الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

تأويله بالحمل على الاعتكاف الواجب كما صرح به المحقق وغيره.

أقول : ويمكن ايضا ان يستند الشيخ في ذلك الى إطلاق روايتي عبد الرحمن ابن الحجاج وابى بصير المتقدمتين (١) من حيث دلالتهما على وجوب القضاء على الحائض بعد الطهر والمريض بعد البرء ، فان هذا الإطلاق إنما يتجه بناء على الوجوب بمجرد الشروع ، إلا ان قضية الجمع بينهما وبين صحيحتي محمد بن مسلم (٢) وأبى عبيدة (٣) الآتيتين تخصيص هذا الإطلاق بالصحيحتين المذكورتين.

واما القول الثاني فاستدل عليه في المختلف بأصالة عدم الوجوب وبراءة الذمة وبأنها عبادة مندوبة فلا تجب بالشروع فيها كغيرها من التطوعات. وفارقت الحج لورود الأمر فيه دون صورة النزاع ، ولان اليوم الأول والثاني متساويان فلو اقتضى الثاني وجوب الإتمام لاقتضاه الأول.

وفيه ان ما ذكره يتجه في الرد على القول الأول حيث لا دليل عليه دون القول الثالث لان الدليل عليه موجود ، وحينئذ فما ذكره من الاستدلال بالأصل مردود بأن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل وسيأتي ان شاء الله تعالى. وباقي ما استدل به لا معنى له في مقابلة النص الصحيح الصريح في ذلك.

واما القول الثالث فيدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف ، وان أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضى ثلاثة أيام».

وما رواه في الصحيح عن ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه‌السلام في حديث (٥) قال «من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار ان شاء زاد ثلاثة أيام أخر وان شاء

__________________

(١) ص ٤٧٧.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤ من الاعتكاف.

٤٨١

خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر».

وأجاب العلامة عن هذين الخبرين بالطعن في السند بان فيه على بن الحسن بن فضال ثم حملهما على الاستحباب.

وفيه ان ما ذكره من الطعن مبنى على رواية الشيخ في التهذيب (١) واما على رواية الكافي (٢) فهما في أعلى مراتب الصحة. وبه يظهر ان هذا القول أقوى الأقوال المذكورة في المسألة.

واما القول الرابع فالظاهر رجوعه الى القول الثالث ولهذا لم يعده أصحابنا قولا في المسألة لما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في مسألة الاشتراط.

واما ما ذكره في الذخيرة ـ حيث رجح القول الثاني فقال بعد نقل الصحيحتين المتقدمتين : ودلالتهما على الوجوب غير واضحة لجواز ان يكون المراد شدة تأكد الاستحباب. ثم قال بعد نقل حجة القول الثاني بأنه عبادة مندوبة فلا يجب بالشروع كالصلاة المندوبة : ولعل غرضه ان الأصل في العبادات المندوبة ان لا تجب إلا بدليل ولا دليل على الوجوب في ما نحن فيه فيكون مندوبا. وهذا القول لا يخلو من قوة ـ

فهو من جملة تشكيكاته الواهية وذلك فإنه ان أريد بوضوح الدلالة في الخبرين المذكورين عدم قبول الاحتمال بالكلية وان بعد فهو ممنوع إذ على تقدير هذا لا تقوم حجة على مطلب من المطالب ، لان مفاهيم الألفاظ لا تنبو عن قبول الاحتمالات والحمل على المجازات فلا لفظ إلا وهو قابل للاحتمال ، وحينئذ فلا حجة إلا وللمنازع فيها مجال وبذلك ينسد باب الاستدلال ، فكيف له بإثبات أدلة الإمامة على المخالفين وأدلة النبوة والتوحيد على الكفار والمشركين؟

__________________

(١) ج ٤ ص ٢٨٨ و ٢٨٩.

(٢) ج ١ ص ٢١٢.

٤٨٢

بل التحقيق الذي عليه المحققون انه ينظر الى ما يتسارع الى الذهن من اللفظ وما يتبادر الى الفهم منه وما عضدته قرائن المقام فيؤخذ به وعليه يبنى الاستدلال ولا يلتفت الى ما يعارضه من الاحتمال.

وما اشتهر في كلامهم ودار على السنة أقلامهم ـ من قولهم : إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال ـ فكلام شعري وتمويه جدلي لما عرفت.

نعم متى حصل المعارض الراجح يمكن الرجوع الى التأويل لضرورة الجمع بين الدليلين ، واى ظاهر في التحريم أظهر من قوله عليه‌السلام في الرواية الأولى (١) «فليس له ان يفسخ اعتكافه حتى تمضى ثلاثة أيام» وقوله في الثانية (٢) «فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر».

وليت شعري إذا كانت الأوامر الواردة في الاخبار لا تدل على الوجوب والنواهي لا تدل على التحريم كما تكرر منه في كتابه وأمثال هذه العبارات لا تدل على وجوب ولا تحريم فلأي شي‌ء أخرجت هذه الاخبار ، وهل هذا الكلام إلا موجب لرفع التكليف بالكلية وإبطال الشريعة ، إذ لا وجوب عنده ولا تحريم في حكم من الأحكام الشرعية لطعنه في الأخبار بعدم الدلالة على ذلك في جميع الموارد واللازم منه ما ذكرناه نعوذ بالله من زيغ الافهام وطغيان الأقلام.

