الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

الميت بل في قضاء الفائت عنه ، والحكم بشرعيته يتوقف على الدليل لأن الوظائف الشرعية إنما تستفاد من النقل ولم يرد النقل بذلك ، بل مقتضى الأخبار المتقدمة عدم مشروعية القضاء.

ويدل على ذلك بأوضح دلالة ما رواه الكليني في الصحيح أو الموثق عن أبى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال هل برئت من مرضها؟ قلت لا ماتت فيه. قال لا يقضى عنها فان الله لم يجعله عليها. قلت فإني اشتهى أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال كيف تقضى عنها شيئا لم يجعله الله عليها؟ فان اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم».

هذا بالنسبة إلى الفوات بغير السفر واما ما يفوت بالسفر فالظاهر وجوب القضاء بمجرد الفوات وان لم يتمكن من القضاء ، وسيأتي تحقيق المسألة قريبا.

المسألة الخامسة ـ لو استمر مرضه من أول رمضان الى رمضان آخر فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) سقوط قضاء الأول وانه يكفر عن كل يوم منه بمد ، وحكى الفاضلان في المعتبر والمنتهى عن أبى جعفر بن بابويه إيجاب القضاء دون الصدقة ، وحكاه في المختلف ايضا عن ابن ابى عقيل وابى الصلاح وابن إدريس ، وقواه في المنتهى والتحرير ، وحكى عن ابن الجنيد انه احتاط بالجمع بين القضاء والصدقة وقال انه مروي ، حكاه عنه في الدروس.

والمعتمد هو القول الأول لما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) «في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض فلا يصح حتى يدركه شهر رمضان آخر؟ قال : يتصدق عن الأول ويصوم الثاني ، فإن كان صح في ما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.

٣٠١

وتصدق عن الأول». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن زرارة مثله (١).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدرك رمضانا آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم ، فأما أنا فإني صمت وتصدقت».

وما رواه الكليني في الحسن بإبراهيم على المشهور الذي هو عندي من الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر؟ فقالا : ان كان برئ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضاؤه ، وان كان لم يزل مريضا حتى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وتصدق عن الأول لكل يوم مدا على مسكين وليس عليه قضاؤه».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن رجل تتابع عليه رمضانان لم يصح فيهما ثم صح بعد ذلك كيف يصنع؟ قال : يصوم الأخير ويتصدق عن الأول بصدقة لكل يوم مد من طعام لكل مسكين».

وما رواه عنه عن أخيه عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن رجل مرض في شهر رمضان فلم يزل مريضا حتى أدركه شهر رمضان آخر فبرئ فيه كيف يصنع؟ قال : يصوم الذي يبرأ فيه ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام».

وما رواه العياشي في تفسيره (٦) عن سماعة عن ابى بصير قال : «سألته عن رجل مرض من رمضان الى رمضان قابل ولم يصح بينهما ولم يطق الصوم؟ قال : يتصدق مكان كل يوم أفطر على مسكين بمد من طعام وان لم يكن حنطة فمد من تمر

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.

(٦) ج ١ ص ٧٩ وفي الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان. ولم يذكر في السند إلا أبا بصير.

٣٠٢

وهو قول الله تعالى (فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (١) فان استطاع أن يصوم الرمضان الذي استقبل وإلا فليتربص الى رمضان قابل فيقضيه ، فان لم يصح حتى رمضان قابل فليتصدق كما تصدق مكان كل يوم أفطر مدا مدا ، فان صح في ما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى جاء الرمضان الآخر فان عليه الصوم والصدقة جميعا يقضى الصوم ويتصدق من أجل انه ضيع ذلك الصيام».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) : «وإذا مرض الرجل وفاته صوم شهر رمضان كله ولم يصمه الى أن يدخل عليه شهر رمضان من قابل فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل عليه ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ، وليس عليه القضاء إلا أن يكون قد صح في ما بين الرمضانين فإذا كان كذلك ولم يصم فعليه أن يتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويصوم الثاني فإذا صام الثاني قضى الأول بعده ، فان فاته شهر رمضان حتى دخل الشهر الثالث وهو مريض فعليه أن يصوم الذي دخله ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويقضى الثاني».

ورواية أبي الصباح الآتية في ثاني هذه المسألة ورواية أبي بصير الآتية أيضا احتج العلامة في المنتهى على ما ذهب اليه من وجوب القضاء بعموم الآية الدالة على وجوب قضاء أيام المرض (٣) وان الأحاديث المستدل بها على سقوط القضاء المروية من طريق الآحاد لا تعارض الآية.

ورد بأنه مخالف لما قرره في الأصول من أن عموم الكتاب يخص بخبر الواحد.

أقول : وبذلك صرح في المختلف حيث انه اختار القول المشهور واحتج للقول المخالف بعموم قوله تعالى (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٤)

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

(٢) ص ٢٥.

(٣ و ٤) سورة البقرة الآية ١٨٢.

