارة ورفع الإثم ، فإنه لا يوجب رفع الإثم ولا سقوط الكفارة.

وبالجملة فقياس هذه المسألة على مسائل حصول العذر الشرعي ـ كالموت وفوات الاستطاعة بمجرد الاشتراك في انه ظهر بذلك عدم الاستطاعة واقعا ـ قياس مع الفارق. والمسألة خالية من النص بجميع شقوقها فيجب الاحتياط فيها

الثاني ـ قد قطع المتأخرون بسقوط القضاء إذا لم تكن الحجة مستقرة في

١٥٥

ذمته ، كما إذا كان خروجه في عام الاستطاعة. وأطلق المفيد في المقنعة والشيخ في جملة من كتبه وجوب القضاء إذا مات قبل دخول الحرم.

ولم أقف على من قال بهذا القول من المتأخرين سوى المحدث الشيخ علي ابن سليمان البحراني (نور الله تعالى مرقده) فإنه قال في حاشيته على النافع : ولا يحتاج في الاستقرار الذي يجب معه القضاء الى مضى زمان يمكن إتيان أفعال الحج فيه كامل الشروط كما اعتبره بعضهم ، أو قدر ما يحرم فيه ويدخل الحرم كما اعتبره بعض أصحابنا ، بناء منهم على ان القضاء فرع الأداء. ونحن لا نقول به بل القضاء واجب على حده. والروايات ليس فيها أكثر من وجوبه على من مات ولم يحج حج الإسلام. هذا إذا تيسر الحج للرفقة تلك السنة ، اما إذا لم يتيسر لهم بل صدهم العدو أو ضاق الوقت ففات الحج فيحتمل ما قلناه أيضا ، لأنه مات وهو مخاطب بحج ظاهر. ولدخوله في إطلاق الروايات. ويحتمل عدم الاستقرار ، لظهور ان هذه السنة لم تكن سنة حج. والأول لا يخلو من قوة ، والذي قطع به الأصحاب الثاني. والله اعلم. انتهى كلامه (زيد إكرامه).

أقول : وهو جيد لولا ورود موثقة أبي بصير التي قدمنا ذكرها في المقام الأول (١) بالتقريب الذي ذكرناه ذيلها.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عن الشيخين (طاب ثراهما) : ولعلهما نظرا إلى إطلاق الأمر بالقضاء في الروايتين المتقدمتين. وأجيب عنهما بالحمل على من استقر الحج في ذمته ، لان من خرج في عام الاستطاعة ثم مات في الطريق تبين بموته عدم وجوب الحج عليه ، ومتى انتفى وجوب الأداء انتفى القضاء.

__________________

(١) ص ١٥٣.

١٥٦

وهو غير بعيد وان كان الإطلاق متجها ايضا ، لما بيناه مرارا من ان القضاء قد يجب مع سقوط الأداء ، لأنه فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة خاصة. انتهى.

أقول : ظاهر كلامه هنا التردد في المسألة المذكورة ، مع انه في الكلام الذي قدمنا نقله عنه في المقام الأول استشكل في كلام الأصحاب ، وقولهم : ان وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء. ورده بما ذكره من ان وجوب القضاء ليس تابعا لوجوب الأداء.

وبالجملة فالتحقيق عندي في المسألة هو ما قدمنا بيانه.

المسألة الثالثة ـ المشهور بين الأصحاب انه لو حج المسلم ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم تجب عليه الإعادة. وكذا المخالف إذا استبصر لا تجب عليه الإعادة.

وقد وقع الخلاف هنا في الموضعين ، اما في المرتد فنقل عن الشيخ القول بوجوب الإعادة بعد التردد في المسألة ، مستندا الى ان ارتداده يدل على ان إسلامه أولا لم يكن إسلاما فلا يصح حجه.

قال في المعتبر بعد نقل ذلك عنه : وما ذكره (رحمه‌الله) بناء على قاعدة باطلة قد بينا فسادها في الأصول.

ويدفعه صريحا قوله (عزوجل) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا) (١) حيث اثبت الكفر بعد الايمان.

وربما استدل على وجوب الإعادة أيضا بقوله تعالى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) (٢).

ورد بأن الإحباط مشروط بالموافاة على الكفر ، كما يدل عليه قوله (عز

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٣٧.

(٢) سورة المائدة الآية ٥.

١٥٧

وجل) (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) (١).

وبالجملة فإنه قد اتى بالحج على الوجه المأمور به فيكون مجزئا ، والقول بالإبطال والإعادة يحتاج الى دليل ، وليس فليس.

