الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

عنه مكان كل يوم بمد. وان لم يكن له مال صام عنه وليه». كذا في روايتي الكليني والصدوق لهذا الخبر وفي رواية الشيخ له في التهذيب (١) «وان لم يكن له مال تصدق عنه وليه».

أقول : ومثل هذه الرواية أيضا ما رواه في الفقيه (٢) في الصحيح عن محمد ابن إسماعيل بن بزيع عن ابى جعفر الثاني عليه‌السلام قال : «قلت له رجل مات وعليه صوم يصام عنه أو يتصدق؟ قال : يتصدق عنه فإنه أفضل».

وأجاب في المختلف عن الرواية الأولى بالحمل على ما إذا لم يكن له ولى من الأولاد الذكور.

أقول : وهذا الحمل بعيد في الرواية المذكورة لأنه قد صرح فيها بأنه ان لم يكن له مال صام عنه وليه. وهو أيضا بعيد في الرواية الثانية التي ذكرناها.

والأظهر عندي هو حمل الروايتين على التقية حيث ان العلامة في المنتهى قد نسب هذا القول الى جمهور الجمهور ، قال بعد نقل القول بالقضاء عن الشافعي في القديم وأبى ثور : وقال الشافعي في الجديد ويطعم عنه عن كل يوم مدا وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري (٣). وبالجملة فالأظهر هو القول المشهور لما عرفت.

الثاني ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو وجوب القضاء على الولي مطلقا ، وعليه يدل إطلاق الاخبار المتقدمة والآتية في الموضع الثالث.

ونقل عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) انه اعتبر في وجوب القضاء على الولي ان لا يخلف الميت ما يتصدق به عنه عن كل يوم بمد ، ويدل على ما ذهب إليه صحيحة أبي مريم المذكورة بناء على روايتي الكليني والصدوق.

__________________

(١) ج ٤ ص ٢٤٨ وفي الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٢) ج ٣ ص ٢٣٦ والوافي باب من مات وعليه صيام.

(٣) المغني ج ٣ ص ١٤٢ و ١٤٣ ، والمجموع ج ٦ ص ٣٦٧ ، وبدائع الصنائع ج ٢ ص ١٠٣.

٣٢١

قال في المدارك بعد نقل الرواية المذكورة بطريق الشيخين المذكورين ثم رواية الشيخ في التهذيب : وبمضمون هذه الرواية أفتى ابن ابى عقيل وادعى فيه تواتر الاخبار ، والمسألة قوية الإشكال لاختلاف متن الرواية وان كان الظاهر ترجيح ما في الكافي ومن لا يحضره الفقيه كما يعرفه من يقف على حقيقة هذه الكتب. انتهى.

وفيه إشارة إلى الطعن على الشيخ وما وقع له في التهذيب من ما أشرنا إليه آنفا في غير موضع.

ويظهر منه الميل الى هذه الرواية بناء على رواية الشيخين المتقدمين لصحة سندها. وفيه ما عرفت من ان الأمر بالصدقة إنما خرج مخرج التقية (١) وبذلك يظهر ان الأصح ما هو المشهور بين الأصحاب من وجوب القضاء مطلقا عملا بإطلاق الروايات المتقدمة.

الثالث ـ المشهور سيما في كلام المتأخرين ان الولي الذي يجب عليه القضاء هو الولد الأكبر ، قال في المختلف : ظاهر كلام الشيخ ان الولي هو أكبر أولاده الذكور خاصة فإن فقد فالصدقة. قال في المبسوط : والولي هو أكبر أولاده الذكور ، فان كانوا جماعة في سن واحد وجب القضاء بالحصص أو يقوم به بعض فيسقط عن الباقين ، وان كانوا اناثا لم يلزمهن القضاء وكان الواجب الفدية.

وقال الشيخ المفيد : فان لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من أهله وأولاهم به وان لم يكن إلا من النساء.

وقال في الدروس بعد نقل ذلك عن الشيخ المفيد : وهو ظاهر القدماء والاخبار والمختار.

وقال في المختلف بعد نقل ذلك عن الشيخ المفيد : وفي هذا الكلام حكمان :

__________________

(١) ارجع الى الصفحة ٣٢١ والتعليقة ٣ فيها.

٣٢٢

الأول ـ ان الولاية لا تختص بالأولاد. الثاني ـ ان مع فقد الرجال يكون الولي هو الأكبر من النساء.

وقال ابن الجنيد : واولى الناس بالقضاء عن الميت أكبر ولده الذكور وأقرب أوليائه اليه ان لم يكن له ولد.

وقال على بن بابويه : من مات وعليه صوم شهر رمضان فعلى وليه ان يقضى عنه ، فان كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال ، فان لم يكن له ولى من الرجال قضى عنه وليه من النساء. وكذا قال ابنه أبو جعفر في المقنع.

قال في المختلف بعد نقل ذلك : وهذه الأقوال مناسبة لقول المفيد.

وقال ابن البراج : على ولده الأكبر من الذكور أن يقضى عنه ما فاته من ذلك الصوم ومن الصلاة أيضا ، فان لم يكن له ذكر فالأولى به من النساء. وهو يوافق الحكم الثاني من حكمي المفيد.

