الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (١) بان يكون كلاما مستأنفا ليس له ربط بما تقدمه أى ان صومكم خير عظيم لكم وظاهر الآية انه مرتبط بما تقدمه.

وتفصيل هذه الجملة هو انه لا يخفى ان المعلوم من الأدلة العقلية والنقلية أنه (عزوجل) لا يكلف نفسا إلا وسعها والوسع لغة دون الطاقة كما صرح به في مجمع البيان وغيره.

وفي التوحيد (٢) عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل قال : «ما أمر الناس إلا بدون سعتهم وكل شي‌ء أمر الناس بأخذه فهم متسعون له وما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم ولكن الناس لا خير فيهم».

وفي كتاب الاعتقادات للصدوق (٣) مرسلا عن الصادق عليه‌السلام قال : «ما كلف الله العباد إلا دون ما يطيقون».

وحينئذ فلا تكلف نفس بما هو على قدر طاقتها أى ما يشق عليها تحمله عادة ويعسر عليها ، فالآية دلت على ان الذين يطيقون الصوم كالشيخ والشيخة وذي العطاش ـ يعنى من يكون الصوم على قدر طاقتهم ويكونون معه على مشقة وعسر ـ لم يكلفهم الله تعالى حتما بل خيرهم بينه وبين الفدية توسعة لهم ثم جعل الصوم خيرا لهم من الفدية في الأجر والثواب إذا اختاروه كما قال في مجمع البيان : قوله «وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ» يعنى من الإفطار والفدية.

وبما أوضحناه يظهر ان المراد من الآية هو ان من أمكنه الصوم بمشقة فإنه قد جوز له الإفطار والفدية ولا تعرض فيها للعاجز عنه بالكلية إلا ان كان كما ذكره في المختلف من الدلالة بالمفهوم.

واما الاخبار التي ادعى دلالتها على ذلك بإطلاقها فالظاهر ان المنساق منها

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

(٢) باب الاستطاعة ص ٣٥٨ وفيه «ما أمر العباد».

(٣) باب الاعتقاد في التكليف.

٤٢١

الى الذهن إنما هو خلاف ما ادعاه إذ المنساق من قوله : «يضعف عن صوم شهر رمضان» في رواية عبد الملك وصحيحة الحلبي انما هو حصول المشقة بذلك مع إمكان تحمله لا العجز ، والحرج المنفي في صحيحة محمد بن مسلم هو إمكان الفعل مع المشقة كما في قوله تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١) أى مشقة وعسر.

وقد وافقنا في المقام الفاضل الخراساني مع اقتفائه أثره غالبا فقال هنا مشيرا اليه : واستدل بعض الأصحاب على القول بوجوب الكفارة بصحيحة محمد بن مسلم والحلبي ورواية عبد الملك. وفيه نظر لان المتبادر من هذه الروايات غير العاجز بالكلية كما لا يخفى على المتأمل فيها ، على ان قوله : «فان لم يقدرا» في الخبر الأول يحتمل أن يكون المراد به إن لم يقدرا على الصوم أصلا ، وعلى هذا المعنى يوافق قول المفيد ومن تبعه. انتهى. ثم نقل كلام المختلف واعترضه بما قدمنا نقله عن صاحب المدارك واقتفى أثره فيه كما هي عادته وقد عرفت ما فيه. وبالجملة فإن كلام العلامة في المختلف كما قدمنا لا يخلو من قوة.

وقد ظهر من ما حققناه ان مورد الآية والاخبار إنما هو بالنسبة الى من يمكنه الصوم بمشقة فإنه يفطر ويفدى وهذا هو المتفق عليه ، ويبقى وجوب الفدية على العاجز بالكلية عاريا عن الدليل وبه يتأيد قول الشيخ المفيد.

ولم أر من تنبه لما قلناه في معنى الآية إلا المحدث الكاشاني في الصافي والمفاتيح ولا يخفى انه إذا لم يترجح هذا المعنى الذي ذكرناه فلا أقل أن يكون مساويا في الاحتمال لما ذكره وبه يسقط الاستدلال بالأخبار المذكورة. وبذلك صرح في المختلف فقال : ومع قبول الروايات للتأويل يسقط الاستدلال بها فان الدليل متى تطرق اليه الاحتمال سقطت دلالته. انتهى.

إلا انه قد روى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن إبراهيم بن أبي

__________________

(١) سورة الحج الآية ٧٨.

٤٢٢

زياد الكرخي (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل شيخ لا يستطيع القيام الى الخلاء لضعفه ولا يمكنه الركوع والسجود؟ فقال ليومئ برأسه إيماء. الى أن قال : قلت فالصيام؟ قال إذا كان في ذلك الحد فقد وضع الله عنه فان كانت له مقدرة فصدقة مد من طعام بدل كل يوم أحب الى وان لم يكن له يسار ذلك فلا شي‌ء عليه». وهو ظاهر الدلالة على القول المشهور إلا أن تحمل الصدقة في الخبر على الاستحباب بقرينة قوله عليه‌السلام «أحب الى» وفيه ما فيه.