٣٠٣

ثم قال : والجواب العموم قد يخص باخبار الآحاد خصوصا إذا استفاضت واشتهرت واعتضدت بعمل أكثر الأصحاب.

واحتجوا أيضا بأن العبادة لا تسقط بفوات وقتها كالقرض والدين.

وبما رواه سماعة (١) قال : «سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك ولم يصمه؟ فقال : يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي كان عليه بمد من طعام وليصم هذا الذي أدرك فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ، فانى كنت مريضا فمر على ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ثم أدركت رمضانا فتصدقت بدل كل يوم من ما مضى بمدين من طعام ثم عافاني الله فصمتهن».

وأجيب عن الأول بأن وقت الأداء قد فات على ما بيناه والقضاء في العبادة انما يجب بأمر جديد على ما حقق في أصول الفقه بخلاف الدين فإنه لا وقت له.

وعن الرواية أولا ـ بأنه لم يذكر فيها استمرار المرض في ما بين الرمضانين. وثانيا ـ بالحمل على الاستحباب ويؤيده صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (٢).

أقول : ولعل هذه الرواية هي التي أشار إليها ابن الجنيد في ما تقدم من النقل عنه بان الجمع بين القضاء والكفارة مروي.

وكيف كان فالقول المعتمد هو الأول لما عرفت من الأخبار وما يأتي. أقول : ومن الأخبار الصريحة في الدلالة على القول المشهور ورد هذا القول ما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب العلل وعيون الأخبار بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام (٣) قال : «إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأول وسقط القضاء ، وإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء ، لأن ذلك الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر ،

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.

(٢) ص ٣٠٢.

٣٠٤

فاما الذي لم يفق فإنه لما مر عليه السنة كلها وقد غلب الله عليه ولم يجعل له السبيل إلى أدائها سقط عنه ، وكذلك كل ما غلب الله عليه مثل المغمى الذي يغمى عليه في يوم وليلة ، فلا يجب عليه قضاء الصلاة ، كما قال الصادق عليه‌السلام «كل ما غلب الله على العبد فهو أعذر له» لأنه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا في سنته للمرض الذي كان فيه ، ووجب عليه الفداء لأنه بمنزلة من وجب عليه الصوم فلم يستطع أداءه فوجب عليه الفداء ، كما قال الله تعالى (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ). (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (١) وكما قال (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٢) فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه (فان قال) فان لم يستطع إذ ذاك فهو الآن يستطيع (قيل) لأنه لما دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي ، لأنه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء وإذا وجب عليه الفداء سقط الصوم والصوم ساقط والفداء لازم ، فإن أفاق في ما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه الصوم لاستطاعته».

ويلحق بهذه المسألة فوائد الأولى ـ المستفاد من الأخبار الدالة على سقوط القضاء مع استمرار المرض الى رمضان آخر مع الاخبار الأخر ان وقت القضاء الموظف له شرعا هو ما بين الرمضانين ، فان صح في ما بينهما وامكنه القضاء وجب عليه في هذه المدة ، ولو أخل به والحال هذه لزمه مع القضاء الكفارة ، اما القضاء فبالدليل الدال على وجوب القضاء هنا ، واما الكفارة فعقوبة لإخلاله بالواجب الذي هو الإتيان به في تلك المدة. ولو لم يصح في ما بينهما فلا قضاء عليه بعد ذلك لان الوقت المعين للقضاء قد فات بالعذر الموجب لعدم توجه الخطاب الشرعي إليه فيه والقضاء بعده والحال هذه يحتاج الى دليل وليس فليس.

وبالجملة فالحكم في هذا القضاء كالحكم في أصل الأداء ، فإن أصل الأداء هنا وفي

__________________

(١) سورة المجادلة الآية ٦.

(٢) سورة البقرة الآية ١٩٣.

٣٠٥

غيره لما كان فواته لا يستلزم القضاء إلا بدليل جديد كما هو أظهر القولين في المسألة فكذلك قضاؤه المعين في هذا الوقت ، فان مجرد فوات ذلك الوقت لا يستلزم القضاء مرة أخرى إلا بأمر جديد ، وقد قام الدليل في صورة الترك عمدا مع التمكن فوجب ووجبت الكفارة معه عقوبة ، واما في صورة استمرار العذر فلم يقم دليل على ذلك فوجب الحكم بعدمه.

وبما ذكرنا صرح جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) : منهم ـ العلامة في المختلف حيث قال في الاستدلال على ما اختاره من القول المشهور : لنا ـ ان العذر قد استوعب وقت الأداء والقضاء فوجب ان يسقط عنه القضاء ، اما استيعاب وقت الأداء فظاهر ، واما استيعاب وقت القضاء فلان وقته ما بين الرمضانين إذ لا يجوز التأخير عنه. الى آخر كلامه زيد في مقامه.

وقال الشهيد في الدروس : لا يجوز تأخير قضاء رمضان عن عام الفوات اختيارا وتجب المبادرة.