المسألة الثالثة ـ قد اتفقت كلمة الأصحاب والأخبار على انه يستحب للمعتكف أن يشترط على ربه في الاعتكاف انه إذا عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف.

ومن الأخبار في ذلك ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد في الموثق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا اعتكف العبد فليصم ،. وقال : لا يكون اعتكاف أقل من ثلاثة أيام ،. واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض ان عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله».

__________________

(١ و ٢) ص ٤٨١ و ٤٨٢.

(٣) التهذيب ج ٤ ص ٢٨٩ وفي الوسائل الباب ٢ و ٤ و ٩ من الاعتكاف. ارجع الى الاستدراكات.

٤٨٣

وما رواه الكليني والصدوق في القوى عن ابى بصير عن ابى عبد الله (١) قال : «لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام ، ومن اعتكف صام ، وينبغي للمعتكف إذا اعتكف ان يشترط كما يشترط الذي يحرم».

وما رواه الكليني والصدوق في الصحيح عن ابى ولاد (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد الى بيتها فتهيأت لزوجها حتى واقعها؟ فقال : ان كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضى ثلاثة أيام ولم يكن اشترطت في اعتكافها فان عليها ما على المظاهر».

وما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف ، وان أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له ان يفسخ اعتكافه حتى تمضى ثلاثة أيام».

أقول : والكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع :

الأول ـ ظاهر قوله عليه‌السلام في رواية عمر بن يزيد ـ «واشترط على ربك في اعتكافك» وقوله في رواية أبي بصير «وينبغي للمعتكف إذا اعتكف ان يشترط» وقوله في صحيحة أبي ولاد «ولم يكن اشترطت في اعتكافها» ـ ان محل هذا الاشتراط وقت الدخول في الاعتكاف ونيته أعم من أن يكون متبرعا به أو منذورا.

إلا ان المفهوم من كلام جملة من الأصحاب كالعلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر والشهيد في الدروس ان محل هذا الشرط في الاعتكاف المنذور إنما هو النذر دون الاعتكاف.

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٢١٢ والفقيه ج ٢ ص ١٢١ وفي الوسائل الباب ٤ و ٢ و ٩ من الاعتكاف.

(٢) الوسائل الباب ٦ من الاعتكاف.

(٣) الوسائل الباب ٤ من الاعتكاف.

٤٨٤

قال في المنتهى : تفريع ـ الاشتراط إنما يصح في عقد النذر اما إذا أطلقه من الاشتراط على ربه فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف. وقال في المعتبر : اما إذا أطلقه من الاشتراط على ربه فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف وانما يصح في ما يبدأ به من الاعتكاف لا غير. ونحوه في الدروس وغيره.

وهو مشكل لان المستند في هذا الاشتراط إنما هو الاخبار المذكورة وهي كما عرفت انما دلت على ان محله الاعتكاف والاعتكاف على وجه النذر لم يرد به خبر بالكلية فضلا عن خبر يدل على إيقاع هذا الشرط فيه وانما أخذوا أحكامه من هذه الأخبار المطلقة في الاعتكاف.

ولم أر من تنبه لذلك إلا السيد في المدارك حيث قال بعد نقل ذلك عنهم : ولم أقف على رواية تدل على ما ذكروه من مشروعية اشتراط ذلك في عقد النذر وإنما يستفاد من النصوص ان محل ذلك نية الاعتكاف مطلقا ، ولو قيل بجواز اشتراطه في نية الاعتكاف المنذور إذا كان مطلقا لم يكن بعيدا خصوصا على ما أشرنا إليه سابقا من مساواته للمندوب في عدم وجوب المضي فيه إلا بمضي يومين. ولو قلنا ان اشتراط الخروج إنما يسوغ عند العارض وفسرناه بالأمر الضروري جاز اشتراطه في المنذور المعين ايضا. انتهى.

أقول : كأن مبنى ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه متى لم يذكر الشرط في النذر فإنه يجب الاعتكاف بالنذر البتة ، ولا أثر لهذا الشرط بعد وجوبه بل يجب الإتيان به كيف كان إلا ان يحصل العذر الضروري المانع من إتمامه وهو مجوز للخروج منه وان لم يشترط بلا خلاف ولا اشكال ، واما اشتراط الخروج اقتراحا كما هو أحد القولين فإنه لا يجرى هنا لوجوب الاعتكاف بالنذر فلا يجوز الخروج منه بلا عذر شرعي.

ثم انه على تقدير حصول الشرط في المندوب فمقتضى ما قدمناه من عبارة الشيخ في المبسوط في أول المسألة الثانية انه يرجع ما لم يمض يومان وهو مبنى على

٤٨٥

وجوب الاعتكاف عنده بمجرد الشروع كما تقدم. واحتج على عدم الرجوع بعد مضى يومين بان الشرط إنما يؤثر في ما يوجبه الإنسان على نفسه والثالث واجب بأصل الشرع وسببه مضى اليومين. وعلى المشهور وهو قوله في النهاية انه يرجع ولو بعد مضى يومين عملا بمقتضى الشرط.