واختار في المختلف مذهب الشيخ الذي هو المشهور كما أشرنا اليه ، وقال في الاحتجاج عليه : لنا ـ الأصل براءة الذمة ، خالفناه في الولد الأكبر للنقل والإجماع عليه ولاختصاصه بالحباء من التركة فيبقى الباقي على أصل الدليل. ثم نقل رواية حماد بن عثمان الآتية (١).

واحتج في المعتبر على ما ذهب اليه من مذهب الشيخ أيضا بأن الأصل براءة ذمة الوارث إلا ما حصل الاتفاق عليه.

أقول : لا يخفى ما في هذه الأدلة من النظر الظاهر لكل ناظر :

فاما ما ذكره في المختلف من النقل فهو غير مختص بالولد فضلا عن الذكور بل عن الأكبر منهم كما سيظهر لك في المقام ان شاء الله تعالى. والاختصاص بالحباء غير مقتض لما ذكره لجواز ان تكون العلة في إيجاب القضاء غير ذلك. ورواية حماد غير دالة على ما ادعاه كما ستعرف ان شاء الله تعالى. والإجماع المدعى ان ثبت فهو غير دال على التخصيص إلا أن يقولوا بإطراح الأخبار الآتية من البين وهم لا يقولونه.

__________________

(١) ص ٣٢٤.

٣٢٣

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال : يقضى عنه أولى الناس بميراثه. قلت : ان كان أولى الناس به امرأة؟ فقال : لا إلا الرجال».

وما رواه أيضا في الحسن عن حماد بن عثمان عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل يموت وعليه دين من شهر رمضان من يقضى عنه؟ قال : أولى الناس به. قلت : فان كان أولى الناس به امرأة؟ قال : لا إلا الرجال».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن الصفار (٣) قال : كتبت الى الأخير عليه‌السلام وفي الفقيه (٤) قال : كتب محمد بن الحسن الصفار الى ابى محمد الحسن بن على عليه‌السلام «في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما ان يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه‌السلام : يقضى عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء ان شاء الله».

قال في الفقيه : وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته الى الصفار بخطه عليه‌السلام.

وما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) «في الرجل يموت في شهر رمضان؟ قال : ليس على وليه أن يقضى عنه. الى أن قال : فان مرض ولم يصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه أن يقضى عنه لانه قد صح فلم يقض ووجب عليه».

وما رواه ايضا بسنده الى محمد بن ابى عمير عن رجاله عن الصادق عليه‌السلام (٦) :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٤) ج ٢ ص ٩٨ وفي الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٦) لم أقف على هذه الرواية في كتب الحديث عن الشيخ وانما نقلها الشهيد في الذكرى عن كتاب غياث سلطان الورى منسوبة إلى الشيخ في المبحث السادس من المطلب الثالث في توابع أحكام الميت ، وقد نقلها في الوسائل في الباب ١٢ من قضاء الصلوات عن غياث سلطان الورى عن الشيخ ، وتقدم نقلها كذلك ج ١١ ص ٣٣.

٣٢٤

«الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال : يقضيه أولى الناس به».

وقد تقدم في الموضع الأول (١) نقل رواية أبي بصير الدالة على انه يقضى عنه أفضل أهل بيته ، ومرسلة الفقيه الدالة على انه يقضى عنه من شاء من أهله.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) «وإذا مات الرجل وعليه من صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضى عنه وكذلك إذا فاته في السفر ، إلا أن يكون مات في مرضه من قبل ان يصح فلا قضاء عليه. وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضى عنه فان لم يكن له ولى من الرجال قضى عنه وليه من النساء».

وهذه عين عبارتي الصدوقين المتقدمتين لكنهما اختصراها وفي الفقيه ذكرها بطولها.

وهذه الأخبار ـ كما ترى ـ كلها إنما دلت على اناطة القضاء بالولي الذي هو عبارة عن أولى الناس بميراثه كما فسره به في صحيحة حفص بن البختري ، ولا اختصاص لذلك بالولد الأكبر بل ولا بالولد بقول مطلق بل إنما هو عبارة عن الأولى بالميراث كائنا من كان.

والعجب من صاحب الوسائل حيث تبع المشهور من تخصيص القضاء بأكبر الأولاد الذكور كما عنون به الباب (٣) ثم أورد مكاتبة الصفار وبدل «ولييه» به «ولديه» في قوله في التوقيع «يقضى عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء» فكتب «ولديه» ولا أدرى أهذا من غلط النسخة التي عندي أو ان هذا منشأ وهم المصنف فيكون الغلط منه ، ونسخ الحديث كلها متفقة على لفظ «ولييه» (٤).

وبذلك يظهر لك انه لا مستند لما اشتهر بينهم من التخصيص بالولد الأكبر

وبالجملة فإن الظاهر من الأخبار هو ان الولي هنا هو الولي في أحكام الميت وهو الأولى بالميراث ، وليس في الأقوال المتقدمة ما ينطبق على القول بهذه الروايات التي ذكرناها إلا قول الصدوقين ويقرب منه قول ابن الجنيد ، والى هذا القول مال

__________________

(١) ص ٣٢٠.