أقول : وعلى هذا فلو تمكن من القضاء وأخل به ثم عرض له سفر لا يتمكن معه من القضاء في ذلك الوقت المعين ، فان كان سفرا مباحا أو مستحبا فلا إشكال في وجوب تقديم قضاء الصيام عليه وعدم مشروعية السفر والحال هذه ، وان كان واجبا كالحج الواجب ونحوه فإشكال ينشأ من تعارض الواجبين ولا سيما حجة الإسلام ، وترجيح أحدهما على الآخر يحتاج الى دليل وان كان مقتضى قواعد الأصحاب تقديم ما سبق سبب وجوبه كما صرحوا به في جملة من المواضع.

الثانية ـ اعلم ان العلامة في التحرير قال بعد ان قوى ما ذهب اليه ابن بابويه من وجوب القضاء دون التكفير : ونقل عن الشيخين القول بوجوب التكفير دون القضاء ، وعلى قول الشيخين لو صام ولم يكفر فالوجه الاجزاء. وهو يؤذن بكون مذهب الشيخين هو التخيير بين القضاء والتكفير والأمر ليس كذلك لان

٣٠٦

صريح كلامهما والأدلة التي تقدمت من ما استدلوا به إنما هو تعين التكفير دون القضاء.

الثالثة ـ الأشهر الأظهر أن الصدقة المذكورة عن كل يوم بمد ، لما تقدم في صحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة محمد بن مسلم ونحوهما من الأخبار المتقدمة (١).

وقال الشيخ في النهاية : يتصدق عن كل يوم بمدين من طعام فان لم يمكنه فبمد ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة على ما نقله في المختلف.

ولم نقف له على مستند يعتمد عليه ، ويمكن أن يكون مستنده رواية سماعة (٢) وقوله عليه‌السلام : «فتصدقت بدل كل يوم من ما مضى بمدين من طعام. الحديث».

والظاهر ان تصدقه وقع على سبيل الأفضل كما ان قضاءه كذلك حيث انك قد عرفت من الأخبار المتقدمة انه لا قضاء مع استمرار المرض ، ويؤيده ان صدر الرواية إنما اشتمل على الأمر بالمد خاصة.

الرابعة ـ هل يتعدى هذا الحكم ـ اعنى سقوط القضاء ولزوم الكفارة على المشهور أو وجوب القضاء على القول الآخر ـ الى من فاته الصوم بغير المرض ثم حصل له المرض المستمر أم لا؟

قيل نعم وهو ظاهر اختيار الشيخ في الخلاف ، ويمكن أن يكون مستنده صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (٣) لقوله عليه‌السلام فيها : «من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدق. الحديث». فان العذر يتناول المرض وغيره.

وقيل لا وبه قطع العلامة في المختلف تمسكا بعموم ما دل على وجوب القضاء السالم من معارضة النصوص المسقطة لاختصاصها بالمرض.

وأجاب عن صحيحة ابن سنان بأنها لا تنهض حجة في معارضة عموم الأدلة

__________________

(١) ص ٣٠٢.

(٢) ص ٣٠٤.

(٣) ص ٣٠٢ واللفظ «ثم أدرك رمضانا آخر».

٣٠٧

على وجوب القضاء ، لان قوله عليه‌السلام : «من أفطر شيئا من رمضان في عذر» وان كان مطلقا إلا ان قوله عليه‌السلام : «ثم أدركه رمضان آخر (١) وهو مريض» يشعر بان هذا هو العذر.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وما ذكره (قدس‌سره) لا يخلو من وجه وان كان القول بالتسوية أوجه. انتهى.

أقول : لا يخفى ان رواية الفضل بن شاذان المنقولة من كتابي العلل وعيون الأخبار عن الرضا عليه‌السلام (٢) صريحة في السفر وان حكمه حكم المرض فلا مجال للتوقف في ذلك. وبه يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ في الخلاف.

الخامسة ـ قال في المدارك : لو كان الفوات بالمرض والمانع من القضاء غيره كالسفر الضروري فهل يتعدى اليه هذا الحكم أم لا؟ الأصح العدم لاختصاص النقل بما إذا كان المانع من القضاء استمرار المرض. وأولى بوجوب القضاء ما لو كان الفوات بغير المرض. انتهى.

أقول : قد عرفت ان رواية العلل والعيون ظاهرة بل صريحة في أن السفر كالمرض في وجوب الكفارة خاصة مع استمرار السفر ووجوب القضاء والكفارة مع الإقامة وترك القضاء. ولكن العذر له واضح حيث لم يقف على الرواية المذكورة.

السادسة ـ قد صرح في المنتهى بأنه يستحب لمن استمر به المرض القضاء عند من قال بسقوطه لأنه طاعة فات وقتها فندب إلى قضائها. ثم أورد صحيحة عبد الله ابن سنان المتقدمة (٣) ورواية سماعة المتقدمة أيضا (٤) وهو كذلك.

السابعة ـ قد صرح الشيخ وغيره بان حكم ما زاد على الرمضانين حكم الرمضانين في ما تقدم ، ونقل في الدروس عن ظاهر ابن بابويه ان الرمضان الثاني يقضى بعد الثالث وان استمر المرض.