الثاني ـ المستفاد من رواية عمر بن يزيد (١) ـ وقوله عليه‌السلام : «واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك». ومثلها رواية أبي بصير ـ هو تقييد ذلك بالعارض كما في الحج فلا يجوز اشتراط ذلك اقتراحا بان يقول : ولي الرجوع إذا شئت.

والمفهوم من عبائر كثير من الأصحاب هو جواز اشتراط الخروج مطلقا ، قال المحقق في الشرائع : ولو شرط في حال فعله (٢) الرجوع إذا شاء كان له ذلك أى وقت شاء. وبه قطع في الدروس فقال ـ بعد أن ذكر انه يستحب أن يشترط في اعتكافه الرجوع مع العارض كالمحرم فيرجع عند العارض وان مضى يومان على الأقرب وفاقا للنهاية ـ ولو شرط الرجوع متى شاء اتبع ولم يتقيد بالعارض.

وظاهر جملة من الأصحاب عدم جواز ذلك وتخصيص الجواز باشتراط الرجوع مع العارض كما ذكرناه ، قال العلامة في التذكرة : إنما يصح اشتراط الرجوع مع العارض فلو شرط الجماع في اعتكافه أو الفرجة أو التنزه أو البيع أو الشراء للتجارة أو التكسب بالصناعة في المسجد لم يجز. وبذلك قطع في المسالك.

وهذا هو الظاهر من الأخبار كما عرفت. واما ما ذكروه من جواز اشتراط الرجوع مطلقا فلا أعرف له دليلا.

الثالث ـ ما تضمنته صحيحة أبي ولاد (٣) من قوله عليه‌السلام : «ان كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضى ثلاثة أيام. إلى آخر الخبر». يمكن أن يستدل به للشيخ في ما ذهب اليه من الوجوب بالشروع في المندوب ، فان ترتب الكفارة مع عدم

__________________

(١) ص ٤٨٣.

(٢) في الشرائع «ولو شرط في حال نذره».

(٣) ص ٤٨٤.

٤٨٦

الاشتراط على الخروج قبل مضى الثلاثة ظاهر في ذلك لصدقه بمضي يوم أو في اليوم الثاني ، فلو لم يكن واجبا لما ظهر لترتب الكفارة وجه.

ويمكن ان يجاب بتخصيصه بما تقدم من الخبرين الدالين على جواز الخروج في اليومين فيحمل على الخروج في الثالث ، أو يقال ان معنى قوله : «قبل ان تمضى ثلاثة أيام» يعني قبل إتمام الثالث ، أو يحمل على ان اعتكافها كان واجبا مطلقا.

الرابع ـ ظاهر ما تقدم من الاخبار الدالة على انه يشترط في اعتكافه كما يشترط في إحرامه هو ان يقول : «ان تحلني حيث حبستني» ومقتضى ذلك ان هذا الشرط إنما هو بالنسبة إلى الأعذار المانعة من الإتمام من جهته (عزوجل) ويؤيد ذلك قوله عليه‌السلام في رواية عمر بن يزيد «عند عارض ان عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله تعالى» وظاهر صحيحة أبي ولاد وكذا صحيحة محمد بن مسلم ما هو أعم من ذلك ، اما صحيحة أبي ولاد فإنها قد دلت على سقوط الكفارة عن المرأة في تلك الحال مع الاشتراط مع ان حضور الزوج ليس من الأعذار التي من جهته (عزوجل) حتى يسوغ الخروج بها من الاعتكاف ، واما صحيحة محمد بن مسلم فإنها تدل بمفهومها على ان للمعتكف ان يفسخ الاعتكاف بعد اليومين مع الاشتراط لا بدونه ، وظاهر ذلك انه يسوغ له الخروج بمجرد الشرط وان لم يكن بعذر ضروري ، والمنافاة بين هذين الخبرين والخبرين الأولين ظاهرة ولعل من جوز شرط الرجوع متى شاء انما استند الى ظاهر هذين الخبرين. والجمع بين الأخبار هنا لا يخلو من اشكال.

واما ما ذكره في المدارك ـ من أن المراد بالعارض هنا ما هو أعم من العارض المشترط في الحج باعتبار كون ذلك لا بد ان يكون من الأعذار المانعة من الإتمام وهنا يكفى مسمى العارض كحضور الزوج من السفر ـ ففيه أولا ـ

ما قدمناه من ان المستفاد من خبري عمر بن يزيد وابى بصير المشتملين على تشبيه هذا الشرط بشرط المحرم ـ وشرط المحرم هو ان يحله حيث

٤٨٧

حبسه المؤيد بقوله في آخر رواية عمر بن يزيد «من علة تنزل بك من أمر الله» ـ انه لا يكفى مجرد العارض.

وثانيا ـ ان رواية محمد بن مسلم (١) قد دلت على جواز الخروج بمجرد الشرط وان لم يكن ثم عارض بل ليس إلا مجرد فسخ الاعتكاف والخروج منه. على ان مجرد حضور الزوج ليس بعارض يجوز أن يترتب عليه الخروج بل لو أرادت الخروج لأمر إرادته فإن ظاهر الخبر الجواز وحضور الزوج انما جرى مجرى التمثيل فلا خصوصية له ، وبالجملة فظاهر الخبر ترتب جواز الخروج على الشرط لأي غرض كان.

