الحدائق الناضرة - ج ١٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

وحينئذ فالظاهر ان هذا الكلام عدول عن ما ذكره أولا.

وكيف كان فجميع ما ذكروه هنا تقييد للنص من غير دليل ، وتخيل بطلان تعلق الواجب بغير الواجب ـ كما ذكره في التذكرة ـ مدفوع بان يقال انه يشترط في استمرار الوجوب استمرار البذل ، فان من شرائط الوجوب استمرار الاستطاعة والاستطاعة هنا إنما هي البذل. نعم لا يبعد ـ كما ذكر في المدارك ـ اعتبار الوثوق بالباذل ، لما في التكليف بالحج بمجرد البذل مع عدم الوثوق بالباذل من التعرض للخطر على النفس المستلزم للحرج العظيم والمشقة الزائدة فكان منفيا. والظاهر ان الإطلاق في الأخبار بالنسبة الى هذا القيد الذي ذكرناه إنما وقع بناء على ما هو المعروف المعهود يومئذ من وفاء الناس بذلك فلا يقاس على مثل أزماننا هذه.

بقي هنا شي‌ء وهو ان السيد السند (قدس‌سره) قال : واعتبر في التذكرة وجوب البذل بنذر وشبهه حذرا من استلزام تعليق الواجب بغير الواجب. ثم رده بأنه ضعيف. وما ذكره ليس في التذكرة منه عين ولا اثر وإنما الذي فيها هو ما قدمنا نقله عنه أولا ، ولعله أراد ان اللازم من العبارة المتقدمة ذلك.

ثم انه ينبغي التنبيه هنا على أمور :

الأول ـ قال السيد السند في المدارك : إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين بذل عين الزاد والراحلة وأثمانهما ، وبه صرح في التذكرة واعتبر الشارح (قدس‌سره) بذل عين الزاد والراحلة ، قال : فلو بذل أثمانهما لم يجب القبول. الى آخر كلامه الآتي ذكره ان شاء الله تعالى.

أقول : اما ما ذكره من إطلاق النص فصحيح كما أشرنا إليه آنفا ، واما ما ذكره من إطلاق كلام الأصحاب فلم أقف عليه في كلام أحد منهم إلا في عبارة الشيخ في المبسوط حيث قال : إذا بذل له الاستطاعة قدر ما يكفيه ذاهبا وجائيا

١٠١

ويخلف لمن تجب عليه نفقته لزمه فرض الحج لأنه مستطيع. فان قوله : «إذا بذل له الاستطاعة» صادق بإطلاقه على بذل العين أو الثمن. ونحو ذلك في النهاية واما غيره فهم ما بين مصرح بخصوص بذل الزاد والراحلة ولم يتعرض لحكم الثمن ـ كالمحقق في المعتبر والشرائع والعلامة في المنتهى والإرشاد ـ ومن لم يتعرض لحكم البذل مطلقا كالعلامة في القواعد ـ ومن ذكرهما معا وفرق بينهما كالعلامة في التذكرة وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

واما ما نقله عن العلامة في التذكرة ـ من انه صرح بعدم الفرق بين الزاد والراحلة وبين أثمانهما في حصول الاستطاعة ببذل العين والثمن ـ فهو عجب عجيب ، كيف؟ وهذه صورة عبارة العلامة في الكتاب المذكور ، فإنه قال أولا : مسألة : لو لم يكن له زاد وراحلة. إلى آخر العبارة التي قدمناها آنفا. ثم قال : فروع : الأول ـ لو بذل له مال يتمكن به من الحج ويكفيه في مؤنته ومؤنة عياله لم يجب عليه القبول. لاشتماله على المنة. ولأن في قبول المال وتملكه إيجاب سبب يلزم به الفرض وهو القبول ، وربما حدثت عليه حقوق كانت ساقطة فيلزمه صرف المال إليها من وجوب نفقة وقضاء دين. ولان تحصيل شرط الوجوب غير واجب كما في تحصيل مال الزكاة. انتهى. وهو صريح ـ كما ترى ـ في الفرق بين بذل العين ـ كما ذكره في صدر المسألة من انه يجب عليه الحج ـ وبين بذل الثمن فلا يجب عليه القبول ، كما ذكره في الفروع المذكور

نعم قال في الفرع الرابع : قال ابن إدريس من علمائنا : ان من يعرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج اليه من مؤنة الطريق يجب عليه الحج بشرط ان يملكه ما يبذل له ويعرض عليه لا وعدا بالقول دون الفعل. والتحقيق ان نقول : ان البحث هنا في أمرين : الأول ـ هل يجب على الباذل. الى آخر ما قدمناه من العبارة المذكورة. ثم قال : الثاني ـ هل بين بذل المال وبذل الزاد والراحلة

١٠٢

ومؤنته ومؤنة عياله فرق أم لا؟ الأقرب عدم الفرق لعدم جريان العادة بالمسامحة في بذل الزاد والراحلة والمؤن بغير منة كالمال. انتهى.

وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في ان المراد انما هو عدم الفرق بينهما في انه لا تحصل الاستطاعة بهما ، لانه ذكر في الفرع الأول ـ كما نقلناه ـ عدم وجوب قبول المال إذا بذل له لاشتماله على المنة. إلى آخر ما تقدم ، وهنا قد ألحق به عين الزاد والراحلة لو بذل له وجعل حكمه حكم المال في عدم وجوب قبوله ، لاشتماله على المنة لأنه لم تجر العادة بالمسامحة به. والسيد (قدس‌سره) قد توهم العكس في وجوب القبول في الموضعين وحصول الاستطاعة ، وهي غفلة فاحشة.

وبالجملة فإن مرجع كلام العلامة هنا إلى موافقة ابن إدريس في انه لا يكفي مجرد البذل ـ للعين كان أو للثمن ـ بل لا بد من التمليك. وفيه رجوع عن ما يدل عليه أول كلامه في المسألة كما أشرنا إليه آنفا. والظاهر ان شيخنا الشهيد في الدروس إنما نسب اليه القول بما ذهب اليه ابن إدريس من كلامه هنا وإلا فكلامه في سائر كتبه خال من ذلك.

بقي الكلام في ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني ـ وقبله العلامة في التذكرة ـ من دعوى حصول الفرق بين بذل عين الزاد والراحلة وبذل أثمانهما في وجوب الحج ، وحصول الاستطاعة على الأول دون الثاني ، فإن إطلاق النصوص المتقدمة شامل للأمرين. وتعليلهما المنع في الثاني ـ باعتبار اشتماله على المنة ، وانه موقوف على القبول وهو شرط للواجب المشروط فلا يجب تحصيله ـ وارد عليهما في بذل العين ايضا.

وبالجملة فالنصوص المتقدمة ـ كما عرفت ـ شاملة بإطلاقها لعين الزاد والراحلة وأثمانهما ، فإن عمل بها على إطلاقها ففي الموضعين ، وإلا فلا فيهما.

وظاهرها انه بمجرد بذل ما يحج به وعرض ذلك عليه يكون مستطيعا ،

١٠٣

ومتى تحققت الاستطاعة بذلك كان الحج واجبا مطلقا ، لأن كونه واجبا مشروطا إنما هو بالنسبة إلى الاستطاعة ، فمتى لم تتحقق الاستطاعة لم يجب تحصيلها ، لان شرط الواجب المشروط لا يجب تحصيله ، ومتى تحققت الاستطاعة صار الوجوب مطلقا فيجب تحصيل ما يتوقف عليه من المقدمات ، ومنها في ما نحن فيه قبول ذلك لان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وهذا بحمد الله واضح لا سترة عليه.

الثاني ـ الظاهر انه لا فرق بين بذل الزاد والراحلة وبين هبتهما في حصول الاستطاعة ، لإطلاق النصوص المتقدمة. وظاهر كلام جملة من الأصحاب ـ بل الظاهر انه المشهور بين المتأخرين ـ وهو الفرق ، معللين عدم وجوب قبول الهبة بأن فيه تحصيلا لشرط الوجوب وهو غير لازم ، ولاشتماله على المنة. وقد عرفت آنفا ما في التعليلين من الوهن والقصور ، ولهذا ان الشهيد في الدروس ـ بعد ان ذكر انه لا يجب قبول هبتهما جريا على ما هو المشهور بينهم ـ تنظر في الفرق بين الهبة والبذل ، ووجه النظر ظاهر بما قدمناه.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد قول المصنف ـ : ولو وهب له مال لم يجب قبوله ـ ما لفظه : لان قبول الهبة نوع من الاكتساب وهو غير واجب للحج ، لان وجوبه مشروط بالاستطاعة ، فلا يجب تحصيل شرطه بخلاف الواجب المطلق. ومن هنا ظهر الفرق بين البذل والهبة ، فإن البذل يكفي فيه نفس الإيقاع في حصول القدرة والتمكن فيجب بمجرده. انتهى.

أقول : لا يخفى ان قولهم (عليهم‌السلام) (١) ـ في ما تقدم من الاخبار : «من عرض عليه الحج أو من عرض عليه ما يحج به فهو مستطيع». ـ صادق على من وهب له مال ، فإنه متى قال له : «وهبتك هذا المال للحج» فقد صدق عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من وجوب الحج وشرائطه.