__________________

(١) اللفظ كما تقدم «ثم أدرك رمضانا آخر».

(٢ و ٤) ص ٣٠٤.

(٣) ص ٣٠٢.

٣٠٨

أقول : قال العلامة في المختلف بعد أن نقل عن الشيخ وابن الجنيد ان حكم ما زاد على رمضانين حكم الرمضانين : وقال ابن بابويه في رسالته إذا مرض الرجل وفاته صوم شهر رمضان كله ولم يصمه الى أن يدخل عليه شهر رمضان قابل فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ، وليس عليه القضاء إلا أن يكون صح في ما بين الرمضانين ، فان كان كذلك ولم يصم فعليه ان يتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويصوم الثاني فإذا صام الثاني قضى الأول بعده ، فان فاته شهرا رمضان حتى يدخل الثالث من مرضه فعليه أن يصوم الذي دخل ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويقضى الثاني.

أقول : لا يخفى ان هذه العبارة عين عبارة كتاب الفقه الرضوي التي قدمناها ثم قال العلامة في المختلف : وهذا الكلام كما يحتمل استمرار المرض فيه من الرمضان الأول الى الثالث يحتمل برؤه في ما بين الثاني والثالث ، فحينئذ ان حمل على الثاني فلا مخالف فيه كما ذهب اليه شيخنا أبو جعفر وشيخنا أبو على بن الجنيد ، وان حمل على الأول صارت المسألة خلافية ، وابن إدريس حمله على الأول ثم جعله دليلا على ان الواجب القضاء دون التصدق ، وليس فيه دلالة على مطلوبه ولو كان لتوجه المنع الى هذا الكلام كما يتوجه الى كلامه. انتهى.

أقول : والصدوق في الفقيه بعد أن نقل صحيحة زرارة المتقدمة قال : ومن فاته شهر رمضان حتى يدخل الثالث من مرضه. الى آخر ما تقدم في عبارة أبيه المأخوذة من الكتاب المذكور.

ويدل على الأول الرواية التي قدمنا نقلها عن تفسير العياشي (١).

الثامنة ـ ذكر الشهيد في الدروس ومن تأخر عنه ان مستحق هذه الصدقة مستحق الزكاة لحاجته ، وأنت خبير بأن جملة من الروايات المتقدمة (٢) قد عينت اختصاصها بالمساكين ، وقد عرفت في كتاب الزكاة ان المسكين أسوأ حالا من

__________________

(١ و ٢) ص ٣٠٢.

٣٠٩

الفقير كما دلت عليه الاخبار المذكورة ثمة (١) وحينئذ فمغايرته للفقير ظاهرة. والأصحاب قد نقلوا الإجماع على جواز إعطاء كل منهما حيثما يذكر أحدهما مع قولهم بالمغايرة بينهما ، والظاهر ان إجماعهم سلفا وخلفا على هذا الحكم يكون قرينة على التجوز في حمل أحدهما على الآخر حيثما يذكر.

المسألة السادسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو برئ بين الرمضانين وترك القضاء الى الرمضان الثاني فإن كان تركه عن تهاون قضى الأول وكفر وان لم يكن عن تهاون قضى بغير كفارة.

وقد وقع الخلاف هنا في موضعين : أحدهما ـ ما نقل عن ابن إدريس من انه أوجب القضاء دون الكفارة مطلقا.

ويدل على المشهور ما تقدم في سابق هذه المسألة (٢) من صحيحة زرارة وصحيحة محمد بن مسلم ورواية أبي بصير المنقولة من تفسير العياشي ورواية الفضل ابن شاذان المنقولة عن كتابي العلل والعيون ورواية كتاب الفقه الرضوي.

ورواية أبي الصباح الكناني (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان قابل؟ فقال : ان كان صح في ما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فان عليه أن يصوم وان يطعم عن كل يوم مسكينا ، وان كان مريضا في ما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام ان صح فان تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكل يوم مدا» (٤). ورواية أبي بصير الآتية في المقام (٥).

احتج ابن إدريس بأصالة البراءة وبان أحدا من علمائنا لم يذكر هذه المسألة

__________________

(١) ج ١٢ ص ١٥٥.

(٢) ص ٣٠١ الى ٣٠٣.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان ، واللفظ موافق للتهذيب ج ٤ ص ٢٥١.

(٤) في التهذيب ج ٤ ص ٢٥١ «فان تتابع المرض عليه فعليه ان يطعم كل يوم مسكينا».

(٥) ص ٣١٤.

٣١٠

سوى الشيخين أو من قلد كتبهما أو تعلق باخبار الآحاد التي ليست بحجة عند أهل البيت (عليهم‌السلام).

وبما رواه سعد بن سعد عن رجل عن ابى الحسن عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثم يصح بعد ذلك فيؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ما عليه في ذلك؟ قال : أحب له تعجيل الصيام فان كان أخره فليس عليه شي‌ء».