الخامس ـ لا يخفى ان فائدة هذا الشرط تدور مدار الشرط المذكور ، فان كان شرطا في جواز الرجوع عند العارض أو متى شاء كما هو أحد الأقوال المتقدمة فإنه يجوز له الرجوع وان مضى اليومان في المندوب أو كان واجبا بالنذر وشبهه ، وان خصصنا الشرط بالعذر الذي يكون من جهته (عزوجل) كالمرض والحيض والخوف ونحو ذلك فإنه يسوغ له الخروج ايضا.

لكن لا يخفى انه في هذه الصورة يسوغ له الخروج وان لم يشترط فلا يظهر لهذا الشرط ثمرة ولا يترتب عليه أثر ، إلا أن يقال بأن فائدة هذا الشرط مجرد التعبد وترتب الثواب عليه كما هو أحد الاحتمالات في شرطه في الإحرام.

وقد ذكر بعض الأصحاب ان فائدته على هذا القول سقوط القضاء لو رجع من الاعتكاف في الواجب المعين ، اما الواجب المطلق اعنى ما لم يعين في وقت ففي وجوب الإتيان به بعد ذلك قولان فعن المعتبر والدروس والمسالك وجوب الإتيان به.

قال الشيخ في النهاية : متى شرط جاز له الرجوع فيه أى وقت شاء فان لم يشترط لم يكن له الرجوع فيه إلا أن يكون أقل من يومين فان مضى عليه يومان وجب

__________________

(١) ص ٤٨١.

٤٨٨

عليه إتمام ثلاثة أيام. وقد تقدم في صدر المسألة الثانية انه قال : إذا شرط المعتكف على ربه انه ان عرض له عارض رجع فيه فله الرجوع اى وقت شاء ما لم يمض له يومان فان مضى له يومان وجب عليه إتمام الثالث. الى آخره.

والقول الأول هو المطابق لصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١).

وفصل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وقبله المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى في الاعتكاف المنذور تفصيلا ينتهي إلى ثمانية أقسام :

قال في المسالك : ثم الاعتكاف المنذور ينقسم باعتبار الشرط وعدمه إلى ثمانية أقسام ، لأنه اما ان يكون معينا بزمان أولا ، وعلى التقديرين اما ان يشترط فيه التتابع لفظا أو لا ، وعلى التقادير الأربعة اما ان يشترط على ربه الرجوع ان عرض له عارض أو لا ، فالأقسام ثمانية ، وقد عرفت حكم الأربعة التي لم يشترط فيها واما مع الشرط فله الرجوع مع العارض. ثم ان كان الزمان معينا لم يجب قضاء ما فات في زمن العارض سواء اشترط التتابع أم لا ، وان كان مطلقا ولم يشترط التتابع ففي وجوب قضاء ما فات أو الجميع ان نقص ما فعله من ثلاثة قولان أجودهما القضاء وفاقا للمصنف في المعتبر ، ولو شرط التتابع فالوجهان. انتهى.

أقول : ان أردت تفصيل الكلام في هذه الوجوه الثمانية على وجه أظهر فنقول : اما الأربع التي أشار إليها بأنه تقدم حكمها وهي الخالية عن ذكر الاشتراط على ربه فأحدها ـ ان يعين ويشترط التتابع ولا يشترط على ربه ، والحكم فيها ما تقدم في الفرع الخامس من فروع الشرط الخامس من الخلاف في إعادة الجميع أو البناء على ما فعل ان كان ثلاثة فصاعدا. الثانية ـ أن يعين ولا يشترط التتابع ولا يشترط على ربه ، والحكم فيها انه بعد عروض العارض يخرج ويبنى على ما فعل بعد زوال العارض ويأتي بالباقي ان كان ما فعله ثلاثة فصاعدا وإلا أعاد الجميع. الثالثة ـ ان يطلق ويشترط التتابع ولا يشترط على ربه ، والحكم فيها القضاء متتابعا

__________________

(١) ص ٤٥٩ و ٤٨١ و ٤٨٤.

٤٨٩

بعد زوال العارض كما تقدم في الفرع المشار اليه آنفا عن العلامة في المختلف وبه صرح المحقق في المعتبر ايضا ، واستشكله العلامة في التذكرة على ما نقله في المهذب بأنه بالشروع فيه صار واجبا فيكون كالمعين فيبني على ما مضى منه كما تقدم في المعين. والظاهر ضعفه. الرابعة ـ أن يطلق ولا يشترط التتابع ولا يشترط على ربه ، والحكم فيها انه يخرج للعارض المذكور ويستأنف بعد زواله ان لم يكن حصل له ثلاثة أيام وإلا أتم ما بقي. الخامسة ـ ان يعين ويشترط التتابع ويشترط على ربه ، والحكم فيها انه يخرج ولا يجب عليه الإتمام للعارض المذكور ولا القضاء لعدم الدليل عليه. السادسة ـ أن يعين ولا يشترط التتابع ويشترط على ربه ، والحكم فيها كما في سابقتها. السابعة ـ ان يطلق ويشترط التتابع ويشترط على ربه ، والحكم فيها انه بعد زوال العارض يرجع ويستأنف إلا ان يكون قد أتى بثلاثة أيام فيأتي بما بقي. الثامنة ـ أن يطلق ولا يشترط التتابع ويشترط على ربه ، والحكم فيها كما في سابقتها. وقد تقدم في كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ما يؤذن بالخلاف في هذه الصورة وسابقتها واليه أشرنا قبل ذلك ، والمسألة محل تردد ينشأ من حيث ان مقتضى الشرط السقوط ومن حيث اتساع الوقت لكون النذر مطلقا وانه من حيث ذلك فكل زمان صالح لإيقاع النذر فيه.

