الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

ومنها ـ صوم شهر رجب كلا أو بعضا ، روى الشيخ والصدوق (قدس‌سرهما) عن ابان بن عثمان قال : حدثنا كثير بياع النوى عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ان نوحا ركب في السفينة أول يوم من رجب فأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم وقال من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة ، ومن صام سبعة أيام منه أغلقت عنه أبواب النيران السبعة ، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان الثمانية ، ومن صام عشرة أيام منه أعطي مسألته ، ومن صام خمسة وعشرين يوما منه قيل له استأنف العمل فقد غفر لك ، ومن زاد زاده الله».

وقال الصدوق (٢) «قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : رجب نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل فمن صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر».

وروى الصدوق في كتاب المجالس (٣) عن سلام الخثعمي عن ابى جعفر محمد ابن على الباقر (عليه‌السلام) قال : «من صام من رجب يوما واحدا من أوله أو وسطه أو آخره أوجب الله له الجنة وجعله معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن صام يومين من رجب قيل له استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى ، ومن صام ثلاثة أيام قيل له قد غفر لك ما مضى وما بقي فاشفع لمن شئت من مذنبي إخوانك وأهل معرفتك ، ومن صام سبعة أيام من رجب أغلقت عنه أبواب النيران السبعة ، ومن صام ثمانية أيام من رجب فتحت له أبواب الجنة الثمانية فيدخلها من أيها شاء».

وروى الشيخ المفيد في كتاب مسار الشيعة (٤) قال : «روى عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) انه كان يصوم رجبا كله ويقول رجب شهري وشعبان شهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشهر رمضان شهر الله عزوجل». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٦ من الصوم المندوب رقم ١ و ٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٦ من الصوم المندوب.

٣٨١

ومنها ـ صوم شعبان كلا أو بعضا ، روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل صام أحد من آبائك شعبان قط؟ قال : صامه خير آبائي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى فيه في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «كن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك الى شعبان كراهة ان يمنعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاجته فإذا كان شعبان صمن وصام معهن ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول شعبان شهري».

وروى فيه ايضا عن عنبسة العابد (٣) قال : «قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على صوم شعبان ورمضان وثلاثة أيام في كل شهر. أول خميس وأوسط أربعاء وآخر خميس وكان أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما‌السلام) يصومان ذلك».

وروى فيه أيضا في الصحيح عن الفضيل بن يسار (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول. وذكر حديثا الى أن قال : وفرض الله تعالى في السنة صوم شهر رمضان وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صوم شعبان وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة فأجاز الله (عزوجل) له ذلك».

وروى ايضا بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن ابى جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٥) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صام شعبان كان له طهرا من كل زلة ووصمة وبادرة. قال أبو حمزة قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ما الوصمة؟ قال اليمين في المعصية والنذر في المعصية. قلت فما البادرة؟ قال اليمين عند الغضب والتوبة منها الندم عليها».

وروى في الفقيه عن عبد الله بن مرحوم الأزدي (٦) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنة البتة ، ومن صام يومين نظر الله إليه في كل يوم وليلة في دار الدنيا ودام نظره إليه في الجنة ، ومن صام ثلاثة أيام زار الله في عرشه من جنته في كل يوم».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٨ من الصوم المندوب.

٣٨٢

وروى الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة (١) عن محمد بن سنان عن زيد الشحام قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام هل صام أحد من آبائك شعبان؟ فقال نعم كان آبائي يصومونه وأنا أصومه وآمر شيعتي بصومه ، فمن صام منكم شعبان حتى يصله بشهر رمضان كان حقا على الله ان يعطيه جنتين ويناديه ملك من بطنان العرش عند إفطاره كل ليلة يا فلان طبت وطابت لك الجنة وكفى بك انك سررت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موته».

قال الكليني (٢) : وجاء في صوم شعبان انه سئل عليه‌السلام عنه فقال : ما صامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أحد من آبائي. وحمله (قدس‌سره) على نفى الفرض والوجوب وانهم ما صاموا على ذلك الوجه بل على الاستحباب ، قال : وذلك ان قوما قالوا ان صومه فرض مثل صيام شهر رمضان وان من أفطر يوما من شعبان وجبت عليه الكفارة.

وقال الشيخ (قدس‌سره) (٣) بعد ان أورد جملة من الأخبار المتضمنة للترغيب في صوم شعبان ما صورته : فأما الأخبار التي وردت في النهي عن صوم شعبان وانه ما صامه أحد من الأئمة (عليهم‌السلام) فالمراد بها انه لم يصمه أحد من الأئمة (عليهم‌السلام) على ان صومه يجرى مجرى شهر رمضان في الفرض والوجوب لان قوما قالوا ان صومه فريضة وكان أبو الخطاب (لعنه الله) وأصحابه يذهبون اليه ويقولون ان من أفطر يوما منه لزمه من الكفارة ما يلزم من أفطر يوما من شهر رمضان فورد عنهم (عليهم‌السلام) الإنكار لذلك وانه لم يصمه أحد منهم على هذا الوجه. انتهى.