وأجاب عنه العلامة في المختلف بأن البراءة إنما يصار إليها مع عدم دليل الثبوت وشغل الذمة وقد بينا الأدلة ، وعدم ذكر أحد من أصحابنا غير الشيخين لهذه المسألة ليس حجة على العدم ، مع ان الشيخين هما القيمان بالمذهب فكيف يدعى ذلك؟ وابنا بابويه (قدس‌سرهما) قد سبقا الشيخين بذكر وجوب الصدقة مطلقا ولم يفصلا إلى التواني وغيره وكذا ابن ابى عقيل وهو أسبق من الشيخين ، وهؤلاء عمدة المذهب. وأجاب عن الحديث باستضعاف السند والحمل على التأخير مع العزم. انتهى. وهو جيد.

وبالغ المحقق أيضا في الرد عليه فقال : ولا عبرة بخلاف بعض المتأخرين في عدم إيجاب الكفارة هنا فإنه ارتكب ما لم يذهب إليه أحد من فقهاء الإمامية في ما علمت. ثم نقل رواية زرارة ورواية محمد بن مسلم ورواية أبي الصباح الكناني وقال : ان هؤلاء فضلاء السلف من الإمامية وليس لروايتهم معارض إلا ما يحتمل رده الى ما ذكرناه فالراد لذلك متكلف ما لا ضرورة إليه. انتهى.

وثانيهما ـ ما نقله في المختلف عن ابني بابويه من انهما لم يفصلا هذا التفصيل بل قالا متى صح في ما بينهما ولم يقض وجب القضاء والصدقة ، قال : وهو اختيار ابن ابى عقيل.

ونقله في المدارك عن المحقق في المعتبر والشهيدين ، قال (قدس‌سره) ـ بعد

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.

٣١١

قول المصنف : وان برئ بينهما وأخره عازما على القضاء ولا كفارة عليه ، وان تركه تهاونا قضى وكفر عن كل يوم من السالف بمد من طعام ـ ما صورته : يلوح من هذه العبارة ان المراد بالمتهاون غير العازم على القضاء فيكون غير المتهاون العازم على القضاء وان أخره لغير عذر ، والعرف يأباه والأخبار لا تساعد عليه والأصح ما أطلقه الصدوقان واختاره المصنف في المعتبر والشهيدان من وجوب القضاء والفدية على من برئ من مرضه وأخر القضاء توانيا من غير عذر حتى دخل رمضان الثاني سواء عزم على القضاء أم لا ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة (١) «فإن كان صح في ما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الأول». وفي رواية أبي الصباح الكناني (٢) «ان كان صح في ما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فان عليه أن يصوم وان يطعم لكل يوم مسكينا». وفي حسنة محمد بن مسلم (٣) «ان كان برئ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضاؤه». وبهذه الرواية استدل العلامة في المختلف على القول بالفرق بين العازم على القضاء وغيره ، وهي لا تدل على ذلك بوجه بل مقتضى جعل دوام المرض فيها قسيما للتواني ان المراد بالمتواني التارك للقضاء مع القدرة عليه كما دل عليه إطلاق صحيحة زرارة المتقدمة (٤) وغيرها. انتهى.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد ذكر العبارة المتقدمة : هذا التفصيل هو المشهور خصوصا بين المتأخرين ، وفسروا التهاون بعدم العزم على القضاء سواء عزم على الترك أم لم يعزم على واحد من الأمرين ، وغير المتهاون هو الذي عزم على القضاء في حال السعة وأخر اعتمادا عليها فلما ضاق الوقت عرض له المانع كالحيض والمرض والسفر الضروري. وفي استفادة هذا التفصيل من

__________________

(١ و ٤) ص ٣٠١.

(٢) ص ٣١٠.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.

٣١٢

النصوص نظر ، والذي ذهب اليه الصدوقان وقواه في الدروس ودلت عليه الاخبار الصحيحة كخبر زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما وجوب القضاء مع الفدية على من قدر على القضاء فلم يقض حتى دخل رمضان الثاني سواء عزم على القضاء أم لا ، وهذا هو الأقوى. انتهى.

أقول : وقد علم بذلك ان القائلين بعدم التفصيل وفاقا للصدوقين الشهيدان والسيد السند في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة وهو ظاهر المعتبر.

ثم أقول : لا ريب ان ما نقلوه عن الصدوقين هو ظاهر العبارة التي قدمنا نقلها عنهما المأخوذة من كتاب الفقه.

واما ما ذكروه من ان ظاهر صحيحة زرارة المذكورة ذلك فهو من ما لا ريب فيه ايضا ، وكذلك غيرها من ما قدمنا ذكره في سابق هذه المسألة.

إلا انه لا يخفى انه قد روى الشيخ في التهذيب عن ابى الصباح الكناني (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان قابل؟ فقال : ان كان صح في ما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فان عليه أن يصوم وان يطعم عن كل يوم مسكينا ، وان كان مريضا في ما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام ان صح ، فان تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه ان يطعم لكل يوم مدا».