وكيف كان فالاحتياط العمل على القول المشهور.

فوائد

الأولى ـ روى الثقة الجليل على بن إبراهيم القمي في تفسيره (٢) بسنده عن الصادق عليه‌السلام في تفسير الآية المتقدمة «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ» قال من مرض في شهر رمضان فأفطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر فعليه ان يقضى ويتصدق لكل يوم بمد من طعام. وهذا تفسير ثالث للآية المذكورة. وقد تقدم تحقيق الكلام في ما دل عليه هذا الخبر.

الثانية ـ قد روى الشيخ صحيحة محمد بن مسلم الاولى بلفظ «مدين من طعام» وحمله في الاستبصار على الاستحباب ، وقال في التهذيب ان هذا الخبر ليس بمضاد للأحاديث التي تضمنت مدا من طعام أو إطعام مسكين لان هذا الحكم يختلف بحسب اختلاف أحوال المكلفين فمن أطاق إطعام مدين يلزمه ذلك ومن لم يطق إلا إطعام مد فعليه ذلك ومن لم يقدر على شي‌ء منه فليس عليه شي‌ء حسبما قدمناه. والأظهر وجوب المد مطلقا كما هو المشهور ومع عدم الإمكان فلا شي‌ء عليه.

الثالثة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب القضاء عند

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ ممن يصح منه الصوم.

(٢) سورة البقرة الآية ١٨١ ص ٥٦.

٤٢٣

التمكن منه ، ونقل عن الشيخ على بن الحسين بن بابويه عدم الوجوب ، وسيأتي نقل عبارته قريبا.

ويدل على ما ذهب اليه ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم التي في صدر المسألة (١) برواية الشيخين المذكورين من قوله عليه‌السلام : «ولا قضاء عليهما».

وعلى ذلك ايضا يدل كلامه عليه‌السلام في الفقه الرضوي (٢) حيث قال عليه‌السلام : وإذا لم يتهيأ للشيخ أو الشاب المعلول أو المرأة الحامل أن يصوم من العطش أو الجوع أو تخاف المرأة أن يضر بولدها فعليهم جميعا الإفطار ، ويتصدق كل واحد عن كل يوم بمد من طعام وليس عليه القضاء. انتهى.

وهذه العبارة هي مستند الشيخ على بن بابويه إذ هي نفس عبارته الآتية وان كانت الرواية المتقدمة دالة ايضا على ذلك.

قال في المدارك : ومقتضى العبارة وجوب القضاء عليهما مع التمكن كما في ذي العطاش وهو مشكل لإطلاق الرواية المتضمنة للسقوط. انتهى.

أقول : العجب منه (قدس‌سره) انه قدم صحيحة محمد بن مسلم المشتملة على نفى القضاء عنهما وغفل عن الاستدلال بها وإنما استند إلى إطلاق الروايات بالسقوط والرواية صحيحة صريحة في ما يريده. وأعجب من ذلك انه في مسألة ذي العطاش استند إليها في سقوط القضاء ورد على الأصحاب في إيجاب القضاء عليه وهو بعد العبارة الأولى بأربعة أسطر.

الرابعة ـ روى الشيخ في التهذيب بسنده عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم؟ فقال يصوم عنه بعض ولده. قلت فان لم يكن له ولد؟ قال فادنى قرابته. قلت فان لم يكن له قرابة؟ قال يتصدق بمد في كل يوم فان لم يكن عنده شي‌ء فليس عليه».

__________________

(١) ص ٤١٧.

(٢) ص ٢٥.

(٣) الوسائل الباب ١٥ ممن يصح منه الصوم.

٤٢٤

وحمل في الاستبصار صوم الولد والقرابة على الاستحباب وبذلك صرح في المنتهى ، ولو لا إعراض الأصحاب عن العمل بالرواية واتفاقهم على العمل بتلك الأخبار لأمكن القول بتقييد الأخبار المتقدمة بها.

المسألة العاشرة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم ذي العطاش ـ وهو بالضم داء لا يروى صاحبه ـ فقيل بأنه يجب عليه الإفطار إذا شق عليه الصيام ويجب عليه التكفير والقضاء مع البرء ، واختاره المحقق في المعتبر والشرائع.

اما وجوب الإفطار فظاهر لان التكليف منوط بالوسع كما عرفت لقوله عزوجل (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها) (١).

واما وجوب الصدقة فلقوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في صدر المسألة السابقة (٢) «يتصدق كل واحد منهما ـ يعنى الشيخ الكبير والذي به العطاش ـ عن كل يوم بمد من طعام».

واما وجوب القضاء فاستدل عليه في المعتبر بأنه مرض وقد زال فيقضى كغيره من الأمراض. أقول : ويؤيده ظاهر الآية (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٣) الا أن إطلاق صحيحة محمد بن مسلم المشار إليها ينافي ذلك لقوله عليه‌السلام : «ولا قضاء عليهما».

وقيل انه ان كان مرجو الزوال يجب على صاحبه القضاء بعد البرء ولا كفارة وان كان من ما لا يرجى زواله وجبت الكفارة خاصة دون القضاء. اختاره العلامة في جملة من كتبه.

