الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

ورواية يونس (١) قال قال : «في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان وقد أكل قبل دخوله؟ قال : يكف عن الأكل بقية يومه وعليه القضاء. الحديث».

وما تقدم في حديثي الزهري والفقه الرضوي (٢) حيث قالا (عليهما‌السلام) «واما صوم التأديب. الى أن قالا. وكذلك المسافر إذا أكل أول النهار ثم قدم أهله أمر بالإمساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض».

وهذه الأخبار وان اختصت بمن أكل قبل دخوله ولم يذكر فيها حكم من دخل بعد الزوال ولم يتناول إلا انه مفهوم منها بطريق الأولوية ، لأنه قد علم بالأخبار المتقدمة ان من دخل بعد الزوال فهو مفطر يجب عليه القضاء فإذا استحب له الإمساك تشبها بالصائمين لمن أكل فمن لم يأكل أولى بذلك البتة ، وهذه الاخبار خرجت مخرج الغالب في أن المفطر لا يبقى بلا أكل الى ما بعد الزوال غالبا.

واما ما ورد في موثقة محمد بن مسلم (٣) ـ قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقدم من سفره بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أيواقعها؟ قال : لا بأس به». ـ فهو غير مناف لاستحباب الإمساك.

المسألة الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الوقت الموجب للقصر على المسافر ، فقال الشيخ المفيد : ان خرج من منزله قبل الزوال وجب عليه الإفطار والقصر في الصلاة وان خرج بعد الزوال وجب عليه الإتمام في الصيام والقصر في الصلاة. وهو اختيار ابن الجنيد واليه ذهب العلامة في المختلف وبه صرح أيضا في كتاب المنتهى.

وقال في المقنع : وإذا سافر قبل الزوال فليقصر وإذا خرج بعد الزوال فليصم ، وروى ان من خرج بعد الزوال فليقصر وليقض ذلك اليوم ، وهو

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٧ ممن يصح منه الصوم.

(٢) ص ٦ وفي الوسائل الباب ٧ ممن يصح منه الصوم.

٤٠١

راجع الى كلام الشيخ المفيد.

وقال الشيخ في النهاية : إذا خرج الى السفر بعد طلوع الفجر أى وقت كان من النهار وكان قد بيت نيته من الليل للسفر وجب عليه الإفطار ، وان لم يكن قد بيت نيته من الليل ثم خرج بعد طلوع الفجر كان عليه إتمام ذلك اليوم وليس عليه قضاؤه ، وان خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه الإفطار على كل حال وكان عليه القضاء ، ومتى بيت نية السفر من الليل ولم يتفق له الخروج إلا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقية النهار وكان عليه القضاء. والى ذلك مال ابن البراج.

والمستفاد من كلام النهاية ان المعتبر في جواز الإفطار تبييت نية السفر والخروج قبل الزوال وانه مع تبييت النية والخروج بعد الزوال يجب عليه الإمساك والقضاء.

وذهب المرتضى وقبله على بن بابويه في رسالته وابن ابى عقيل وابن إدريس الى أن شرائط قصر الصلاة والصوم واحد فمن سافر في جزء من اجزاء النهار وان كان يسيرا لزمه الإفطار كما يلزمه تقصير الصلاة ، قال ابن بابويه في رسالته على ما نقله في المختلف : إذا خرجت في سفر وعليك بقية يوم فأفطر. وقال المرتضى : شروط السفر التي توجب الإفطار ولا يجوز معها صوم شهر رمضان في المسافة والصفة وغير ذلك هي الشروط التي ذكرناها في كتاب الصلاة الموجبة لقصرها. ونحوه عبارة ابن ابى عقيل وابن إدريس.

فتلخص ان في المسألة أقوالا ثلاثة : أحدها ـ الاعتبار بالزوال فان خرج قبله وجب الإفطار وان كان بعده وجب الصيام. وثانيها ـ الاعتبار بتبييت النية وعدمه. وثالثها ـ انه كالصلاة فيجب الإفطار في أي جزء خرج من النهار.

والسبب في اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف الاخبار في المسألة وها أنا اذكر جميعها لتحصيل الإحاطة :

٤٠٢

فمنها ـ صحيحة الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم؟ فقال : ان خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم وان خرج بعد الزوال فليتم يومه».

وموثقة عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام ، وإذا خرج قبل الزوال أفطر».

وحسنة عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر؟ قال : ان خرج قبل الزوال فليفطر وان خرج بعد الزوال فليصم. قال ويعرف ذلك بقول على عليه‌السلام : أصوم وأفطر حتى إذا زالت الشمس عزم علي. يعنى الصيام».

وصحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان».

وهذه الاخبار كما ترى صريحة في مذهب الشيخ المفيد ومن تبعه وان كانت الأخيرة إنما دلت بمنطوقها على بعض المدعى إلا انها تدل بالمفهوم على البعض الآخر.