قال المحدث الكاشاني في الوافي : قوله «فان كان مريضا في ما بين ذلك» لعل المراد به حدوث مرضه بعد ما مضى ما يمكنه القضاء فيه من الوقت مع عزمه عليه أى كان مريضا في ما بين عزمه على القضاء وبين شهر رمضان فليس عليه إلا الصيام يعنى دون التصدق ، وذلك لاستقرار القضاء في ذمته وعدم تقصيره في فواته لسعة الوقت ، فقوله «ان صح» إشارة الى ما قلناه من تمكنه من القضاء في ما مضى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان. واللفظ موافق للتهذيب ج ١ ص ٢٥١ وفي آخره هكذا «فان تتابع المرض عليه فعليه ان يطعم كل يوم مسكينا».

٣١٣

وقوله «فان تتابع المرض عليه» في مقابلة ذلك يعنى وان لم يتمكن أولا من القضاء. والحاصل ان ههنا ثلاثة احتمالات ولكل حكم غير حكم الآخر : أحدها ـ عدم تمكنه من الصيام أصلا حتى أدركه الشهر من قابل ، وحكمه التصدق خاصة دون القضاء. والثاني ـ تمكنه منه وتهاونه به الى أن يفوت ، وحكمه القضاء والتصدق معا. والثالث ـ تمكنه منه وعزمه عليه مع سعة الوقت من غير تهاون حتى أدركه مرض آخر حال بينه وبين القضاء حتى أدركه الشهر من قابل ، وحكمه القضاء خاصة دون التصدق. وهذا الخبر مشتمل على الأحكام الثلاثة جميعا وكذا الذي يتلوه بخلاف سائر أخبار هذا الباب حيث اقتصر فيها على بعض دون بعض. انتهى.

وبذلك يظهر لك ما في استدلال صاحب المدارك بخبر ابى الصباح الكناني المذكور حيث أورد بعضه وسكت عن باقيه الذي هو موضع الاشكال منه.

وأشار في الوافي بالخبر الذي يتلوه الى ما رواه الشيخ عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إذا مرض الرجل من رمضان الى رمضان ثم صح فإنما عليه لكل يوم أفطر فدية طعام وهو مد لكل مسكين. قال : وكذلك أيضا في كفارة اليمين وكفارة الظهار مدا مدا. وان صح في ما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضى الصيام ، فان تهاون به وقد صح فعليه الصدقة والصيام جميعا لكل يوم مد إذا فرغ من ذلك الرمضان».

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) في رواية أبي الصباح الكناني لا يخلو من قرب واما رواية أبي بصير التي أشار إليها فظني انها قاصرة عن ما ادعاه ، فان موضع الدلالة على ما ذكره منها قوله «وان صح في ما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضى الصيام» بحمل القضاء على كونه بعد الرمضان الثاني ، ومن المحتمل قريبا ـ بل الظاهر أنه الأقرب ـ ان المراد إنما هو قضاؤه في وقت الصحة بين الرمضانين ، وحاصل معنى الرواية حينئذ انه ان استمر به المرض الى الرمضان الآخر فإنما عليه الفدية عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.

٣١٤

الشهر الأول ، وان صح بينهما فإنما عليه القضاء خاصة في وقت الصحة من غير فدية لعدم تفريطه ، وان ترك القضاء في وقت صحته وتهاون به والحال انه قد صح فعليه القضاء والفدية.

وكيف كان فالخروج عن ظواهر تلك الأخبار التي قدمناها بل صريحها ـ من وجوب القضاء والفدية متى أمكن الصيام وأخل به حتى دخل الشهر الثاني سواء كان مع العزم عليه أولا بمثل هذه الرواية أعني رواية أبي الصباح بناء على ما ذكره المحدث المذكور ـ مشكل لأنها لا تبلغ في الصراحة بل الظهور الى حد يمكن به تقييد تلك الاخبار. وبه يظهر ان الأظهر هو ما ذكره الصدوقان واختاره الجماعة المتقدم ذكرهم ، ويؤيده أنه الأوفق بالاحتياط.

ثم اعلم ان ظاهر كلام الأصحاب القائلين بالتفصيل مختلف في معنى التهاون المقتضى لاجتماع الكفارة مع القضاء ، فظاهر كلام المحقق في الشرائع كما تقدم في عبارته ومثله العلامة في القواعد وهو مقتضى كلام المختلف انه عبارة عن عدم العزم على الصوم اما لو عزم عليه لم يكن متهاونا وان لم يحصل العذر المقتضي للتأخير ، والذي صرح به في الدروس ان المقتضى لوجوب الكفارة عدم العزم على الصوم أو العزم على العدم أو الإفطار عند تضيق وقت القضاء اما إذا عزم على الفعل في سعة الوقت مع القدرة ثم حصل العذر عند ضيقه لم تجب الكفارة بل الواجب القضاء حسب. وفي فهم ذلك بأي المعنيين كان من الاخبار تأمل وغاية ما دل عليه بعضها كحسنة محمد بن مسلم ومثلها رواية أبي بصير المتقدم نقلها عن تفسير العياشي التعبير عن ترك القضاء مع الصحة بين الرمضانين بالتواني ، والتواني وان كان لغة بمعنى ترك الشي‌ء لعدم الاهتمام به كما هو مدلول رواية أبي بصير المذكورة هنا إلا ان الظاهر كما تقدم في كلام السيد السند ان المراد به مطلق الترك ، ويعضده انه لو كان هذا المفهوم مرادا لذكر حكمه في شي‌ء من تلك الروايات ، وما تقدم في بعض الأخبار من تعليل وجوب الكفارة بالتضييع فإنه شامل لما نحن فيه حيث انه صح

٣١٥

ولم يصم فقد ثبت التضييع وان كان بانيا على سعة الوقت ثم تجدد المانع وقت الضيق. والله العالم.