وروى في الكافي مسندا عن أبى الصباح الكناني ومن لا يحضره الفقيه مرسلا عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من الصوم المندوب.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من الصوم المندوب.

(٣) التهذيب ج ٤ ص ٣٠٩.

٣٨٣

ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «صوم شعبان وشهر رمضان متتابعين توبة من الله والله».

قال في الوافي : التوبة من العبد ان يتوب الى الله تعالى والتوبة من الله أن يقيم من العبد عبادة مقام توبته فيطهره بها من ذنوبه.

وروى في من لا يحضره الفقيه عن المفضل بن عمر عن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : «كان أبى يفصل ما بين شعبان وشهر رمضان بيوم وكان على بن الحسين عليه‌السلام يصل ما بينهما ويقول : صوم شهرين متتابعين توبة من الله».

قال (قدس‌سره) : وقد صامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصله بشهر رمضان وصامه وفصل بينهما ، ولم يصمه كله في جميع سنيه إلا ان أكثر صيامه كان فيه.

قال في الوافي بعد نقل ذلك : هذا من ما يدل على ان صيام شعبان ليس من صيام السنة وإنما هو من صيام الترغيب. انتهى.

أقول : الظاهر من أكثر الأخبار انه كان يحافظ على صيامه كملا وكذا الثلاثة المتقدمة ليكون ذلك مع صوم شهر رمضان صوم الدهر ، وكذا أصحابه مثل سلمان وابى ذر ونحوهما كما وردت به الأخبار التي وصلت إلينا ، وهو اعرف بما ذكره

وروى في الكافي والفقيه عن عمرو بن خالد عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم شعبان وشهر رمضان يصلهما وينهى الناس أن يصلوهما وكان يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله هما شهرا الله تعالى وهما كفارة لما قبلهما ولما بعدهما من الذنوب».

وروى في الفقيه مرسلا قال قال الصادق عليه‌السلام (٤) : «من صام ثلاثة أيام من آخر شعبان ووصلها بشهر رمضان كتب الله له صوم شهرين متتابعين».

وروى في الكافي عن محمد بن سليمان عن أبيه (٥) قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في الرجل يصوم شعبان وشهر رمضان؟ قال هما الشهران اللذان قال الله تعالى (شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ) (٦) قلت : فلا يفصل بينهما؟ قال إذا أفطر من

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٩ من الصوم المندوب.

(٦) سورة النساء الآية ٩٥.

٣٨٤

الليل فهو فصل ، وانما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا وصال في صيام. يعنى لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار ، وقد يستحب للعبد ان لا يدع السحور».

أقول : ظاهر هذه الأخبار الاختلاف في أفضلية الفصل والوصل ولكن أكثرها ظاهر في استحباب الوصل ، وذكر الشيخ ان الأخبار التي تضمنت الفصل بين شهر شعبان وشهر رمضان فالمراد بها النهى عن الوصال الذي بينا في ما مضى انه محرم ، واستدل على هذا التأويل برواية محمد بن سليمان عن أبيه المذكورة. وفيه ان الرواية الدالة على الفصل وهي رواية المفضل بن عمر صريحة في كون الباقر عليه‌السلام كان يفصل بينهما بيوم يفطر فيه لا بمعنى ما ذكره من أن المراد الفصل الذي هو عدم الوصل المحرم ، ومثلها كلام الصدوق المأخوذ من النصوص البتة وقوله فيه «وصامه وفصل بينهما ولم يصمه كله في جميع سنيه» فإنه ظاهر في إفطار يوم أو أيام من آخره يتحقق بها الفصل.

واما رواية محمد بن سليمان المذكورة فالظاهر ان السائل فهم من التتابع الذي ذكره عليه‌السلام لزوم الوصل من غير إفطار وكان قد سمع النهى عن الوصال فأشكل الأمر عليه ، فاستفهم عن ذلك فأجابه بالفرق بين الأمرين وان التتابع في هذين الشهرين يحصل مع الفصل بينهما بالإفطار ليلا وليس هو من قبيل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا وصال في صيام» المنهي عنه الذي هو عبارة عن أن يصوم يومين من غير إفطار.

بقي الكلام في ما دلت عليه رواية عمرو بن خالد من انه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصل الشهرين وينهى الناس أن يصلوهما ، والصدوق بعد ذكر هذه الرواية حمل النهي في قوله : «وينهى الناس أن يصلوهما» على الإنكار والحكاية دون الاخبار ، يعنى من شاء وصل ومن شاء فصل ، واستدل عليه بخبر المفضل.