قال في المختلف : ذو العطاش الذي يرجى برؤه ويتوقع زواله يفطر ويقضى مع البرء ، وهل تجب الكفارة؟ قال الشيخ : نعم ، وبه قال سلار وابن البراج وابن حمزة ، وقال المفيد والسيد المرتضى وابن إدريس لا تجب وهو الأقرب ، لنا ـ

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٨٧.

(٢) ص ٤١٧ واللفظ مطابق للفقيه ج ٢ ص ٨٤.

(٣) سورة البقرة الآية ١٨٢.

٤٢٥

الأصل براءة الذمة ، ولانه مريض فلا تجب عليه كفارة مع القضاء كغيره. الى ان قال : ولو كان العطاش من ما لا يرجى برؤه قال الشيخ يفطر ولا قضاء عليه وتجب الكفارة ، وبه قال ابن بابويه والسيد المرتضى وابن الجنيد والمفيد وابن إدريس وابن البراج ، وقال سلار لا تجب الكفارة. انتهى.

ومنه يعلم ان ما قدمنا نقله عن العلامة في جملة من كتبه هو مذهب الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابن إدريس وان ما نقل عن الشيخ في كلا الشقين هو مذهب المحقق الذي قدمنا نقله عنه ، ومحل الاختلاف بين القولين في وجوب الكفارة مع البرء فأثبتها الشيخ والمحقق ومن معهما ونفاها العلامة ومن تبعه.

وقيل انه متى كان غير مرجو الزوال فلا كفارة ولا قضاء ولو حصل البرء على خلاف الغالب ، اختاره المحقق الشيخ على ، وهو ظاهر المنقول عن سلار.

وإطلاق الخبر المتقدم مدافع لكل من القولين المذكورين فإنه دال على وجوب التكفير مطلقا أعم من أن يرجى برؤه أم لا ونفى القضاء مطلقا أعم من أن يرجى برؤه أم لا ، ولا ريب ان الوقوف على ظاهر الخبر هو الأظهر والاحتياط لا يخفى.

وهل يجب على ذي العطاش الاقتصار من الشرب على ما تندفع به الضرورة أم يجوز له التملي من الشرب وغيره؟

قيل بالأول لرواية عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف على نفسه؟ قال : يشرب بقدر ما يمسك رمقه ولا يشرب حتى يروى». وقيل بالثاني وهو خيرة الأكثر لإطلاق صحيحة محمد بن مسلم (٢) وقوله عليه‌السلام : «الشيخ الكبير والذي به العطاش يفطران».

ويمكن ترجيح الثاني بأن مورد الرواية الأولى غير مورد الرواية الثانية.

وكيف كان فالاحتياط في الوقوف على القول الأول.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ ممن يصح منه الصوم.

(٢) ص ٤١٧ وهو نقل بالمعنى.

٤٢٦

واما ما رواه الشيخ عن المفضل بن عمر (١) ـ قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان لنا فتيانا وشبانا لا يقدرون على الصيام من شدة ما يصيبهم من العطش؟ قال : فليشربوا بقدر ما تروى به نفوسهم وما يحذرون» ، ـ فالظاهر حمله على الصغار الصائمين تمرينا فهو خارج عن محل البحث وان ذكره المحدثون في ضمن اخبار هذه المسألة. والله العالم.

المسألة الحادية عشرة ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو التفصيل بالنسبة إلى الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن بأنهما إن خافا على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء ولا كفارة كالمريض وكل من خاف على نفسه ، وان خافا على الولد أفطرا وقضيا وكفرا.

قال العلامة في المنتهى : مسألة ـ الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء ، وهو قول فقهاء الإسلام ولا كفارة عليهما. الى أن قال : مسألة ـ ولو خافتا على الولد من الصوم فلهما الإفطار أيضا وهو قول علماء الإسلام. ويجب عليهما القضاء إجماعا إلا من سلار من علمائنا ، ويجب عليهما الصدقة عن كل يوم بمد من طعام ، ذهب إليه علماؤنا.

وقال شيخنا الشهيد في الدروس : وتجب الفدية على الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا خافتا على الولد مع القضاء. ثم قال في الفروع : الثاني ـ لو خافت المرأة على نفسها دون ولدها ففي وجوب الفدية وجهان والرواية مطلقة ولكن الأصحاب قيدوا بالولد.

وقال المحقق الشيخ على بن عبد العالي في حواشي الإرشاد عند قول المصنف : الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن وذو العطاش الذي يرجو زواله يفطرون ويقضون مع الصدقة. فكتب المحقق المذكور في الحاشية : أما الحامل المقرب وهي التي قرب زمان وضع حملها والمرضعة القليلة اللبن فإنهما يفطران ويقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمد إذا خافتا على الولد فقط اما إذا خافتا على أنفسهما فإنهما يفطران

__________________

(١) التهذيب ج ٤ ص ٢٤٠ وفي الوسائل الباب ١٦ ممن يصح منه الصوم. وفي اللفظ تغيير لا يخل.