(٢) ص ٢٥.

(٣) ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٤) وفي نسخ الوسائل كذلك.

٣٢٥

السيد السند في المدارك ، وهو الحق الحقيق بالاتباع وان كان قليل الاتباع.

فوائد

الأولى ـ قد دلت صحيحة حفص بن البختري وكذا مرسلة حماد المتقدمتان (١) على انه لو لم يكن ولي إلا من النساء فإنه لا قضاء ، وصرحت عبارة كتاب الفقه الرضوي (٢) بوجوب قضاء الولي من النساء ، وبمدلول الروايتين صرح الشيخ وغيره فاسقطوا القضاء عن الولي من النساء ، وبمدلول الرواية الأخرى صرح الصدوقان والشيخ المفيد وابن البراج ، والظاهر ان مستندهم إنما هو عبارة الكتاب أو فتوى الصدوقين بذلك المستند الى الكتاب المذكور. والجمع بين الأخبار هنا لا يخلو من اشكال.

الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب القضاء على الولي عند من عين القضاء دون الصدقة ، وعلى ذلك تدل الأخبار المتقدمة.

واما ما تقدم في رواية أبي بصير ـ من انه يقضى عنه أفضل أهل بيته ، ومرسلة الفقيه : يقضى عنه من شاء من أهله (٣). وفي رواية لعمار تقدمت في كتاب الصلاة (٤) انه يقضى الصلاة والصوم رجل عارف ـ فيجب ارتكاب التأويل فيها بالحمل على التبرع بذلك لعدم الولي أو صغره أو نحو ذلك.

الثالثة ـ هل يشترط في تعلق الوجوب بالولي بلوغه حين يموت مورثه أم يراعى الوجوب ببلوغه فيتعلق به حينئذ؟ قولان ولم نقف على نص في المقام.

الرابعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لو كان للميت وليان أو أولياء متساوون في السن تساووا في القضاء.

واستدل عليه بعموم الأمر بالقضاء وبقوله عليه‌السلام في صحيحة حفص (٥) «يقضى عنه أولى الناس بميراثه». ونحوها من ما تقدم ، فان ذلك شامل بإطلاقه

__________________

(١ و ٥) ص ٣٢٤.

(٢) ص ٣٢٥.

(٣) ص ٣٢٠.

(٤) ج ١١ ص ٣٣ وفي الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات.

٣٢٦

المتحد والمتعدد ، وإذا وجب القضاء عليهم تساووا فيه لامتناع الترجيح بلا مرجح. وقال ابن البراج يقرع بينهم.

وقال ابن إدريس انه لا قضاء لأن التكليف بذلك يتعلق بالولد الأكبر وليس هنا ولد أكبر.

وضعفه ظاهر فإنه مع تسليم ما ذكره من اختصاص الوجوب بالولد الأكبر إنما هو لو كان ثمة ولد أكبر لا مطلقا.

ولم أقف على نص واضح في المقام إلا ان القول المشهور لا يخلو من قرب نظرا إلى إطلاق الاخبار المشار إليها. ولعل حجة من ذهب الى القرعة عموم ما دل على انها لكل أمر مشكل (١).

ثم ان جملة منهم قد صرحوا بوجوب القضاء على الجميع وان اتحد الزمان بمعنى انه لا يشترط الترتيب في قضاء الصوم وان صرحوا باشتراطه في قضاء الصلاة وقالوا بناء على ذلك ان يوم الكسر واجب على الكفاية وان تبرع به أحد سقط.

الخامسة ـ قد أطلق جملة من الأصحاب انه لو تبرع بعض بالقضاء سقط. وحمل على تبرع بعض الأولياء المتساوين في السن بقضاء الصيام عن البعض الآخر فإنه يسقط الفرض بفعل ذلك البعض المتبرع.

قال شيخنا الشهيد الثاني : ووجه السقوط حصول المقتضى وهو براءة ذمة الميت من الصوم.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ويتوجه عليه ان الوجوب تعلق بالولي وسقوطه بفعل غيره يحتاج الى دليل ، ومن ثم ذهب ابن إدريس والعلامة في المنتهى الى عدم الاجتزاء بفعل المتبرع وان وقع باذن من تعلق به الوجوب لأصالة عدم سقوط الفرض عن المكلف بفعل غيره. وقوته ظاهرة. انتهى.

السادسة ـ قد تقدم في كلام الشيخ انه لو لم يكن إلا النساء لم يلزمهن القضاء

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من كيفية الحكم واللفظ «كل مجهول ففيه القرعة» ..

٣٢٧

وكان الواجب الفدية ، وبذلك صرح من تبعه أيضا ، وهو مبنى على ما هو المشهور بينهم من عدم وجوب القضاء على الأنثى وان انحصرت الولاية فيها.

