الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

المذكورة ، فإن قوله عليه‌السلام : «هذا من ما غلب الله عليه وليس على ما غلب الله عليه شي‌ء». في قوة صغرى وكبرى من مقدمتي الشكل الأول ، فكأنه قيل : الإفطار في هذه الصورة من ما غلب الله عليه وكل ما غلب الله عليه فليس عليه شي‌ء ، ينتج ان الإفطار في هذه الصورة ليس عليه شي‌ء من الإعادة. وبه يظهر ان كل موضع ثبت فيه وجوب المتابعة فليس عليه الإعادة إذا كان العذر من جهة الله عزوجل.

وعلى هذا يجب تخصيص اخبار وجوب المتابعة في الثلاثة بهذه الأخبار فلا تجب الإعادة فيها بالعذر الحاصل من جهته عزوجل.

وحينئذ فما ذكره أولئك الفضلاء (رضوان الله عليهم) من وجوب الاستئناف في كل ثلاثة لعذر كان أو لغير عذر مشكل ، وقصر الحكم كما ذكره السيد السند على الشهرين أشكل.

والذي وقفت عليه من الأخبار زيادة على ما نقله (قدس‌سره) ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح الى على بن احمد بن أشيم (١) قال : «كتب الحسين الى الرضا عليه‌السلام جعلت فداك رجل نذر أن يصوم أياما معلومة فصام بعضها ثم اعتل فأفطر أيبتدئ في صومه أم يحتسب بما مضى؟ فكتب اليه يحتسب بما مضى». وهو كما ترى مؤيد لما ذكرناه من وجوب البناء في الصوم المتتابع وان كان غير الشهرين.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن امرأة تجعل لله عليها صوم شهرين متتابعين فتحيض؟ قال : تصوم ما حاضت فهو يجزئها».

وما رواه في الكافي في الحسن عن رفاعة بن موسى (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تنذر عليها صوم شهرين متتابعين؟ قال : تصوم وتستأنف أيامها التي قعدت حتى تتم الشهرين. قلت : أرأيت ان يئست من المحيض أتقضيه؟ قال : لا تقضى يجزئها الأول».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من بقية الصوم الواجب.

٣٤١

ثم قال (قدس‌سره) : ويستفاد من التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام : «الله حبسه» وقوله : «وهذا من ما غلب الله عليه» عدم الفرق بين أن يكون العذر مرضا أو سفرا ضروريا أو حيضا أو إغماء أو غير ذلك.

أقول : جعل السفر الضروري من قبيل ما غلب الله عليه محل نظر ، فان الظاهر من هذا اللفظ ان المراد به ما كان من فعل الله تعالى به بحيث انه ليس للعبد في إيقاعه صنع ولا مدخل بالكلية وانه من ما فعله الله تعالى به من غير اختيار منه ، والسفر وان كان ضروريا ليس كذلك كما هو ظاهر.

ثم قال (قدس‌سره) لا يقال : قد روى الشيخ في الصحيح عن جميل ومحمد ابن حمران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض؟ قال يستقبل فان زاد على الشهر الآخر يوما أو يومين بنى على ما بقي». وعن ابى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «ان كان على الرجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأول فإن عليه أن يعيد الصيام ، وان صام الشهر الأول وصام من الشهر الثاني شيئا فإنما عليه أن يقضى». لأنا نجيب عنهما بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة ، وتأولهما الشيخ في الاستبصار أيضا بالحمل على المرض الذي لا يكون مانعا من الصوم وهو بعيد. انتهى.

أقول : لا ريب في بعد حمل الشيخ كما ذكره ، وأبعد منه الحمل على الاستحباب كما هي القاعدة الجارية في كلامه وكلام غيره لما عرفت في غير موضع من ما سبق.

والأظهر عندي إنما هو الحمل على التقية التي هي السبب التام في اختلاف الأخبار وان لم يعلم القائل بذلك من العامة كما تقدم تحقيقه في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب. على ان العلامة في المنتهى بعد نقل إجماع علمائنا على الحكم المذكور نقل

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من بقية الصوم الواجب.

(٢) الوسائل الباب ٣ من بقية الصوم الواجب رقم (٦).

٣٤٢

عن الشافعي في أحد قوليه الفرق بين الحيض والمرض فأوجب الإعادة بالمرض والبناء على ما مضى بالحيض (١) ومورد هذين الخبرين المرض.

وبالجملة فإن المفهوم من جملة من الأخبار ان منشأ الاختلاف في أخبارنا إنما هو التقية فالحمل عليها متعين في المقام ، لاتفاق علمائنا قديما وحديثا على القول بالأخبار المتقدمة وهو مؤذن بكونه مذهبهم (عليهم‌السلام) فتكون التقية في الاخبار الأخر ثم انه على تقدير البناء على العذر فهل تجب المبادرة الى ذلك بعد زوال العذر بلا فصل؟ قيل نعم لأنه بتعمد الإفطار بعد زوال العذر يصير مخلا بالتتابع اختيارا. وقطع الشهيد في الدروس بعدم الوجوب. والمسألة لا تخلو من تردد لعدم النص فيها وان كان القول الأول لا يخلو من قرب والاحتياط يقتضي العمل به ، ولو ثبت لأمكن حمل صحيحة جميل ومحمد بن حمران ورواية أبي بصير عليه بان يحمل اعادة الصيام فيهما على ما إذا أفطر بعد زوال العذر عامدا.