ويزيد ذلك بيانا ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن محمد ابن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام (٢) انه قال : «من كان مؤمنا فعمل خيرا في إيمانه ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب بعد كفره ، كتب له وحوسب بكل شي‌ء كان عمله في إيمانه ، ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «من كان مؤمنا فحج وعمل في إيمانه ثم اصابته في إيمانه فتنة فكفر ثم تاب وآمن؟ قال : يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه ولا يبطل منه شي‌ء».

ثم ان الشيخ في المبسوط فرع على ما ذكره مسألة أخرى أيضا ، فقال : وان أحرم ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام جاز ان يبنى عليه ، إلا على ما استخرجناه في المسألة المتقدمة في قضاء الحج. وأشار بذلك الى ما قدمه من ان ارتداده كاشف عن عدم الإسلام وان إسلامه ليس إسلاما. والذي عليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو صحة الإحرام هنا.

ثم انه (قدس‌سره) أورد على نفسه انه يلزم على هذا القول ان المرتد لا يلزمه قضاء العبادات التي فاتته في حال الارتداد ، لأنا إذا لم نحكم بإسلامه يكون كفره أصليا ، والكافر الأصلي لا يلزمه قضاء ما فاته في الكفر.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢١٦.

(٢) الوسائل الباب ٩٩ من جهاد النفس.

(٣) الوسائل الباب ٣٠ من مقدمة العبادات.

١٥٨

أقول : جزاه الله (تعالى) عن المنازع له في هذه المسألة أفضل الأجر والثواب حيث كفاه مؤنة الجواب في هذا الباب.

واما في المخالف فنقل عن ابن الجنيد وابن البراج انهما حكما بوجوب الإعادة وان لم يخل بشي‌ء ، والمشهور عند أصحابنا عدم الإعادة إلا ان يخل بركن من أركان الحج.

والروايات بذلك متظافرة ، ومنها ـ صحيحة بريد بن معاوية العجلي (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الأمر ثم من الله (تعالى) عليه بمعرفته والدينونة به ، عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال : قد قضى فريضته ولو حج لكان أحب الي. قال : وسألته عن رجل حج وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من الله عليه فعرف هذا الأمر ، يقضى حجة الإسلام؟ فقال : يقضي أحب الي. وقال : كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه ، إلا الزكاة فإنه يعيدها. لانه وضعها في غير مواضعها ، لأنها لأهل الولاية. واما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء».

وصحيحة الفضلاء ـ أو حسنتهم على المشهور ـ عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٢) انهما قالا «في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء : الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ، ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم صامه أو زكاة أو حج ، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها. الحديث».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من وجوب الحج وشرائطه ، والباب ٣١ من مقدمة العبادات ، والباب ٣ من المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل الباب ٣ من المستحقين للزكاة.

١٥٩

وصحيحة ابن أذينة أو حسنته (١) قال : «كتبت الي أبو عبد الله عليه‌السلام :

ان كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم من الله عليه وعرفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه ويكتب له إلا الزكاة. الحديث».

وصحيحة الأخرى أو حسنته (٢) قال : «كتبت الى ابي عبد الله عليه‌السلام اسأله عن رجل حج ولا يدري ولا يعرف هذا الأمر ثم من الله عليه بمعرفته والدينونة به ، أعليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضة الله؟ قال : قد قضى فريضة الله والحج أحب الي. وعن رجل وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من الله عليه فعرف هذا الأمر ، أيقضى عنه حجة الإسلام ، أو عليه ان يحج من قابل؟ قال : يحج أحب الي». هكذا رواه ثقة الإسلام في الكافي (٣) ورواه الصدوق (٤) الى قوله : «والحج أحب الي».

ورواية ابي عبد الله الخراساني عن ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) (٥) : قال : «قلت له : اني حججت وانا مخالف ، وحججت حجتي هذه وقد من الله (تعالى) على بمعرفتكم وعلمت ان الذي كنت فيه كان باطلا ، فما ترى في حجتي؟ قال : اجعل هذه حجة الإسلام وتلك نافلة».

ووجه استثناء الزكاة في هذه الاخبار ان الزكاة حق مالي للفقراء ، ومثلها

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من مقدمة العبادات ، والباب ٣ من المستحقين للزكاة.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٠ ، وفي الوسائل الباب ٢٣ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) ج ٤ ص ٢٧٥.

(٤) في الفقيه ج ٢ ص ٢٦٣.

(٥) الوسائل الباب ٢٣ من وجوب الحج وشرائطه.

١٦٠