واما ما ذكره من التصدق فلم نقف له على مستند وانما استدل له برواية أبي مريم الأنصاري (١) وقد عرفت من ما قدمنا سابقا ان هذه الرواية إنما خرجت مخرج التقية (٢) ومع الإغماض عن ذلك فان مقتضى الرواية على ما في الكافي والفقيه هو وجوب الصوم على الولي إذا لم يخلف الميت ما يتصدق به عنه وعلى رواية التهذيب وجوب التصدق على الولي أيضا ، وشي‌ء منهما لا ينطبق على ما ذكره هنا لانه هنا إنما أوجب الفدية مع تعذر الولي والولي على كل من الوجهين الأولين موجود.

السابعة ـ حكى الشهيد في الذكرى عن المحقق (قدس‌سره) انه قال في مسائله البغدادية المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري : الذي ظهر لي ان الولد يلزم قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة لعذر كالسفر والمرض والحيض لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه. ثم قال الشهيد : وقد كان شيخنا عميد الدين ينصر هذا القول ، ولا بأس به فان الروايات تحمل على الغالب من الترك وهو انما يكون على هذا الوجه. انتهى.

واليه مال جملة من متأخري المتأخرين كالسيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة ، وهو جيد.

ويمكن تأييده أيضا بأن روايات وجوب القضاء منها ما صرح فيه بالسبب الموجب للترك من الأعذار التي هي الحيض أو المرض أو السفر ومنها ما هو مطلق ومقتضى القاعدة حمل مطلقها على مقيدها في ذلك.

الرابع ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب القضاء عن

__________________

(١) ص ٣٢٠.

(٢) ارجع الى الصفحة ٣٢١ والتعليقة ٣ فيها.

٣٢٨

المرأة ، فعن الشيخ في النهاية قال : والمرأة حكمها ما ذكرناه في أن ما يفوتها من الصيام بمرض أو طمث لا يجب على أحد القضاء عنها إلا أن يكون قد تمكنت من الصيام فلم تقضه فإنه يجب القضاء عنها. ويجب ايضا القضاء عنها ما يفوتها بالسفر حسبما قدمناه في حكم الرجال. والى هذا القول مال جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المنتهى والمختلف ، وتردد المحقق في الشرائع.

وقال ابن إدريس : الصحيح من المذهب والأقوال ان إلحاق المرأة في هذا الحكم بالرجال يحتاج الى دليل وانما إجماعنا منعقد على ان الوالد يتحمل ولده الأكبر ما فرط فيه من الصيام ويصير ذلك تكليفا للولد ، وليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا وانما أورده الشيخ إيرادا لا اعتقادا.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عن ابن إدريس والاستدلال على ما ذهب اليه الشيخ بموثقة محمد بن مسلم وموثقة أبي بصير في المرأة التي أوصته أن يصوم عنها (١) ما صورته : وقول ابن إدريس ـ «الإجماع على الوالد» ـ ليس حجة إذ دلالة دليل على حكم ليس دليلا على انتفاء ذلك الحكم في صورة أخرى. قوله «وليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا» جهل منه وأي أحد أعظم من الشيخ (قدس‌سره) خصوصا مع اعتضاد قوله بالروايات والأدلة العقلية. على ان جماعة قالوا بذلك كابن البراج. ونسبة قول الشيخ إلى أنه إيراد لا اعتقاد غلط منه وما يدريه بذلك ، مع انه لم يقتصر على قوله بذلك في النهاية بل وفي المبسوط ايضا. انتهى.

أقول : والأصح ما ذهب اليه الشيخ (رضوان الله عليه) ويدل عليه ما يأتي في المسألة الآتية من روايتي أبي حمزة ومحمد بن مسلم (٢).

الخامس ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان وجوب القضاء على الولي في غير ما فات بالسفر مشروط بتمكن المكلف من القضاء وتفريطه حتى استقر في ذمته.

وعلى ذلك يدل جملة من الأخبار المتقدمة ، ويعضدها أيضا ما رواه الشيخ

__________________

(١ و ٢) ص ٣٣٠.

٣٢٩

في الموثق عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال هل برئت من مرضها؟ قلت لا ماتت فيه. قال لا يقضى عنها فان الله لم يجعله عليها. قلت فإني أشتهى أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال كيف تقضى عنها شيئا لم يجعله الله عليها؟

فان اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم». اما في السفر فظاهر الأكثر ايضا انه كذلك ، فلو لم يتمكن من القضاء لم يجب القضاء عنه ، ونقله في المهذب عن الشيخ في النهاية والمحقق والعلامة ، لدخوله تحت قسم المعذورين لعدم التمكن فيسقط عنه لاستحالة التكليف بما لا يطاق.

وبه صرح شيخنا الشهيد في اللمعة حيث قال : وفي القضاء عن المسافر خلاف أقربه مراعاة تمكنه من المقام والقضاء. وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في الشرح حيث قال بعد ذكر العبارة المذكورة : ولو بالإقامة في أثناء السفر كالمريض ، وقيل يقضى عنه مطلقا لإطلاق النص وتمكنه من الأداء بخلاف المريض. وهو ممنوع لجواز كونه ضروريا كالسفر الواجب فالتفصيل أجود. انتهى ونحوه كلامه في المسالك أيضا.