قال في المدارك : ولو نسي النية في بعض أيام الشهر حتى فات محلها فسد صوم ذلك اليوم ، وهل ينقطع التتابع بذلك؟ قيل نعم لأن فساد الصوم يقتضي عدم تحقق التتابع ، وقيل لا لحديث رفع القلم (٢) وظاهر التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام (٣) «الله حبسه». وقوله عليه‌السلام «ليس على ما غلب الله عليه شي‌ء». وبه قطع الشارح (قدس‌سره) ولا يخلو من قوة.

أقول : فيه ان ظاهر حديث رفع القلم انما هو بالنسبة الى عدم المؤاخذة وترتب العقاب على ذلك لا صحة العبادة ، وظاهر التعليل المذكور في الخبرين لا يشمل مثل هذا كما أشرنا إليه آنفا ، فان النسيان إنما هو من الشيطان كما يدل عليه قوله عزوجل «فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ» (٤) وقوله : «وَإِمّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا

__________________

(١) المهذب ج ٢ ص ١١٧.

(٢) في المدارك هكذا : لحديث «رفع». ورواه في الوسائل في الباب ٥٦ من جهاد النفس.

(٣) ص ٣٤٠.

(٤) سورة يوسف الآية ٤٣.

٣٤٣

تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى. الآية» (١) وقوله «وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ» (٢) لا من الله عزوجل. ويؤيده ما هو المشهور من وجوب القضاء على ناسي النجاسة كما تكاثرت به الاخبار الصريحة. وبه يظهر ان ما اختاره لا يخلو من ضعف.

المقام الثالث ـ الظاهر انه لا خلاف في انه لو أفطر في ما يجب عليه التتابع فيه لا لعذر فإنه يجب عليه الإعادة من رأس.

واستثنى من ذلك مواضع ثلاثة الأول ـ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام منهما شهرا ومن الثاني يوما فإنه يبنى على ما تقدم ، وقال العلامة في التذكرة وابنه في الشرح انه قول علمائنا.

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ صحيحة جميل ومحمد بن حمران ورواية أبي بصير المتقدمتان (٣).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان ، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه فان عرض له شي‌ء يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي عليه ، وان صام شهرا ثم عرض له شي‌ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع فليعد الصوم كله. وقال : صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعات ولا يفصل بينهن».

وفي الصحيح عن منصور بن حازم عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) انه قال : «في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان؟ قال : يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم ، فان صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته».

__________________

(١) سورة الانعام الآية ٦٨.

(٢) سورة الكهف الآية ٦٣.

(٣) ص ٣٤٢.

(٤) التهذيب ج ٤ ص ٢٨٣ وفي الوسائل الباب ٣ و ١٠ من بقية الصوم الواجب.

(٥) الوسائل الباب ٤ من بقية الصوم الواجب.

٣٤٤

وموثقة سماعة بن مهران (١) قال : «سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الأيام؟ فقال : إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس ، وان كان أقل من شهر أو شهرا فعليه أن يعيد الصيام».

وما رواه الصدوق عن أبي أيوب في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة؟ قال : يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم له ثلاثة أيام فيكون قد صام شهرين متتابعين. قال : ولا ينبغي له أن يقرب أهله حتى يقضى ثلاثة أيام التشريق التي لم يصمها. ولا بأس ان صام شهرا ثم صام من الشهر الذي يليه أياما ثم عرضت له علة أن يقطعه ثم يقضى بعد تمام الشهرين».

نعم اختلف الأصحاب في أنه بعد البناء على ما تقدم في الصورة المذكورة لحصول التتابع بذلك هل يجوز له التفريق اختيارا وان كان قد حصل ما تحقق به التتابع؟ فالمشهور الجواز للأصل وظاهر قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي «والتتابع ان يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه» وقوله في صحيحة منصور «وان صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته» وقوله في موثقة سماعة «إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس».

ونقل عن الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) انه قال : لو تعمد الإفطار بعد ان صام من الشهر الثاني شيئا فقد أخطأ وان جاز له الإتمام. وبذلك صرح السيد المرتضى ، وصرح أبو الصلاح وابن إدريس بالإثم.

واحتج ابن إدريس بأن التتابع أن يصوم الشهرين كملا ولم يحصل فتحقق الإثم ، ولا استبعاد في الاجزاء مع الإثم.

وأجيب بالمنع من ان التتابع انما يحصل بإكمالهما. وهو كذلك لما صرحت به

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ من بقية الصوم الواجب.

٣٤٥

صحيحة الحلبي من أن التتابع الواجب إنما هو عبارة عن ان يصوم شهرا ومن الآخر شيئا ، وهو ظاهر الروايتين الأخيرتين. وبالجملة فالقول المشهور هو المعتمد.

الثاني ـ من وجب عليه صوم شهر متتابع بنذر ونحوه فصام خمسة عشر يوما ثم أفطر فإنه يصومه ويبنى على ما تقدم وان كان قبل ذلك استأنف.

