الحدائق الناضرة - ج ١٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢

أبى عبد الله عليه‌السلام مثله (١).

ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ انه إنما أخذ ذلك من كتاب الفقه الرضوي حيث قال فيه (٢) : وقد ذكرنا صوم يوم الشك في أول الباب ونفسره ثانية لتزداد به بصيرة ويقينا : وإذا شككت في يوم لا تعلم انه من شهر رمضان أو من شعبان فصم من شعبان فان كان منه لم يضرك وان كان من شهر رمضان جاز لك في شهر رمضان ، وإلا فانظر أى يوم صمت عام الماضي وعد منه خمسة أيام وصم اليوم الخامس. وقد روى إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليال. انتهى.

وعن محمد بن مرازم عن أبيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا تطوق الهلال فهو لليلتين وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليال».

وقد أجاب الشيخ عن هذه الأخبار بحملها على ما إذا كانت السماء متغيمة وتكون فيها علة مانعة من الرؤية ـ فيعتبر حينئذ في الليلة المستقبلة الغيبوبة والتطوق ورؤية الظل ونحوها ـ دون أن تكون مصحية ، كما ان الشاهدين من خارج البلد انما يعتبران مع العلة دون الصحو. انتهى ملخصا.

أقول : هذا الجواب على إطلاقه مشكل : أما أولا ـ فلما استفاض من الأخبار الدالة على تحريم صوم يوم الشك بنية انه من شهر رمضان (٤) وانه لا يقضى إلا مع قيام البينة بالرؤية فيه (٥) فلو فرض انه في تلك الليلة التي بعد ليلة الشك كان متطوقا أو لم يغب إلا بعد الشفق فالحكم بوجوب قضاء اليوم السابق بناء على هاتين الروايتين ينافي ما دل على المنع من القضاء إلا مع قيام البينة بالرؤية وهو روايات

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٩ من أحكام شهر رمضان.

(٢) ص ٢٥.

(٤) الوسائل الباب ٦ من وجوب الصوم ونيته والباب ١٦ من أحكام شهر رمضان.

(٥) الوسائل الباب ٣ و ٥ و ١١ من أحكام شهر رمضان.

٢٨١

عديدة مستفيضة فيها الصحيح وغيره وقد تقدم شطر وافر منها (١).

وثانيا ـ ما ورد من الاخبار الدالة على انه في الصورة المذكورة يعد شعبان ثلاثين يوما ويصوم الحادي والثلاثين كائنا ما كان :

مثل رواية أبي خالد الواسطي وقد تقدمت (٢) وفيها «فإذا خفي الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثين يوما وصوموا الواحد وثلاثين. الحديث».

وموثقة إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) انه قال «في كتاب على عليه‌السلام صم لرؤيته وأفطر لرؤيته وإياك والشك والظن ، فإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين».

وثالثا ـ انه ان كانت هذه الأشياء المذكورة موجبة لكون الهلال لليلة الثانية أو الثالثة فينبغي أن يكون مطلقا فلا معنى لتخصيصه ذلك بما إذا كانت السماء متغيمة وإلا فلا معنى لاعتبارها بالكلية.

ورابعا ـ خصوص ما رواه الشيخ بسند معتبر عن ابى علي بن راشد (٤) قال : «كتب الى أبو الحسن العسكري عليه‌السلام كتابا وأرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وكان يوم الأربعاء يوم شك وصام أهل بغداد يوم الخميس وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس ولم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل ، قال فاعتقدت ان الصوم يوم الخميس وان الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء ، قال فكتب الى : زادك الله توفيقا فقد صمت بصيامنا. قال ثم لقيته بعد ذلك فسألته عن ما كتبت به اليه فقال لي : أو لم أكتب إليك إنما صمت الخميس ولا تصمه إلا للرؤية».

ورواه في الوافي (٥) بلفظ «وان الشك كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء»

__________________

(١) راجع ص ٢٦٤ الى ٢٧٢.

(٢) ص ٢٤١ و ٢٧٢.

(٣) الوسائل الباب ٣ من أحكام شهر رمضان.

(٤) الوسائل الباب ٩ من أحكام شهر رمضان.

(٥) باب صيام يوم الشك.

٢٨٢

عوض «وان الشهر» وهو الظاهر ، وكأن ذلك اجتهاد منه (قدس‌سره) فان الخبر في التهذيب (١) انما هو بلفظ الشهر والتحريف من الشيخ في أمثال ذلك غير بعيد ، فان المعنى إنما يستقيم على ما ذكره في الوافي دون نسخة الشهر كما لا يخفى.

والتقريب في هذا الخبر انه وان كان ما كتبه الى الامام عليه‌السلام غير مصرح به في الخبر إلا ان ظاهر السياق يدل على انه كتب اليه بما ذكره هنا من وقوع الشك في بغداد يوم الأربعاء. إلى آخر ما هو مذكور في الخبر من حكاية تلك الحال.