١٠٤

انه عرضه عليه كما في قوله : «خذ هذا المال وحج به» وحينئذ فتثبت الاستطاعة بمجرد الهبة ، وإذا ثبتت الاستطاعة بمجرد ذلك كان الحج واجبا مطلقا ، ووجب عليه القبول من حيث توقف الواجب عليه ، فان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فيصير القبول من جملة مقدمات الواجب. وحصول الاستطاعة بالهبة لا يتوقف على القبول ليكون الحج قبل القبول واجبا مشروطا ولا يجب تحصيل شرطه ، بل الحج بمجرد العرض عليه ـ بقوله : «وهبتك» أو قوله : «خذ هذا المال» ـ قد صار واجبا مطلقا لحصول الاستطاعة بمجرد ذلك. اللهم إلا أن يناقش في ان قول القائل : «وهبتك هذا المال للحج» لا يصدق عليه انه عرض عليه. وهو في غاية البعد ، قال في القاموس : «عرض الشي‌ء له أظهره له ، وعليه أراه إياه» وحينئذ فمعنى : «عرض عليه ما يحج به» لغة : أراه ما يحج به. والعبارة في الاخبار خرجت مخرج التجوز باعتبار اخباره واعلامه بذلك. ومن ذلك يعلم صدق العبارة المذكورة على الهبة كالبذل بغير هبة.

ولم أر من خرج عن كلام الأصحاب في هذا المقام وألحق الهبة بمجرد البذل سوى السيد السند في المدارك ، واقتفاه الفاضل الخراساني في الذخيرة ، وقبلهما المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، وهو الحق الحقيق بالاتباع وان كان قليل الاتباع.

الثالث ـ قال في المسالك : ولا يشترط في الوجوب بالبذل عدم الدين أو ملك ما يوفيه به بل يجب الحج وان بقي الدين. أقول : وهو كذلك لإطلاق النصوص.

ثم قال : نعم لو بذل له ما تكمل به الاستطاعة اشترط في ماله الوفاء بالدين وكذا لو وهبه مالا مطلقا ، ولو شرط عليه الحج به فكالمبذول.

الرابع ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يجب على

١٠٥

المبذول له اعادة الحج بعد اليسار ، وذهب الشيخ في الاستبصار إلى وجوب الإعادة.

ويدل على الأول صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (١) في صدر المسألة.

احتج الشيخ بما رواه الكليني في الموثق عن الفضل بن عبد الملك (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه أقضى حجة الإسلام؟ قال : نعم ، فإن أيسر بعد ذلك فعليه ان يحج. قلت : هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله؟ قال : نعم قضى عنه حجة الإسلام وتكون تامة وليست بناقصة ، وان أيسر فليحج».

ولا يخفى ان هذا الخبر بالدلالة على خلاف ما يدعيه انسب ، فإنه صريح في كونه قضى حجة الإسلام ، وحينئذ فالأمر بالحج ثانيا محمول على الاستحباب وبذلك صرح في التهذيب فقال بعد حمل الرواية على الاستحباب : يدل على ما ذكرنا من الاستحباب انه إذا قضى حجة الإسلام فليس بعد ذلك إلا الندب والاستحباب.

وبذلك يظهر لك ما في قوله في الاستبصار : واما قوله في الخبر الأول : «ويكون قد قضى حجة الإسلام» المعنى فيه : الحجة التي ندب إليها في حال إعساره فإن ذلك يعبر عنها بحجة الإسلام من حيث كانت أول الحجة. انتهى. وهو في الضعف أظهر من ان يحتاج الى بيان.

وبما ذكرنا يجاب ايضا عن رواية أبي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣)

__________________

(١) ص ٩٩.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٧ وفي الوسائل الباب ١٠ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) الوسائل الباب ٢١ و ٢٣ من وجوب الحج وشرائطه.

١٠٦

قال : «لو ان رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة ، فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج. وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وان كان قد حج».

ويؤكد الاستحباب في هذا الخبر اضافة الناصب ، فإن الأخبار تكاثرت بأنه لا اعادة على الناصب بعد إيمانه في شي‌ء من عباداته التي عملها حال نصبه إلا الزكاة (١) أقول : ومن ما يوضح ذلك بأوضح وجه دلالة الأخبار المتقدمة على حصول الاستطاعة الشرعية بالبذل وانه يجب عليه الحج بذلك ، وهي حجة الإسلام البتة ، وليس بعدها إلا الاستحباب.

التاسعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو كان ذا مال تحصل به الاستطاعة فنازعته نفسه الى النكاح لم يجز صرفه في النكاح وان شق عليه وحصل له العنت بل الواجب صرفه في الحج ، لان الحج مع الاستطاعة واجب والنكاح مندوب ، والمندوب لا يعارض الواجب.

وقال العلامة في التذكرة : لو احتاج الى النكاح وخاف على نفسه العنت قدم الحج ، لانه واجب والنكاح تطوع ، ويلزمه الصبر. وبنحو ذلك صرح المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد ، فإنهما صرحا بوجوب تقديم الحج وان شق عليه ترك النكاح.