وقال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقل ذلك عنه ما لفظه : أقول بل الأولى أن يجعل الوصل هنا بمعنى ترك الإفطار إلى السحر حتى يصير صوم وصال

٣٨٥

ليكون موافقا لما رواه في الفقيه (١) ايضا : انه نهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الوصال في الصيام وكان يواصل. الحديث. كما يأتي في الباب الآتي ولخبر سليمان الآتي في هذا الباب. وما ذكره بعيد عن سياق الكلام وما بعده جدا ، مع ان ذلك ليس من ما يتعجب منه ويستنكر إذا كان له صلى‌الله‌عليه‌وآله خصائص ليست لأمته كما يدل عليه الخبر الآتي وغيره من الأخبار. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) وان كان محتملا إلا أن حمل الخبر عليه لا يخلو من بعد ، لأن أحاديث هذا الباب قد تضمن جملة منها الأمر بالوصل والندب اليه وليس هو إلا عبارة عن عدم الفصل بإفطار آخر الشهر فإخراج هذا الخبر من بينها بالحمل على ما ذكره من حيث تضمنه نهى الناس عن الوصل بعيد. والظاهر ان كلام الصدوق هنا في تأويل الخبر أقرب.

وقد عد الأصحاب جملة من الأيام التي يستحب صومها لما فيها من المزايا الشريفة ، وحيث لم نجد لها دليلا من الاخبار لم نتعرض لذكرها.

وذكر بعضهم ايضا استحباب صوم ستة أيام من شوال بعد يوم الفطر ولم أقف له على دليل ، وقد تقدم في روايتي الزهري والفقه الرضوي (٢) انه من الافراد المخير بين صومها وتركه وهو مؤذن بعدم الاستحباب كما بينا آنفا.

والعلامة في المنتهى استدل على ذلك بخبر من طريق الجمهور عن أبي أيوب (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صام شهر رمضان واتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر». ثم قال : ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في حديث الزهري عن على بن الحسين عليه‌السلام في وجوه الصيام (٤).

وأنت خبير بما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، مع انه قد روى الشيخ بسنده

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الصوم المحرم والمكروه.

(٢) ص ٥.

(٣) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٩٢.

(٤) الوسائل الباب ٥ من الصوم المندوب.

٣٨٦

عن زياد بن أبى الحلال (١) قال : «قال لنا أبو عبد الله عليه‌السلام لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيام ولا بعد الفطر ثلاثة أيام إنها أيام أكل وشرب».

ومثله روى في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اليومين اللذين بعد الفطر أيصامان أم لا؟ فقال : اكره لك أن تصومهما».

وروى الشيخ في الموثق عن حريز عنهم (عليهم‌السلام) (٣) قال : «إذا أفطرت من رمضان فلا تصومن بعد الفطر تطوعا إلا بعد ثلاث يمضين».

وبذلك يظهر ان الحكم في هذه الأيام هو الكراهة ـ ان لم نقل بالتحريم ـ لا الاستحباب.

المطلب الثالث

في المنهي عنه تحريما أو كراهة

فالكلام في مقامين الأول ـ الصيام المحرم وهو افراد أحدها وثانيها ـ صوم العيدين وأيام التشريق ، قال في المعتبر والتذكرة : وعليه إجماع علماء الإسلام.

والروايات بذلك متظافرة منها ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (٤) قال : «سألته عن صيام يوم الفطر؟ فقال لا ينبغي صيامه ولا صيام أيام التشريق».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن قتيبة الأعشى (٥) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صوم ستة أيام : العيدين وأيام التشريق واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣ من الصوم المحرم والمكروه.

(٢) الوسائل الباب ٣ من الصوم المحرم والمكروه. وفي الفروع ج ١ ص ٢٠٣ «سألت أبا الحسن ع».

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١ من الصوم المحرم والمكروه.

٣٨٧

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن عبد الكريم بن عمرو (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم (عجل الله فرجه)؟ فقال : لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم يشك فيه».

واستثنى الشيخ من تحريم صوم العيدين وأيام التشريق حكم القاتل في أشهر الحرم فإنه يجب عليه صوم شهرين من أشهر الحرم وان دخل فيها العيد وأيام التشريق :

لما رواه عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام؟ قال : تغلظ عليه الدية وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم. قلت فإنه يدخل في هذا شي‌ء؟ فقال وما هو؟ قلت يوم العيد وأيام التشريق. قال يصوم فإنه حق لزمه».