والمستند في هذا التفصيل ما رواه الشيخ عن موسى بن بكر عن الفضيل بن يسار عن أبى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «قال في رجل جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر؟ فقال : جائز له ان يقضى ما بقي عليه ، وان كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز له حتى يصوم شهرا تاما».

وما رواه في الكافي والفقيه عن موسى بن بكر عن الفضيل عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) : «في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر؟ فقال : ان كان صام خمسة عشر يوما فله ان يقضى ما بقي وان كان صام أقل من خمسة عشر يوما لم يجزئه حتى يصوم شهرا تاما».

ولا أعلم في ذلك خلافا بين الأصحاب إلا ما يظهر من السيد السند في المدارك قال فيه بعد نقل الخبرين المذكورين : وضعف الروايتين يمنع من العمل بهما. وعلى نحوه حذا الفاضل الخراساني في الذخيرة.

أقول : لا ريب ان الخبرين المذكورين وان كانا ضعيفين بهذا الاصطلاح المحدث إلا انهما مجبوران باتفاق الأصحاب على العمل بمضمونهما فإنه لا راد لهما ولا مخالف في هذا الحكم غيرهما ، مع انهما في غير موضع من كتابيهما قد وافقا الأصحاب في هذه القاعدة كما لا يخفى على من تتبع كتابيهما ، وقد نبهنا على مواضع من ذلك في شرحنا على المدارك ، ولكنهما ليس لهما قاعدة يقفان عليها كما أشبعنا الكلام عليه في غير موضع من شرحنا المشار اليه.

__________________

(١) التهذيب ج ٤ ص ٢٨٥ وفي الوسائل الباب ٥ من بقية الصوم الواجب.

(٢) الوسائل الباب ٥ من بقية الصوم الواجب.

٣٤٦

وألحق الشيخ في المبسوط والجمل بشهر النذر في هذا الحكم من وجب عليه شهر في كفارة قتل الخطأ والظهار لكونه مملوكا ، واختاره في المختلف ومنعه ابن إدريس ، وأكثر الأصحاب لم يتعرضوا في هذه المسألة إلا لحكم النذر خاصة ، وتردد فيه المحقق للمشاركة في المعنى.

واحتج العلامة باندراجه تحت الجعل في قوله : «جعل عليه» قال : فان العبد إذا ظاهر فقد جعل عليه صوم شهر. وأجاب عن ما ذكره ابن إدريس ـ من ان حمله على النذر قياس باطل لا يجوز العمل به ـ بالمنع من كون ذلك قياسا ، قال بل هو من باب الأولى.

وأنت خبير بما في كلامه (قدس‌سره) من الضعف الذي لا يخفى على الناظر والأظهر الوقوف على مورد النص. وما أبعد ما بين من رد النصوص المذكورة وبين من قاس عليها مع انه هو المقرر لهذا الاصطلاح.

الثالث ـ من صام ثلاثة أيام بدل الهدى يوم التروية وعرفة ثم أفطر يوم النحر فإنه يجوز له أن يبنى بعد انقضاء أيام التشريق ، والروايات هنا مختلفة ، وسيجي‌ء تحقيق القول في ذلك في محله من كتاب الحج ان شاء الله تعالى.

وباقي أفراد الصوم الواجب من النذر ونحوه والاعتكاف تأتي في أبوابها ان شاء الله تعالى.

المطلب الثاني في الصوم المندوب

لا ريب ولا خلاف في استحباب الصوم في جميع أيام السنة إلا ما استثنى ، وقد تقدم في صدر الكتاب من الأخبار ما يدل عليه.

والكلام هنا إنما هو في ما يختص وقتا بعينه وذلك في مواضع : منها ـ وهو أوكدها ـ صوم ثلاثة أيام من كل شهر وهي أول خميس منه وآخر خميس وأول أربعاء من العشر الثانية.

فمن الأخبار الواردة بذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن حماد بن عثمان

٣٤٧

عن أبى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قيل ما يفطر ثم أفطر حتى قبل ما يصوم ، ثم صام صوم داود عليه‌السلام يوما ويوما لا ، ثم قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله على صيام ثلاثة أيام في الشهر ، وقال يعدلن صوم الدهر ويذهبن بوحر الصدر ـ وقال حماد الوحر الوسوسة ـ قال حماد فقلت وأي الأيام هي؟ قال أول خميس في الشهر وأول أربعاء بعد العشر منه وآخر خميس فيه. فقلت وكيف صارت هذه الأيام التي تصام؟ فقال لأن من قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيام فصام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الأيام لأنها الأيام المخوفة».

وما رواه الكليني عن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن على المشهور عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أول ما بعث يصوم حتى يقال ما يفطر ويفطر حتى يقال ما يصوم ، ثم ترك ذلك وصام يوما وأفطر يوما وهو صوم داود عليه‌السلام ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الأيام الغر ، ثم ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما : خميسين بينهما أربعاء ، فقبض صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يعمل ذلك».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كان في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام ان قال : يا على أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عنى. ثم قال اللهمّ أعنه. وذكر جملة من الخصال الى أن قال : والسادسة الأخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي ، أما الصلاة فالخمسون ركعة واما الصيام فثلاثة أيام في الشهر : الخميس في أوله والأربعاء في وسطه والخميس في آخره ، واما الصدقة فجهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف».