٤٢٧

ويقضيان ولا كفارة كالمريض وكل من خاف على نفسه. انتهى.

وظاهر المحقق في الشرائع ـ وهو صريحة في المعتبر ـ انهما يفطران ويقضيان ويفديان مطلقا وهو ظاهر عبارة الإرشاد المتقدمة.

وبذلك يظهر لك ما في اعتراض صاحب المدارك هنا على جده (قدس‌سره) حيث قال ـ بعد قول المصنف : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في رمضان وتقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمد من طعام ـ ما لفظه : إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن تخاف الحامل والمرضع على أنفسهما وعلى الولد ، وبهذا التعميم صرح المصنف في المعتبر واستدل عليه بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان لأنهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدق كل واحدة منهما في كل يوم تفطران فيه بمد من طعام ، وعليهما قضاء كل يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد». ثم نقل عن الشافعي قولا بأنهما إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضيتا ولا كفارة (٢) ثم قال : وما ذكره الشافعي لا وجه له مع وجود الأحاديث المطلقة وهو كذلك. ومن العجب ان الشارح (قدس‌سره) جعل هذا التفصيل هو المشهور مع انا لم نقف على مصرح به سوى فخر الدين وبعض من تأخر عنه. الى آخره :

فان فيه ما عرفت من أن ما ذكره جده صحيح لا تعجب منه كما سمعت من كلام من قدمنا ذكره منهم وهو ظاهر لمن تتبع كلامهم في المقام.

نعم عبائر المتقدمين كالشيخ المفيد في المقنعة والشيخ في المبسوط وابن إدريس في السرائر إنما صرحت بالخوف على الولد خاصة فأوجبوا الإفطار والقضاء والفدية في ذلك واما الخوف على أنفسهما فلم يذكروا حكمه ، وكأنهم حملوا الرواية المذكورة

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ ممن يصح منه الصوم.

(٢) المغني ج ٣ ص ١٣٩.

٤٢٨

على ذلك وجعلوا حكم الخوف على أنفسهما من قبيل سائر الأمراض كما صرحت به عبائر جملة من المتأخرين وقد تقدم فاستندوا في حكمه الى عموم اخبار المرض مطلقا من وجوب الإفطار والقضاء خاصة.

ويدل على خصوص ذلك ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر (١) نقلا من كتاب مسائل الرجال رواية أحمد بن محمد الجوهري وعبد الله بن جعفر الحميري عن على بن مهزيار قال : «كتبت إليه ـ يعنى على بن محمد عليه‌السلام ـ اسأله عن امرأة ترضع ولدها وغير ولدها في شهر رمضان فيشتد عليها الصوم وهي ترضع حتى يغشى عليها ولا تقدر على الصيام أترضع وتفطر وتقضى صيامها إذا أمكنها أو تدع الرضاع وتصوم؟ فان كانت ممن لا يمكنها اتخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟ فكتب : ان كانت ممن يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمت صيامها وان كان ذلك لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صيامها متى ما أمكنها».

وبالجملة فإن الصحيحة المتقدمة وان كانت مطلقة إلا انه يمكن تقييد إطلاقها بهذه الرواية لأنها ظاهرة في أن الخوف على نفس المرأة لا على الولد وهي إنما تضمنت القضاء خاصة فتخص تلك الصحيحة بالخوف على الولد. ولا ينافيه قوله عليه‌السلام فيها «لأنهما لا تطيقان الصوم» حيث انه ظاهر في ان الخوف على أنفسهما لإمكان الحمل على المجاز باعتبار تضرر الولد به.

بقى فى المقام فوائد

الأولى ـ قد نقل العلامة في المختلف عن الشيخ على بن الحسين بن بابويه انه قال في الرسالة : وإذا لم يتهيأ للشيخ أو الشاب أو المرأة الحامل ان تصوم من العطش أو الجوع أو تخاف المرأة ان يضر بولدها فعليهم جميعا الإفطار وتصدق عن كل يوم بمد من طعام وليس عليه القضاء.

ثم قال (قدس‌سره) بعد نقل ذلك : وهذا الكلام يشعر بسقوط القضاء

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ ممن يصح منه الصوم.

٤٢٩

في حق الحامل والمرضع والمشهور بين علمائنا وجوب القضاء عليهما. ثم استدل ببعض الأدلة التخريجية ثم بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١).

ثم قال : احتج بأن الأصل براءة الذمة من القضاء ، ولان القضاء انما يجب بأمر جديد ، ولأنهما أفطرتا بالعذر فاشبهتا الشيخ الفاني. والجواب أصالة البراءة انما تعتبر مع عدم دليل يخالفها والقضاء يجب بالآية (٢) والحديث (٣) وعمل الأصحاب. والفرق بينهما وبين الشيخ ظاهر فان الشيخ عاجز عن الأداء والقضاء فلو أوجبنا عليه القضاء لوجب عليه الأداء. انتهى.