ومنها ـ رواية عبد الأعلى مولى آل سام (٥) «في الرجل يريد السفر في شهر رمضان؟ قال يفطر وان خرج قبل ان تغيب الشمس بقليل».

وما رواه في المقنع مرسلا (٦) قال : «وروى ان من خرج بعد الزوال فليفطر وليقض ذلك اليوم».

وما في الفقه الرضوي (٧) حيث قال عليه‌السلام : فإذا قدمت من السفر وعليك بقية يوم فأمسك من الطعام والشراب الى الليل ، فان خرجت في سفر وعليك بقية يوم فأفطر ، وكل من وجب عليه التقصير في السفر فعليه الإفطار وكل من وجب عليه التمام في الصلاة فعليه الصيام ، متى ما أتم صام ومتى ما قصر أفطر. انتهى.

__________________

(و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٥ ممن يصح منه الصوم.

(٧) ص ٢٥.

٤٠٣

وهذه الأخبار صريحة في مذهب الشيخ على بن بابويه ومن تبعه ولا سيما عبارة كتاب الفقه لتكرر هذا الحكم في كلامه ، ومنه أخذ الشيخ على بن بابويه عبارته في الرسالة على عادته المتكررة كما نبهت عليه في غير مقام.

ويؤيد هذه الاخبار ظاهر الآية وهي قوله عزوجل (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (١) لصدقه على من خرج ولو قبل المغرب بشي‌ء يسير.

ويؤيده أيضا قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن وهب (٢) «إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت».

وقوله عليه‌السلام في موثقة سماعة (٣) في حديث «وليس يفترق التقصير والإفطار فمن قصر فليفطر».

وما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان مرسلا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره الى صيد أو في معصية الله». وروى هذه الرواية أيضا المشايخ الثلاثة كما هنا وزيادة (٥).

ومنها ـ رواية على بن يقطين عن ابى الحسن موسى عليه‌السلام (٦) «في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال : إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله وان لم يحدث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه».

ورواية أبي بصير (٧) قال : «إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتم الصوم واعتد به من شهر رمضان».

ورواية أبي بصير أيضا (٨) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل فان خرجت قبل الفجر أو

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤ ممن يصح منه الصوم.

(٥) الوسائل الباب ٨ من صلاة المسافر.

(٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٥ ممن يصح منه الصوم.

٤٠٤

بعده فأنت مفطر وعليك قضاء ذلك اليوم».

ورواية سليمان بن جعفر الجعفري (١) قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان فيخرج من أهله بعد ما يصبح؟ قال إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلا أن يدلج دلجة».

وصحيحة صفوان عن الرضا عليه‌السلام (٢) في حديث قال : «ولو انه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا والإفطار ، فإن هو أصبح ولم ينو السفر فبدا له من بعد ان أصبح في السفر قصر ولم يفطر يومه ذلك».

وبهذه الأخبار أخذ الشيخ وأفتى في النهاية ومثله في التهذيب حيث قال : ومتى خرج الإنسان إلى السفر بعد ما أصبح فإن كان قد نوى السفر من الليل لزمه الإفطار وان لم يكن نواه من الليل وجب عليه صوم ذلك اليوم ، وان خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه أيضا الإفطار وان لم يكن قد نوى السفر من الليل. ثم قال بعد نقل حسنة الحلبي وصحيحة محمد بن مسلم الدالتين على مذهب الشيخ المفيد : الوجه في هذين الخبرين وما يجرى مجراهما انه إذا خرج قبل الزوال وجب عليه الإفطار ان كان قد نوى من الليل السفر وإذا خرج بعد الزوال فإنه يستحب له أن يتم صومه ذلك فإن أفطر فليس عليه شي‌ء ، وان لم يكن قد نوى السفر من الليل فلا يجوز له الإفطار على وجه. وحاصل جوابه عن الروايات المذكورة تقييد وجوب الإفطار فيها بالخروج قبل الزوال بتبييت النية ليلا وحمل الوجوب بالخروج بعد الزوال على الاستحباب.

ومنها ـ موثقة رفاعة (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح؟ قال : يتم صومه ذلك».

وموثقة سماعة (٤) قال : «سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟ قال : إذا طلع الفجر ولم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم ، وان خرج من أهله قبل طلوع

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٥ ممن يصح منه الصوم.

٤٠٥

الفجر فليفطر ولا صيام عليه».

وروايته ايضا (١) قال «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من أراد السفر في رمضان فطلع الفجر وهو في أهله فعليه صيام ذلك اليوم وإذا سافر لا ينبغي أن يفطر ذلك اليوم وحده ، وليس يفترق التقصير والإفطار فمن قصر فليفطر».

وهذه الروايات الثلاث يمكن حملها على مذهب الشيخ لقوله بوجوب الصوم على من لم يبيت نية السفر بحمل إطلاقها على عدم تبييت نية السفر.