أقول : والظاهر عندي هو القول بالوجوب مطلقا وان لم يتمكن من الإقامة ولم يمض عليه زمان يمكن فيه القضاء للأخبار الظاهرة الدلالة في ذلك :

ومنها ـ ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن أبي حمزة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ قال : اما الطمث والمرض فلا ، واما السفر فنعم».

وما رواه الشيخ في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان هل يقضى عنها؟ قال : اما الطمث والمرض فلا ، واما السفر فنعم».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

٣٣٠

وما رواه في الموثق عن أبى بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه؟ قال : يقضيه أفضل أهل بيته».

وعن منصور بن حازم عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت؟ قال : يقضى عنه. وان امرأة حاضت في رمضان فماتت لم يقض عنها. والمريض في رمضان ولم يصح حتى مات لا يقضى عنه».

وأنت خبير بما في هذه الأخبار من الصراحة في الدلالة ، والظاهر ان من ذهب من أصحابنا إلى المشهور لم يقف على هذه الاخبار كملا ، ولذلك ان شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد ان نقل عبارة المصنف ـ وهي قوله : ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه فأهمله إلا ما يفوت بالسفر فإنه يقضى ولو مات مسافرا على رواية ـ قال : هي رواية منصور بن حازم. ثم ساق الرواية ثم قال بعد ما اختار القول المشهور : والرواية مع عدم صحة سندها يمكن حملها على الاستحباب أو الوجوب لكون السفر معصية وان بعد ولا يخفى ما فيه بعد ما عرفت.

وبالجملة فإن ظواهر الأخبار المذكورة هو وجوب القضاء عن المسافر مطلقا وتقييدها بالتمكن من القضاء مع كونه لا دليل عليه ينافيه ظاهر روايتي أبي حمزة ومحمد بن مسلم المشتملتين على السفر والطمث والمرض وانه يقضى ما فات بالسفر خاصة دون ما فات بذينك الآخرين ، وليس ذلك إلا مع عدم التمكن من القضاء إذ لا خلاف في انه مع التمكن يجب القضاء في الطمث والمرض.

والظاهر ان بناء الحكم المذكور في الفرق بين الفائت بالسفر وغيره انما هو من حيث ان عذر المرض والطمث من جهة الله (عزوجل) وهو أعذر لعبده كما ورد في جملة من اخبار الإغماء (٣) وغيرها ، وعذر السفر من قبل المكلف ويمكنه تركه والإتيان بالأداء فوجب القضاء عنه لذلك.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٣) الوسائل الباب ٣ من قضاء الصلوات والباب ٢٤ ممن يصح منه الصوم.

٣٣١

وما استشكله شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) من انه ربما يكون السفر ضروريا أو واجبا فالظاهر انه لا وجه له ، فان بناء الأحكام على الافراد الغالبة المتكررة ، والعلل الشرعية لا يجب اطرادها بل يكفى وجودها في أكثر الأفراد كما لا يخفى.

السادس ـ قال الشيخ في النهاية : المريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثم مات تصدق عنه عن شهر وقضى عنه وليه شهرا آخر. وكذا قال ابن البراج على ما نقله في المختلف ، وبذلك قال أكثر المتأخرين.

ويدل على هذا القول ما رواه الشيخ عن الوشاء بطريق فيه سهل بن زياد عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام (١) قال : «سمعته يقول إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علة فعليه أن يتصدق عن الشهر الأول ويقضى الثاني».

قال في المسالك : لا فرق في الشهرين اللذين على الميت بين كونهما واجبين عليه على التعيين كالمنذورين وكفارة الظهار مع قدرته على الصوم في حال الحياة وعجزه عن العتق أو على التخيير ككفارة رمضان على تقدير اختيار الولي الصوم ، فان التخيير ينتقل اليه كما كان للميت. وهذا الحكم تخفيف على الولي بالصدقة عن أحد الشهرين من مال الميت مع ان النصوص تقتضي وجوب قضاء الجميع عليه ، ومستند هذا الحكم المستثنى من صور القضاء رواية الوشاء. ثم ساق الخبر كما نقلناه.

واستشكل ذلك جملة من متأخري المتأخرين من حيث ضعف سند الرواية أولا ، ومن دلالة الأخبار المستفيضة على وجوب القضاء على الولي كما قدمنا نقل كثير منها (٢) ولأن صوم هذين الشهرين لا يخلو اما أن يكون متعينا على الميت أو مخيرا فيه ، فان كان الأول فمقتضى الاخبار المشار إليها هو وجوب الكل على الولي ، وان كان الثاني فالأمر فيه مشكل ، حيث ان ظاهر الخبر المذكور غير المخير فيه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من أحكام شهر رمضان.

(٢) ص ٣٢٠ و ٣٢٤.

٣٣٢

وقال الشيخ أيضا في المبسوط والجمل والاقتصاد على ما نقله في المختلف : كل صوم كان واجبا عليه بأحد الأسباب الموجبة له فمتى مات وكان متمكنا منه فلم يصمه فإنه يتصدق عنه أو يصوم عنه وليه. وهو يرجع الى ما ذكره في النهاية أيضا.