وروى الصدوق عن الحسن بن محبوب في الصحيح عن جميل بن صالح عن محمد بن مروان (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم ، ثم صام يوما وأفطر يوما ، ثم

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ٧ من الصوم المندوب.

(٣) الوسائل الباب ٤ من جهاد النفس.

٣٤٨

صام الاثنين والخميس ، ثم آل من ذلك الى صيام ثلاثة أيام في الشهر : الخميس في أول الشهر وأربعاء في وسط الشهر وخميس في آخر الشهر. وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك صوم الدهر. وقد كان ابى عليه‌السلام يقول ما من أحد أبغض الى الله (عزوجل) من رجل يقال له كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل كذا وكذا فيقول لا يعذبني الله على ان أجتهد في الصلاة والصوم ، كأنه يرى ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ترك شيئا من الفضل عجزا عنه».

وروى الصدوق عن زرارة في الموثق (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام بم جرت السنة من الصوم؟ فقال : ثلاثة أيام من كل شهر : الخميس في العشر الأول والأربعاء في العشر الأوسط والخميس في العشر الأخير. قال قلت هذا جميع ما جرت به السنة في الصوم؟ قال : نعم».

ورواه الكليني عن زرارة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أفضل ما جرت به السنة في التطوع من الصوم. الى آخره». وهو أوضح ، وعلى الأول فالمراد ما جرت به السنة المؤكدة».

وروى الشيخ بإسناده عن أبى بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم السنة فقال صيام ثلاثة أيام من كل شهر : الخميس والأربعاء والخميس ، يذهب ببلابل القلب ووحر الصدر الخميس والأربعاء والخميس ، وان شاء الاثنين والأربعاء والخميس ، وان شاء صام في كل عشرة أيام يوما فان ذلك ثلاثون حسنة ، وان أحب أن يزيد على ذلك فليزد».

وروى في الكافي في الصحيح ـ ومثله في الفقيه ـ عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٤) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن صوم خميسين بينهما أربعاء فقال : اما الخميس فيوم تعرض فيه الأعمال واما الأربعاء فيوم خلقت فيه النار ، واما الصوم فجنة».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٧ من الصوم المندوب.

٣٤٩

وروى عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) (١) «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال دخلت الجنة فوجدت أكثر أهلها البله. يعني بالبله المتغافل عن الشر العاقل في الخير الذين يصومون ثلاثة أيام من كل شهر».

ورواه الصدوق في معاني الاخبار عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري مثله (٢) إلا انه قال : «قلت ما البله؟ قال : العاقل في الخير الغافل عن الشر الذي يصوم في كل شهر ثلاثة أيام».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) انه قال : «عرضت على أعمال أمتي فوجدت في أكثرها خللا ونقصانا فجعلت مع كل فريضة مثليها نافلة ليكون من أتى بذلك قد حصلت له الفريضة ، لأن الله تعالى يستحي أن يعمل له العبد عملا فلا يقبل منه الثلث ، ففرض الله الصلاة في كل يوم وليلة سبع عشرة ركعة وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعا وثلاثين ركعة ، وفرض الله صيام شهر رمضان في كل سنة وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صيام ستين يوما في السنة ليكمل فرض الصوم ، فجعل في كل شهر ثلاثة أيام خميسا في العشر الأول منه وهو أول خميس في العشر وأربعاء في العشر الأوسط منه وهو أقرب الى النصف من الشهر وربما كان النصف بعينه وآخر خميس في الشهر». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام

تنبيهات

الأول ـ ما ذكرناه من صوم الثلاثة المذكورة هو المشهور فتوى ورواية ، ونقل عن الشيخ التخيير بين صوم أربعاء بين خميسين أو خميس بين أربعائين ، وعن ابن أبى عقيل تخصيص الأربعاء بالأخيرة من العشر الأوسط مع موافقته في الخميسين ، وعن ابن الجنيد انه يصوم شهرا أربعاء بين خميسين والآخر خميسا بين أربعائين.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧ من الصوم المندوب.

٣٥٠

ويدل على ما ذهب اليه ابن الجنيد رواية أبي بصير (١) قال : «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر؟ فقال : في كل عشرة أيام يوم خميس وأربعاء وخميس والشهر الذي يليه أربعاء وخميس وأربعاء».

وظاهر هذه الرواية دال على ما ذهب اليه ابن الجنيد والشيخ حملها على التخيير في كل شهر استنادا الى ما رواه عن إبراهيم بن إسماعيل بن داود (٢) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن الصيام فقال ثلاثة أيام في الشهر : الأربعاء والخميس والجمعة. فقلت ان أصحابنا يصومون أربعاء بين خميسين؟ فقال لا بأس بذلك ، ولا بأس بخميس بين أربعائين». ومن أجل هذا نسب اليه القول المتقدم.