إلا انه ينافيها في ذلك صحيحة رفاعة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يريد السفر في رمضان؟ قال : إذا أصبح في بلده ثم خرج فان شاء صام وان شاء أفطر».

هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة ولا يخفى ما هي عليه من التدافع والتنافي ، والسيد السند في المدارك اعتمد على مذهب الشيخ المفيد لصحة رواياته باصطلاحهم لانه (قدس‌سره) كما عرفت يدور مدار صحة الأسانيد. ثم انه لما كانت صحيحة رفاعة دالة على التخيير مطلقا قال : ولو قيل بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر الرواية لم يكن بعيدا وبذلك يحصل الجمع بين الأخبار.

وبالجملة فإن من يقتصر في العمل على الأخبار الصحيحة فلا ريب في ترجيح مذهب الشيخ المفيد عنده واما من يحكم بصحة الأخبار كملا فالجمع بينها عنده لا يخلو من الإشكال.

إلا انه يمكن أن يقال بتوفيق الملك المتعال ان ما دل على مذهب الشيخ في النهاية من الاخبار التي أوردناها لا يبعد حملها على التقية التي هي في اختلاف الأحكام أصل كل بلية ، وذلك ان العلامة في المنتهى بعد أن نقل خلاف علمائنا (رضوان الله عليهم) في المسألة قال ما صورته : اما الجمهور فقد قال الشافعي إذا نوى المقيم الصوم قبل الفجر ثم خرج بعد الفجر مسافرا لم يفطر يومه ، وبه قال أبو حنيفة

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥ ممن يصح منه الصوم.

٤٠٦

ومالك والأوزاعي وأبو ثور واختاره النخعي ومكحول والزهري (١) انتهى. وهذا الكلام ظاهر في اشتراط تبييت نية الصوم في وجوب الإفطار كما هو قول الشيخ وإيجاب الصوم على من لم يكن كذلك وانما كان في نيته صوم ذلك اليوم فإنه إذا أصبح بهذه النية وجب عليه الصوم وان سافر وهذا هو الذي صرح به الشيخ كما تقدم نقله عنه. ثم نقل في المختلف (٢) عن الشافعي انه احتج بان الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا اجتمع فيها السفر والحضر غلب حكم الحضر (٣) انتهى. وهو يشير إلى انه مع نية الصيام ليلا والإصباح على تلك النية غالب على حصول السفر بعد ذلك فيجب عليه الصيام وان سافر بخلاف ما إذا نوى السفر ليلا وأصبح بهذه النية فإنه في حكم المسافر.

وبالجملة فالحمل على التقية في هذه الأخبار ظاهر وان لم يتعرض إليه أحد في ما أعلم لاعراضهم (رضوان الله عليهم) عن الترجيح بين الاخبار بالقواعد المروية عن الأئمة الأطهار (عليهم‌السلام) كما عرفته في غير موضع من ما تقدم.

بقي الكلام في أدلة القولين الآخرين والظاهر هو ترجيح أدلة شيخنا المفيد لصحتها كما عرفت وصراحتها ، واما أدلة قول الشيخ على بن بابويه ومن تبعه فهو ما بين عام وخاص ، اما العام فيمكن تقييده وتخصيصه بهذه الأدلة ، واما الخاص فهو لا يبلغ قوة في معارضة تلك الأخبار لما عرفت من صحتها وصراحتها وكثرتها الموجب لترجيحها.

وكيف كان فالاحتياط من ما لا ينبغي تركه في أمثال هذه المقامات وهو هنا يحصل بتبييت النية ثم الخروج قبل الزوال فإنه يجب الإفطار على جميع الأقوال وعليه تجتمع الأخبار الواردة في هذا المجال. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ قال ابن أبى عقيل على ما نقل عنه في المختلف : ان خرج متنزها أو متلذذا أو في شي‌ء من أبواب المعاصي يصوم وليس له أن يفطر وعليه القضاء

__________________

(١ و ٣) المغني ج ٣ ص ١٠٠.

(٢) الصحيح (المنتهى).

٤٠٧

إذا رجع الى الحضر ، لان صومه في السفر ليس بصوم وإنما أمر بالإمساك عن الإفطار لئلا يكون مفطرا في شهر رمضان في غير الوجه الذي أباح الله (عزوجل) له الإفطار فيه كما ان المفطر في يوم من شهر رمضان عامدا قد أفسد صومه وعليه أن يتم صومه ذلك الى الليل لئلا يكون مفطرا في غير الوجه الذي أمر الله (عزوجل) فيه بالإفطار. ونحوه قال ابن الجنيد وهو غريب.

قال في المختلف : والمشهور انه يجب عليه الصوم إذا كان سفره معصية ولا يجب عليه القضاء. ثم استدل بالأمر بالصوم وقد امتثل فيخرج عن العهدة وان القضاء إنما يجب بأمر جديد. وهو جيد.