وفيه ما عرفت من دلالة الأخبار المستفيضة على وجوب القضاء خاصة مضافا الى ما ذكره.

ومن هنا ذهب ابن إدريس والعلامة في المختلف الى وجوب القضاء خاصة ، وهو أيضا ظاهر الشيخ المفيد حيث قال : يجب على وليه أن يقضى عنه كل صيام فرط فيه من نذر أو كفارة أو قضاء رمضان.

أقول : والمسألة غير خالية من شوب الإشكال ، فإن الخروج عن مقتضى تلك الأخبار المستفيضة بهذا الخبر مع احتماله للتقية ـ فإن القول بالتصدق مذهب أكثر العامة (١) وان لم ينقل في خصوص هذه الصورة ـ مشكل ، والأظهر الوقوف على ما دلت عليه تلك الاخبار المشار إليها وهو الأوفق بالاحتياط المطلوب في جميع المقامات.

فان قيل : ان جملة الأخبار المتقدمة إنما وردت في قضاء شهر رمضان فلا تتعدى الى غيره ، لأنه قياس مع الفارق فان شهر رمضان آكد من غيره وكذا قضاؤه.

لأنا نقول : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو المصرح به في الأصول والدائر في كلامهم في غير مقام ، إذ المفهوم من اجوبتهم (عليهم‌السلام) في تلك الاخبار إنما هو ترتب القضاء على استقرار الأداء في الذمة كائنا ما كان سيما صحيحة حفص بن البختري (٢) فإن السؤال فيها عن الصوم بقول مطلق ، ورواية أبي بصير المتقدمة (٣) في حكاية المرأة التي أوصته أن يصوم عنها وقوله عليه‌السلام

__________________

(١) ارجع الى الصفحة ٣٢١ والتعليقة ٣ فيها.

(٢) ص ٣٢٤.

(٣) ص ٣٣٠.

٣٣٣

«لا يقضى عنها فان الله لم يجعله عليها». فإنه علل عدم القضاء بعدم وجوب الأداء عليها المؤذن بثبوته مع ثبوته ، وقوله عليه‌السلام في موثقة ابن بكير المتقدمة في الموضع الثالث (١) «لأنه قد صح فلم يقض ووجب عليه» وهو مشعر بوجوب القضاء من حيث ان الأداء كان واجبا عليه ، الى غير ذلك من الاخبار المتقدمة ، وما نحن فيه كذلك عملا بالعلة المذكورة. والله العالم.

الفصل الثالث

في صوم الكفارات

وتنحل إلى أقسام أربعة الأول ـ ما يجب فيه الصوم مع غيره ، وهي كفارة قتل المؤمن عمدا فإنه تجب فيها الخصال الثلاث للأخبار المستفيضة :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان وابن بكير جميعا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا هل له توبة؟ فقال : ان كان قتله لإيمانه فلا توبة له وان كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فان توبته أن يقاد منه ، وان لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم فان عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة وصام شهرين متتابعين وأطعم ستين مسكينا ...».

ومثلها كفارة من أفطر شهر رمضان على محرم عند من قال بذلك كما تقدم تحقيقه وانه الأظهر لما قدمنا من الأدلة.

القسم الثاني ـ ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره وهي ستة :

أحدها ـ كفارة قتل الخطأ قال الله تعالى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً). إلى

__________________

(١) ص ٣٢٤.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من الكفارات والباب ٩ من القصاص في النفس.

٣٣٤

قوله (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) (١) وفي معناها أخبار كثيرة (٢).

وثانيها ـ الظهار قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ). إلى قوله. (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (٣).

وثالثها ـ قضاء شهر رمضان بناء على المشهور من أنها إطعام عشرة مساكين فان لم يتمكن صام ثلاثة أيام ، وقيل انها كفارة شهر رمضان ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

ورابعها ـ كفارة اليمين قال الله عزوجل (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) (٤).

وخامسها ـ كفارة الإفاضة من عرفات عامدا قبل الغروب فان عليه بدنة ومع العجز صيام ثمانية عشر يوما.

ويدل عليه ما رواه الشيخ عن يونس في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن من أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال : عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما».

وسادسها ـ كفارة الصيد الذي هو عبارة عن النعامة والبقرة الوحشية والظبي وما ألحق بها على تردد ، ويأتي تحقيق القول فيه ان شاء الله تعالى في كتاب الحج.

والحق بذلك كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده وكفارة خدش المرأة وجهها ونتفها شعر رأسها :

__________________

(١) سورة النساء الآية ٩٥.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من الكفارات والباب ١١ و ٣٨ من القصاص في النفس.

(٣) سورة المجادلة الآية ٦.

(٤) سورة المائدة الآية ٩٢.

(٥) الوسائل الباب ٢٣ من إحرام الحج. والراوي ضريس. والشيخ يرويه عن الكليني.