وفي المقام فوائد الأولى ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) استحباب الموالاة في القضاء ، وقيل باستحباب التفريق حكاه ابن إدريس في سرائره عن بعض الأصحاب ، ويظهر من كلام الشيخ المفيد (قدس‌سره) الميل اليه حيث قال بعد أن حكم بالتخيير بين التتابع والتفريق : وقد روى عن الصادق عليه‌السلام (١) انه قال : «إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم ، وكذلك إذا كان عليه خمسة أيام وما زاد ، فان كان عليه عشرة أيام أو أكثر من ذلك تابع بين الثمانية الأيام ان شاء ثم فرق الباقي». والوجه في ذلك كله انه ان تابع بين الصيام في القضاء لم يكن فرق بين الشهر في صومه وبين القضاء فأوجبت السنة الفصل بين الأيام بالإفطار ليقع الفرق بين الأمرين كما وصفناه. انتهى.

والذي يدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا كان على الرجل شي‌ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي الشهور شاء أياما متتابعة ، فان لم يستطع فليقضه كيف شاء وليحصل الأيام فإن فرق فحسن وان تابع فحسن قال قلت : أرأيت ان بقي عليه شي‌ء من صوم رمضان أيقضيه في ذي الحجة؟ قال : نعم».

وفي الصحيح عن ابن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فان قضاه متتابعا فهو أفضل وان قضاه متفرقا فحسن».

وروى الصدوق في كتاب الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) في حديث شرائع الدين (٤) قال : «والفائت من شهر رمضان

__________________

(١) سيأتي استظهاراته موثق عمار الآتي ص ٣١٧.

(٢) التهذيب ج ٤ ص ٢٧٤ وفي الوسائل الباب ٢٦ و ٢٧ من أحكام شهر رمضان.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٦ من أحكام شهر رمضان.

٣١٦

ان قضاه متفرقا جاز وان قضاه متتابعا كان أفضل».

وهذه الاخبار كما ترى صريحة في المدعى.

والظاهر ان ما ذكره في المقنعة وأسنده إلى الصادق عليه‌السلام هو ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال : ان كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما وان كان عليه خمسة فليفطر بينها أياما ، وليس له أن يصوم أكثر من ستة أيام متوالية ، وان كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينها يوما». ورواه الشيخ أيضا بسند آخر مثله (٢) إلا انه قال : «فان كان عليه خمسة أيام فليفطر بينها يومين وان كان عليه شهر فليفطر بينها أياما ، وليس له أن يصوم أكثر من ثمانية أيام يعني متوالية ...» وذكر بقية الحديث.

والشيخ (قدس‌سره) حمل هذا الخبر على التخيير ونفى وجوب التتابع وان كان أفضل ، ولا يخفى ان قوله عليه‌السلام في الخبر «وليس له أن يصوم. الى آخره» من ما يدافع ذلك.

ومن ما يؤيد الأخبار المتقدمة في جواز التفريق مطلقا صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري (٣) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أيقضيها متفرقة؟ قال : لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار وكفارة الدم وكفارة اليمين». ونحوها غيرها ايضا

وكيف كان فان هذا الخبر لا يعارض الأخبار المذكورة سيما مع غرابة ما اشتمل عليه كما هو في كثير من اخبار عمار ، واعتضاد تلك الأخبار بموافقة ظاهر الكتاب العزيز.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٦ من أحكام شهر رمضان عن التهذيب ج ٤ ص ٢٧٥.

(٢) الوسائل الباب ٢٦ من أحكام شهر رمضان عن التهذيب ج ٤ ص ٣٢٨ و ٣٢٩.

(٣) التهذيب ج ٤ ص ٢٧٤ وفي الوسائل الباب ٢٦ من أحكام شهر رمضان.

٣١٧

الثانية ـ المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو وجوب القضاء على التراخي لا على الفور ، ونقل عن ابى الصلاح انه قال يلزم من يتعين عليه فرض القضاء لشي‌ء من شهر رمضان ان يبادر به في أول أحوال الإمكان.

ويظهر من هذه العبارة القول بوجوب الفورية ، وهو مردود بالأخبار كصحيحتي الحلبي وابن سنان المتقدمتين (١).

وأظهر منهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «كن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك الى شعبان كراهة ان يمنعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاجته فإذا كان شعبان صمن وصام. الحديث».