ثم انه مع قطع النظر عن معلومية ما كتب اليه وان المسؤول عنه ما هو فان أخباره في صدر الخبر بكونه عليه‌السلام كتب اليه كتابا أرخه بذلك التأريخ المشعر بكون يوم الأربعاء من شهر شعبان المؤذن بكون أول شهر رمضان هو يوم الخميس ـ وكذا جوابه عليه‌السلام «صمت بصيامنا» وكان صيامه عليه‌السلام إنما هو يوم الخميس كما يدل عليه قوله عليه‌السلام «أو لم أكتب إليك إنما صمت الخميس؟» مع اخبار أبى على بن راشد ان الهلال ليلة الخميس لم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل ـ ظاهر الدلالة في أن مغيب الهلال بعد الشفق لا يستلزم أن يكون لليلتين كما ادعوه بل يجوز أن يكون في أول ليلة أيضا كذلك.

وبذلك يظهر ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة من قوله بعد نقل رواية أبى على بن راشد دليلا للقول المشهور : ولا دلالة في هذا الخبر يظهر ذلك بالتأمل التام. انتهى. فهو من جملة تشكيكاته الركيكة.

ويظهر منه الميل الى هذا القول حيث قال : وظاهر بعض المتأخرين العمل بمدلول الخبرين ولا بأس به.

وكأنه غفل عن معارضة هذين الخبرين بالأخبار المستفيضة التي أشرنا إليها آنفا إذ لا ريب في رجحانها على الخبرين المذكورين.

واما ما رواه الصدوق في الصحيح عن عيص بن القاسم (٢) ـ «انه سأل

__________________

(١) ج ٤ ص ١٦٧.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أحكام شهر رمضان.

٢٨٣

أبا عبد الله عليه‌السلام عن الهلال إذا رآه القوم جميعا فاتفقوا على انه لليلتين أيجوز ذلك؟ قال نعم».

فهو خبر شاذ لا يعارض ما قدمناه من الأخبار المستفيضة الدالة على ان الاعتبار بالرؤية أو الشاهدين وانه لا اعتبار بالظن وغاية ما يفيده اتفاق القوم هنا هو الظن بذلك. والله العالم.

الرابع ـ في رؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا اعتبار بذلك.

ونقل عن المرتضى في بعض مسائله انه قال : إذا رئي قبل الزوال فهو لليلة الماضية. ونقله في المختلف عن السيد (رضي‌الله‌عنه) في المسائل الناصرية حيث قال الناصر : إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية. فقال السيد : هذا صحيح وهو مذهبنا. وربما أشعرت هذه العبارة بدعواه الإجماع عليه.

واليه مال المحدث الكاشاني في الوافي والمفاتيح والفاضل الخراساني في الذخيرة ، وقال العلامة في المختلف ان الأقرب اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر. وتردد المحقق في النافع والمعتبر.

وظاهر المحقق الشيخ حسن في المنتقى الميل الى هذا القول أيضا حيث قال ـ بعد إيراد حسنة حماد بن عثمان الآتية بطريق الكافي (١) ـ ما صورته : وروى الشيخ هذا الخبر معلقا عن محمد بن يعقوب وأورد في معناه خبرا آخر من الموثق يرويه بإسناده عن سعد بن عبد الله. ثم ساق السند الى عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير وأورد متنه كما يأتي (٢) ثم قال : ولطريق هذا الخبر اعتبار ظاهر ومزية واضحة وموافقة الحديث الحسن له تزيده اعتبارا وقد حملهما الشيخ على معنى بعيد. انتهى.

وظاهر صاحب المدارك التردد في المسألة فإنه ـ بعد أن ذكر في صدر المسألة ان المعتمد هو القول المشهور ثم ساق الروايات الدالة على القول المشهور ثم أورد

__________________

(١ و ٢) ص ٢٨٥.

٢٨٤

حسنة حماد وموثقة عبيد بن زرارة وابن بكير الآتيتين ـ قال : والمسألة قوية الإشكال فإن الروايتين المتضمنتين لاعتبار ذلك معتبرتا الإسناد. الى أن قال : ومن ثم تردد المصنف في النافع والمعتبر وهو في محله. انتهى.

ويظهر ذلك ايضا من المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد حيث قال بعد تطويل البحث والكلام بإبرام النقض ونقض الإبرام : فتأمل واحفظ فإن المسألة من المشكلات.

ويظهر من الصدوق ايضا القول به حيث قال في باب ما يجب على الناس إذا صح عندهم بالرؤية يوم الفطر بعد ما أصبحوا صائمين (١) ـ بعد نقل حديث مرسل (٢) يحتمل أن تكون هذه العبارة من جملته ويحتمل أن تكون من كلامه (قدس‌سره) ـ ما صورته : وإذا رئي هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال وإذا رئي بعد الزوال فذلك من شهر رمضان.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الكليني في الحسن على المشهور الصحيح على المختار عن حماد بن عثمان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة وابن بكير (٤) قالا : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا رئي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال وإذا رئي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان». وبهذين الخبرين أخذ من قال بالقول الثاني.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في من لا يحضره الفقيه في

__________________

(١) ج ٢ ص ١٠٩.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أحكام شهر رمضان رقم ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من أحكام شهر رمضان.