ثم انه نقل عن ابن الجنيد في مقام آخر انه قال : ولا استحب لمن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم أن يخرج الى سفر إلا أن يكون لفرض حج أو عمرة أو ما يتقرب به الى الله (عزوجل) أو منفعة نفسه وماله لا في تكاثر وتفاخر فان خرج في ذلك أو في معصية الله (عزوجل) لم يفطر في سفره وكان عليه مع صيامه فيه القضاء.

ثم قال في المختلف : وقد بينا ان المشهور وجوب الصيام في المعصية وعدم وجوب القضاء ، واما الخروج للتنزه والتلذذ فان كان مباحا وجب الإفطار والقضاء وإلا وجب الصوم دون القضاء ، لنا الأصل إباحة السفر في المباح فيجب القصر في الصوم. ثم نقل عنهما الاحتجاج برواية أبي بصير الدالة على المنع من السفر في شهر رمضان وستأتي في المسألة الآتية (١) وأجاب عنها بعد الطعن في السند بالحمل على الاستحباب.

المسألة الخامسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز السفر في شهر رمضان وان كان على كراهة الى أن يمضى من الشهر ثلاثة وعشرون يوما ، ونقل عن ابى الصلاح انه قال إذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر مختارا.

__________________

(١) ص ٤١١.

٤٠٨

والمعتمد القول المشهور للأخبار الكثيرة ، إلا ان ظاهرها الاختلاف في الأفضلية في بعض المواضع وان السفر في بعضها أفضل من الصيام فإطلاق القول بأفضلية الصيام وكراهة السفر من ما لا وجه له.

فمن الأخبار المشار إليها ما رواه الصدوق في الصحيح عن العلاء عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) «انه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيام؟ فقال : لا بأس بأن يسافر ويفطر ولا يصوم».

قال ابن بابويه : وقد روى ذلك ابان بن عثمان عن الصادق عليه‌السلام (٢). وطريقه الى ابان في المشيخة صحيح فيكون الخبر صحيحا.

وما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) «في الرجل يشيع أخاه مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة؟ قال : ان كان في شهر رمضان فليفطر. قلت أيما أفضل يصوم أو يشيعه؟ قال : يشيعه ان الله (عزوجل) قد وضعه عنه». وروى الصدوق مرسلا نحوا منه (٤).

وما رواه الصدوق عن الوشاء عن حماد بن عثمان في الحسن (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل من أصحابي قد جاءني خبره من الأعوص وذلك في شهر رمضان أتلقاه وأفطر؟ قال نعم. قلت أتلقاه وأفطر أو أقيم وأصوم؟ قال تلقاه وأفطر».

وما رواه الكليني في الموثق عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٦) قال : «قلت الرجل يشيع أخاه في شهر رمضان اليوم واليومين؟ قال يفطر ويقضى. قيل له فذلك أفضل أو يقيم ولا يشيعه؟ قال يشيعه ويفطر فان ذلك حق عليه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ ممن يصح منه الصوم.

(٢) الوسائل الباب ٣ ممن يصح منه الصوم.

(٣) الفروع ج ١ ص ١٩٨ وفي الوسائل الباب ١٠ من صلاة المسافر.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٠ من صلاة المسافر.

٤٠٩

وما رواه في المقنع مرسلا (١) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشيع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة؟ فقال ان كان في شهر رمضان فليفطر. قلت أيهما أفضل يصوم أو يشيعه؟ قال يشيعه ان الله قد وضع عنه الصوم إذا شيعه».

وقد ورد بإزاء هذه الأخبار ما يدل على أفضلية الإقامة : ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا ثم يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان ان يسافر؟ فسكت فسألته غير مرة فقال يقيم أفضل إلا أن تكون له حاجة لا بد له من الخروج فيها أو يتخوف على ماله».

وما رواه الشيخ عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له جعلت فداك يدخل على شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نية زيارة قبر أبى عبد الله عليه‌السلام فأزوره وأفطر ذاهبا وجائيا أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين؟ فقال أقم حتى تفطر. قلت له جعلت فداك فهو أفضل؟ قال نعم اما تقرأ في كتاب الله عزوجل (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٤)».

وما رواه أيضا في التهذيب عن محمد بن الفضل البغدادي (٥) قال : «كتبت الى أبى الحسن العسكري عليه‌السلام جعلت فداك يدخل شهر رمضان على الرجل فيقع بقلبه زيارة الحسين عليه‌السلام وزيارة أبيك ببغداد فيقيم في منزله حتى يخرج عنه شهر رمضان ثم يزورهم أو يخرج في شهر رمضان ويفطر؟ فكتب عليه‌السلام : لشهر رمضان من الفضل والأجر ما ليس لغيره من الشهور فإذا دخل فهو المأثور».

وروى ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجل ومكاتباتهم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من صلاة المسافر والباب ٣ ممن يصح منه الصوم.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ ممن يصح منه الصوم.

(٤) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٥) الوسائل الباب ٩١ من أبواب المزار.