أقول : الظاهر ان هذا الاحتجاج الذي نقله إنما هو تكلف منه (قدس‌سره) حيث لم يجد دليلا من الأخبار الواصلة اليه ، والحجة الحقيقية للشيخ المشار اليه إنما هو كتاب الفقه الرضوي فإن هذه العبارة عين عبارة الفقه الرضوي التي قدمناها في الفائدة الثالثة من المسألة التاسعة (٤) وهذه عادته كما نبهنا عليه في غير موضع من ما تقدم من أنه يأخذ عبارة الكتاب ويفتي بها ، وربما كان الحكم فيها غريبا كما في هذا الموضع فيطعنون عليه بعدم الدليل أو يزيفون له دليلا كما هنا ، وكل ذلك ناشئ من عدم اطلاعهم على هذا الكتاب وانه معتمد الشيخ المذكور في جميع الأبواب.

الثانية ـ قال في الدروس : لو قام غير الام مقامها روعي صلاح الطفل فان تم بالأجنبية فالأقرب عدم جواز الإفطار ، هذا مع التبرع أو تساوى الأجرتين ولو طلبت الأجنبية زيادة لم يجب تسليمه إليها وجاز الإفطار.

أقول : اما ما اختاره من عدم جواز الإفطار في ما لو تم صلاح الطفل بالأجنبية فهو صريح صحيحة على بن مهزيار المتقدمة (٥) لقوله عليه‌السلام : «ان كانت ممن

__________________

(١) ص ٤٢٨.

(٢) وهو قوله تعالى في سورة البقرة الآية ١٨٢ (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ).

(٣) الوسائل الباب ١٧ ممن يصح منه الصوم.

(٤) ص ٤٢٤.

(٥) ص ٤٢٩.

٤٣٠

يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمت صيامها». واما تقييد ذلك بالتبرع أو تساوى الأجرتين ـ فلو طلبت الأجنبية زيادة لم يجب تسليمه إليها وجاز الإفطار ـ فهو خلاف ظاهر الخبر المذكور لانه عليه‌السلام ناط ذلك بالمكنة فمتى أمكنها اتخاذ الظئر ـ بأجرة أو بغير اجرة زادت الأجرة على اجرة المثل أم لا ـ وجب عليها اتخاذ الظئر ووجب عليها الصيام.

الثالثة ـ قال في الدروس : هذه الفدية من مالها وان كانت ذات بعل ، ومثله صرح في المدارك ، والوجه فيه ظاهر صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١) وقوله عليه‌السلام فيها «وعليهما ان تتصدق كل واحدة منهما». ولان هذه الفدية ترتبت على إفطارهما فتكون لازمة لهما.

الرابعة ـ قال في المدارك : واعلم ان إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المرضع بين الام وغيرها ولا بين المتبرعة والمستأجرة. وهو كذلك

خاتمة الكتاب

وهي تشتمل على نوادر ما تقدم فيه من الأبواب

روى في الكافي عن جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة ورفع يديه فقال : اللهم أهله علينا بالأمن والايمان والسلامة والإسلام والعافية المجللة والرزق الواسع ودفع الأسقام اللهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللهم سلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه».

وفي خبر آخر (٣) «استقبل القبلة وكبر ثم قال : اللهم أهله علينا بيمن وايمان وسلامة وإسلام وهدى ومغفرة وعافية مجللة ورزق واسع انك على كل شي‌ء قدير».

__________________

(١) ص ٤٢٨.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٠ من أحكام شهر رمضان.

٤٣١

وعن الصادق عليه‌السلام (١) «إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر اليه واستقبل القبلة وارفع يديك الى الله تعالى وتخاطب الهلال وتقول : ربى وربك الله رب العالمين اللهم أهله علينا بالأمن والايمان والسلامة والإسلام والمسارعة الى ما تحب وترضى اللهم بارك لنا في شهرنا هذا وارزقنا خيره وعونه واصرف عنا ضره وشره وبلاءه وفتنته».

وعن ابن ابى عقيل انه أوجب قراءة هذا الدعاء وقت رؤية هلال شهر رمضان وهو هذا : الحمد لله الذي خلقني وخلقك وقدر منازلك وجعلك مواقيت للناس ، اللهم أهله علينا إهلالا مباركا ، اللهم ادخله علينا بالسلامة والإسلام واليقين والايمان والبر والتقوى والتوفيق لما تحب وترضى».

وروى ثقة الإسلام بسنده عن السكوني عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «من كتم صومه قال الله (عزوجل) لملائكته عبدي استجار من عذابي فأجيروه. ووكل الله (عزوجل) ملائكته بالدعاء للصائمين ولم يأمرهم بالدعاء لأحد إلا استجاب لهم فيه».

وروى عن عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «الرجل يكون صائما فيقال له أصائم أنت؟ فقال : لا ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام هذا كذب».

أقول : يستفاد من هذين الخبرين استحباب كتمان الصيام إلا إذا سئل فلا يجوز له الكذب.

وروى عن الحسن بن صدقة (٤) قال : «قال أبو الحسن عليه‌السلام قيلوا فان الله يطعم الصائم ويسقيه في منامه».