٢٨٥

الصحيح عن محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه‌السلام (١) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين ، وان لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام الى الليل ، وان غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا».

وما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان؟ فقال لا تصمه إلا أن تراه فان شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه ، وإذا رأيته وسط النهار فأتم صومه الى الليل».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن جراح المدائني (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام من رأى هلال شوال بنهار في شهر رمضان فليتم صيامه».

وما رواه العياشي في تفسيره عن القاسم بن سليمان عن جراح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «قال الله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (٥) يعنى صوم رمضان ، فمن رأى الهلال بالنهار فليتم صيامه».

وما رواه الشيخ ايضا عن محمد بن عيسى (٦) قال : «كتبت اليه : جعلت فداك ربما غم علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال وربما رأيناه بعد الزوال فترى ان نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام تتم الى الليل فإنه ان كان تاما رئي قبل الزوال».

وروى هذا الخبر في الاستبصار (٧) «ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان».

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أحكام شهر رمضان. أرجع في لفظ الحديث الى ص ٢٥٧.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أحكام شهر رمضان واللفظ «سألت أبا عبد الله ع».

(٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٨ من أحكام شهر رمضان.

(٥) سورة البقرة الآية ١٨٤ ، واللفظ «ثم أتموا ...» فالتغيير اما ان يكون من النساخ أو للنقل بالمعنى.

(٧) ج ٢ ص ٧٣.

٢٨٦

وهو أوضح ، والظاهر ان ما وقع في التهذيب سهو من قلم الشيخ كما سيأتي ان شاء الله تعالى تحقيقه.

وبهذه الأخبار أخذ من قال بالقول المشهور.

وأجاب العلامة في المنتهى عن الخبرين الأولين ـ بعد الطعن في سند الثاني بأن فيه ابن فضال وهو ضعيف ـ بأنهما لا يصلحان لمعارضة الأحاديث الكثيرة الدالة على انحصار الطريق في الرؤية ومضى ثلاثين لا غير (١).

أقول : ليس في شي‌ء من تلك الأخبار ما يدل على الانحصار كما ذكره (قدس‌سره) ليكون منافيا للخبرين المذكورين كما لا يخفى على من راجعها.

والحق ان الخبرين المذكورين صريحا الدلالة على القول المذكور وانما يبقى الكلام في ما عارضهما من الأخبار المذكورة بعدهما :

فاما صحيحة محمد بن قيس فموردها هلال شهر شوال كما هو ظاهر السياق حيث أمر عليه‌السلام بالإفطار برؤيته تلك الليلة أو شهادة عدول من المسلمين على الرؤية واما إذا رأوه من وسط النهار أو آخره فإنهم يتمون صيام ذلك اليوم يعنى من شهر رمضان والظاهر من لفظ «وسط النهار» هو الوسط المجازي لا الحقيقي الذي هو عبارة عن وقوع الشمس على دائرة نصف النهار ، والوسط بالمعنى المذكور شامل لما قبل الزوال بيسير وما بعده بيسير.

وكيف كان فالأمر بإتمام الصوم ظاهر في الدلالة على المعنى المشهور ويؤيده التسوية بين وسط النهار وآخره في الحكم المذكور مع قول الخصم بأنه بعد الزوال لليلة المستقبلة.

واما ما حمل عليه الخبر في الوافي ـ من ان المراد بوسط النهار ما بعد الزوال ـ فلا يخفى بعده. وأبعد منه ما تكلفه في الذخيرة من حمل الهلال على هلال شهر رمضان ، ثم ذكر معنى متعسفا متكلفا لا اعرف له وجه استقامة ، بل كلامه في

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ و ٥ من أحكام شهر رمضان.

٢٨٧

هذا البحث كله غث لا يعجبني النظر اليه ولا العروج عليه.

ثم قال عليه‌السلام (١) «وان غم عليكم هلال شوال فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا».

واما موثقة إسحاق بن عمار فهي صريحة في كون المسؤول عنه هلال شهر رمضان وانه لا يرى في تسع وعشرين من شعبان يعنى بعد تسع وعشرين منه وهي ليلة الثلاثين منه لغيم ونحوه فلا يرى الهلال ، وهذا هو يوم الشك الذي تقدم تحقيق القول فيه ، فأمره عليه‌السلام بان لا تصمه ـ يعنى بنية شهر رمضان ـ إلا مع رؤية الهلال ، فإذا افطرته فان شهد أهل بلد آخر فاقضه ، وإذا صمته ـ يعنى بنية شعبان ـ ورأيت الهلال وسط النهار فأتم صومه الى الليل.