وكيف كان فالفضل المؤكد إنما هو في الصورة المشهورة التي استفاضت بها الأخبار وكان عليها عمل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته الى أن مات والأئمة (عليهم‌السلام) من بعده وان جاز العمل بما دل عليه الخبران المذكوران ، بل ظاهر رواية أبي بصير الأخرى المتقدمة انه يجزئ الإتيان في كل عشرة بيوم كائنا ما كان

الثاني ـ ان من أخرها استحب له قضاؤها كما صرح به بعض الأصحاب.

ويدل عليه ما رواه الكليني عن عبد الله بن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصوم صوما قد وقته على نفسه أو يصوم من أشهر الحرم فيمر به الشهر والشهران لا يقضيه؟ فقال : لا يصوم في السفر ولا يقضي شيئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها من كل شهر ، ولا يجعلها بمنزلة الواجب إلا انى أحب لك أن تدوم على العمل الصالح. قال : وصاحب الحرم الذي كان يصومها يجزئه أن يصوم مكان كل شهر من أشهر الحرم ثلاثة أيام».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن فرقد عن أبيه (٤) قال «كتب حفص

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من الصوم المندوب.

(٣) الوسائل الباب ١٠ ممن يصح منه الصوم.

(٤) التهذيب ج ٤ ص ٢٣٩ وفي الوسائل الباب ٢١ ممن يصح منه الصوم والباب ١٠ من الصوم المندوب. واللفظ الذي أورده هو لفظ النوادر.

٣٥١

الأعور إلي سل أبا عبد الله عليه‌السلام عن ثلاث مسائل فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ما هي؟ قال : من ترك صيام ثلاثة أيام في كل شهر؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام من مرض أو كبر أو عطش؟ قال ما سمى شيئا. فقال ان كان من مرض فإذا برئ فليقضه وان كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد». وروى هذه الرواية أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن فضالة عن داود بن فرقد مثله (١).

وما رواه الكليني في الموثق عن عمار بن موسى عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل يكون عليه من الثلاثة أيام الشهر هل يصلح أن يؤخرها أو يصومها في آخر الشهر؟ قال : لا بأس. فقلت يصومها متوالية أو يفرق بينها؟ فقال : ما أحب ، ان شاء متوالية وان شاء فرق بينها». ونحوها روايات على بن جعفر الثلاث عن أخيه موسى عليه‌السلام (٣).

قال السيد السند في المدارك : ولو كان الفوات لمرض أو سفر لم يستحب قضاؤها لما رواه الكليني في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر هل فيه قضاء على المسافر؟ قال لا». وإذا سقط القضاء عن المسافر سقط عن المريض بطريق أولى لأنه أعذر.

أقول : لا يخفى ما في هذا التعليل العليل من الوهن وعدم الصلوح لبناء الأحكام الشرعية عليه لو لم يرد ما ينافيه ، كيف ورواية داود بن فرقد المتقدم نقلها عن الشيخ وعن كتاب النوادر صريحة في القضاء. نعم الرواية المذكورة ظاهرة في سقوط القضاء عن المسافر.

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من الصوم المندوب ، وفيه كما في الفقه الرضوي ص ٦٢ «عن داود بن فرقد عن أخيه».

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٩ من الصوم المندوب.

(٤) الوسائل الباب ٢١ ممن يصح منه الصوم.

٣٥٢

ونحوها ما رواه الكليني عن المرزبان بن عمران (١) قال : «قلت للرضا عليه‌السلام أريد السفر فأصوم لشهري الذي أسافر فيه؟ قال : لا. قلت فإذا قدمت أقضيه؟ قال : لا ، كما لا تصوم كذلك لا تقضى». إلا انه ربما ظهر من رواية عبد الله ابن سنان المتقدمة القضاء.

وأظهر منها ما رواه الكليني عن عذافر (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أصوم هذه الثلاثة الأيام في الشهر فربما سافرت وربما أصابتني علة فيجب على قضاؤها؟ قال فقال لي : إنما يجب الفرض فاما غير الفرض فأنت فيه بالخيار. قلت بالخيار في السفر والمرض؟ قال فقال : المرض قد وضعه الله (عزوجل) عنك والسفر ان شئت فاقضه وان لم تقضه فلا جناح عليك».

وصاحب المدارك قد نقل هذه الرواية وطعن فيها بضعف السند.

والجمع بين الاخبار يقتضي القول بالقضاء وان لم يتأكد ذلك كغيره من الترك لا لعذر ، وربما لاح من هذه الرواية أيضا سقوط القضاء عن المريض وينبغي حملها على ما ذكر ايضا.

الثالث ـ قد ذكر جملة من الأصحاب انه يجوز تأخيرها اختيارا من الصيف الى الشتاء ويكون مؤديا للسنة متى أتى بها كذلك.

ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن الحسن ابن أبي حمزة (٣) قال : «قلت لأبي جعفر أو لأبي عبد الله (عليهما‌السلام) انى قد اشتد على صيام ثلاثة أيام في كل شهر أؤخره في الصيف الى الشتاء فإني أجده أهون على؟ فقال : نعم فاحفظها».

وما رواه الكليني عن الحسين بن أبي حمزة في الصحيح (٤) قال : «قلت

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢١ ممن يصح منه الصوم.