وصرح العلامة في المنتهى بتقدم النكاح لو خاف من تركه المشقة العظيمة لحصول الضرر. ونحوه الشهيد في الدروس ايضا. ولا يبعد تقييد كلام الموجبين لتقديم الحج بذلك ايضا ، وان صرحوا بوجوب تقديمه وان حصلت المشقة بترك

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من مقدمة العبادات ، والباب ٣ من المستحقين للزكاة ، والباب ٢٣ من وجوب الحج وشرائطه.

١٠٧

النكاح ، بحمل ذلك على مشقة لا يترتب عليها الضرر.

ولم أقف في المسألة على خبر على الخصوص ، إلا ان ما ذكرناه من ما يستفاد من القواعد الشرعية.

العاشرة ـ لو طلب من فاقد الاستطاعة ان يؤجر نفسه للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة لم يجب عليه القبول ، لما تقرر من ان تحصيل شرط الوجوب ليس بواجب. نعم لو آجر نفسه بمال تحصل به الاستطاعة ـ أو ببعضه إذا كان مالكا للباقي ـ وجب عليه الحج ، لحصول الاستطاعة التي هي شرط الوجوب.

وأورد هنا اشكال وهو ان الوصول إلى مكة والمشاعر قد صار واجبا على الأجير بالإجارة فكيف يكون مجزئا عن حجة الإسلام؟ وما الفرق بينه وبين ناذر الحج في سنة معينة إذا استطاع في تلك السنة لحجة الإسلام؟ حيث حكموا بعدم تداخل الحجتين.

وأجيب بأن الحج الذي هو عبارة عن مجموع الأفعال المخصوصة لم تتعلق به الإجارة وانما تعلقت بالسفر خاصة ، وهو غير داخل في أفعال الحج وانما الغرض منه مجرد انتقال البدن الى تلك الأمكنة ليقع الفعل ، حتى لو تحققت الاستطاعة فانتقل ساهيا أو مكرها أو على وجه محرم ثم اتى بتلك الأفعال صح الحج ، ولا يعتبر وقوعه لأجل الحج قطعا ، وهذا بخلاف نذر الحج في السنة المعينة ، فإن الحج نفسه يصير واجبا بالنذر فلا يكون مجزئا عن حج الإسلام لاختلاف السببين ، مع احتمال التداخل. وسيجي‌ء تحقيق المسألة في محلها ان شاء الله تعالى.

الحادية عشرة ـ اختلف الأصحاب في ما لو لم يكن الرجل مستطيعا وكان

١٠٨

له ولد ذو مال ، فهل يجب على الأب الأخذ من مال ابنه ما يحج به ويحج أم لا؟ قولان :

قال الشيخ في النهاية : ومن لم يملك الاستطاعة وكان له ولد له مال وجب عليه ان يأخذ من مال ولده قدر ما يحج به على الاقتصاد ويحج. وبه قال ابن البراج. وقال في المبسوط والخلاف : روى أصحابنا إذا كان له ولد له مال وجب عليه ان يأخذ من مال ولده قدر ما يحج به ويجب عليه إعطاؤه. ثم قال في الخلاف : ولم يرو أصحابنا في ذلك خلاف هذه الرواية فدل على إجماعهم عليها.

وقال الشيخ المفيد في المقنعة : وان كان الرجل لا مال له ولولده مال فإنه يأخذ من مال ولده ما يحج به من غير إسراف وتقتير.

واستدل له الشيخ في التهذيب (١) بما رواه في الصحيح عن سعيد بن يسار قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير؟ قال : نعم يحج منه حجة الإسلام. قلت : وينفق منه؟ قال : نعم. ثم قال : ان الولد لوالده ، ان رجلا اختصم هو ووالده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقضى ان المال والولد للوالد».

ونقل عن ابن إدريس انه منع من ذلك ، قال : لان مال الولد ليس مالا للوالد. وتبعه من تأخر عنه. وأجاب العلامة في المختلف عن الرواية بالحمل على الاستدانة بعد تحقق الاستطاعة ، أو على من وجب عليه الحج أولا واستقر في ذمته وفرط فيه ثم تمكن من الاقتراض من مال الولد فإنه يلزمه ذلك.

واعترضه في المدارك بان هذا الحمل بعيد جدا ، لمنافاته لما تضمنته الرواية من قضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثم قال : وكيف كان فالأصح ما ذهب إليه المتأخرون ،

__________________

(١) ج ٥ ص ١٥ وفي الوسائل الباب ٣٦ من وجوب الحج وشرائطه.

١٠٩

لأن هذه الرواية لا تبلغ حجة في إثبات هذا الحكم المخالف للأدلة القطعية. انتهى

والفاضل الخراساني في الذخيرة بعد ان ذكر جواب العلامة عن الرواية استبعده ، ثم قال : والعدول عن ظاهر الرواية الصحيحة لا يخلو من اشكال. انتهى.