والأمر بإتمام الصوم هنا محتمل لأمرين : اما أن يكون على جهة الاستحباب كما تأوله به الشيخ (قدس‌سره) ومرجعه الى ان الرؤية في النهار لا عبرة بها فأتم صومك وانما العبرة برؤيته أول الليل. ويحتمل ما ذكره المحدث الكاشاني بناء على ما اختاره من القول المتقدم ان المراد بوسط النهار يعنى به قبل الزوال ، قال : ومعنى إتمام صومه الى الليل انه ان كان لم يفطر بعد نوى الصوم من شهر رمضان واعتد به وان كان قد أفطر أمسك بقية اليوم ثم قضاه. انتهى. ومرجعه إلى انه يحكم بكونه من شهر رمضان لرؤية الهلال قبل الزوال لأن ذلك موجب لكونه لليلة الماضية كما دل عليه الخبران الأولان.

والاحتمالان متعارضان إلا انه يبقى على تقدير كلام المحدث المذكور سؤال الفرق بين وسط النهار في هذا الخبر وفي خبر محمد بن قيس حيث حمله ثمة على ما بعد الزوال وحمله هنا على ما قبل الزوال.

واما خبر جراح المدائني فهو ظاهر في القول المشهور لدلالته على ان الرؤية في النهار في أي جزء منه غير معتبرة ، فالواجب في ما إذا كان ذلك في اليوم الآخر

__________________

(١) في صحيحة محمد بن قيس المتقدمة ص ٢٨٦ ، وليس فيها لفظ «هلال شوال» إلا ان يكون مراده (قدس‌سره) النقل بالمعنى.

٢٨٨

من شهر رمضان أن يتم صيامه من شهر رمضان.

واما ما تأوله به في الوافي ـ من حمل النهار على ما بعد الزوال حملا للمطلق على المقيد ـ فهو جيد لو انحصرت المخالفة فيه ، بل الظاهر ان مفاد هذا الخبر هو مفاد صحيحة محمد بن قيس الدالة على ان وسط النهار وآخره سواء بالنسبة إلى وجوب إتمام الصيام في اليوم الآخر من شهر رمضان وعدم الاعتداد بالرؤية النهارية.

واما خبر جراح المنقول عن العياشي فهو في الدلالة على المشهور أظهر من سابقه وعن قبول الاحتمال المذكور أبعد ، لأنه ورد في تفسير الآية الدالة بغير خلاف على وجوب الإتمام إلى الليل مطلقا فيجب ان يكون الإطلاق في الخبر ايضا كذلك.

واما رواية محمد بن عيسى فإنه على تقدير رواية التهذيب (١) فان معناها غير مستقيم كما لا يخفى على ذي الطبع القويم ، لأنه إذا كان السؤال عن هلال شهر رمضان وانه ربما خفي بغيم ونحوه فكيف يرتب عليه الإفطار من الغد بالرؤية قبل الزوال وعدم ذلك؟

بل الحق ان الخبر إنما يتمشى الكلام فيه على تقدير رواية الاستبصار (٢) وهو ظاهر في القول المشهور على تقدير هذه الرواية.

وبذلك اعترف المحدث الكاشاني في الوافي أيضا فقال ـ بعد نقل الخبر المذكور برواية التهذيب ـ ما صورته : بيان ـ هكذا وجدنا الحديث في نسخ التهذيب (٣) وفي الاستبصار «ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان» وهو الصواب لأنه على نسخة التهذيب لا يستقيم المعنى إلا بتكلف ، إلا انه على نسخة الاستبصار (٤) ينافي سائر الأخبار التي وردت في هذا الباب ، لأنه على ذلك يكون المراد بالهلال هلال شوال ومعنى «يتم الى الليل» يتم الصيام الى الليل ، وقوله عليه‌السلام : «ان كان تاما رئي قبل الزوال» معناه ان كان الشهر الماضي ثلاثين يوما رئي هلال الشهر المستقبل قبل

__________________

(١ و ٣) ج ٤ ص ١٧٧.

(٢ و ٤) ج ٢ ص ٧٣.

٢٨٩

الزوال في اليوم الثلاثين. انتهى.

وبالجملة فالمسألة لما ذكرناه محل تردد واشكال ، ولا يبعد عندي خروج أخبار أحد الطرفين مخرج التقية ، إلا ان العامة هنا على قولين أيضا والقول المشهور بينهم هو المشهور بين أصحابنا ، نقله في المنتهى عن الشافعي ومالك وابى حنيفة ، وعن أحمد فيه روايتان ، ونقل القول الآخر عن الثوري وابى يوسف (١).

الخامس ـ في التطوق والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا عبرة به ، ونقل عن ظاهر الصدوق اعتبار ذلك حيث أورد في كتابه رواية محمد ابن مرازم المتقدمة في الموضع الثالث (٢) الدالة على انه إذا تطوق الهلال فهو لليلتين ، بناء على قاعدته المذكورة في صدر كتابه.

وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة الميل الى ذلك حيث قال بعد ان نقل عن الصدوق ما ذكرناه : ويدل على اعتبار ذلك الخبر المذكور وهو صحيح ، ونسبته الى ما يعارضه نسبة المقيد الى المطلق فمقتضى القواعد العمل بمقتضاه ، فاندفع ما قال المصنف في المنتهى بعد إيراد الخبر المذكور : وهذه الرواية لا تعارض ما تلوناه من الأحاديث. انتهى.

وفيه ان المعارض لا ينحصر في ما ذكره من الأخبار المطلقة الدالة على وجوب الصوم بالرؤية أو الشاهدين أو مضى ثلاثين يوما ، بل المعارض هنا إنما هي الأخبار الدالة على انه مع إفطاره اليوم المشكوك فيه لا يقضيه إلا مع قيام البينة بالرؤية (٣) وبمقتضى اعتبار التطوق انه متى أفطر يوم الشك ورئي في الليلة الثانية متطوقا فإنه يجب القضاء بمقتضى هذه الرواية ، مع ان الروايات الصحاح الصراح قد استفاضت بأنه لا يقضى إلا إذا قامت البينة بالرؤية وإلا فلا ، ولا ريب في

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ١٦٨.

(٢) ص ٢٨١.

(٣) الوسائل الباب ٣ و ٥ و ١١ من أحكام شهر رمضان.

٢٩٠

ضعف هذه الرواية عن معارضة تلك الأخبار المشار إليها.

السادس ـ في عد خمسة أيام من أول الهلال من السنة الماضية فيجب صيام يوم الخامس منها ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا اعتبار بذلك بل الظاهر انه لا خلاف فيه حيث انه لم ينقل القائل بخلاف ما ذكرنا.

نعم ورد في الاخبار ما يدل على ذلك وهو ما رواه الكليني والشيخ (طيب الله مرقديهما) عن عمران الزعفراني (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة فأي يوم نصوم؟ قال. انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم يوم الخامس».

وعن عمران الزعفراني أيضا (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انا نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما فأي يوم نصوم؟ قال : انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وعد خمسة أيام وصم اليوم الخامس».

وحملهما الشيخ على ان السماء إذا كانت متغيمة فعلى الإنسان أن يصوم اليوم الخامس احتياطا فان اتفق انه يكون من شهر رمضان فقد أجزأ عنه وان كان من شعبان كتب له من النوافل ، قال : وليس في الخبر انه يصوم يوم الخامس على انه من شهر رمضان ، وإذا لم يكن هذا في ظاهره واحتمل ما قلناه سقطت المعارضة به ولم يناف ما ذكرناه من العمل على الأهلة. وقال ان راوي هاتين الروايتين عمران الزعفراني وهو مجهول وفي اسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصون بروايته.

أقول : ومن ما وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة زيادة على الخبرين ما قدمنا نقله عن كتاب الفقه الرضوي في الموضع الثالث (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أحكام شهر رمضان ، والشيخ يرويه عن الكليني.

(٢) الفروع ج ١ ص ١٨٤ و ١٨٥ وفي الوسائل الباب ١٠ من أحكام شهر رمضان.

(٣) ص ٢٨١.

٢٩١

وما رواه في الكافي في الصحيح الى صفوان بن يحيى عن محمد بن عثمان الخدري عن بعض مشايخه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول».

وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال عليه‌السلام إذا صمت شهر رمضان في العام الماضي في يوم معلوم فعد في العام المستقبل من ذلك اليوم خمسة أيام وصم اليوم الخامس».

وما رواه ابن طاوس في كتاب الإقبال (٣) نقلا من كتاب الحلال والحرام لإسحاق بن إبراهيم بن محمد الثقفي عن احمد بن عمران بن ابى ليلى عن عاصم بن حميد عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) قال : «عدوا اليوم الذي تصومون فيه وثلاثة أيام بعده وصوموا يوم الخامس فإنكم لن تخطئوا».

وعن احمد عن غياث ـ أظنه ابن أعين ـ عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) مثله (٤).

وكيف كان فإعراض الأصحاب قديما وحديثا عن الفتوى بمضمون هذه الاخبار أظهر ظاهر في طرحها.

وأنت خبير بان أخبار هذه المواضع الستة التي ذكرناها لا تخلو من تعارض وتناقض بعضها مع بعض ، لان العمل على بعض منها ربما ينافيه العمل على البعض الآخر ، فالأظهر هو طرح الجميع كما حققناه والرجوع الى الأخبار المستفيضة بالرؤية أو شهادة العدلين أو عد ثلاثين يوما من شعبان (٥) كما عليه كافة العلماء الأعيان. والله العالم.

السابع ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من لا يعلم الشهر كالأسير في يد المشركين والمحبوس يتوخى وينظر ما غلب على ظنه فيصومه ويجزئه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٠ من أحكام شهر رمضان.