٤١٠

الى مولانا أبى الحسن على بن محمد (عليهما‌السلام) من مسائل داود الصرمي (١) قال : «سألته عن زيارة الحسين وزيارة آبائه (عليهم‌السلام) في شهر رمضان نزورهم؟ فقال : لرمضان من الفضل وعظيم الأجر ما ليس لغيره فإذا دخل فهو المأثور والصيام فيه أفضل من قضائه ، وإذا حضر فهو مأثور ينبغي أن يكون مأثورا».

وما رواه الشيخ عن الحسين بن المختار في القوى عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال «لا تخرج في رمضان إلا للحج أو العمرة أو مال تخاف عليه الفوت أو لزرع يحين حصاده».

وما رواه المشايخ الثلاثة عن ابى بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخروج إذا دخل شهر رمضان فقال لا إلا في ما أخبرك به : خروج إلى مكة أو غزو في سبيل الله أو مال تخاف هلاكه أو أخ تريد وداعه ، وانه ليس أخا من الأب والام». وفي التهذيب والفقيه (٤) «أو أخ تخاف هلاكه».

ويمكن أن يكون هذا الخبر هو مستند ابى الصلاح في ما تقدم نقله عنه من القول بالتحريم إلا انه لم يستثن ما استثناه عليه‌السلام في الخبر المذكور.

وما رواه الشيخ عن على بن أسباط عن رجل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط قال الله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٦) فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان ان يخرج إلا في حج أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه ، وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه ، فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء».

وهذا الخبر هو المستند في ما تقدم من انتفاء الكراهة بعد ليلة ثلاث وعشرين كما ذكروه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٩١ من أبواب المزار.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣ ممن يصح منه الصوم.

(٦) سورة البقرة الآية ١٨٢.

٤١١

والذي يتلخص من مجموع هذه الأخبار وضم بعضها الى بعض هو جواز السفر على كراهة إلا في المواضع المستثناة. إلا أن في عدم استثناء زيارة الحسين (عليه‌السلام) كما دل عليه خبر أبى بصير وخبر محمد بن الفضل وخبر السرائر إشكالا ، إذ لا تقصر عن بعض هذه المستثنيات ان لم تزد عليها. ولا يبعد حمل الأخبار المذكورة على التقية.

والعجب من جمود صاحب الوسائل على العمل بخبري محمد بن الفضل والسرائر حيث لم يذكر غيرهما مع معلومية رجحان زيارة الحسين (عليه‌السلام) على استحباب التشييع الذي تكاثرت به الاخبار المتقدمة من ما لا يخفى على العارف. والله العالم.

المسألة السادسة ـ قد تقدم في المسألة الثالثة من الاخبار ما يدل على التلازم بين قصر الصوم والصلاة مثل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن وهب (١) «هما واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت». ونحوها من الأخبار المتقدمة وبذلك صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف إلا من الشيخ في النهاية والمبسوط حيث نقل عنه ان من سافر لصيد التجارة قصر صومه وأتم صلاته ، قال في المعتبر : ونحن نطالبه بدلالة الفرق ونقول ان كان مباحا قصر فيهما وإلا أتم فيهما.

أقول : ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) من الحكم المذكور وان لم يصل إلينا دليله في الأخبار الواردة في الكتب المشهورة إلا انه مذكور في الفقه الرضوي في كتاب الصلاة حيث قال (عليه‌السلام) (٢) «وإذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والقصر في الصوم». إلا انه (عليه‌السلام) في كتاب الصوم نسب ذلك الى الرواية حيث قال (٣) والذي يلزمه التمام للصلاة والصوم في السفر المكاري والبريد والراعي والملاح لانه عملهم ، وصاحب الصيد ان كان صيده بطرا فعليه التمام في

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ ممن يصح منه الصوم.

(٢) ص ١٦.

(٣) ص ٢٥.

٤١٢

الصلاة والصوم وان كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والصوم ، وروى ان عليه الإفطار في الصوم ، وإذا كان صيده من ما يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله. انتهى.

وأنت خبير بأن أصحابنا (رضوان الله عليهم) قد أعادوا الكلام بالنسبة الى ما ذكروه في كتاب الصلاة من الأحكام الموجبة للتقصير على المسافر في الصلاة في كتاب الصوم مثل اشتراط المسافة وبيان مقدارها وبيان محل الترخص وأحكام كثير السفر ونحو ذلك ، ونحن لم نتعرض لذلك في الكتاب اعتمادا على ما تقدم في كتاب الصلاة.

المسألة السابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم الجماع لمن ساغ له الإفطار في نهار شهر رمضان فالمشهور بين الأصحاب هو الجواز على كراهة وذهب الشيخ (قدس‌سره) الى التحريم.

ويدل على الأول صحيحة عمر بن يزيد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان إله أن يصيب من النساء؟ قال : نعم».

ورواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي (٢) قال : «سألت أبا الحسن ـ يعنى موسى (عليه‌السلام) ـ عن الرجل يجامع أهله في السفر وهو في شهر رمضان قال لا بأس به».

وصحيحة على بن الحكم (٣) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يجامع أهله في السفر في شهر رمضان؟ فقال : لا بأس به».

ورواية محمد بن سهل عن أبيه (٤) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وهو مسافر؟ فقال : لا بأس».

ورواية محمد بن مسلم (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٣ ممن يصح منه الصوم.

٤١٣

الحيض أيواقعها؟ قال : لا بأس به».

وموثقة داود بن الحصين (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان ومعه جارية أيقع عليها؟ قال نعم».

ورواية أبي العباس عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يسافر ومعه جارية في شهر رمضان هل يقع عليها؟ قال : نعم».

ويدل على ما ذهب اليه الشيخ صحيحة ابن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسافر في شهر رمضان ومعه جارية له فله ان يصيب منها بالنهار؟ فقال سبحان الله اما يعرف حرمة شهر رمضان؟ ان له في الليل سبحا طويلا (٤) قلت أليس له أن يأكل ويشرب؟ فقال ان الله تعالى قد رخص للمسافر في الإفطار والتقصير رحمة وتخفيفا لموضع التعب والنصب ووعث السفر ولم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان ، وأوجب عليه قضاء الصيام ولم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا آب من سفره. ثم قال : والسنة لا تقاس وانى إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت وما أشرب كل الري».

ورواية عبد الله بن سنان (٥) قال : «سألته عن الرجل يأتي جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر؟ فقال : اما عرف هذا حق شهر رمضان؟ ان له في الليل سبحا طويلا (٦)».

ورواية محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في شهر رمضان فان ذلك محرم عليه».

وجمع الشيخ بين الاخبار بحمل ما تضمن الاذن في الوطء على من غلبته الشهوة ولم يتمكن من الصبر عليها ويخاف على نفسه الدخول في محظور فاما من يقدر على الصبر فليس له ذلك. ثم قال : ان حديث عمر بن يزيد ونحوه ليس فيه تعرض

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٧) الوسائل الباب ١٣ ممن يصح منه الصوم.

(٤ و ٦) اقتباس من قوله تعالى في سورة المزمل الآية ٨ (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً).

٤١٤

لذكر النهار فيحمل على ارادة الليل. ورد المتأخرون كلامه بالبعد.

والأصحاب قد جمعوا بين الأخبار بحمل أدلة الشيخ على الكراهة المغلظة :

قال في الكافي : الفضل عندي أن يوقر الرجل شهر رمضان ويمسك عن النساء في السفر بالنهار إلا أن يكون يغلبه الشبق ويخاف على نفسه ، وقد رخص له أن يأتي الحلال كما رخص للمسافر الذي لا يجد الماء إذا غلبه الشبق أن يأتي الحلال ، قال : ويؤجر في ذلك كما انه إذا أتى الحرام اثم. وقال في الفقيه : النهى عن الجماع للمقصر في السفر انما هو نهى كراهة لا نهى تحريم. قال في الوافي : ويشبه أن يكون الحكم بالجواز ورد مورد التقية والاحتياط هنا من ما لا ينبغي تركه. انتهى.

أقول : قد عرفت بما قدمنا في غير موضع ما في الجمع بين الاخبار بالحمل على الكراهة والاستحباب وان اشتهر ذلك وصار قاعدة كلية بين الأصحاب ، ولا سيما صحيحة ابن سنان المذكورة ورواية محمد بن مسلم فإنهما صريحتان في التحريم خصوصا صحيحة ابن سنان من نسبته عليه‌السلام حمل الجماع على الأكل والشرب على القياس وقوله عليه‌السلام : «ان السنة لا تقاس» بمعنى ان تحليل الأكل والشرب لا يستلزم تحليل الجماع كما ان الشارع أوجب على المسافر قضاء الصوم ولم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة مع اشتراكهما في الفوات بالسفر.

والأظهر عندي حمل هذه الأخبار التي استدل بها الشيخ على التقية ، والعامة وان كانوا هنا على قولين ايضا فمذهب الشافعي كما نقله في المنتهى موافق للقول المشهور ومذهب احمد موافق لمذهب الشيخ (١) إلا انه لما كان أصحابنا (رضوان الله عليهم) متقدموهم ومتأخروهم عدا الشيخ على القول بالجواز عملا بالأخبار المتقدمة فإن ذلك يوجب العلم أو الظن المتاخم له بان ذلك هو مذهب الأئمة (عليهم‌السلام) فان مذهبهم إنما يعلم بنقل شيعتهم واتباعهم كما ان مذهب كل امام من أئمة الضلال إنما يعلم بنقل اتباعه وتدينهم به. واما ما ذكره في الوافي من اختيار حمل أخبار الجواز

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ١٠١ و ١٠٢ و ١٣٤.