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١٣ من أحكام شهر رمضان والإقبال ص ٢٥١ عن الصدوق في الفقيه عن الصادق (ع) ولكن في الفقيه ج ٢ ص ٦٢ نسبه الى أبيه في رسالته ولم نجده فيه مرويا عن الصادق (ع).

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١ من آداب الصائم.

(٤) الوسائل الباب ٢ من آداب الصائم.

٤٣٢

وروى في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (١) قال : «سألته عن السحور لمن أراد الصوم؟ فقال : اما في شهر رمضان فان الفضل في السحور ولو بشربة من ماء واما في التطوع فمن أحب ان يتسحر فليفعل ومن لم يفعل فلا بأس».

وروى في الكافي عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن السحور لمن أراد الصوم أواجب هو عليه؟ فقال : لا بأس بان لا يتسحر إن شاء واما في شهر رمضان فإنه أفضل أن يتسحر نحب أن لا يترك في شهر رمضان».

وروى في التهذيب عن عمرو بن جميع عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) عن أبيه عليه‌السلام قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تسحروا ولو بجرع الماء ألا صلوات الله على المتسحرين».

وروى في الفقيه مرسلا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والتهذيب مسندا عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) ـ قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعاونوا بأكل السحور على صيام النهار وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل».

وروى في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) قال : «ان الله وملائكته يصلون على المستغفرين والمتسحرين بالأسحار فليتسحر أحدكم ولو بشربة من ماء».

وروى في التهذيب عن حفص بن البختري عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٦) «أفضل سحوركم السويق والتمر».

وروى ثقة الإسلام والصدوق في الصحيح والحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٧) قال : «سئل عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها؟ قال : ان كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم وان كان غير ذلك فليصل وليفطر».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤ من آداب الصائم.

(٦) الوسائل الباب ٥ من آداب الصائم.

(٧) الوسائل الباب ٧ من آداب الصائم.

٤٣٣

وروى في التهذيب في الموثق عن زرارة وفضيل عن أبى جعفر عليه‌السلام (١) «في رمضان تصلى ثم تفطر إلا أن تكون مع قوم ينتظرون الإفطار فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم وأفطر ثم صل وإلا فابدأ بالصلاة. قلت ولم ذلك؟ قال لانه قد حضرك فرضان : الإفطار والصلاة فابدأ بأفضلهما وأفضلهما الصلاة. ثم قال تصلى الفرض وأنت صائم فتكتب صلاتك تلك فتختم بالصوم أحب الى».

أقول : لعل المعنى في قوله «فتكتب صلاتك. الى آخره» انه تكتب صلاتك مختومة بالصوم بمعنى أنه تكتب صلاة الصائمين.

وروى الشيخ المفيد في المقنعة (٢) عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين جميعا عن أبى جعفر عليه‌السلام انه قال : «تقدم الصلاة على الإفطار إلا أن تكون مع قوم يبتدئون بالإفطار فلا تخالف عليهم وأفطر معهم وإلا فابدأ بالصلاة فإنها أفضل من الإفطار ، وتكتب صلاتك وأنت صائم أحب الى».

قال (٣) وروى أيضا في ذلك أنك إذا كنت تتمكن من الصلاة وتعقلها وتأتى بها على حدودها قبل أن تفطر فالأفضل أن تصلى قبل الإفطار ، وان كنت ممن تنازعك نفسك للإفطار وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة غير ان ذلك مشروط بان لا تشتغل بالإفطار قبل الصلاة الى أن يخرج وقت الصلاة.

أقول : يعنى وقت فضيلتها. والظاهر ان المراد بالصلاة المأمور بتقديمها في هذه الأخبار هي صلاة المغرب وحدها محافظة على وقت فضيلتها لضيقه فيكفي في تأدية السنة تقديمها خاصة.

وروى في الكافي عن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أفطر قال : اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧ من آداب الصائم.

(٤) الوسائل الباب ٦ من آداب الصائم.

٤٣٤

منا ، ذهب الظماء وابتلت العروق وبقي الأجر».

وروى فيه عن أبى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «يقول في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار الى آخره : الحمد لله الذي أعاننا فصمنا ورزقنا فأفطرنا اللهم تقبل منا وأعنا عليه وسلمنا فيه وتسلمه منا في يسر منك وعافية ، الحمد لله الذي قضى عنا يوما من شهر رمضان».

وروى في التهذيب عن عبد الله بن ميمون القداح عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «جاء قنبر مولى على عليه‌السلام بفطره اليه قال فجاء بجراب فيه سويق عليه خاتم ، قال فقال له رجل يا أمير المؤمنين ان هذا لهو البخل تختم على طعامك. قال فضحك على عليه‌السلام قال ثم قال أو غير ذلك؟ لا أحب أن يدخل بطني شي‌ء لا أعرف سبيله. قال ثم كسر الخاتم فاخرج سويقا فجعل منه في قدح فأعطاه إياه فأخذ القدح فلما أراد أن يشرب قال : بسم الله اللهمّ لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا انك أنت السميع العليم».