(٥) الوسائل الباب ٣ و ٥ و ١١ من أحكام شهر رمضان.

٢٩٢

مع استمرار الاشتباه ، وان علم اتفاقه في شهر رمضان أو تأخر ما صامه عن شهر رمضان أجزأه أيضا وان ظهر تقدمه لم يجزئه. وهذه الأحكام كلها اجماعية على ما نقله العلامة في التذكرة والمنتهى.

والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ بسند فيه توقف والصدوق في الفقيه بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قلت له رجل أسرته الروم ولم يصم شهر رمضان ولم يدر أى شهر هو؟ قال يصوم شهرا يتوخاه ويحسب فان كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزئه وان كان بعد شهر رمضان أجزأه».

وما رواه الشيخ المفيد في المقنعة عن الصادق عليه‌السلام مرسلا (٢) «انه سئل عن رجل أسرته الروم فحبس ولم ير أحدا يسأله فاشتبهت عليه أمور الشهور كيف يصنع في صوم شهر رمضان؟ فقال : يتحرى شهرا فيصومه يعنى يصوم ثلاثين يوما ثم يحفظ ذلك فمتى خرج أو تمكن من السؤال لأحد نظر ، فان كان الذي صامه كان قبل شهر رمضان لم يجزئ عنه ، وان كان هو هو فقد وفق له ، وان كان بعده أجزأه».

ثم ان باقي أحكام شهر رمضان تعلم من ما تقدم ومن ما يأتي ان شاء الله تعالى

الفصل الثاني

في صوم القضاء

وفيه مسائل الأولى ـ قد تقدم في المطلب الثالث من المقصد الأول (٣) سقوط التكليف عن الصغير والمجنون والكافر والحائض والنفساء والمريض المتضرر به والمغمى عليه والمسافر ، إلا ان من هؤلاء من يسقط عنه الأداء والقضاء معا ومنهم من يسقط عنه الأداء خاصة وهو الحائض والنفساء والمريض والمسافر.

فاما ما يدل على سقوط الأمرين عن الصغير والمجنون فحديث رفع القلم عن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من أحكام شهر رمضان.

(٣) ص ١٦٥.

٢٩٣

الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق (١). وهو اتفاقي نصا وفتوى.

واما ما يدل على سقوطهما عن الكافر فقد تقدم في المطلب المشار اليه نقل الأخبار الدالة عليه.

واما ما يدل على سقوط القضاء عن المخالف الذي هو عندنا من الكفار فيدل عليه الاخبار المستفيضة :

منها ـ صحيحة الفضلاء عنهما (عليهما‌السلام) (٢) «في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وانما موضعها أهل الولاية». وبمضمونه أخبار عديدة.

والمفهوم من الأخبار ان سقوط القضاء عنه بعد الإيمان والإقرار بالولاية ليس من حيث صحة إعماله كما يفهم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) لتصريح الأخبار المستفيضة ببطلانها لاشتراط صحتها بالولاية وانما هو تفضل من الله عزوجل لدخوله في هذا الدين.

ومن ما يدل على ما قلناه بأوضح دلالة صحيحة محمد بن مسلم (٣) وهي طويلة حيث قال في آخرها : «وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا امام له من الله ظاهر عادل أصبح ضالا تائها وان مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق ، واعلم يا محمد ان أئمة الجور واتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات وسنن البيهقي ج ٨ ص ٢٦٤.

(٢) الوسائل الباب ٣ من المستحقين للزكاة.

(٣) أصول الكافي ج ١ ص ١٨٣ وفي الوسائل الباب ٢٩ من مقدمة العبادات.

٢٩٤

عَلى شَيْ‌ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» (١).

وصحيحة أبي حمزة الثمالي (٢) قال : «قال لنا على بن الحسين (عليهما‌السلام): أى البقاع أفضل؟ فقلنا : الله ورسوله وابن رسوله أعلم. فقال لنا : أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ولو ان رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينتفع بذلك شيئا».

وعن الصادق عليه‌السلام (٣) «سواء على الناصب صلى أم زنى».

وقد نظمه شيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (قدس‌سره) فقال :

خلع النواصب ربقة الإيمان

فصلاتهم وزناؤهم سيان

قد جاء ذا في واضح الآثار عن

آل النبي الصفوة الأعيان

وظاهر الاخبار ان ثواب تلك الأعمال الباطلة من صلاة وصيام ونحوهما يكتب لهم بعد الايمان.

ومن الاخبار في ذلك صحيحة ابن أذينة (٤) قال : «كتب الى أبو عبد الله عليه‌السلام ان كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم من الله عليه وعرفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه ويكتب له إلا الزكاة. الحديث».

اما لو ترك تلك العبادة بالكلية أو أتى بها باطلة في مذهبه فالظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب القضاء هنا استنادا الى عموم ما دل على وجوب القضاء في تلك العبادة من صلاة أو صيام أو حج ، وهو كذلك فان التارك لها مع كونه مكلفا بها ومخاطبا باق تحت العهدة حتى يأتي بها ، وغاية ما يستفاد من تلك الأخبار الدالة على عدم وجوب القضاء هو عدم وجوب قضاء ما أتوا به صحيحا

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى في سورة إبراهيم الآية ٢٢.