والمشهور بين الأصحاب هو عموم التحريم ، قال الشيخ بعد إيراد هذا الخبر انه ليس بمناف لما تضمنه الخبر الأول من تحريم صوم العيدين لان التحريم إنما وقع على من يصومهما مختارا مبتدئا فاما إذا لزمه شهران متتابعان على حسب ما تضمنه الخبر فيلزمه صوم هذه الأيام لا دخالة نفسه في ذلك.

ورد العلامة في التذكرة هذا الخبر بان في طريقه سهل بن زياد ومع ذلك فهو مخالف للإجماع. وقال في المختلف انه قاصر عن افادة المطلوب إذ ليس فيه انه يصوم العيد وإنما أمره بصوم أشهر الحرم وليس في ذلك دلالة على صوم العيد وأيام التشريق يجوز صومها في غير منى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من وجوب الصوم ونيته. وقد تقدمت هذه الرواية ص ١٨٨ باللفظ الذي يرويها به في الفروع ج ١ ص ٢٠١ عن كرام ، وقد ذكرت في التعليقة ٧ هناك ان الراوي كرام ويروى عنه ابن ابى عمير حيث ان رواية عبد الكريم بن عمرو المروية في التهذيب ج ٤ ص ١٨٣ والفقيه ج ٢ ص ٧٩ انما هي باللفظ المذكور هنا.

(٢) الوسائل الباب ٨ من بقية الصوم الواجب ، والرواية للكليني في الفروع ج ١ ص ٢٠١ والشيخ يرويها عنه في التهذيب ج ٤ ص ٢٩٧. وفيه «تغلظ عليه العقوبة».

٣٨٨

ولا يخفى ما فيه مع انه قد روى في الحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور الصحيح على المختار عن زرارة (١) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجل قتل رجلا في الحرم؟ قال عليه دية وثلث ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ويعتق رقبة ويطعم ستين مسكينا. قال قلت يدخل في هذا شي‌ء؟ قال وما يدخل؟ قلت العيدان وأيام التشريق. قال يصوم فإنه حق لزمه».

قال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى ـ ونعم ما قال ـ بعد أن نقل هذه الرواية وأشار الى الرواية السابقة ما لفظه : وأورده الشيخ في الكتابين مصرحا بالاعتماد عليه في إثبات هذا الحكم ، وأنكره جماعة من الأصحاب استضعافا لطريق الخبر عن النهوض لتخصيص عموم ما دل على المنع من صوم هذه الأيام. وللنظر في ذلك مجال فان دليل المنع هنا منحصر في الإجماع والاخبار ، وظاهر ان مصير الشيخ الى العمل بحديث التخصيص يبعد احتمال النظر في العموم إلى الإجماع ، واما الاخبار فما هي بمقام إباء لقوة دلالة أو طريق عن قبول هذا التخصيص ، على ان الشيخ روى صوم هذه الأيام في كتاب الديات من طريقين : أحدهما من واضح الصحيح والآخر مشهوري (٢) والصدوق أورد المشهوري في كتاب من لا يحضره الفقيه ايضا (٣) فالعجب من قصور تتبع الجماعة حتى حسبوا انحصار المأخذ في الخبر الضعيف. انتهى.

وبذلك يظهر لك ما في كلام السيد السند في المدارك حيث انه بعد أن أورد حسنة زرارة المذكورة قال : وهذه الرواية وان كانت معتبرة الإسناد إلا ان الخروج بها عن مقتضى الأخبار الصحيحة المتضمنة لتحريم صوم هذه الأيام مشكل ، وكيف كان فالمعتمد التحريم مطلقا. انتهى.

أقول : فيه ان الأخبار الواردة بتحريم صوم العيدين ليس فيها ما هو صحيح باصطلاحه كما لا يخفى على من راجعها ، ومع تسليم ذلك فالتخصيص باب معمول

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من بقية الصوم الواجب.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من ديات النفس.

٣٨٩

عليه عندهم في غير موضع فأي مانع من تخصيص تلك الأخبار ـ وان كانت صحيحة ـ بهذه الاخبار. وبالجملة فالأصح هو العمل بما دل عليه الخبران المذكوران.

وينبغي أن يعلم ان تحريم صيام أيام التشريق إنما هو لمن كان بمنى كما يدل عليه ما رواه في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيام أيام التشريق قال إنما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن صيامها بمنى فاما بغيرها فلا بأس».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار ايضا (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيام أيام التشريق فقال اما بالأمصار فلا بأس واما بمنى فلا».

والظاهر انه من ما لا خلاف فيه وان كان بعضهم أطلق فمراده التقييد كما صرح به العلامة في المختلف ، نعم في جملة من العبارات التقييد بمن كان ناسكا ، والاخبار خالية من هذا القيد ولعل من قيد بذلك بنى على ما هو الغالب وحمل الروايات على ذلك. وهو جيد.