٣٣٥

لرواية خالد بن سدير عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : «وإذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته كفارة حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا من ذلك ، وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ، وفي خدش الوجه إذا أدمت وفي النتف كفارة حنث يمين».

قيل : ووجه الإلحاق ضعف الرواية المذكورة بالراوي المذكور فقد قال الصدوق ان كتابه موضوع. وقال ابن إدريس باستحبابها ، وسيأتي تحقيق الكلام ان شاء الله تعالى في ذلك في كتاب الكفارات.

القسم الثالث ـ ما يكون الصوم فيه مخيرا بينه وبين غيره وهو خمسة :

منها ـ كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان عامدا ، وقد تقدم الكلام فيها.

ومنها ـ كفارة النذر بناء على المشهور من انها كفارة كبرى مخيرة ، والأصح انها كفارة يمين ، وسيأتي تحقيق القول في ذلك في كتاب النذر ان شاء الله تعالى.

ومنها ـ كفارة العهد بناء على المشهور من انها كفارة كبرى مخيرة وهو الأصح وقيل انها كفارة يمين ، وسيأتي تحقيق البحث في ذلك في محله.

ومنها ـ كفارة الاعتكاف الواجب بناء على ما هو المشهور من انها كفارة كبرى مخيرة ، وقيل انها مرتبة ، وسيأتي بيان ذلك في كتاب الاعتكاف ان شاء الله تعالى.

ومنها ـ كفارة حلق الرأس في الإحرام وهي منصوصة في القرآن المجيد ، قال الله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٢) ولفظ «أو» صريح في التخيير ، وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب الحج ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من الكفارات.

(٢) سورة البقرة الآية ١٩٣.

٣٣٦

والحق بذلك كفارة جز المرأة رأسها في المصاب لرواية خالد بن سدير المتقدمة

القسم الرابع ـ ما يجب مرتبا على غيره مخيرا بينه وبين غيره وهو كفارة الواطئ أمته المحرمة باذنه ، وسيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ان هذه الكفارة بدنة أو بقرة أو شاة فإن عجز عن الأولين فشاة أو صيام ثلاثة أيام ، فالصيام فيها مرتب على غيره وهو البدنة والبقرة مخير بينه وبين غيره وهو الشاة.

وإنما اجملنا الكلام في هذه المسائل ولم نتعرض لتحقيق البحث فيها بنقل الأدلة وتحقيق الكلام فيها لان الغرض هنا إنما هو استيفاء أقسام الصوم وسيجي‌ء تحقيق كل مسألة ان شاء الله تعالى في محلها اللائق بها.

بقي الكلام هنا في مقامات المقام الأول ـ قد صرح جملة من الأصحاب بل الظاهر انه المشهور ان كل الصوم يلزم فيه التتابع إلا أربعة : صوم النذر المجرد عن التتابع وما في معناه من يمين وعهد ، وصوم القضاء عن رمضان أو غيره ، وصوم جزاء الصيد ، والسبعة في بدل الهدى.

وقد نقل الخلاف في كل من هذه الأربعة ، اما الأول فحكى الشهيد في الدروس عن ظاهر الشاميين وجوب المتابعة في النذر المطلق ، والظاهر هو المشهور لحصول الوفاء بالنذر بدون التتابع وعدم الدليل على ما ذكروه.

واما الثاني فقد استقرب الشهيد في الدروس وجوب التتابع في قضاء النذر المشروط فيه التتابع. ورد بأنه لا دليل عليه. وهو كذلك. ووجوب التتابع في أصل النذر باعتبار الشرط لا يستلزم وجوبه في قضائه.

واما الثالث فنقل عن المفيد وسلار والمرتضى أنهم أوجبوا المتابعة في صيام الستين يوما بدل النعامة.

واما الرابع فنقل عن ابن ابى عقيل وابى الصلاح أنهما أوجبا المتابعة في صيام السبعة بدل الهدى.

٣٣٧

قال في المدارك بعد ذكر ذلك : والأصح عدم وجوب المتابعة في جميع ذلك عملا بالإطلاق.

وفيه انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي في الحسن الى الحسين بن زيد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «السبعة الأيام والثلاثة الأيام في الحج لا تفرق انما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين». وهو ظاهر في وجوب المتابعة في السبعة كما ذكره الفاضلان المذكوران.

ومثله ما رواه في التهذيب عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٢) قال «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج والسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال يصوم الثلاثة لا يفرق بينها والسبعة لا يفرق بينها ولا يجمع السبعة والثلاثة جميعا».

نعم في بعض الاخبار ما يدل على التفريق.

وسيجي‌ء الكلام في جميع هذه المسائل في مواضعها منقحا ان شاء الله تعالى.

ويندرج في كلية ما يجب فيه التتابع صوم رمضان والاعتكاف وكفارة رمضان وكفارة قضائه وكفارة خلف النذر وما في معناه وكفارة الظهار والقتل وكفارة حلق الرأس في حال الإحرام وصوم الثلاثة الأيام في بدل الهدى وصوم الثمانية عشر بدل البدنة وبدل الشهرين عند العجز عنهما.