أقول : المراد بالفطر ما يفطر عليه. وقوله عليه‌السلام «أو غير ذلك» يعنى غير البخل ، وكأنه استفهام لذلك القائل بمعنى هل عندك غير ما قلت من الحمل على البخل؟ ثم بين له السبب في ما يفعله من ختم طعامه لئلا يضع عياله فيه شيئا لا يعلم به.

وروى ابن طاوس في كتاب الإقبال (٣) عن مولانا زين العابدين عليه‌السلام انه قال : «من قرأ إنا أنزلناه. عند فطوره وعند سحوره كان في ما بينهما كالمتشحط بدمه في سبيل الله».

وروى فيه (٤) عن محمد بن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان عن موسى ابن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) «ان لكل صائم عند فطره دعوة مستجابة فإذا كان أول لقمة فقل : بسم الله يا واسع المغفرة اغفر لي ـ. قال (٥) : وفي رواية

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٦ من آداب الصائم.

(٢) الوسائل الباب ٦ و ١٠ من آداب الصائم.

٤٣٥

أخرى : بسم الله الرحمن الرحيم يا واسع المغفرة اغفر لي ـ فإنه من قالها عند إفطاره غفر له».

وروى في الكافي بسنده عن ابن القداح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أول ما يفطر عليه في زمن الرطب الرطب وفي زمن التمر التمر».

وروى فيه عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صام فلم يجد الحلو أفطر على الماء».

وروى فيه عن ابن ابى عمير عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا أفطر الرجل على الماء الفاتر نقى كبده وغسل الذنوب من القلب وقوى البصر والحدق».

وينبغي حمل إطلاق هذا الخبر على سابقه في الإفطار على الماء مطلقا كما هو صريح الخبر الآتي.

وروى فيه عن عبد الله بن مسكان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أفطر بدأ بحلواء يفطر عليها فان لم يجد فسكرة أو تمرات فإذا أعوز ذلك كله فماء فاتر ، وكان يقول ينقى المعدة والكبد ويطيب النكهة والفم ويقوى الأضراس ويقوى الحدق ويجلو الناظر ويغسل الذنوب غسلا ويسكن العروق الهائجة والمرة الغالبة ويقطع البلغم ويطفئ الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع». ورواه في المقنعة مرسلا (٥) إلا انه لم يذكر السكر والتمرات.

وروى في الكافي أيضا بسنده عن سلمة السمان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال «إذا رأى الصائم قوما يأكلون أو رجلا يأكل سبحت كل شعرة منه».

وروى الصدوق مرسلا (٧) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من صائم

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٠ من آداب الصائم.

(٦) الوسائل الباب ٩ من آداب الصائم.

(٧) الوسائل الباب ٩ من آداب الصائم.

٤٣٦

يحضر قوما يطعمون إلا سبحت له أعضاؤه وكانت صلاة الملائكة عليه وكانت صلاتهم استغفارا».

وروى في كتاب ثواب الأعمال مسندا عن السكوني عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «دخل سدير على ابى في شهر رمضان فقال يا سدير هل تدري أي الليالي هذه؟ فقال نعم فداك أبى هذه ليالي شهر رمضان فما ذاك؟ فقال له أتقدر على ان تعتق كل ليلة من هذه الليالي عشر رقبات من ولد إسماعيل؟ فقال له سدير بأبي أنت وأمي لا يبلغ مالي ذلك. فما زال ينقص حتى بلغ رقبة واحدة في كل ذلك يقول لا أقدر عليه. فقال له أفما تقدر أن تفطر في كل ليلة رجلا مسلما؟ فقال له بلى وعشرة فقال له ابى فذاك الذي أردت يا سدير ان إفطارك أخاك المسلم يعدل عتق رقبة من ولد إسماعيل».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة (٢) عن الصادق عليه‌السلام مرسلا قال : «فطرك لأخيك وإدخالك السرور عليه أعظم اجرا من صيامك».

قال (٣) وقال الباقر عليه‌السلام «أيما مؤمن فطر مؤمنا ليلة من شهر رمضان كتب الله له بذلك مثل أجر من أعتق نسمة».

قال (٤) «ومن فطره شهر رمضان كله كتب الله له بذلك أجر من أعتق ثلاثين نسمة مؤمنة وكان له بذلك عند الله دعوة مستجابة».

ورواه البرقي في المحاسن عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه‌السلام مثله (٥) وكذا الصدوق في ثواب الأعمال (٦).

وروى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن ابى الورد عن ابى جعفر عليه‌السلام في حديث (٧) قال : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ومن فطر فيه ـ يعني في شهر رمضان ـ مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لذنوبه في ما مضى. قيل يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس كلنا يقدر على ان يفطر صائما؟ فقال ان الله كريم يعطى هذا الثواب لمن

__________________

(١) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٣ من آداب الصائم.

٤٣٧

لا يقدر إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك».