٤١٥

على التقية فالظاهر بعده لما عرفت. وكيف كان فالاحتياط من ما ينبغي المحافظة عليه.

وقد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أيضا بأنه يكره التملي لمن ساغ له الإفطار في شهر رمضان واستدلوا عليه بان فيه تشبها بالصائمين وامتناعا من الملاذ طاعة لله تعالى. والاولى الاستدلال عليه بما تقدم في صحيحة ابن سنان من قوله عليه‌السلام : «انى إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت». وفي رواية الفقيه (١) «كل القوت وما أشرب كل الري». والله العالم

المسألة الثامنة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يستحب الإمساك تأديبا وان لم يكن ذلك صياما في مواطن : المسافر إذا قدم أهله أو بلدا يعزم الإقامة فيها بعد الزوال أو قبله وقد أفطر ، والمريض إذا برئ بعد الزوال ، والحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار ، وكذا الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا.

ويدل على بعض ذلك ما تقدم في حديثي الزهري وكتاب الفقه المذكور في صدر الكتاب (٢) حيث قالا (عليهما‌السلام): «واما صوم التأديب فإنه يؤمر الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديبا وليس بفرض ، وكذلك من أفطر لعلة أول النهار ثم قوى بقية يومه أمر بالإمساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض ، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله بقية يومه أمر بالإمساك تأديبا وليس بفرض ، وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقية يومها».

وفي موثقة سماعة (٣) قال سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل؟ قال : لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا ولا يواقع في شهر رمضان ان كان له أهل».

وفي رواية محمد بن عيسى عن يونس (٤) قال قال «في المسافر الذي يدخل أهله في

__________________

(١) ج ٢ ص ٩٣.

(٢) ص ٦ وفي الوسائل الباب ٧ ممن يصح منه الصوم.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٧ ممن يصح منه الصوم.

٤١٦

شهر رمضان وقد أكل قبل دخوله؟ قال : يكف عن الأكل بقية يومه وعليه القضاء».

الى غير ذلك من الأخبار الواردة في المقام.

المسألة التاسعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم الشيخ والشيخة إذا عجزا عن الصيام أو أطاقاه بمشقة شديدة ، فقيل بأنهما يفطران ويتصدقان عن كل يوم بمد من طعام ، ذهب اليه الشيخ وجماعة من الأصحاب وبه صرح العلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر واختاره السيد السند في المدارك ، لكنه في النهاية أوجب مدين فان عجز فمد. وقيل بأنهما إذا عجزا عن الصوم فلا كفارة كما انه لا يجب عليهما الصيام فكذا لا تجب الكفارة وان أطاقاه بمشقة وجبت الكفارة وسقط الصيام ، ذهب اليه الشيخ المفيد والسيد المرتضى ونسبه في المنتهى الى أكثر علمائنا وهو مختار العلامة في المختلف والشهيد الثاني. ومرجع الخلاف الى وجوب الكفارة في صورة العجز وعدمه لاتفاق الجميع على الوجوب في صورة المشقة الشديدة.

واستدل على القول الأول بما رواه الكليني والصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام ، ولا قضاء عليهما».

ورواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي (٢) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان؟ قال : تصدق عن كل يوم بمد من حنطة».

وهذه الرواية وصفها في المدارك بالصحة تبعا للعلامة في المختلف وهو غفلة منهما فان عبد الملك المذكور مهمل في الرجال لم ينص أحد على توثيقه ولا مدحه وانما الثقة عبد الملك بن عتبة النخعي.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٥ ممن يصح منه الصوم.

٤١٧

وصحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان؟ فقال : يتصدق بما يجزئ عنه طعام مسكين لكل يوم».

قال في المدارك بعد نقل هذه الاخبار : ولم نقف للمفيد واتباعه على رواية تدل على ما ذكروه من التفصيل ، وقد اعترف بذلك الشيخ في التهذيب فقال بعد أن أورد عبارة المفيد : هذا الذي فصل به بين من يطيق الصيام بمشقة وبين من لا يطيقه أصلا لم أجد به حديثا مفصلا والأحاديث كلها على انه متى عجزا كفرا عنه. والذي حمله على هذا التفصيل هو انه ذهب الى ان الكفارة فرع على وجوب الصوم ، ومن ضعف عن الصيام ضعفا لا يقدر عليه جملة فإنه يسقط عنه وجوبه جملة لانه لا يحسن تكليفه بالصيام وحاله هذه وقد قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها) (٢) قال : وهذا ليس بصحيح لان وجوب الكفارة ليس بمبنى على وجوب الصوم ، إذ لا يمتنع أن يقول الله عزوجل : متى لم تطيقوا الصوم صارت مصلحتكم في الكفارة وسقط وجوب الصوم عنكم. وليس لأحدهما تعلق بالآخر.