(٢) الوسائل الباب ٢٩ من مقدمة العبادات.

(٣) روضة الكافي ص ١٦٠ واللفظ «لا يبالي الناصب صلى أم زنى».

(٤) الوسائل الباب ٣١ من مقدمة العبادات والباب ٣ من المستحقين للزكاة.

٢٩٥

على مذهبهم من حيث بطلانه بترك الولاية لا ما لم يأتوا به بالكلية أو أتوا به باطلا الذي هو في حكمه ، وهؤلاء عندنا مكلفون بالأحكام وان كانت لا تقبل منهم إلا بالإيمان والولاية ، وحينئذ فمتى أتوا بها صحيحة على مذهبهم ولم يبق إلا شرط قبولها فبعد حصول الشرط يتفضل الله عزوجل عليهم بالقبول بخلاف ما لو لم يأتوا بها بالكلية وكذا ما في حكمه فإنهم باقون تحت عهدة الخطاب فيجب القضاء البتة واما ما يدل على وجوب القضاء على الحائض والنفساء زيادة على الاتفاق على ذلك فهو

ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) انه قال : «الحائض ليس عليها أن تقضى الصلاة وعليها ان تقضى صوم شهر رمضان».

وفي الحسن الى الحسن بن راشد (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الحائض تقضى الصلاة؟ قال لا. قلت تقضى الصوم؟ قال نعم. قلت من اين جاء هذا؟ قال : ان أول من قاس إبليس».

واما ما يدل على القضاء على المريض فالأخبار المستفيضة (٣) وستأتي ان شاء الله تعالى.

واما المغمى عليه فإنه لا ريب في سقوط الصوم عنه لخروجه بذلك عن أهلية التكليف وإنما الخلاف في صحة صومه مع سبق النية ، وقد تقدم الكلام فيه في المطلب الثالث من المقصد الأول (٤) وانما يبقى الكلام هنا في وجوب القضاء عليه بعد الإفاقة فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا قضاء عليه ، وقيل عليه القضاء ما لم ينو قبل الإغماء ، وهذا القول منقول عن الشيخين والمرتضى (رضوان الله عليهم).

والأظهر هو القول الأول للأخبار المستفيضة ومنها ـ صحيحة أيوب بن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤١ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.

(٤) ص ١٦٧.

٢٩٦

نوح (١) قال : «كتبت الى ابى الحسن الثالث عليه‌السلام اسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته أم لا؟ فكتب : لا يقضى الصوم ولا يقضي الصلاة».

وصحيحة على بن مهزيار (٢) قال : «سألته عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب : لا يقضى الصوم ولا يقضي الصلاة». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

ولم نقف للقول الآخر على دليل إلا ما ذكره في المختلف حيث احتج عليه بأنه مريض فيلزمه القضاء تمسكا بعموم الآية (٣) واخبار وردت بقضاء الصلاة (٤) وانه لا قائل بالفرق.

وأنت خبير بما فيه بعد ما عرفت : أما أولا ـ فبالمنع من تسميته مريضا ، سلمنا لكن لا نسلم وجوب القضاء على المريض مطلقا ، والسند ما تقدم من الأخبار.

واما الروايات المتضمنة لقضاء الصلاة فهي ـ مع كونها مختلفة تحتاج أولا إلى الجمع بينها ليتم الاستدلال بها ـ مختصة بالصلاة ، وإلحاق الصوم بها قياس ، وعدم القائل بالفرق لا يدل على عدم الفرق ، هذا مع ضعفها عن معارضة ما دل على العدم من الاخبار الصحيحة الصريحة الكثيرة.

واما المسافر فسيجي‌ء الكلام فيه في المقصد الثالث ان شاء الله تعالى.

المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان المرتد فطريا كان أو مليا يقضى زمان ردته استنادا الى عموم الأدلة الدالة على وجوب قضاء الفوائت من الصيام والصلاة الشاملة للمرتد وغيره. ولا ريب انه الأحوط لتطرق المناقشة الى ما ادعوه من العموم لما صرحوا به في غير موضع من ان الأحكام المودعة في الأخبار انما تحمل على الافراد الشائعة الكثيرة التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة ولا إشكال في كون هذا المفروض من الافراد النادرة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٤ ممن يصح منه الصوم.

(٣) وهو قوله تعالى في سورة البقرة الآية ١٨٢ (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ).

(٤) الوسائل الباب ٣ من قضاء الصلوات.