قال في المدارك : ويمكن المناقشة في وجوب المتابعة في صيام كفارة قضاء رمضان وحلق الرأس وصوم الثمانية عشر في الموضعين ، لإطلاق الأمر بالصوم في جميع هذه الموارد فيحصل الامتثال مع التتابع وبدونه. انتهى.

وهو جيد إلا بالنسبة إلى كفارة قضاء شهر رمضان ، لما تقدم في صدر المطلب الرابع من المقصد الأول (٣) من الأخبار الدالة على انها كفارة شهر رمضان ، وكفارة شهر رمضان من ما لا خلاف في وجوب التتابع في الشهرين فيها نعم يمكن ذلك بالنسبة إلى القول الآخر وهو صوم ثلاثة أيام حيث انه لم يصرح

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ من بقية الصوم الواجب.

(٣) ص ٢١٢.

٣٣٨

فيها بالتتابع ، إلا ان الأصحاب ذكروا انها كفارة يمين وكفارة اليمين من ما يجب التتابع فيها ، فان تم ما ذكروه لزم الإشكال في ما ذكره هنا وإلا فلا. واما على القول الأول فالإشكال لازم البتة ، إلا ان الظاهر ان كلامه (قدس‌سره) مبنى على ما هو المشهور من أنها إطعام عشرة مساكين إن أمكن وإلا فصيام ثلاثة أيام وهذه الثلاثة لا دليل على وجوب التتابع فيها. واما القول بأنها كفارة شهر رمضان فهو وان قال به الصدوقان ودل عليه بعض الأخبار المتقدمة في المطلب المتقدم إلا انه مطرح بينهم وغير معمول عليه ولا على اخباره كما تقدم تحقيق ذلك في المطلب المذكور وأضعف منه غيره من القولين الآخرين في المسألة كما تقدم ثمة.

المقام الثاني ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان كل ما يشترط فيه التتابع من افراد الصوم إذا أفطر في أثنائه لعذر بنى بعد زواله. وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في هذا الحكم بين صوم الشهرين وصوم الثمانية عشر في الموضعين المتقدمين وصوم الثلاثة.

وفيه انه قد جزم جماعة : منهم ـ المحقق والعلامة في القواعد والشهيدان في الدروس والمسالك بوجوب الاستئناف مع الإخلال بالمتابعة في كل ثلاثة لعذر كان أو لا لعذر إلا ثلاثة الهدي لمن صام يومين وكان الثالث العيد فإنه يبنى على اليومين الأولين بعد انقضاء أيام التشريق.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم : وهو جيد بل الأجود اختصاص البناء مع الإخلال بالتتابع للعذر بصيام الشهرين المتتابعين والاستئناف في غيره ، اما الاستئناف في ما عدا صيام الشهرين فلأن الإخلال بالمتابعة يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى المكلف تحت العهدة الى أن يتحقق الامتثال.

أقول : لا يخفى ان مقتضى كلامه هنا هو وجوب المتابعة في الثمانية عشر حيث انه قد صرح بها في صدر الكلام وانها داخلة تحت إطلاق كلامهم وانه لو حصل العذر الموجب لانقطاع المتابعة وجب عليه الإعادة من رأس ، مع انه قد صرح

٣٣٩

سابقا في ما قدمنا نقله عنه في المقام الأول بأنه لا تجب المتابعة فيها عنده بل يحصل الامتثال مع التتابع وعدمه ، اللهم إلا ان يحمل كلامه هنا على طريق المماشاة مع الأصحاب وانه على تقدير ثبوت وجوب التتابع فيها في ما ذكروه فاللازم هو الوجوب وان حصل العذر المانع من ذلك فإنه يجب الإعادة من رأس بعد زواله.

ثم قال (قدس‌سره) : واما البناء في صيام الشهرين فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض؟ قال : يبنى عليه الله حبسه. قلت امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها؟ قال : تقضيها. قلت فإنها قضتها ثم يئست من المحيض؟ قال لا تعيدها أجزأها ذلك». وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) نحو ذلك ، وعن سليمان بن خالد (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة وعشرين يوما ثم مرض فإذا برئ أيبنى على صومه أم يعيد صومه كله؟ قال : يبنى على ما كان صام. ثم قال : هذا من ما غلب الله عليه وليس على ما غلب الله عزوجل عليه شي‌ء». انتهى.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٤) : ومتى وجب على الإنسان صوم شهرين متتابعين فصام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما ثم أفطر فعليه ان يبنى عليه فلا بأس ، وان صام شهرا أو أقل منه ولم يصم من الشهر الثاني شيئا فعليه ان يعيد صومه إلا ان يكون قد أفطر لمرض فله أن يبنى على ما صام لأن الله حبسه.

أقول : لا يخفى ان ظاهر التعليل في هذه الروايات يقتضي وجوب البناء في كل ما ثبت فيه وجوب التتابع إذا كان العذر من جهته (عزوجل) ، وخصوص السؤال في هذه الأخبار لا يوجب التخصيص إذ العبرة بعموم الجواب والعلة

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من بقية الصوم الواجب.

(٤) ص ٢٦.

٣٤٠