أقول : لا يخفى ان الروايات قد اختلفت في جواز أخذ الوالد من مال ابنه بغير اذنه ، وكذا وطء جاريته بغير اذنه ، وهذه الرواية إنما خرجت ذلك المخرج الذي خرجت عليه روايات الجواز ، والكلام فيها يترتب على الكلام في تلك الروايات ، والأصحاب (رضوان الله عليهم) اقتصروا على الكلام في هذه الرواية استدلالا وجوابا ، والتحقيق ان هذه الرواية لا خصوصية لها بالبحث عنها بل الواجب هو النظر في جملة روايات المسألة والجمع بينها.

وها انا انقل ما وقفت عليه من الأخبار في ذلك وأبين ما ظهر لي من الوجه فيها :

فمنها ـ ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج إليه الأب؟ قال : يأكل منه. فاما الأم فلا تأكل منه إلا قرضا على نفسها».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة الثمالي عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل : أنت ومالك لأبيك. ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : ما أحب له ان يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج اليه من ما لا بد منه ، ان الله (عزوجل) (لا يُحِبُّ الْفَسادَ)».

وما رواه الكليني عن ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) «في

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به.

١١٠

الرجل يكون لولده مال فأحب أن يأخذ منه؟ قال : فليأخذ. وان كانت امه حية فما أحب ان تأخذ منه شيئا إلا قرضا على نفسها».

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله تعالى مراقدهم) في الصحيح في التهذيب والفقيه عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه؟ قال : يأكل منه ما شاء من غير سرف. وقال : في كتاب علي عليه‌السلام : ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا باذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء. وله ان يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها. وذكر ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لرجل : أنت ومالك لأبيك».

أقول : وصورة رواية الفقيه (٢) لهذا الخبر من قوله : «عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : في كتاب علي عليه‌السلام. الى قوله : وقع عليها» وما زاد أولا وآخرا من الكتابين الآخرين.

وما رواه في التهذيب عن الحسين بن علوان عن زيد بن على عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٣) قال : «اتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان ابي عمد إلى مملوك لي فأعتقه كهيئة المضرة لي؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت ومالك من هبة الله لأبيك ، أنت سهم من كنانته «يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ... وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً» (٤) جازت عتاقة أبيك ، يتناول

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به ، وفي التهذيب ج ٦ ص ٣٤٣ عن ابي عبد الله عليه‌السلام كما في الوسائل عنه.

(٢) ج ٣ ص ٢٨٦. وفي الوسائل الباب ٤٠ من نكاح العبيد والإماء.

(٣) الوسائل الباب ٦٧ من العتق.

(٤) سورة الشورى الآية ٤٩ و ٥٠.

١١١

والدك من مالك وبدنك ، وليس لك ان تتناول من ماله ولا من بدنه شيئا إلا باذنه».

وما رواه الصدوق في كتابي العيون والعلل بسنده فيهما عن محمد بن سنان (١) : «ان الرضا عليه‌السلام كتب إليه في ما كتب من جواب مسائله : وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير اذنه وليس ذلك للولد ، لان الوالد موهوب للوالد في قوله (عزوجل) (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (٢) مع انه المأخوذ بمؤنته صغيرا وكبيرا ، والمنسوب اليه والمدعو له ، لقوله عزوجل (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) (٣) ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت ومالك لأبيك. وليس للوالدة مثل ذلك ، لا تأخذ شيئا من ماله إلا بإذنه أو بإذن الأب ، لأن الوالد مأخوذ بنفقة الولد ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها».

وما رواه الثقة الجليل على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن الرجل تكون لولده الجارية أيطأها؟ قال : ان أحب. وان كان لولده مال وأحب ان يأخذ منه فليأخذ. وان كانت الأم حية فلا أحب أن تأخذ منه شيئا إلا قرضا».

فهذه الأخبار كلها ـ كما ترى على تكاثرها وصحة أسانيد بعضها ـ ظاهرة في موافقة الخبر المتقدم. وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك وقوله : «لان هذه الرواية لا تبلغ حجة. الى آخره» فإنها متى اعتضدت بهذه الأخبار الدالة على ما دلت عليه كانت معها في أعلى مراتب الحجية.

إلا ان ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق على عدم القول بها ، وقد تأولوها بحمل أخذ الوالد على جهة النفقة ، والاخبار المذكورة تنبو عن ذلك ، فإنها قد

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به.

(٢) سورة الشورى الآية ٤٩.

(٣) سورة الأحزاب الآية ٤.

١١٢

اشتملت على منع الام من الأخذ من ماله إلا قرضا ، والابن إلا بإذن الأب. وهذا من ما يدافع الحمل المذكور ، لاشتراك الجميع في وجوب الإنفاق على الغنى منهم ، فيجوز للام الأخذ نفقة ، والابن الأخذ نفقة ، بلا خلاف ولا اشكال.