٢٩٧

ثم انه ربما أشكل القول بذلك في المرتد عن فطرة بناء على عدم قبول توبته لوجوب قتله وقسمة أمواله وبينونة زوجته ، والحق هو التفصيل في ذلك والقول بوجوب قبولها باطنا وعدم قبولها ظاهرا ، وانه يجمع بين الأخبار الدالة على وجوب التكاليف الشرعية عليه من صلاة وصيام وحج ونحوها وبين ما دل على وجوب قتله وقسمة أمواله وبينونة زوجته (١).

نعم اختلف الأصحاب هنا في ما لو عقد الصوم مسلما ثم ارتد ثم عاد بقية يومه ، فذهب المحقق في المعتبر وقبله الشيخ وابن إدريس وجماعة إلى انه لا يفسد وقطع العلامة في جملة من كتبه والشهيد في الدروس بالفساد ، لأن الإسلام شرط وقد فات فيفوت مشروطه ، ويلزم من فساد الجزء فساد الكل لان الصوم عبادة واحدة فلا يقبل التجزؤ. وقال في المدارك انه لا يخلو من قوة. والمسألة عندي محل توقف لعدم الوقوف على نص فيها.

المسألة الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في من نسي غسل الجنابة في شهر رمضان حتى مر عليه الشهر كله أو أيام منه فهل يجب عليه قضاء صوم ما مضى من ذلك أم لا؟ مع اتفاقهم على وجوب قضاء الصلاة لمكان الحدث :

فالمشهور الوجوب لما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان؟ قال عليه أن يقضى الصلاة والصيام».

وما رواه الصدوق في الصحيح إلى إبراهيم بن ميمون (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من حد المرتد.

(٢) الوسائل الباب ٣٩ من الجنابة والباب ٣٠ ممن يصح منه الصوم.

(٣) الوسائل الباب ١٧ من ما يمسك عنه الصائم و ٣٠ ممن يصح منه الصوم. واللفظ هكذا : «. أو يخرج شهر رمضان؟ قال عليه قضاء الصلاة والصوم».

٢٩٨

يمضى لذلك جمعة أو يخرج الشهر ما عليه؟ قال يقضى الصلاة والصيام».

قال ابن بابويه (قدس‌سره) بعد نقل الخبر : وفي خبر آخر (١) ان من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان ان عليه أن يغتسل ويقضى صلاته وصومه إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضى صلاته وصيامه الى ذلك اليوم ولا يقضى ما بعد ذلك.

وقال ابن إدريس لا يجب قضاء الصوم ، لأن الأصل براءة الذمة ، ولان الصوم ليس من شرطه الطهارة في الرجال إلا إذا تركها الإنسان متعمدا من غير اضطرار وهذا لم يتعمد تركها. انتهى.

وهو جيد على أصوله الغير الاصيلة وقواعده الضعيفة العليلة. ووافقه المحقق في الشرائع والنافع ونازعه في المعتبر.

وربما ظهر من كلام الصدوق في الفقيه قول ثالث في المسألة ولا بأس به إلا أن فيه نوع اشكال من حيث عدم نية الغسل المنسي ، والقول بتداخل الأغسال كما هو الأظهر عندي إنما هو عبارة عن الاكتفاء بغسل واحد مع نية جملة من الأغسال لا مع عدم النية والقصد بالكلية ، وتحقيق الكلام في ذلك قد أودعناه في شرحنا على المدارك ، وقد تقدم في بحث نية الوضوء في كتاب الطهارة ما فيه مزيد تحقيق للمسألة أيضا.

وكيف كان فالعمل على القول المشهور. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض أو دم فان مات قبل البرء والطهر لم يقض عنه إجماعا نصا وفتوى.

ومن الاخبار الدالة على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل أدركه شهر رمضان وهو مريض

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ ممن يصح منه الصوم.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

٢٩٩

فتوفي قبل أن يبرأ؟ قال : ليس عليه شي‌ء ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضى».

وما رواه أيضا في التهذيب عن منصور بن حازم (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المريض في شهر رمضان فلا يصح حتى يموت؟ قال : لا يقضى عنه والحائض تموت في شهر رمضان؟ فقال : لا يقضى عنها».

وما رواه في الموثق عن سماعة بن مهران (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام فمات في شهر رمضان أو في شهر شوال؟ قال : لا صيام عليه ولا قضاء عنه. قلت : فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان ولم تقدر على الصوم فماتت في شهر رمضان أو في شوال؟ فقال : لا يقضى عنها».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن ابى مريم الأنصاري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه شي‌ء ، وان صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد ، وان لم يكن له مال صام عنه وليه».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن أبي حمزة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ قال : اما الطمث والمرض فلا واما السفر فنعم». الى غير ذلك من الأخبار.

وقد ذكر جمع من الأصحاب انه يستحب القضاء عنه وأسنده في المنتهى الى الأصحاب مؤذنا بدعوى الاتفاق عليه.

واستدل عليه بأنه طاعة فعلت عن الميت فوصل اليه ثوابها.

وأورد عليه انه ليس الكلام في جواز التطوع بالصوم وإهداء ثوابه الى

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

٣٠٠