وينبغي التنبيه هنا على أمور ثلاثة :

الأول ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان اشتراط التتابع انما هو في النذر ليكون لازما لا في الاعتكاف على قياس ما تقدم نقله عنهم من الشرط في الاعتكاف ان يحله حيث حبسه فإنهم أوجبوه في صيغة النذر.

الثاني ـ ما تقدم من البحث كله في ما لو خرج لعارض وهو المانع من إتمام الاعتكاف كالمرض ونحوه ولو كان لا لذلك وجبت الكفارة في جميع الصور المذكورة.

٤٩٠

الثالث ـ وجوب التتابع بعد زوال العارض متى نذره متتابعا إنما يجب لو وقع في الوقت المنذور كأن ينذر شهرا متتابعا فيحصل العارض في أثنائه ثم يزول وقد بقي منه بقية ، اما لو كان بعد خروج الشهر فإنه لا يجب التتابع لأنه إنما وجب بالنذر في أصل الفعل وأدائه لا في قضائه.

المسألة الرابعة ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يحرم على المعتكف أمور :

منها ـ مباشرة النساء جماعا ولمسا وتقبيلا بشهوة في الأخيرين فلو لم يكونا عن شهوة لم يحرم ذلك.

واستندوا في ذلك الى عموم قوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (١) فإنه يتناول الجميع.

ويظهر من كلام الشيخ في التهذيب تخصيص التحريم بالجماع دون الفردين الأخيرين ، والظاهر انه لا خلاف في فساد الاعتكاف بالجماع ، وفي فساده بالأخيرين قولان نقل أولهما في المختلف عن ابن الجنيد والشيخ في المبسوط ، وزاد ابن الجنيد النظر الى محرم بشهوة ، واختار في المختلف عدم الإفساد. ونقل في المختلف عن الشيخ في المبسوط الاحتجاج على ذلك بالنهي في الآية عن المباشرة ، قال : وهو عام في كل مباشرة أنزل أولا والنهى يدل على فساد المنهي عنه (٢).

أقول : والمسألة عندي بالنسبة إلى إبطال الاعتكاف بالمباشرة والتقبيل بشهوة محل توقف اما التحريم فلا ريب فيه لظاهر الآية.

واما تحريم الجماع والإفساد به فيدل عليه ما رواه في الكافي في الموثق عن الحسن بن الجهم عن ابى الحسن عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن المعتكف يأتي أهله؟

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٤.

(٢) لا يخفى ان القول المنقول في المختلف عن الشيخ والاحتجاج عليه انما نسبه فيه الى الخلاف ، راجع المختلف ج ٢ ص ٨٣ من كتاب الصوم.

(٣) الوسائل الباب ٥ من الاعتكاف.

٤٩١

فقال : لا يأتي امرأته ليلا ولا نهارا وهو معتكف».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المعتكف يجامع؟ قال : إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر». ورواه الكليني والشيخ مثله (٢).

وما رواه في الموثق عن سماعة (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن معتكف واقع أهله؟ قال : هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان».

قال الصدوق (٤) : وقد روى انه ان جامع بالليل فعليه كفارة واحدة وان جامع بالنهار فعليه كفارتان.

وبإسناده عن محمد بن سنان عن عبد الأعلى بن أعين (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال : عليه الكفارة. قال : قلت فإن وطأها نهارا؟ قال عليه كفارتان».

وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة بن مهران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «سألته عن معتكف واقع أهله؟ قال : عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا : عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا».

وقد تقدمت (٧) صحيحة أبي ولاد الواردة في خروج المرأة التي بلغها قدوم زوجها وتهيأت لزوجها حتى واقعها وان عليها من الكفارة ما على المظاهر ان خرجت قبل ان تنقضي أيامها ولم يكن قد اشترطت.

ومنها ـ شم الطيب على المشهور وخالف فيه الشيخ في المبسوط فحكم بعدم تحريمه

والأظهر القول المشهور لما رواه الكليني في الصحيح عن ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٨) قال : «المعتكف لا يشم الطيب ولا يتلذذ بالريحان ولا يماري ولا يشترى ولا يبيع».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٦ من الاعتكاف.

(٧) ص ٤٨٤.

(٨) الوسائل الباب ١٠ من الاعتكاف.

٤٩٢

ومنها ـ البيع والشراء ، ويدل عليه صحيحة ابى عبيدة المتقدمة.

والقول بالتحريم من ما لا خلاف فيه وإنما الخلاف في فساد الاعتكاف بذلك فقال الشيخ في المبسوط : لا يفسد الاعتكاف جدال ولا خصومة ولا سباب ولا بيع ولا شراء وان كان لا يجوز له فعل ذلك اجمع.