ومن الاخبار المدافعة لهذه الأخبار ما تقدم في صحيحة الثمالي (١) من قول ابي جعفر عليه‌السلام : «ما أحب له ان يأخذ من مال ابنه. الى آخره». فإنه ظاهر في العدم إلا مع الضرورة.

ومنها ـ ما رواه في الكافي والفقيه عن الحسين بن ابي العلاء (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال : قوته بغير سرف إذا اضطر اليه. قال : فقلت له : فقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له : أنت ومالك لأبيك؟ فقال : إنما جاء بأبيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا ابي وقد ظلمني ميراثي من أمي. فأخبره الأب انه قد أنفقه عليه وعلى نفسه. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت ومالك لأبيك. ولم يكن عند الرجل شي‌ء ، أو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يحبس الأب للابن».

وهذا الخبر وان كان سنده ضعيفا في الكتابين المذكورين ، إلا ان الصدوق رواه أيضا في كتاب معاني الاخبار (٣) عن أبيه عن احمد بن إدريس قال : حدثنا محمد بن احمد عن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن الحسين بن ابي العلاء. وهو ظاهر الصحة إلى الحسين ، وحسن به.

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح الى ابن سنان (٤) قال : «سألته ـ يعني أبا عبد الله عليه‌السلام ـ ما ذا يحل للوالد من مال ولده؟ قال : اما إذا أنفق

__________________

(١) ص ١١٠.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به.

(٣) ص ١٥٥ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به.

١١٣

عليه ولده بأحسن النفقة فليس له ان يأخذ من ماله شيئا. فإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له ان يطأها إلا ان يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه. قال : ويعلن ذلك. قال : وسألته عن الوالد أيرزأ من مال ولده شيئا؟ قال : نعم ، ولا يرزأ الولد من مال والده شيئا إلا بإذنه. فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية فأحب أن يفتضها فليقومها على نفسه قيمة ثم ليصنع بها ما شاء ، ان شاء وطئ وان شاء باع».

قوله : «يرزأ من مال ولده» اي يصيب منه وينتفع به مع بقاء عينه.

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الموثق عن علي بن جعفر عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال : لا ، إلا ان يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف. ولا يصلح للولد ان يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذن والده».

ورواه الحميري في قرب الاسناد (٢) إلا ان فيه : قال : «لا إلا بإذنه ، أو يضطر فيأكل بالمعروف ، أو يستقرض منه حتى يعطيه إذا أيسر».

وفي موثقة إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) : «وان كانت له جارية فأراد أن ينكحها قومها على نفسه ، ويعلن ذلك».

أقول : وبهذه الأخبار أخذ الأصحاب وعليها عملهم ، ولم يحصل الخلاف بينهم إلا في مسألة الحج كما عرفت.

وأنت خبير بان المخالف في هذه المسألة لا معنى لقوله بذلك في خصوص الحج ، بل اللازم عليه اما العمل بهذه الأخبار الدالة على الجواز مطلقا أو تركها

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به.

(٣) الوسائل الباب ٧٩ من ما يكتسب به.

١١٤

جميعا ، لأن رواية الحج من جملة هذه الروايات وليس لها خصوصية بالحج ، بل ذكر الحج فيها انما خرج مخرج التمثيل كخبر الجارية وخبر العتق (١) ومرجع الجميع الى جواز تصرف الوالد في مال ولده كتصرفه في مال نفسه.

بقي الكلام في الجمع بين هذه الاخبار ، فإنك قد عرفت ان ما جمع به الأصحاب بينها ـ من حمل أخذ الأب على كونه على جهة النفقة ـ غير تام. والذي يقرب عندي ـ باعتبار اتفاق الطائفة المحقة قديما وحديثا على عدم العمل بأخبار إنما خرجت مخرج التقية ، ولا سيما ما دل عليه خبر الحسين بن علوان من مزيد التأكيد في هذا الحكم ، فان رجال هذا الخبر كلهم من العامة ، ومستندهم في ذلك يدور على الخبر النبوي (٢) وقد كثر الاحتجاج به في هذه الاخبار على هذا الحكم. مع ان حسنة الحسين بن ابي العلاء صريحة في تأويله وانه لا حجة فيه على ذلك. ويشير الى ذلك أيضا صحيحة الثمالي (٣) فإنه عليه‌السلام بعد ان نقل الحديث النبوي الدال على الحكم المذكور اضرب عنه تنبيها واشارة الى عدم صحته وإلا فكيف ينقله ويفتي بخلافه؟ وبذلك يظهر قوة القول المشهور في المقامين. والله العالم.

الثانية عشرة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان من كان غير مستطيع للحج ثم استؤجر للحج عن غيره فإن حجه ذلك لا يسقط

__________________

(١) ص ١١١ و ١١٢.