قال في المدارك : هذا كلامه (قدس‌سره) وهو جيد لكن ما وجه به كلام المفيد لا وجه له فان التكليف بالصيام كما يسقط مع العجز عنه لإناطة التكليف بالوسع كذا يسقط مع المشقة الشديدة لأن العسر غير مراد لله تعالى. وأيضا فإنه لا خلاف في جواز الإفطار مع المشقة الشديدة وإنما الكلام في وجوب التكفير معه كما هو واضح. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من الاستدلال على كلام الشيخ جيد لكن قوله أخيرا ـ إنما الكلام في وجوب التكفير مع جواز الإفطار في صورة المشقة الشديدة ـ ليس بجيد فإنه لا كلام هنا ولا خلاف في وجوب الكفارة في هذه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ ممن يصح منه الصوم.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٨٧.

٤١٨

الصورة إنما الكلام والخلاف في صورة العجز كما أشرنا إليه في صدر الكلام.

ثم نقل (قدس‌سره) عن العلامة في المختلف انه استدل على هذا التفصيل بقول الله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (١) فإنه يدل بمفهومه على سقوط الفدية عن الذين لا يطيقونه. وبأصالة البراءة من وجوب التكفير مع العجز ومنع دلالة الروايات على الوجوب : اما رواية محمد بن مسلم فلاقتضائها نفى الحرج عنهما على الإفطار ونفى الحرج يفهم منه ثبوت التكليف وانما يتم مع القدرة ، واما روايتا الحلبي وعبد الملك الهاشمي فلأن موردهما من ضعف عن الصوم والضعف لا يستلزم العجز.

ثم قال (قدس‌سره) : ويتوجه عليه ان الآية الشريفة غير محمولة على ظاهرها بل اما منسوخة كما هو قول بعض المفسرين (٢) أو محمولة على ان المراد «وعلى الذين كان يطيقونه ثم عجزوا عنه» كما هو مروي في أخبارنا (٣) واما الروايات فهي بإطلاقها متناولة للحالين فان الضعف عن الصوم يتحقق بالعجز عنه وبالمشقة اللازمة منه وكذا نفى الحرج يتحقق مع الوصفين ، وبالجملة فالأحاديث مطلقة فيجب حملها على إطلاقها. انتهى.

أقول : تحقيق الكلام في المقام يرجع الى تحقيق معنى الآية أولا ثم بيان الكلام في الأخبار المذكورة :

اما الآية فما ذكره فيها من النسخ مبنى على ما قاله بعضهم من انه كان القادر على الصيام الذي لا عذر له في تركه مخيرا بين الصيام وبين الفدية لكل يوم نصف صاع وقيل مد ، وكان ذلك في صدر الإسلام حين فرض عليهم الصيام ولم يتعودا فرخص لهم في الإفطار والفدية ، ثم نسخ ذلك بقوله عزوجل : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

(٢) ارجع الى البيان لآية الله الخوئي ج ١ ص ٢٠٧.

(٣) ص ٤٢٠ رقم ٣.

٤١٩

الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (١). وهذا مع عدم الدليل عليه في أخبارنا مردود بظواهر الأخبار الواردة في تفسير الآية المذكورة كما ستقف عليه في المقام ان شاء الله تعالى.

واما المعنى الآخر الذي ذكره فهو وان ورد في موثقة ابن بكير على رواية الفقيه وابن فضال عن بعض أصحابنا على رواية الكافي (٢) عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في قول الله عزوجل (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ)؟ (٤) قال : الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مد».

إلا انه قد روى ثقة الإسلام والشيخ في كتابيهما في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٥) «في قول الله عزوجل (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (٦)؟ قال : الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش. الحديث».

وروى العياشي في تفسيره (٧) عن سماعة عن ابى بصير قال : «سألته عن قول الله عزوجل (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (٨)؟ قال : هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع والمريض».

وروى (٩) عن رفاعة عن ابى عبد الله عليه‌السلام «في قول الله عزوجل (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (١٠)؟ قال : المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير».

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ قد فسرت «الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» في الآية بالشيخ الكبير والمريض والمرضع التي تخاف على ولدها فله اللبن من الصيام ، وهي أرجح سندا وعددا ودلالة من الرواية التي اعتمدها.

ويؤيد العمل بظاهر هذه الأخبار أيضا أولا ـ انه مع الحمل على المعنى الذي دلت عليه تلك الرواية يستلزم الحذف والتقدير في الآية كما دل عليه الخبر المذكور والأصل عدمه واما على ما نقلناه من الأخبار فلا.

وثانيا ـ انه يلزم فصل ما ظاهره الوصل في الآية وهو قوله عزوجل : (وَأَنْ

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨٢.

(٢) السند فيه : ابن فضال عن ابن بكير عن بعض أصحابنا.

(٣ و ٥ و ٧ و ٩) الوسائل الباب ١٥ ممن يصح منه الصوم.

(٤ و ٦ و ٨ و ١٠) سورة البقرة الآية ١٨١.

٤٢٠