وقال ابن إدريس : الأولى عندي ان جميع ما يفعله المعتكف من القبائح ويتشاغل به من المعاصي والسيئات يفسد اعتكافه واما ما يضطر اليه من أمور الدنيا من الأفعال المباحات فلا يفسد به اعتكافه ، لأن حقيقة الاعتكاف في عرف الشرع هو اللبث للعبادة والمعتكف اللابث للعبادة إذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إليها فما لبث للعبادة. وظاهر هذا الكلام بطلان الاعتكاف بفعل جميع المباحات التي لا حاجة إليها.

واعترضه العلامة في المختلف فقال : ونحن نطالبه بوجه ما قاله ، واحتجاجه أضعف من ان يكون شبهة فضلا عن كونه حجة ، فان الاعتكاف لو شرط فيه دوام العبادة بطل حالة النوم والسكوت وإهمال العبادة وليس كذلك بالإجماع.

وقال في المنتهى : كل ما يقتضي الاشتغال بالأمور الدنيوية من أصناف المعايش ينبغي القول بالمنع منه عملا بمفهوم النهى عن البيع والشراء.

واعترضه في المدارك بأنه غير جيد لأن النهي عن البيع والشراء لا يقتضي النهي عن ما ذكره بمنطوق ولا بمفهوم ، نعم ربما دل عليه بالعلة المستنبطة وهي غير معتبرة عندنا.

ثم قال في المنتهى : الوجه تحريم الصنائع المشغلة عن العبادة كالخياطة وشبهها إلا ما لا بد منه.

وما أورده عليه في المدارك جار هنا أيضا إذ لا دليل على ما ذكره (قدس‌سره) في المقامين. وما أبعد ما بين كلامه هنا وكلامه في المختلف على ابن إدريس كما لا يخفى.

٤٩٣

وكيف كان فالظاهر انه يجب ان يستثني من البيع والشراء ما تدعو الحاجة إليه كشراء ما يضطر اليه من المأكول والملبوس وبيع ما يكون وصلة الى شراء ذلك.

ومنها ـ المماراة وعليه تدل صحيحة ابى عبيدة المتقدمة (١).

قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك : المراء لغة الجدال والمماراة المجادلة ، والمراد به هنا المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لمجرد إثبات الغلبة أو الفضيلة كما يتفق لكثير من المتسمين بالعلم ، وهذا النوع محرم في غير الاعتكاف وقد ورد التأكيد في تحريمه في النصوص (٢). وإدخاله في محرمات الاعتكاف اما بسبب عموم مفهومه أو لزيادة تحريمه في هذه العبادة كما ورد في تحريم الكذب على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصيام ، وعلى القول بفساد الاعتكاف بكل ما حرم فيه تتضح فائدته. ولو كان الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرد إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ كان من أفضل الطاعات. والمائز بين ما يحرم منه وما يحب أو يستحب النية فليحترز المكلف من تحويل الشي‌ء من كونه واجبا الى جعله من كبائر القبائح. انتهى.

وهو حسن إلا ان في تنظيره بتحريم الكذب على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصيام نظرا بناء على ان المستفاد من الاخبار وان اعرض عن القول به جمهور الأصحاب هو إبطال الصيام بذلك كما مر بيانه. نعم ما ذكره يتجه بناء على قولهم بمجرد التحريم دون الابطال.

هذا ما اطلعت عليه من المحرمات التي دلت عليها الاخبار.

وفي المقام فوائد

الأولى ـ نقل العلامة في المختلف عن الشيخ في الجمل وابن البراج وابن حمزة انه يجب على المعتكف تجنب ما يجب على المحرم تجنبه ، والمشهور العدم ، ونسبه

__________________

(١) ص ٤٩٢.

(٢) سفينة البحار ج ٢ ص ٥٣٢.

٤٩٤

في المبسوط بعد ان أفتى بالقول المشهور إلى الرواية.

وقال في التذكرة ان الشيخ لا يريد بذلك العموم لانه لا يحرم على المعتكف لبس المخيط إجماعا ولا ازالة الشعر ولا أكل الصيد ولا عقد النكاح. انتهى. وهو جيد.

وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول لعدم الدليل عليه وما ادعاه من الرواية فلم تصل إلينا وهو أعلم.

الثانية ـ يجب ان يعلم انه لا فرق في تحريم هذه الأشياء بين الليل والنهار إذ منشأ التحريم هو الاعتكاف وهو ثابت ليلا ونهارا.

وهل تختص هذه المحرمات بالاعتكاف الواجب أو تتناول المندوب أيضا؟ إطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي الثاني. وقد تقدم نظيره في التكفير في صلاة النافلة والارتماس في الصوم المندوب.

الثالثة ـ قد صرح الأصحاب بأنه يجوز له النظر في معاشه والخوض في المباح ، وينبغي الاقتصار من ذلك على ما يضطر اليه والاشتغال بما هو وظيفة المعتكف من العبادات كالصلاة والذكر وقراءة القرآن.

قال في المنتهى : يستحب له دراسة العلم والمناظرة فيه وتعلمه وتعليمه في الاعتكاف بل هو أفضل من الصلاة المندوبة. انتهى.

الرابعة ـ لا ريب في أن كل ما أفسد الصوم فإنه يفسد به الاعتكاف لان الصوم شرط فيه فيبطل ببطلان شرطه.