الثالثة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ العلامة في التذكرة وغيره بأنه لا يجب الترتيب في قضاء الصوم بأن ينوي الأول فالأول. نعم يستحب ذلك.

واستشكله الشهيد في الدروس فقال : وهل يستحب نية الأول فالأول؟ اشكال.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وربما كان منشأ الاشكال من تساوى الأيام في التعلق بالذمة مع انتفاء النص على تقديم بعضها على بعض ، ومن سبق الأول في الذمة فكان أولى بالمبادرة. ثم قال : ولا يخفى ضعف الوجه الثاني من وجهي الإشكال إلا أن الأمر في ذلك هين.

أقول : والأظهر أن يقال ان هذا من باب «اسكتوا عن ما سكت الله عنه» (٣).

وهل يعتبر الترتيب بين افراد الواجب كالقضاء والكفارة ونحوهما؟ ظاهر المشهور العدم ، ونقل عن ابن ابى عقيل انه قال : لا يجوز صوم عن نذر أو كفارة لمن

__________________

(١) ص ٣١٦.

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من أحكام شهر رمضان والباب ٢٨ من الصوم المندوب.

(٣) الشهاب في الحكم والآداب حرف الالف ، وارجع الى الصفحة ٣٠.

٣١٨

عليه قضاء عن شهر رمضان حتى يقضيه. ولم نقف له على مستند.

الرابعة ـ قد تقدم في آخر المطلب الثالث من المقصد الأول (١) انه لا يجوز التطوع بالصيام لمن في ذمته قضاء شهر رمضان وانه لا خلاف فيه بين الأصحاب إلا ما تقدم نقله عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه).

بقي الكلام هنا في انه هل يجوز لمن في ذمته واجب غير القضاء من نذر أو كفارة أو نحوهما أم لا؟ ظاهر الأكثر الثاني ونقل عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) الجواز واليه مال السيد السند في المدارك محتجا بالتمسك بمقتضى الأصل ، وهو كذلك فانا لم نقف له على دليل يدل على المنع إلا في ما إذا كان ذلك الواجب قضاء شهر رمضان كما دلت عليه الاخبار التي قدمناها ثمة. وهو ظاهر الكليني والصدوق أيضا حيث ذكرا الحكم المذكور ولم يوردا إلا خبري الحلبي والكناني الواردين في قضاء شهر رمضان (٢).

قال في المدارك : والظاهر ان المنع من التطوع مع اشتغال الذمة بالصوم الواجب عند من قال به إنما يتحقق حيث يمكن فعله فلو كان بحيث لا يمكن كصوم شعبان ندبا لمن عليه كفارة كبيرة جاز صومه كما نبه عليه في الدروس. انتهى.

المسألة السابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو مات المريض وقد فاته الشهر أو بعضه بمرض فإن برئ بعد فواته وتمكن من القضاء ولم يقضه وجب على وليه القضاء عنه ان لم يوص به ، ذهب اليه الشيخان وابنا بابويه والسيد المرتضى وابن الجنيد وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس.

وقد وقع الخلاف هنا في مواضع الأول ـ ما نقل عن ابن ابى عقيل من أن الواجب هنا إنما هو الصدقة عنه عن كل يوم بمد من طعام.

قال (قدس‌سره) : وقد روى عنهم (عليهم‌السلام) في بعض الأحاديث ان من مات وعليه قضاء من شهر رمضان صام عنه أقرب الناس اليه من أوليائه

__________________

(١) ص ٢٠٨.

(٢) ص ٣١٦ و ٣١٣.

٣١٩

كما يقضى عنه ، وكذلك من مات وعليه صلاة قد فاتته وزكاة قد لزمته وحج قد وجب عليه قضاه عنه وليه ، بذلك كله جاء نص الاخبار بالتوقيف عن آل الرسول (عليهم‌السلام). الى أن قال : وقد روى ان من مات وعليه صوم من شهر رمضان تصدق عنه عن كل يوم بمد من طعام. وبهذا تواترت الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) والقول الأول مطرح لأنه شاذ. انتهى.

أقول : ويدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور الأخبار الكثيرة :

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل أدركه رمضان وهو مريض فتوفي قبل أن يبرأ؟ قال : ليس عليه شي‌ء ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضى».

وموثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) «في الرجل يموت في شهر رمضان؟ قال : ليس على وليه أن يقضى عنه. الى أن قال : فان مرض فلم يصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه أن يقضى عنه لانه قد صح فلم يقض ووجب عليه».

وموثقة أبي بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه؟ قال : يقضيه أفضل أهل بيته».

وما رواه في الفقيه مرسلا (٤) قال : وقد روى عن الصادق عليه‌السلام انه قال : «إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله».

وصحيحة حفص بن البختري وحسنة حماد ومكاتبة الصفار الآتيات في المقام الى غير ذلك من الاخبار.

احتج العلامة في المختلف لابن ابى عقيل بصحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه شي‌ء ، وان صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

٣٢٠