(٣) الوسائل الباب ٩ من الصوم المندوب. ارجع الى الاستدراكات.

(٤) الوسائل الباب ٩ من الصوم المندوب. وفي كتب الحديث الحسين بن أبي حمزة عن أبي حمزة.

٣٥٣

لأبي جعفر عليه‌السلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر أؤخره إلى الشتاء ثم أصومها؟ قال : لا بأس بذلك».

الرابع ـ ان من عجز عن الإتيان بها استحب له أن يتصدق عن كل يوم بدرهم أو بمد.

ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح عن عيص بن القاسم (١) قال «سألته عن من لم يصم الثلاثة الأيام من كل شهر وهو يشتد عليه الصيام هل فيه فداء؟ قال : مد من طعام في كل يوم».

وعن عقبة (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك انى قد كبرت وضعفت عن الصيام فكيف اصنع بهذه الثلاثة الأيام في كل شهر؟ فقال يا عقبة تصدق بدرهم عن كل يوم؟ قال قلت درهم واحد؟ قال لعلها كثرت عندك وأنت تستقل الدرهم. قال قلت ان نعم الله على لسابغة. فقال يا عقبة لإطعام مسلم خير من صيام شهر».

وروى الكليني عن عمر بن يزيد (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان الصوم يشتد على؟ فقال لي لدرهم تصدق به أفضل من صيام يوم. ثم قال : وما أحب أن تدعه».

وعن صفوان بن يحيى في الصحيح عن يزيد بن خليفة (٤) قال «شكوت الى ابى عبد الله عليه‌السلام فقلت إني أصدع إذا صمت هذه الثلاثة الأيام ويشق على؟ قال فاصنع كما أصنع فإني إذا سافرت تصدقت عن كل يوم بمد من قوت أهلي الذي أقوتهم به».

وروى في الخصال عن ابى عبد الله عليه‌السلام في حديث (٥) قال «فمن لم يقدر عليها لضعف فصدقة درهم أفضل له من صيام يوم».

وروى في المقنعة مرسلا (٦) قال «سئل عليه‌السلام عن رجل يشتد عليه ان يصوم في كل شهر ثلاثة أيام كيف يصنع حتى لا يفوته ثواب ذلك؟ فقال :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١١ من الصوم المندوب.

٣٥٤

يتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين».

وقد تقدم في حديث داود بن فرقد عن أبيه (١) ما يدل على انه إذا كان الترك لمرض قضاه بعد البرء وان كان لكبر أو عطش فبدل كل يوم مد.

ويستفاد من أكثر هذه الاخبار ان الفدية في ما إذا عجز عن الصوم أو شق عليه ، وليس فيها ما يخالف ذلك إلا قوله عليه‌السلام في حديث يزيد بن خليفة «فإني إذا سافرت تصدقت» ولعل الحكم في السفر التخيير بين القضاء كما تقدم والصدقة كما في هذا الخبر وفي غيره من افراد العجز والمشقة هو الصدقة.

الخامس ـ قال السيد السند في المدارك : قال على بن بابويه (قدس‌سره) في رسالته الى ولده : إذا أردت سفرا وأردت ان تقدم من صوم السنة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه. ولم نقف له في ذلك على مستند بل قد روى الكليني ما ينافيه فإنه قد روى عن المرزبان بن عمران. ثم نقل الرواية وقد تقدمت في التنبيه الثاني (٢).

أقول : اما مستند الشيخ على بن بابويه في ما نقل عنه فليس إلا كتاب الفقه الرضوي كما هي عادته الجارية في ما عرفت في غير موضع من ما تقدم ويأتي ان شاء الله مثله من أخذه عبارات الكتاب المذكور والإفتاء بها ، والمتأخرون حيث لم يصل إليهم الكتاب ولم يصل لهم في الأخبار ما يدل على ما ذكره ربما طعنوا عليه بعدم المستند كما في هذا الموضع وغيره.

قال عليه‌السلام في الكتاب المذكور (٣) : فإن أردت سفرا وأردت أن تقدم من السنة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه.

وهو عين العبارة المنقولة واما ما ذكره من منافاة الرواية لهذا الكلام فيمكن الجواب عنه بحمل النهي في الرواية المذكورة على النهى عن الصيام في السفر لا عن تقديمه ، وهذا الكلام صريح في الرخصة في التقديم فلا منافاة ، ولعله كما رخص في القضاء رخص في التقديم. والله العالم.

__________________

(١) ص ٣٥١ و ٣٥٢.

(٢) ص ٣٥٣.

(٣) ص ٢٥.

٣٥٥

السادس ـ روى الصدوق في الفقيه مرسلا (١) قال : روى انه سئل العالم عليه‌السلام عن خميسين يتفقان في آخر الشهر؟ فقال : صم الأول فلعلك لا تلحق الثاني.

قال في الوافي : الآخر في نفسه أفضل والأول يصير بهذه النية أفضل فافضلية كل منهما من جهة غير جهة الآخر. انتهى.