واما وجوب الكفارة بفعل المفطر في الاعتكاف الواجب فهو مذهب جملة من أصحابنا : منهم ـ الشيخ المفيد والمرتضى (رحمهما‌الله تعالى).

قال في المعتبر : فان كانا أرادا الاعتكاف المنذور المختص بزمان معين كان حسنا وان أرادا الإطلاق فلا اعرف المستند. وهو كذلك.

والشيخ وأكثر المتأخرين على اختصاص الكفارة بالجماع دون ما عداه من

٤٩٥

المفطرات فان فسد به الصوم (١) ووجب به القضاء خاصة متى كان واجبا. وقد تقدم ما يدل على وجوب الكفارة بالجماع في ما قدمناه من الأخبار واما غير الجماع فلم نقف له على دليل.

الخامسة ـ إطلاق الأخبار المتقدمة بوجوب الكفارة على المعتكف إذا جامع شامل للواجب والندب والمطلق من الواجب المنذور والمعين ، وبمضمونها افتى الشيخان (قدس‌سرهما).

قال في المعتبر : ولو خصا ذلك باليوم الثالث أو بالاعتكاف اللازم كان أليق بمذهبهما ، لأنا بينا ان الشيخ ذكر في النهاية والخلاف ان للمعتكف الرجوع في اليومين الأولين من اعتكافه وانه إذا اعتكفهما وجب الثالث ، وإذا كان له الرجوع لم يكن لإيجاب الكفارة مع جواز الرجوع وجه. لكن يصح هذا على كلام الشيخ في المبسوط فإنه يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه.

قال في المدارك بعد نقله : وما ذكره (قدس‌سره) غير بعيد لان المطلق لا عموم له فيكفي في العمل به إجراؤه في الواجب. انتهى.

وهو جيد إلا انه مناف لما قدمنا نقله عنه في المسألة الثانية من قوله «ولا امتناع في وجوب الكفارة بذلك في الاعتكاف المستحب» فان هذا الكلام مؤذن بموافقة الشيخين في ما أطلقاه تبعا لإطلاق الأخبار والخروج عن ما ذكره المحقق (قدس‌سره) هنا كما لا يخفى.

وربما قيل باختصاص الكفارة بالواجب المعين.

وبالجملة ففي المسألة أقوال ثلاثة : العموم للواجب والمندوب والتخصيص بالواجب أو بالمعين منه خاصة.

السادسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان كفارة الجماع في الاعتكاف مخيرة لموثقتي سماعة المتقدمتين (٢) وقيل بكونها مرتبة ككفارة الظهار ونقله

__________________

(١) هكذا ورد في النسخ والظاهر هكذا «فان فسد به الصوم وجب به القضاء خاصة».

(٢) ص ٤٩٢.

٤٩٦

في المختلف عن ظاهر ابن بابويه ، واليه مال في المدارك لصحة مستنده وهو ما تقدم من صحيحة زرارة (١) وصحيحة أبي ولاد (٢).

وجمع بعض بين الاخبار بحمل الصحيحتين المذكورتين على الأفضلية والاستحباب كما هي قاعدتهم في جميع الأبواب.

وحمل العلامة في المنتهى الصحيحتين المذكورتين ـ حيث اختار القول المشهور ـ على ان المراد التشبيه في المقدار دون الكيفية. وبعده ظاهر.

السابعة ـ قال السيد المرتضى : إذا جامع المعتكف نهارا كان عليه كفارتان وإذا جامع ليلا كان عليه كفارة واحدة. وأطلق القول في ذلك ، والمشهور بين الأصحاب ان وجوب الكفارتين بالجماع نهارا مخصوص بشهر رمضان لا غير فتكون إحداهما للاعتكاف والأخرى للشهر المذكور ، وعلى ذلك دلت رواية عبد الأعلى بن أعين المتقدمة (٣) واما وجوبهما نهارا في غير شهر رمضان كما يفهم من إطلاق السيد (قدس‌سره) فلا وجه له.

واستقرب الشهيد (قدس‌سره) في الدروس هذا الإطلاق ، قال : لأن في النهار صوما واعتكافا. ورد بان مطلق الصوم لا يترتب على إفساده الكفارة كما هو واضح.

قال في التذكرة : والظاهر ان مراده ـ يعنى مراد السيد (رضي‌الله‌عنه) ـ رمضان.

وهو غير بعيد فإنهم كثيرا ما يتوسعون في التعبير بناء على ظهور الحكم ومعلوميته ، وهذه الدقة في العبارات والقيود للاحترازات انما وقعت في كلام المتأخرين وبالجملة فإن الجماع في غير شهر رمضان انما يوجب كفارة واحدة ليلا أو نهارا من حيث الاعتكاف.

وينبغي ان يعلم انه في معنى نهار شهر رمضان في وجوب الكفارتين نهار صوم قضائه وكذا نهار صوم النذر المعين فان كلا منهما موجب للكفارة في حد ذاته كما في شهر رمضان فتتعدد في الاعتكاف.

__________________

(١ و ٢) ص ٤٩٢.

(٣) ص ٤٩٢.

٤٩٧

الثامنة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه على المطاوعة المعتكفة الكفارة مثل ما تقدم على الزوج للاشتراك بينهما في الأحكام.