(٢) وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت ومالك لأبيك». المتقدم ، ورواه ابن ماجة في سننه ج ٢ ص ٤٤ باب (ما للرجل من مال ولده) وأبو داود في سننه ج ٣ ص ٢٨٩ رقم ٣٥٣٠.

(٣) ص ١١٠.

١١٥

عنه حجة الإسلام بعد الاستطاعة.

ويدل على ما قالوه خبر آدم بن علي عن ابي الحسن عليه‌السلام (١) قال : «من حج عن انسان ولم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه الله تعالى ما يحج به ويجب عليه الحج».

واستدل بعضهم على ذلك بروايتي الفضل بن عبد الملك وابي بصير المتقدمتين (٢) في الفرع الرابع من المسألة الثامنة ، والظاهر انهما ليستا من أدلة هذه المسألة في شي‌ء ، وإنما موردهما من بذل له مال يحج به كما هو موضوع تلك المسألة. نعم ربما أمكن احتمال ذلك في رواية أبي بصير بالنظر الى قوله فيها : «أحجه رجل» فإنه يحتمل أنه أعطاه مالا يحج به عن نفسه ، ويحتمل انه انابه عنه في الحج.

وقد ورد هنا جملة من الاخبار دالة بظاهرها على الاجزاء عن حجة الإسلام وان استطاع بعده :

ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل حج عن غيره ، أيجزئه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال : نعم».

وصحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا ، هل عليه الحج؟ قال : يجزئ عنهما».

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «حج الصرورة يجزئ عنه وعن من حج عنه».

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢١ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) ص ١٠٦.

١١٦

ورواية عمرو بن الياس (١) قال : «حج بي ابي وانا صرورة ، وماتت أمي وهي صرورة ، فقلت لأبي : انى أجعل حجتي عن أمي. قال : كيف يكون هذا وأنت صرورة ، وأمك صرورة؟ قال : فدخل ابي على ابى عبد الله (عليه‌السلام) وانا معه ، فقال : أصلحك الله تعالى ، انى حججت بابني هذا وهو صرورة وماتت امه وهي صرورة ، فزعم انه يجعل حجته عن امه؟ فقال : أحسن ، هي عن امه أفضل ، وهي له حجة».

وقد ورد بإزاء هذا الخبر ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار عن بكر بن صالح (٢) قال : «كتبت الى ابى جعفر (عليه‌السلام) : ان ابني معي وقد امرته ان يحج عن أمي ، أيجزئ عنهما حجة الإسلام؟ فكتب : لا. وكان ابنه صرورة وكانت امه صرورة».

وحمله الشيخ على ما إذا كان للابن مال. وهو مؤذن بقوله بالاجزاء لو لم يكن له مال. وأنت خبير بأنه لو لا صحيحة جميل المذكورة لأمكن حمل هذه الأخبار على ما دلت عليه رواية آدم بن علي من حمل الاجزاء على الاجزاء الى اليسار ، إلا ان صحيحة جميل صريحة في الاجزاء ولو استطاع بعد ذلك.

وأجاب المحقق الشيخ حسن عنها في المنتقى بالطعن في متنها ، قال بعد نقل الخبر المذكور : وربما تطرق اليه الشك لقصور متنه حيث تضمن السؤال أمرين والجواب إنما ينتظم مع أحدهما ، فإن قوله : «يجزئ عنهما» يناسب مسألة الحج عن الغير ، واما حكم من أحجه غيره فيبقى مسكوتا عنه ، مع ان اصابة المال

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٨ ، وفي الوسائل الباب ٢١ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ٦ من النيابة في الحج.

١١٧

إنما ذكرت معه ، وذلك مظنة الريب أو عدم الضبط في حكاية الجواب ، فيشكل الالتفات إليه في حكم مخالف لما عليه الأصحاب. انتهى.

أقول : لقائل أن يقول : ان المسؤول عنه وان كان رجلا واحدا حج عن غيره أو أحجه رجل ثم أصاب بعد الحج ـ على أحد الوجهين ـ مالا ، إلا انه يرجع في المعنى الى فردين : رجل حج عن غيره ، ورجل أحجه غيره ، وعلى هذا بنى الجواب ، فأجاب عليه‌السلام بان من حج عن غيره فأصاب مالا ، ومن أحجه غيره ثم أصاب مالا ؛ فان حج كل منهما مجزئ عنهما ولا يجب عليهما الإعادة بعد حصول المال. وهذا الوجه ـ بحمد الله تعالى ـ واضح الظهور لا يعتريه القصور وعلى هذا تبقى المسألة في قالب الاشكال.

والسيد السند في المدارك ـ بعد نقل صحيحة معاوية بن عمار الاولى ثم صحيحة جميل ـ قال : وأجاب الشيخ في الاستبصار عن الرواية الأولى بالحمل على ان المراد بحجة الإسلام الحجة المندوب إليها في حال الإعسار دون التي تجب في حال اليسار. وهو تأويل بعيد ، مع انه لا يجري في الرواية الثانية. إلا انه لا خروج عن ما عليه الأصحاب. انتهى.