أقول : ويمكن أن يكون الخبر محمولا على ما إذا كان الخميس الثاني يوم الثلاثين من الشهر فيجوز أن يكون ناقصا فيكون الخميس أول الشهر الذي بعد هذا الشهر فإنه لا يلحقه ، واليه يشير قوله : «فلعلك لا تلحق الثاني» واما حمل عدم لحوق الثاني على الموت قبله فالظاهر بعده.

وروى فيه أيضا عن الفضيل بن يسار في القوى عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام من الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل ولا يسرع الى الحلف والايمان بالله وان جهل عليه أحد فليحتمل».

ومنها ـ صوم أيام البيض كما ذكره جملة من أصحابنا بل ظاهر العلامة في المنتهى انه مذهب العلماء كافة.

قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك : ولم أقف فيه على رواية من طرق الأصحاب سوى ما رواه الصدوق في كتاب العلل (٣) بإسناده الى ابن مسعود قال : «سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ان آدم لما عصى ربه (عزوجل) ناداه مناد من لدن العرش يا آدم اخرج من جواري فإنه لا يجاورني أحد عصاني ، فبكى وبكت الملائكة فبعث الله (عزوجل) جبرئيل فأهبطه إلى الأرض مسودا ، فلما رأته الملائكة ضجت وبكت وانتحبت وقالت يا رب خلقا خلقته ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك بذنب واحد حولت بياضه سوادا ، فناداه مناد من السماء

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من الصوم المندوب.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من آداب الصائم.

(٣) ص ١٣٣ وفي الوسائل الباب ١٢ من الصوم المندوب.

٣٥٦

صم لربك فصام فوافق يوم ثلاثة عشر من الشهر فذهب ثلث السواد ، ثم نودي يوم الرابع عشر ان صم لربك اليوم فصام فذهب ثلثا السواد ، ثم نودي يوم خمسة عشر بالصيام فصام فأصبح وقد ذهب السواد كله ، فسميت أيام البيض للذي رد الله (عزوجل) فيه على آدم بياضه. ثم نادى مناد من السماء يا آدم هذه الثلاثة الأيام جعلتها لك ولولدك فمن صامها في كل شهر فكأنما صام الدهر».

ثم قال الصدوق (قدس‌سره) بعد ان أورد هذا الخبر : قال مصنف هذا الكتاب هذا الخبر صحيح ولكن الله تبارك وتعالى فوض الى نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر دينه فقال عزوجل (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (١) فسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكان أيام البيض خميسا في أول الشهر وأربعاء في وسط الشهر وخميسا في آخر الشهر وذلك صوم السنة من صامها كان كمن صام الدهر لقول الله عزوجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٢) وإنما ذكرت الحديث لما فيه من ذكر العلة وليعلم السبب في ذلك لان الناس أكثرهم يقولون ان أيام البيض إنما سميت بيضا لأن لياليها مقمرة من أولها إلى آخرها (٣) انتهى كلامه زيد مقامه.

ومقتضاه ان صوم هذه الأيام كان أولا فنسخ بصوم الخميسين بينهما أربعاء ، وهو الظاهر من قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته المتقدمة (٤) بعد ان ذكر صومه صلى‌الله‌عليه‌وآله صوم داود عليه‌السلام «ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الأيام الغر ثم ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما. الحديث». فان المراد بالأيام الغر هي أيام هذه الليالي ، ووصفها بذلك باعتبار لياليها لأن اليوم يطلق على ما يشمل النهار والليل.

وأنت خبير بان ما ذكره شيخنا الصدوق من ان هذا الخبر صحيح مع كونه

__________________

(١) سورة الحشر الآية ٨.

(٢) سورة الأنعام الآية ١٦٢.

(٣) المغني ج ٣ ص ١٧٨.

(٤) ص ٣٤٨.

٣٥٧

من طريق العامة (١) ورواته كلهم منهم لا اعرف له وجها ، وما تضمنه من العلة خلاف ما عليه أصحابنا قاطبة كما لا يخفى على من راجع كلامهم فإنهم إنما عللوا كونها بيضا بهذا الوجه الذي رده ، وهو ظاهر صحيحة محمد بن مسلم المذكورة كما ذكرنا فان وصفها بكونها غرا إنما يكون باعتبار لياليها لا باعتبار هذه العلة التي في هذا الخبر ، وهذه العلة التي تضمنها هذا الخبر مصرح بها في كلام العامة خاصة (٢) لكون خبرها من طرقهم. وبالجملة فإن إيراده (قدس‌سره) لهذا الخبر وحكمه بصحته لأجل هذه العلة لا يخلو من مجازفة.

هذا. وقد استدل جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المنتهى بحديث الزهري المتقدم في أول الكتاب (٣) وسيأتي ما في ذلك.

نعم روى الحميري في كتاب قرب الاسناد على ما نقله في الوسائل عن الحسن ابن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «ان عليا عليه‌السلام كان ينعت صيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الدهر كله ما شاء الله ثم ترك ذلك وصام صيام داود عليه‌السلام يوما لله ويوما له ما شاء الله ثم ترك ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء الله ثم ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيام من كل شهر فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه الله اليه».