وقال الشهيد في الدروس : روى إسحاق بن عمار ايضا عن الصادق عليه‌السلام صيام أيام التشريق بدلا عن الهدى (٣). ثم استقرب المنع. وسيأتي تحقيق المسألة في محلها ان شاء الله تعالى.

ومنها ـ صوم يوم الثلاثين من شعبان وهو يوم الشك بنية الفرض وقد تقدم تحقيق الكلام فيه ، وعلى ذلك تحمل الأخبار المتقدمة في تحريم صوم العيدين.

ومنها ـ صوم الصمت وهو أن ينوي الصوم ساكتا ، وقد أجمع الأصحاب على تحريمه لانه غير مشروع في الملة المحمدية فيكون بدعة.

ولما تقدم في أول الكتاب من حديث الزهري وكتاب الفقه الرضوي (٤) من قولهما : «وصوم الوصال حرام وصوم الصمت حرام».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من الصوم المحرم والمكروه.

(٣) الوسائل الباب ٥١ من أبواب الذبح.

(٤) ص ٥.

٣٩٠

وما رواه في الفقيه (١) في الصحيح عن زرارة قال : «سأل زرارة أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم الدهر فقال لم يزل مكروها. وقال لا وصال في صيام ولا صمت يوما الى الليل».

وروى في الفقيه بسنده عن حماد بن عمرو وانس بن محمد عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المذكورة في آخر الكتاب (٢) قال : «ولا صمت يوما الى الليل. الى أن قال : وصوم الصمت حرام».

والمفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان هذا الصوم يقع فاسدا لمكان النهى.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم : ويحتمل الصحة لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النية وتوجه النهي إلى الصمت المنوي ونيته وهو خارج عن حقيقة العبادة.

أقول : لا يخفى ان جملة من هذه الاخبار قد صرحت بان صوم الصمت حرام ، ومرجعه الى تحريم الإمساك على هذا الوجه ، فكيف يحتمل الصحة لصدق الامتثال كما ذكره؟ والنهى ليس متوجها الى الصمت المنوي كما ذكره بل متوجه الى الصوم المقترن بالصمت ، فان المراد بقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة «ولا صمت يوما الى الليل» ليس هو النهى عن الصمت مطلقا وانما المراد الصيام صامتا وإلا لم يكن لا يراد هذا الخبر في باب الصوم وجه. ومع الإغماض عن ذلك فانا نقول ان النهى وان كان متوجها الى أمر خارج عن الصيام لكن هذا الأمر مأخوذ في النية التي هي شرط في الصحة وليس الصوم مقصودا إلا بهذا القيد المحرم ، وحينئذ فلا يمكن قصد القربة به مع كونه منهيا عنه ومتى بطلت النية التي هي شرط أو شطر بطل المشروط والكل.

__________________

(١) ج ٢ ص ١١٢ وفي الوسائل الباب ٧ و ٤ و ٥ من الصوم المحرم والمكروه.

(٢) الوسائل الباب ٥ من الصوم المحرم والمكروه.

٣٩١

ومنها ـ صوم الوصال ، والظاهر انه لا خلاف بينهم في تحريمه.

وعليه يدل ما تقدم من خبري الزهري وكتاب الفقه وما تقدم من صحيحة زرارة.

وما رواه في الفقيه (١) بإسناده إلى منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «لا وصال في صيام ولا صمت يوما الى الليل».

وما رواه في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام (٢) المتقدمة قال : «لا وصال في صيام. الى أن قال : وصوم الوصال حرام».

قال الصدوق (رضي‌الله‌عنه) (٣) «ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الوصال في الصيام وكان يواصل فقيل له في ذلك؟ فقال انى لست كأحدكم إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني».

قال : وقال الصادق عليه‌السلام (٤) «الوصال الذي نهى عنه ان يجعل الرجل عشاءه سحوره».

أقول : لا اشكال ولا خلاف في تحريم صوم الوصال وانما الخلاف والاشكال في معناه وانه عبارة عن ما ذا؟ وقد دل الخبر المنقول عن الصادق عليه‌السلام على انه عبارة عن ان يجعل الرجل عشاءه سحوره».

وعلى ذلك دل ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره».

وفي الصحيح عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٦) قال «المواصل في الصيام يصوم يوما وليلة ويفطر في السحر».

وبمضمون هذه الروايات افتى الشيخ في النهاية وأكثر الأصحاب.

وعن الشيخ في الاقتصاد وابن إدريس انه عبارة عن ان يصوم يومين بليلة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٤ من الصوم المحرم والمكروه.

٣٩٢

بينهما وعليه تدل رواية محمد بن سليمان عن أبيه المتقدمة في صوم شعبان (١) وجعل في المعتبر هذا هو الاولى.