اما لو أكرهها في شهر رمضان فقيل يلزمه أربع كفارات نهارا وكفارتان ليلا وهو قول الشيخ في المبسوط والمرتضى وابن الجنيد وابن إدريس وابن البراج وابن حمزة واختاره في المختلف ، وقيل تلزمه كفارتان وهو اختيار جماعة : منهم ـ المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى.

احتج العلامة في المختلف قال : لنا ـ انه فعل موجب الكفارة على اثنين فتتضاعف على المكره لصدور الفعل عنه أجمع في الحقيقة ، لأنه عبادة توجب الكفارة بفعل الوطء على الزوجين فتتضاعف على الزوج بالإكراه كرمضان.

ولا يخفى ما في هذا الاستدلال ولهذا قال في المعتبر بعد نقل القول الأول عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) : وهذا ليس بصواب إذ لا مستند له. وجعله كالإكراه في صوم رمضان قياس. وتضعيف الكفارتين بالاعتكاف ضعيف أيضا ، لأن إيجاب الكفارتين على المكره امرأته في شهر رمضان وان لم يكن معتكفا ثبت على خلاف مقتضى الدليل لأن المكرهة لم تفطر فلا كفارة عليها ، كما لو ضرب انسان غيره حتى أفطر بأكل أو شرب لم يجب على المكره كفارة عن المكره وإذا كان ثبوت الكفارتين في رمضان ثبت على خلاف الأصل فلا يتعدى الحكم ، مع ان ثبوت ذلك الحكم في رمضان مستنده رواية المفضل بن عمر (١) وهو مطعون فيه ضعيف جدا ولم يرد من غير طريقه لكن رأينا جماعة من الأصحاب قائلين به فقويت الرواية بذلك ، فلا يتعدى الحكم عن موضع النص. انتهى. وهو جيد.

التاسعة ـ قال الشيخ في المبسوط : من مات قبل انقضاء مدة اعتكافه في أصحابنا من يقول يقضى عنه وليه أو يخرج من ماله الى من ينوب عنه قدر كفايته لعموم

__________________

(١) ارجع الى الصفحة ٢٣٤.

٤٩٨

ما روى (١) ان من مات وعليه صوم واجب وجب على وليه أن يقضى عنه أو يتصدق عنه.

وقال المحقق في الشرائع : ومن مات قبل انقضاء اعتكافه الواجب قيل يجب على الولي القيام به وقيل يستأجر من يقوم به. والأول أشبه.

وظاهره اختيار القول بالوجوب على الولي مع انه اعترض على الشيخ في المعتبر فقال بعد نقل ذلك عنه : وما ذكره إنما يدل على وجوب قضاء الصوم اما الاعتكاف فلا. ويعضده ما سبق من ان الصوم لا يجب لأجل الاعتكاف لجواز إيقاعه في صوم واجب قبل ذلك كرمضان أو النذر ، وحينئذ فلا يكون وجوب الاعتكاف مقتضيا لوجوب الصوم ليجب على الولي القيام به.

وبذلك يظهر الجواب عن ما احتج به في المختلف للقول المذكور ـ حيث قال : حجة الآخرين انه قد ورد ورودا مشهورا وجوب القضاء عن الميت ولا يمكن الإتيان بمثل هذا الصوم إلا بمثل هيئته وهو هيئة الاعتكاف فكان الاعتكاف واجبا. انتهى ـ فإنه متى ثبت ان الصوم غير واجب للاعتكاف كما أشرنا إليه فلا وجه لهذا الكلام.

وبالجملة فالوجه ان يقال ان الحكم بوجوب شي‌ء موقوف على الدليل الواضح وأمثال هذه التعليلات لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية. والله العالم.

هذا آخر الكلام في الجزء الرابع (٢) من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ، وفق الله تعالى لإتمامه والفوز بسعادة ختامه ، ويتلوه ان شاء الله تعالى كتاب الحج.

وقد وقع الفراغ (٣) من هذا الجزء بتاريخ اليوم التاسع عشر شهر جمادى

__________________

(١) ارجع الى الصفحة ٣٢٠ و ٣٢١ والصفحة ٣٣٢ و ٣٣٣.

(٢) هذا على تقسيمه (قدس‌سره) وعلى تقسيمنا فهو آخر الجزء الثالث عشر.

(٣) من هنا الى الآخر منقول من النسخة الخطية.

٤٩٩

الثاني من السنة السابعة والسبعين بعد المائة والالف من الهجرة النبوية (على مهاجرها وآله أفضل الصلاة والسلام والتحية) في الأرض المقدسة كربلاء المعلى في جوار سيد الشهداء وخامس أهل العباء (عليه وعلى آبائه وأبنائه أفضل صلوات ذي العلى) واسأل الله تعالى ببركة جوارهم أن يكون عنده وعندهم بمحل من القبول في إنجاح السؤل وبلوغ المأمول.

وكتب مولفه تراب اقدام العلماء العاملين وخادم الفضلاء الصالحين الفقير الى الله الكريم يوسف بن احمد بن إبراهيم البحراني ، عاملهم الله تعالى بإحسانه وأفاض عليهم من رواشح جوده وامتنانه ، حامدا مصليا مسلما مستغفرا آمين آمين آمين بمحمد وآله أجمعين.

٥٠٠