وفيه انه قد خالف الأصحاب في غير موضع من شرحه هذا ، وان لم يبلغ الدليل الذي في خلافهم الى ما بلغت اليه هذه الاخبار ، كما نبهنا عليه في غير موضع من شرحنا على هذا الكتاب.

والفاضل الخراساني ـ بعد البحث في المسألة ونقل كلام الشيخ حسن المتقدم ـ قال : والمسألة عندي محل اشكال. وهو كذلك لما عرفت.

ولو لا ما يظهر من اتفاق الأصحاب قديما وحديثا على الحكم المذكور لكان القول بما دلت عليه هذه الاخبار في غاية القوة. والله العالم.

١١٨

المسألة الثالثة عشرة (١) ـ قال الشيخ في النهاية : من غصب غيره مالا لا يجوز ان يحج به ، فان حج به لم يجزئ عن حجة الإسلام.

وقال ابن إدريس بعد نقل ذلك عنه وكلام في البين : فاما الحج بهذا المال فان كانت حجة الإسلام لم تجب عليه قبل ذلك ولا استقرت في ذمته ثم حج بهذا المال الحرام ووجد بعد ذلك القدرة على الحج بالمال الحلال وحصلت له شرائط وجوب الحج ، فان حجته الاولى بالمال الحرام لم تجزئه والواجب عليه الحج ثانيا ، وان كان قد وجب عليه واستقر في ذمته قبل غصب المال ثم حج بذلك المال فالحجة مجزية عنه ، لانه قد حصل بالمواضع وفعل أفعال الحج بنفسه ، إلا الهدى ان كان اشتراه بعين المال المغصوب فلا يجزئه عن هديه الواجب عليه ، ووجب عليه شراء هدي أو الصوم بدلا منه ، إلا انه لا يفسد حجة لأن الهدي ليس بركن. انتهى.

وقال العلامة في المختلف بعد نقل القولين المذكورين وكلام في البين : واما الحج فمراد الشيخ انه حج حجة الإسلام بذلك المال من غير ان يسبق وجوبها عملا بالأصل ، ولو كان قد سبق الوجوب احتمل عدم الإجزاء أيضا ، لأنه لا يجوز له أداء المناسك قبل دفع المال الى مالكه ، فالزمان الذي صرفه في الحج قد كان يجب فيه صرف المال الى ربه ، فيكون الحج حينئذ باطلا إذا لم يمكن الجمع بين الحج ودفع المال. انتهى.

أقول : ظاهر كلام العلامة (رحمه‌الله) موافقة ابن إدريس في ما ذكره من التفصيل ولذا حمل كلام الشيخ على ذلك ، واما ما ذكره من الاحتمال لو سبق

__________________

(١) هذه المسألة شطب عليها في النسخة المطبوعة ، وهي موجودة في بعض النسخ الخطية بالترتيب الذي أوردناه.

١١٩

الوجوب فهو مبني على مذهبه (قدس‌سره) من القول بان الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده الخاص. وقد أوضحنا في غير موضع من ما تقدم ضعف العمل بهذه القاعدة.

والوجه في ما ذكروه من التفصيل ، اما صحة الحج مع تقدم استقراره في الذمة ، فلما تقدم في كلام ابن إدريس ، واما عدم الصحة مع عدم ذلك فالظاهر انه من حيث عدم حصول الاستطاعة للحج ، فهو ليس بمستطيع له ولا مخاطب به فيكون من قبيل تكلف الحج من غير ان يجب عليه ، وقد تقدم عنهم أنه غير مجزئ عن حجة الإسلام بل تجب عليه الإعادة متى حصلت له الاستطاعة.

وقد أوضحنا في صدر البحث ما ظهر لنا من الآية والأخبار في هذا المقام ، وبمقتضي ما حققنا ثمة انه لا فرق بين الصورتين في الاجزاء.

إلا ان ظواهر الأخبار الواردة في هذا المقام هو بطلان الحج بالمال الحرام مطلقا :

ومنها ـ ما رواه في الفقيه مرسلا (١) قال : روى عن الأئمة (عليهم‌السلام) انهم قالوا : «من حج بمال حرام نودي عند التلبية : لا لبيك عبدي ولا سعديك».

وما رواه في كتاب الخصال عن ابان ـ والظاهر انه ابن عثمان الأحمر ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «اربع لا يجزن في أربع : الخيانة والغلول والسرقة والربا : لا يجزن في حج ولا عمرة ولا جهاد ولا صدقة». ورواه في الفقيه عن ابان بن عثمان مثله (٣).

وما رواه في كتاب المجالس في الصحيح عن محمد بن مسلم ومنهال القصاب

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٥٢ من وجوب الحج وشرائطه.

١٢٠