أقول : يستفاد من هذا الخبر ان المراد بالتفطير الذي ذكر في الاخبار المتقدمة ونحوها ما يترتب عليه من الثواب ليس هو مجرد إعطاء الصائم ما يفطر عليه كما هو مشهور الآن بين العامة وانما المراد به الأكل عنده كما هو الجاري في سنة الضيافة إلا ان يعجز عن ذلك ، وان كرم الله واسع يرتب له ذلك على ما تسع قدرته ولو شربة ماء.

ويؤيد ما ذكرناه ما رواه البرقي في المحاسن بسنده عن مالك بن أعين عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «لأن أفطر رجلا مؤمنا في بيتي أحب الى من ان أعتق كذا وكذا نسمة من ولد إسماعيل».

وروى ثقة الإسلام والصدوق وغيرهما عن حمزة بن حمران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «كان على بن الحسين عليه‌السلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه أمر بشاة فتذبح وتقطع أعضاؤه وتطبخ فإذا كان عند المساء أكب على القدور حتى يجد ريح المرق وهو صائم ثم يقول : هاتوا القصاع اغرفوا لآل فلان اغرفوا لآل فلان. ثم يؤتى بخبز وتمر فيكون ذلك عشاؤه».

وروى في الكافي وفي الفقيه بسنديهما عن حمران (٣) «انه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله تعالى (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) (٤)؟ قال هي ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر ولم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر. قال الله تعالى (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (٥)؟ قال يقدر في ليلة القدر كل شي‌ء يكون في تلك

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ من آداب الصائم.

(٣) الوسائل الباب ٣١ من أحكام شهر رمضان.

(٤) سورة الدخان الآية ٣.

(٥) سورة الدخان الآية ٤.

٤٣٨

السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر أو طاعة أو معصية أو مولود أو أجل أو رزق ، فما قدر في تلك الليلة وقضى فهو المحتوم ولله تعالى فيه المشيئة. قال قلت (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (١) أي شي‌ء عنى بذلك؟ فقال : العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ولو لا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا ولكن الله يضاعف لهم الحسنات».

وروى الشيخان المذكوران أيضا في كتابيهما (٢) مسندا في الكافي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «أرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وفي الفقيه أرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في منامه بنى أمية يصعدون منبره من بعده يضلون الناس عن الصراط القهقرى فأصبح كئيبا حزينا قال فهبط عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لي أراك كئيبا حزينا؟ فقال : يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى. فقال والذي بعثك بالحق نبيا ان هذا لشي‌ء ما اطلعت عليه. ثم عرج الى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها قال : أفرأيت ان متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون (٣) وانزل عليه : انا أنزلناه في ليلة القدر وما أدريك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر (٤) جعل الله تعالى ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله خيرا من الف شهر ملك بنى أمية».

ورؤيا أيضا في كتابيهما عن يعقوب (٥) قال : «سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله

__________________

(١) سورة القدر الآية ٤.

(٢) الفروع ج ١ ص ٢٠٧ والفقيه ج ٢ ص ١٠١ وفي الوسائل الباب ٣١ من أحكام شهر رمضان.

(٣) سورة الشعراء الآية ٢٠٦ و ٢٠٧ و ٢٠٨.

(٤) سورة القدر الآية ٤.

(٥) الوسائل الباب ٣٢ من أحكام شهر رمضان.

٤٣٩

عليه‌السلام عن ليلة القدر فقال أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن».

ورؤيا أيضا بسنديهما عن رفاعة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها (٢) وذلك لأن بإقبال تلك الليلة يتحقق الأمران معا.

ورؤيا أيضا بسنديهما عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألته عن علامة ليلة القدر فقال : علامتها أن يطيب ريحها وان كانت في برد دفئت وان كانت في حر بردت وطابت. قال : وسئل عن ليلة القدر فقال تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد وأمر عنده موقوف له فيه المشيئة فيقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويمحو ويثبت وعنده أم الكتاب».

وروى في الكافي بسنده عن أبي حمزة الثمالي (٤) قال : «كنت عند ابى عبد الله عليه‌السلام) فقال له أبو بصير جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى؟ فقال في احدى وعشرين أو ثلاث وعشرين. قال فان لم أقو على كلتيهما. فقال ما أيسر ليلتين في ما تطلب. قال قلت فربما رأينا الهلال عندنا وجاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك من أرض أخرى؟ فقال ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها. قلت جعلت فداك ان سليمان بن خالد روى ان في تسع عشرة يكتب وفد الحاج؟ فقال عليه‌السلام) يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر والمنايا والبلايا والأرزاق وما يكون الى مثلها في قابل فاطلبها في ليلة احدى وعشرين وثلاث وعشرين وصل في كل واحدة منهما مائة ركعة

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣١ من أحكام شهر رمضان.

(٢) هذا آخر الحديث وما بعده جاء في النسخ متصلا به وقد أورده في الوافي بعنوان البيان فيجوز إيراده هنا كذلك وقد سقط من العبارة شي‌ء.

(٤) الفروع ج ١ ص ٢٠٦ وفي الوسائل الباب ٣٢ من أحكام شهر رمضان.

٤٤٠