قال في المدارك : وكأن وجهه الاقتصار في ما خالف الأصل على موضع الوفاق. ثم قال : لكن الرواية بذلك ضعيفة جدا فكان المصير إلى الأول متعينا لصحة مستنده.

أقول : ولعل الوجه الجمع بين الأخبار هنا بتفسير الوصال بكل من الأمرين وانه محرم بكل منهما. والظاهر انه انما يتحقق الوصال بكل من الأمرين المذكورين بنية الصوم كذلك لا بوقوعه كيف اتفق ، لان العبادات صحة وبطلانا وثوابا وعقابا وتحليلا وتحريما دائرة مدار النيات والقصود ، فلو أخر عشاءه الى وقت السحور لا بهذا القصد أو ترك الأكل يومين بليلة بينهما لا كذلك فالظاهر عدم دخوله في الوصال وان كان الأولى ترك ذلك لما يستفاد من ظاهر الأخبار بان الوصال عبارة عن مجرد التأخير.

قال في المدارك في هذه المسألة : والكلام في بطلان الصوم هنا كما سبق في صوم الصمت.

أقول : قد عرفت ان الأظهر ثمة هو البطلان كما عليه الأصحاب من غير خلاف يعرف إلا منه ومن تبعه فكذا هنا ايضا بالتقريب المتقدم.

ومنها ـ صوم نذر المعصية وهو أن ينذر الصوم ان تمكن من المعصية ويقصد بذلك الشكر على تيسرها لا الزجر عنها.

ولا ريب في عدم انعقاد هذا النذر وتحريم الصوم على هذا الوجه لأنه لا بد فيه من القربة ولا يصح إلا بها وهذا من ما لا يمكن التقرب به.

ولما تقدم (٢) في حديثي الزهري وكتاب الفقه الرضوي من قولهما (عليهما‌السلام): «وصوم نذر المعصية حرام».

__________________

(١) ص ٣٨٤.

(٢) ص ٥.

٣٩٣

وما في حديث وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام المروي في آخر الفقيه (١) حيث قال : «وصوم نذر المعصية حرام».

وقد تقدم في حديث الثمالي في صوم شعبان (٢) «من صام شعبان كان له طهرا من كل زلة ووصمة. قلت وما الوصمة؟ قال اليمين في المعصية والنذر في المعصية».

ومنها ـ صوم الواجب في السفر إلا ما استثنى ، وقد تقدم تحقيق ذلك (٣).

ومنها ـ الصوم في المرض ان تضرر به ، وصوم المرأة بغير اذن زوجها ، وصوم العبد بغير اذن سيده ، وقد تقدم الكلام فيه (٤).

ومنها ـ صوم الدهر ، ويدل عليه ما تقدم في حديثي الزهري والفقه الرضوي (٥) حيث قالا : «وصوم الدهر حرام».

وما رواه الصدوق في الصحيح (٦) قال : «سأل زرارة أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم الدهر فقال : لم يزل مكروها».

وما رواه في الفقيه في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام (٧) قال : «وصوم الدهر حرام».

وما رواه في الكافي عن زرارة (٨) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم الدهر فقال : لم نزل نكرهه».

وما رواه في الموثق عن سماعة (٩) قال : «سألته عن صوم الدهر فكرهه وقال : لا بأس أن يصوم يوما ويفطر يوما».

وظاهر الأصحاب ان التحريم الوارد في هذه الأخبار إنما هو من حيث اشتمال السنة على صوم محرم وهو صوم يومي العيدين ، واما صومه بدون هذه الأيام

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من الصوم المحرم والمكروه.

(٢) ص ٣٨٢.

(٣) ص ١٨٥.

(٤) ص ١٦٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥.

(٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ٧ من الصوم المحرم والمكروه.

٣٩٤

المحرمة فليس بمحرم بل مكروه.

أقول : لا يخفى ان ظاهر الأخبار المذكورة ان التحريم إنما نشأ من حيث كونه صوم الدهر كما يشير اليه قوله في موثقة سماعة بعد أن كرهه «لا بأس ان يصوم يوما ويفطر يوما» ولا ريب في أن الكراهة في هذه الأخبار إنما هي بمعنى التحريم فلو كان منشأ التحريم انما هو صوم يومي العيدين كما ذكروا لكان ينبغي أن يقول : «لا بأس ان أفطر العيدين» كما لا يخفى. إلا انى لم أقف على من قال بالتحريم مع إفطار يومي العيدين. وكيف كان فلا ريب ان الأحوط اجتنابه.

المقام الثاني ـ الصيام المكروه وهو أيضا افراد : منها ـ ما تقدم من صوم الضيف بدون اذن مضيفه والولد بغير اذن والده والمدعو الى طعام ، وقد تقدم (١) نقل الخلاف في ذلك وتحقيق القول في ذلك كما هو حقه.