ونقل في الوسائل عن على بن موسى بن طاوس في الدروع الواقية نقلا من

__________________

(١) لم أقف على الحديث بلفظة في كتبهم نعم في عمدة القارئ ج ٤ ص ٣٢٢ «روى عن ابن عباس قال انما سمى بأيام البيض لان آدم لما اهبط الى الأرض أحرقته الشمس فاسود فأوحى الله اليه ان صم أيام البيض فصام أول يوم فابيض ثلث جسده فلما صام اليوم الثاني أبيض ثلثا جسده فلما صام اليوم الثالث أبيض جسده كله ولم نجده في مسند ابن مسعود في مسند احمد ولا في سنن البيهقي ولا في كنز العمال.

(٢) في المغني ج ٣ ص ١٧٨ في وجه تسميتها بأيام البيض قال وقيل ان الله تاب على آدم فيها وبيض صحيفته. ذكره أبو الحسن التميمي.

(٣) ص ٣ الى ٧.

(٤) الوسائل الباب ١٢ من الصوم المندوب.

٣٥٨

كتاب تحفة المؤمن تأليف عبد الرحمن بن محمد بن على الحلواني عن على بن ابى طالب عليه‌السلام (١) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاني جبرئيل فقال قل لعلى صم من كل شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأول يوم تصومه عشرة آلاف سنة وبالثاني ثلاثون ألف سنة وبالثالث مائة ألف سنة. قلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ذلك خاصة أم للناس عامة؟ فقال يعطيك الله ذلك ولمن عمل مثل ذلك. فقلت ما هي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال. الأيام البيض من كل شهر وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر».

قال ابن طاوس (٢) ووجدت في تأريخ نيسابور في ترجمة الحسن بن محمد ابن جعفر بإسناده الى الحسن بن على بن أبى طالب عليه‌السلام قال «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صوم أيام البيض فقال : صيام مقبول غير مردود».

وظاهر المحدث المذكور في كتابه الحكم بالاستحباب في هذه الأيام تبعا للقول المشهور حيث قال ـ بعد نقل كلام الصدوق المتقدم ـ ما صورته : أقول لا منافاة بين استحباب هذه الثلاثة وتلك الثلاثة وكان مراده بيان تأكد الاستحباب. انتهى أقول : التحقيق عندي في هذا المقام هو حمل هذه الاخبار على التقية (٣) أما حديث قرب الاسناد فإن راويه عامي (٤) والخبر ظاهر في انه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان هذا صيامه حتى قبضه الله عليه بعد تلك الأفراد المتقدمة مع ان الروايات مستفيضة ـ ما ذكرنا منها وما لم نذكر ـ في أن صيامه الذي قبضه الله عليه إنما هو صيام خميسين بينهما أربعاء. وتأويل صاحب الوسائل بالحمل على جمعهما ضعيف ، لان ظاهر

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من الصوم المندوب.

(٣) المغني ج ٣ ص ١٧٧.

(٤) راجع رجال النجاشي والخلاصة. وفي رجال الكشي ص ٢٤٧ انه من العامة الذين لهم ميل إلى الأئمة (ع) وفي ميزان الاعتدال للذهبى ج ١ ص ٢٥٤ عن جماعة انه ضعيف كذاب متروك الحديث.

٣٥٩

هذا الخبر ان صيام السنة الذي استقر عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد تلك الصيامات إنما هو هذا خاصة أعنى صوم أيام البيض ، مع ان صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١) دلت على انه بعد ان صامها مدة من الزمان ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما. الى أن قال «فقبض صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يعمل ذلك» فكيف يتم ما ذكره؟ واما الرواية الثانية فإن صاحب هذا الكتاب غير معروف فلعله من العامة وهو الأقرب وهو مجهول وحديثه مثله. والحديث الثالث كذلك بل أظهر.

واما استناده في الوسائل أيضا الى حديث الزهري تبعا لما نقلناه عن العلامة في المنتهى ففيه ان صريح كلام الامام عليه‌السلام إنما هو عد الأفراد التي خير فيها بين الصوم وعدمه ، حيث قال عليه‌السلام (٢) بعد ان ذكر أولا ان أربعة عشر وجها صاحبها بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر : واما الصوم الذي صاحبه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين وصوم أيام البيض وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان. الحديث.

والوجه في ذلك هو ما قدمنا نقله عن المحدث الكاشاني من ان هذه الأيام لما كانت من ما يستحب فيها الصيام عند العامة وانه صيام الترغيب والسنة عندهم ذكره عليه‌السلام وعبر عنه بالتخيير بين صومه وعدمه ردا عليهم في ما زعموا من استحباب صومها ، ولم يذكر عليه‌السلام في هذا الخبر شيئا من صيام السنة والترغيب الذي نحن بصدد الكلام عليه (٣) لكونه من خصوصيات مذهبهم (عليهم‌السلام) الذي لا يفضونه إلا الى شيعتهم.

والعلامة في المنتهى إنما استدل بروايات العامة (٤) ثم قال : ومن طريق

__________________

(١) ص ٣٤٨.

(٢) الوسائل الباب ٥ من الصوم المندوب.

(٣) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.

(٤) وهي حديث ابى ذر وحديث الأعرابي وحديث ملحان القيسي ، راجع سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٩٤ والمغني ج ٣ ص ١٧٧.

٣٦٠