ومنها ـ الصيام المستحب في السفر وقد تقدم (٢) بيان القول فيه.

قالوا : ومن ذلك صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء لقوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم (٣) «وان خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه». أو مع الشك في الهلال كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في رواية سدير (٤) «وأكره أن أصومه وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم اضحى وليس بيوم صوم». وقد تقدم (٥) تحقيق الكلام في المقام بما لا يحوم حوله النقض والإبرام.

ومن ذلك صوم ثلاثة أيام بعد يوم الفطر وان كان جملة من الأصحاب صرحوا باستحباب صوم ستة أيام بعد عيد الفطر ، إلا ان المفهوم من الأخبار الكراهة وقد تقدم (٦) نقل الدليل على ذلك.

__________________

(١) ص ٢٠١ الى ٢٠٧.

(٢) ص ١٩٧.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٣ من الصوم المندوب.

(٥) ص ٣٦٤.

(٦) ص ٣٨٦.

٣٩٥

المقصد الثالث

في اللواحق

وفيه مسائل الأولى ـ لا خلاف نصا وفتوى في انه يشترط في صوم شهر رمضان الإقامة فلا يصح صومه في سفر يجب فيه التقصير.

ويدل عليه من الأخبار ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «في الرجل يشيع أخاه مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة؟ قال ان كان في شهر رمضان فليفطر. قلت أيهما أفضل يصوم أو يشيعه؟ قال يشيعه ان الله (عزوجل) قد وضعه عنه».

وفي الصحيح عن عيص بن القاسم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافرا أفطر. وقال ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة فلما انتهى الى كراع الغميم دعا بقدح من ماء في ما بين الظهر والعصر فشربه وأفطر ثم أفطر الناس معه وتم ناس على صومهم فسماهم العصاة ، وانما يؤخذ بآخر أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «سمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوما صاموا حين أفطر وقصر عصاة وقال هم العصاة إلى يوم القيامة. وانا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا».

وعن عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) «في قول الله عزوجل (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٥) قال ما أبينها ، من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه».

وما رواه الكليني في الصحيح عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابه عن أبى عبد الله

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ١٩٨ وفي الوسائل الباب ١٠ من صلاة المسافر.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١ ممن يصح منه الصوم.

(٥) سورة البقرة الآية ١٨٢.

٣٩٦

عليه‌السلام (١) قال : «سمعته يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان الله (عزوجل) تصدق على مرضى أمتي ومسافريهم بالتقصير والإفطار ، أيسر أحدكم إذا تصدق بصدقة ان ترد عليه؟». الى غير ذلك من الاخبار.

وحينئذ فلو صام عالما بالحكم كان صيامه باطلا ولم يجزئه بل يجب عليه القضاء لعدم الامتثال ، وعليه تدل صحيحة الحلبي الآتية ، وهو ظاهر.

ولو كان جاهلا أجزأه اتفاقا ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن عيص بن القاسم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «من صام في السفر بجهالة لم يقضه».

وعن الحلبي ـ في الحسن على المشهور والصحيح على الأظهر ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له رجل صام في السفر؟ فقال ان كان بلغه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء وان لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه».

ورواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عنه عليه‌السلام مثله (٤).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر فقال ان كان لم يبلغه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذلك فليس عليه القضاء وقد أجزأ عنه الصوم».

وهل يلحق الناسي بالجاهل هنا؟ قولان : أحدهما ـ نعم لاشتراكهما في العذر وثانيهما ـ لا قصرا لما خالف الأصل على موضع النص. وهو الأصح.

ولو صام المريض الذي لا يشرع له الصيام جاهلا فقيل بوجوب الإعادة عليه لانه اتى بخلاف ما هو فرضه ، والحاقه بالمسافر قياس لا نقول به.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ ممن يصح منه الصوم.

(٢ و ٥) الوسائل الباب ٢ ممن يصح منه الصوم.

(٣) الفروع ج ١ ص ١٩٨ وفي الوسائل الباب ٢ ممن يصح منه الصوم.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٩٣ وفي الوسائل الباب ٢ ممن يصح منه الصوم.

٣٩٧

أقول : هذا القول انما يتجه على ما هو المشهور من عدم معذورية الجاهل إلا في الموضعين المشهورين واما من قال بالمعذورية من حيث الجهل كما هو مستفاد من الأخبار المتكاثرة فالأظهر صحة صومه ، وليس الاستناد هنا إلى الحاقه بالمسافر الجاهل في هذه المسألة بل الى تلك الأخبار المستفيضة كما بسطنا الكلام فيه في مقدمات الكتاب.

المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان من قدم بلده أو بلدا يعزم على الإقامة فيه قبل الزوال ولم يتناول شيئا فإنه يجب عليه الصوم ويجزئه ، وان تناول قبل ذلك أو قدم بعد الزوال وان لم يتناول استحب له الإمساك ووجب عليه القضاء.

اما الحكم الأول فيدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ موثقة أبي بصير (١) قال : «سألته عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان؟ فقال : ان قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم».

ورواية أحمد بن محمد (٢) قال «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان ولم يطعم شيئا قبل الزوال؟ قال يصوم».

ورواية يونس (٣) قال وقال : «في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه. يعني إذا كانت جنابته من احتلام».

والظاهر ان قوله «يعنى» من كلام يونس.

ورواه في الفقيه عن يونس بن عبد الرحمن عن موسى بن جعفر عليه‌السلام (٤) انه قال : في المسافر. الحديث مثله.

وموثقة سماعة (٥) قال : «سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟. الى

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ ممن يصح منه الصوم ، وآخره هكذا «فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به».

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٦ ممن يصح منه الصوم.

٣٩٨

أن قال : ان قدم بعد زوال الشمس أفطر ولا يأكل ظاهرا وان قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ان شاء».

إلا انه قد روى الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار؟ قال : إذا طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل أهله فهو بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر».

وعن رفاعة بن موسى في الحسن (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقدم في شهر رمضان من سفر فيرى انه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار؟ فقال : إذا طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل أهله فهو بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر».

وظاهر هذين الخبرين ان المدار في وجوب الصوم وعدمه في هذه الصورة على دخول البلد قبل الگفجر وعدمه فان دخل قبل الفجر وجب عليه الصوم وان دخل بعد الفجر كان بالخيار بين الصوم وعدمه.

وأصرح منهما في ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) في حديث قال : «فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم وان دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه وان شاء صام».

ولم أقف على قائل بذلك بل ظاهر أصحابنا الاتفاق على ما قدمنا ذكره من الاعتبار في الوجوب وعدمه بالزوال لا بطلوع الفجر ، وظاهر ما نقله في المنتهى عن العامة أيضا ذلك (٤).

وجملة من أصحابنا قد نقلوا الخبرين الأولين وحملوهما على التخيير خارج البلد

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٦ ممن يصح منه الصوم.

(٤) نقل في المغني ج ٣ ص ١٠٠ عن احمد قولين في جواز الإفطار في اليوم الذي يسافر فيه من دون تفصيل بين الزوال وعدمه.

٣٩٩

بمعنى ان من علم انه يصل البلد قبل الظهر فهو بالخيار ان شاء أفطر قبل الدخول وان شاء أمسك حتى يدخل فيجب عليه الصيام. وهو جيد. واحتمال التخيير الى بعد الدخول وان أمكن نظرا إلى الإطلاق إلا انه يجب العمل على ما ذكروه جمعا بين هذين الخبرين وبين ما تقدم من الاخبار. إلا ان اعتبار هذا المعنى بعيد في الرواية الثالثة فإنها كالصريحة في التخيير بعد الدخول ، ويمكن ارتكاب التأويل فيها ايضا وان بعد بحمل قوله «وان دخل بعد طلوع الفجر» على معنى «وان أراد الدخول» مثل قوله عزوجل (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) (١) أي إذا أردتم القيام ، وقوله سبحانه (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) (٢).

وكيف كان فلا يخفى ان الترجيح ثابت للأخبار الأولة من وجوه : أحدها ـ كونها نصا في المطلوب وما قابلها ممكن الحمل عليها بما ذكرناه وان تفاوت في بعضها قربا وبعدا. وثانيها ـ اعتضادها بعمل الطائفة بل عمل جميع العلماء من الطرفين كما أشرنا اليه. وثالثها ـ انه مع العمل بالأخبار الأولة يمكن حمل هذه الأخبار عليها ومع العمل بهذه الأخبار يلزم طرح الأخبار الأولة مع صراحتها ، والعمل بالدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما. ورابعها ـ انها أوفق بالاحتياط الذي هو أحد المرجحات الشرعية عند اختلاف الاخبار فيجب المصير الى العمل بها.

ثم انه ينبغي أن يعلم ان المراد بالقدوم المبنى عليه الحكم المذكور هو تجاوز محل الترخص داخلا على القول المشهور ودخول المنزل على القول الآخر وهو الأشهر من الروايات.

واما الحكم الثاني فيدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ موثقة سماعة (٣) قال : «سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل؟ قال : لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا ولا يواقع في شهر رمضان ان كان له أهل».

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٩.

(٢) سورة النحل الآية ١٠١.

(٣) الوسائل الباب ٧ ممن يصح منه الصوم.

٤٠٠